الاثنين، 28 نوفمبر 2011

التبعية الطبيعية والمساواة ..


اتكلم هنا عن التبعية غير القسرية عند الانثى ، التبعية الطواعية الطبيعية ، و أنها من طبيعة الانوثة ، بل هي الانوثة ، ومن يجد تفسيرا اخر للأنوثة فليقدمه ، واقصد بالانوثة هي ما يقابل الرجولة ، فالرجولة مصدر فخر عند الرجل ، ونجد ان هذا الطابع اخلاقي و ليس فقط طابعا جسميا ، فالرجولة غير الذكورة ، و كلمة الانوثة اذاً اتقابل الكلمتين : الذكورة والرجولة ، و لا ندري لماذا لم يضعوا مقابلين منفصلين للكلمتين . ولا يمكن ان تكون الانوثة تحمل طابعا جسميا فقط ..

المرأة لا تحب من يـُخضعها بالقوة ، لأنها لا تثق به ولا تسمح بذلك اصلا .. بغض النظر عن بعض العلاقات القائمة على الصراع والتسيد بين الجنسين كما يقول البعض ..

الفكر المادي هو الذي يتبنى فكرة الصراع كأصل بشري ، ما أراه هو على العكس تماما و 180 درجة .. فالأصل في الانسان هو الوئام و التبعية الطبيعية الواعية الاختيارية لمن يستحقها ، هذا هو جوهر الانسان .. الانسان في اعماقه لا يحب ان يكون غالبا و لا مغلوبا ، و يكره عقيدة الصراع ، و كذلك المرأة تكرهها .. الصراع يُفرض على الناس ، و ليس من طبيعتهم ..

إذا لم تكن إلا الأسنة مركبٌ .. فما حيلة المضطر الا ركوبها ..

فطبيعتهم هي الطاعة - في الاساس - ، ولهذا كلمة "نعم" بشكل عام ، اسهل عندهم من كلمة "لا" .. و توجد بعض الكتب التي تعلّم كيف يقول الإنسان : لا ، ولكن لا توجد كتب تعلّم كيف يقول الإنسان : نعم .. مما يدل على ان الإنسان مطيع بطبعه ، وهذا يشير الى العبودية لله ، وهو من الخيوط الدالة عليه ..   


الإنسان يحب ان يتبع الافضل في اي مجال ، وأن يُتبَع هو ايضا إذا كان هو الافضل .. اي ان علاقات الشعور البشري هي علاقة تبعيات جزئية متبادلة ، إذا استبعدنا حالات حب السيطرة المرضية .. و على حسب تركـُّز الافضل ، تتركز التبعيات الشعورية اكثر ، بطريقة تلقائية سلسة ، ولا يشعر الانسان بالذل والمهانة في حالة التبعية الطبيعية الاختيارية ، بل هي سعادته ، سواء كان رجلا او امرأة أو طفلا .. وهذا يقلب المفهوم الغربي الراسخ بان الإنسان على قدر ما يكون متحررا على قدر ما يكون سعيداً .. و لا شك ان هذا المفهوم يكرِّس التمرد والنزق بحيث يكون التحرر هو الهدف أكثر من كون الاهتمام عمّاذا اتحرر ، تحرر فقط !! ولا يردك الا الاخرين اذا رفضوا ذلك التمادي .. هذا لب الحرية الغربية .

بمعنى آخر : تمرد إلى آخر الحد المسموح ، و قف عند ذلك الحد ريثما تتوسع الحدود لتعود مرة اخرى لمواصلة التفلت ..

الحقيقة هي العكس : الانسان يريد الارتباط ، و سعادة الانسان من ارتباطاته وليست من تجرداته وتملصاته ، بشرط الا تكون هذه الارتباطات مفروضة عليه و هو يراها لا تستحق ، حينها تكون الحرية افضل ..

فكرة المساواة التي يتبناها البعض ، هي التي تخلق الصراع .. لاحظ عندما تريد ان تـُمرِّد مثلا موظفا على مديره .. ماذا ستفعل ؟ ستشعره بأنه مساو له ، بل افضل منه .. و أنه يتسيد عليك و أنت لست اقل منه خبرة .. إلخ .. حينها سيغضب و تنتفخ اوداجه ويبدأ الصراع ..

و كل اناس سوف تدخل بينهم .. دويهية تصفر منها الانامل .

هنا يحدث الصراع ، أي بعد الإشعار بالمساواة ، و من هنا نفهم الاصل الخبيث لفكرة المساواة الماسونية ، أي لخلق الصراع ، وهي التي يعتمدها كل من يريد ان يشيع الفتنة بين متصافين .

الصفاء والانتظام لا يكون إلا بالتبعية .. و التي من طبيعتها : التبديلية .. فالمراة تتبع الرجل و الرجل يتبع المرأة .. والجاهل يتبع العالم ، والمريض يتبع الطبيب ، و هكذا تنتظم الحياة .. الطبيب والعالم وغيرهم من المتبوعين ، يتبعون ايضا المتبوعين في جوانب اخرى .. هذا هو وضع " اللا قيادة مستمرة " الطبيعي و الذي افسدته اطماع البشر .. فحب السيطرة ليس غريزة في الانسان كما يعتقد علماء النفس الماديين ، و لكن الناس مجبرين عليه ، على مبدأ : إن لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب ، فالخوف و عدم الثقة في الاخرين هو الدافع الى الرغبة في السيطرة ..

التبعية الطوعية هي اتباع الافضل ، و شعور الانسان يعرف ما هو الافضل في كل وضع معين .. وهكذا تسقط فكرة المساواة ، لانها قتلٌ لكل تميز و ابداع .. عقيدة الصراع تؤدي الى الاحتكام بالقوة المادية بعدما ضُيعت قيمة القوة المعنوية و التفضيل الطبيعي ..    

ما اجمل ان يعرف كلٌ موقعه و  يقبل بما هو يستحقه .. و يثق بمن يستحق الثقة به .. اختيارا لا جبرا .. هذا هو الوضع المثالي ، و ليس وضع المساواة القسرية التي تـُفرض على الناس و تخلق الصراع ..

فكرة المساواة غير طبيعية وغير موجودة في الطبيعة ، فقدرات الناس موزعة بطريقة مختلفة .. و الشيوعية فشلت من هذا الجانب ، لانها ارادت ان تجعل الناس سواسية ، وهكذا يفكر العقل اليهودي في الغرب : يخلق الفتن من خلال فكرة خيّرة في ظاهرها ، كفكرة الحرية والمساواة ، و هم يعلمون أنه لا وجود حقيقي لهذه الافكار ولا يمكن تطبيقها ..

هل يوجد احد يمكن ان يعيش بحرية كاملة ؟ طبعا لا .. اذا هو شعار فضفاض ..
هل يمكن المساواة الكاملة بين الناس ؟ طبعا لا ، اذا هي شعار فضفاض ..

الحرية تنتج من فكرة المساواة ، و تكملان بعضهما البعض ، أنت مساوي اذا انت حر .. حر من اية قيود او تبعية .. ومن هنا ينتج الصراع .. و ما دامت المساواة هي الاصل ، فلماذا لا تكون هناك مساواة في الدخل ؟ هنا ستصرخ الراسمالية ! و ترفض المساواة ! و تعيش الراسمالية مع هذه الافكار ، جنبا الى جنب على سبيل التناقض والنشاز في الفكر الغربي ..

وعلى هذا تصبح فكرة المساواة هي التي تدمر الاسرة ، لأنها تخلق الصراع بين الرجل و المراة . والمرأة الطالبة للمساواة تريد ان تكون مثل الرجل ، واذا عاملها الرجل كالرجل ، غضبت !!

اذا متى نحتاج الى فكرة المساواة ؟ نحتاجها في الحقوق والواجبات كبشر ، فالرجل بشر والمراة بشر ، والفقير بشر والغني بشر .. و مهما اختلفت الافكار التي يتبناها الناس ، فسيبقون بشرا .. بعبارة اخرى : تجب المساواة و العدالة فيما تساوى الناس فيه ، كالآدمية .. وتصبح حماقة فيما تفاوت الناس فيه طبيعيا و ليس ماديا .. فالمساواة في القضاء بين رجل و امراة مطلوب ، لكن المساواة بينهما في الادوار الطبيعية التي فرقتها البيولوجيا بينهما أمر غير عقلاني ..

ان تطالبني في المساواة في المحبة بين الناس الذين اعرفهم ، او حتى اخواني او ابنائي ، فهذا امر غير معقول ، لأنهم مختلفون طبيعيا وعلى مقدار القرب و البعد من الفضيلة تكون المحبة .. لكن ان تطالبني بأن اعدل بينهم في قسمة مال يشتركون فيه بالتساوي ، فهذا واجب ..

المساواة مبنية على التساوي الحقيقي ، والتفريق مبني على الاختلاف الحقيقي .. وعلى هذا الاساس تكون فكرة العدالة ، فالعدالة حق فيما تساوى الناس فيه ، و باطل فيما اختلف الناس فيه طبيعيا وليس ماديا .. فإكرام الغني مقابل اهانة الفقير الذي بجانبه ، هذا ظلم ، لأنهما متساويان في الآدمية ، مع الاختلاف الهائل في القدرة المادية .. لسبب ان المادة شيء ، والإنسان شيء آخر .. و هذه المادة التي مع الغني ، قد تكون في يوم من الايام مع الفقير .

اي تفريق انساني بسبب مادي هو ظلم .. اي تفريق مبني على ما لا حيلة للانسان فيه ، هو تفريق ظالم . فمحبتنا لصاحب الاخلاق اكثر من الشخص الاخر الاقل اخلاقا ، عدالة و ليس ظلما .. لأن الآخر كان بإمكانه ان يكون مثله او افضل .. فالأمر يتعلق به و ليس بشيء خارج عنه .. لكن التفريق بين الجميلة والقبيحة او الغني والفقير ، او الابيض والاسود ، إلخ .. تفريق ظالم . لأنهم كلهم لم يخلقوا انفسهم ..  



بعضهم يشير إلى أن المقصود بالمساواة هي مساواة الفرص ، وهذا حق ، ما لم يتعارض مع الاختلاف الطبيعي . وهو ما كفله الاسلام .. فالتمييز على اساس عنصري باطل ، ليس فقط في تساوي الفرص المادية ، بل حتى الفرص المعنوية .. لكن لو افترضنا ان نساوي بين الزوج والزوجة في فرص العمل من الصباح حتى قبيل الغروب ، مع عدم امكانية توفير دور حضانة ولا خادمة ، فهل يترك المنزل و الاطفال ؟ هنا لا تـَحسُن المساواة . و أيهما من يجب ان يـُلزم ؟ لأن هناك ضحية و دورٌ معطل ، فالمراة ليست كالرجل ، والرجل ليس كالمراة ، مع ان الرجل كالمراة و المراة كالرجل .. اما اذا امكنها ان تعمل دون ان يتضرر دورها الطبيعي في المنزل ، خصوصا اذا كانت محتاجة ، فهذا موضوع ثاني ..

إن الامر المثير للابتسام ، هو ان المطالبين بمساواة الفرص هم الذين ملئوا الساحة بقيود تحدّ من تساوي الفرص !! و هي قيود منها الشهادات الدراسية الاكاديمية و نسب القبول ، والتي بموجبها يحددون العمل ، و هو تحديد فضفاض و قلما يصيب .. ولا يعني باي حال من الاحوال الاجادة فضلا عن الابداع في هذا المجال .. و كم من شخص لم يحصل على شهادة لسبب ظروفه ، حُرِم المجتمع من ابداعه و تمكـّنه لانه حُرم ان يدخل في ذلك المجال الذي يحبه ، و حـُرم من ان يستفيد من المختبرات والخبرات المتعلقة بذلك المجال .. كصورة مؤسفة لعدم تساوي الفرص التي يقدمها الفكر الغربي .. و ياتي للمراة ليساويها بالفرص بعد ان قتل اكثر الفرص حقيقة على الجميع !! و يترك الذي يشتكي مثل ذلك الشخص ، و يـذهب لينقذ ذلك الذي لا يشتكي !! وهكذا يفعل من يريد ان يوجـِد مشكلة من لا مشكلة .

والفرق بين عدم تساوي الفرص الذي يحاربه الفكر الغربي ، و عدم تساوي الفرص الذي أفرزه  الفكر الغربي ، هو ان النوع الاول يمكن اختراقه ، كما ذكرتُ من نماذج ، اما النوع الذي أفرزوه من عدم التساوي في الفرص ، فلا يمكن اختراقه باي حال من الاحوال !! الا بوضعٍ خارق للعادة مثل طالب ذو عبقرية نادرة ، و تفوق على الاساتذة و قـدّم علوما جديدة لم تعرفها الجامعة .. فبعد ان يشتهر اعلاميا ، فإن اخر من سيقبله هو مجلس الجامعة إن قبلوه ولو محاضرا !!

حواجز عدم المساواة في الفرص التي يقدمونها اكثر صلابة من حواجز عدم المساواة في الفرص التي يحاربونها !! فالفرّاش لا يمكن ان يصير مديرا باي حال من الاحوال ، حتى لو كانت قدراته افضل من المدير ، الا اذا احضر شهادات مختومة ..

الادراة قدرة طبيعية ، فما شأن الشهادات بها ؟ إن ربط العمل بالشهادات والتزكيات لهو ابشع صورة لعدم تساوي الفرص .. لأن إمكانية الحصول على الشهادات ليس فيها تساوي فرص ، فمن يملك المال يستطيع ان يتعلم بأحسن المدارس والجامعات ، أما الفقير و صاحب الظروف الخاصة فلا يستطيع ، والشهادة لا تعني الكفاءة باي حال من الأحوال ، و الواقع يثبت ذلك .. فاين هو اذاً تساوي الفرص المزعوم ؟ لا يوجد إلا البقاء اللاقوى هنا ..

الفكر المادي هو بيت الاغنياء ، و هو فكر بـُني على اساسهم و ليس على اساس الضعفاء .. على العكس من الفكر المبني على القرآن ، لانه مؤسس على الضعفاء بالدرجة الاولى و ليس على الاغنياء .. فقد حارب الربا لاجلهم وجعل الكفارات وفرض الزكاة لهم ، و حرم الاحتكار لاجلهم ، إلخ و هو كثير .. الفكر الغربي يدل بيوت الاغنياء فقط ليخدمها ، و من أسسوه كانوا راسماليين وأغنياء أو خدما لمصالحهم ..

لا نستطيع ان نكتب مقالا على الانترنت يتعلق بحياتنا إلا و يخرج من المتأثرين بالغرب ، ليقولوا لك : ما هي شهاداتك حتى تكتب في هذا الاختصاص ؟ فله مختصون هم الاحق بان يتكلموا فيه ! حتى ولو كان عن النفس البشرية التي املكها كما يملكها غيري .. فصاحب الاختصاص له الحق في ان يتكلم عن نفسي وعن جسمي وعن عقلي وعن كل شيء يتعلق بي ، فأنا كإنسان ملكٌ للمختصين كقطع غيار مفككة ، كلٌ يتناولني من جانب ، ولا شأن له بالجوانب الاخرى .. و لست ملكا لنفسي !! هذه نتائج الفكر المادي التفكيكي ..

انا اكتب الان وانا سارق من وجهة نظرهم ، فمن انا حتى اتكلم عن نفسي ، فضلا عن ان اتكلم عن غيري ، و فضلا عن ان اتكلم عن الفكر الغربي ، و من انا حتى انتقد فكرة المساواة ، ومن انا حتى اتكلم عن المجتمع ، فأنا لست مختصا لا في المجتمع ، ولا في علم النفس ولا في الثقافة الغربية ، ولا التاريخ ولا ولا ، ولا حتى في نفسي !.. 

الان نطالب دعاة المساواة بمساواة فرص ٍ بالكلام قبل العمل !! اذا الفكر المادي الغربي المعتمد على المطالبة اليهودية بمساواة الفرص ، لانهم كانوا منبوذين ، هذا الفكر نفسه هو من يضيّق على المساواة في الفرص اكثر مما يفتحها ..

ضغط التخصص والشهادات جعل الناس يطالبون باعطاء مساواة فرص و لو على مستوى التفكير و الكلام على الاقل . الفكر الغربي مثل شبكة الصياد : يبدا من الاوسع حين ترمى الشبكة ، و ينتهي بالاضيق اذا رصّت الاسماك في الصندوق ! مثل فكرة الحرية : تقدَّم على انها للجميع ، ثم تتقلص في الاخير لتبقى حرية الراسمالي بعد ان كبـَّل الاخرين بالديون . مسيّري الفكر الغربي ، يرمون شبكة الصيد على فضاء واسع ، و لكن حبالها بايديهم ، ليقلـّصوها كما شاءوا ..

سرب الطيور له قائد اذا التفتنا إلى الطبيعة و بعد ان تأكدنا من وجود تبعية في الواقع .. قطيع الغزلان له قائد او قائدة .. هكذا نرى أن هذه الفكرة الغربية (الحرية والمساواة) فكرة ذات هدف معين ليس الا ، و لا تعتمد على اصل فلسفي ثابت .. لهذا اقول : ان الفكر الغربي كله و ليست هذه الفكرة فقط ، غير مؤصّل منطقيا ولا فلسفيا ولا طبيعيا ، لسبب بسيط : وهو انه يعتمد على اللذة و المصلحة ، وهاتان منفصلتان عن القواعد المنطقية والاخلاقية ، فيلامسانها احيانا ويبتعدان عنها احيانا اكثر ..

الفكرة الصحيحة هي القابلة للتعميم ، وبما ان هذه الفكرة غير قابلة للتعميم اذا هي غير صحيحة . المساواة في القانون والحقوق والواجبات و الانسانية و الفرص كلها ضمنها الاسلام ، على اعتبار النوع الانساني كبشر ، ولا اعتبار للجنس هنا .. في حين راعى الفروق بين الجنسين ، لأنهما جنسين و ليسا جنسا واحدا ، و لم يخلط الحابل بالنابل ..

للمرأة كما للرجل ان تختار شريك حياتها دون الزام او تنفصل عنه دون الزام ، و ان تشتكي احدا عند القاضي دون حظر .. و ان تعمل خارج المنزل او لا تعمل حسب ما ترى هي ، و بعد اذن زوجها ، وإلا حصل النزاع والصراع ، فكما اثبتنا : لا بد من تبعية .. بقانون الطبيعة ولا يمكن الاستغناء عنها .. فأين المشكلة ؟؟

من يخلق المشاكل من عدم ، لا بد ان له مصلحة خفية في ذلك .. انا لا اتكلم عن التجاوزات ، من الازواج او الزوجات ، وحتى في البلدان التي انتجت فكرة المساواة .. انا اتكلم عن الفكر ..

و أما عن ربط التسلط بالتبعية ، فهذا ربط غير سليم منطقيا .. من يعتمد هذه الفكرة كأنه يقول : اي تابع سوف يظلمه المتبوع حتما ، لأن له سلطة عليه ..

أولاً : لا توجد سلطة مطلقة لاي احد على احد .. و هذه الناحية لا يحب الليبراليون ان يركزوا عليها ، و لا يوجد انفصال تام لاحد عن كل احد . اي لا وجود حقيقي للتحرر الكامل ..

أعيد و أكرر : التبعية دائما جزئية و ليست كلية .. و الظلم ليس مرتبطا بالتبعية .. بدليل حصوله من التابع على المتبوع في بعض الاحيان .. فإحصاءات في بعض الدول العربية اثبتت تفوق نسبة النساء اللائي يضربن ازواجهن بفارق كبير ! اي : التابع يضرب المتبوع ! .. و لم نأتي لقتل المتبوع من قبل التابع !

اذا الظلم ليس مرتبط بفكرة التبعية كما يحاول الفكر المادي ان يصوّر لأجل ان يمرّد الزوجة على زوجها ..

التبعية المخلصة تُضعٍف دافع الظلم و تعزز جانب الشكر .. لا تجد دافعا لان تظلم احدا وهو يعاملك معاملة طيبة ، ومن هنا فالتبعية تخلق الوئام ، وأنا أقصد بالتبعية : التبعية على حق ، لأن متابعة الظالم تجعل منك ظالما مثله .. الفكر الغربي دائما يدعو للتمرد و يكره فكرة التبعية لانها تصنع الوئام ، و تقطع الطريق على امبريالية ذلك الفكر ..

اشاعة فكرة المساواة تساوي اشاعة لفكرة الصراع .. المفروض ان نشجع على الخير والحق ، سواء كنت تابعا ام متبوعا .. ولا ننظر للاشياء باشكالها الخارجية بل بمضامينها الداخلية .. والعقلاء لا تخدعهم فكرة المساواة الغربية لأنهم يعرفون انها من الخيال الغير جميل ايضا ..

لاحظ ان الشيطان اضل ادم بفكرة المساواة ، لكي نعرف منبع الفكرة : ( ما منعكما ربكما عن تلكما الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) .. اي متساوين مع الملائكة في العلم و الخلود .. وكذلك سجود الشيطان لآدم ، فهو يريد ان يساوي نفسه بآدم الذي امر بالسجود له .. في حين لم يؤمر آدم بالسجود لإبليس ..

الأحد، 27 نوفمبر 2011

آراء في أشهر الآراء : عبدالله القصيمي ..



أيها العقل... مَن رآك؟*
عبد الله القصيمي


في الصفحه 13 من الكتاب يقول فيه ::

"
سيجد القاريء في هذا الكتاب امثال كلمات : إله , آالهه , دين , اديان , نبي , انبياء
وقد يشعر احياناً انها كلمات لا تحمل الأحترام الواجب لهذه الأسماء او ان فيها شيئاً من التهوين والمساس
إني لا يمكن ان اعني بالأله او الآلهه , إله الكون وخالقه , واهبنا القدره على الأيمان به والعجز عن طاعته
واهبنا الصبر عليه والصبر عنه
وانما اعني بذلك الطغاة والأصنام او عبث الطبيعه وحماقاتها الغبية المزعومة من ابداع الأله
او اعني به الأوهام أو النظم الأجتماعيه المتأخره الظالمة
وكذلك اعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير اديان الله وانبيائه الذين جاؤوا
ليطهروا الناس من الأهواء والشهوات فأتخذ منهم الناس محللاً للشهوات والأهواء
."

الرد : كيف يكون هذا الكلام ؟ هذا تهرب لا قيمة له من القصيمي ، وهو تهرّب سخيف وغير منطقي ، يجعلنا نتصور ان هناك انبياء مزيفين وانبياء حقيقيين ، و اله كاذب واله يستحق الاحترام !! عليه ان يوضح ، فلو كان منصفا ، لقال : الإله الذي تتصورونه ، وليس الاله الحقيقي . اما ان يطلق اللفظة هكذا بدون تقييد ، فمعلوم اين سيتجه الذهن .

ثم حتى هذا الاحتراز لا قيمة له . فكلامه كله مليء بانتقاد الاله والانبياء ، ولم نجد انبياء او اله اثنى عليهم حتى نبرر له بأنه لا يقصد هذا أو يقصد ذاك .

في كتابه يمدح الشهوات ، وهو يقول في هذا الاحتراز: ان الانبياء طهرونا من الشهوات !! القصيمي والتناقض وجهان لعملة واحدة . ثم هل صفات الإله الحقيقي التي يذكرها في هذا الاستثناء تدل على احترام ومحبة أم لا ؟ يقول : 


إني لا يمكن ان اعني بالأله او الآلهه , إله الكون وخالقه , واهبنا القدره على الأيمان به والعجز عن طاعته
واهبنا الصبر عليه والصبر عنه

ثم ماذا نفعل بالعبارات الالحادية المتناثرة في كتاباته ؟ والالحاد لا يعني وجود اله ، لا خيّر ولا شرير من الاساس . وهذا ما يجده القارئ المتتبع لكتاباته طافحا في كتبه . ثم هو لم يكشف عن عقيدته ان كان ملحدا او لا دينيا او ربوبيا ..

ومثل هذه التعويذة وهذا الحرز الذي وضعه في اول الكتاب ، يستطيع ان يفعله اي احد ، بعد ان ينتهي من كتابه المليء بالانتقاص والتهكم لاي شيء ، قائلا في تعويذته : قد يظن القارئ انني انتقص من هذه الاشياء ، بينما انا لا اقصد ما يتبادر الى اذهانهم .. اذا لماذا لا تكتب ما تقصده من الاساس ؟ هذا تناقض ونفاق وتضليل للقارئ ..

الكاتب التنويري لا يعتمد على الغموض وتمويه الالفاظ ، فإن جازت لشاعر فلن تجوز لمفكر  كما يسمّى . لأن الفكر يعتمد على الوضوح ويحاول ان يصل اليه ، ولا يعتمد على التورية والغموض ، ولا يوجد فكر باطني .

 *إن الذي لا يعلم بوجودي لا يُعَدُّ مسيئًا إليَّ. ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي ويعلن اعترافه بي، ثم ينسب إليَّ الشرور والنقائص.
الرد: هذا مافعله هو مع الله ..كيف يرضى لله ما لا يرضى لنفسه ؟ بهذه الصورة صار هو أكبر من الله ..
 *
إن الشيخ الذي يملأ لسانه بالله وتسبيحاته، ويملأ تصوراته بالخوف منه ومن جحيمه، ثم يملأ أعضائه وشهواته بالكذب والخيانة والصغائر وعبادة الأقوياء، لهو أكفر من أيِّ زنديق في هذا العالم
.

الرد: هذا كلام صحيح إذا لم يكن منطلقا للتعميم ..، إذا كان يخاف الله كيف يفعل الموبقات التي لا ترضي الله ؟ هذا تصوير متناقض .

هو يقول : يملأ تصوراته ، وماذا يفعل الخائف سوى ان يملأ تصوراته ؟ اذا التناقض في كلامه قائم . و الفرق بين ان اقول : الخائف من اللصوص يملأ قلبه ، او يملأ تصوراته ، بالصور المفزعة او المخيفة للصوص و هم يسطون على منزله ، هو فرق يساوي الصفر .

فما دام الشخص تصوّر ، إذا هناك دافع وراء التصور ، فتصوَّر صورِ الخوف والفزع من عقاب الله لا يدفع اليه الا خوف من الله . إذا القصيمي لم يكن دقيقا في تعبيره . ومن ملأ تصوراته عن شيء ، فقد ملأ قلبه من ذلك الشيء . فكأن القصيمي يريد ان يجمع متناقضين في آن واحد في ذلك الشخص . والحديث النبوي يقول : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن . و من هنا فائدة تذكير الإنسان بالله ، إذا هو ألمّ باقتراف معصية .

أما ان تكون تصورات الفزع من عقاب الله وانتهاك حرماته تقع في نفس الوقت ، فهذا شيء غير منطقي .


* إن الإله، في كلِّ افتراضاته، هو سلوك، لا ذات فقط. فإذا لم يوجد سلوكُ إله فلن توجد ذات إله.

الرد: من يستطيع أن ينكر الذات يستطيع أن ينكر السلوك أيضا والعكس صحيح . ليس هناك أسوأ من الإنكار والجحود الكامل بل حتى الإنسان لا يواجه في حياته أسوا من هذا الموقف من قبل الآخرين فما بالك بالخالق ؟

الإنسان لديه قدرة خارقة على الإنكار والتكذيب , أكثر من قدرته على الإثبات في كل شيء , يعني القدرة على الكفر أسهل من القدرة على الإيمان .لذلك نجد أنه من السهل على المرأة التي عاشت عمرا مع زوجها وأكلت خيره وشبابه أن تقول في لحظة ما رايت منك خيرا قط , لكن قلة هي الزوجات الائي يعترفن ويفين ولو ببعض مما قدم لهن من معروف , إذا الإنسان ظلوم كفار , في حياته الإعتيادية , والكفر بنعم الله ليس بالأمر المستغرب على الأكثرية لأنهم يفعلون الكفر مع البشر  أيضا ، وقال تعالى ( إن الإنسان لظلوم كفار ) .

لدرجة أن من يجحد الفضل ليس بمستغرب قدر ما يستغرب الوفي الشكور  في سلوك الناس العادي , إذا من يكفر بنعم الله لم ياتي بجديد وليس عملا خارقا أن تكون ملحدا كافرا لأن هذا هو الشائع والأكثر العجيب هو من يشكر مع إمكانية الكفر هنا الروعة والجمال الأخلاقي .

وأنا لا اقصد المرأة ، فهذا يقع من الرجال ايضا ،ـ فكم من رجل كفر بما قدمت اليه زوجته ، ولكن اكتفيت بهذا المثال لشهرته .

كلام القصيمي هذا عبارة عن انتقاد غير مقصود لاله اللادينيين الذي فعلا لا سلوك له . نستطيع الحكم عليه بما هو الخير وما هو الشر أولا .  

*
لقد وُجِدْنا، فأردنا وجودنا، ثم وضعنا له تفسيرًا عقليًّا وأدبيًّا.

الرد: نحن لم نوجد أنفسنا والأقرب للعقل أن من أوجدنا أوجد لنا تفسيرا عقليا وأدبيا مادمنا لم نوجد أنفسنا , والجميع يفعل ذلك مؤمن أو غير مؤمن .
* إننا نحب حياتنا وأنفسنا بقدر ما نستطيع، لا بقدر ما نعرف. إننا لم نعرف شيئًا.

الرد: إذا لماذا الإعتماد على العقل فقط في الفكر الملحد ؟ والإنسان لا يعرف شيئا بموجب هذه الشهادة من مفكر ملحد .وأنت تقدم للإلحاد مبررات عقلية بل هذا الكتاب نفسه هو نقد للعقل . هذا تناقض يكشف عن رغبة الإلحاد أكثر من الإقتناع بالإلحاد .

ويؤكد أن حبنا لانفسنا أكبر من معرفتنا ، ويسوق هذا المثال للمؤمنين لأجل نقد فكرة الإيمان ، بينما نسي انها تنطبق ايضا على فكرة الإلحاد ، على اعتبار ان كل معرفة الانسان هي اقل من رغبته ، و كلمة انسان تشمل المؤمن والملحد ، فالملحد ألحد رغم معرفته القليلة ، والمؤمن آمن رغم معرفته القليلة ، وكلاهما بدافع الرغبة والحب .



*
إن جميع ما يفعله البشر ليس إلا علاجًا لغلطة وجودهم.

الرد: لماذا حكمت أن الوجود غلطة ؟وماهو الصحيح إذا ؟ أهو عدم الوجود والإنتحار ؟  ثم أسأل ماهو علاج الملحد لمشكلة الوجود ؟ الملحد لم يفعل شيء سوى الإنغماس بالشهوات , وإنكار ماسوى ذلك . فعلاج الفكر المادي الملحد لهذه المشكلة هو الأبعد عن الواقع والأضعف من بين محاولات أخرى أكثر جدية قامت بها الأديان والفلسفات الأخلاقية .هي معالجة الإلحادية هازلة تعتمد على تناسي المشكلة والإنشغال عنها بالمتعة وكأن المشكلة غير موجودة مع أنها موجودة .


إن الإنسان هو وحده الذي تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها.
*
لقد خلق الإلهُ الإنسانَ لكي يعبده ويطيعه. ولكنه كان يعلم قبل أن يفعل ذلك أنه لن يعبده ولن يطيعه. فهل كانت رغبته في عبادة الإنسان له غير ناضجة، أم كانت خطته لتحقيق رغبته غير كافية؟
*
إن من أسوأ ما في المتديِّنين أنهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين
.   

الرد: وإذا كان المفكر فاسد ، ما العمل ؟ وماعلاقة هذا بالمقدمة السابقة ؟


* إن المطلوب عند المتديِّنين هو المحافظة على رجعية التفكير، لا على نظافة السلوك.

الرد: هذه المشكلة موجودة  بكثرة ولكن لا يجوز التعميم , والقصيمي يمارس التعميم بدون تثبت ويدعي العلمية والموضوعية


* إن افتراض أن العقائد القوية هي التي تصنع الأعمال الكبيرة غير صحيح. إن حوافز الإنسان، لا عقائده، هي التي تصوغ كلَّ نشاطاته.

الرد: الحوافز بدون عقيدة تصنع تناقض وتضارب وعدم تناسق بين هذه الدوافع وتعطى بعض الغرائز أكثر  على حساب غرائز أخرى العقيدة الصحيحة تنظم ذلك , الإنسان بحاجة إلى معتقدات تنسجم مع دوافعه كي تضمن عدم التناقض , والسير في طريق واحد , والواقع لا يثبت صحة هذا , العقائد كانت وماتزال من أقوى الدوافع قال أحمد شوقي : إن الحياة عقيدة وجهاد ..

والعقيدة تشمل الفلسفة لا يشترط أن تكون دينا كما يتوقع القصيمي , هذا الكاتب ينطلق من عقيدة تنفي وجود إله وتعتمد على المادة ونلاحظ أن عقيدته تكذبه لأن كل ماكتبه كان بدافع العقيدة الإلحادية وليس بسبب دافع آخر ,هو يريد من المؤمنين أن يتركوا عقائدهم بينما هو يتمسك بها ويبشر بها ، إذا الأفكار والعقائد هي أقوى محركات الإنسان بل لأجلها يعيش ,, فهو ضرب لنا مثلا ونسي نفسه . وعقيدة هذا أكبر دافع له على الكتابة .


* الإنسان، قبل تديُّنه، وجد أن من الصعب عليه أن يكون ملتزمًا بضوابط الحياة المثلى، فتديَّن لأنه وجد أن من السهل أن يكون معتقِدًا.

الرد: الإعتقاد بدون عمل نفاق , الإعتقاد يقتضي النية والنية تقتضي التطبيق ..والحياة المثلى أسهل من الحياة غير المثلى , إذا لم تكن على طريق خاطئ , قال تعالى ( ونيسره لليسرى ) مشكلة القصيمي وأمثاله أن الإسلام عنده يساوي المسلمين , كان الأجدى بالمفكر أن يتخلص من هذه الإشكالية ويدعها للعوام , كان الأجدى أن ينتقد الإسلام في قرآنه وصميمه بدلا من أن ينتقد المتدينيين , هذا ما ينتظر مما يسمى مفكرا .

أما العوام فمعروف أن هذه طريقتهم , فهم يعرفون الناس أكثر من معرفتهم للفكر، والمفكر الحقيقي يعرف الفكر أكثر من معرفة للناس , بدليل أن سلوك القصيمي  وتحولاته العقائدية كانت بسبب ردود أفعال من المتدينيين , قضيته مع رجال الدين المسلمين أكثر من أن تكون مع الإسلام , وهكذا تدرج به المذاهب حتى وصل إلى الألحاد , وهذا ما يحصل لأي شاب تضايق من تشدد والده , على صلاة الفجر ..نحن لا نلومه بأن يستنكر بعض السلوكات والمفاهيم الخاطئة للدين ..

اللوم في عدم التصحيح للفكر الديني والإكتفاء بالهروب نكالا بمن آذاه , كالأعمى الذي يكسر عصاه على رأس خصمه ..المفكر الصلب هو الذي لا يتأثر بالألم ولا بالمتعة حتى لو كان صاحبه تحت أشد وطأه الآلام ،لا يمكن أن تعرف ذلك لأن الحقيقة ليست أمرا ذاتيا , وإعترافه بأنها حياة مثلى وبرر تركها , ومابعد الأفضل إلا الأدنى , الإنسان يبحث عن الأمثل لا أن يهرب من الأمثل  , بحيث لا تعرف رغبات ولا آلام صاحبه  ولا تنطبع على ذلك الفكر , وهذا لا يكون إلا  لمن تعشق الحقيقة وأنكر ذاته  .

المفكر العظيم لا يفكر إلا بالدين ، هل يستحق القصيمي هذا اللقب الذي يلصقه به اتباعه ، المفكر العظيم هو من يفكر بكل شيء ، وليس فقط بنقض الدين ، لقبه الصحيح أن يسمى – أرأيت الذي يكذب بالدين – فقط ، وليس مفكر عظيم ، المفكر العظيم يقدم لنا أرآؤه في كل مجالات الحياة ، ونستطيع أن نسترشد بارآءه في فهم الإنسان وفي الاقتصاد والتنميه وفي العلوم والأديان كذلك ، وليس فقط محاربة الدين الإسلامي فقط تصنع منك مفكرا عظيما ، هذا نقص في الثقافة وفي الموسوعية وفي الفلسفة ..

القصيمي لا هم له إلا نقض الدين الدين الإسلامي ، وليته ينقض الدين الإسلامي فلسفيا ، بل هو ينتقد مشائخ الدين الإسلامي حيث كان واحدا منهم في يوم من الأيام ، والتنافس والغيره فعلت فعلتهما ونزغ الشيطان بينه وبين رفاقه علماء الدين ، كلا يريد المكانه والتفوق على حساب الآخر ، لم يتفوق فأصابته ردة فعل فأراد أن يوصلها الى الآخر بطريقة متطرفه ، فقرأ لملاحدة الغرب وتبنى أفكارهم ، ثم صاغها على أنها من بنات أفكاره لكي يأتي كل مصاب بردة فعل ليجعل منه شيخاً عظيما ، إنه شيخ ردود الأفعال .


*
أكثر الناس خروجًا على التعاليم هم أقوى مَن وضعوا التعاليم. إن أفسق الحكام والمعلِّمين هم أقوى الناس دعوةً إلى الأديان والأخلاق.

الرد: فكرة مأخوذة عن نيتشه .. وتستمر مشكلته مع رجال الدين .. وهي مشكلة إجتماعية أكثر من كونها مشكلة فكرية , وهو بهذا أقرب للصحافة الإجتماعية من الفكر والفلسفة .. وهذا الكلام ينطبق على الفكر الإلحادي أيضا . فمشرعوه هم الأقدر على التحرك بعكسها .


*
لو كانت الفكرة تعني التقيُّد بها لما ابتكر الناس الأديان والمواعظ والأخلاق المكتوبة.

الرد: لديه معاناة مع التطبيق . الإلحاد هو الأنسب دائما لكل من يدلل نفسه , هو يتصور أنه لا توجد فكرة قابلة للتطبيق , ينسى الذين يحبون الراحة لأنفسهم ويجعلونها هدفا لذواتهم أنهم صعّبوا حياتهم بدلا من تسهيلها الذي طلبوه , وها هي ذي الحضارة كمثال تصعّب الحياة ولا تسهلها , لأنها أخرجتها عن البساطة , وجعلت الكماليات ضروريات , فالملحد يحل المشكلات الصغيرة ليقع في الصعوبات الكبيرة التي لا حل لها ..

فهو يتخلص من الإلتزامات الدينية طلبا للراحة والمتعة ، ويقع في المشكلات الوجودية والإحساس بالضياع والذنب والخوف الغامض من المستقبل وبالتالي الكآبة التي قد تتطور إلى الأسوأ .

لاشك أنها مشكلات عويصة عجزت عن حلها البشرية , وهي أصعب بلا شك من الوضوء والصلاة , التي لا تستغرق دقائق , فالفكر الملحد كمن يريد أن يتخلص من الفئران بإدخال قطيع من الذئاب لصيدها , ودوران الرجل في كل كتاباته المستمرة حول مشكلة الله والوجود يدل على أنها قضية أليمة في داخل هذا الرجل وتدعو للشفقة .


*
لو كان الإيمان مُلزِمًا لكان مستحيلاً أن يوجد في التاريخ كلِّه مؤمنٌ واحد.

الرد:
وهذا يدل على وجود مشكلة مع التطبيق .. يبدو أنه حاول أن يطبق الدين بتشدد فحس بالعجز الذي قاده لليأس , وهذا ما تشهد به سيرته حيث مر بفترة تدين شديدة . لدرجة أنه تصور أن الدين لا يمكن لأحد أن يطبقه ، وكانت غلطته أنه فهم الدين كتطبيقات ولم يفهمه كنيات .

ليس فقط الدين بل حتى الإلحاد صعب التطبيق بالكامل ، بل لا يمكن أن يطبقه أحد بالكامل .والصعوبة التي تنشأ بسبب التحريم كما يفعل الدين المتشدد هي نفس الصعوبة التي تنشأ بسبب التحليل كما يفعل الإلحاد المتشدد .

فالملحد العربي يواجه صعوبة بتطبيق إلحاده , كزنا المحارم , الذي يأنف الملحد العربي كما نظن بينما هو قمة في التحرر من الدين الذي يريده الإلحاد ، ولا شيء في الطبيعة أو الإلحاد ينص على تحريم زنا المحارم ، فلماذا يمتنعون ؟

وهذا التصرف موجود بالطبيعة الحيوانية التي ينسب الإلحاد نفسه إليها , إن هذا الإمتناع عجز عن التطبيق للشريعة الإلحادية ولم نأت لبقية المباحات , فما الذي منع القتل في الإلحاد إذا كان بدافع المصلحة في حين ينص الفكر الإلحادي على تبرير الوسيلة لأجل الغاية المرتبطة بالمصلحة وليست بالأخلاق والدين ؟ ولكن يمتنع عن القتل مع إمكانية عدم القبض عليه و وفرة المصالح في ذلك .

وهذه العجز في التطبيق الإلحادي يعني أنها من بقايا الدين , ومخالفة صريحة للفكر الإلحادي . ما دام أن المصلحة اقتضت والمضرة انتفت إلحاديا يجب أن تعمل هنا دون أن توقفك عوامل الضعف كالمشاعر والأخلاق .

إذاً الضعف في التطبيق يلاحق القصيمي أينما حل . فهو ضعيف في الإيمان ضعيف في الإلحاد . ولا يحق له أن يؤمن بأي شيء إلا بما أثبته المختبر وإن أخطأت وآمنت بشيء فأنت في حل من العقيدة الإلحادية .

الإباحية المطلقة التي يقدمها الإلحاد أمر فظيع لا يحتمله الفرد . فهو إنسان بلا حدود ولا موانع مما يجعلنا لا نقول عنه وحشا بل مشروع وحش لو طبقه , و حسبك سوءاً بهذه العقيدة في أفضل أحوالها أنها لا تـُطبَّق وإلا لتدمر العالم , الإباحية المطلقة أمر غير معقول ولم يقدم كشريعة في كل تاريخ البشرية إلا في عقيدة الإلحاد . كل العقائد والديانات لا تخلو من إحترازات أخلاقية إلا هذه العقيدة التي لا يوجد بها ممنوع واحد .

كل صاحب دين يريد الناس منه أن يطبق دينه حتى يأمنوه إلا الملحد فهم يريدون ألا يطبق دينه حتى يأمنوه.


* الناس، في كلِّ العصور، هتَّافون على مستوى واحد من الحماس. هتفوا لجميع الحكام والزعماء والعقائد والنظم المتناقضة: هتفوا للإيمان بالله والإيمان بالأمجاد، للمَلَكية والجمهورية، للديمقراطية والدكتاتورية، للرأسمالية والشيوعية؛ هتفوا للعدل والظلم، للقاتل والمقتول.

الرد: وهو هتف للإيمان وهتف للإلحاد وكلاهما إبان قوتهما .. ! لماذا يلوم الناس بما يفعله هو وكان خير مثال على قوة الهتاف الذي تفوق به على أكثر الناس  في كلا الحالتين ..وفي كلتيهما ألف كتبا مشهورة كأعلى درجات الهتاف .
 

*
إن الناس لا يؤمنون بالأفضل والأخلاق، بل بالأكثر صخبًا وتجاوبًا مع الأعصاب المتعبة.

الرد: الناس على نوعين وليس على نوع واحد , كلامه هذا ينطبق على الأكثر وليس على الكل , فهناك من لا يرضيه إلا الأفضل , تعميمات لا تقدم وصفا دقيقا للمجتمع.


*
أنت تتكلم، إذن أنت تحاول أن تقول غير ما تقول، أن تقول غير نفسك، غير الأشياء التي تتحدث عنها

الرد: وهل هذا ينطبق عليك الآن ؟ أم أنك إستثناء من هذه القاعدة ؟


*الناس لا يتحدثون عن الأشياء كما هي، بل كما يريدونها.
*
إنك حينما تَصْدُق أحيانًا إنما تريد أن تهرب من الصدق.

الرد: تكرار ينطبق على الجميع ..، بما فيه هو .

* إن اللغة تعني دائمًا الفرار من معنى اللغة.
  الرد:  مايزال يتكلم عن الضعفاء الهاربين من التطبيق ..هل يعني أنه يقول مالا يعتقد أيضا ؟ أما أن هذا الكلام خاص بنا نحن فقط وهو بريء منه ؟
* الناس لا يرحِّبون بالداعية ويتبعونه، ولا يؤمنون بالنبي ويرون معجزاته، احترامًا أو اقتناعًا أو رحمة، بل احتجاجًا وبحثًا عن صارخ متألِّم ليصرخوا وراءه، ليصرخ لهم وعنهم، ليصرخوا به.

الرد:
كل كلامه عن الناس يتكلم عن الغوغاء والعوام والسوقيين . وكأنه يريد أن يقول لا يوجد أحد مؤمن حقيقة بما يقول  وكل الناس كذبة وسيئون ويقولون مالا يعتقدون ويعتقدون مالا يفعلون ، هذه فحوى خطاب القصيمي عن المجتمع المتكرر , و الواقع ينفي مثل هذه الدعاوى العامة .

نعم الأنبياء قد يتبعهم منتفعين , لكن هل يعني أن من اتبعوه خصوصا من الأوائل بأنهم من هذا النوع ؟ ألم يضّحوا بحياتهم من أجله ؟ أي وظفوا أنفسهم للأنبياء ولم يوظوفوا الأنبياء لأنفسهم ، فهناك من فعل العكس .

هو يريد أن ينفي الثنائية ويجعل الناس كلهم في سلة واحدة وكأنه لا يوجد طريق خير وطريق شر ، بل هو ينفي وجود طريق الخير وكل مظهر من مظاهر الخير ولا يُبقي إلا طريق الشر والأنانية . عبدالله القصيمي يحاول بأن يبين بأن الخير شر يلبّس بلباس الفضيلة ولا يوجد شيء اسمه خير .
هو يقدم الإنسان بصورة مشوهة تطمس كل جمال في الإنسان . المفكر العظيم جعل من الإنسان مخلوقاً حقيراً.
* إن آلهة الإنسان وعقائده ومُثُله وأخلاقه هي مجموعة أخطائه اللغوية.

الرد: إذا لماذا يتبناها مادام لا يريدها ؟ كأنه يسبغ ذاته على بقية البشر بل حتى إلحاده ويقدم البشر على أنهم ملحدين ، فوقعوا بأخطاء لغوية فقالوا بأننا مؤمنين .
*
قتلي لعدوِّي عدل، وقتلُ عدوِّي لي ظلم. رأيي وديني صواب، ورأيُ المخالفين ودينُهم خطأ. هذا منطق كلِّ الأذكياء – وكلِّ الأغبياء.

 الرد: وإلحادي صواب وأديان الآخرين خطأ  .. تكميل لما سقط سهوا ..


* إننا لا نعادي المخالفين لنا لأنهم ضد الفضيلة أو ضد الإيمان والحق، ولكن لأنهم ضدنا. إنهم مخطئون لأن إرادتهم ومصالحهم تُناقِض مصالحنا وإرادتنا.

الرد: كيف جاز له التعميم بأنه لا يوجد أحد على الأرض يبحث عن الفضيلة ؟ هل بحث في قلوب الناس ؟ هذا من باب إسقاط الذات على الآخرين .لآنه ينكر وجود حق ووجود خير ، فماذا بقي؟ بقي الشر الذي لم ينكر وجوده ولم يشكك في وجوده مرة واحدة ، ويقدمه على أنه موجود وحقيقة ، و لكنه شكك في الفضيلة والخير مرات عديدة .

هو يوجّه اسلحته الى عالم الخير وليس الى عالم الشر ، وهذا كافي لتقييم فكر الرجل المستمد اصلا من الالحاد الغربي الذي يمجد الشياطين على الملائكة .

من يقدم مثل هذا أليس حقاً أن يسمى – مفكر الشر ومبشر الظلم والعداوة - ؟ وهذا تناقض عجيب : يمجد الشر ويدعو الناس للوئام والمحبة !! قد قال نيتشه والملحدين وغيره من المفكرين الملحدين مثل هذا . أليس في ذلك صلة بينهم و تشابه ؟ فقد قدموا الشر على أنه هو الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يخضع الجميع لها ولا يختبئوا وراء الكلمات الخيّرة ..

الإلحاد تمجيد للشر وإلغاء لفكرة الخير . هذا هو من حيث الفكر دون الدخول في الأشخاص ، فليس كل ملحد ملحد بالمعنى الحقيقي .


*  إننا دائمًا نحن الوحدة القياسية للآلهة والمذاهب والناس وكلِّ الأشياء. إن كلَّ شيء يجب أن يُفسَّر بنا. حتى الآخرون الذين هم مثلنا، يجب أن يُفسَّروا بنا – وإلا فهم خونة ضالون.

الرد: 
أين العقل ومعيار الاخلاق اذا ؟ هذا يقع من المؤمن والملحد أيضا إلا ما قل . الملحد أيضا لديه أيديولوجية ومصالح .


*
إن الخلاف بين الشعوب والأفراد ليس على المذهب والتفكير، ولكن على الكينونة والإرادة.

الرد: اذا كانت الكينونة والارادة هي كل شيء ، فلماذا التمسك بالافكار والمناهج والاديان ؟ لماذا لا يتجهون مباشرة بموجب دوافعهم البعيدة اصلا كما يقول عن هذه الافكار ؟

هو يصور البشر كأنهم يضعون المظلات على رؤوسهم دون وجود مطر ولا شمس ! هذا ادعاء واسع ويحتاج الى اثبات في انه لا يوجد اي صلة بما يقولوه . وهل هو له صلة بما يقول أم انه مثل بقية البشر يضع المظلة على راسه بدون حاجة ؟ 

هذا تعميم يحاول من خلاله أن يثبت أن لا أحد يهتم بالتفكير ولا بالقيم ، بل الجميع منصبون على المصالح ويقيسون الحقائق والفضائل من خلالها والجميع منافق مع الأفكار والأخلاق فلو كان الأمر كذلك , لأمّحت الأخلاق والفضائل والإيمان تدريجيا , لأن الأصل هو الذي يثبت في الأخير مادام الأصل هو المصالح كما يرى . وهذا كلام منطقي , لكن لم تمحي الفضائل نهائيا وبقي من يهتم بالحقائق والأخلاق  والإيمان وينادي بها , وهذا سبب عدم فناؤهم في بحر المصالح .ولهذا أرسلت الأنبياء تترى, كل ما أندرست هذه القيم جاء أحد يجددها .


*
إن ما يصنعه الإنسان هو أعظم من الإنسان. إن أفكاره ومُثُله وعقائده هي دائمًا، وفي التاريخ كلِّه، أطيب وأنظف وأذكى منه – مع أنه خالقها.

الرد: كيف تكون أزكى منه وهو الذي خلقها ؟ فاقد الشيء لا يعطيه , هذا يدل على أصلها السماوي وليست من إختراع البشر , لأن البشر يشوهونها ولا يزكونها .. يشوهونها تدريجيا إلا قلة منهم .


*
كم هو غير منطقي أن يكون المخلوق أعظم من الخالق، ثم لا يستطيع هذا المخلوق الكبير أن يغيِّر خالقه الصغير!

الرد: إذا كانت المسلمة خاطئة فالنتائج خاطئة وغير منطقية ولا مفهومة ولا متوازنة. لدى الملحد مسلمة بأن كل الأديان والأخلاق من صنع البشر لهذا يقف مندهشا كيف يصنع الصغير الكبير وكيف تصنع حقارة المادة والمصالح شرف الفضيلة والإيمان لكن من لا يؤمن بهذه المسلمة لا يصاب بهذه الدهشة وعدم الفهم.


*
ما أعظم أن يصنع الإنسان نفسَه بالأسلوب الذي يصنع به حضارتَه وأدواتِها!

الرد: هل استطاع أن يصنع ذلك ؟ هل نجاحه مع المادة يشبه نجاحه مع نفسه ؟ وكيف يكون ما انتجه أروع منه ؟ وهل حصل ذلك فعلا؟


*
لقد كانت عبقرية الإنسان أن يخلق الأشياء على نموذج نقائصه، لا أن يخلق نفسه على نموذج نظرية مثالية ليصبح بلا نقائص، ليصبح شيئًا فوق نفسه.

الرد: الكاتب يحاول الهبوط بالإنسان إلى مستوى المادة لكن الإنسان يرفض ذلك لأنه ببساطة لأنه يتكون من مادة وروج فهو محتاج للمادة والحضارة لكن ليست هي كل شيء لهذا الملحد المتأمل كهذا الكاتب يعاني من عدم فهم الإنسان ويصرخ بهم ألا تفهمون أنكم مادة فقط لماذا تتعلقون بالقيم والأديان لماذا لا تنصبون بكاملكم على المتعة المادية لماذا تضيعون وقتكم بالعبادة وتضيعون فرصكم لأجل الأخلاق والقيم وهكذا يقضي الملحد حياته في عدم الفهم والإستغراب, لأنه ينطلق من مسلمات خاطئة لا يريد أن يتزحزح عنها .ثم كيف عرف الإنسان نقائصه ؟

وجود النقص يدل على وجود الكمال , بما أن الإنسان لا يملك هذا الكمال ولا يمكن أن يملكه يوم من الأيام  إذا يوجد من هو مطلق الكمال , وهذا ما استنتجه الفيلسوف ديكارت  للدلالة المنطقية على وجود الله .


*  ما أعظم الفرق وما أطول المسافة بين أخلاق البشر النظرية وأخلاقهم السلوكية والنفسية!

الرد: هو الآن يحارب المثالية , ويريد من البشر أن يكونوا على أخلاقهم النفسية والواقعية ويبتعدوا عن المثالية , لماذا يلح على هذا الطلب المتكرر ولماذا يكره المثالية الأخلاقية , لست أدري ؟ مع أنه يعرف أن يكون لك أهداف خير من أن لا يكون لك أهداف حتى لو لم تستطع الوصول إليها , هذا بلغة المادة والتجارة والتعليم  وبناء مستقبل الشاب  التي يفهمها الشخص المادي , إذا لماذا لا يكون له نموذج وأهداف في أخلاقه حتى لو لم يصل إليه ..

أليس هذا من الطموح وهو ليس ضد الطموح طبعا إلا في المجال الأخلاقي وهذا شيء غريب , أن تحارب القيم والمثاليات بهذا الشكل  بسبب أنه لم يصل إليها أحد بالكامل . تكفي نية الخير إذا تأكدت ورغبة الكمال هي بحد ذاتها كافية . حتى بدون الوصول للكمال . بل هي الكمال من وجهة نظري .

ولا أحد يصل للكمال لا ماديا ولا معنويا , إذا تبقى النيات الصادقة هي ما يمثل الكمال البشري .حتى بدون الكمال العملي . لأنه مستحيل .



* إن أشد الناس إيمانًا بالنظريات يتعايشون ويتلاءمون مع النظم المخالفة لنظرياتهم.

الرد: لأن مثل هذه النظريات تحتاج إلى مجتمع يتبناها , وإذا لم يحدث هذا فكيف تعيش على أرض الواقع ؟ إذا تبقى النية هي المحك , والضرورة تجبر في أحيان كثيرة وهذا الكاتب يتبنى البراغماتيه كواحدة من مجموعة الأفكار المادية  الغربية ,والبراغماتية تعني أن يتنازل هو عن أفكاره في بعض المواقف ويضطر لمسايرة المجتمع على على حساب الإلحاد والبراغماتيه تعني فن الممكن , ومادام أنه ينتقده في غيره إذا هو واقع فيه بل ومؤصل له في الفكرة من خلال البراغماتية , لماذا يستغرب شيئا هو يفعله , نظريا وعمليا .


* إن النظرية هي تحويل الواقع إلى صورة فكرية. ولا يمكن تحويل النظرية إلى صورة مادية.

الرد: قد تكون النظرية ليست موجودة في الواقع , وعلى العكس تماما النظرية تريد أن تحول الفكرة إلى واقع لا أن تحول الواقع إلى فكرة , وهذه هي نظريات الماديين تحول إلى الواقع مع أنها لم تكن موجودة وكانت في أذهان أصحابها..
إذاً لماذا تحول الإلحاد للرأسمالية والشيوعية إلى واقع لماذا تحولت فكرة أرض الميعاد ‘إلى واقع , هذا كلام غير منطقي أبدا , هو لماذا إذا يجد نفسه ويقدم النظرية أليس يريدها أن تنزل للواقع ,؟

بينما يقول أن النظرية لا يمكن أن تنزل للواقع , كل المذاهب والفلسفات بل والمخترعات كانت أفكار ونظريات نزلت للواقع وصار جزءا منها , ومنها ما يبقى ومنها ما يتجدد ومنها ما يزول ..

وهؤلاء الملايين من البشر هم يمثلون أفردا معينيين أثروا في حياتهم  من مصلحين ومفكرين ومن أنبياء ومن علماء ومن مبدعين , بل الكاتب نفسه لو فكر لوجد أن ما يقوله ويفعله هو أفكارا كانت في رؤوس أصحابها أي نظريات نزلت للواقع , هو يكتب ولم يخترع الكتابة , يتحدث اللغة وهو لم يصنع اللغة , يكتب على الورق والورق كان فكرة في ذهن مخترعها وانتقلت إلى واقع الكاتب , كذلك الرأسمالية واليمين االعالمي والإلحاد ليست أفكاره هو , وانتقلت إلى واقعه ..

الفكر المادي الملحد يعاني ضعفا في فهم الطبيعة والإنسان والواقع ومقدرة قوية في فهم السوق , إطلاقا لا تصلح العقلية المادية للتأمل ولا للفلسفة , حيث أثبتت ضعفا منطقيا وشعوريا هائلا , وابتعاد عن الحقيقة بشكل ملفت للنظر . فإذا تحدثت العقلية المادية عن عالم المفاهيم والقيم والجمال ستجد العجب العجاب .
* إن البشر لا يصنعون انفعالاتهم؛ إذن هم لا يصنعون أخلاقهم، لأن الأخلاق ليست سوى انفعالات قد حوَّلناها إلى تعبيرات أخلاقية.

 
الرد: لو تلاحظ لوجدت أن الكاتب مشغول بالمجتمع ولا يتحدث بصيغة المفرد , فهو لا يرى أفراد بل مجموعات , نفس عقلية التاجر الذي يرى أفواج الزبائن ولا يهمه فردية الزبون الواحد وينظر إلى الذوق العام الذي يعني ربح أكثر ,  والكاتب يذكر بشر مجتمع الناس , وهذه ليست خاصة به بل هكذا خطاب مادي لا يحب أن يتكلم عن الإنسان ككيان مستقل بل عن المجموعة, وهذا ليس بغريب لأن الفكر المادي قادم من السوق والسوق لا يعمل على الفرد , ومن هنا إهتمام السوق بالإعلام , فالنجاح المادي يحتاح إلى طاقة هائلة من الإعلام , لأن المادية تعمل على الموجموعة ووحدة قياسها على المجموعة وليست على الفرد ,


* إن كلَّ تربية البشر الأخلاقية والاجتماعية الصالحة تعني تعليمهم نوعًا من السلوك، لا نوعًا من الشعور و الحب، لأن الشعور والحب لا يُعلَّمان.

الرد: لماذا لا يعلمان؟ هذا خطأ كبير ، كل إنسان في داخله شعور وحب لكنه بحاجه الى من يفجرها ويشجعها ويوجهها ، لا أدري ماهي الثمرة التي يرجوها من الحرب الشعواء التي يمارسها على كل جميل وفاضل في حياة الإنسان ؟  ماذا يضره إذا دُعي الإنسان للخير والحق ، هل سيغضب ويؤلف الكتب في محاربة الشر إذا وجدوا - و هم موجودون - ؟ طبعا لن يفعل ، وهو في هذه الحالة محامي للشيطان .
 

* إن الأخلاق، في كلِّ العصور، هي إتقان فنِّ التكلف والكذب والتزوير. حتى الإحسان للآخرين والإشفاق عليهم هو عطف على الذات، لا عليهم.

الرد: لماذا؟  من يصدق هذا الجنون ؟  يريد البشر أن يكرهوا ويتركوا الإحسان والرحمة ، لماذا ؟  ماذا يستفيد من هذه الدعوى ؟ أم أنها خدمة مجانية للشيطان حتى على حساب المصلحة الخاصة التي يدعو أليها ؟ مما يثبت أن الإلحاد خدمة للشيطان وليس للمصلحة الخاصة ، من هو العاقل الذي يكره حسن الخلق؟ هذا لا نجده إلا عند نيتشه والقصيمي وما بينهما ..

بل من هو العاقل الذي لا يقول إنها أجمل ما في الحياة ؟ عجباً لهذا التفكير الظلامي الكاتم على النفس ، كيف يسمى تنويراً ؟ قبل قليل ينتقد رجال الدين بأنهم يتكلمون عن الأخلاق ولا يطبقونها ، أي أنها شيء حسن لكنه لا يطبق ، لكن يرجع إلى ذلك الشيء الحسن ويحاول تشويهه هو الآخر ، ومع هذا فهو مفكر عظيم ، هل هو ضامن أن لا يكون في يوم من الأيام محتاج الى رحمة وإحسان أم لا ؟

وهكذا انكشف القناع ، فكل من يحارب الدين هو يحارب معها الأخلاق ، وهذا يحمل دلالتان ، الأولى ارتباط الدين بالأخلاق ، والثانية أن من يعادي الدين يعادي الأخلاق .


*
إن من أعطاك فرصة أن تعرض إشفاقك عليه هو من أحسن إليك. في حاله مستمره

الرد: على هذه الحالة لا توجد أسباب للإشفاق كما يقرر السيد القصيمي ، بل يوجد أحد يعطيك الفرصة فقط ، هذا كلام غير واقعي ، الحياة مليئة بالصعوبة والمخاطر والمحتاجين، كل إنسان بحاجة الى مساعدة الآخرين حتى الملوك والأباطرة ، كان الإنسان محتاجا وسيظل محتاجا ، هذه العقلية النتشوية غير واقعيه ، وكل من يتبنى فكرة الإستغناء والإستقلالية هو جاحد ، نعم جاحد ، لأن الإنسان في حالة مستمره من الحاجة للآخرين حتى وهو يكتب كلامه ، هذا تكبر غير واقعي ..

هذا يشبه حال من يقلل من شأن الماء لأنه في حالة ارتواء ساعة التكلم ، لكن إذا لم يجد الماء عرف قيمته وشكر من يقدمه إليه ثم ليعود ليقلل من قيمته مرة أخرى .

لا يدري القصيمي أنه يقرر عقلية الكفر الأخلاقي ، أي ضد الشكر ، وياسبحان الله ، كل من يكفر بالله تجده يكفر بالناس ، فالكفر خلق قبل أن يكون عقيدة ، وعكسه هو الشكر ، فهذا خلق وذاك سوء خلق ، وكلاهما ملازم لصاحبه : ( أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين .. ) ، يعني أن الكفر بالله يقتضي الكفر بالأخلاق ، أي الكفر بالناس ، هذا بعد الكفر بالذات
*
إن الفرق بين الفاضل والرديء هو اختلافهما في تلاؤمهما مع الأشياء لاختلاف المستويات والظروف التي تواجههما والتي يعيشان فيها.

الرد: هذا وصف خارجي غير عميق الغرض منه انكار وجود الفضيلة ، ليست الظروف التي تجعلنا نصنع الخير أو الشر ، بل هي إرادتنا ، بدليل وجود من يتبنى الفضيلة في ظروف سيئة ووجود الرذيلة في ظروف حسنه مثل حال من يعض اليد التي قدمت له الخير ، هذا هو الواقع لكن من يريد الواقع ؟


* إن الفضيلة هي أن يتوافق الإنسان مع الطبيعة – لا أن يتجنبها أو يخافها أو يعجز عنها أو يحرِّمها أو يعبدها.

الرد: أولاً موقف القصيمي من الفضيلة تكلم عنه سابقاً بالنفي والتشويه ، فكيف يستعمل الفضيلة هنا بعد أن مزقها سابقاً ؟

وبالنسبة للتوافق مع الطبيعة فهو واقع الدين الصحيح الذي يحترم الطبيعة وفطرة الانسان ، ليست فقط الفطرة الحيوانية كما يتصور القصيمي ، بل حتى الفطرة الانسانية . بينما الإلحاد يتصادم مع الطبيعة والفطرة ، ويطالب بكبت الغرائز العليا كالعبودية والتضحية الاخلاقية ورفض غريزة الوئام واحلال فكرة الصراع والانانية بدلا عنها .

وفطرة الانسان تنقسم الى نوعين : حيوانية و انسانية . ويمكن التعبير عنها بالغرائز العليا والغرائز الدنيا .   


*
الرذيلة، في جميع أساليبها، هي أن يصطدم الإنسان بالطبيعة.

الرد: صحيح ، لكن ما المقصود بالطبيعة ؟ هنا السؤال . 


*
إن الحياة حركة، لا تشريع. إنها لا تُتَعلَّم، بل تخرق التعاليم. أما الإنسان فهو آلة وحافز.

الرد: هذا يناقض كلامه السابق ، فهو يطالب بعدم الصدام مع الطبيعة ، والطبيعة ثابتة ، فإذا جاءت قوانين وشرائع مطابقة للطبيعة ، اذا ستأخذ صفة الثبات . تناقض ما لنا الا السكوت له ..

والتناقض عموما لا يدل على رؤية شاملة مترابطة ، بل يدل على ان التفكير جاء كرد فعل لأمر معين . والتناقض مشكلة واضحة و واسعة في الفكر المادي ، و يبدون كمن لا يبالي بها . مع أن التناقض في رايي كاف لإسقاط اي فكرة .

هم يخشون من الجزء ، والمشكلة تأتيهم دائما من الكل .


*
إن الذين ينزعون إلى تقييد حياتهم بالمحرَّمات، تديُّنًا أو تغنِّيًا بالفضيلة، إنما يكشفون بذلك عما في أنفسهم من استعداد للهرب من الحياة.

الرد: لماذا لا تقول انه هرب من الرذيلة ؟ اليست هذه اسهل ؟ لماذا نذهب الى التفسير الابعد مع وجود التفسير الاقرب ؟ لماذا جعل الرذيلة هي الحياة ؟ الحياة تشمل الخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، فهل نحن مطالبين باخذ كل ما في الحياة ؟ هذا ما يبدو من كلامه .

فكرة عدم الفصل بين الخير والشر هي التي تقتضي تسمية الكل بالحياة ، اي اقبلها بخيرها وشرها ، والخير والشر متناقضان ، فكيف الجمع بين متناقضين ؟ وهذا امر لا يفعله صاحب الحياة ، فالحياة فيها خطر وأمن ، وهو يتجنب الخطر دائما ولم يجمع بينه وبين الامن ! اذا لماذا لا يقبل الخطر والضرر كجزء من الحياة ؟

اذا قبول الحياة بكل اوضاعها فكرة غير واقعية وغير منطقية . وهذه الفكرة أسميها فكرة وحدة الحياة ، وهي عدا فكرة وحدة الوجود ، يعتمد عليها الفكر العلماني والملحد والدنيوي ، الذي لا يحب التفريق بين الخير والشر ، على اعتبار انه من الممكن ان يستفيد من كليهما متى شاء . لكنه لا يقبل هذا الخلط ابدا اذا كان الامر ضد المصلحة . وهذه صورة من صور التناقض الكثيرة في العقلية الملحدة .


*
الذين يحرِّمون على البشر سلوكًا أو شيئًا ما إنما يعنون أن يحرِّموا عليهم الذكاء والحرية والمقاومة.

الرد: هذا كلام غير واضح من حيث الربط بين الامرين . كأنه يقصد انهم يحرّمون عليهم التجربة ، ولو كان من يفكر مثل القصيمي يفعل هذا في كل شيء ، لكانت الفكرة مقبولة وغير متناقضة . ولكن فيما يتعلق بمصلحته ، فهو يحب النصائح الجاهزة ولا يحب اعادة تجربتها بنفسه ، فعندما يرى لوحة : احذر خطر الموت ، فهو لا يحب ان يتأكد بنفسه حتى لا يكون غبيا ، اما ما يتعلق بالدين والاخلاق فيقول : اتركوني اتأكد بنفسي حتى لا أكون غبيا . وهذا التفريق ليس له مبرر منطقي ، اذا الفكرة متناقضة ، والمتناقض ساقط .

وكل فكر متناقض هو فكر ميت او في طريقه اى الموت . لأن التناقض لا بد ان يكتشف ، والتناقض ضعف في التاليف والبناء . وهو صدام وصراع داخلي في بنية الفكر ، يهدم بعضه بعضا من الداخل .


*
إن التحريم يعني أنه يوجد شيء فوق البشر؛ إنه دائمًا دلالة أليمة على أن الإنسان محكوم من بعيد.

الرد: الإنسان ليس الها ولم يخلق نفسه ، ويعرف في داخله انه منتمي لشيء وانه لم يأت من فراغ ، ويحب ان يكون محكوما من بعيد ، ولكن بقوة حكيمة راشدة . ويحب ان يكون مرتبطا بالحقائق والخير ، وليس الخير رباط قهر وأذى للنفس كما يرى القصيمي . بل هو راحته واستقراره .

الانسان لا يحب ان يكون قشة ليبرالية في مهب الريح ، لاحظ ارتباط الانسان بوطنه وقوميته ومجتمعه واسرته وجذوره ، حتى تفهم ان الانسان ليس ليبراليا بالفطرة ، بل منتميا بالفطرة ، بل يتألم اذا قطع عن هذه الارتباطات ، ويناضل حتى لا ينقطع ارتباطه باصدقائه واشيائه التي يحبها .

وهذا يؤشر الى ان الانسان في داخله عبد وليس الها . وهذه من الخيوط التي تدل على وجود الله . الاله هو الذي لا يرتبط بأحد ولا يناسبه ذلك ، فهو الغني الحميد .

الحاجة الانسانية للارتباطات لسابقة ، تدل على ان له حاجة لارتباط اكبر ، وليست هذه فقط حاجته للارتباط ، لو كان الانسان ليبراليا بطبعه لملّ من اهله واحبابه ولما بكى على فقد احدهم ، بل يفرح حتى يبدله بغيره ويتحرر من قيده ، وصارت متعته ان يبدّل في كل شيء وينطلق الى كل شيء .

اذا المادية والالحاد لم يفهما الانسان ، هذا سبب المشكلة كلها . و هنا تكون معاكسة الطبيعة رذيلة .

القصيمي يتصور ان الانفلات هو الطبيعة ، بينما الارتباط هو الطبيعة ، ومن شاء أن يتأكد فليتأكد بنفسه . والانسان يُعرف من خلال ارتباطاته ، ولا يعرّف به إلا من خلالها ، لاحظها من الإسم والبلد والديانة والمذهب الفكري والهواية إلخ .. ولا يعرَف من خلال انفلاتاته وليبراليته . ولو كانت السعادة في الانفلات وعدم الارتباط ، لكان الايتام اسعد الناس لانهم بلا اهل يرتبطون بهم .

القصيمي يتصور ان الدين سلطة ضاربة تفرض على الناس ما لا يريدون رغما عنهم . وهذا التصور سطحي جدا ، جاء من معاناة شخصية ربما ؛ لان الناس هم من اعطوا رجال الدين هذه القيمة .

حاجة الناس للدين هي التي صنعت رجال الدين ، وليس قوة في رجال الدين . كما ان حاجة الناس للسياسة صنعت رجال السياسة ، وملـّكتهم أمور الناس ، وليس قوة خاصة في رجال السياسة . السياسي لا يحكم بارادته هو بل بارادة الناس . اذا لا السياسي ولا رجل الدين ولا رجل الفن ولا الادب ولا العلم ، كلهم صنعتهم حاجات الناس وليسوا هم من فرضوا انفسهم على الناس رغما عنهم .

الانسان لديه غريزة الارتباط ، والفكرة الليبرالية من هذا المنطلق لم تؤسّس على اساس الانسان ، هي تتصور ان الانسان يريد الانفلات على طول الخط ، وهذا جهل واضح في ماهية الانسان ، الانسان يريد ان يرتبط بالفضيلة والحقيقة ، و الا فلماذا الانسان عنده عقل ؟ لو كان اصل الانسان الليبرالية ، لما احتاج للعقل ؛ لان العقل يثبت ، وهو رباط .

اذا طبيعة الانسان انه يبحث عن الاشياء الصحيحة ليرتبط بها ، لا ان ينفلت منها بلا جذور و لا طاعة ولا ولي ولا مبادئ . والعقل لا يفهم الا من خلال الربط وليس الانفلات . وهذا ما يفسر لنا الشعور بالوحشة والفراغ الداخلي الذي يعانيه اكثر الشباب في الغرب ؛ انهم يعانون من الليبرالية  ، فهي بحد ذاتها مرض .

لماذا لدى الانسان رغبة المعرفة ؟ ألينفصل عنها وينفلت ؟ لا بل ليرتبط بها ، اذا فكرة الليبرالية المطلقة فكرة غبية وساذجة ولا تمثل الانسان . نعم الانسان يريد ان يكون ليبراليا تجاه الخطأ و الشر والظلم ، لكنه يريد ان يكون محكوما من قبل الحقيقة والخير .

واللذة والحلاوة التي تصاحب كلمة حرية ، هي التي أوهمت الماديين في ان اصل الانسان يريد الحرية ، هذه الحلاوة لهذه الكلمة جاءت بسبب الظلم والالزام بما لا يلزم وكثرة شيوعه في المجتمعات . لكن اذا نظرنا اليها بعمق نجد ان الانسان لا يريد ان يزيد هذه الليبرالية الى ما لا نهاية ، بل يريد ان يرتبط ، والاساس هو الارتباط ، وطلب الحرية هو عرض ، بسبب ظروف طارئة من تسلط الشر .


*
إنه لولا رجال أصحاء جاءوا يبشِّرون بالحياة ويصنعونها ويمارسوها، جاءوا يدعون إلى مجد الأرض ويشيدوا بمجد الشهوة والغريزة بسلوكهم ومنطقهم، لما استطاعت الإنسانية أن تعبُر الصحراء الرهيبة الفاصلة بين البداوة والحضارة.

الرد: قبل قليل يمجد الليبرالية المطلقة ، والان يمجد الارتباط بالشهوة ، وهذا تناقض !

المطلوب عند الملحد : اترك الدين والاخلاق و ارتبط بالشهوات ! هذا هو كل فحوى كلام القصيمي ، فلماذا لم يكتب بهذا الشكل الواضح والصريح ؟ هل الامر مخجل ؟ لماذا الخجل ؟ اليس مرضاً من بقايا الدين ؟ وهؤلاء الرجال الاصحاء لماذا لم يقولوها بكل صراحة ؟

البداوة هي الاقل ارتباطا والاكثر ليبرالية ، والاديان صاحبت الحضارة ولم تصاحب البداوة . تاريخيا : الأديان هي التي اقامت الحضارة وليست البداوة ، فاين يذهب القصيمي من الحقائق التي تلاحقه ؟ 

الحضارة بنت العقل ، والهمجية بنت الشهوات . وهو يدعو إلى الشهوات بدون قيد ولا شرط كما دعا استاذه نيتشه الاهوج من قبله .


*
الفضيلة قدرة، لا فكرة.

الرد: يشير الى كلام نيتشه تماما ، عندما قال أن الرذيلة هي الضعف ، والفضيلة هي القوة ، والقوة قدرة ، وها نحن نفسّر له ألغازه وهو لا يكاد يبين من شدة الخجل . و بعد هذا الغموض يشتكي من عدم وضوح القرآن !


*
كيف يستوعب العقل البشري أن الآلهة تغضب على الذين يضحكون ويفرحون وترضى عمَّن يحزنون ويبكون؟!

الرد: ليس بعد هذه السطحية سطحية .. يضحكون من ماذا ؟ ويبكون من ماذا ؟ لماذا لم يفصّل ؟ هل تريد من الله ان يحب من يضحك على سحق الضعفاء وانتثار اشلائهم ، ويغضب ممن يبكي بدافع الرحمة ؟

نيتشه مجنون ! لماذا يربط نفسه به ؟ والمرء من قرينه . القصيمي ليس ملحدا بل ملاحدة .


*
أهل الأديان يريدون تحويل التاريخ كلِّه إلى مبكى بعد أن حوَّلوه إلى معبد. لقد ابتكروا خصاء الرجال ليفقدوهم كلَّ طموح إلى الحرية والتمرد والاستقلال والمقاومة، ليفقدوا حوافز المجد والغضب للكرامة عند فقدانهم الرغبة الجنسية.

الرد: هذه المرة فرويد الملحد يتكلم !!

هذا كلام عام يراد منه التشويه ليس إلا ، هو يعلم ان الاسلام يحرّم الخصاء ولا يكبت الرغبة الجنسية بل يوجهها ، وأديان أخرى ايضا ، وليس الخصاء خاصا بالاديان ، فهو يمارس حتى مع الحيوان احيانا .

والأديان الاخرى بشكل جزئي تحمل مثل هذه الشذوذات والأخطاء . واقتناص الاخطاء من اي دين في الاديان وتعميمه على البقية ، هذا منهج فاسد ؛ لأنه يكشف النية والإغراض ، وهو من مغالطات التعميم . لو أنه قال : أكثر الأديان أو بعض الأديان ، لكان أوجه . وهذه بحد ذاتها تكشف عدم مصداقية الرجل وأن اخباره ليست ثقة .

فهو يتحدث كذبا الان ، والتعميم من انواع الكذب . اذا سرق واحد من المجموعة ، وقلت ان كل المجموعة سراق ، فانت تكذب الان ، مع وجود السرقة في احدهم ، على سبيل العقاب الجماعي ، وهذا احتقار للمنهج العلمي الذي يدعيه .

وبعد هذا ، هل يستطيع ان يقول احد ان القصيمي موضوعي وعلمي في نقده ؟ لن يقولها الا صاحب هوى ، خصوصا بعد ان يقرأ هذه السقطة السابقة . 


*
إن الشهوات هي التي تغيِّر الأفكار وهي التي تخلقها. عواطفنا هي التي تحكم عواطفنا، وشهواتنا هي التي تحمينا من شهواتنا.

الرد: هذا الكلام غير منطقي من ناحية أن الشيء لا يـُغيّر بنفسه ، بل من خارجه ، هو يتكلم عن ترك شهوة لوجود شهوة اهم منها ، وهذا لا يعني تغيير الشهوات كلها ، هذا تغيير نوعي وليس كلي .

مادام ما في انفسنا الا الشهوات ، اذا حتى نتغير لا بد ان نغير ما في انفسنا ، (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . وهو جعل الشهوات هي التي تصنع الافكار وتغيرها ، ولكنه لم يوضح لنا ما هي العواطف وما دورها ما دامت الشهوات هي كل شيء وما دام ان حياتنا من صنع افكارنا وأن افكارنا من صنع شهواتنا ..

هو لم يقل ان عواطفنا تحمينا من شهواتنا ، كان يمكن الفهم ، مثل من يشتهي مثلا قتل خصمه طمعا ولكن تمنعه عاطفة الرحمة ، من الواضح انه لا يريد هذا المعنى ، بل يريد ان يجعل الشهوات هي المحرك لكل شيء . وكأنه يريد ان يجعل الانسان شيئا واحدا وليس ثنائيا كما هو انسان انساني و انسان مادي شهواني ، و كلاهما في شخص واحد . هو انا وأنت واي شخص .


*
عندما نشعر بفقدان الحماس لشهواتنا تفقد عقولُنا كذلك نشاطَها.

الرد: هذا الاطلاق غير صحيح ، بدليل ان من يرحم يفكّر ، و بحماس ايضا ، مع انه ضد شهواته ومصالحه . الفلسفة المادية التي ينتمي اليها الكاتب جعلته لا يرى الانسان الا مخلوقا شهوانيا يبحث عن المتعة الحسية المادية .وهذا تضييق لمعنى كلمة انسان وحصر لها في شيء واحد . الواقع لا يثبت هذا الحصر ، مهما تأوّل المادي .

فالدوافع الغير انانية موجودة مهما اعتسفنا الانانية وراءها . والفكر المادي مشكلته دائما مع الانسان بالدرجة الاولى  ، حيث يضطر لتعسف سلوك الانسان على دافع واحد بطريقة تظهر ضعف النظرية المادية وقوة الانسان .   
*
إن الفضيلة ليست شيئًا غير الشهوة. إن محاولة الحصول على الفضائل بإضعاف الشهوات كمحاولة الحصول على الشيء بإعدامه، كمحاولة تقوية الرؤيا بفقء العين
.

الرد: من يعرف مضمون هذه الكلمة السامي ، لا يستطيع ان يوازن بينها وبين الشهوة : الشهوة حسية مادية محسوبة ، والفضيلة سامية ومتسامية وغير محسوبة النتائج . الشهوة مرتبطة بالواقع ، والفضيلة ارقى من الواقع واجمل . جمال الفضيلة من نوع مختلف تماما عن جمال الشهوة ان كان فيها جمال . المتصف بالفضيلة يُنظر إليه باحترام واجلال ، الانسان الشهواني البحت لا ينظر اليه هذه النظرة بل ينظر باحتقار ، كيف يوازن هذا المفكر بين شيئين مختلفين و يراهما بمستوى واحد وبهذه السهولة ؟

انا اتفق مع الكاتب على خطأ هذه الفكرة ، ولكنها ليست موجودة في الاسلام .      

الفضيلة كيان مستقل ، وإضعاف الشهوات لا يعني الوصول الى الفضيلة . لأن هذا الاضعاف عبارة عن سلب ، والفضيلة موجبة في اساسها وإن كان هذا الايجاب ياتي على شكل سلب في بعض الاحيان كالإيثار مثلا . الفضيلة تصب في حوض ، والشهوة تصب في حوض اخر . ليس بينهما عداوة مطلقة بل بينهما صراع على القيادة ، المهم من القائد ، من يقودني : الشهوة ام الفضيلة ؟ و اذا قادت الفضيلة لا يعني هذا الغاء للشهوة ، بل هي موجودة ، ولكنها في اطار الفضيلة ، ولا تتقدم عليها . وهذا هو الوضع السوي الذي تنشده كل شعورات البشر .

وهذا الشرك الذي وقع فيه القصيمي ، هو الذي وقعت فيه الكثير من الفلسفات الشرقية ، وعلى رأسها البوذية ، اذ اعتقدت بالضدية التامة بين الشهوة والفضيلة وآثرت قمع الشهوة والجسد ، وآثر القصيمي ومن وراءه العكس ، أي قمع الفضيلة لحساب الشهوة .

الوضع السليم يقرره القرآن الوسطي دائما : (ابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) ، اي من متع الدنيا ، اي لم تلغَ المتع في الاسلام كما تحاول المذاهب الشرقية ، و لكنها ليست قائدا كما يفعل الفكر المادي الغربي الذي يجعل الاخلاق والفضيلة تبعا للبزنس والمتعة ليس الا .


*
إن الله لم يخلق هذه الدنيا وهذا الكون إلا بحثًا عن السعادة لنفسه.  

*
الاستقامة والأخلاق نوع من الفن، شهوة وقدرة وإرادة وموهبة وذكاء وظروف تتلقى ذلك وتتعامل معه، تلوِّنه بلا قداسة أو نبوَّة
.

الرد: كيف اجتمعت هذه الاشياء لتشكّل الاستقامة والاخلاق ؟ هل هذا هو تعريف الاخلاق عند القصيمي العظيم ؟ كأنه يتكلم عن صناعة من الصناعات او هواية من الهوايات ! هذا التعريف يصلح للرسم ، فالرسم يحتاج الى موهبة وفن وذكاء وإرادة و ظروف مناسبة لعرض اللوحات .

وكلمة شهوة هذه ، يبدو انها لازمة لفظية تدخل في كل شيء ! حتى في الطبخ لو عرفه القصيمي ، لقال أنه شهوة وارادة وفن وذكاء وظروف .. إلخ ! ما ابعد هذا التعريف المهني والحرفي عن معنى كلمة الاخلاق الراقية والفاضلة .


*
الأخلاق معركة ينتصر فيها أقوى الأسلحة الضاربة. والمعارك إنما تصنعها وتفصل فيها الشهوات. فالأخلاق شهوات تلاءمت مع ظروفها.

الرد: إذا كانت متلائمة مع ظروفها ، فلماذا يشتكي اهل الاخلاق ويتألمون ؟ بل ان البعض يحذر الاخرين بأن الاخلاق لا توكل عيشا ! فكيف تكون الاخلاق متلائمة مع ظروفها ؟ اليسوا يقولون : اتق شر من احسنت اليه ؟ ويقولون : خيرا تعمل شرا تلقى ؟ اين هي الظروف الملائمة ؟ هو يتكلم عن الاخلاق المصلحية ، ما اقبح اخلاقا يكون دافعها الشهوة ..

تصور كيف تمتن لاحد يتصرف معك اخلاقيا ودافعه هو المصلحة والشهوة بما عندك من مصالح يريدها ؟ ما يتكلم عنه القصيمي هي اخلاق اللئام وليست اخلاق الكرام ، نعم اخلاق اللئام تقوم على المصلحة وليست على المعاني الانسانية المترفعة عن المصلحة والمضحية بها ، وهي التي ذمها الناس على مدى التاريخ ، فقالوا :

يعطيك من طرف اللسان حلاوة .. و يروغ عنك كما يروغ الثعلب ..

والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق .. ينسى الذي يـُولى وعافٍ يندمُ ..

هذا النوع المذموم من الاخلاق هو ما يبشر به القصيمي مع الاسف للأخلاق .


*
إن الأخلاق عند الإنسان وحكمَه على الأخلاق يتبدلان بتبدل وضعه الاجتماعي أو حالته النفسية أو صحته. إن أيَّ اختلال في إحدى غدده أو كبده يغير شعوره وتصوره وتفكيره واستجاباته الأخلاقية. إن الضعفاء يتصورون الأخلاق على غير ما يتصورها الأقوياء.

الرد: هذا تعميم غير علمي ، لا مروءة بدون صبر ، والصبر من الاخلاق ، حتى الجائع يصبح متوترا ، وهنا يأتي دور اخلاق الحلم ، كأنه يتكلم عن الانسان الذي لا يسيطر على نفسه وتتحكم به الشهوة فقط . الجميع يتأثر بالالم واللذة ، ولكن ليس الجميع يكون مستسلما وخاضعا لهما كما يحاول ان يعمم القصيمي على كل الناس من نظرة واحدة .

ولو كان الناس يستجيبون لتأثير الألم واللذة بشكل كامل وتلقائي لتدمرت الحياة , ولكان كل من طمع سرق ، وكل من غضب قتل . هذا تطبيق لفكرته حتى نعرف انها فكرة غير ناضجة .


*
إن الذين لا يجيدون الابتسام قد ينتهون إلى تشريع البكاء والدعوة إليه كعبادة.

الرد: هناك اناس لا يجيدون الابتسام ولا يجيدون البكاء ايضا . وهم دائما بعيدين عن حركات شعورهم ومرتبطين بعالم المادة ، والمادة جامدة . والضحك عاطفة والبكاء عاطفة ، والعواطف غير محبذة عند الماديين الذين ينتمي اليهم القصيمي . 


*
إن صفات آلهة الإنسان موجودة في ذات الإنسان، لا في ذات الآلهة.

الرد: كيف يجب ان يكون الوضع اذا ؟ اذا اختلفت الصفات الاخلاقية بين الانسان والاله ، ماذا ستكون اذا صفات الاله ؟ وهل يوجد صفات اخلاقية اخرى غير التي نعرفها ؟ لن تكون الا ضدها . وضدها سيء ولا يليق بالاله . لا يمكن التفاهم بين الخالق والمخلوق اذا اختلفت الصفات الاخلاقية بينهما . ثم انها صفات جليلة تليق بالخالق وتجمّل المخلوق اذا احتذى بها ، هي في اساسها صفات الله وليست صفات المخلوق . 


*
ما أكثر المؤمنين الذين يرتكبون جميع ما يستطيعون من معاصٍ، معتمدين على التوبة في آخر المطاف، أو معتمدين على سعة المغفرة.

الرد: مثل هؤلاء يخالفون اوامر القران ، والمخالفات لا اعتبار لها في نقاش الدين . فالقران حدد لمن التوبة ، الذين يفعلون السوء بجهالة ثم يتوبون ويندمون (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا) ، اما ما ذكره من أنهم يؤخرون التوبة الى اواخر حياتهم ، فقد تكلم القران عنهم ، فقال : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء : 18] ..

فمنطقيا لا تُحسب على الاسلام مخالفات اتباعه ، بل ولا على اي فلسفة او نظرية او دين ، فالمخالف مبتعد ولا قياس على مخالف ، إنما يُحسب على الدين من يطبق الدين ، وعلى الفلسفة من يطبق تلك الفلسفة . لكن اكثر الملاحدة ينتقدون الاسلام من خلال مخالفة اتباع الاسلام له ، وهذا شيء عجيب ، المفروض ان ينتقدوه من خلال من يطبقونه لا من خلال من يخالفونه . لأن كل ما ازدادت المخالفة كلما زاد الابتعاد عن الاسلام .


*
إن أية عقيدة لها تأثير على سلوكنا بقدر ما تستجيب لشهواتنا .

الرد: هذا الكلام ينطبق على من لا مبادئ له ، أو من لا يريدون التقيد بالمبادئ ، بل يريدون التقيد بالمصالح والمتع . الواجب في أكثر الحالات لا يفعله الإنسان بدافع الشهوة ، وأي شيء تفعله للمستقبل لا يصلح أن تقول فيه أن الدافع هو الشهوة ، بل هو مضاد للشهوة في أكثر الأحيان ، حتى في الدنيا .

فالشخص الذي يتقشف في إنفاقه حتى يؤمـّن مستقبل أبنائه مثلا ، هل نقول أن الشهوة هي دافعه لهذا العمل ؟ وإذا كان الامر هكذا ، فماذا عسانا أن نقول إذا بدّد أمواله على الأشياء التي يحبها وأهمل مستقبل أبنائه ؟ نستطيع حينها أن نقول أن الشهوة هي دافعه ، أما أن نستعمل نفس الكلمة (الشهوة) لحالتين متناقضتين ، فهذا يبعدنا عن العقل و يقربنا للجنون .

إذا تهمة الشهوانية المشتركة التي يطلقها الدنيويون والماديون على المؤمنين كدافع وحيد لسلوك الإنسان تهمة غير دقيقة ولا منطبقة في كل الحالات ، لأنك لا تستطيع أن تسمي شيئا بالشهوة إلا على قدر ارتباطه بالآن والحاضر ، كلمة متعة و شهوة و لذة مرتبطة باللحظة وليست مرتبطة بالبعيد ..

ولو كان الدافع واحد وهو الشهوة لما صار هذا الاختلاف الحاد ، فالدوافع المشتركة توحـِّد وليست تـُفرِّق ، وإذا كانت كل الدوافع سببها شهوة ، فأين العقل إذا كدافع ؟ فالشهوة اندفاع وغرائز وليست تفكير ، والغرائز لا تثور على المستقبل ولا على الماضي ، بل هي تثور على الحاضر ( قانون ) .

ولو جاءت بالتخيـُّل فسوف تـُتـَخيـَّل في الحاضر وليس في المستقبل ، وهذا أكبر دليل على أن كلمة شهوة مرتبطة بالحاضر ولا يصح إخراجها عن نطاقها .

فالمسلم الذي يغض بصره عن امرأة مغرية ، لا يعني هذا أنه يستمتع بجمال منظر الحور العين كما يتصور القصيمي أو غيره ، لأن المتعة تركزت هنا في الحاضر . هناك فرق بين الأمنية والشهوة ، الشهوة تفرض نفسها و ليست تـُستدعى ، لأنها مرتبطة بالغرائز والغرائز مرتبطة باللحظة .

لذلك يخاطب القران أولي الألباب وليس أولي الشهوات ؛ فأصحاب الشهوات معروف أن الحاضر هو الوسط المناسب لهم ، وأهم شيء عندهم هو الآن ، فالآن هي بيت الشهواني وكل شيء في المستقبل يسمى أمنيات وليست شهوات .

إذا الجنة عبارة عن امنية عند المؤمن وليست شهوة ، وتـُتـْرَك شهوة الحاضر لأجلها بدافع العقل وحب الخير والنفور من الرذيلة . لو كان المسلم دافعه الشهوة لكان مجنونا ، فمن يستبدل عصفورا باليد بعشرة على الشجرة ، إذا لابد أن يكون الدافع لفعله هذا شيءٌ آخر .

وإذا كانت المسألة مسألة شهوات في الدنيا وفي الآخرة فما فائدة الدين إذا ؟ ومادام أن الدين يتعامل مع شهوانيين ، فلماذا لا يحثهم على ابتكار الشهوات ومبادرة اللذائذ في الدنيا حتى لا يسبقه أي مذهب إلحادي ودنيوي الى ذلك ويأخذ الناس معه ؟ إن الحكاية أكبر من ذلك التصور .

إذا المؤمن الحق يفعل الخير حبا بالخير وبالله الذي أحب الخير و ليس حبا في الشهوة . نعم من الممكن أن يترك الإنسان شهوة بدافع شهوة أخرى ولكن متى؟ : فقط في سياق الآن والحاضر فقط ، لأن الشهوة مرتبطة بالحاضر فقط ، فعندما تجتمع شهوتان سيتجه الشخص الى الأقوى جذبا والأسهل تناولا (قانون). فإذا امتنع المدخن عن التدخين مثلاُ فلن يقول شخص عاقل أن ذلك بسبب الشهوة أو المتعة ، بل بسبب العقل .

والعقل ليس من الشهوات بلا شك ؛ لأن العقل مرتبط بالحقيقة وبالمعرفة وبالعلم ، وهذه ليست شهوات ؛ حتى المؤمن الذي يخاف من النار ، فالعقل دافعه وليست الشهوة . إن فهم مدلولات الألفاظ يحمينا من فوضى المفاهيم ، وكثيرا ماتسمع هذه الفكرة من الملحدين في نقدهم للأديان .

الشهوة ترتبط بها البهجة والحاضر أيضا ، بل إن الشهوة هي بهجة الحاضر ، وهي التي سمّاها القران زينة الحياة الدنيا ،  وأكثر الذين يعملون يذهبون لعملهم بمشاعر غير مبتهجة ، بدافع العقل الذي يلزمهم بالعمل ، حتى لا يـُرمَوا في الشارع . فأين هي الشهوة في كل شيء ؟ ثم أن تعميمه لكلمة شهوة بأن تكون هي محرك البشر هو تعميم واسع إذا علمنا أن عدد الشهوات الذي يبتهج لها الإنسان قليل . وقد لا تكون متوفرة للجميع .

ثم لماذا أعلى النسب للمرضى النفسيين وبموجب الإحصاءات هي للشهوانيين وبالذات الملاحدة ، مع أنهم أخذوا شهوات عاجلة أكثر من غيرهم ؟ فالمفروض أن تثبت الإحصاءات أنهم أكثر سعادة من غيرهم وأقل أمراض نفسية ، إن الواقع إذاًُ يكذِّب هذه الفكرة . وبما أن الشهوات عددها قليل في حياة الإنسان ، فهذا سيجعل الشهواني يسرف في هذه الشهوات المحددة و يضر ببقية حياته و صحته ، ويتسرب الملل الى داخله ، ويتعبه شعور الإسراف لأن الإسراف تطرف .

والشخص المستسلم للشهوة هو شخص ضعيف ، لذلك لا يـُولـَّى مهاما كبرى ؛ وذلك لأن سيطرة الشهوات تـُضْعِف من سيطرة العقل . ومن هنا إذا يكون ربط الإلحاد بالعلم خاطئ ، و لذلك المؤمن اكثر علمية من غيره ، والمؤمن أكثر ارتباطا بالعقل والعلم ، والملحد أكثر ارتباطا بالشهوة .

ويـُعرف مقدار عقل الإنسان بمقدار اهتمامه بالمستقبل (قانون) ، وبما أن الشهوات مرتبطة بالحاضر فالشهواني إذا هو الأبعد عن المستقبل ، أي الأبعد عن العقلانية ، و إلا فلماذا تتضعضع الثقة برئيس دولة مثلاً لأنه استجاب لشهواته مع أن تلك الدولة تمجد الشهوانية ؟

إذا الشهوانية لم تكن في يوم من الأيام أساسا لأي بناء عقلي أو علمي أو حضاري ، فالعقل قوة والشهوة ضعف ، وميزة الإنسان عن الحيوان نستطيع أن نلخـِّصها بالنظر الى المستقبل ، والمسلم هو صاحب المستقبل الأبعد في دائرة الاهتمام ، وهي دائرة ما بعد الموت ، ومن يهتم بالحاضر فقط فسيكون دافعه الشهوانية ومحصوراً في إطار الحيوانية ، ولا يمكن الجمع بين الشهوانية والعقلانية ، فهُما في تناقض .

ومادام يوجد من يخالف شهوته ارتباطا بالمبدأ فكلام القصيمي ليس على إطلاقه ، وهو ينطبق على فئة شهوانية فقط ، فهي التي تدفعها شهوة وتردُّها شهوة أخرى
.

أما توسيع مفهوم الشهوة ليشمل حتى الواجب ، فالقصد منه تبرير الشهوانية ليس إلا . وإلا فالشهوة معروف أنها قريبة المجتنى ولهذا سميت شهوة . منطقيا لا أحد يستطيع أن يسمي من يدفع الضريبة بأن الشهوة هي دافعه ، سيكون هذا أمرا مضحكا بناء على تعميم فكرة القصيمي . فالمسلم الذي يفعل الواجب لأنه واجب ولأن عليه نور و يرى أنه هو الحق ، من الصعب أن تقول أن الشهوانية هي الدافع لأعماله ، وحتى الجنة نفسها لا يمكن اعتبارها في نطاق الشهوات ، لأن الجنة متى موعدها ؟ بعد انقضاء الحياة كلها !! ولا ننسى أن هناك حساب وجحيم ، وليست الآخرة هي مجرد جنة فقط .
 

*
أقوى الناس اشتهاءً للدنيا هم مَن أبدعوا أقوى الأوصاف وأكثرها تعريةً وفضحًا لشهوات الآخرة. لقد جاءوا بأبذأ الأساليب في التشويق إلى اللذات المنتظرة هناك. والذين كانوا شعراء في وصفهم لنساء الآخرة كانوا حتمًا شهوانيين جدًّا في أشواقهم نحو نساء الدنيا. لقد اشتهوا ما هنا فوصفوا كشعراء ما هنالك.

الرد: لو كان هذا المبدا صحيحا فلماذا صوّموا انفسهم وحرموا على انفسهم اشياء كثيرة لم يحرّمها الاباحيون ؟ وكيف يكون اكثر الناس اشتهاء للدنيا هم اكثر الناس تحفّظا على الانغماس في شهواتهم ؟ هذا تناقض وقع فيه الكاتب .

بل اكثر الناس اشتهاء للدنيا هم من لم يدعوا ولا حراما واحدا في طريقهم ، سوى الخطر اذا ضرب غلى ايديهم ، كما يُضرَب الاطفال على ايديهم من قبل الآخرين اذا اخذوا شيئا لغيرهم .

وهو يحث على اللذة والشهوة ، ثم يعتبر التشويق الى اللذة امرا بذيئاً !! اليس في هذا تناقض فاضح ؟ الشهوة هي كل شيء في فكره ، اما الدعوة اليها فهي امر بذيء ! هو يعمل على مستويين عقليين وهو لا يدري : فتضخيم الشهوة انطلق به من مستوى ، والأنفة من الدعوة الى الشهوات انطلق به من مستوى عقلي اخر !

هذه الازدواجية سوف تواجهنا كثيرا عند قراءة الطرح المادي الالحادي . فشهوات الدنيا امر اساسي وحقيقي ولا غبار عليه ، اما شهوات الجنة فهي شهوات فاضحة ومقززة للذوق !! و كلا الفكرتين نسمعها من عقل واحد ! ويغضب اذا وصفته بالتناقض ! هكذا يكون الإغراض والانتقائية وإلا فكيف ..

حتى يُحترم عقل شخص ما ، يجب ان يكون له خط واحد ، الناس تراقب عقل الكاتب او المفكر من خلال بحثها عن التناقض .. وموضوع التناقض لم يلتفت له الطرح المادي الالحادي بدرجة كافية ، خصوصا في هجومه على الدين . لأنه يتناول الدين عن طريق ثنائية متناقضة جدا : فهو يرفض وجود الخير وينتقد الدين من ناحية الخير ! ولا يقر بلأخلاق كاساس يحتكم اليه ، ويفرح اذا وجد مثلبة اخلاقية على الدين ! هو شهواني ويقر بشهوانيته ، ولكنه يتقزز من المتع المذكورة في الاخرة !

ومن يستعمل الازدواجية في النقد ، يضر بمصداقيته اكثر من الشيء الذي ينتقده . وهذا ان دل على شيء ، فإنما يدل على الانسياق الجارف وراء تحطيم الهدف دون التأكد من جودة الادوات وصلاحيتها .

هم يتصورون : "اضرب الدين باي شيء ، فكل ضربة لا بد ان تؤثر .." ، وهذا ما ادى الى إضعاف المصداقية والمنطقية . وهذا يشبه منظر من اراد ان يحطم تمثالا يكرهه ، فأخذ يحذفه بحذائه و كل ما عليه ، فلما التفت الى نفسه وجد نفسه عاريا قبل ان يتحطم ذلك التمثال !!       


*
إن الشهوات هي الجياد الأصيلة التي رفعتْ جميعَ العظماء على صهواتها ليحتلوا أكبر أماكن التاريخ.

الرد: لاحظ هنا تمجيد الشهوات الدنيوية رغم ما عليها من الكثير من القذر ، في حين كان يشنع ويتقزز من الشهوات الاخروية رغم طهارتها ! المنطق لا يؤيد كلامه . تقول الامثال : من صبر ظفر ، ولم تقل : من انساق وراء الشهوات ظفر ، بل هو الذي يقول ذلك . وهذا موجود في امور الحياة كلها ، فعجبا لهذه الفلسفة الساذجة ممن يقال عنه انه مفكر عظيم !!


*
إن تسليح الأفراد بالشهوات القوية كتسليح الجيوش بالأسلحة القوية: ليس لأيٍّ منهما فضيلة أو معنى إلا بذلك.

الرد: التاريخ ينفي ذلك ، مقدمة ابن خلدون توضح ان الامم المترفة والمنغمسة في الشهوات تقضي عليها الشعوب الصلبة والخشنة البدوية ، اي الابعد عن الشهوات . فالتلميذ المتسلح بالشهوات تجده ينساق في شهوة النوم في الفصل والضحك والتسلية مع زملائه ، و حب الراحة واهمال الواجبات ، بينما التلميذ الجاد هو الذي يسيطر على رغباته وشهواته بدافع من عقله . اذا الشهوانية لا تصنع العظمة كما يتصور ، بل العكس هو الصحيح .


*
إن كلَّ إنسان أو شعب يفقد الحماس تصاب مواهبُه كلُّها بالعجز.

الرد: من قال ان الحماس ياتي من الشهوة فقط ؟ المبادئ والايمان هي اقوى ملهبات الحماس ، والتاريخ ايضا يثبت ذلك . الصبر هو طريق النجاح وليس حب الشهوات . حتى الذين وصلوا الى شهوات اوسع ، وصلوها بالصبر وليس عن طريق الشهوات .

وبامكانك ان تقرا في سير المشاهير او العظماء ليصوروا لك كيف انهم تحلوا بالصبر وذاقوا الكثير من الالام والمرارة وكيف كانوا يحرمون انفسهم من قبل ان يصلوا الى ما وصلوا اليه ، ولم يقولوا اننا صرنا شهوانيين فصرنا عظماء ! ( ومن طلب العلا سهر الليالي ) ( ولا بد دون الشهد من إبر النحل) .. فالشهوة مربوطة بالحاضر دائما ، كما وضحنا سابقا .


*
إن أعظم شيء يتفوق به الإنسان على كلِّ ما في الوجود هو موهبة التحدي.

الرد: نعم ، ولكن تحدي ماذا ؟ انه تحدي الشهوات .. وهذا ما لا يملكه الحيوان .


*
يا شعوبًا أنهكها البحث عن الفضيلة! جربي البحث عن الرذيلة – فقد تجدين بها ما تفتقدين من فضائل.

الرد: كيف تكون الفضائل في الرذيلة ؟ كيف يكون الشيء في ضده ؟ ثم هو الآن يثبت اهمية الفضيلة من دون ان يدري ! أليس يقول انه قد تكون الفضيلة في الرذيلة وانتم لا تعلمون ؟ اذا هو يقر ان الفضيلة هي هدف ويجب البحث عنها وليست الرذيلة . و يقر ان الحياة لا تصلح الا بفضيلة ، لكن خلافه معهم هو في اين تكون : هل الفضيلة في الفضيلة ، ام الفضيلة في الرذيلة .. 


*
إن الله لا يريد أن نكون وحدنا مؤمنين، ويكون غيرُنا كافرين – يفعلون هم الشهوات والعبقرية المحرَّمة والإبداع والحياة، ونفعل نحن الفضائل للموت والطاعة والخوف؛ يفعلون هم الحضارة، ونفعل نحن المواعظ والأنبياء.

الرد: هو الآن يتقول على الله ما لم يقله . هل قال الله : لا تعلَموا ولا تتعلموا واياكم ان تبنوا الحضارة ؟ ام قال العكس ؟ هذا ادعاء غير موثق ، ولو كان صحيحا لأقررنا معه ، أما كونه يعجب بحضارة ما ، فهذا امر اخر ، فقد كان للمسلمين اعظم حضارة في زمن من الازمان .

والفضيلة لا تتعارض مع العلم والحضارة ، بل هي الدافع الاساسي لها . الرذيلة لا ياتي منها الا الشر . و كل من يريد تشويه الفضيلة وتقليل شانها ، دائما يراهن على الجواد الخاسر . الناس تحب الفضيلة بفطرتها .


*
الضعفاء أقرب إلى الأخلاق لأنهم أعجز عن عصيانها؛ وهم أيضًا أبعد عن الأخلاق لأنهم أعجز عن تحقيقها وتحصيلها.

الرد: كيف يكون هذا ؟ هو الآن يمدح الاخلاق و يذمها في نفس الوقت !! وهذا يدل على انه لم يقبل الرذيلة فعلا ، وما زال في داخله حب للفضيلة ، وإذا لم يعص الضعفاء الاخلاق فهذا يعني انهم يطيعونها ، والطاعة تكون بأوامرها ونواهيها ، هل يصنف هذا في ضعف التعبير ام يصنف على انه فلسفة غامضة لا يمكننا الوصول اليها ؟

الاقوياء الحقيقيون هم الاقدر على الاخلاق ، سواء كانت اخلاقا بالسالب او بالموجب ، فالحلم مثلا ، خلق بالسالب ، اي الا تفعل شيئا ، والمروءة خلق بالموجب ، اي انك تفعل شيئا لاحد محتاج رغم الخطر . و كلاهما لا يستطيع عليه الا الاقوياء ، والاقوياء هم المستعدون للتضحية دائما كما يقول المتنبي :

لولا المشقة ساد الناس كلهم .. الجود يفقر والإقدام قتال ..

إذا لا يستطيع الاخلاق الا الاقوياء ، اما الشهوانيين فهم الابعد عنها لانهم ضعفاء ، فهم لا يريدون الفقر ولا يريدون ان يقتلوا .. لهذا يكرهون الاخلاق لمشقتها . والبشر كلهم يعرفون ان طريق الاخلاق طريق شاق الا هذا الرجل العجيب واستاذه نيتشه ! يريدا ان يجعلا من العاجزين عن الاخلاق اقوياء !! بدون دليل سوى انهم هم يريدون ذلك ! و وسيلتهم لاقناع الناس بذلك هي التكرار ، مثلما كرر عبد الله القصيمي فكرة الشهوة في اغلب الفقرات التي مرت معنا . واصحاب العقول لا يجدي معهم التكرار كاسلوب في الاقناع .      


*
إن العلم والحياة لا يصنعان الأخلاق، وإنما يصنعان القوة. إن القوة دائمًا ضد الأخلاق؛ لهذا لا ينتظر ازدهارُ الأخلاق مستقبلاً، بل نمو القوة الإنسانية.

الرد: هذه الافتراضات بلا دليل ، ويبدو اننا نرد على نيتشه ثانيا وليس على عبدالله القصيمي .

القوة مثل اي وسيلة ، تستخدم في الخير او الشر ، تستخدم في سياق الاخلاق او في غير الاخلاق ، وكذلك معطيات العلم والحضارة ، فلماذا هذا العداء للاخلاق ؟ هل العجز عن الشيء يسبب عداء له ؟ اليس العلم والحضارة كلها للانسان ؟

أليس الانسان محكوم بثنائية الاخلاق واللا اخلاق والخير والشر والحب والكره ؟ اذا هي وسائل لهذا الانسان المحكوم بالثنائيات .

انظر الى الحرب مثلا : كانت باساليب بسيطة ، والان دخل العلم في الحرب . هل هذا يعني ان العلم لا يعمل الا في الحرب فقط ؟ اليس يعمل ايضا في الطب وانقاذ المرضى والمصابين ؟ اليس يعمل على معاونة المعاقين ؟ اذا كلام القصيمي غير صحيح في ان العلم يتعارض مع الاخلاق . لان العلم للانسان ، والعلم لا يغير طبيعة الانسان وتردده بين الخير و الشر ، اذا سيستخدمه الانسان اما في الخير او في الشر كاي وسيلة ، مثل الكاس والسكين .

هم يريدون التخلص من الانسان ، ناسين ان كل شيء للانسان . فالإنسان تكمن في داخله القيم والدين ، نيتشه يقول عن الإنسان : أنه شيء لا بد من تجاوزه ، ولكن يتجاوزه الى اين طالما ان كل شيء للانسان ؟ هل نتجاوز الانسان الى العلم او المادة ، بينما اصل العلم واصل المادة للانسان وليس اصل الانسان للعلم والمادية ؟ هاذ ما يريدوه ان يكون ، أن يكون الانسان للعلم .  

وهذه كلها محاولات التفافية القصد منها الابتعاد عن قيم الانسان وتهميشها ، لسبب بسيط وهو ان الدين والاخلاق لا وجود لهما خارج الانسان . فالمادة لا تحمل دين ولا قيم ولا اخلاق . ولهذا ارادوا تجاوز الانسان الى المادة ..

ولو كان الدين موجوداً في المادة لهربوا منها الى الانسان ، ولكنها هي قيم الانسان ، فماذا نفعل بها ؟ و انت تتعامل مع انسان ولست تتعامل مع مادة . فكيف تتجاوزه وهو صاحب الشان ؟ يمكن تسمية هذه الفكرة بورطة نيتشه .        


*
إذا اتبعتُ الحقَّ واحترمتُه فليس لأني فاضل، وإذا اتبعت الباطل فليس لأني شرير، ولكن لأني في الحالتين إنسان. إني أفعل ذاتي دائمًا.

الرد: اي الذاتين تفعّل ؟ الخيرة ام الشريرة ؟ انت اثبت ان ليست لك ذاتا واحدة ! ولو كانت ذاتا واحدة لما وجد التناقض ! والشيء الواحد لا يمكن ان يكون شيئين متناقضين في نفس الوقت . لا يوجد متناقض يسمى بإسم واحد إلا شيئا واحدا وهو التناقض نفسه .


وفكرة ان الانسانية لا تعني فقط الخير بل تعني اي شيء يتصف به الانسان من خير او شر ، وفي مجموع ذلك يكون هو الانسان ، وهي الفكرة التي يعتمدها المذهب الانساني الملحد ، وهي اساسه ، لا شك انها فكرة سطحية ، فتاخذ سطح الانسان وليس عمقه ، سطحية لانها تريد ان تجمع التناقض في كيس واحد ، وهذا شيء غير منطقي . فالتضاد لا يكوّن ائتلاف او وحدة . نجد ان الرابط بين الخير والشر في مذهبهم هو ان الذي يفعلهما انسان ، وهذا ما لديهم من رابط يزعمونه يعتبر كافيا لديهم ..

اي ان رابط الوحدة هو وحدة الانسان و ليس وحدة السلوكين . اي وحدة الاناء ، فالجمع بين السم والعسل في اناء واحد ، هذا لا يعني انهما اتحدا وصارا شيئا واحدا ، ولا تستطيع ان تقول ان السم مثل العسل لانهما في اناء واحد !! ومثل هذا الكاس لا أحد يرغب في تناوله . وسيقولون : لا نرغب في تناوله ، ولكننا نرغب في تناول الكاس الأول ، وهو الإنسان المختلط بين الخير والشر . هذا تناقض في التناول .  

وجود الشر في الانسان ليس وجودا مقبولا ، حتى من ذات الانسان نفسه ، وليس قبول وجود الخير مثل قبول وجود الشر عند الناس . ولو كانا متماثلين لما نظر البشر اليهما نظرتين مختلفتين ، ولتشابها في المستوى التقييمي ، ولكن هيهات ، حتى اصحاب الفكرة انفسهم لا يستطيعون ان يطبقوها ، فلو عرضت عليه صداقة شخص جديد وقلت عنه انه ينقذ القطط ويقتل الاطفال ! فهل سيقبله بخيره و شره ؟ هذا هو المذهب الانساني : مذهب غير واقعي .. 

هؤلاء يريدون تمييع الفارق بين الخير والشر بطريقة ساذجة جدا ، في الوقت الذي هم انفسهم يستخدمون الخير والشر ويحتاجون الى هذا التقييم بشدة لأجل حياتهم وسلامتهم ! فكيف تنفي شيئا لم تتخلص انت منه ؟ بل هو اهم شيء تبحث عنه ، حتى تعرف من حولك !

كما تلاحظ ان افكار الماديين كلها تـُقدم في سياق الخير ، القصيمي نفسه يقول : ان الفضيلة في الرذيلة ، اي انه هو يعتمد على الخير من اجل ان يُقبَل كلامه . إن تمييع الفوارق بين الخير والشر اصعب من تمييع الفارق بين الليل والنهار . الانسان محتاج الى الخير اكثر من حاجته الى اي شيء اخر . ولولا نوازع الخير في الانسان لفنيت البشرية منذ القدم . وهكذا نرى ان الملحد يدمر كل شيء في طريقه املا في تدمير الدين ، ويظهر نفسه دائما بوضع المتناقض مع ما يقول ، لانه لا يرى الا شيئا واحدا وهو تدمير الدين .

مشكلتهم هي ان الخير شامل لكل شيء في الحياة ، وكذلك الشر ، فإسقاط الفكرتين يعني اسقاط الحياة . حربهم على الخير بسبب ان الدين ينتسب الى الخير ، فأرادوا أن يقتلعوا الشجرة من جذورها وتربتها ايضا ، فانكشف تناقض عقولهم و واقعهم .

اجتماع الخير والشر في الانسان ليس اجتماعا مستقرا كما يصورون ، الا ترى ان الانسان دائما في كفاح لان يطور نفسه ويغير واقعه ويصحح من اخطاؤه ؟ كل انسان يتمنى وضوح الرؤية و وحدة الطريق ويتألم من الازدواجية التي يقع فيها . اذا البشر غير راضين عن اجتماع الخير والشر فيهم ، ويكافحون لاجل التخلص من الازدواجية ، اذا كيف نقول انه هذا هو الانسان وهو لا زال يغير ويحاول من اجل تحسين واقعه ؟ هذا يشبه ان تقول لتلميذ رسب في بعض المواد بأنه هذا هو ، مع العلم انه يدرس ويكافح من اجل ان يتخلص من الرسوب في الدراسة !

تستطيع ان تقول عن انسان أنه هذا هو اذا قال انه انتهى ووصل الى ما يريده ، ورضي عن نفسه بالكامل ، ولا يوجد انسان يقول مثل هذا الكلام . انت لا تقول عن المسافر الذي يركب السيارة بأنه هذا هو : شخص يركب في السيارة وينتقل من بلد الى بلد ! هو لم يصل بعد !

الانسان في رحلة كفاح طول حياته ، اي انه لم يتحول الى ان يسمى " هذا هو " ، فهو لم يصل الى الماهية التي يريدها ، قل عنه انه "هذا هو" اذا قال انه وصل الى ما يريده . اذا الواقع لا يكفي لاصدار الحكم النهائي على اي شيء ، لأن هناك عمل مستمر لتغيير الواقع .

ولو كان الواقع كافيا للحكم المطلق والدائم ، لقلنا عن مريض في المستشفى لبضعة ايام ، أنه : هذا هو : انسان مريض طول حياته ، وبدليل انه في المستشفي الآن ! متناسين ان جسمه يكافح لأجل التغلب على مرضه . من هنا عرفنا ان هذه الفكرة سطحية.

بل إن اسوا ما يسمعه انسان ان يقال له : ان هذا هو انت ولن تتغير بخيرك وشرك . الجميع على امل تغيير ، حتى من يصاب بامراض مزمنة ، واذا انقطع الامل انقطعت الحياة . اذا ليس هذا هو الانسان كمجمع للخير والشر وبشكل دائم لا يتغير ، هذه ليست حقيقة دائمة .

بل الحقيقة ان الانسان في حركة دائمة لفصل هذه الثنائية ،  إما الى عالم الخير الخالص او الشر الخالص ، والجميع يعلم ان اشخاصا ظهر التغير بوضوح عليهم اكثر من غيرهم ، مع ان الجميع يتغير بالنسبة للخير والشر .

لايوجد انسان مستقر وثابت على وضع واحد . من اختار الخير واحبه ، فهو يكافح الشر ان يدخل الى داخله ، ومن اختار الشر و رضي به ، فهو يكافح من الا يدخل الخير الى داخله ايضا . ولا يوجد انسان – كما يعلم الجميع – مقبول بالكامل ، والسؤال : لماذا لا يقبل بالكامل ؟ والسبب : لوجود شر فيه .

بينما القصيمي وامثاله يريدونا ان نقبلهم بخيرهم وشرهم ، بينما هم لا يستطيعون ان يقبلوا احدا بالكامل . وهكذا سقطت هذه الفكرة السطحية التي تطالب بقبول الانسان بخيره وشره وعدم التفريق بين الخير والشر .    


*
أنا أفكر وأتكلَّم كشريعة، ولكني أحيا وأنفعل وأخطئ كطبيعة.

الرد: هذا هو الفرق بين العقل والغرائز والمزاج . وهذا الشيء سوف يكون ، حتى لو نزعت عنك الدين والشريعة ، فسوف يكون امر لا بد منه لممارسة الحياة . لا احد تسير الحياة على مزاجه .

لا بد ان يجد ان القوانين او المنطق تلزمه باشياء لا يحبها ، على الاقل في تلك اللحظة .

اذا هذه الشكوى ليس المسؤول عنها الدين وحده . والانسان ليس ابن اللحظة بسبب وجود العقل ، بمعنى اخر : الغرائز مشغولة باللحظة والعقل مشغول بالمستقبل ، وهنا يحدث الصراع الداخلي . وهو الذي يقصده القصيمي .     


*
لا يولد موقفُ الإنسان معه. كلُّ إنسان يولد بلا موقف، حيث يصنع موقفَه تحت عدد لا حصر له من الاحتمالات الحمقاء.

الرد: هذا ينفي على الاقل فكرة الجبر المطلق ، وان الانسان مخير كما اشار القران .


*
نحن نسمي بطلاً كلَّ من لم يجد الفرصة لكي يكون نذلاً.

الرد: لماذا لا يكون العكس ؟ فهو الانسب والاقرب للعقلانية ! أإلى هذه الدرجة البطولة سهلة و رخيصة عند القصيمي ؟ وتوضيح لفكرته الغريبة : فشخص يخترق المنزل المحترق لينقذ طفلا ، هو فعل هذا الشيء "السهل" لأنه لم يستطع أن يبتعد عن الموقف ويحمل المسؤولية غيره ويذهب يرتاح في سريره !!

اختراق النيران هو السهل في نظر القصيمي ، والذهاب الى المنزل هو الصعب في نظره ، لكن الناس يخطؤون ولا يفهمون كما يفهم القصيمي ، فيسمون الاول بطلا والثاني جبانا ، فالمفترض ان يكون العكس بناء على راي الفيلسوف القصيمي !! الذي يريد ان يجعل من النذالة بطولة !


*
الأخلاقي هو من يَصْدُق مرة واحدة ليكذب عشرات المرات.

الرد: إذا الكذب سيء في هذه الحالة ، ويعترف هو بذلك . فلماذا لا يستمر ؟ اليس قبل قليل يمجد الرذيلة ، والكذب من الرذيلة ؟ موقف الرجل متناقض من الفضيلة و الرذيلة . لكنه ينطلق من فكرة اللحظة + المصلحة وينسى ما قاله من قبل ! مما يجعل التناقضات تتراكم وراءه وهو لا يدري !  


*
ما أسخف الحياة لو كنا لا نفكر ولا نعتقد إلا ما نفعله.

الرد: العكس تماما هو الصحيح ، وهذه امنية البشرية التي لم يصل اليها احد ، وهي الانسجام بين الداخل و الخارج . و اي سعادة يحصّلها الانسان هي بسبب تقاطع الداخل والخارج . والعكس بالعكس . يجب قلب افكار القصيمي راسا على عقب قبل أن تـُقرأ لتكون صحيحة ، كما تـُعدّل السيارة المنقلبة .


*
الذين يفعلون الصواب لا يفعلونه لأنهم يحترمون المنطق. كذلك الذين يفعلون الخطأ، لا يفعلونه لأنهم يحترمون المنطق. ليست الحضارة أو الأخلاق أو فقدها منطقًا أو فقدًا لمنطق. إنها قدرة أو فقد للقدرة. ليس أعظم الناس إبداعًا وحضارة وأخلاقًا هم أعظمهم منطقًا.

الرد: عين على المنطق وعين على الحضارة .. الابداع قد يكون في الشر ايضا ، ومن الممكن ان تخسر ممتلكاتك او حياتك نتيجة سرقة من لص ماهر ومبدع أو نصـّاب محترف . العكس تماما هو الصحيح كالعادة .

لم تقم الحضارة الا على المنطق ، وبما ان الحضارة ليست كلها سليمة ، فسيكون السبب هو نقص المنطق في تلك الاجزاء . العلم الحقيقي هو منطق حقيقي ، تعرّف على علم الميكانيكا وابحث فيه عن حركة او قطعة غير منطقية ، طبعا لن تجد ، واذهب الى الهندسة لتجد نفس الشيء ، كل علم ثابت هو منطق ثابت ومتفق مع العلم الاخر .

ثم القصيمي ينسب نفسه الى العقلانية والعقل في الوقت الذي يحتقر فيه المنطق !! وهذا تناقض . تلك الاجزاء غير المنطقية في الحضارة هي التي تعجبه . و ضحّى بالمنطق لاجلها .

عندما تقول الحضارة ، فسيتبادر الى الاذهان : التقنية والطيران وناطحات السحاب الخ ، وكلها تسير بالمنطق . ناطحة السحاب هي منطق من اساسها الى راسها . و اي غلطة في المنطق تؤدي الى مشاكل او انهيار لتلك البناية ، واذا عرف السبب بطل العجب ، هذه الكلمة تقال عند اكتشاف اي خلل ، اي عندما يـُعرف المنطق الناقص .

 لا يوجد شيء حقيقي الا وهو منطقي في نفس الوقت ، قال تعالى ( وما خلقنا السماوات والارض الا بالحق) ، والحق هو حقائق العلم والمنطق الثابتة ، بمعنى اخر : كل شيء في الكون هو علمي ، والعلمي هو منطق . وهذه الاية نفسها تنفي تهمة ان الدين يقدم حلول غير علمية للوجود والحياة ، لانه قال (بالحق) ، ولم يقل : (بقدرات لا يمكن ان تدرسوها ولا يمكن للعلم ان يعرفها) . وكل حق عبارة عن علم . وما ليس بحق لا يمكن دراسته . لأنه ليس له وجود . وما ليس له وجود لا يمكن معرفته . فالصدق يمكن ان يُبنى عليه ويُعرف ويُدرس ، ولكن الكذب عكس ذلك .

إذاً فكرة ان الحضارة خليط من الحق والباطل فكرة باطلة . فباطل الحضارة يُنسب الى الباطل ، و جيّد الحضارة ينسب الى الحق .

وليست كل الاضداد تصنع خليطا ، فلا بد لهما من شرط الوجود ، فعندما تخلط النحاس "الموجود" مع الحديد "الموجود" ، تخرج بشيء ثالث هو البرونز "الموجود" . بعبارة اخرى : لا يمكن ان تخلط شيء موجود بشيء غير موجود وتنشئ منهما شيء ثالث !

الشر لا وجود حقيقي له على الارض ، الشر ما هو الا تقطيع الخير فقط . الشيء المقطّع لا ترى منه الا قـِطـَعه ، لكن لا تجتمع السكينة مع اللحمة بعد ان قطعتها .

والقدرة بدون منطق تساوي جنونا ، والجنون ضعف لأنه يناقض نفسه ويفقد طاقته ، وهو يقول ان الحضارة تقوم بالقدرة و دون منطق !! و فقد الطاقة ضعف . وعدم المنطق يعني التناقض ، والتناقض يهدم ولا يبني .

متى يبلغ البنيان يوما تمامه .. اذا كنت تبنيه وغيرك هادم ..

وهكذا انهدمت هذه الفكرة بسبب التناقض .


*
حينما نشتبك في مناقشات ومبارزات جدلية لا نستعمل في الحقيقة عقولنا، وإنما نستعمل أعصابنا وتوتراتنا – أيدينا من بعيد. إن من يقاتل بعقله إنما هو يقاتل بيديه اللتين أخفاهما وراء كلماته.

الرد: هذا الكلام يثبت تقليل الشأن للعقل والمنطق من جهة ، مع التعميم بلا دليل من جهة أخرى ، وكأنه يقف في صف الغرائز التي يعتقد ان الرذيلة تنطلق منها ، ناسيا ان العقل ايضا اقتنصه الانسان بسبب تلك الدوافع والاعصاب كما يسميها . بمعنى ان العقل بناه الانسان بدافع الحاجة الوجدانية ، لأنه غير مولود مع الانسان .

وهو يتصور مع نيتشه ان مكمن الرذائل يقبع في اعماق النفس البشرية وليس في تلك الاعماق الا هي ، اي ان الانسان رذيل بطبعه ، وان الاديان والحضارة هي التي تحاول ان تلزم الانسان بخلاف طبعه ، هكذا تصور هو ايضا .

واستنتاجهم هذا يفتقر الى النصف ، فهم بنوه على ما يخرج من الانسان من نزوات انانية و شهوانية ، ليستدلوا من الظاهر على الباطن ، متناسين ان الانسان خرج منه ايضا غير تلك النزوات ، فمثلما تخرج الانانية من الانسان خرج الايثار ايضا من الانسان ،  ومثلما تخرج الفوضوية على شكل نزوات ، كذلك خرج العقل و المنطق ، من الانسان ايضا ، اذا هناك ثنائية يجب النظر اليها من كلا الطرفين .

فالعقل والمنطق والاخلاق والدين صفات انسانية ، ولم تفرض عليه من كوكب اخر ، والناس هم الذين احبوها ونمّوها ودافعوا عنها ، مثلما ان الناس احبوا الشهوات والنزوات . اذا لا يحسُن النظر بعين عوراء كما ذكر فرويد في كلامه عن العقل الباطن . مستدلا عليه من نزوات الظاهر .       


*
إنك، إذا استعملت منطقك ضد إنسان، فأنت تريد أن تقتله أو تسبَّه أو تهزمه، ولست تريد أن تعلِّمه. إنك حينذاك شاتم، لا معلِّم.

الرد: الكلام يتعلق بالدافع ، فقد تستعمل المنطق لكي تفهّم ابنك الذي تحبه وتتمنى الخير له . هذا التعميمات للقصيمي لا تملك كوابح للايقاف ! فقد تستخدم المنطق بدافع الانانية ، وقد تستخدم المنطق بدافع الحب .

الانسان لا يفعل شيء بدون دافع ، ولكن هؤلاء الماديون يحاولون ان يركزوا الدافع بالدافع السيء الاناني الشهواني . وتحديدهم لدوافع الانسان بأنها دوافع سيئة هذا ما يريدونه ، ولكنه ليس علميا ولا واقعيا . ونحن نبحث عن ما هو علمي و واقعي ولسنا نبحث عما يريدوه .  


*
إن الإنسان لا يفكر أو يناقش ليخلق حالة، بل ليشرح حالته. إننا لا نستمع إلى من يفكر أو يناقش لنتعلم منه أو لنفحص عما نسمع، ولكن لندافع عن حالة نحياها أو نتمناها أو نريدها.

الرد: هذا تعميم يناقض الواقع ، ليس كل الناس بهذه الصورة التي يصر على رسمها ، اذا تكلم الانسان عن نفسه وواقعه لا يعني هذا انه يتكلم عن كل الناس ، نعم يوجد كما يقول ، و يوجد حالات معاكسة . انه لا يؤمن بالثنائية الاجتماعية . ولا بثنائية اتباع الخير واتباع الشر ولا بالحمائم والصقور ، فالناس عنده كلهم سيئون في دواخلهم ، وهذه النظرة لا تبني محبة بين الناس ولا ثقة .

وبسبب هذه المغالطة الجذرية نتج التعميم وانسحب على كل ما يقوله القصيمي واساتذته وتلاميذه الماديون . المؤمن الحق هو الابعد عن التعميم . لانه مؤمن بالثنائية ، ثنائية الخير والشر ، اذا المادي دائما ينحو نحو التعميم على كل الناس ، وهذا ما ستلاحظه على كل الماديين عندما يتحدثون عن الافراد والمجتمع ..

ولهذا القرآن لا تعميم فيه بمثل هذا الشكل ، كثيرا ما نجد فيه : ( إلا قليلا منهم) (إن الذين امنوا) (إن الذين كفروا) (أكثرهم فاسقون) إلخ من الاستثناءات المعروفة في القران . اما القصيمي فلا استثناءات في كلامه . والاكثر استثناء هو الاكثر دقة وتحريا للصواب .  


*
أنا أفكر لأني أحيا، ولا أحيا لأني أفكر. أفكارنا دائمًا تعبير عنا، ولسنا تعبيرًا عنها. كلُّ جهاز يصنع عملَه، ولا يصنعه عملُه.

الرد: العكس هو الصحيح ، كل كتابات القصيمي تتكلم عن الافكار التي يعتنقها والتي هي تصنعه ، ولو كان كلامه صحيحا لتكلم عن حياته وليس عن افكاره . الحقيقة ان افكارنا هي التي تصنعنا ، ولسنا نصنعها .

والجهاز الذي يعمل ، هو يعمل لكي يخدم فكرة ، الفكرة والهدف من الجهاز موجودان قبل وجود الجهاز . بل ان حياة الناس تتضرر بسبب افكارهم ، ومع هذا يتحملون نتائجها وربما فقدوا حياتهم راضين بسبب افكارهم . بل ان سيرة حياته وهجرته وما تعرض له من صراعات ومشاكل كانت بسبب افكاره وليست بسبب حياته .

شخصية الانسان هي مجموعة افكاره . فيقال عن شخص ان شخصيته تتميز بالدقة مثلا واحترام الوقت والانضباطية وغير ذلك ، و ما هذه الاشياء الا افكار رأى انها هي الافضل . فتبناها فتحولت الى عادات عـُرف بها وبالتالي اتسمت شخصيته بطابعها .   


*
الآلام قد تتحول إلى أفكار، لكن الأفكار لا تتحول إلى آلام. قد يصبح التشاؤم تفكيرًا، لكن لن يصبح التفكير تشاؤمًا. لو كانت الأفكار تصنع الناس لأمكن صنع أعظم الشعوب بإعطائها أعظم الأفكار. الشعوب العظيمة تبدع أفكارًا عظيمة، لكن الأفكار العظيمة لا تبدع شعوبًا عظيمة.

الرد: اذا ما فائدة الافكار العظيمة طالما انها لا تصنع شيئا ؟ وعلى اي اساس وصفها بالعظيمة بينما الافكار لا تصنع شيئا كما يقول ؟ ولماذا سماها افكارا عظيمة ؟ وما دامت الافكار لا تصنع ولا تغير في الناس شيئا ، فلماذا اجهد نفسه في نقد افكار مجتمعه واستجلاب افكار غربية نتشوية لتحل محلها ؟

اليس من افكار القصيمي كشخص مادي ان الانسان ابن بيئته وان البيئة والمجتمع هي التي تصنع الانسان و تشكله ؟ اذا فالافكار هي التي تصنع الناس . و لماذا هو يحارب افكار الدين طالما ان الافكار لا تؤثر في الناس ؟ و كيف يسمى مفكرا من يرى ان الافكار ليس لها قيمة ؟!!  بعد هذا ، نجد القران على الطرف الاخر يهتم جدا بموضوع الافكار ، ويجعل منها اساسا لمصائر الناس بعد الموت .


*
كلُّ شيء يمكن أن يؤدي عمله بما يمكن أن يسمى غريزة الأشياء.

الرد: واضح انه يحارب العقل بطريقة رجعية ويدعو للبهيمية التي تحركها الغرائز بدون عقل . وبعد هذه الحرب الشعواء على العقل والمنطق والتفكير يسمى مفكرا ومن الطراز الاول ايضا !

ثم : لك ان تتصور كيف ان الحياة سوف تنتظم بعد ان نفرغها من العقل والمنطق والعلم ونكتفي بالغرائز كما يطلب . لا تستطيع ان تقول ان الملحد يرفض العقل كاملا ، ولا تستطيع ان تقول ان الملحد يقبل الغرائز كاملة ، ولا تستطيع ان تقول ان الملحد يرفض الاخلاق كاملة ، لكن تستطيع ان تفهم الملحد من خلال رفض الدين ، لانه هو الشيء الوحيد الذي يرفضه فعلاً ، وهو الشيء الوحيد الثابت عنده ، ولا يوجد له موقف ثابت من اي شيء اخر .

وما انتقاله بين هذه الامور وغيرها الا لحرب الدين وحسب موقعها من الدين . اذا هو يعيش لاجل فكرة ويسخـّر كل شيء لأجلها . متحملا حتى التناقض في سبيل تحقيق تلك الفكرة . وهكذا نعرف انه من غير الصحيح ان الملحد يعيش لنفسه فعلا كما يتصور . بل يعيش لاجل فكرة .       


*
إن الأنبياء لم يُبعَثوا إلى الناس والوحي لم ينزل عليهم لأنهم أفضل من الكائنات الأخرى، بل لأنهم أجرأ وأقدر على الادِّعاء والكذب باسم الكائنات البعيدة الصامتة.

الرد: لماذا لم تقل : لأنهم هم الذين يملكون حرية الاختيار ؟ وهم الوحيدون الذين يملكون التفكير ؟ وهم الوحيدون الذين فـُضّلوا بالعقل والمنطق والاحساس على بقية المخلوقات ؟ ثم هل توجد لغة تعرف من خلالها بقية المخلوقات ؟ وتعرف فعلا ما بداخلهم ؟ طبعا لا توجد .

ثم الانبياء الانبياء ... ماذا فعلوا للبشر من اساءة ؟ الم يدعونهم للخير وعمل الصالحات و بر الوالدين والعطف على الفقراء ؟ هل هذه الاشياء ياتي بها كذاب ؟ اذا سيكون الكذاب افضل من الصادق . لم يأتي الانبياء ليستغلـّوا اموال الاخرين ويصبحوا من الاثرياء بسببها ، ولم ياخذوا من الناس شيئا ، بل عانوا وكافحوا وعاشوا في تقشف وحرمان بعد ان دعوا الناس الى كل شيء فيه فضيلة ونفـّروهم من الرذائل و مضوا .

هل الجريمة انهم قالوا هكذا ، ام ان الجريمة ان هناك من اطاعهم ولم يطيعكم ؟ هل هذا الغضب لأنهم حصّنوا كثيرا من الناس من الخضوع للافكار التي تريدون ان تـُخضعوا الناس لها ؟  ثم ان الانبياء قدّموا افكارا ، وهو يرى ان الافكار لا قيمة لها ، فلماذا الغضب اذا ؟


*
إن أشد الفلاسفة احتقارًا للعالم ولما فيه من آلهة وعظماء وشهوات لا يقل، في استمساكه بالحياة وقبوله للهوان فيها، عن أبسط الناس وأقواهم إيمانًا بحكمة الكون وثقة بأربابه الذين صنعوه ووضعوا فيه جميع أسرارهم وذكائهم ورحمتهم.

الرد: اولا هذا الفيلسوف لا يمكن ان يكون موجود ، لانه لا احد يترك شيئا الا لاجل شيء اخر ، ثم ماذا يقول عن المنتحرين الذين تخلوا عن الحياة برمتها بدافع الالم وليس كرها في الحياة ؟ لماذا لم تبقهم على الحياة تلك الشهوات التي يمجدها ؟ اغلبية المنتحرين هم من اهل الشهوات والاكثر افراطا فيها .

لا يوجد احد يرفض الحياة بدون سبب ، هو يريد ان يعمم هذا المبدأ على كل سلوك الانسان . اي انه لا يتحرك الانسان الا بدافع من الشهوات والانانية ، حتى ذلك الفيلسوف الذي يدعي انه مـُعرِض عن الحياة . الواقع لا يتفق مع هذه الفكرة على طول الخط ، كما ذكرتُ عن المنتحرين وهناك الزهاد والرهبان والمتصوفين من كل الديانات . ما داموا يتحركون بدافع من الشهوة واللذة كما يقول ، فلماذا اعرضوا عنها وهم يعرفون ان الفرصة لا تعود مرة اخرى ؟

يريد القصيمي ان يعرِّف الانسان - كل الانسان - من خلال ثقب ضيق ، يريد ان يدخل الجمل في سم الخياط ، هذا ما انتج التعميمية الكثيرة في طرحه . نعم حب اللذة والمتعة موجود عند كل الناس ، لكن ايضا توجد نوازع لحب الفضيلة والاخلاق والعقل والعلم ايضا عند كل الناس . فلماذا نأخذ الاولى و نترك الثانية ؟ لماذا هو يؤيد النوازع الوحشية في الانسان ولا يؤيد النوازع الانسانية والراقية في الانسان ؟

اعرض فيلما يعرض شخصيتين شريرة و خيرة ، و احص من يؤيدون الاول ومن يؤيدون الثاني . سوف لن تجد من يؤيد الشخصية الشريرة الا نادرا ، هذا ماذا يعني ؟ انه يعني ان كل انسان يريد ان يكون خيرا وفاضلا ، هذا مع العلم ان كثيرا ممن يؤيدون الشخصية الطيبة هم فعلوا او يفعلون مثل الشخصية الشريرة ، نفهم من هذا : ان الانسان يفعل الشر ليس بدافع الرغبة فيه ، بل بدافع من المصلحة والشهوانية وقلة الصبر .

وهنا المحك والاختبار ، وليس في حب الخير والشر ، فهذا مفروغ منه . قال تعالى : (وسيجزي الله الصابرين) .

اما القلة التي تؤيد الشريرة فهؤلاء انتهت نوازع الخير عندهم و طـُبع الشر على قلوبهم بشكل تراكمي ، ولم ياتي دفعة واحدة ، قال تعالى : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) .


*
إن الشيء، لكي يعيش وجودَه، لا يحتاج إلى مبرِّر، حتى ولا من نفسه. إن وجودَ الشيء مبرِّرُه
الرد: كلا, هذا كلام غير منطقي, وحرب الماديون على المنطق أمر معروف, ولو طبقت هذه القاعدة فعلى العلم السلام, فمالعلم إلا تبرير لوجود الأشياء, لو كان الأمر هكذا فلا داعي لأن نعرف مسببات  المرض لأن وجود المرض هو مبرر وجوده, هكذا الفكر الملحد المادي يفعل بنفسه, والقصيمي بعد ان فرغ من حرب المنطق والفضيلة والأخلاق التفت إلى حرب العلم, وكأنه يقول أن العلم لا قيمة له ولا فائدة لأنه يبحث عن مسببات الأشياء واسرار وجودها.

وهكذا نعرف كيف يفكر الملحد, إنه صديق العلم وعدو العلم بنفس الوقت, مما يعني أنه يقيس علاقة العلم بالدين وليس بنفسه, فهو ضد العلم إذا أيد الدين ومع العلم إذا عارض الدين أو شكك فيه, نفس الوضع يجري مع المنطق ومع الفلسفة ومع النظريات ومع التاريخ..

أي أن الملحد ليس مع نفسه بل مع قضيته, وهو لا يخدم نفسه بهذا بل يخدم تلك القضية, فهو يبدو ناسيا لنفسه {نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.

وهذا كلام يتلمس المنطق وليس بقصد الهجوم على أحد, فوجود الإلحاد لا يعني عدم وجود الإيمان, فالإيمان موجود موجود سواء وجد الإلحاد أو لم يوجد.
 وجود الإلحاد لا يؤثر على وجود الدين وإن كان وجود الدين يؤثر على وجود الإلحاد ويزعجه, فالمسلم مثلا أو البوذي متعود على وجود المخالفين من الديانات والمذاهب الأخرى, وما الملحد إلا مخالف جديد يضاف إلى مجموعة المخالفين كديانة مستحدثة تضاف للديانات لقديمة. فالفكر الإلحادي له عدو واحد وبالتالي يركز كل مجهوده عليه, وهو فكرة وجود إله, لكن اي دين ليس له خصم واحد, وبالتالي لا تركيز على الإلحاد.

 *
إن المنطق، في جميع حالاته، هو الإنسان
الرد: المنطق ليس له حالات بل الإنسان الذي له حالات, المنطق إما أن يكون صحيح أو خاطئ, المنطق والعلم والفلسفة والتفكير والإنسان بعد ذلك كلها تحاول ان تكون شيء واحد لا صورا متناقضة..

إن اختلاف العلماء في موضوع لا شك أنه أمر مزعج وليس امرا مفرحا لأحد, هذا يدل أن العلم والمنطق يريد أن يكون شيء واحد.لا أحد يرحب بالتناقض والازدواجية إلا الفكر الملحد, الذي يريد الجمع بين المتناقضات كالخير والشر, المنطق واللامنطق, الشهوانية والعقلانية , الأخلاق واللاأخلاق..

هذه الفكرة ضد مسيرة التقدم التي يبحث عنها الإنسان منذ وجد, مونها لا نستغرب تمجيد الواقع عندهم, ونفورهم من المثالية التي تحاول تغيير الواقع للأفضل, كيف يسمى مثل هذا الفكر بأنه تقدمي وهو متمسك بالواقع ولا يريده أن يتغي؟ر ويطالب بقبوله كما هو ويحارب المثالية والبحث عنها؟


*
لم تكن أديان البشر وأفكارهم وآلهتهم تعبيرًا عن خوفهم من الكون ومن محاولاتهم لتفسيرها والتناسق معه، بل لقد كان تعبيرًا عن خوفهم من أنفسهم ومن محاولاتهم لتفسيرها والتناسق معها
الرد: الآن ولأول مرة نجد وجهة نظر مختلفة عن الطرح الإلحادي المعهود حيث تعود الملاحدة على ربط وجود الدين بالخوف من مظاهر الطبيعة, والقصيمي لأول مرة اختلف معهم وجعل سبب وجود الدين هو خوف الإنسان من نفسه, مع اتفاق جميعهم على فكرة الخوف..
لكن كيف يفسرون حب المؤمن لخالقه ؟ وهذا أمر معروف عند كل مؤمن, هل سيكون هذا الحب بسبب الخوف؟ هل الخوف يصنع حبا؟ وكأنه يريد أن يقول خوفهم هو من الاستجابة التلقائية -التي يدعو إليها- لغرائزهم وشهواتهم, لأن تلك الغرائز والشهوات هي النفس الإنسانية كما اتضح من كتاباته السابقة وكتابات نيتشه..

والسؤل هنا لماذا يخافون منها مادامت أمرا حسنا وهي ذواتهم؟ الم يجعل تلك الغرائز والشهوات هي اساس النجاح والحضارة والتقدم؟ فلماذا يهربون منها ويتجهون إلى وجود إله يعلمهم الأخلاق والفضيلة الغريبة على ذواتهم كما يتصور؟

إن الشيء الغريب هو الشيء المخيف وكأنهم بهذا زادوا خوفهم خوفا. التبرير الناجح هو الذي يستطيع ان يجيب عن الأسئلة.


*
إن اختلاف الناس في الآراء والمعتقدات لا يعني اختلافهم في تفسيرهم للكون، وإنما يعني اختلافهم في تفسير أنفسهم
الرد: إذا كانوا غير مختلفين فما هو تفسيرهم المشترك للكون؟ ولماذا اختلف تفسيرهم لأنفسهم؟ مع أنهم شيء واحد كما يتصور هو, مجموعة من الشهوات التي تؤدي إلى النجاح نتجت عن مادة صماء بالصدفة. الآن هو يناقض نفسه فهو يشتكي من اختلاف الناس في حين أنه يصنفهم على أنهم شيء واحد, والشيء الواحد لا ينقسم, وإذا انقسم لا يكون واحدا حينها.


*
إن منطق الإنسان هو محاولته فهم الكون ليتلاءم معه.

الرد: كأنه يرى أن الإنسان في داخله ثابت لا يتغير ولا يتطور ولا يتعلم ويجب الخضوع له وتطويع الكون وجعله متلائما مع ذلك الشيء, وأن كل سعي الإنسان ومعرفته وعلمه هو لكي يوائم الخارج مع داخل نفسه الغامض وغير المفهوم, فكيف يقدم معلوم إلى مجهول؟ 

بالنسبة للقصيمي ليس هنالك أي حقائق إلا ذلك الشيء الكامن في النفوس وهو إرادة القوة والشهوة, وهذه النظرة تنم عن تشكك بكل ما يكتسبه الانسان من معارف و علم وأفكار ومنطق ومثل.. إلخ, على اعتبار انها مجرد محاولات للتنسيق مع ذلك الداخل الغامض والمجهول المتوحش..

وهي نظرة فلسفية تأصيلية, تريد ان تجعل من نوازع الشر انها هي الأساس لفكري والسلوكي للإنسان, وأن الشر اساسي والخير طارئ كمحاولة للمواءمة والتخفيف من حدة الشر الخالص, وعلى هذا الاساس تصنف الأديان والأخلاق, نظرة تحمل تشاؤم شوبنهاور وسادية نيتشه وليبيدو فرويد.
*
كل شيء في الوجود خاضع للوحة قانونية تحتوي على كلِّ أجزائه، كما يحتوي القانونُ العلمي والرياضي أجزاء هذا القانون كلَّها، أي كما يحتوي الشيءُ نفسَه.
الرد: كانه يريد أن يقدم الكون على شكل قطع منفصل بعضها عن بعض ووحدات مسستقلة كل منها يحمل قانونه بداخله, حتى يلغي وجود إرادة عاقلة نسقت بين تلك الأجزاء, وبالتالي لا ينبغي تفسير العلاقات بين تلك القطع فوجودها كافي لتبريرها, وهو تكرار لفكرة سابقة التي تكلم عنها, القصد منها محاربة قانون السببية لأنه يؤدي إلى إقرار بوجود خالق وبداية..

مع أن هذه الفكرة تحمل اعراضا جانبية تقلل من شان العلم والعقل ومع ذلك قبل بها, وكأنها تقول لا تبحث عن أسباب شيء, كل شيء منفصل عن غيره وقانونه بداخله ووجوده هو سبب وجوده, وكفى بحثا خوفا من الوصول غلى إله..

وإلغاء السببية يعني إلغاء للعقل, وهكذا نرى ان الفكر الالحادي كله يتمحور حول إلغاء وجود إله, مما جعله يناقض نفسه, لأنه ليس فكرا حرا, بل مربوطا بقضية محددة يدور معها أينما دارت وينسى مواقعه السابقه وما قال آنفا, وهذا افضل تاكيد يقدمه الفكر الإلحادي على صحة الدين والإسلام بالذات, لأنه لا يقدم طرحا حرا ومتماسكا غير متناقض..

بينما الإسلام يقدم ذلك الشيء, مثل من يدور على مركز دائرة, في كل مرة يكون اتجاهه مناقض لاتجاهه السابق لأنه مربوط باتجاه المركز, فبالتالي لابد ن يكون متناقضا في كل مرة.


* إنه غير ممكن أن توجد القوانين الموجدة للشيء ثم لا يوجد ذلك الشيء
الرد: هذا كلام يؤيد فكرة الإيمان, فالقوانين موجودة إذا موجدها موجود, ووجود الشيء لا يعني أنك تراه وتلمسه, هذا ليس شرطا منطقيا في كون الشيء موجود أو لا, وإن كان الملاحدة يصرون على هذا الشرط غير المنطقي لإثبات وجود إله. كل إنسان يصدق بانه يوجد له جدا يحمل رقم ألف في القدمية دون ان يراه أو يلمسه..

إذاً العقل وسيلة إثبات,والعقل يقول لكل مصنوع صانع والقوانين مصنوعة ولم يصنعها البشر إذا لها صانع مثلما أن لك جد يحمل رقم ألف, الملاحدة يأخذون المنطق مرة ويتركونه مرة حسب قربه وبعده من مركز الدائرة.


*
القوانين العلمية ليست سوى قوانين كونية صيغت في كلمات – أي أن قوانين الكون ومنطقه قد تحولت إلى منطق إنساني.

الرد: هي التي تحولت الى منطق انساني او ان المنطق الانساني نتيجة لها ؟ العكس هو الصحيح دائما . قوانين الكون هي التي صاغت المنطق الانساني ، بدليل التعديل المستمر في ذلك المنطق حسب الاكتشاف العلمي و التثبت و الدقة .

*
العالم كلُّه وجميع أنواع المعرفة مأخوذة من الكون، لكن الكون ليس مأخوذًا من شيء. نحن على مقاس الكون، والكون ليس على مقاس أحد.

الرد: هذا كلام نقض الكلام السابق ، وعلى اي اساس القطع ليس له مصدر ولا خالق ؟ هذا الحكم مخالف للمنطق وللعلم ، فالمنطق يقول لكل سبب مسبب .

والعلم يؤكد ذلك المنطق . كيف يكون هذا التساهل بقوانين العلم والمنطق لاجل ايديولوجية الحادية ؟ وبعد هذا نسمع ادعاءات عريضة باحترام المنطق والعلم .


*
إنه محتوم وجودٌ أول ليس له أول. والأول بلا أول ليس مأخوذًا من شيء، ولا يمكن أن يكون علميًّا أو أخلاقيًّا.

الرد: كيف لا يكون وهو محتوم ؟ هذا تناقض في كلامه ..

ثم ما هو العلم ؟ هو ليس الا نتيجة قوانين ، هذه القوانين حتما لها موجد ، وهذا الموجد الذي اوجدها هو الوحيد الذي يستطيع ان يوجد قوانينا غيرها ، ويستطيع ان يوقفها ، اذا القوانين مخلوقة لأنها نتيجة مخلوقات ، و نتيجة القوانين هي العلم . اذا العلم هو مخلوق من المخلوقات ، ولا يمكن معرفة قوانين الخالق من قوانين المخلوق ..

إذاً قوانين العلم و شروطه لا تنسحب على خالق العلم ،فمعرفة قوانين الساعة لا تعني انك عرفت شخصية وعقلية صانعها ولا تحد عقله وقدراته بصنع الساعات فقط . ولا تـُعمم هذه القوانين الطبيعية على غير وجودنا الذي نحن فيه ، لانها خرجت منه . ولاننا اتفقنا ان العلم نتيجة للموجودات و قوانينها . وعليه فإن للعلم حدود يقف عندها و يسري فيما قبلها ولا يسري فيما بعدها . حدود العلم هي منابعه ، اي من الطبيعة المُعاشة و اليها , بعبارة اخرى : عقلنا لا يصلح لغير عالمنا . لأن منطقنا انبنى من واقعنا .

وعلى افتراض وجود مخلوقات اخرى في عوالم اخرى مختلفة عنا ، هذا يعني ان لهم منطق مختلف عن منطقنا ، بسبب اختلاف طبيعتهم عن طبيعتنا . والسؤال للقصيمي : ايها العقل من رآك ؟ ما هو منطقنا و علمنا ؟ اليس استقراءَ اعمى ؟

نـُجري التجارب منذ الطفولة البشرية ونحفظ البيانات والمعلومات التي نسميها منطقا ، و نعرف ان الكل يستوعب الجزء ، ولكن لا نعرف لماذا ولا من اين جاء هذا القانون وهل لا يمكن وجود عكسه ، طبعا لا نقول هذا ، والملحد كذلك لا يقول ذلك . اذا هل هذا العقل والمنطق الذي لا نعرفه نحن ، يصلح كوسيلة حتى نحكم بها على ما لا نعرفه ؟

المنطق عند قبيلة تعيش في الادغال و لا تعرف شيئا عن المدنية ، لا يستطيع ان يقبل ان الناس يتكلمون مع بعضهم على مسافات تفصلها الجبال والبحار ، وكأنهم جالسون مع بعضهم البعض . سيكون هذا الكلام غير منطقي عندهم .

ولو ادعى احد وجود هذا الشيء لضحكوا عليه واتهموه بمخالفة العقل والمنطق .. هذا هو وضعنا تماما .. كل ما علمنا شيئا ، عممناه على كل شيء وحسبنا انه ليس بعده شيء .

العقل الملحد يوقـِف العقل في مجاله الطبيعي وهو ان لهذا الكون صانع بلا شك ، ويشغـّل هذا القانون خارج المجال الذي اكتُشِف فيه وهو وجود الاله الاول . نحن لم نكتشف هذا القانون من الوجود الاول للاله ، بل اكتشفناه من وجودنا نحن . اذا هم يستخدمون العقل في غير مجاله و يوقفونه في مجاله . اي انهم يوقفون قانون السببية قبل الوصول الى الاله ، ويفعـّلونه بعد الوصول الى الاله ، على سبيل القفز على المنطق ..

مع ان المنطق يقول بتشغيل المنطق دائما في الاقرب قبل الابعد ، ولو عدنا للقبيلة السابقة الذكر ، لوجدنا انهم سيفعّلون المنطق و بثقة عندما يقسّمون اربعة اشياء على اربعة اشخاص ، ولن يفعلوه بصرامة و قوة في امكانية ان يتكلم البشر عن بُعد بعضهم مع بعض .

اذا المنطق يـُفعّل على قدر التأكد والقرب والواقعية ، اذا تفعيلهم لقانون السببية بعد وصولهم للخالق يعتبر من القفز الذهني ، واهمالهم لقانون البعرة والبعير و سخريتهم منه ، يعني تجاوزهم للمنطق الاكيد الواقعي ، فهم احترموا المنطق غير الاكيد واهملوا المنطق الاكيد .

هذه القفزة لا يهملونها في حياتهم اليومية ، بل فقط في وجود الاله ، اذا هذا كيل بمكيالين وانتقائية على المستوى العقلي ، والدافع لها هو مركزية القضية عندهم ، وهي الغاء وجود اله ، و ليس المنطق الحر . اي انهم يحترمون فكرتهم بعدم وجود اله اكثرمن المنطق نفسه .           


*
لا فرق بين صنع قلم وصنع كوكب يُطلَق ليسير بين المجموعات الكونية الهائلة، حيث إن كليهما خاضع لقوانين محتومة.

الرد: على اي اساس تم القطع بان القوانين محتومة ولا تتغير ؟ من اين جاءت هذه الحتمية ؟ جاءت من المشاهدة والواقع ، ولا يوجد اساس علمي مفهوم يثبت ان قوانين الكون لا يمكن ان تتغير ، ليس هناك سوى التجربة ، وهذا الدليل يسمى دليل تجريبي و ليس دليل علمي قطعي مدرك ومفهوم ، نحن نفهم القوانين ولا نفهمها .

فنحن لا نفهم القوانين في كنهها ، كل ما علينا ان نقوله هو انها موجودة هكذا و ندرس ظواهرها وسلوكها ونربطها بالقوانين الاخرى ، اي اننا نعرف تاثير القانون على غيره ولكننا لا نعرفه هو ، واذا كان كل شيء مادة ، فاين هي مادة القوانين ؟ لماذا لا تُرى ولا تُشاهد ولا تدرك بالحواس ، فقط نتائجها وتأثيرها ؟ و مع ذلك يصدق الملحد بوجودها ، ولكن لا يصدق بوجد اله اوجد هذه القوانين و ادارها ، مع أنه يصدق بان القوانين تدير المادة ، أي ان الفكر المادي ليس بمادي ، فهو يصدّق بالقوانين بدون تاصيلها المادي .

إن هذا لا يعني علما . الوصف لا يعني العلم اليقيني . هل يستطيع ان يقطع احد بانه لا يمكن ان توجد قوانين غير تلك القوانين التي عرفناها ؟ وهل يثبت علميا عدم امكانية انعكاس القانون نفسه ؟ طبعا لا ، سيحيلك على الوصف الظاهري ليس الا . اذا علمُنا علم ظاهري مرتبط بالظاهرة دائما . ولا يمكن ان يتجاوز الظاهر الى الباطن ..

ومعرفة الباطن هو معرفة القانون نفسه . و العلم الظاهري معرفة واقع القانون ، نحن مثل من يعرف السيارة لانها تسير في الشارع ، ولكن لا نعرف ما بداخلها وما يعمل فيها ، فهناك من يعلم ذلك ، فهذه معرفة وتلك معرفة ، إن معرفتنا بالقوانين مثل معرفة السيارة بلونها وحجمها واتجاهها في الشارع ، وما دامت معرفتنا بهذه الضحالة ، فكيف نجزم ان القوانين هذه لا تتغير ولا يمكن ان تنعكس هذه القوانين ابدا ؟ هذا قفز على العلم . قال تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) .


*
إن معنى الوحدة القانونية معنى كبير. إن معرفة قوانين إحدى وحدات هذا الكون والسيطرة عليها تعطي الفكرة نفسها عن سائر الوحدات الأخرى المماثلة.

الرد: هذا التبسيط سطحي ، فعقولنا ومنطقنا وعلمنا لا يحتمل اللانهائي ، وهو غير موجود في واقعنا ، واذا قلت ان للكون اخر و نهاية ، فسوف ايضا لن تحتمل عقولنا الصدمة . اذا كانوا يرون ان العقل والعلم كافيان لمعرفة بقية ما لا نعرفه من الكون ، فليخبرونا كيف التعامل مع اللانهائي ؟ بل كيف التعامل مع النهائي ؟ كيف سيستوعب العقل هذا ؟ فهي ليست من واقعه ، وهذا يثبت ما قلته سابقا ، ان علمنا هو ابن واقعنا فقط .

اللانهائية ليست في حدود عقلنا وعلمنا ، وما هي وسيلة هؤلاء المادبين في فهمها ؟ العقل البشري مبني على المحدود وعلى النسب وعلى الاضداد ، لكنه ليس مبني على النهائي واللانهائي . ستكون صدمة مروعة حينما نصطدم مع غير قوانيننا ، وهذا ما سيكون عند قيام الساعة . وما يصاحب ذلك من اهوال وفزع . (وقال الانسان ما لها) اي : ما لها غيّرت قوانينها ؟     


*
إن وظيفة المنطق الإنساني أن يتتبَّع القوانين الكونية ليصيِّرها إلى قوانين علمية ومقدمات لنتائج.

الرد: .. نفعية . أما عن الاستدلال من خلالها على الخالق المنعم والذي يستحق الشكر ، فهذا امر مرفوض .


*
لا توجد منطقة من مناطق الكون محرَّمة على منطق الإنسان، لأنه لا توجد منطقة من هذا الوجود لا تحكمها القوانين التي هي من تصنيف منطق الإنسان وتفاسيره.

الرد: كيف سيعرف اللانهائية ما دام كل شيء خاضع لمنطقه ؟ كيف سيتعامل معها وهو لم يعرفها من قبل ؟ اذا هذا الافتراض غير صحيح .


*
إن جميع المفكرين المؤمنين يرون أن الفكرة التي يجدونها مبثوثة في هذا الوجود هي أعظم البراهين؛ هي وحدها البرهان الدال على وجود الخالق المفكر المدبر لخلقه بالفكر والمنطق الأزلي. إنهم يرون أن الكون وُجِدَ وانتظم وبقي بالفكرة، وبها يبقى. وهم بذلك يعتقدون أن الفكرة سابقة الوجود لأن الوجود قد كان بها، ولم تكن هي به. إذن محتوم أن الفكر أبو الوجود. فلا شيء إذن فوقه ولا شيء محرَّم عليه.

الرد: لا بأس ، ولكن كلمة "فكر" : هل يقصِد بها الفكر المعاصر فقط ؟ اذا قلنا ان الكون قائم بالحق والعلم ، فهل هذا يعني انه علمنا نحن وحقنا نحن ، أم انه علم الاله الذي لا نعرفه نحن ولا العلماء ، فقط نعرف وصفا لظواهره ؟ ولو كان احد يعرف مقدار ذرة عن الكون لاستطاع ان يوجد شيئا من العدم .

اذا نحن والقصيمي وعلماء القصيمي ضيوف على هذا الكون الذي لا نعرف الا ظواهره ونتركه وياتي غيرنا ليعيشوا ويحتاروا كما احترنا ويتركوه لصاحبه . ان مرورنا على الكون والحياة بهذا الشكل لهو اقوى دليل على انه ليس لنا ، و انه لاحد غيرنا . فنحن مجرد زوار ، اتوا الى هذه الحياة لا يعرفون شيئا ويخرجون منها لا يعرفون شيئا ، سوى معرفة بعض الظواهر .

وهذا الاغترار بالعلم الحديث هو اغترار دافعه الايديولوجية المحاربة وليست الحقيقة الكاملة . ومعرفة الظواهر لا تعني معرفة كاملة . و كل ما توصل اليه الانسان من علم ومنطق ، كله متصل بالظواهر ليس الا ولا يتجاوزه ولم يتجاوزه لمرة واحدة . الانسان يعرف المنطق والقانون ، ولكنه لا يعرف لماذا ، ومن اين جاء ، ولا يعرف حتى كيف يعمل القانون نفسه ، لانه لا وجود مادي له . ولا ما هي الحياة .

فهل علمٌ بهذا الشكل الظاهري القشري يسمى علما كافيا ؟ لا يفعل هذا الا صاحب قضية و ايديولوجية ، يخدمه ان يكون الامر بهذا الشكل .

الجزء المهم في كل شيء هو الجزء المغيب عنا ، فنحن نعرف علم البيولوجيا أي ظواهر الحياة ، ولكننا لا نعرف ما هي الحياة ، فنعرف ان الكائن الحي يتنفس ويحرق الطاقة ويتغذى .. إلخ ، لكن لا نعرف الفرق بين شجرة ميتة وشجرة حية الا من خلال فقدان تلك الظواهر .

إذاً كلما قلنا علم ، فيجب ان نضع في بالنا "نصف علم" .. و كل معرفة عندنا هي "نصف معرفة" .. على اعتبار ان لكل شيء ظاهر و باطن ، نعرف صفات القانون ولكننا لا نعرف ما هو القانون . اذا لكل شيء ظاهر وباطن .

نحن نعرف شكل الانسان وجسم الانسان وعنوانه ، ولكننا لا نعرف ما بداخله من حياة ولا من مشاعر ولا من افكار ولا نستطيع ان نستخلصها ماديا . اذا علمُنا يتعلق بنصف الوجود ، وهو الجزء المادي . ويتعلق في هذا النصف المادي بنصفه الظاهري ، اذا علمنا هو نصف النصف . أي الربع .

إذاً محصلة العلوم البشرية في الاخير هي ربع العلم . و هو ما قامت عليه الحضارة ، وهذا الربع هو مجل العلم ، مع انه لم يكتَشَف كل ما في هذا الربع ، ولكنه قابل للمعرفة ، وتصحيحا للسابق فما تعرفه البشرية هو اقل من الربع من العلم الكامل . قال تعالى : (وما اوتيتم من العلم الا قليلا ) ، ولا شك ان الاقل من الربع يعتبر قليلا .

والمشكلة الاخرى هي ان ما بعد هذا الربع لا يمكن ادخاله المختبر العلمي اصلا ، وليس للعلم اي خطوة فيه . اي ان ثلاثة ارباع العلم محرمة على البشر والمختبر ، اذا باقل من ربع المعرفة يريد المادي الملحد ان يعمّم هذا على كل الكون ويعتبر نفسه قد عرف كل شيء .

إذاً ما يسمّيه البشر علما هو علم رُبعِيّ . ومن المفترض ان تسمى الابحاث العلمية بالابحاث الربع علمية ..   


*
نحن لا نستطيع أن نفكر أو نضع قوانين منطقية من غير وجود مادي نأخذ منه منطقنا وأفكارنا ونعكسها عليه ونحسبها به. فالمنطق والتفكير هما حركة المادة، هما حساب هذه الحركة. بل لا وجود لمنطق ولا تفكير، وإنما توجد مادة لها خصائص. إن إحساسنا بهذه الخصائص المادية هو ما نسميه منطقًا أو فكرة أو قصدًا مدبِّرًا.

الرد: هذا ما قاله القصيمي ، الجزء الذي لم يقله ، هو ان مفرزات المادة لا تخرج عن مجال المادة ابدا ، اي ان العلم المادي لا يصلح الا في مجال المادة فقط ..

واذا نظرنا الى الكون والحياة ، سوف لا نجد ان كل شيء فيها هو المادة ، بينما هو و اساتذته يقولون ان كل شيء مادة ، ولم يستطيعوا ان يثبتوا هذه الحقيقة ولا بخطوة واحدة . اذا يبقى كلامهم ادعاء ، ونحن نعيش في كون مادي وليس مادي في نفس الوقت ، ما يختص بالمادي نسميه علما ، اما ثلاثة ارباع الحقيقة فلا يمكن ان يجري عليها ما يسمى بالعلم . اذا ما يقومون به هو عملية تعميم لا تمتلك الدليل . و تتجاهل ثلاثة ارباع المعرفة ، و تلغي وجودها أو تنسبها لوجود مادي لم يُكتَشَف بعد ، وما ذلك الا محاولة اختزالية فاشلة تريد ان تختزل كل شيء في المادة ..

وكلما سئلوا قالوا : انتظروا العلم ، والعلم لا يتقدم ولا خطوة في غير المادة . وهم يعرفون ذلك جيدا .


*افتراض وجود فكرة خارج المادة كافتراض مثال خارج مادة.

الرد: ما زلنا في الاختزال ، ما دام كل شيء مادة ، فاين مادية العقل ؟ اين مادية المنطق ؟ اين وجوده المادي ؟ اليس للمادة وجود و جرم ؟ اين هو جرم المشاعر والعواطف ؟ الم يقل القصيمي نفسه : ايها العقل من رآك ؟؟

انتظروا العلم .. انتظروا العلم ..

بل اين هو جرم القانون نفسه ؟ اذا كان نصف المادة غير مادي ! فما بالك بغير المادي ؟ مشكلة الماديين عويصة في تصنيف كل شيء على انه مادي . ومشكلتهم الاخرى هي أن المادة هي الاساس في وجود كل شيء و كيفية ذلك . كيف يستطيعون ان يثبتوا ان المادة صنعت القانون او ان القانون هو من صنع المادة ؟ وكيف يصنع الشيء من يتحكم به ؟ هنا تعارض مع المنطق .

واذا كانت المادة لم تنشا القانون ، فاين الوجود المادي للقانون ؟ ان القانون بالنسبة للمادة ، مثل الروح بالنسبة للكائن الحي تماما . فاذا قلنا ان الجسم مادة و صنعت الروح و الوعي ، فكيف ما لا يعي يصنع ما يعي ؟ و اين هو الجرم المادي للوعي ؟ بغض النظر عن الارتباط بالمادة ، فالارتباط شيء ، والوجود المستقل شيء اخر . ونفس الشيء في المادة ، فما لا يفعل صنع القانون الذي يفعل به ! هذا هو المنطق الفلسفي المادي !

و هم يقولون ان كل شيء مادة ، بينما الاجزاء الهامة والفعالة لا يستطيعون ان يثبتوا لها وجودا ماديا ! الوعي والعقل في الانسان هما اهم شيء ، و هما المتحكمان في الانسان ولم تثبت ماديتهما ، بينما اُثبتت مادية الجسد ، اي المفعول به ، ولم تثبت مادية الفاعل ، وهذا الشيء نفسه يجري على المادة . وما يقومون به هو عملية اثبات الكل من الجزء ، وهي عملية عقلية ناقصة .

إن تحديد العلة بشيء واحد هو تعليل ناقص ، فالشيء له عدة اسباب وليس سبب واحد ، وهناك عدة اسباب لدخول المسمار في لوح الخشب ، وليس فقط المطرقة أو ارادة الشخص هي السبب الوحيد .. وتعدد الأسباب لا يعني الغاء قانون السببية . بل ان الاسباب لا يمكن احصائها للشيء الواحد . فالطبيعة والجو والبحر والتاريخ والجغرافيا والثقافة والطاقة والشمس الخ .. كل هذه عوامل جعلت المسمار يدخل الى الخشبة ، ومن وراءها من أوجدها .

  ولا يصح ان يقال ان كل شيء هو سبب حدوث شيء ، اذا ترجع الاسباب الى الارادات العاقلة في الاخير ، طالما انه ليس كل شيء سبب في حدوث شيء ، لان هناك من يختار ، ومن هنا نفهم وجود القدر و ارادة الانسان . اذا لم توجد ارادة لا توجد حركة (قانون) ، إذاً الاحياء هي التي تملك ارادة وهي التي تصنع الحركة ، والجمادات هي التي تُحرَّك بإرادات واعية ، وهذا يسقط الفكرة المادية ويثبت وجود اله . والله هو الحي القيوم . والاحياء هي الفاعلة والجمادات مفعول بها . والاحياء هي العلة ، والموات معلولات لها .

الكون بحاجة الى خلق مفرداته وايجادها ، ثم بحاجة الى تحريكها ، (الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى) ، اي ايجاد يتبعه تحريك . حركة الخلق تشير الى ذلك ، وفكرة الكون المغلق تخالف قانون الديناميكا الحرارية الثاني (الانتروبي) الذي ينص على ان كل شيء في الكون يذهب الى التحلل والتفسخ والتفكك بسبب فقد الطاقة ، مما يعني انه كون متحرك ، والحركة تحتاج إلى مدد .

وهذا يتعارض مع فكرة الكون المغلق الذي يحرّك نفسه بنفسه والتي يتبناها اللادينيون ، ويتصادم بشكل أشد مع فكرة الملاحدة التي تقول بأن الصدف وعدم الارادة هي التي صنعت التعقيد وأنشأت الحياة وطورتها ايضا ، اي على العكس تماما من واقع الطبيعة . (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر : 41] )

المنطق يقول : حتى تصنع مسرحية ، لا بد ان تعد المكان والاشخاص ، ثم تحرك الاشخاص من خلال السيناريو والنص . الفكرة المادية كأنها تقول : ان وجود الاشخاص كاف لوحده لصنع مسرحية منظمة وهادفة .

وصاحب المصنع يجهز المكان والمكائن ، ثم يحرّك الالات ، اما وجود الالات لوحدها بدون تحريك فلا ينتج شيئا ، والتحريك يحتاج الى ارادة واعية .



*
المنطق يُعرَف بالحقيقة، لكن الحقيقة لا تُعرَف بالمنطق.

الرد: ما الفرق بين المنطق والحقيقة ؟ هذا الفصل الذي فعله هو فصل الحقيقة عن الحقيقة ، وما المنطق الثابت الا حقيقة ثابتة ، والحقيقة لا تتعارض مع الحقيقة . اذا العلم الحقيقي لا يتعارض مع المنطق الحقيقي ، والمنطق الحقيقي لا يتعارض مع العلم الحقيقي . و يُستدل على احدهما بالآخر .

العلم هو صانع المنطق منذ وجد الإنسان ، والمنطق هو صانع العلم ايضا . وما يقوم به الملاحدة من محاولات متكررة لفصل العلم عن المنطق والفلسفة ، الهدف منها هو قتل المنطق والفلسفة ، لأنهما تؤديان الى الاستنتاج ، وهم لا يحبون الاستنتاجات المنطقية ، لان وجود الله يتوصل الناس اليه عن طريق الاستنتاج ، و العوام يقولون : "الله لا يرى ، ولكنه يعرف بالعقل " . اذا داب الفلسفة الإلحادية هو ان تبعد الناس عن المنطق والفلسفة لانها تؤدي الى الاستنتاج .

العلم لولا المنطق لم يُتَوصّل إليه ، فوجود امريكا مثلا كان معادلة منطقية في ذهن الادريسي، ذهب المغامرون الاندلسيون وقلدهم الاسبان فيما بعد ، فثبتت تلك الرؤية . المنطق هو ما جعل ابن الهيثم يتشكك في ان العين هي التي ترى . بدليل عدم رؤيتها في الظلام تبعا للعلم السائد قبله . و منه توجهت الدراسات الى الاشعاع . و عرف العلم فيما بعد كيف تتم الرؤية ، في ظاهرها طبعا ، اذا لولا المنطق لمات العلم .

ستقول : هناك ما يكتشف بالصدفة ، ولكن حتى ما اكتشف بالصدفة ، فلولا المنطق والفلسفة والتفكير لما تقدّم ذلك الاكتشاف الى الامام . اذا العلاقة بين المنطق والعلم هي علاقة ديالكتيكية مستمرة متلازمة ، ولا يمكن الفصل بين المنطق وفلسفته وبين العلم ، حينها سيموت الجميع : المنطق والعلم والفلسفة والانسان . اذا محاولات الماديين هذه محاولات يائسة القصد منها ابعاد الناس عن التفكير المنطقي وقبول العلم ومشاهدته كما يُشاهده الابله ، دون ان يستنتج منه اي شيء ولا يفترض من وراءه اي شيء .

إذاً نتيجة هذه الدعوة هي انتشار الغباء والبلاهة ، و حرمان البشرية من معطيات العقل العظيمة . خوفا من ان ينتبهوا الى وجود مدبر حكيم وراء كل هذه الدقة والتعقيد .         


*
منطق الإنسان هو منطق الإرادة كما ينبغي. أما منطق الكون فهو منطق الشيء كما هو.

الرد: هذا بالضبط ما تريده الفلسفة المادية ، تريد ان يكون للانسان منطق وللكون منطق، دون اي تفسيرات، (اقبل الانسان كما هو و اقبل الطبيعة كما هي بدون تفكير). انها حرب على التفكير والعقل والفلسفة والانسانية والعلم في الاخير . كل هذه الخسائر للبشرية مقابل ألا يوجد اله .   


*
ليس من شيء فوق العقل. التفكير هو انعكاس الكون على الإنسان. الشيء الذي نشعر نحوه لا بدَّ أن نفكر نحوه. الفكر حركة، ولا شيء لا يتحرك في هذا الكون – حتى لو أردنا نحن ذلك.

الرد: هذه العبارة موهمة ، خصوصا ونحن راينا انتقاصاته المتكررة للعقل ، العقل شيء تراكمي متنامي ولم يصل الى حده الاخير ويُحترم في حدوده ونطاقه الذي اُخذ منه ، وثبتت فيه مصداقيته . العقل بناه الانسان ، اذا الذي بنى العقل هو اكبر من العقل ، والانسان لم يخلق العقل بل استمده تدريجيا من الطبيعة وحركاتها المعنوية منها والمادية .

وكلامه يثبت الارادة الفاعلة ، ويثبت ان المادة لا تفعل شيئا بحد ذاتها ، وهو يؤيد كلامنا السابق ، بينما هو مادي ويعتقد ان المادة هي التي صنعت كل شيء ، وهو الآن يعارض نفسه ! اذا الارادة الواعية هي التي تتحكم وليست المادة ، والكون اذاً لم يتحرك بهذا النظام والتوازن الا بارادة لخالق عظيم .  


*
الطاقة النفسية هي التي تتحول إلى آلهة وشياطين، وإلى معابد وملاهٍ، وإلى غناء وصلوات.

الرد: هذا شيء مفروغ منه ، و تتحول ايضا إلى أرصفة وإلى ميادين ! كل الحضارة صنعها الانسان , الانسان لم يتحرك الا بدوافع داخلية ، ولا يعمل الانسان شيئا بدون وعي ولا ارادة واعية . ليته تكلم عن تلك الدوافع النفسية . وما دامت تخرج بالشيء المتناقض فلماذا يصفها بالشيء الواحد ؟ لماذا لم يقل انها دوافع متناقضة ، بحيث يستطيع الإنسان أن يـُؤثـِر احدها على الآخر ويكون شيئا واحدا ؟ (ونفس وما سواها ، فالهمها فجورها وتقواها ، قد افلح من زكاها ، وقد خاب من دساها) .

كأنه يقلل من قيمة الخير لوجود الشر بجانبه . وهذا ليس سببا كافيا لذلك .   


*
القيود الفكرية ضرورة لكلِّ مجتمع؛ إنها ضرورة، لا فضيلة.

الرد: ماذا يقصد ؟ هل يقصد الاخلاق او المنطق او ماذا ؟ ولماذا صارت ضرورة ؟ ولماذا يسمح لها بان تكون ضرورة ؟ وهو الذي ينادي بالانطلاق وراء جموح النفس وشهواتها ؟ وأن تلك الشهوات هي الحقيقة الوحيدة ؟ لماذا يقبل بأن يعارض الحقيقة من خلال فرض القيود عليها ؟ ولو كانت حقيقة ، فلماذا هي بحاجة ماسة الى القمع والقيود ؟


*
إن الإيمان بالله يلوِّث الله ويُسقِط الكون والإنسان. أما الإيمان بالكون والإنسان فإنه يُسقِط الله. وأما الإيمان بالله والكون والإنسان فإنه يحقِّر الإيمان والذكاء.

الرد: أهذا لغز ام فلسفة ام ماذا ؟
وكيف يكون ايمان يحقـّر الايمان ؟ هل الشيء يحقـّر نفسه ؟ وما الذي جعل الذكاء يسقط ما دام الشخص يؤمن بالثلاث كلها ؟ هل إسقاط الإلحاد هو إسقاط للذكاء ؟ من المفترض ان يزود الذكاء بزيادة الايمانات !

هذا اللغز غير واقعي في الاساس ، لان الايمان بالله يتم عن طريق ايات الكون ، فكيف يؤمن الانسان بإله بدون كون ولا مخلوقات ؟ وكيف يؤمن باله ولا يؤمن بالانسان ؟ هذا مناقض لكلامه السابق .

إن كل انسان ينطلق من ذاته حتى في ايماناته . والذي ينطلق من ذاته يعتبر مؤمنا بذاته ، اي مؤمنا بالانسان . فكيف يؤمن بكون ولا يبحث عن من اوجد هذا الكون ؟ هل هذا زيادة في الذكاء ام نقص ؟ لماذا توقف الذكاء عند حدود الايمان بالكون ؟ وما المشكلة في الايمان بالثلاثة كلها ؟ لماذا اصبحت هذه الايمانات الثلاث المتكاملة تقلل الذكاء وتحقـّره ؟ كلام بلا دليل ، وافضل ما فيه انه قليل .
*
إننا لا نجد حتى اليوم ذلك الذي جرؤ على الاستمساك برأيه أو موقفه إذا كان يعيش فيه احتمال موت أو عذاب.

الرد: الان هو انكر كل تضحيات المناضلين في العالم ! وانكر من قذفوا بانفسهم الى الموت عنوة لاجل مبادئ او مقدسات او حقوق ! بل هو كيف يجرؤ على هذا الانكار العريض رغم الادلة المعارضة لفكرته التي لا تطالب نفسها بالدليل ؟

ومع ذلك فهو عقلاني جداً !! و منطقي حتى الثمالة رغم انف من عارضه !! وقمة شامخة في الفكر والفلسفة لا يليق باي احد ان يجترأ عليها ، خصوصا من ذوي العقول المستلبة المسمّون بالمسلمين !    


*
إننا جميعًا أبطال – إذا كانت البطولة تعني في حسابنا الربح والشهرة.

الرد: طبعا هكذا هو يفهم البطولة ، وعلى هذا نعتبره عاش بطلا ومات بطلا ! كيف لا وهو الذي يمجد الشهوة ويعتبرها هي الفضيلة ! وأن الفضيلة الحقيقية تقبع في اعماق الرذيلة .   


*
ليس البطل هو الذي يدخل معارك لا نهاية لها مع الخصوم، وليس من يخترع الخصوم اختراعًا. البطل هو الذي يكسب الحياة والحرية للإنسان. وإذا استطاع ذلك، بلا خصوم ولا خصومة، كان هذا هو النصر الذي تهتف له النجوم.

الرد: إن اي لص يحمل هذا المبدأ !! البطولة الحقيقية والتي لا يبدو انه يعرفها ، هي التضحية بالمصلحة واللذة لأجل الجمال والخير . أن نحرم انفسنا من لذة الجسد مقابل لذة الروح ، لأن الروح هي التي تستطيع ان تحملنا على اكف السعادة وليس الجسد .