الاثنين، 30 أبريل 2012

الهروب من النقاش : اسبابه و دوافعه وحججه


كل من يوقف النقاش عمدا ، فهو مفلس او موشك على الافلاس . و هذا كثير عند الملاحدة واللادينيين ، اقصد الهروب من متابعة النقاش و زيادته والتعمق فيه خوفا من الانكشافات ، و التحجج بحجة واهية وهي عدم الفائدة من النقاش . و كأنه يساومك على حرية رايك والا فسينسحب من النقاش . كانوا في الماضي يستفتحون بعدم استمرار النقاش على المتدينين ، والان صاروا هم الذين يفعلون ذلك .

وهكذا كل من يهرب من النقاش ولا يكمله ، فهذا دليل على نضوب ما عنده . فكلما تحاور اثنان وانسحب واحد ، فالمنسحب هو المهزوم او انه موشك على الهزيمة ، الا لعذر خارج عن الارادة ، أو إساءة ادب من الطرف الثاني .

الأحد، 29 أبريل 2012

السعادة هي الطمأنينة

 حول السعادة والطمأنينة .. رداً على موضوع كتبه أحد أعضاء المنتديات الأعزاء ..


اقتباس :
أهم ثلاث قرارات تؤثر على سعادة الانسان :

- القرار الخاص باختيار التخصص الدراسي ..!!
- القرار الخاص باختيار وظيفة العمر ..!!
- القرار الخاص باختيار شريك الحياة ..!!

يعني السعادة قرار و اختيار .. !!


 الرد :
هذه قرارات مهمة لا شك وكلها تقريباً وسائل لأجل الحياة لكن قرار هدف الحياة يبدو لي هو الأهم ..  


اقتباس :
هل القرارات التي وصفتها بأنها وسائل من أجل الحياة يعني أنها تركز على الجانب المادي و بالتالي إذا نجح و وفق في الاختيار فإن السعادة التي سيشعر بها حينها مؤقتة و ليست بجمال تحقيق هدف الحياة .


 الرد :
السعادة أصلاً مترابطة , حتى النجاح في هذه الأمور الثلاثة أو غيرها مرتبط في النجاح بهدف الحياة لأنه هو الأصل , ولا أظن بأني محتاج أن أضرب لك أمثلة عن من نجحوا في هذه الأمور بشكلها الظاهري ولكنهم تعساء , هناك من انتحر وهو من أصحاب المليارات وأصحاب الشهادات العليا وليس بعد هذا نجاح في الوظيفة مثلا ..

وكثير ضحوا بالكثير لأجل أن يرتبطوا بشريك الحياة أو شريكة الحياة معتبرين أن السعادة سوف تحل بمجرد أن تدخل شنطتها إلى بيته , لكن انقلب الأمل إلى عذاب لم يكن له حل إلا الطلاق , إذاً نحن لا نعرف السعادة أين تكون وكيف تكون , ولا نستطيع أن نخطط كيف نكون سعداء , لكننا نعرف أننا كلما امتلأنا من الداخل كلما تحسّن الخارج من حولنا , وهذه الحقيقة الصادمة في كوننا لا نستطيع أن نخطط بالضبط لنصل إلى السعادة الأكيدة والدائمة , فلا نعرف ماذا يسعدنا بالضبط ، وكم تمنينا أموراً .. ولمّا تحققت لم تأتي لنا بالسعادة ..

إذاً يجب أن يكون هدف الحياة مرتبط بمن يعرف كيف يسعدنا ويستطيع ذلك وهو الله سبحانه , {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } هكذا يجب أن يكون هدف الحياة , فالله يتولى اختيار الخير لنا وإبعاد الشر عنا لأنه هو من يعرف ذلك والقادر عليه ..

وأنا أتكلم من تجربة فلم أستطع أن أسعد نفسي، بل كنت أُتعسها كلما حاولت إسعادها , حتى أتمنى حصول شيء ، فإذا حصل  ما تمنيت شعرت بالألم , لكن الله استطاع إسعادي والفضل له , وذلك بعدما سلّمت نفسي له وخططت لحياتي بموجب ذلك التسليم , فيجب علينا ألا نتكل على أنفسنا بل نتكل على من تعهد بحياة طيبة ونعيم أبدي لمن أسلم نفسه له وصار عبداً صادقاً له , لا عبداً لشهواته ولا للمجتمع ولا لأنانيته بل يفعل الواجب لأنه واجب حتى لو تعارض مع هواه؛ لأنه عبد لرب هذا الواجب  وليس عبداً لنفسه ولا للناس طبعاً .

اقتباس :
و إذا تعثر الانسان في هذه الأمور الثلاث المهمة و فشل - و الفشل يعني التعاسة - تؤثر على تحقيق هدف الحياة و بالتالي تؤثر سلباً على السعادة الحقيقية .. 

 الرد :
هذه الأمور الثلاثة تنعكس عليها السعادة الداخلية وليست هي أسباب السعادة الداخلية بحيث إذا تحققت صرنا سعداء أتوماتيكياً , إنها من نتائج السعادة الداخلية التي تحصل بالانتماء إلى الله وتسليم النفس له , حينها تحل البركة والتوفيق { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وعدم الحزن من السعادة إن لم يكن هو السعادة لأن الدنيا ليست جنة , فالسعادة الحقيقة هي في الطمأنينة..

قال تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة} ولم يقل يا أيتها النفس السعيدة , لأن السعادة التي قد يتصورها البعض بالإثارة الدائمة والمرح والضحك الدائم وفقدان الألم الدائم لا يمكن أن تكون في الدنيا , لكن يمكن أن تكون الطمأنينة، والطمأنينة تعني رضا النفس والصبر الجميل والاستمتاع بالأخلاق والفضائل والثقة بالنفس والإبداع وتذوق المعاني والجمال وقلّة اللهاث على المادة وبرزق الله والهدوء العام وقلة التوتر والاستفادة من رزق الله الذي يسره الله فيخف شعور الغيرة والحسد ليحل محله الشكر واستثمار الموجود , وهي تهون المصائب وتخفف التأثير وتقلل القلق وتجعل الإنسان يتحمل أكثر ولا يغضب بسرعة ولا ييأس بسرعة ولا يحس بالخسارة المادية أو التعب مادام يفعل خيراً يرجوه عند الله ..

لاحظ أن هذا كله يخدم الجوانب الثلاثة التي أشرت إليها ويجعلها ناجحة , إذا هي ثمرة للسعادة الداخلية وليست أسباباً لها , وحتى اللذة المادية ليست شيئاً سيئاًَ إذا كانت خاضعة للذّة المعنوية الأسمى منها ولا تتعارض مع المثل والأخلاق وليست هدفا بذاتها بل المعنويات هي الأهم دائما , هكذا نحصل على الطمأنينة التي هي السعادة الممكنة في الدنيا , فالحياة جميلة لو خف القلق والتوتر ..

لاحظ أن الحزن الشديد عبارة عن توتر , وشعور الغيرة والحسد عبارة عن توتر , الخوف من الفقر واللهاث وراء المادة هو توتر , التعصب عبارة عن توتر , المشاكل الزوجية عبارة عن قلق وتوتر وتشدد وقلة تنازلات , التشدد في قيمة الذات والكرامة الشخصية عبارة عن توتر , الغضب والانفعال عبارة عن توتر وشد أعصاب , وكل هذه الأمور ضد السعادة حتى لو كنا ننام على الذهب , فلن نكون سعداء وهذا هو وضعنا الداخلي .

الخط المستقيم يدل على الهدوء وسهولة المشي , والطريق الوعر عبارة عن نتوءات , والحزَن وجمعها حُزُون أو أحزان في اللغة هي الأرض الوعرة , والأرض المطمئنة هي المنبسطة , إذاً التوتر ضد الطمأنينة , ومن كان مع الله يكون مطمئناً ومن أعرض عن ذكره سبحانه فإن له معيشة ضنكاً بسبب القلق وتزايده ونتائجة ومحاولة إزالته التي تزيد التوتر وتحوله إلى توتر داخلي عميق يفقد معه الإنسان طعم الحياة ولذائذها مهما توافرت ويجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصّعد في السماء , ويدفعه للبحث عن متع مادية أكثر في محاولة خلاص من القلق , لكنه يفرح بها قليلا ثم تعود لتزيد رصيده من الألم فيعيد الكرّة وهكذا إلى أن يأخذه الموت فيجد الله أمامه .

لا سعادة حقيقية (اطمئنان) إلا مع الله , وما سوى ذلك فهي بروق تلمع بسعادة خلبية لا تلبث أن تزول ليحل محلها الألم , فنتيجة الطمأنينة أن تأخذ الأمور حجمها الطبيعي سواء كانت مخاوف أو رغبات , المشكلة دائما هي في الزيادات أي في أن يعطى الشيء أكبر من حجمه أو أكبر من حجمه .



السلام الداخلي ليس أمرا بسهولة أن نريده فيتحقق أو نفعل كذا وكذا فيتحقق , أعتقد أنه نتيجة وأنه هبة من الله ووعْد من الله عندما قال : ( الا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )
 وهذا لا يتحقق على الرغبة في النتيجة بل بناء على الرغبة في السبب وهو إخلاص العبودية لله وليس للنفس وما تريد بغض النظر عن ماذا سنكسب , لأن ما سنكسبه لسنا من يكسبه بوعينا , إنه هبة من الله , فانشراح الصدر من الله (ألم نشرح لك صدرك) حتى العلم والحكمة هي من الله (يؤتي الحكمة من يشاء) (وقل ربي زدني علما) , إذاً الذي علينا هو النية وإخلاصها بعبودية الله بغض النظر عن مصالحنا الأنانية هل يتعارض أو يتفق ؟ وتحقيق العبودية ببساطة هو أن نكون نحن في الدرجة الثانية , والله وما يقرب إليه في الدرجة الأولى , فركاب الدرجة الثانية على عكس ركاب الطائرات المعروفة هم من يحظى بالتكريم وحسن الضيافة وتمتلئ نفوسهم اطمئنانا وحبا وجمالا وتنشرح صدورهم ويكون بالهم واسع ويستطيعون تحمل الغضب والمتاعب بدرجة أكثر من غيرهم (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) , وإذا كان الاطمئنان في الداخل لا تؤثر كثيرا تقلبات الخارج .

اقتباس :
سؤال رئيس :
" ما هو قرار هدف الحياة لديكم
سؤال أود منه الاستنارة أكثر و التوضيح .. 

 الرد :
هدف الحياة قد وضحته .
وهذا من وجهة نظري وشكراً .
  

الجمعة، 27 أبريل 2012

الثنائية و الضدية والاختيار الحر و اثباتها لليوم الآخر ..



 ليس الانسان يولد صفحة بيضاء كما قال جون لوك.. و رددها بعده الكثير .. بل ان عقل الانسان و ذاكرته هي التي تكون صفحة بيضاء من المعلومات المادية ، و ليست الشعورية التي لا تزيد ولا تنقص منذ ولادته حتى مماته والتي لا تضاف ولا تحذف أيضا .. فكيف يكون صفحة بيضاء و هو يقدر قيمة الامن ، و يقدر قيمة الحنان ، ويخاف ، ويملّ ، و يكره، و يحب ؟؟ هل هذه نقشت فيما بعد على الصفحة البيضاء ؟

الطفل يكره الاهانة كما يكرهها الكبير تماما .. الطفل يحب الوئام و الالفة كما يحبها الكبير ايضا .. اذن كل ما في الكبير موجود في الصغير ، هذا اذا استثنينا العقل المرتبط بالمادة و العالم الخارجي ، والذي يتعلمه الصغير شيئا فشيئا ..

ألا نرى ان اختلاف الناس دائما يتمحور حول ثنائية ؟ نعم قد يوجد اكثر من ثنائية ، لكن اذا استمر الجميع في الحوار ، الا ترى ان الجميع يتمحورون حول قطبين في الاخير ؟ انظر في السياسة مثلا في الدول الديموقراطية ، تجد المجال مفتوح لتكوين الاحزاب الى حد كبير .. لكن من يتداول السلطة ؟ تجدهم في الغالب حزبان .. اين التعددية و الخلافات المتنوعة ؟

الجمهور الرياضي متنوع في بداية كاس العالم ، و لكنه ينقسم الى جمهورين في الاخير .. فاين التعددية ؟ و لماذا لا يستمر مشجعي الفرق الاخرى على تشجيع فرقهم و التوقف عندها ؟

لماذا مراكز القوة العسكرية في العالم تتمحور حول قطبين ؟ واذا ضعفت احدى القوتين قالوا ان هناك اختلال في موازين القوى و ظهر فراغ يـُحتاج إلى ملئه .. ؟

لماذا قامت الحروب العالمية على قطبين ؟ اين التعددية ؟

و لماذا هناك شيء اسمه خير و شيء اسمه شر ؟ ولا يوجد شيء ثالث ؟ لو كانت البيئة و الظروف و التربية هي المؤثرة فقط كما يقال ، و نعلم ان الظروف متنوعة ، لما وُجدت الثنائيات ابدا .. اليس كذلك ؟ اذن ليست التربية و الظروف هي المؤثرة .. بدليل النزعة الى الثنائية و الاستقطاب كقانون مستمر و على مر العصور ..

اذا أريد حسم اي موضوع ، يكون الاتجاه الى الثنائية و ليس الى التعددية .. كما يفعل البرلمان من خلال التصويت : مع أو ضد ..

لماذا توجد دائما في الحكومات حمائم و صقور في كل قضية ؟ اين التنوع ؟ اين بقية الطيور ؟

الظروف اكثر من ثنائية ، فلماذا يتجه الناس الى الثنائية ؟ الخير و الشر مثلا ، لا نجد الظروف تتحكم في اختيارهما ، فأحد يـُعامـَل معاملة سيئة و يكون سيئا ، وأحد يعامل معاملة سيئة و يكون خيّرا احيانا ، و أحد يعامل معاملة حسنة و يكون سيئا ، و أحد يعامل معاملة حسنة ويكون حسنا أيضا .. و في نفس الظروف .. اذن الاختيار بين ثنائية الخير و الشر و الحمائم والصقور اختيار حر .

تجد البلد يمر بنفس الظروف ، و تجد اعضاء القيادة ينقسمون بين حمائم وصقور ، مع انهم يمرون بنفس الظروف . لماذا لم يكن رايهم واحدا ، ما دامت الظروف هي المؤثر الوحيد و الفعال ؟؟

الجميع يعلم ان جنديا مثلا ، يصل الى معسكر الاعداء ، يعلم ان منهم من عامله بقسوة ، و منهم من عامله بلطف ، مع انه عدو لهم جميعا !  في كل لجنة قضائية او غيرها ، كل متهم يعلم ان بعض الاعضاء أميل إلى القسوة ، و بعضهم أميل إلى الطيبة ، فلماذا هذه الثنائية مستمرة في كل شيء وفي كل مكان ؟

هل نقول ان ظروفهم هي التي جعلتهم يختلفون ؟ لكن ظروفهم متنوعة ، بينما هم اختلفوا على شكل ثنائية حمائم و صقور !! فما السبب ؟

لا اعرف سببا الا الاختيار الحر بين قطبين .. قطب الحقيقة و قطب الانانية .. الاول بدافع المحبة الشعورية من خلال الاخلاق ، و الثاني بدافع المصلحة المادية من خلال العقل المجرد ، و هو المرتبط بقوانين المادة فقط دون قوانين الانسان ، و هذا ابسط تعريف للعقل المجرد ..

و قد يحصل الانتقال بين القطبين ، و لكن باختيار حر ايضا .. فلا شأن للظروف في هذا الموضوع .. (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) .. هنا اختيار حر .. و لا احد يزكي نفسه بدافع الظروف ، ولا احد يدسّي نفسه بدافع الظروف ايضا ..

- و ربنا يجعل في طريقك اولاد الحلال .. ويبعدك عن اولاد الحرام -.. هذه ثنائية يعرفها العوام ..

لو كانت المسالة متوقفة على الظروف والبيئة والتربية فقط ، اذن لأمكن تهيئة مجموعة من الأفراد كي يكونوا على ما نرغب به من أفكار وتوجهات من مثل الامن العالمي والسلام ، او السوبرمان النتشوي مثلا  ، وطالما ان هذا لا يمكن تطبيقه ، اذن هو غير علمي ، ويبقى وجهة نظر تخدم ايديولوجية مادية ، و لكنها نظرة مهينة للانسان ، و تحتقر ذاتيته واختياره الحر وتجعله كالكاس الفارغ الذي يعكس ما يـُملأ به فقط ، أو كالكمبيوتر الذي نبرمجه كما نشاء .. و هذه نظرة مهينة للانسان يقدمها الفكر الغربي المادي مع مجموعة من الافكار الاخرى المهينة للإنسان ..

و كما لاحظنا ان هذه الثنائية الواقعية ، هي عبارة عن ضدية من ضمن الضديات التي لا يعمل العقل بدونها ، فلا نعرف الابيض الا من الاسود ولا الاسود الا من الابيض ، ولا النور الا من الظلام ، ولا الصحة الا من المرض .. ولو لم تكن ضديات ، لم يكن عقل بشري .. فالضديات تـُشكـّل التمييز ، و التمييز هو اساس ادراك الانسان ، اذن العقل قائم على الثنائيات والدرجات التي بينها ، و ليس على التعددية ..

و بما ان كل شيء عبارة عن ضديات ثنائية ، اذن الانسان في حالة اختيار دائم بين اثنين لا ثالث لهما ، و كل واحد من هذين الاثنين ينتمي الى منظومة كبرى . اذن حياتنا عبارة عن عملية اختيار دائم بين عالمين متضادين : احدهما حقيقي و طبيعي ، والاخر مزيف و صناعي ، اي احدهما خير ، وآخر شر ، او بكلمة ادق : احدهما حق ، و الاخر باطل .. و النية هي مقياس الاختيار وليس التنفيذ فقط .

اذن البشر في حالة اختيار حر دائم بين اتجاهين لا ثالث لهما ، و العقل هو اساس الاختبار ، لأنه هو الذي يميز بين الضديات .. اذن ففاقد العقل – ان كان كذلك - ليس داخلا في هذا الاختبار .. و هذا يشير الى تاكيد القرآن على ان الناس يـُخـتـَبرون بين اتجاهين : الشر و الخير ، او الحق و الباطل . فالاختبار ملزِم ، و الاختيار حر .. فلا مفر من الاختبار ، و لا الزام على اختيار ..

هذا من اكبر الادلة على وجود اله يراقب و يرصد هذه الاختيارات ، و لو كانت حياة الانسان و واقعه العقلي غير هذا الشكل ، لأدى الى تشكك في الاختبار الالهي .. و رأينا أن فكرة جبرية الانسان بدافع الظروف و الجينات و التربية ، و التي يعتمدها الفكر اللاديني و الملحد ، انها فكرة غير واقعية و الواقع لا يثبتها ومهينة للانسان .

الانسان دائما يشعر بحرية الاختيار ، بل ويستطيع ان يتصرف باي ظرف من خلال احد الاختيارين . لا ننسى ان لا شيء يمنعك من ان تكون من الحمائم او من الصقور .. ستجد لكلا الاختيارين ما تحتجّ به و يـُقبَـل ، مهما ألزمتك الظروف ..

أقصد أن حرية الاختيار ملازمة معك حتى لو أُجبـِرت من قبل الظروف الخارجية على عملٍ لا تريده ، مثل الحارس الذي يمنع الناس من الدخول ، يستطيع ان يكون فظا و قاسيا باسم احترام العمل والنظام ، ويستطيع ان يكون لطيفا باسم احترام الناس و الزوار ، و بالتالي كلاهما يقول انه يخدم ذلك الواجب بحسب طريقته .

اذن الاختيار الحر لا يستطيع احد ان يمنعه ، لان الله يريد ان يختبر البشر و لم يخلقهم عبثا ، وإرادة الله لا تـُرَد ، بدليل انه لا يمكن ان تجد ظرفا لا يكون الانسان مُختـَبَرا فيه بين عالم الخير و الشر ، حتى لو كان مجرد افكار ، و لو كان ذلك لكانت الحياة عبثا كما يفهمه الماديون و الدنيويون .

اذن الحياة ليست عبثا و لها غاية ، و هي اظهار نتيجة الاختبار ، و نحن نمر على مشهد الدنيا مرورا مؤقتا ثم نمضي ، بعد أن تملأنا بالاختيارات بين ثنائيتين كبيرتين ، و نملأها نحن بالاختيارات ، ولا نجد اي تطابق بالاختيارات رغم كثرة البشر ، فلكل فرد نتيجته الخاصة ، ثم نمضي لكي نرى نتيجة ذلك الاختبار في حياة اخرة يقتضيها المنطق بموجب معطيات الواقع : الثنائية الاختيارية الاختبارية ، سنة الله و لن تجد لسنة الله تبديلا ..

هذا الاختبار الملزم والذي لا مفر منه ، ندخله رغما عنا ، و تأتينا الأسئلة رغما عنا ، و نخرج منه رغما عنا .. و الجميع مختبر بين الثنائيات ، سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن .. و لا أحدٌ حياته عبث .. الوعي والتمييز يضعان صاحبهما في الاختبارات المستمرة رغما عنه ..

و هذه الثنائية تذكرنا بأصحاب اليمين و اصحاب الشمال ، و هناك جنة و هناك نار ، ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة و النار .. ثنائية في الدنيا تقابلها ثنائية في الآخرة ، فالاولى يثبتها الواقع ، و الثانية يثبتها المنطق .. فأين المفر من صاحب الشأن الذي جاء بنا الى الحياة ، ثم يـُخرجنا منها بدون علمنا و بدون ارادتنا في كلا الحالين .. فنحن لم نخلق انفسنا ، و لا حتى نعرف ما هي ذواتنا .. ولا من اين اتينا ولا الى اين نذهب ، و ليس لنا حيلة الا ان نستجيب للمنطق و الاحساس .. فنجيب داعي الله ..

اذن نحن مجبرون و لكن على الاختبار ، مثل من يؤخذ بالقوة و يـُوضع في قاعة الامتحانات و يُخرج منها بالقوة ايضا .. هذا واقع و ليس منطقا .. اذن ما هو المنطق ؟ المنطق هو وجوب ظهور نتيجة ، فمن ألزَم بالاختبار ملتزمٌ باظهار النتيجة .. 

و بما أن لكل اختبار نتيجة ، بمقتضى منطقي ، و بما ان اختباراتنا لا تظهر نتيجتها في الدنيا ، ولا تستطيع الدنيا ان تظهر نتائجها ، لأن السرائر لا تـُعلم ، اذن منطقيا لا بد من حياة اخرة تظهر بها النتائج ويحصّل ما في الصدور من اختيارات ، (يوم تبلى السرائر ، فما له من قوة ولا ناصر) . 
 
ومن الأدلة على نظرية الاختيار والاختبار هو عدم تراكم الأخلاق والنمو الأخلاقي للبشرية عبر التاريخ مثلما يحصل للتقدم التكنولوجي, فالتقدم التكنولوجي يحتاجه كل الناس, لكن التقدم الأخلاقي خاضع للاختيار الحر للبشر, ولو لم يكن هنالك حرية اختيار لصار البشر بمجرد أن عرفوا مثلا أن الظلم سيئ تركوه, لكن هنالك من يريد أن يظلم ولهذا يبقى الظلم.

آراء في أشهر الآراء : سيجموند فرويد (تفسير الأحلام) -11-

الحلقة الحادية عشرة والأخيرة ..




الابنية والسلالم والكهوف :

لماذا يتعب نفسه بالتفسير ؟ كل ما على الارض رموز جنسية و انتهى الامر !

اتحدى ان كان يوجد شخص قد شفي على يد فرويد !! لان افكاره التي سيعالج على اساسها مخالفة للحقيقة والواقع ، واي طب مخالف للحقيقة لا يقدم شفاء حقيقيا ..

التفسير :

يبدو ان هذا المريض اصبح مريضا عندما تعامل مع فرويد و صار يفكر مثله . الرغبة الجنسية في الاحلام لا تحتاج الى صفيح و دهاليز و رموز ، لان هذه الرموز لا تثير الرغبة . ان الصور الجنسية تاتي في الاحلام مباشرة ، فلماذا اللف والدوران ؟ لو كان عنده رغبة بممارسة الجنس ، لظهرت في حلمه صريحة . كما يحدث عند كل الناس . هذا تعسف و ليس تحليل . أوهم فرويد هذا المريض فصار يفكر مثله . الجنس اسهل من هذا بكثير .

واذا كانت رموز الصفيح والدهاليز والقطارات ، فهل هذا مما يفتح الشهية الجنسية ام يغلقها ؟ اول شيء يحتاج اليه الجنس هو الجنس الاخر ، و ليس قضبان الحديد والسلالم والزحام والشوارع والابنية .. و من قواعد المنطق : ان ناخذ التفسير المباشر و نترك التفسير الملتو والغير مباشر .. و ما دامت الاحلام تعبر عن الرغبة الجنسية مباشرة ، اذن قطعت جهيزة صوت كل خطيب ! و معنى هذا : كلما كان الانسان مستثارا جنسيا ، تبين ذلك في احلامه على شكل جنس واضح وصريح ومغري ، و اذا كانت الاحلام غير جنسية ، اذن فموضوعها غير جنسي و دوافعها غير جنسية . فلماذا اللف والدوران ؟

لو ان الاحلام الجنسية لا يراها الانسان ابدا ، لكان لفرويد حق في ان يقول ما يقول ، لكن وبما انها تظهر مباشرة ، اذن قضي الامر .. عندما يحلم الشخص بالجنس ، فهذا يعني ان لديه احتقان جنسي ، وعندما يحلم بالرسوب في الامتحان ، فهذا يعني خوفه من الرسوب في الامتحان ، و عندما يحلم انه في وسط قاعة و الناس ينظرون اليه وهو مضطرب ، فهذا يعني انه يعاني من الرهاب الاجتماعي .. و عندما يحلم باللصوص او قطاع الطرق ، فهذا يعني انه غير مطمئن على امنه من اذى الاخرين ، و الا فما فائدة الاحلام ؟ و كيف سيستفيد منها صاحبها اذا كان لا يعرفها الا فرويد ؟ اذن ليحلم فرويد فقط ! لانه هو الذي يعرف الرموز ..

واذا كان عندنا تفسير سهل ، فلماذا نتركه و نذهب الى التفسير الاصعب ؟ ان فرويد يخالف ابسط قواعد المنطق . لم يكن هذا المريض مشغولا بفكرة الجنس ، و لكن فرويد حشرها حشرا في راسه . سيكون من التضليل ان يحلم احد بصفيح الحديد ، و نقول له انه يعاني من الكبت الجنسي !

فرويد لم يساله عن مشاعره اثناء الحلم ولا اثناء دخول الدهليز . و ها قد تبين ان ابوه يشتغل بالحديد . لا بد ان له ذكريات مع عمل والده لم يشأ فرويد ان يهتم بها ، و كانت عدم ثقته بامانة والده تشير الى احتكاكه بذلك العمل . فرويد لم يستطع ان يفسر الحلم كله تفسيرا جنسيا ، و اضطر ان يذكر نقطة انتقاده لوالده في الامانة ، و هذا امر لا علاقة له بالجنس ، بل له علاقة بالاخلاق و هي اهم عند الانسان من الجنس . لانه يتخلى عن الجنس ولا يتخلى عن مبادئه . 



قضي الامر الذي فيه تستفتيان !!

اذا كانت هذه المراة تعاني من رغبة جنسية ، فلماذا تحلم باعضائها هي ؟ انه شيء مفرح له ان المشردين يحملان اكياسا على خاصرتيهما .. مع انها عادة عند اللصوص قديما ان يحملوا اكياسا يربطونها بخواصرهم ، لأن العملات المعدنية و الذهب تحتاج إلى مثل ذلك الكيس قبل انتشار عملات الورق .. فرويد يحاصر الاحلام بالرموز الجنسية ! فاين المفر ؟

على طريقته ، كل شيء يفسر جنسيا ! ولا شيء يسلم من التفسير الجنسي ، فالمراة خائفة من اللصوص ، و زوجها غائب عنها ، وهو شرطي ، ولا بد انه يحدثها كثيرا عن الجرائم واللصوص ، و دخول الكنيسة يعني الايمان والاخلاق والامن ، لانها رات الغابة الجميلة بعد ان دخلت الكنيسة . و الشرطي والكنيسة يرمزان للامن ، خصوصا وان زوجها شرطي ، و اذا امن الانسان استطاع ان يرى جمال الحياة .. هذا غير ان فرويد لم يقدم الحلم كما هو ، لانه يفرّغ الاحلام من رباطها الشعوري ، ولا يسالهم عن عواطفهم اثناء الحلم ، و هي طريقة سيئة و مغرضة .

لا يوجد ما يرمز للجنس في هذا الحلم لا من قريب ولا من بعيد ، بل يوجد ما يرمز للخوف من الخارجين على القانون . و حاجة الامن اكبر عند الانسان من حاجة التكاثر . و هذا الحلم يعبر عن حاجة الامن ، و منطقيا : لا يـُقـدَّم الاهم رمزا لما هو اقلُّ منه اهمية .

كم هم مساكين الذين قادهم الحظ الى عيادة فرويد الجنسية ! لقد سبب تشويشا على مشاعرهم وعلى عقولهم ايضا . و جعلهم لا يفهمون انفسهم ويحتقرون دوافعها ، لانه اهمل الجانب الاهم و هو مشاعرهم اثناء الحلم . فقدم احلاما مفرغة من الغطاء العاطفي تـُقدم رموزا جنسية جامدة .

و السؤال : هل هناك رغبة بدون شعور متعة ؟ هذا ما يقدمه فرويد : يقدم انهم يرغبون بالجنس مع انهم لا يشعرون بمتعة الجنس !! اذن ما فائدة الجنس بدون متعة ؟ بينما لديهم احلاما شعروا فيها باللذة الجنسية ! ماذا سيقول عن تلك الاحلام ؟ هل سيقول انها ليست جنسية ؟

هو يرى ان الحلم تحقيق لرغبات جنسية ، بينما شعور النشوة الجنسية لم يتحقق ! الرغبة اصلا مبنية على المتعة ، و فرويد يقدم رغبة بدون متعة ! فشخص يصعد سلما وهو متعب ، فيقول له انه يمارس الجنس !! امراة ترى ابنتها يدوسها القطار ، و يقول انها رغبة جنسية ! حسنا : ما دامت رغبة جنسية ، اين الشعور المصاحب للرغبة ؟ لنفترض ان شخصا يرغب بان يكون مليونيرا ، هل هو يرغب فقط الان ؟ ام انه يتذوق المتعة و هو يرغب ؟ انه وهو يتمنى يتخيل نفسه وهو يتلذذ ويشتري ما يشاء ويلبس ما يشاء وتلاحقه كاميرات المصورين ، وتعجب به الجميلات ..

اذن لا رغبة بدون شعور متعة . و فرويد لم يعرف ولا حتى هذه !!

اذن فرويد يخالف المنطق والواقع حينما جعل الاحلام تعبر عن رغبة جنسية و لكن بدون لذة ! كل الاشياء التي نرغبها نشعر بلذتها ، و كل الاشياء التي نرهبها نشعر بخوف منها و الم منها وكراهية لها ، حتى لو لم تقع ، و هذا موجود في احلامنا وفي يقظتنا ، و فرويد خالف هذه الحقيقة ، ليدلل و يزيد الادلة في انه لا يفهم الانسان .

5 - الراس المقطوع :

يا للفظاعة والوحشية !! طفل في عامه الرابع يتمنى ان يرى راس ابيه على طبق حتى لا ينافسه على امه ! اين هي احداث اليوم السابق ؟ اين هي حاجة الطفل لوالده ؟ كيف غابت مع ان فرويد يفكر بمنطق المصلحة فقط ؟ الا يمكن ان يكون هذا الطفل سمع قصة مرعبة ، خصوصا و ان والده غائب عنه ؟ و والده يشعره بالامن بلا شك . طبيعي ان يحلم الطفل باحلام مخيفة عندما يفتقد احد والديه .

ثم انه يرى راس والده مقطوعا ، هذا امر يؤكد خوفه على والده ان يفقده الى الابد ، تماما عكس تفسير فرويد . فرويد يشير الى ان الطفل يكره والده ، و انا اشير الى انه خائف على والده ، و لا شك ان قدوم الوالد الى المنزل سوف يرجح الراي الصحيح و التفسير المنطقي ، لا شك انه سيبتسم و يجري الى والده ، ولو كان تفسير فرويد صحيحا لشعر بالكآبة اذا رأى والده مقبلا ، لانه سينافسه على الاهتمام بوالدته .

ثم ان فكرة الانانية التي يرددها فرويد غير منطقية ، فالاطفال وغير الاطفال يعرفون ان مزاج والدتهم او والدهم (وبالتالي مزاجهم) غالبا ما يكون افضل كلما كثر الموجودون ، و ليس شرطا انه كلما قل عدد افراد الاسرة (بما فيهم الوالد) زاد نصيب الطفل من الاهتمام . قد يكون الامر بالعكس ، لان الام ستكون مشغولة بالاعباء التي كان سيتحملها الوالد و الاخرون ، فتنشغل عن الطفل ولا تدلعه . هذا غير ان مزاجها و هي في حالة وحدة لا يساعد على جو المرح الذي يريده الطفل . لهذا الطفل يفرح بكثرة الموجودين و نلاحظ انتعاشهم ، و نلاحظ شعورهم بالكآبة كلما اتجه الوضع الى الوحدة و قلة الموجودين ..

لهذا فالاطفال يحبون الحفلات مع كثرة الموجودين ، مع ان نصيبهم من الاهتمام سيكون اقل . اذن لماذا يحب الاطفال الحفلات ؟ هذا يثبت خطأ فكرة فرويد من ان الطفل مخلوق اناني . ثم انه لم يعرف حاجة الطفل ، الطفل لا يحتاج الى تدليع بالاكل والشرب والالعاب ، بل يريد الآخرين ، يريد ان يتفاعل معهم ويتعلم منهم ، فالطفل محتاج للتعليم اكثر من حاجته للتدليع من اكل و شرب والعاب يمارسها لوحده بملل .

دائما يدور فرويد حول فكرة استئثار الطفل باهتمام والدته او والده ، دون ان يفسر لنا ما هو هذا الاهتمام و ما كيفيته . ان كان يقصد هذه الماديات ، فالطفل يمل منها بسرعة . الطفل يحب ان يعيش بين الناس ومن كل الاعمار وليس فقط الاطفال أو منفردا مع والدته ، لانه يعرف انها لا تستطيع ان تقدم له كل ما يريد . ويعلم ان غيرها يجيد ما لا تجيد امه . اذن ليس صحيحا ان كل طفل يريد ان يستاثر باهتمام والديه و يبعد الاخرين ، لسبب بسيط ، وهو انه يستفيد من الاخرين مثلما يستفيد من والديه ، و يجد عندهم ما لا يجده عند والديه ، حتى لو رغبا بذلك و ابديا اهتمامهما . الطفل انسان ومن الصعب حصر حاجات الانسان بحيث يستطيع ان يقدمها شخص واحد و بشكل دائم .

الطفل يميز بين ما يمكن ان تقدمه والدته ، وبين ما يمكن ان يقدمه له والده ، و يعرف انهما مختلفين و ليسا شيئا واحدا . كما يعرف ان لدى المجتمع الكبير ما ليس لدى والديه ..   

نسي فرويد ان الانسان مخلوق اجتماعي ، و ليس مصلحيا ماديا نفعيا فقط ، بل ان شعور الوحدة يجعل الانسان يتحمل التواجد مع منافسين او من يضايقونه احيانا ، معتبرا ذلك اهون الشرين بالنسبة لحياة العزلة والوحدة المخيفة ، و لهذا فاشد العقوبات هي حالة السجن الانفرادي ، مع ان السجين يستاثر بالطعام و رعاية السَّجان لوحده .

ولو صدقنا بمنطق فرويد من ان الطفل يريد ان يخلي المنزل من الاخرين ، بما فيهم والده ، لما صدقنا ان اليتم امر سيء . فرويد وضع نفسه في موضع يدافع فيه عن اليتم بانه افضل حالة يعيش فيها الطفل . عندما يعيش طفل وحيد مع امه بدون اب ، قلما تسلم شخصيته و نفسيته حتى عندما يكبر ، لماذا ؟ المفترض ان يكون هو اسعد الناس بموجب منطق فرويد المعوجّ ، لكننا نراهم يغارون من الاولاد الذين لهم آباء ، و هكذا فرويد يحمل السلم بالعرض و يصطدم بكل شيء واقعي و مسلـّم به . و مع ذلك ما اكثر من ينافحون عن افكاره بدافع الهوى طبعا وليس بدافع المنطق ولا الواقع . فهل فعلا قرأوا فرويد مثل هذه القراءة ؟ ام انهم وجدوه يخدم اهواءهم فطبلوا له ؟


6 – السلالم :

و من لم يشاهد سلالم في احلامه ابدا : هل هذا يعني ان ليس لديه رغبة جنسية ابدا ؟ و ما علاقة السلالم بالجنس ؟ بل اين وجه الشبه حتى يعتبرها رمزا ؟ نحن امام تخريف ليس الا . و قمة التخريف الا تجد شيئا تقوله ، مثلما يقولون : (بلا تعليق) .. نتيجة لفقدان اي رابط منطقي تستطيع ان تناقش فيه الفكرة . وهذا هو مقياس عمق الخرافة : الا تجد شيئا تقوله تجاهها ، لبعدها عن المنطقية .

و ما دخل السلم الموسيقي بسلالم المباني ؟ اذن لو وجد شخص اسمه "سـُلـَّم" ، و رايته في الحلم ، هل سيكون رمزا جنسيا ؟ اسفاف عقلي الى ادنى درجات سلم العقل و ليس سلم بلوم .

تفسيرها اسهل :

من الواضح و المتكرر عند فرويد ، انه يصنّف الامراض العصبية و العقلية من خلال نسبة العفاف عند اي شخص ، فعلى قدر التعفف يكون المرض العصبي و العقلي ، و هذه المحاولة الخبيثة يستغل بها آلام الناس النفسية و العصبية ليقول لهم : علاجكم في الاباحية ، و اي اشمئزاز او تعفف سوف يعني انكم مرضى عصبيين و عقليين بسبب الكبت الجنسي ! و إن بدا لكم انكم عقلاء !!

أين الرابط بين العقل والجنس ؟ اريد ان افهم !! لو اتبعنا منطقه ، لكانت فحول المواشي اعقل العقلاء واصح الاصحاء ، لو اتبعنا كلامه لصار التيس فيلسوفا كما يقول المثل الامريكي ، ليس بسبب اللحية و لكن بسبب الحرية الجنسية اليومية مع قطيع من الماعز .

وانت تقرا لفرويد و مرضاه ، لا تجد الخلل في التفكير عند المرضى قدر ما تجده عند المعالج ، حتى تسميتهم بالمرضى هي تسمية ظالمة ، لانه لا يظهر اي خلل عقلي في كلامهم الذي يورده ، بينما التناقض وعدم المنطقية واضح جدا في كلامه هو !! فمن الذي كان اولى بالمعالجة ؟ هذا الوضع سوف يفاجئ به كل من يقرأ لفرويد بحيادية ، سوف يستغرب لماذا يسميهم مرضى ، و اين صور خللهم العقلي .. ولماذا لا يسمى هو مريضا ، مع انه يربط بين اشياء بلا روابط منطقية ، و هذه اوضح صور الجنون .

حلم الفتاة :

اذن هو يقر بان اللاشعور يعترف بالطهارة و يحترمها ! اليس هذا مناقضا لجملة كلامه ؟ و كيف تناقض اللاشعور مع نفسه بحيث يريد الاباحية المطلقة بالجنس ، و بنفس الوقت يقدس الطهارة ؟ ثم كيف لعاقل ان يستطيع تصديق فرويد وهو يربط كل شيء بدوافع جنسية ؟ حتى انواع الزهور صنفها تصنيفا جنسيا ، ليته توقف عند حد الزهور ، لقد صنف السلالم والقبعات والجبال و الوديان والاشجار ، و مستعد لتصنيف باقي مظاهر التضاريس و العوامل الجوية ، كلها صهرها في بوتقة الجنس ! و كأن ليس للانسان اي اهتمام آخر سوى ممارسة الجنس .

العاقل لا يستطيع ان يصدق هذا ابدا ، وهو يرى قضايا البشرية التي تـُخسَر الدماء لاجلها بعيدة كل البعد عن هذا التفسير الدنيء , مما يعني ان فرويد يمارس التخريف و التجديف لوحده في بحر النفس البشرية الذي لا يعرفه مطلقا و ليس من رواده . بل هو آخر شيء يمكن ان يكون يعرفه .



 
حلم بسمارك :

اين اختفى الجنس من حلم بسمارك ؟ اليس بسمارك رجلا  و له رغبة جنسية ؟ ام ان التفسيرات الجنسية للعوام فقط لكي تشيع الفاحشة بينهم و يـُقادوا كالقطيع بعد ان يحولوا الى حياة حيوانية ، و ليست للرؤساء الماسونيين ؟ الم يكن في حلم بسمارك تلالا خضراء وصعود الى اعلى ؟ لماذا لا يرمز كل هذا لاعضاء جنسية ؟ يا له من مفسّر علمي لا يسير على منهج له معالم !! هل هذا هو فرويد ؟

و هذا السوط : اليس شيئا مستطيلا ؟ اين رموز فرويد ؟ اختفت هذه المرة !! هذا هو التلاعب بعقول الناس .. لأنه يريد ان يمجد بسمارك و يعظم احلامه ، اما احلامنا نحن فإلى الحضيض .. لماذا فسر صعود ذلك الرجل العادي بالسلالم برغبة جنسية مكبوتة ، و لم يفعل ذلك مع بسمارك ؟ طبعا حتى لا يـُخرجه مريضا عصبيا ! اما الـ99% فهم مرضى عقليين و عصبيين ويحتاجون إلى علاج في دور الدعارة ..  

و بعد هذا .. فمن شاء ان يبقي على مكانة فرويد عنده فهذا شأنه ، و من شاء ان يدافع عنها لاجل الاخرين ، فعليه ان يفند كلامي السابق كله بطريقة منطقية و ليست عاطفية . وإلا سيكون صاحب هوى ليس الا .. لأن فرويد سقط .. بالمنطق .. و ما يسقط بالمنطق لا يقيمه إلا المنطق ..

--------------------------------------------
 
وشكرا على القراءة والمتابعة ..