الجمعة، 15 أبريل 2011

الصدفة و التشابه "الرد على فكرة الصدفة بالضرورة .."



كل شيء فريد ومميز :

غالباً ما نصادف في الحياة أشياء متشابهة مثل الأشخاص الأقلام الكتب ...الخ ، إلا أنه هذا الشبه دائما ما يكون " ناقص " بدرجات مختلفة ، أي أن مدى التشابه لا يصل إلى الحد " المطلق أو الأعظمي " ألا وهو " 100% " ، فمهما أتقنا صناعة أقلام الرصاص مثلا ، فلا بد لها أن تختلف فيما بينها  ولو بفارق بسيط جداً ، واذا ما قمنا بمقارنة 2 كيلو من الدقيق مثلا ، كل كيلو على حدى ، مقاسة بأفضل وأدق الميازين المختلفة ، فإنها لابد لها أن تختلف ولو بذرة طحين واحدة ، ومهما ضربنا من أمثلة ، فعند المقارنة بين شيئين فإنهما على الأقل يختلفان في الموقع من هذا الكون ، ولكلٍ موقع ما يؤثر ويتأثر به ، ولكٍ منه ينتج وناتج عن شيء مختلف بالضرورة .

وكل شيء في الوجود دائم التغيّر والتبدل إما الكلي أو الجزئي ، وهذا ما ينتج الاختلاف بين الأشياء مهما تعاظمت درجة التشابه .
وهذا الاختلاف وعدم التناظر بين الأشياء هو ما يجعل كل شيء موجود " لمرة واحدة  فقط " ، لا تتكرر ، وهذا الشكل أو الهيئة أو الوجود لهذا الشيء ، كان بفضل وجود أسباب ووعلاقات موضوعية ، ولولاها لما كان قد أخذ هذا الشكل أو الهيئة أو ما قد وجد ابداً .
وهذه الأسباب وجدت وتجمعت وأثرت بطريقة معينة على " شيء ما "  ، تختلف ولو بجزء بسيط للغاية ، بطريقة تجمعها وتأثيرها على شيء آخر .

هذا الاختلاف البسيط جداً، يتم تلمس آثاره ونتائجه ، مع مرور الوقت ، فالتفاعلات والتأثيرات بين ومع المحيط ، بين شيئين متشابهين كثيراً بنسبة 99% مثلا ، تأخذ بالازدياد شيئاً فشيئاً ، فتكون في البداية غير ملاحظة أو مهملة ، لكن مع مرور الزمن و بفرض بقاء التأثير ( مماثل ) على الشيئين ، فسنبدأ بتلمس نتيجة هذه الاختلافات البسيطة والمهملة ، ولتقريب هذه الفكرة  نستطيع أن نتخيل خطين متوازيين بينهما فارقة ميلان بسيط جداً ولنفترض0.0001  نبدأ بتمديدهما على مسافة 1 كيلو متر ، ( حيث 0.0001 هي الفارق بين شيئين متشابهين ، 1كيلو متر هي مرور الوقت ) ، لا شك أن الفارق سيزداد كلما كبرت المسافة أو ( مرّ وقت أكثر ) ، وهذا ما يحصل بين أي شيئين متشابهين جداً .

فإحتمال وجود شيء ما ، على هيئة ما ، في هذا الكون أو( الأكوان ) اللامتناهي هو 1/ لا نهاية ، فهذه الشجرة وهذا القلم وعلبة السجائر هذه ..الخ ، نسبة وجودها على الموجودات في الكون أو لنقل بمعنى أدق ، أن نسبة تواجد وترابط مكوناتها بالنسبة لباقي الموجودات هي 1/ لا نهاية .


إستنتاج قابل للنقاش :

واذا كانت الصدفة هي احدى الاحتمالات الممكنة الحدوث ، و كل شيء يحدث لمرة واحدة ، فكل شيء هو " صدفة بالضرورة ".


الرد :

الظروف قد تؤدي إلى التشابه بنفس المقدار الذي يؤدي إلى الإختلاف ، فالمدينة تتكون من أشياء مختلفة : مباني – جسور – حديد – المنيوم ، وبعد مرور الفي سنة ، تتحول الى التشابه ، فتصبح كومة من التراب . لا ترى فيها اي اختلافات ، اي ذهبت للتقارب .

جسم الإنسان إذا تحلل ، ذهب إلى التشابه مع التربة وقد كان مختلفاً عنها . وهذا ما اهمله الكاتب قصداً ، لتمرير لفكرة التطور . فيريد الكاتب أن يقرر أن الصدف تبني ، متناسياً أن الصدف تهدم ايضاً بنفس الدرجة ، وانظر إلى اسلوبه المراوغ عندما قال :

لا شك أن الفارق سيزداد كلما كبرت المسافة أو ( مرّ وقت أكثر ) .

فكلمة (الفارق سيزداد) تجعل العقل يسبق إلى الإبتعاد بين الخطين ، وليس إلى التقارب . مع أن العبارة لا تحدد ذلك الفارق في الميلان هل هو إلى الداخل أم إلى الخارج . وبالتالي ذهن القارئ سينصرف إلى الإبتعاد للخارج بين الخطين .

والظروف والعوامل التي تصنع الاختلاف ، هي ايضا تصنع التشابه ، وتعيد الاختلاف إلى سابق تشابهه . فبيدك مجموعة من البذور ، ونسبة التشابه كبيرة بينها ، وبعد زراعتها تعطي إختلافات ، وبعد جفافها وتحلّلها ترجع للتشابه مرة أخرى . وتعود بذورا متشابهة في يدك مرة اخرى .  وهذه دورة الحياة : بناء وهدم وبنفس الدرجة .

إذاً فالصدف ليست هي من صنعت الحياة وبنت التطور . (متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ، إذا كنت تبنيه وغيرك هادم ؟) بل إن الإنسان يصنع الإختلاف بإرادة فاعلة ، ثم تأتي الظروف الجوية وغيرها لتعيد ما بناه إلى التشابه . هذا مع حرصه على الصيانة مستعملا ذكائه وارادته ، فما بالك بالعشوائية كيف تحافظ على ما بنت ، في حين عجزت الإرادة العاقلة على المحافظة على ما تبني ؟


لماذا أُهمِل مقدار التشابه ، وتم التركيز على مقدار الإختلاف ؟ لماذا أشعرنا أن هذين الخطّين سيبتعدان عن بعضهما ؟ وأهمل أنهما قد يتلاقيان ؟ بالتالي المسلمة المنطقية خاطئة ، لأنها تفترض وبدون دليل أن اساس الاشياء واحد وهو التشابه ، ومن خلاله بدأت تختلف الاشياء عن بعضها البعض ، وهذه جذور نظرية التطور .

والكاتب اهمل الارادة الفاعلة مطلقاً ، بينما نجد ان كل ما بناه الانسان من حضارة هو نتيجة ارادات عاقلة وليس نتيجة صدف ، وكل كائن حي يملك إرادة فاعلة ، كي يبقى حياً ، وبدونها سيذهب اختلافه ويعود إلى التشابه ، اي ان الإرادة الفاعلة هي التي تصنع الاختلاف وليست الصدف ، ولو ترك كل شيء لحاله لعاد إلى التشابه ، وبدقة : للدورة الطبيعية : بناء وهدم غير واعي .

لا بد من ارادة فاعلة حتى تتغير الاشياء عن الحلقة المفرغة التي تدور فيها ، اي البناء والهدم المستمران في الطبيعة . مثلما ان الزلازل تصنع جبال ، وتاتي السيول والعوامل الاخرى لتكسّر وتحلل من هذه الجبال ، مثلما الزلازل والبراكين تفعل . لا يستطيع الإنسان أن يعيش بالصدف ولا للحظة واحدة ، فهو دائما يعتمد على ارادته ويعلم ان ترك الاشياء التب جعلها مختلفة سيعيدها إلى التشابه ، فإهمال المزارع لمزرعته ، يعني مساواتها بالتراب الذي حولها .

فأنت تقيم المزرعة وتبني المنزل وتقوم عوامل التشابه التي تريد ان تجعل ما بنيته مشابها لغيره ، فذكاؤك واجتهادك يجعل عمر الاختلاف اطول ، إذاً هناك إرادة صنعت الحياة بإرادتها وذكائها جعلتها تقاوم الإندثار ، كما صنعت في مزرعتك ، تلك هي الإرادة الإلهية والتي يقود إليها المنطق الواقعي .

فما تقوله عن بيتك ومزرعتك منطقي ، وما نقوله عن إله أوجد هذه الحياة بإرادته وجعلها تقاوم عوامل الاندثار يكون خرافة ؟  

إذا الإندثار لا يقاوَم إلا بإرادة عاقلة ،والإختلاف والتميز لا يُصنَع إلا بإرادة عاقلة . وعوامل التغيير نفسها على الأرض هي مصنوعة ايضاً بإرادة فاعلة ، وإلا لبقي كل شيء على حاله . فلو لم توجد الحرارة ، لما تحرّك شيء ، ولما نزل مطر على الجبال ، ولما تحرك الزلزال او البركان .

وهذا هو القمر أمامنا ، لم تصنع به الصدف أي شيء مميز مع أن عمره هو نفس عمر الارض . عبارة عن مساحات من الغبار والحفر . بل ان النيازك تضربه ولا تضرب الارض كعوامل مؤثرة ولم يتغير شيء : سكون وموت . بل إن كل الكواكب التي عرفها الانسان تشبه القمر . فقط الارض هي المختلفة ! هل الصدف تجمعت على الأرض وحدها ، تاركة آلاف وملايين الكواكب والاقمار متشابهة ؟ إذا هناك إرادة فاعلة جعلت لهذه الارض تميزها ، بالغلاف الجوي والمياه والحياة ، خُصَّت بها الارض دون غيرها .

وهذا التشابه بين آلاف الكواكب والكويكبات المكتشفة ، يسقط فكرة الصدفة من جذورها . كان يفترض ان نرى في كل كوكب تميز ، عالم ، من حياة أو غير حياة ، يجعله متميز عن غيره بموجب الصدف التي تعرض لها ، الحقيقة هي عكس ذلك : الأجرام السماوية كلها مملة بسبب التشابه ، والروعة والابداع والجمال فقط على الارض .

تخيل قبيلة في الصحراء او الغابات ، كلهم اميون ، فجأة تكتشف من بينهم شخصاً خبير في التفاعلات الذرية ! ويجيد عمليات التفاضل والتكامل في الرياضيات ، ويعرف كل شيء عن الطيران ، وهو لم يقرأ أو يسافر ، فهل ستحكم بأن الصدف هو من جعلته يعرف كل هذا نبينما البقية لا يملكون ولا معلومة في تلك المجالات ؟

تجمّع الصدف وترتُّبها في مكان دون أن تفعل ذلك في اماكن اخرى ، يخرجها من نطاق الصدفة العشوائية ، ويُدخِل ما حدث في نطاق الإرادة العاقلة . حدوث الصدفة عام ، اي غير معقول ان تتجمع الصدف في مكان واحد مع امكانية حدوثها في الاماكن الاخرى . وهذا ما يراد إقناعُنا به ، أن الصدف تعاونت وتكالبت ونظّمت صفوفها على الأرض ، لكي تخرج لنا الوردة الجميلة بعد أن اخرجت الانف الذي يستقبلها !! بينما لم تفعل شيئا من ذلك على عطارد المسكين أو القمر القبيح ، نحن أمام انحيازية الصُّدَف !!

هذه المقارنة تجعل الوضع مضحكاً ، وشكراً للعلم الذي اطلعنا على الاجرام السماوية التي لم نكن نعرفها من قبل حتى نقارن ، وهكذا العلم دائما في صالح الإيمان الحقيقي . كان الوضع الافضل للالحاد ولفكرة الصدفة ان يظل الفضاء مجهولا حتى الان .    

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

الإلحاد و الإيمان و الدين "الدين .. بين المؤمن والملحد .."

الدين .. بين المؤمن والملحد ..

تعريف كلمة "الدِّين" هو الالتزام بالشيء قبل النتائج معتمداً على الظن، والإدانة نتيجة له ، ويوم الدين هو يوم حساب الالتزامات سواء كانت لله أو لغير الله ، أي نوع ودقة هذا الالتزام .

فالدين هو التزامات غير مؤكدة النتائج ، فالملحد هكذا يكون على دين ، فهو ملتزم بأفكار ونظريات وخرافات غير ثابتة (كتوالد الإنسان من الأسماك ، وخروج الحيتان من الثيران كما تقول الداروينية) قبل أن يتأكد بشكل قطعي منها ،

والأخلاق داخلة في الدين ؛ لأن الأخلاق أشياء نلتزم بها قبل أن نرى نتائجها ، مثلها مثل "الدَّين المالي" وهو أن يدين أحد لآخر مبلغاً من المال ، إذاً كل البشر لهم أديان ، فالدين ليس محصوراً بالشرائع أو أتباع الديانات المعروفة ، فكل تعهد دَيْن ،

والملحد له التزامات كاملة بدينه القائم على عكس الدين الإلهي ، فلديه التزامات عقدية على مبدأ الضدية؛ لأنه يكذب بوجد إله وليس لديه أدلة قطعية لهذا ، ولديه إلتزامات أخلاقية وسلوكية تفرض عليه أن يقدم المادة على الروح ، والمصلحة المادية على القيمة الأخلاقية ، وإلا لا يكون مادياً ملحداً وسيخون دينه هكذا .

والملحد لا يرى الأخلاق شيئاً ثابتاً في النفس البشرية ، ويقدم المصلحـة المادية على الأخلاق ، وهذا التزام بتنحية الأخلاق عن الصدارة وإحلال المصالح محلها .

والمؤمن لديه التزامات كالتزامه بوجود حياة بعد الموت دون دليل قطعي ، والملحد يلتزم بعدم وجود تلك الحياة دون دليل قطعي أيضاً ، فكل شيء غير مادي يتعامل معه البشر على أنه دين !

فشخص يؤمن بأهمية الحوار فهو يدين به ، وشخص آخر يؤمن بالقوة وأنها هي الحل الوحيد فهو يدين بها ، مع أنه لم ير النتئج النهائية لها ، وهكذا نجد كلمة "دين" غير خاصة بالعبادة أو بالمؤمنين فقط ، فهي موجودة لدى جميع البشر ، وهي موقف البشر من كل معرفة غير مادية ، أو أشياء مادية لم تصل إليها المعرفة العلمية ، كنهاية الكون مثلاً ، فيبقى حولها السؤال : هل تؤمن بها أم لا ؟!

فكلما قال أحد: (في اعتقادي ...) أو (حسب فلسفتي ...) أو غيرها فهو الآن يتكلم عن دينه تجاه هذه الأمور ، هذا عن الأصل اللغوي في كلمة دين ،

وتجد هذه الالتزامات عند البشر ، ولكنهم لا يختلفون بالثابت عن طريق العلم المادي كطلوع الشمس من الشرق وغيابها من الغرب ، أو أهمية الماء للحياة ، فلا تجد أدياناً ولا مذاهب ولا فلسفات أو وجهات نظر مختلفة حولها . فإحضارك لمسمار لتثبت به قطعتين من الخشب لا يعتبر ديناً لأنه معروف النتائج ، ولا تقول أتمنى أن تلتصق هذه القطعة بالأخرى ، مع أنك ثبت مسماراً بينهما !
لكنك تقول : أكلم هذا الشخص بلطف لعله يستجيب.

{ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} .. وهذه تشير إلى قوانين ملك مصر لذلك الزمان ، والقوانين التزامات غير علمية النتائج ، ولهذا سميت ديناً ، إذاً للملحد دين ،

يثبت ذلك أيضاً منافحته عن إلحاده كما ينافح المؤمن عن دينه ، وهذه الديانة الإلحادية تقوم على عكس الديانة السماوية جملة وتفصيلاً ،

فالمؤمن يقول: يوجد إله ،
والملحد يقول: لا يوجد إله ،
المؤمن: الأخلاق أهم من المصالح ،
الملحد : المصالح أهم من الأخلاق ،
المؤمن : الأخلاق مرتبطة بأعماق الإنسان وثابتة الأصل ،
الملحد : الأخلاق غير عميقة في النفس البشرية ومتحولة حسب المصالح لأن أساسها المصالح غير الثابتة ،

وهكذا ... فكلما يقره الدين من سلوك وعبادات يأتي الإلحاد ويعاكسه ..

الشخصنة و الموضوعية "حول الشخصنة وتوسيع مفهومها .."


لا يستطيع الناس أن يكونوا موضوعيين إلا بموضوع مادي فقط, كما تتكلم بالعلوم والفيزياء والخطابات التجارية فهنا يكون الشخص موضوعياً, أما في شيء يتعلق بالإنسان فمن الصعب أن يتكلم أحد بحيادية مطلقة كأستاذ الرياضيات , بهذا الشكل يحاول الماديون أن يلغوا أهم شيء في الإنسان وهو النية ،  وتحويلها إلى مادة.


الموضوعية البحتة في الكلام عن الإنسان هي محاولة لحوسلة الإنسان (أي دراسته بالحواس فقط) ، والنظر إليه كمادة بلا روح , وهذه الموضوعية البحتة منطلقة من رؤية مادية للإنسان.

هل نستطيع أن نكون موضوعيين في تقييم الفن؟ و ما هي المعايير الموضوعية لنقد الشعر وتقييمه ؟ من يكون حساساً ويخاف من التقييم ، فعليه أن يبتعد عن الموضوعات الإنسانية إلى مواضيع علمية مادية بحتة , كالرياضيات أو الصيدلة, والعجيب أن هؤلاء الحسّاسين من الشخصنة لو أثنيت عليهم أثناء الحوار ومدحتهم ، لن يقولوا لك : كن موضوعياً ولا تشخصن الحوار!

الشخصنة هي مخرج , فكلما انحرج المادي وهو يناقش أموراً إنسانية ، اتخذ الشخصنة مخرجاً .

ثم ما هو تعريف الشخصنة؟ هل هي الإساءة والألفاظ البذيئة تجاه الشخص؟ ولكن هذا متفق على خطئه..
هل هو ربط الفكرة بالمقاصد وما تؤدي إليه ؟ إنه هذا هو ما يهربون منه ويصنّفونه من ضمن الشخصنة. 
أنا بالنسبة لي ، لا أبالي ولا أعتبر ذلك شخصنة ، أن تربط ما أقوله بنواياي حسب ما يتضح لك ، وأن تملك عليه بعض الأدلة على الأقل ، ولكن لماذا يخشاها الملحد؟

أما الاستهزاء الشخصي أو الأوصاف الجارحة والمقذعة فهذا متفق عليه بأنه غير أخلاقي ، سواء مع من يتفق معك أو يخالفك.

الملحد لا يتحمل حتى كلمة "أنت" ويعتبرها شخصنة , فهو يخاف من النظرات ، كما يقول أحد زعمائهم "الجحيم هم الآخرون", هذه الرهافة والحساسية المفرطة تقتضي أن تبتعد عن النقاش في الأمور المتعلقة بالإنسان إلى أمور مادية صرفة ، حتى لا يُمس شخصُك ولا يقال لك "أنت" !

والشخصنة بمعنى ربط النيات وتحليل المقاصد ، هذا شيء أنا أقبله وهو داخل في فهم الفكرة وفهم الإنسان, ولا تستطيع أن تفهم فكرة حتى تفهم مقاصدها في كل شيء يتعلق بالإنسان, أي : ماذا يراد لهذه الفكرة أن تخدم ؟ مثلما لو أقول لك : اذكر لي أو أعطني رقما من ست خانات .. ثم أسكت, وإذا سألتني : لماذا ؟ أقول لك : لا تشخصن ! لأنك تسأل عن نيّاتي !

أو إذا اقترحت أنا أن هدفك من هذا الرقم هو كذا وكذا ، اعتُبِرتُ أنني مرتكب لجريمة لأنني أقوم بالشخصنة!

 لكن لو قال شخص لآخر يحاوره أنت قذر وجبان وحقير وغبي ومتخلف .. فهذه إهانة, أو عندما يكشف من أسراره ما ليس له علاقة  بالموضوع ،  فهذه هي الشخصنة كما أراها .
إن الفكرة الإنسانية - أي الفكرة في عالم الإنسان - لا تُفهم إلا بربطها بالمقاصد, مثلاً : يقول قائل أن الأخلاق عبارة عن مصالح, وإذا قلت له أنك تريد أن تجعلها مصالح حتى تستمتع بالشهوات الحيوانية يقول أنت تشخصن !

 كيف يمكن ان نفهم الفكرة من دون فهم مقصده منها ؟ كيف نفنّد الفكرة إلا من خلال الإنسان؟ فحتى تنفي الشيء لا بد أن تثبت عكسه, فإذا أردت نفيه فمن ضمن ما ستقوم به هو أن تكشف مقاصد من يقول هذا الكلام.

إذا لم نربط الفكرة بالمقاصد فلن نستفيد شيئاً ولا يستفيد القرّاء شيئا, فالقرّاء قد لا يستطيعون كلهم معرفة أن الفكرة لها مقاصد سيئة أو حسنة ، والإنسان لا يفعل شيئاً ولا يتبنى شيئاً إلا بهذين الدافعين ، ويتبنى الآراء ويبتعد عنها بناء على معرفة دوافع أصحابها ، لأنه هو من سيدفع الثمن إذا تبنى رأياً مغشوشاً لم تكن نية صاحبه طيبة .

لتكن الشخصنة مجالاً للحوار ، لماذا نُمْنَع منه ؟ لماذا تكميم الأفواه ؟ هذا حجرٌ لحرية التعبير. (يكاد المريب أن يقول خذوني). وهذه الفكرة جاءت مصاحبة لِبَاقة الأفكار المادية التي من ضمنها الإلحاد ، كي تحمي أصحابها من أن يقترب أحد نحو نيّاتهم ، وهي درع وقاية يتخذه المريب مغلّفاً بصبغة أخلاقية، أما الحق فأبلج .

إذا شخصنت المؤمن ماذا تستكشف ؟ ستكتشف نوايا سيئة لديه ، ولكنها خارج المنظومة الفكرية التي ينتسب لها , بينما الملحد ينطلق من سوء أخلاق ، ولهذا هو حساس في كشف النوايا.

والفزع من الشخصنة هو أمر عاطفي ، ويتعارض مع مادية الملحد الصلبة , إنها تتناسب مع رومانسيين أكثر من كونها تتناسب مع ماديين, فالمادي خشن بخشونة المادة , إذاً هناك سبب آخر ومهم غير رقّة المشاعر التي ينطلقون منها , وهي أن الإلحاد ينطلق من منطقة اللاأخلاق محاولاً تزيين هذه المنطقة وإخفاء قبحها .

ثم ماذا تُصنَّف الشخصنة؟ هل هي سوء أخلاق ؟ إنها حجر لحرية التعبير.

 وأيضاً كلمة "موضوعية" على موضوع إنساني أو اجتماعي, إن الإنسان لم يثبت حتى الآن أنه مادة فقط ، ويُدرَس كعلم المعادن والصخور حتى نكون موضوعيين في دراسته , فكيف تُطلَب الموضوعية المادية العلمية في أمر ليس موضوعيا ومادياً كالإنسان ؟ كيف تكون موضوعياً في أمر ليس بموضوعي ؟ وأين الإساءة بربط الفكرة بالمقاصد أو طلب ذلك ؟ هل هذا فيه إهانة؟ أي : هل العمل بحد ذاته فيه إهانة ؟ إذا كانت النية سيئة فهذه حقيقة واتضحت ، فأين الإساءة هنا ؟ وإذا كانت حسنة فقد توضحت ايضاً .

فمن الصعب تصنيف الشخصنة على أنها سلوك أخلاقي سيء , بدليل أنه إذا كان الكلام فيه ثناء لشخصه لا يتضايق منه ، وبهذا هي تشبه معاداة السامية وهي بنت لها , فمعاداة السامية هي أن لحوم اليهود مسمومة, مع أن الكلام بالمديح هو شخصنة أيضا.

 ومنع الكلام في المقاصد من الأفكار يعيق الحوار , وأنا لا أقصد الإساءة ، فهي تُنهي الحوار أصلاً. ورفض الشخصنة يذكرنا بالطفل الذي يريد ان يفعل ما يريد ويقول ما يريد ، وإذا سألته يقول : (على كيفي .. أنا حر)!.

معاداة الشخصنة هي معاداة لسؤال "لماذا" ، و "لماذا" هي أم المعرفة .

كيف سيفهم العقل ما دامت عقدة المؤامرة ممنوعة والشخصنة ممنوعة ؟ كيف سنربط الأفكار بالبشر ؟

حوار القرآن كله يفضح النوايا ، والمسيح عليه السلام مارس الشخصنة, والقرآن فضح النوايا ، حتى نوايا الرسول نفسه : {لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} ، {تريد زينة الحياة الدنيا} ، {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} .

والأدب والرواية والشعر كلها تمارس الشخصنة ، ولو كانت موضوعية لما قرأها أحد . وتحريم الشخصنة هو من معطيات الفكر الليبرالي ، من باب أنه يفعل ما يشاء وبالتالي يقول ما يشاء دون أن يحاسب.

عن طريق معرفة الدوافع يُعرف الإنسان , أما بوضع الخطوط الحمراء فلا نستطيع أن نفهم شيئاً . الكلام بهذا الشكل الذي يريدونه يكون كلاماً وصفياً فقط ؛ مثل من يصف شيئاً من الخارج ويمنعك من تخيله وإبداء مشاعرك نحوه ؛ لأنك إن تخيّلت فسوف تشخصن!

 تماماً كأن أتكلم عن هولاكو ومنجزاته وأعماله ، ولكن إياي أن أقول أنه سفّاح ، لأن هذه شخصنة ! فقط يحق لي أن أعدّد كم قَتَل , وإذا قلنا هكذا فلربما لن يعرف التلاميذ أن هولاكو شخصية مجرمة ومروا عليه مرور الكرام, وقد يعتبرونه بطلاً!

والشخصنة بهذا الشكل لا يسلم منها حتى من يرفضها ، فلابد أن يحكُموا على نيات أحد ، فلا فائدة من أي معرفة إلا من خلال تقييم علاقتها بالإنسان .

 والمقصود برفض الشخصنة هي ألا ينتبه العوام, وهذا الخلق السيء بنظرهم الذي يسمّونه الشخصنة ليس معروفا في الاخلاق ، لا في أخلاق الأديان ولا في أخلاق الحضارات, إنه معطى حديث جداً ، ومن بنات اليبرالية و "الجيتو", وبما أنه تُحشر معه البذاءة والألفاظ الجارحة ، استطاع أن يمر هذا المعطى على الناس على أنه خلق سيء.

النيّة جزء أساسي في الإنسان ، وكل شخص ينطلق سلوكه اساساً من نوايا , ولكن الجغرافيا وسطح التربة ليس فيها نوايا ، لذلك لا توجد شخصنة في الجغرافيا , ولو أن القنوات الإخبارية اكتفت فقط بالحدث والخبر لما فهم الناس شيئاً ، ولن يفهمها إلا قلة من الناس , لذلك يستعينون بالمحللين والمعلقين ليشخصنوا الأخبار حتى تُفهم (على غير ذمة المذيع) ..

فالناس يعتمدون على المحللين في فهم ما يجري في العالم أكثر من اعتمادهم على الأخبار المجردة "الموضوعية" ، والمحللون يربطون الأفعال بالنيات, أي يمارسون الشخصنة , واسلوب الإعلام المحايد بتوضيح الأمور ، هو أن يأتي بالرأي والرأي الآخر كي يمارسوا الشخصنة دون تحمل مسؤولية من قبل الجهة الإعلامية . ويتدخل المذيع في حال الخروج للبذاءة وقلة الاحترام .

رفض الشخصنة يناسب اللصوص والفاسدين , أي أن أتصرف دون أن تحلّلني , فقل أني عملت كذا وكذا ولكن لا تقل أنه كان سيئاً ، حتى تمرّ على الذي لم ينتبه!

الشخص الواثق من صحة منطلقه وسموّه  لن يهمه من يشخصنه ، وسيجعل الكلام الذي قيل عنه موضوعاً بحد ذاته .

وعملية توسيع المصطلحات من مصائب الفكر والأخلاق والأديان ، خذ مثلاً : فكرة اللامعاداة للسامية في الغرب ، والتي اخذت تنتشر في العالم ، يشتكي الغربيون من استغلال المنظمات الصهيونية واليهودية الكثيرة بالآلاف لهذه الفكرة ، لدرجةٍ جعلتهم لا يستطيعون ان يقولوا كلمة "يهودي" في الصحف والإعلام إلا مقترنةً بمدح ، وإلا فهي معاداةٌ للسامية . 

حتى في الصحف الامريكية إذا نُشِر عن جناة من اليهود المهاجرين ، فعليهم ألا يقولوا أنهم يهود ، بل يقولوا : بولنديين او روس أو المان ، لكن إذا كان الامر فيه ثناء ، فعليهم ان يقولوا : أنهم يهود ، وليسوا روساً ولا الماناً ولا بولنديين ، ومن فعلها ، فقد وقع في معاداة السامية ، لأنه حرم اليهود من فضل الثناء عليهم ، أي يعادي اليهود ، اي يؤيد المحرقة ! أي يريد أن يتخلص من الشعب اليهودي كله وإسرائيل ! اي أنه إرهابي وعنصري ! .. وهكذا ..

ما مصيبة المفاهيم الدينية والاخلاقية إلا بتوسيعها : (قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) .. (إياكم والغلو ، فإنما أهلأهلك من كان قبلكم الغلو )

وتوسيع المفاهيم الاخلاقية يقلبها إلى ضدها ، فتدخل في باب : "كلمة حق اُريدَ بها باطل" . وهذا هو الغلو والتنطّع ، كما فعل الخوارج وقال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه هذه الكلمة عنهم ، وما التطرف الديني إلا توسيع لمفاهيم وعبادات وقيم دينية ، وهو الغلو . وأنا ناقشت الغلو في مصطلح الشخصنة ، وبقي على من يريد أن يناقش بقية المفاهيم الحسنة الموسّعَة والتي انقلبت إلى ضدها ، وليس الغلو خاصا في الدين فقط ، بل في كل فضيلة أو ما يُرَى انه فضيلة في مجتمع ما ..

فالتوسّع بالشجاعة يؤدي إلى رذيلة التهور ، والتوسع في الكرم يؤدي إلى رذيلة الإسراف ، والتوسّع في تطبيق العبادات يؤدي إلى الوسواس ، كما هو مشاهدٌ عند بعض المرضى المصابين بالوسواس القهري في الوضوء وغيره ، والتوسع في الحرية يؤدي إلى الإستعباد للشهوات .

والناس الذين يريدون تحويل الفضيلة إلى رذيلة ، ما عليهم إلا أن يتشددوا ويغالوا ويتشدقوا ، اي يوسّعوا المضمون عقلياً حتى يقلبوها إلى رذيلة ، عن طريق الاضافة والتوليد والاستنتاج والربط والقياس الخاطئ والمشاعر المبالغ فيها . وهذه هي الطريقة الوحيدة لتحويل الفضائل إلى رذائل ، والأخلاق الحسنة إلى أخلاق سيئة ، والدين إلى ضده . فطاعة المسيح كرسول كريم ومحبته ، لما زِيدت وتُوُسّع بها ، اصبح إلهاّ وأوقعهم في الشِّرْك الذي جاء المسيح اصلاً لمحاربته ! مع أن المسيح بشر ! ويقولون أنه بدافع الحب ! الحب للمسيح ! ومن الحب ما قتل .. وهذا المَثَل ايضاً دليلٌ على توسيع مفهوم الحب حتى تحوّل إلى شيء ضار .

وأقصد بالتوسيع : إدخال أشياء ليست في الشيء الاساسي . والحقيقة أن هذا التوسيع والإعمال العقلي السيء له ، هو آفة كل فضيلة ، وتستطيع ان تستنتج وتحذر من هؤلاء المتوسّعين ، فهم يعطون العقلاء الخيط الذي يدل على إدانتهم في أغلب الأحيان ، من خلال توسّعهم ومبالغاتهم .  

أنا ارى أن الشخصنة المذمومة هي :

1-    التصنيف المسبق ، والحكم على الناس من خلال افكار مسبقة وليس من خلال واقعهم القولي والعملي ، كأن يصنّف : مسلم = متشدد وإرهابي ولا يقبل الحوار ، أو : ملحد = شهواني لا أخلاقي .. أو : يهودي = جشع أناني حاقد .. إلخ التصنيفات التي تشمل الاديان والقوميات والبلدان والقبائل والعائلات .. إلخ من الأحكام العامة المسبقة التي لا تنطبق بالشرط على كل فرد ، فيكون استخدامها ظلماً للطرف الآخر . ويدخل فيه أيضاً مغالطة :  حملُ من لا تعرِف على من تعرف ، كأن تقول : أنت مثل فلان الذي اعرفه ، لأنك من نفس البلد أو من نفس الدين ، وتكون ايضاً في الأفكار ، فأنت تتكلم عن العروبة ، إذاً أنت مثل الذين اعرفهم حين تكلموا عنها ، وهكذا .

2-    ترك الموضوع أو الفكرة وصرف الحوار إلى القائل حتى يكون القائل هو الموضوع ، وليس الموضوع الاساسي . وهذا في الغالب لا يصاحبه حق .

ومن يفعل هذا هو لا يريد الموضوع والمعرفة من خلاله ، بل يريد الشخص ، 

ويريد ان يخرِج ما في داخله من حقد أو بغضاء على ذلك الشخص .

3-    إدخال امور شخصية لا علاقة لها بموضوع الحوار ، كإفشاء اسرار أو مشاكل عائلية لا يليق ذكرها ، بقصد الإساءة للآخر ولا تخدم الموضوع .

4-    القفز إلى نيات الشخص السيئة بدون دليل مما قال أو فعل ، وهذا هو البهتان الشخصي ..
أو حمل ما يحتمل أكثر من وجه على الوجه السيء فقط على طول الخط ، وهذا ظلم ، ما دام الأمر يحتمل أكثر من وجه .

5-    السب والشتم والالفاظ النابية والعبوس ، كلها تعني هجوماً على الشخص من خلال الفكرة .

هذا ما استطعت أن أعرفه عن مفهوم الشخصنة السيئة أو المذمومة . لكن إذا كنتَ متجاوزاً لكل هذه المساوئ ، وتستنتج من الافكار ، سواء كنت في حوار أو غيره ، ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الافكار ، وما دوافع وجودها لدى اصحابها ، مصحوبا بالأدلة وليس الدليل الواحد ، وتكون على استعداد دائم لتقديم الادلة ، فأنت هنا لست داخلاً في الشخصنة ، لأنك في الموضوع . 

وإن خرجتَ إلى الشخص ، فستخرج إليه بدون العيوب السابقة ، والموضوع هو الذي أخرجكَ إليه ، على مضض ، هنا أعتقد أن الأمر مختلف ، فالشخص غير مطلوب بذاته ، ولكن الفكرة هي التي قادت إليه ، دون الإساءة إليه . في هذه الحالة نحن نحترم الفكرة والحقيقة ، ولا نسيء للشخص ، وإن رأى هذا الشخص إساءة فعليه أن يحل مشكلته مع الحقيقة . وله حق الدفاع عن نفسه . وعليكَ واجب الإستماع والتوضيح .

أعتقد أن الحوار بهذا الشكل غير ضار ونافع ، وهذه هي النقطة المهمة ، أن يكون نافعاً ، ولا يكفي ان يكون غير ضار وهذا ما يهتم به أكثر الناس ، أن يكون الحوار غير ضار ، وليس كل ما لا يضر ينفع أو يستحق ما يُبذَل لأجله من مجهود ، فالحوار وسيلة وليس غاية .

الإلحاد "أسئلة واجوبة حول الالحاد.."




سؤال: هل فعلاً بعد التقدم العلمي الهائل والإكتشافات العلمية المتعلقة بنشأة الكون شكل أزمة وجود أمام الفكر الإلحادي مما حدى البعض بأن يسم الإلحاد بأنه موضة فكرية قديمة لم يعد لها قيمة ؟

جواب: هذا صحيح ، ويدل عليه كثرة المتحولين لللادينية ، التي تؤمن بوجود إله لكنه غير إله الأديان ، والتي تجتذب من لهم إطلاع أوسع وثقافة اشمل . فالإلحاد مثل الشبح الذي يعيش في الظلام ، ونجد أن العلم يلاحق ركائز الإلحاد ويضربها بالصميم ، مثلما لاحق نظرية التطور . وليس العلم لوحده من يقوم بهذه المهمة ، فكذلك الفلسفة ، خصوصا في الجانب الأخلاقي . وبدأ الإلحاد يتوجه إلى صورته الحقيقية منفصلاً عن العلم كما يبدو من موضة العدمية وعبدة الشيطان التي تسخر من العلم والأخلاق ، لأن العلم لم يعد كما يشاءون . 

وأتوقع ان المستقبل العلمي بشقّيه : المادي والمعنوي ، سيحمل الكثير من الضربات لأسس المادية والإلحاد . لأنها لم تؤسس على الحقيقة بل على الأهواء والظنون ، والجهل ، مثل ملايين السنين ، والحلقات المفقودة ، وملايين السنين القادمة ، وحسبك بفكرٍ يؤسس على عدم العلم بوجود . اي على الجهل ، دون أن يعرف البديل عن الإله . وحسبك من فلسفة تسخر من قانون السببية ، ولا تحب أن يُسأل : ما هو اصل الاشياء ومن أوجدها . فلسفة تقول : لا تسأل ، لا عن الماضي ولا عن المستقبل ، وتحكم بعدم وجود بلا أدلة قطعية.

الإلحاد يتمسك بعباءة العلم والعلم ينفض يديه عن عباءته . حتى يطرده فيما بعد نهائياً ، ويبقى الإلحاد مجرد هوى ، بدلاً من أن كان يقدّم كعلم يوافق الهوى .    

سؤال: هل فعلاً الملحد الحقيقي هو من ينكر وجود الله والأثر المترتب على هذا الوجود وغرضه الرئيسي الموضوعية والبحث العلمي وليس التشكيك أو مهاجمة الآخرين وعدم إحترام مقدسات الآخرين ؟

جواب: لو كان موضوعيا ، لما ألحد بلا دليل قطعي ، لأن الإلحاد قرار وله مترتباته وعالمه ، اي أشبه باعتناق ديانة بدون أدلة قطعية ، لها تقديسها ولها خرافاتها ورموزها واسلوبها في التعامل وفي التفكير . الباحث عن الحقيقة إذا لم يجدها ، يسمى متشككاً ومتوقفاً وباحثا في الوقت نفسه ، ولا يصنف نفسه تحت اي مسمى ، أما أن يقرر أنه ملحد ، فهذا يعني أنه وجد ما يريده .

سؤال: مالمقصود من كلام فرويد إن لم أكن مخطئاً عندما وصف الإنسان ذوالأخلاق بالشاذ المتسامي وماانعكاس هذا المفهوم على الفكرالإنساني في شتى المجالات ؟

جواب: أولاً : يقصد فرويد بهذا المصطلح ، أن الإنسان الأخلاقي شاذ عن القاعدة الاساسية للبشرية ، وهي أنها كائنات يحرّكها الليبيدو (أي : الشهوة أو اللذة الجنسية) كدافع للحياة ، كما أن فكرة التسامي Sublimation عند فرويد ، تعني أن الإنسان يحوّل هذه الطاقة الجنسية المحرّكة لحياته (الليبيدو) ، إلى نوع أرقى من شكلها الصريح – على حد تعبيره – فتخرج هذه الطاقة الجنسية على شكل إبداع وفن ومسرحيات وقصص وتنظيمات .. إلخ . 

أي أن الإنسان يستخدم التسامي وآلياته لكي ينفّس عن الكبت الجنسي فيه ، ويحوّله من الشكل الجنسي الصريح إلى أشكال غير جنسية ومقبولة إجتماعياً .. وبالتالي فإن الإنسان صاحب الأخلاق – عند فرويد – ليس إلا شخصاً ينفّس عن الكبت الجنسي فيه بواسطة الأخلاق !

ثانياً : هذه الفكرة تظهر أن الإنسان الأخلاقي ، (على ندرته) ، إنسان شاذ عن الجميع ، وتظهر الجميع بأنهم غير أخلاقيين وأن سوء الخلق هو الاصل ، إضافة إلى ما تقدّمه هذه الكلمة من تشويه لصاحب الخلق بوصفه بأنه شاذ ، وهذا تشويه يثير الضحك ، كأن تقول عن الذهب وسط كومة من الزبالة ، بأنه شاذ عنها !! وهذه العبارة تلخّص كل فكر فرويد ، في حربه على الأخلاق واعتسافه المتهالك والقلق لسلوك الإنسان على دافع واحد من دوافع الإنسان ، وهو الجنس .

ويزيد الطين بلّة ، عندما يعتسف الأخلاق وهي أمر سامي ، ويجعلها قادمة من دافع جنسي ليس سامي ، وكيف يخرج السامي من غير السامي ؟ وهذا هو نسق المادية التي تجعل العقل والأخلاق والتفكير والإبداع الإنساني منتجات مادية ، مع أن المادة ميتة . وهذه الحرب والمؤامرات على الأخلاق ، يريدون منها قلب الحقائق على ارجلها ، كي تخرج الأخلاق من الساحة ، تاركة المجال للماديين الشهوانيين كي يأخذوا راحتهم ، بدون أن يوجه إليهم نقد أو ضمير . وهذه الحيل لا تمر على كبار العقول إذا مرت على صغارها .


سؤال: مارأيك في هذه المقولة : قد يوجد ملحد ذو أخلاق لكن لايوجد إلحاد أخلاقي ؟

جواب: هذه العبارة صحيحة 100% ، لأن الإلحاد والمادية وبدون أي مبالغة ، هما عكس الأخلاق ، فليس ضد حسن الأخلاق : سوء الأخلاق ، لأنه لا أحد يريد سوء الأخلاق لذاتها ، بل ضدها هو : المصلحة المادية والإلحاد ، وهذا ليس تجنّياً على الماديين  ، بل هو من واقع فلسفتهم ونتيجة منطقية لها ..

ولو افترضنا شخص يريد أن يتخلص من الأخلاق ، فماذا عساه كائن ؟ إلا شخصاً مصلحياً مادياً ! وملحداً أيضاً . مما يثبت ارتباط الإيمان بالأخلاق ، فلا تستطيع ان تدع الأخلاق إلا ومعها الإيمان ، وهذا هو سبب عدم بقاء الملحدين على اديانهم مع الاستمتاع بكل ما يحبون ، لأن هذا يسبب تناقض عندهم ، ويثبت ارتباط الإيمان بالأخلاق . والرذيلة بإسم الحرية تحتاج إلى مبرر فلسفي لا يقدمه الإيمان طبعاً . ولهذا احتاجوا لفكرة الإلحاد .

والماديون لا يحبون ان يقرّوا بحقائق فلسفتهم وأن تكشف كما هي ، وما هذه الفلسفة التي ينتمي إليها الإنسان ويستحي أن يعرضها كما هي ، بكل وضوح ؟ 

سؤال: هل للملحد دين بالمعنى العام لمفهوم الدين ؟

جواب: الحقيقة نعم ، لان الكون كله ماديا ومعنويا مبني على الثنائيات ، فإذا لم تعتنق الشيء ، فستعتنق ضده ، ولا يوجد منطقة وسطى . والإنتقال بين الثنائيات قد لا يكون واضحا في البداية ولكنه يتضح في الاخير ، مثل ان تخرج من الابيض إلى الاسود ، ستمر بمنطقة شبه وسطى ، ولكن كلما توجهت تتجه إلى الأدكن ، مثلما يبدأ الليل : ليس مظلما في بدايته ، ولكنك تعرف انك دخلت في الليل .

الإيمان مبني على فكرة وجود اله خيّر يريد بالعالم الخير اذا هو استجاب له ، وبماذا يعرف المؤمن الله وهو لم يره ؟ يعرفه بالمحبة وبالاخلاق ، والملحد يقوم على فكرة عدم وجود اله ، هذا الاله لم يره المؤمن حتى يراه الملحد ، والمؤمن عرفه كما قلنا بالاخلاق والمعاني السامية ، وعدم وجود اله عند الملحد يعني عدم وجود الاخلاق والمعاني السامية ، وهذه هي الاساسات الخفية للفكر الالحادي ، تماما على العكس من اساسات الايمان ، لاننا امام ثنائية محكمة ..

فأنت مع الإله اي مع الحب والرحمة والتسامح ، وعلى هذا الاساس عُبِد ، وإذا كنت لست مع إله إذا أنت ضد ما يتعلق بالاله ، وهذا ما يفسر بوضوح انصبابهم على المادة تاركين الروح والمعنى وما يتعلق بهما من اخلاق ومؤثرين المصلحة المادية على اي قيمة أخلاقية ومعنوية أو إنسانية ، إلا بحدود ما يخدم المصلحة من هذه الأخلاق ، اي بعكس ما يريد ذلك الاله وما عُرِف به يكون الاتجاه .

إذا هو ديانة مضادة للايمان كامل الضدية ، أي عكس كل ما يدعو إليه الدين . ومعالم هذه الديانة ورموزها ومعتقداتها اخذة في التضخم مع الوقت وليس بالانحلال ، اعتقد ان صورة عبدة الشيطان تقدم شكلا نهائيا او شبه نهائي لهذه الديانة ، فهم من الملاحدة ، فما الذي اضطرهم لعبادة الشيطان مع أنهم لا يؤمنون يوجود إله ؟ لأن الله رمز ، والشيطان رمز مضاد له ، فإذا تركت رمز الخير ، فستذهب لرمز الشر ، ولا أحد رأى الشيطان ! ولا أحد رأى الإله ! إذا لا يوجد سوى الصفات والقيم لكليهما .

وما هو الشيء الحيادي في الدنيا حتى نستطيع ان نقول ان الالحاد حياد مثله ؟ الإلحاد يتمظهر بمظهر الحياد ، وإلا فلا وجود للحياد . بدليل ان اي ملحد تقريبا منشغل بنقض الاديان ، ودائما يحاول ان ينسب كل متاعب البشرية إلى الاديان ، ويفرح اذا وجد ما يؤيد ذلك . الملحد يعيش على الدين ، كما يعيش الفيروس على الخلية الحية . ويفرح بالكارثة أو الزلزال حتى يقول : اين الله ؟

لهذا يكون الإلحاد ليس ديانة تُصَفّ مع بقية الديانات ، لأن الديانات وإن بدا بينها تنافر في الفروع والشرائع ، فإن بينها اتفاق في الاصل ، وتستطيع ان تتعايش مع بعضها إلى حد ، والديانات تقدّم نسقية متعددة ، أما ديانة الإلحاد فهي قائمة على الاختلاف مع كل الديانات ، وهي الديانة الوحيدة الشاذة عن كل الديانات ، فهي لا تتفق معها في اي شيء ، بينما الديانات تتفق مع بعضها في بعض النقاط او الكثير منها ، خصوصا الأساسية ..

اما الإلحاد فلا يتفق مع دين على وجه الارض ، لا في الفروع ولا في الاصول ، وهذا ملمح خطير ألا يتفق الالحاد في شيء مع الاديان . مع أن الأديان قامت على فكرة الخير . (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يس : 60] وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [يس : 61] ) ، من لم يعبد الله ، عبد الشيطان ، وإن لم يعلم الآن فسيعلم فيما بعد .

سؤال: هل للإيمان بمعناه العام وجود في حياة الملحد ؟ وما مظاهر ذلك وآثاره على حياته ؟

جواب: الملحد طبعا عالة على الإيمان ، ومنه يستمد الدافع للحياة ، فالعدم لا يعطي دافعاً ، والموت لا يبعث الحياة ، فالإثارة والحماس يستمدها من صراعه مع الإيمان والمؤمنين ، سواء كان صراعاً حاراً او بارداً . يعيش ويتستر الملحد باستعارة الملابس الاخلاقية والاجتماعية من الايمان ، بل حتى اللفظية .

ولو كان ملحدا صادقا لتخلى عن كل شيء اخذه من اساس ديني ، وطبعا هذا لا يكون لأنه سيعني العدم . إذا هو متطفل على الدين ، وتعريف ملحد أي : ألحد بالإيمان ، اي هو منسوب للإيمان ، ومشاعر السخط على الإله تدل على احساسه الضمني بوجود الإله ، فيغضب عليه ويعانده ، كما اثبتت الدراسات التي اجريت على مجموعة من الملحدين . ولو ذهب الدين فماذا ستكون قضية الملحد ؟ 

سيفقد اسمه وقضيته وحماسه ، فهو يشبه النباتات المتسلقة على اكتاف الديانات . طبعا الالحاد ديانة ظنيّة وليست علمية ، لأنها تقطع بعدم وجود إله بلا دليل . وهذا ما يجعلنا نسميها ديانة وليست حقيقة علمية .
سؤال: ماترجع سرعة التحول عند الملحد أثناء المناقشة من ملحد ايجابي الى ملحد سلبي ثم الى لاديني ثم إلى اللادري ثم ينتهي به المطاف بالعنادية ؟

جواب: هذا يدل على انه ليس على اساس ، والإيجابية تحتاج إلى اساس (قانون) ، ففكرة الإلحاد هي فكرة اللاشيء والعدم ، واللاشيء لا يستطيع ان يعطي شيئاً ، والإيجابية تابعة للعطاء ، ومعاناتهم طويلة مع عدم الايجابية ، كلما انتبهوا الى انفسهم ، فالاحساس بسخف الحياة والكآبة وفقدان المتعة والعصبية وعدم تحمل الراي الآخر ، كل هذه الظواهر تدل على وجود السلبية في الداخل . مما يفضي إلى مشاعر رفض الحياة والرغبة بالانتحار ، والنسب الاحصائية تشهد بارتفاع نسب الانتحار بين الملاحدة . 

سؤال: لماذا يكثر الأنتحار في أوساط المجتمعات الألحادية مع أن الحياة بالنسبة لهم محور وجودهم ؟

جواب: ارتفاع هذه النسبة اكبر دليل على نسف النظرية المادية كلها ، التي ترى ان الانسان مادة ، ولو كان هذا صحيحا فما الذي يضطره للانتحار وهو يعيش المادة بالطول والعرض ؟ اي يعيش وجوده ؟ وهذا يثبت وجود الروح السامية التي لا تكفيها المتع المادية ، خصوصا اذا كانت على حساب القيم الانسانية العليا .

العكس تماما في حالة اشباع الشعور الانساني بالقيم الراقية والعيش عليها وأعلاها الايمان بالله ، حتى مع نقص شديد في المقومات المادية ، لا نجد الانسان يميل للانتحار بل نجده اسعد من ضده ، وكان هذا يكفي دليلا لمعرفة حقيقة الانسان ، لو انهم يبحثون عن الحقيقة . 

نحن نقول ان الانسان روح وجسد ، وأن القيم الروحية اهم من الجسد ، وهم يقولون العكس : الانسان مادة وسعادته ان ينهمك مع المادة ويمتص ما يناسبه منها ، وهو جسد في جسد . اي مادة في مادة . والنتائج والاحصائيات جاءت تؤيد كلام المؤمنين ولا تؤيد كلام الملحدين ، وهم يتجاهلون هذه الحقيقة ، و هم يدّعون انهم علميين .

يجب ألا ننسى ان ما يسمى متعاً هي تاخذ قيمتها من شعور و روح الإنسان ، إذا لا شيء له قيمة مستقلة ، فكل القيم يحددها الإنسان ، فالوجبة الفاخرة شيء ممتع للصحيح الجائع ، وشيء مقرف للشبعان او المريض ، وعلى هذا الاساس ، تفقد الماديات طعمها ونكهتها إذا كان الشعور يعاني وغير مرتاح من الداخل ، فلا يعطيها قيمتها ..

النفس من خيرها في خير عافية *** والنفس من شرها في مرتع وخم

والملحد لم يجد مبرر لحياته إلا المتعة ، فإذا زالت المتعة من الاشياء ، ماذا يبقى له من الحياة ؟ لا يبقى إلا الكآبة والعذاب الداخلي ، وحينئذ يصبح الموت هو الراحة والمتعة ، فمن عاش بدافع المتعة ، سيموت بدافع المتعة أيضاً ، لأنّه حرّف انسانيته عن طريقها إلى ربها ، فالحياة صعبة ومضنية مع وجود اللذة والتمتع ، فما بالك إذا فقدت الاشياء طعمها ؟ سوف تفقد الآمال ايضاً .

إن الأمل هو متعة مرجوة ، وأنت لا تتمتع بالمتعة الموجودة ، إذا لماذا تعيش ؟ زد على ذلك ثنائية المتعة والألم ، فإذا زالت المتعة حضر الألم ليحل مكانه ، فتصبح الحياة كلها آلام فقط . (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى) . ونلاحظ أن الإنسان حتى لو كان مؤمنا ، إذا تجمعت عليه الآلام ، يجد لذة في التفكير بالموت ، وربما يتمناه و يدعو به ، إذاً هذا هو السبب المنطقي للإنتحار .

وليست اسبابا اقتصادية كما يحاول الفكر الالحادي ان يدافع عن نفسه ، لأن في الشعوب الاسلامية من هم افقر بكثير من شخص اوروبي حتى بعد ان خسر في صفقته ، ولم يفكروا بالانتحار .

من يلاحق اللذات فقط سيجد أن آخر الحبات في عنقودها هو حبة الموت اللذيذة والاليمة في الوقت نفسه ، وهو لا ينظر إلى الموت كموت ، بل ينظر له كراحة ، وبعضهم يبحث عن حل وسط عن طريق المخدرات والسكر الدائم حتى لا يعي نفسه ، ولكن حتى المسكرات والمخدرات ، سيقل تأثيرها مع اعتياد الجسم . ولم يدفعهم للموت إلا ما هو اشد من الموت . وتطورت أساليب الإنتحار لتكون أقل عنفا ومعاناة .   
سؤال: لماذا أجد الربوبي (اللاديني) لطيف اللهجة مع الملحد شديد اللهجة مع المتدين مع أنه يمقتهما جميعاً؟

جواب: لأن هذه هي حقيقته ، فهو ملحد من أنواع الملحدين ، فهو يؤمن بوجود إله مهندس ، ويؤمن بوجود كيان يدعى إله ، فوجود هذا الإله وعدمه في حياته سيان ، تماما كحياة الملحد ، ولا قيمة حقيقية لهذا الإله ، لأنه بالنسبة لقيمة الإله ،فهي تكمن في متعلقات هذا الإله ، في علمه وتقديره ورحمته ومحبته وتحكمه بالحياة ومصيرها ، وجزاء المحسنين وعقاب المسيئين والحياة الآخرة وما يتعلق بها ..


هذه هي قيمة الإله بالنسبة للإنسان ، واللاديني جرّد الإله من اي صفة غير الخلق الذي أدار له ظهره ، غير عابئ بظالم ولا مظلوم ، ولا حق ولا باطل ، ولا يكلف نفسه ولا برسالة لهؤلاء البشر المساكين تريهم الطريق الصحيح . وهم يرونه كرسام أو مثّال بارع ، يرسم النسخ ويبتسم لجمال خلقه ثم يرميها وراء ظهره ليرسم غيرها ، وهي محاولة لأن تكون حلا وسطا بين الإيمان والإلحاد ، بحيث يكون الفرد غير ملزم بشيء ، كحال الملحد ، وغير مُحرَج بالأسئلة كحال الملحد ، ويظهر بمظهر من يمسك العصا من الوسط ، فيقول للمؤمن : أنا مؤمن مثلك ، ويقول للملحد : أنا ملحد مثلك . أي اشبه بحال النفاق .

ثم كيف يؤمن بوجود إله وينفي الاديان ؟ مع أن الأديان هي التي اخبرته بوجود اله ؟ فهو ينتقي من الاديان والإلحاد ويتعامل بانتقائية معهما . بل انه يؤمن بإله واحد ! كما تفعل الديانات السماوية !

سؤال: هل رحلة الشك التي يعيشها الملحد لها نهاية أم هي مجرد تخبطات فكرية بدون هدف أووجهة ؟

جواب: على حسب اختيار هذا الشخص ، فإذا كان قرر ان يسمع لصوت وجدانه وعقله ، سيجد الحقيقة ، لأن الحقيقة نجدها في ذاتنا ولا نجدها في الخارج ، ليست معاناتهم هي معاناة فكرية كما يحاولون أن يظهروا . المسألة مسألة اختيار : هل لدى الشخص استعداد ان يبحث عن الحقيقة ولو على حساب مصالحه وشهواته أم لا ، (لمن شاء منكم ان يستقيم ) ، من يريد ان يستقيم سيجد الاستقامة ، أما من لا يريد فإنه سيتحايل حتى على الحقائق الواضحة ..

والقرآن يذكر لنا هذه الحقيقة عنهم : ( وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [الأعراف : 132] ، هذا يدل على الكفر الاختياري ، وهذا يشبه كلام داوكينز الذي يقول بأنه لو حرّك نبي يد تمثال ، فلا بد أن يكون هناك تفسير علمي لهذه الظاهرة ولو بنسبة 1 بالمليون ، وسوف اقبل بهذا التفسير ولن اقبل بأنه معجزة . تشابهت قلوبهم (القدماء والحديثين) مع اختلاف المبرر والوليجة ..

فمبرر الاولين كان السحر ، وهؤلاء هو العلم . حتى لو لم يقدّما (السحر والعلم) دليلا قويا ، اي يعلنها بصراحة : سوف ارفض الايمان بدون دليل على رفضي ، حتى لو كان للايمان ادلة تصل إلى المليون . واستطيع ان اصدّق بأن أجساما طائرة هي التي اوجدت الحياة ، ولا استطيع ان اصدق الملائكة . هذا تحدي سافر . وموقف ذاتي وليس علمي . يكشف عن النية أكثر من كشفه عن العلم .

فيجب ان نضع نصب عينينا قضية الاختيار ، ولا نركز كثيرا على قضية الاقتناع العلمي ، لأنه إذا كان لديهم ادلة وشكوك على الايمان ، فهناك ادلة من صالح الايمان وشكوك قوية على الالحاد ايضا ، ويبقى اختيار الخير او الانانية هو الحكم . وليس بخفيّ تاثر الآراء والخطابات وانطلاقها من الرغبة والاختيار ..

فالانسان يستطيع ان يجعل الحق باطلا ، والباطل حقا ، تبعا لرغبته واختياره . فالخطابات تتغير ، ولكن النيات لا تتغير إلا اذا شاء الله . اذا النيات هي المحك . وكم من شخص كان يدافع عن الإلحاد بطريقة توحي بالعلمية والعقلانية ، ثم آمن وصار يرد على نفسه بنفس العقلية وبطريقة مقنعة أيضاً ، والعكس يقع ايضاً .   
سؤال: هل ردة الفعل لها دور كبير في إعتناق الألحاد من مثل الأعتداءات بكافة أنواعها ومايسمى بعقدة المدرس وغيرذلك ؟

جواب: من المؤكد أن لها دوراً ، بل حتى مع الله ، لأن استفتاء حديثاً كشف عن أن أكثر الملحدين يحملون مشاعر سخط على الله أكثر من مشاعر الإنكار ، وهذا الشعور بالسخط يدعم الدافع الثاني والقوي ايضاً ، وهو حب الشهوات والتخلص من التكاليف ، وهذا كله يتناسب مع شخصية الميوع ، وكأن الملحد هو طفل الله المدلل ، وتعالى الله ، الذي يعاند والده ويسخط عليه ويجحد فضله ، ويغيضه بغيره . 

وهذه أقوى الاسباب مع وجود اسباب أخرى كثيرة للإلحاد ، كالتقليد الأعمى للأقوى ، ومحاولة تكميل النقص ، والعصرنة ، وآخر اسباب الإلحاد هو قضية التناقضات العقلية أو المشاكل الفلسفية ، مع أنهم يضعونها في المقدمة . والحقيقة غير ذلك ، لأن أي مذهب تعتنقه هو ايضاً مليء بالإشكالات الفلسفية ، بما فيها الإلحاد ، هم يحاولون اي يظهروا بأن التفكير هو السبب الوحيد في إلحادهم ، مما يصبغ عليهم في تصورهم سمة الفلاسفة والمفكرين ، الذين سبقوا من حولهم بشدة التفكير . 

لكن من خلال الحوار معهم ، اكتشفنا انهم لا يحبون التفكير ولا يطيقون اطالته ، ولم يستمر واحد منهم في الحوارات إلى الآخر ، مما يسقط عنهم هذه الميزة التي يدعونها ، حتى أن بعضهم يبارك إغلاق المنتديات الفلسفية ، ويعيبون على الفلسفة ، لأنها تحرجهم وتكشف أن التفكير ليس هو السبب الأول في إلحادهم .  

 الشهوانية والإنفلات من القيود والالتزامات الدينية والاخلاقية والشرعية ، هذا هو السبب الاقوى ، لأن الله يقول ( بل تؤثرون الحياة الدنيا) ، ( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ، يسأل ايان يوم القيامة) ،  يليه السبب الثاني وهو ردة الفعل من سلوك بعض المنتسبين للدين وتسلطهم وقمعهم .

وكثيراً ما يجتمع السببين أو الثلاثة مع بعضهم ، وتأتي الشبهات في الدرجة الثالثة ، والذي يلحد بسبب الشبهات هو الأقرب للصواب ، لأنه باحث عن الحقيقة ولم يستطع من حوله ان يقدموها له بطريقة ترضي شعوره وعقله . وهذا النوع متى ما وجد الحقيقة ارتبط بها بقوة ، بدون النظر إلى شهواته العاجلة ، وهذا ما يسمى بالملحد المضطر ، والإلحاد عنده فترة شك وليست حالة يريد ان يستمر عليها ، ولا نجده منشرح الصدر بالكفر ، والنوع الاول يسمى الملحد المختار . الذي آثار العاجلة على الآجلة .
سؤال: أسمع من بعض الملحدين أنه يوجد لدى الحيوان ضمير أخلاقي ماهدفه من تبني هذا الرأي وماأثره على الحياة الإنسانية في المجال الأخلاقي ؟


جواب: هدفه أن يثبت نظرية التطور ، وأن يقلل من شأن الضمير الأخلاقي كميزة إنسانية ، بل هو مشترك مع الحيوان ، كالأكل والشرب والجنس والنوم ، وهذا داخل في حربه مع الأخلاق ، وأن الإنسان ليس مخلوقا مكرما ومميزا بأخلاقه وعقله وذوقه ، وهي من المحاولات اليائسة التي تتبناها الداروينية العجوز . 

المصلحة التي ينادون بها هي الأجدى ان يثبتوها للحيوان ، بدلاً من أن يثبتوا الأخلاق التي ينادي بها المؤمن ، وهي الأوضح ، فالحيوانات تتحرك لأجل مصالحها الغريزية ، وهذا ما نادوا به علناً ، أي الحيوانية ، الحيوان لا يملك الدافع الأخلاقي ولا فائدة له ، في حياة الحيوان . وما دام أنه ليس له فائدة فلا داعي لوجوده . أما الإنسان فلا تقوم حياته بدون اخلاق .

اما ما يذكرونه من حماية القطيع أو بعض مظاهر التعاون بين الحيوانات ، هذا كله في سياق المصلحة ، الأخلاق هي التضحية ، وهذا غير موجود في عالم الحيوان ، حتى أن الشاة أو العنز تترك ولدها يموت من الجوع ، ولا يؤذي ضرعها إذا كان متألماً ، مع أنه ممتلئ بالحليب ، والطفل يحاول وتبتعد عنه ، حتى تنهار قواه ويموت امامها ، وتذهب لتأكل ، فأين هو الضمير ؟ 

بينما الإنسان يتألم  لإبن الشاة ، و يتفرج على منظرها مع ابنها ويتألم ، ويحاول ان يقدم لهذا المولود أية مساعدة ، و يتألم لمنظر طفل يموت جوعاً في آخر الدنيا ، وربما يتبرع لماله لأجل ان ينقذه ، فالرحمة من خصائص الإنسان .

والمقطع الذي انتشر عن النمر الذي يلاعب صغير القرد بعدما قتل أمه ، قالوا أن هذا يدل على وجود الرحمة في قلب هذا النمر ، ووجهة نظري أنه كان يلعب مع ذلك القرد الصغير مثلما يلعب القط مع الفأر ، وهذه من خواص فصيلة القطط اليت ينتمي إليها النمر ، اللعب على الفريسة إذا كان ممتلئ البطن ، ويدل على ذلك سرعة حركات النمر ، بينما من يشعر بدافع وجداني لا تظهر عليه حركات سريعة ، ولماذا صعد به إلى الشجر ولم يخف عليه من السقوط ؟ وهو حديث الولادة ؟ لو كان عمله أخلاقياً لذهب به إلى أم أخرى . 


سؤال: هل الإلحاد لعب دوراً كبيراً في إرتكاب جرائم ضد الإنسانية ؟

جواب: الالحاد ليس اماً ، بل هو إبن . وإبن بار لأمه : الماديّة ، فالمادية باختصار فلسفي هي الشر نفسه ، لأن الشر لا يُراد بذاته ، بل لارتباط المصلحة المادية معه ، والمذاهب المادية تحث وتكرّس على المصالح المادية ، إذاً النتيجة هي شر . وبالتالي هي مسؤولة عن كل الشرور التي وقعت على البشرية ، من آدم إلى الآن ، حتى لو لبست المادية لباس الدين .

أما الإلحاد بذاته فله جرائمه الخاصة به ، كما فعلت البلشفية لتكرّس شعارها الذي يحمل اول كلمة : لا إله والحياة مادة . ودفعت الشعوب 50 مليوناً من القتلى لأجل تكريس هذا الشعار، هذا غير المشردين ، وهدمت الكنائس والمساجد . والنازية ليست ببعيد وهي متشربة بافكار نيتشه الملحد العنصري الذي جعلهم يعتقدون ان العنصر الالماني يجب ان يكون هو السوبرمان المسيطر على مقدّرات العالم ، و50 مليونا ايضا قضوا ضحية هذه الفكرة المادية .

هذا غير الجرائم غير الحمراء ، فالراسمالية والعولمة ونشر الاباحية ومحاربة الاخلاق وما ينتج عن ذلك من شرور ، ثم العداوة السافرة التي يشنها الإلحاد على الدين بكل الصور ، (إنك لا تجني من الشوك العنب) ، وما ضياع الشباب وانتشار المخدرات والانتحار بسبب الامراض النفسية ، إلا بسبب انتشار الإلحاد والفكر المادي .

وهذه النبذة لا يستطيع احد ان يستوعب كل الاضرار في الحاضر او المستقبل ، يكفيك من الشيء منطلقه ، تخيّل لو ان فكراً ينطلق من الاخلاق وينتشر ، ماذا ستكون نتائجه ؟ خير لا يمكن احصاؤه ايضاً ! 

سؤال: هل يمكن أن يكون العقل أداة للقمع والتنكيل بالآخرين ؟

جواب: طبعا يمكن ، وهذا ما يقع ، نقصد به : العقل المجرد ، لأن العقل مبني على احتكاك الانسان بالمادة وعلاقته بها ، فإذا اكتفى الإنسان بالعقل فقط ، يكون قد اكتفى بالمادة دون انسانيته ، وقوانين المادة مختلفة او معاكسة لقوانين الانسان ، فالرحمة والرضا والتضحية ليست في قوانين المادة ، فإذا انطلقتَ مع العقل فقط حتى ولو كنت متديناً ، فستكون ماديا فقط ، وستعتبر مشاعرك الانسانية وعواطفك ضعفا ، لأن المادة لا ترحم ، فالتاجر مثلا إذا انطلق مع قوانين المادة ، لن يتصدّق على الضعيف ، ولن يرحم المستهلكين ، طالما انه يستطيع ان يستغلهم بدون مستمسك ، وهذا سيزيد الاموال لديه ، أي سيكون مدمراً . وكذلك السياسي وغيره وغيره ، حتى رجل الدين العقلاني فقط .

لدى الإنسان ثنائية : ثنائية العقل والشعور ، ويجب ان ينسجما معاً ، والقاسم المشترك هو الانسان ، وهو مرجعية العقل ، وإذا كان العقل بلا مرجعية ، صار ممثلاً للمادة وليس ممثلا للإنسان ، فالنازية العلمانية مثلا كانت تتبنى العقلانية المادية ، وبموجب هذا وحفاظا على الاقتصاد ، يجب التخلص من كبار السن ، والمعتوهين واصحاب الامراض المزمنة ، لأنهم يرهقون الاقتصاد بلا فائدة ، وهذا ما فعلوه . وعلى هذا الاساس تأتي الشرور بإسم العقل والمصلحة ..

فليس من مصلحة رجل له طموحه ومشاغله أن يرافق مع والده المريض كبير السن للمستشفى ، لأن والده لن يعود شابا منتجاً ، وسيكون غير عقلاني وهو يقضي الاسابيع والاشهر وهو يرعى هذا الشيخ غير المفيد ، ويفوّت على نفسه فرص كثيرة ، وهكذا يكون العقل لوحده عدو الانسانية والاخلاق والدين وصديق المادة . وهم يرددون العقلانية من ضمن ما يرددون ولا يطبقونها بالشكل الكامل ، ويريدون الوصول إليها بالتدريج لكي لا يصدمون الناس بفظاعتها . ولأنهم يعرفون خطورة تلك النتائج بحيث تفصل الإنسان عن روحه ومقوماته المعنوية ، وتحوِّله إلى قطعة مادية .

إذاً العقل لوحده هو مصنع الشرور ، وما هو سوء الأخلاق إلا العقلانية بعينها . فالذي يتخلى عن رفيقه الجريح لأنه لا فائدة تعود عليه من البقاء معه ، بل إن مصالحه تتضرر ، هو فَعَل الأفضل مادياً ، وفعل الاسوأ أخلاقيا . إذا لا عقلانية مجردة بدون سوء أخلاق .

ونحن لسنا ضد العقل ، بل هو المطلوب ، ولكنه خاضع للإنسان ، وليس الإنسان خاضعاً له ، اي العقل ينطلق من شعور الإنسان ولا ينصدم معه . والعقلانية تريد ان يكون الشعور الانساني تابعا للعقل ويكبتونه ويوبخونه كلما تمرد على العقل ، فالبكاء والرحمة والحب والوفاء ، يراها العقلاني اعباءً وسلاسل تقيد انطلاقه ، فما بالك بالدين ؟ هذا النوع من العقل المنفرد لا نريده ، لأنه يحوّلنا إلى الشر بحسبة الورقة والقلم ، ونتخلى عن أخلاقنا ووفاءنا ومن أحسنَ إلينا ، ونكفر بنعم الجميع ونعم ربنا ، لأن الحسبة المادية تقتضي ذلك .

كل عدم الحكمة في الفكر المادي الغربي جاء من هنا . وهو الذي انتج مشكلة الانتحار الذي تكلمت عنها قبل قليل . كل المشكلة في المادية وتفضيلها على الإنسانية . نعم الإنسان محتاج للمادة ، وبالتالي العقل ، ولكن من هو المحتاج ؟ هو غيرهما ! كيف يُنكَر وجوده ويقلل من شأنه وهو الاساس الذي بناءً عليه طُلِبَت للمادة بناء على حاجته ؟ فهم ألغوا الإنسان وابقوا الطلب !