الاثنين، 26 أغسطس 2013

حوار حول: مادية الأفكار و مادية الحب والمشاعر - علاقة الدماغ بحرية الإرادة - الفرق بين الذكاء والعبقرية.



هذا الحوار جرى باللغة الإنجليزية بين الوراق و عضوين آخرين في قروب فلسفي في الفيسبوك, وتم ترجمته إلى العربية:

·  Mateusz Barczyński :كتب

"الأفكار ليست مادية, إنها صحيحة أو خاطئة, منطقية أو متناقضة لكنها ليست موجودة, عندما تقود دراجة, الدراجة موجودة ولكن "فعل القيادة" غير موجود, إنه وظيفة, وليس جرما.
عندما يكون لديك 3 تفاحات, التفاحات موجودة ولكن الرقم 3 غير موجود, إنه مفهوم في عقلك. عندما تحب صديقتك, الأوكسيتوسين والسيروتونين في دماغك موجودة, ولكن الشعور بالحب غير موجود, إنه فكرة, نتاج حساب عقلي.
الحب والأرقام والمنطق حتى الوعي بالذات هي أشياء غير موجودة, إنها لوغاريتمات وظيفية في العقل. أي أفعال ووظائف وليست كينونات أو أجرام."

رد الوراق:
 
هناك عمليات كثيرة بالمخ وبالملايين, لماذا لم نسمي لتفاعلهن شيئا ما؟ لماذا هذا التفاعلات لها اسم ونهتم بها؟ ولماذا تؤثر بنا لدرجة أنها حددت حياتنا بينما تفاعلات غيرها بالآلاف ولم تحدد حياتنا؟ ولماذا نحبها من بين التفاعلات لها؟ لماذا تفاعلات معينة هي التي تهز حياتنا؟ وبنفس المواد أيضا؟ بل حياتنا هي من أجلها, فلو تسأل أي شخص ما هدفك لقال أن أكون محبوبا وسعيدا ومسرورا, وهي كما ترى غير موجودة. أنت مثل من دخل الجامعة وقال أنها ليست موجودة بل هناك مدخل ومباني ومواقف سيارات وغير ذلك, تستطيع أن تقول أن الجامعة غير موجودة وتقول أنها موجودة. على كلامك إذن الحركة غير موجودة فالموجود هو تروس وقطع وزيت! فالحركة ليس لها وجود مادي ولا ذرات فإذا كان المادي هو ماله ذرات فالحركة ليس لها ذرات, إذن مات المنطق والعقل والعلم والفيزياء الذي يعتمد على الحركة كله بهذه الجهالة, أي يراد قُتل العلم والعقل لأجل قتل الدين, ولن يقتل أحد من الإثنين بل مات الثالث.

هل هذا نتاج ما تسمونه بالذكاء أن تنفون الحركة؟ لماذا لها قوانين مادامت غير موجودة؟ هل هذه القوانين وضعت لأشياء غير موجودة؟ هذا هو اختراق العلم ومعاكسته وليس الدين, وحتى الرياضيات غير موجودة! و ساحة الحوار هذه غير موجودة فالموجود هو أشخاص وأجهزة, وأنت غير موجود لأنك عبارة عن كلية وكتف وقلب..., والكلية غير موجودة فهي عبارة عن ...إلخ! فأي اسم جمعي غير موجود حسب كلامك, هذه هي النظرة المادية التفلكيكية, بحيث أنهم ألغوا حتى ظواهر المادة, فلا توجد مدن ولا جامعات بل بيوت ووحدات سكنية, حتى البيوت نفسها غير موجودة بل أبواب وأجهزة تكييف, حتى التكييف هو أسلاك وفريون وكهرباء! والفكرة غير موجودة بل فقط حروف وكلمات بموجب كلامك, إذا نحن غير موجودين!

وعلى هذا الأساس أنتم تنفون الروح لأنكم تثبتون رأس ورجل لكن أين الروح؟ مثلما تنفون روح الجامعة وتقرون الكافتيريا والمدخل وقاعة الطلاب والعمادة, إذا كان صحيحا أن الجامعة والقروب وقيادة الدراجة غير موجودة فالروح غير موجودة, هذا هو الغباء, هذا هو التحلل العقلي بسبب المادية, يرجع به الشخص للطفولة العقلية, فالطفل لا يعرف الأسماء العمومية فلو يذهب مع والده للجامعة سيقول ذهبنا إلى مكان فيه مباني وسيارات واشخاص وكفتيريا ولا يعرف أنها جامعة, تماما مثل هذا الفيلسوف المادي الذي بعد أن داروا به على مواقف الجامعة قال أين هي الجامعة!

في موضوع الروح تختلف الصورة, فيمكن ان يفقد الجسم كثير من أجزائه وتبقى الروح هي الروح لكن الجامعة إذا أزلت منها كثير من أجزائها المهمة فلا تبقى جامعة أما الروح فلا تتغير مادامت الحياة موجودة, وربما تذهب الحياة مع وجود أجزاء الجسم كاملة, فقد يتكلم معك الإنسان وقد فقد كل أطرافه نفس كلامه وهو معه كل أطرافه, إذن الروح ليست تجميعية, فيمكن أن تكون أعضاؤه صناعية أيضا كالقلب الصناعي مع فقد الأطراف وذو دم منقول وأعمى وأصم, حتى يمكن ان تزول أجزاء من دماغه ومزروع الكلية والكبد, ويبق الشخص هو هو بتفكيره وذوقه حتى نوع الجبن الذي يفضله, إذن الفكرة من الاساس غير منطقية في العالم الخارجي أولا, وثانيا هي لا تنطبق أصلا و بتاتا على الإنسان.

بهذا الشكل صار للوجود صور متعددة يجب أن تعترفوا بها, فنواتج العلاقات المادية يجب أن تسمى, إذا كانت المادة هي ما تدخل المخبر فالحركة لا تدخل المختبر والجامعة والفكرة كذلك.

الحركة من نواتج علاقات المادة, هذه العلاقات موجودة كلها  في جسم الإنسان كالحرارة والحركة, إذن الروح والمشاعر من اين أتت؟ إذا كان تجمع المادة تسميه جامعة و تجمع أعضاء الجسم سمي إنسان, العلاقات التي بين الأجزاء أنتجت حركة وطاقة , لكن الإنسان فيه أشياء أخرى ليست هذه فقط, ماهي؟ ماهي المشاعر والأفكار والوعي؟ ففي الجامعة تجمع القطع أنتج جامعة ولم بينتج وعيا, الآلة تجمع قطعها مع الطاقة أنتجت حركة لكنها لم تنتج وعي, لماذا الوعي فقط في الكائنات الحية؟

إذن كل علاقات المادة مع بعضها تنتج غير الأجزاء, فالطوب والابواب والشبابيك تنتج غرفة أي تكوين مادي جديد, لكن لا تنتج وعي, كل تجميع مادي سوف ينتج كيانات جديدة وحركة جديدة وطاقة جديدة (قانون), لكن لا ينتج نمو ولا صيانة ذاتية ولا وعي ولا مشاعر ولا أفكار, وهذه المادة امامكم جمعوا وركبوا كما تشاءون هل تستطيعون ان تحصلوا على الوعي؟ إذن لماذا لا تعترف أن هذا الشيء متفرد والحياة لا يمكن إنتاجها وأن الحياة لا تأتي إلا من حياة؟

كل عمليات المخ تاتي نتيجة أوامر من شيء مجهول, فشخص فكر وتذكر فراق حبيبته فبكى , لو لم يفكر لما تحركت هذه المواد في المخ, فهذا التفاعل هو نتيجة وليس سبب, فمشاعر الحب والفرح والسرور كلها اسبابها مؤثرات من الخارج , أي ليست تنتج من نفسها, فتاتي أسباب من الخارج فتؤثر في شيء داخلنا فيؤثر عليها, كان ترى منظر شخص يضايقك تجد انك انفعلت ثم فينزل هرمون الأدرينالين كانك مستعد للهجوم وردة الفعل, وليس العكس بأن ينزل الأدرينالين من نفسه ثم نهيج ونبحث عمن نصارعه!

مثل الإرادة فأولا تريد أن تحرك يدك ثم تجري العمليات الذهنية فتتحرك, وتستطيع أن تريد ولا تحرك يدك, وكل العمليات العقلية هكذا أوامر ثم يعمل المخ , وأحيانا تستطيع وأحيانا لا تستطيع مثل أن تريد أن تحك ظهرك لكن يدك لا تصل, مثل من فقد يده وهو يشعر أنه يستطيع أن يحركها, هذا يشير إلى أن الإرادة شيء والمخ شيء آخر فالمخ هو وسيلة, من عنده شلل نصفي تجد أنه يحاول أن يتكلم لكن الكلام لا يخرج بشكل سليم فالجهاز المسؤول عن الكلام متعطل لكنه مع ذلك يحاول مثل المشلول الذي يحاول الوقوف.

أي تصرف تفعله هناك أمر قد اتى قبله, وهذا يتضح في الأوامر الكبيرة كأن تخرج من الغرفة لكن حتى الحكة البسيطة هناك أمر سابق لها للمخ, وليس المخ هو ما يأمر, لهذا من يجرى لهم عمليات جراحية يضطرون لتربيطهم فمن رجله مكسورة سينسى ويحاول أن يقف.
  
الإرادة شيء والمخ شيء آخر والدليل أن الإرادة تأمر المخ ولا يستطيع , وكلك المخ يتعب والإرادة لا تتعب, والأحلام متحررة عن قدرات الشخص وتستجيب للإرادة, والخيال أيضا متحرر من القدرات, والعبقرية منطلقة ومتحررة من التفكير نفسه وأرفع منه, فالعبقرية ليست مرتبطة بالذكاء, وكل عبقري عبقريته شيء وذكاؤه شيء آخر, لا يوجد عبقري يقول شيء إلا وهو يقول لا أردي كيف خرجت معي بهذا الشكل ولو كان من تفكيره لعرف, لماذا العبقرية تأتي بلمحة؟ والتفكير عمل طويل؟ لذلك لا يوجد عبقري يصدق أنه ذكي. ولماذا لا يوجد عبقري لا يثق بعبقريته إلا من تشجيع الآخرين؟ لو كان من عقله لعرف هل هو ذكي أولا. بدليل أنه تأتي أفكار عبقرية وألحان عظيمة في الأحلام والعقل أداؤه بالأحلام أقل! وهذا إثبات أن العقل هو ما وقف في طريق العبقرية, كلما حضر العقل كلما غاب الإبداع (قانون), بدليل شخص يؤلف أبيات ثم تأتي إليه وتقول له هذه ورقة وهذا قلم هيا اكتب! هنا سيتوقف الإبداع لأنه أصبح عمل عقلي.
الماديون يظنون أن كل ما يجري في موضوع الحب هو السيروتونين أما الحب فلا يعرفون عنه شيئا ولا يعترفون به. 

·  Mateusz Barczyński  :كتب

لكل ما كتبته في ردك جواب بسيط وقد ذكرته أنت حين قلت"هذه النظرة المادية التفكيكية تنفي حتى الظواهر المادية"

هناك فرق بين "الفعل" و"الوجود", أي بين ما "يحدث" وما "يوجد", "العمليات" ليست موجودة, وهذا لا يعني أنها ليست مهمة أو أننا نلغي تأثير العمليات على الموجودات, كلاهما مهمان بشكل متساوي, ولكنهما مختلفان.

ونعم أستطيع أن أقول أنني غير موجود, نفسي وعقلي ليست توجد, بل تحدث.

فقط لأن الأفكار والمدركات والعمليات ليس موجودة لا يعني أن العالم أصبح أسوأ من العالم المثالي, فأنا متأكد بأن ليس لدي روح ميتافيزيقية, وان عقلي هو عملية مؤقتة من دماغي المادي, وهذا يجعل الحياة ويجعل عقلي كذلك, ثمينا ورائعا ومتفردا.


رد الوراق:

لماذا تقول بأنه غير موجود مادام أن لها أهمية ؟ لا يمكن لشيء أن يكون مهما وفي نفس الوقت غير موجود. غير الموجود هو عدم وأهميته = صفر .
وهل الحادث موجود أو غير موجود؟ أليس الحدوث دليل على الوجود؟ هكذا المادية تحرق العقل والذكاء البشري وتعيده إلى سنوات الطفولة الأولى, فلا موجودات إلا القطع المادية, ونحن لا نريد أن نرجع أطفالا رضع غير موجودين ..لا أستطيع فهم هذا الإصرار على عدم الوجود بالرغم وجود التأثير! إثبات التأثير ونفي الوجود لا يحتمل العقل أن يتخيله. كيف أفهمك إذا كان العقل لا يفهم هذا الكلام ؟! بل كيف فهمت أنت هذا الكلام؟! ما هي الوسيلة التي استخدمتها لتفهم هذا الكلام؟! لماذا على الأقل لم تسميه وجود من نوع آخر؟! أما أن تنفي الوجود نهائيا فأنت تتصرف بلا منطق .
ماذا بقي من عقلك حتى يصبح ثمينا ؟! هذا عقل ينفي وجود الشيء ويثبت تأثيره!


David Kappelt  :كتب

لا أستطيع أن أنتظر حتى نتمكن في يوم ما من أن نبني عقلا إلكترونيا مثل عقلك تماما, ويتطابق مع مشاعرك أيضا, وحينها سأراك لا تزال تحاول أن تقول أن الحب والكره والخوف هي  حالات روحية ومشاعر متعالية.  اقرأ كتابا لعينا يا صاح..

رد الوراق:

أين ما اكتشفتم في هذا المجال ولو خطوة صغيرة حتى يكون لك هذا الأمل العريض الذي لا قاعدة له ولا أساس
ولا خيط بأن تصنع مشاعر في المختبر ..هذا من نوع الخيال المستحيل وليس الممكن فالخيال الممكن ماتحقق شيء منه والخيال اللاممكن هو مالم يتحقق ولا نزر يسير يشبهه .. أرجو ملاحظة الفرق بين الخيالين .فغزو الفضاء كان مستحيلا ولكنه من المستحيل الممكن بدليل وجود الطيور التي تعلو في الهواء ..لكن ولا مرة أحد أثبت مادية فكرة أو شعور بأي شكل من الأشكال ولا نجد لها صورا في الطبيعة أما الغوص في أعماق البحارفنجد الحيتان والأسماك تفعل ذلك إذا من الممكن أن نفعل ذلك .
لا يوجد ماهو ألعن من هذا العقل المفكك الذي يوشك أن يلتقي بالدينصورات المنقرضة..



السبت، 24 أغسطس 2013

تابع لموضوع : مفهوم الأنوثة..


هذا الموضوع هو رد على تعليق على الموضوع التالي 


أستطيع الاتّفاق مع جلّ ما تقوله ولكن لديّ تساؤل ..لماذا حين تُفسّر معنى الأنوثة لا بدّ أن تلحقها بمعنى الأنوثة بالنّسبة للرجل أو بالنّسبة للطفل ؟



الرجل أيضا رجل بالنسبة للأنثى وبالنسبة للطفل, وكذلك الأنثى هي أنثى بالنسبة للرجل والطفل, وهذا المجتمع كله عبارة رجل وامرأة وطفل, وبضدها تتبين الأشياء, الأنوثة قيمتها أمام الرجل وليس أمام الأنثى {خلقناكم أزواجا}, والزوج يتكون من قسمين مختلفين ومتفقين يكمل بعضهما البعض, وهذا التكامل يخدم وظيفة بناء على هذا التكامل. الله لم يجعل الأنوثة إلا للرجل و للطفل, فالأنوثة دور ووظيفة في الطبيعة الإنسانية كذلك الرجولة.

على سبيل المثال أنت تقول :

" وبالنسبة للرجل فلا يوجد رجل حسب فهمي تعجبه المرأة المستقلة التي تشبه الرجل "

فهل يمكنني عند تعريف الذّكورة أو الرّجولة أن ألجئ إلى رغبات النّساء وأجعلها حكمًا على هذا التّعريف؟



طبعا, النساء بشكل عام لا يحببن الرجل الذي تأنثه أكثر من رجولته, بسبب اختلال الدور الطبيعي المناط بالرجل في ذلك الرجل, المسألة مسألة فطرة و أدوار طبيعية, فالأنوثة دور والرجولة دور ومن خرج عن دوره خرج عن فطرته و غيّر في خلق الله, والأمومة فرع من الأنوثة.

أنا أقدّس الأمومة، أقدّس العلاقة الزّوجيّة، أقدّس الحنان والامتصاص والرّغبة الّتي تسكنني باحتواء الرّجل الّذي أحبّه إلى حدّ أنّني أشعر وكأنّني أريد ولادته من جديد وأريد أن أصبح أمًّا له من فيض حناني .. أحبّ هذا كلّه، ولكنّي لا أعرّف نفسي بناءً على علاقتي به .

أنا أيضًا لديّ وظيفتي وهواياتي وأحلامي وأفكاري وعملي، أحصل على مالي الخاصّ وأساند عائلتي، وأحبّ إذا ما تزوّجتُ أن أساهم مع زوجي في الأعباء المادّية، أشعر وكأنّ نظرتك إلى الأنوثة تختصر هذا كلّه وتستلبه مقابل علاقة المرأة بالرّجل فلماذا؟ .



لا أدري كيف فهمتي هذا ولكنك على كل حال أكدتي بنفسك كلامي عن الأنوثة وأنها تعني الاحتواء والحنان وتجنب المصادمة والاستقلالية الحادة, وأنت لا تنظرين إلى الزواج على أنه عقد شركة بين طرفين متشابهين لأنك تكلمت عن احتواء زوجك وعن امتصاص الصدمات, وهذا لا يعني الشراكة بل التبعية الطبيعية.

أما أن يكون لك هواياتك واهتماماتك و عملك ودخلك, فطبعا بالتفاهم مع زوجك مع عدم تهميش اهتماماته ايضا حتى يزداد التقارب, ولا شك أن حب الزوج أكبر من حب الهواية إذا تعارضا. إذا كان عند زوجك التزامات مادية ملحة وهواياتك تحتاج مبالغ فهل تتنازلين عن هوايتك ولو مؤقتا؟ أم تتنازلين عن زوجك وتصرين على استقلاليتك واستقلالية هوايتك؟ مع أنها هوايات وليست ضرورات.

كون لك هوايات واهتمامات وعمل هذا لا يتعارض مع الأنوثة, فليست كل امرأة تعمل هي خالية من الأنوثة, وليست كل امرأة تجلس في بيت زوجها أنثى, المهم ألا تكون امرأة مسترجلة مثلما أنك لا تحبين رجلا متأنثا. وقديما قالوا: المرأة ريحانة وليست قهرمانة! (أي المدبرة الآمرة الناهية).

حب التسلط في المرأة وإدارة الآخرين والتحكم بهم يخدش أنوثة المرأة ويجرح رجولة الرجل الذي تتعامل معه. إلا إذا اقتضى الأمر, مثلما شجرة الدر أدارت المعركة وأخفت على الجنود موت زوجها, لكنها لم تكن تدير المعركة عندما كان حيا. دائما المرأة التي تحب إدارة من حولها تكون مصدر إزعاج لأنها تدخل دقتها في الموضوع مما يزيد الأمر سوءا. وهذا لا يعني أيضا أنني أمنع المرأة أن تدير أي شيء فقد تقتضي الظروف مثل ذلك لكن من المزعج أن تنازع الرجل في رجولته وتفقده دوره الطبيعي لأنه سيشعر بعدم القيمة في الحياة.

تنتقد الاستقلاليّة بعنف شديد، ماذا لو أنّ الله لم يكتب لي العيش مع رجل حتّى لو رغبت بذلك؟ هل أظلّ مكسورة لا قيمة لي؟ هل أحتاج إلى رجل كي أكون أنثى أصلاً؟ ألا يمكنني الإنطلاق والعيش وتحقيق طموحات خاصّة؟

لا أحبّ التّجربة الغربيّة أبدًا، لكنّي أفضّل العيش في مجتمع يسمح لي بمواجهة الحياة على العيش في مجتمع لا أستطيع الحياة فيه طالما أنّني لم أعثر على الرّجل المناسب :)


أنا معك في كل هذا, كلامي كان عن تحديد مفهوم الأنوثة في الطبيعة الإنسانية وليس عن هل تستطيع أن تعيش المرأة لوحدها أو لا. نعم أنتي كيان مستقل بلا شك بدون رجل, ومستقل يرغب في التخلي عن استقلاليته بنفسه للرجل الذي تختاره وتحبه, مثلما تتخلين عن استقلاليك مع طفلك, فلماذا الاستقلال عن الزوج المسكين فقط؟!

أنتي تتكلمين عن الأنوثة بالإجبار وأنا أتكلم عن الأنوثة بالرغبة والدافع الفطري الموجود عند كل فتاة وطاعة الله. أنا لا أحدد للمرأة ماذا تفعل وماذا لا تفعل, وانتقادي هو للمرأة المستقلة بلا داعي للاستقلال بحكم الموضة الغربية وفكرة تحرير المرأة الساذجة. هناك زوجات يقلبن ظهر المجنّ لأزواج لا يستحقون الاستقلال عنهم بل ويفرحون ويقدرون أية عطاء أنثوي من زوجاتهم , لكن أفكارهن تقول : لا أنا حرة مستقلة! وعلي أن أحرمه حتى لا يطالب بالمزيد! فيعيش المسكين في جحيم وكأنه تزوج رجلا يحاسبه ويعانده ويريد أن يفرض السيطرة عليه ويتحكم بقراره بل حتى بذوقه الخاص وعلاقته بأهله ومن حوله! هذا ما حذرت منه في التخلي عن الأنوثة التي أمر الله بها من خلال القوامة والتبعية, فالله لم يأمر المرأة بشيء غريب عن طبيعتها وصعب عليها, لكن دعاة الليبرالية خدعوا الكثير من النساء وأفقدوهن أنوثتهن الطبيعية من خلال الأفلام والمقالات والدعاية.

تخيلي المرأة عندها طاقة هائلة من الحنان ويقال لها: لا تعطيها لزوجك بل عامليه بالمثل ولك نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل, واجعلي البيت محكمة صغيره وغرف تحقيق وتعذيب! أي نافسيه في كل شيءّ هذا لا ينتج سكن في البيت ولا هدوء, والسفينة لا يقودها قبطانان.

المرأة التي تقمع دورها الطبيعي هي تعذب نفسها وتمرض نفسها. 


الجمعة، 23 أغسطس 2013

رد على مقال : بين العلة الاولى والله، ، اي منهم هو الخالق؟



بين العلة الاولى والله، اي منهم هو الخالق؟ 

المقال قديم ولم ينشر من قبل في المدونة  وتم الرد عليه  ..

هل يمكن للعلة الاولى ان تكون عاقلة، تنطبق عليها مواصفات الله الاسلامي، فيكون الله هو العلة الاولى او لايكون؟
دعونا للنظر للامر بروية..

يقول القرآن ان الله هو "الخالق" وبهذا التعبير يقصد خلق كل ماهو موجود من اسماء وصفات، وكل ذلك من العدم. (دعونا نستخدم العدم هنا بالمعنى الفلسفي واللغوي والديني وليس بالمعنى الفيزيائي الحديث).

والقرأن ايضا يشير الى ان الله يخلق مايشاء، وبالتالي فهو صاحب مشيئة حرة قادر ان يحولها الى فعل بالذات طبقا للمشيئة وليس خضوعا لقوانين خارج ذاته. في هذا سيكون الخلاف بينه وبين علة اولى غير عاقلة.

ولكن دعونا نتساءل، ماذا يعني ان الله " يريد"؟ ان يقرر المرء مايريده لابد ان يكون بالمقارنة مع مالايريده، وبالتالي فعلى الدوام تحكمنا المقارنة بالاضداد، وتحكم الله ايضا. وهذا بالذات الذي يجعل الله مسير وليس مخير، وبالتالي لايمكن ان يكون علة اولى عاقلة التي خلقت الكون.

مثلا لنفترض ان الله اراد خلق شئ حسن، ذلك لايمكن ان يكون الا بوجود شئ مضاد له غير حسن، حتى يمكن ان يكون الاول حسن والا فهو لاشئ. عنده لابد لله من ان يخلق الغير حسن ليتمكن من خلق الحسن والا لاتتم ارادته. غير انه في هذه الحال يكون قد " اضطر" الى خلق الغير حسن ايضا وهذا يتناقض مع الوهية عاقلة
.

الرد : الله لم يقل أنه يخلق شيئا أحسن من الأسوأ, هو قال أنه يخلق من العدم, أنت تستطيع ان تكتب قصيدة مثل قصيدتي وتكون قصيدتك هي الأحسن وتستطيع أن تكتب بنمط جديد لا أعرفه أنا ولا غيري فهذه القصائد لا تقارن بالقصائد الأخرى التي لا تشبهها بالشكل والمضمون وكلاهما إبداع, فلماذا الإبداع هو النموذج الأول للقصيدة والآخر ليس إبداعا؟ لماذا حصرت الخلق بإيجاد شيء أحسن من الموجود؟ فقط ؟ إذن من أبدع أسلوبا أدبيا جديدا لا تسميه مبدعا لأنه لم يقارن بأسوأ! والا يجوز أنه يعلم السيء ولا يخلقه؟ هل نسيت أن الله يعلم كل شيء؟ أما نحن بعقولنا فحتى نصنع الأحسن فلا بد أن نعرف الأسوأ والأحسن, فأنت الآن تتكلم عن بشر.

ثم من يحدد الاسوأ ؟ الأسوأ بالنسبة لك كبشر ، لا يجوز تعميم علم البشر او تقييمهم على علم خالق البشر ، اي لا يقيَّم الخالق حسب تقييم المخلوق . والاختيار بين اثنين لا يسمى اجبارا ، منطقيا ، بينما أنت سميته جبرية . بل ان ارادتنا الحرة هي دائما وابدا بين شيئين ، ولو تعددت الاشياء سيكون الفصل بين آخر شيئين تم ترجيحهما .  


هذا الامر يعكسه القرآن تماما ليس فقط في مسرحية خلق الشيطان ليكون ممثل الشر، من حيث ان لاخير بدون شر، ونحن نعلم ان الخير والشر من عند الله، ولكن ايضا في إعلانه عن خلق " الموت والحياة، النور والظلام، الايمان والنكران، والخلق ازواجا". في ذلك يكون الله قد اعلن انه خالق ليس الاشياء وحسب وانما المجاز ايضا.

والسؤال: هل كان الله قادر على عدم خلقهم اضدادا، ام ان وجود الاضداد كان بنتيجة " مجبرا اخاك لابطل" من حيث ان رغبته بخلق الخير لايستطيع تحقيقها الا بوجود خيار الشر، ورغبته بالنور لايستطيع تحقيقها الا بالمقارنة مع الظلام ورغبته بالايمان لاتتم الا بوجود النكران.. الخ


الرد : انت بشر وترغب بالخير لانه يفيدك ! هذا الكلام لا ينطبق على الاله ! فتخيلت انه يرغب بأن يخلق الخير فيضطر الى خلق الشر ! هو أراد ان يكون خير و شر ، الذي تسميه مجازي ، وتستغرب ان يخلق المجازي مع انه خلق الانسان والشيطان ، هذا تحصيل حاصل .

هو خلق الاضداد دفعة واحدة ، ولم يخلق احدهما ثم اضطر لخلق الآخر . (الذي خلق الموت والحياة والظلمات والنور) وفي هذا اعجاز ، لان علمنا البشري يرى ان الظلام هو فقدان النور ، وأن الموت هو فقدان الحياة ، وبالتالي نحن نعتبر ان الحياة هي الموجودة والموت غير موجود ، وأن العدم هو الاصل ، وأن النور هو الموجود ، وأن الظلام غياب الموجود . هذا حسب علمنا ، لكن ما الذي يجعلنا نجزم بذلك ؟ ليس الا المشاهدة .

وما الذي يمنع افتراض ان يكون ضد الحياة شيء آخر غير الموت ! و أن ضد النور ليس الظلام بل شيء آخر ! أو لا ضد ! لا شيء يمنع فلسفيا ، لكن علميا يمتنع . اذن الضدين مخلوقان دفعة واحدة ، وكلاهما مخلوق وليس الله فقط خلق الحياة ، لو قال كذلك لكان كلاما بشريا ، بل قال : خلق الكون ، اي شاء ان يكون الموت هو عكس الحياة ، مثل ما ان الابيض عكسه الاسود ، قد يكون عكسه شيء آخر ، ولكن الواقع يقول ذلك .

لكن القرآن يثبت خلق الشيء وضده . وهذا كلام اله طبعا ، لكن لو كان كلام بشر لقال : الذي خلق الحياة والنور والخير ، لأن ضدها سالب وهو الاساس بالنسبة لعقولنا ، الله غير مُلزَم بشيء ، ولكنه كتب على نفسه الرحمة والخير . وهذا يثبت نظريتي بحتمية التوازن للوجود (الذي خلق فسوى) ، خلق اولا ثم وازن ، فالتسوية تعني التوازن. (واغطش ليلها واخرج ضحاها) اي بعد الخلق ، اي هو من خلق القوانين ، لا أنها تـُلزمه ، فنحن نعرف حتمية القوانين ولكن لا ندري لماذا . من الممكن ان توجد نفس المخلوقات ولكن بقوانين اخرى ، ولهذا فصل القرآن التسوية عن الخلق ، وهذا اعجاز علمي .

الكون عبارة عن اشياء وعلاقات بينها ، هذا تعريف الكون . (والذي قدر فهدى) ، فالقدر هو الموازنة ، ثم هدى كل شيء الى سبيله ، مثل ما خلق النحل وجعلها تتخذ من الجبال بيوتا .. ومثل حركة الاجرام السماوية كلها ، ما الذي يجبرها على الحركة ؟ دفعة واحدة ؟

انت مثل من يستغرب ايجاد الشعر ولا يستغرب ايجاد الشاعر !

وإذا كان الله مسيرا، محدودا في قدرته على تحقيق مشيئته، فلماذا هو إله؟

ولو ازداد مجال التساءل ليصل الى الوجود والعدم، فهل خلق الله العدم ام ان العدم قديم قدم الاله، ومن العدم يخلق الله الاشياء بقوانين العدم نفسه، من حيث لاعدم الا بمقارنته مع الوجود، وبالتالي فالوجود قديم قدم العدم .. فهل الله هو العدم، العلة الحقيقية الاولى؟
................................................................................

الرد :

الله هو العلة الحقيقية للوجود وليس العدم ، وبالتالي العدم مخلوق ، وليس هو الاساس . والعدم الذي نعرفه لا يكون الا بوجودٍ مفقود يجعله عدما ، اي اننا نعرف العدم بالوجود من خلال فقدانه ، فنسميه عدما ، الله خلق الاضداد معا . منطقيا لا يكون العدم هو الاساس ، فالمنطق لا ينطلق الا من وجود ، ومن يقول ان العدم هو الاساس ، هو يغرد خارج المنطق . المنطق لا يسمي الشيء عدما الا لفقدان موجود يكون على البال ، فالعدم نسبي وليس كلي ، فيوجد عدم شيء ما ولكن لا يوجد عدم كل شيء . اذن الوجود هو الاساس في المنطق . اذن نظرية العدمية تغرد خارج المنطق . ومن الخطأ ان تنسب الى العقلانية . بل هي مذهب غير عقلاني ، اي ان العقل لا يؤدي اليها ولا يقر بأساسها . فالله هو الاول والآخر .  

من قال لك أن الله يريد أن يخلق الحسن فقط ولا يريد أن يخلق السيء؟ أنت تتكلم عن الله وإذا بك تتكلم عن إنسان دون أن تدري! فالله قال (ألهمها فجورها وتقواها), أي هو من خلق الفجور والتقوى وهو الذي خلق الشيطان وخلق جبريل ، وابقى وجود إبليس مع أنه يستطيع أن ينهيه.

هذه المتضادات خلقها الله لنا وليست له.

وهو الذي خلق الموت والحياة والصحة والمرض؛ لأن الشر سيفيدنا كثيرا في معرفة الخير, وجعل الأرض دار اختبار لنا بين الخير الواضح والشر الواضح ، وبضدها تتبين الأشياء, بينما أنت تريد أن تبقى الحياة ولا تريد الموت ، وهذا تفكير البشر بأن الموت سيء, الذي تراه سيء الله يراه شيء آخر نحن لا نعرفه, بل حتى بعض الأشياء السيئة نراها كذلك ثم تنكشف لنا بعد ذلك أنها حسنة.

أنتم تأخذون فهم كلمة الله من ملاحدة الغرب ذوي الخلفية المسيحية واليهودية, والغرب خاضعون لاسقاطاتهم التراثية حول هذه الكلمة وغيرها, وتطبقونها على الله المذكور في القرآن دون أن تنظروا ماذا قال عن نفسه, اعتمادا على أساتذتكم في الغرب الملحد الذي تترجمون مقالاتهم ليل نهار, فأنتم تهاجمون الله في الإسلام من خلال الصورة الذهنية للإله الأضعف في الغرب, الذي أضعفت قيمته سيطرة البشرية على المسيحية واليهودية فهو إله بشري من السهل الوقوف في وجهه وليس هو الله الحقيقي الكامل. هذا الإله الذي يقتل نفسه فداء لذنوب البشر ، بل إنه إله معجب بذنوب البشر, أي معجب بالمتكبرين والمجرمين ويضحي لأجلهم, لأجل من لا يضحون بمصالحهم لأجل أحد وهذا ليس من حقهم, فليس حق النذل أن يكرّم, ورغم أنه إله مدّجن ولا يطالبهم بشيء ويضحي لأجلهم لم يسلم من كفرهم وتمردهم,لأنها صورة غير حقيقية عن الإله, ولا يربّي بل يدلّل مثل الأم التي تتحمل خطأ طفلها وتدفع ثمن ما يكسره من زجاج المحل, وهذا ما يريده البشر لهذا نقول انه من تحريف البشر،  لأن البشر كلما صنعوا شيئا فهو لأجل راحتهم ورفاهيتهم ومزيدا من الحرية لهم, وليس من أجل الخير أو الشر.

والحضارة صنعت لهذا الدافع ليس لأجل الخير بل لأجل المصالح, وهذه علامة تميّز ما هو من خيال البشر وما هو وحي غير البشر وهذا ما يفرق بين وحي البشر ووحي السماء, فإذا كان الدين يعمل على راحتهم فقط ويهمل قضية الخير والشر فهو يشير إلى أصابعهم في صنع هذا الدين أو تحريفه . البشر يريدون أن يرفهوا ويدللوا أنفسهم دائما, والإله اليهودي نفس الشيء من تحريف البشر لأنهم يحبون مصلحتهم وعصبيتهم, لكن إله المسلم ليس كذك , فالمسلم عليه مثلما هو له ويعرف أنه ربما يقذقه في النار نتيجة أعماله, فهذا هو الإله النزيه و لم تتدخل رغبة البشر في صنعه ، فهو لا يدلل أتباعه كما يفعل إله المسيحية المحرفة الذي يعذب نفسه لأجل الناس, وإله الإسلام يعذب الفاعل لأجل أفعاله ونيته ، ويكافئ المحسن لأجل أفعاله ونيته, ولم يجعل خاصية لقريش أو للعرب أو للرجال على النساء في موضوع الحساب والعقاب ولا حتى للنبي نفسه : {ولو تقول علينا يعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}. وهذا الانصاف لا يتمتع به البشر الذين يعيشون على شكل تجمعات, يحبون تجمعهم ويكرهون التجمعات الأخرى, ويكيلون بمكيالين, وإذا تدخلوا في الدين جعلوا إلههم يفكر مثلهم. 

وهذا مجال للمقارنة بين الأديان بل حتى المذاهب, فكل ما يحابي المجتمع فهو من صنع المجتمع. وفي هذا ما يجعلك تتأمل الفرق بين كل الآلهة وبين الله المذكور في القرآن ، فكلها تحابي أتباعها وترفع من قيمة شعوبها على عكس القرآن الذي ينتقد حتى نبيه, ولا يستطيع أحد أن يواجه القرآن وأفكاره وجها لوجه, إلا  إذا بحث عما يراه تناقضات لفظية أو مستعينا بواقع المسلمين المتردي في هذا الزمن ، لكن لا يصدمون الفكرة بالفكرة. هم ينظرون في تراثهم المسيحي واليهودي للإله بأنه أب لهم وأنه لا يصنع إلا الخير, فاليهودي يقول يا ابانا يا ابا الشعب ، والمسيحي يقول : ابانا الذي في السموات ، اما المسلم فلا يقول يا ابانا ، بل يا رب العالمين ، اي كل العالمين .. وهذا فرق في بشرية النص وعدم بشريته اذا تأملت .

إن اباهم المسيحي يخصّب الأرض لهم ويعالج مرضاهم فقط  , أما اليهود وهم أساتذة الغرب فإن الله خاص بهم أصلا وأب لهم وهم أحباؤه وأبناؤه وشعبه المختار الذي لا يدقق على أخطائهم مكتفيا بشجرة النسب والجينات وليس على النية والعمل كما هو في الاسلام ، ويسخّر الجوييم لهم , لهذا ألحد كثير من اليهود لأن الله تخلى عن شعبه في المحرقة النازية. والله كما يعرفه المسلمون حاكم بالقسط لا يحابي أحدا وليس أبا أحد وليس له شعب مختار بل يزن بمثقال الذرة ما نعمل من خير أو شر.

أرجوكم ان تكفوا عن النقل الغربي وتفكروا بعقولكم وهذا القرآن أمامكم, ولا أرجوكم أن تكونوا مسلمين فقط بل كونوا أنتم, لأنكم الآن تخلطون بين الثقافات وأنتم لا تدرون, عندما تتكلم عن المسيح بموجب قراءتك لملحدي الغرب ، فالمسلمون يعرفون المسيح لكن غير المذكور في تلك الثقافة . إذن كذلك الشأن مع الله, صحيح أن الأديان تتفق على أساسات الألوهية مثل الخلق وطلب الخير ، لكن تختلف الديانات في تصور هذا الإله وعلاقته باتباعه.  

أنتم ملحدون ذوي خلفية إسلامية وتتكلمون من خلفية مسيحية بموجب ترجماتكم , وتذكروا أن هذه هي مشكلتكم الأساسية التي أرجو أن تفكر بها ويفكر بها بقية النقلة المقدسين للغرب, أنتم  ترون أنه علم ، بينما هو مغطس في ثقافة أجنبية التي لها ميثولوجياها وتاريخها الديني.

انت لست ملحد عربي بل عقلك بعقل ملحد غربي من خلفية مسيحية .. نريد ملحد عربي على الأقل, ولا مرة تكلمتم عن الله كما يعرفه العرب والمسلمون ، بل تتكلمون عن الله صاحب الخلفية المسيحية, وعن محمد كما يروه أصحاب الخلفية المسيحية من الملاحدة والمستشرقين , بل حتى عن الإنسان والدار الآخرة ، وأنتم لا تعلمون وتحسبون انفسكم ملحدين وأنتم تتمتعون بخلفية مسيحية وعبرانية لا بأس بها, لهذا أنا جاد في كلامي عندما أطلب ملحدا عربيا أتحاور معه.

من الممكن أن يكون الكون أزلي ، لكن كوننا هذا خلقٌ مخلوق, القرآن حين تكلم عن الخلق {كانتا رتقا ففتقناهما} أي كانتا وجود ، {استوى إلى السماء وهي دخان} , فمثلا أنت أمام أرض بيضاء ، البيت فيها عدم ، وعندما تأتي بقوالب وحجارة وترصها مع بعضها بنمط معين يصبح البيت وجود من عدم . هو من عدم وجود بيت لكن ليس من عدم وجود أرض . فيكون كلام الله صحيح ، فهو خلقنا من عدم مع أنه أخذ من تراب الأرض وسواه طينا , فالمادة الخام كانت موجودة ، ومع ذلك أوجدنا من عدم. 

الأصل وجود وليس الأصل عدم, العدم هو ظل الوجود, فنحن لا نقول عدم إلا بالنسبة لوجود, والله هو الأول والآخر ، فكل شيء خلقه الله هو بالنسبة لوجوده هو لأنه هو الأول, وإذا أزال وجود شيء أو حياة أحد ، فهذا يعني أنه صنع عدما , فهو الذي يصنع العدم والوجود ، لأنه هو العلة الأولى, فالله خالق كل شيء حتى العدم بكل صوره لأن العدم نسبي , لماذا أنتم تتصورون أن العدم هو الأقدم؟ العدم معك حتى في الجديد, إذا أحرقت الشجرة أو أزلتها نهائيا أنت حولت مكانها عدما بالنسبة لشجرة في ذلك المكان ، إذن مثلما يخلق الوجود يخلق العدم, العدم الكامل هذا غير موجود ، لأن الله هو الأول, فكل العدم الذي نعرفه نتيجة لموجودات ، إذن الوجود هو الأصل وليس العدم, فبشهادة العقل : الوجود أقدم من العدم .

الآن أقيمت مدن في أماكن لم تقم عليها مدن ربما من الأزل ، وجاء وجود مدينة وابتلع عدم وجود مدينة الأزلي, لاحظ أننا نستعمل كلمة عدم مضافة إلى شيء آخر : مثل عدم وجود بيت , فهي مضافة إلى موجودات ، فهذه الكلمة لا تقوم لوحدها ، بل لا بد ان تتكئ على كتف الوجود،  لأن العدم ظل الوجود, وأحيانا يُحذف المضاف إليه للعلم به كأن أقول لك : ألا يوجد أحد في القاعة؟ فتقول "عدم" أي معدوم وجود الناس ..

وهذا اللفظ الذي تستخدمونه في فلسفة العدمية على اعتبار حذف المضاف إليه, هذه الكلمة لا تصح في العقل إلا بذكر مضاف إليه أو تقديره, لأن العقل يعتمد على الموجودات وليس على المعدومات, كلمات أخرى غيرها تستخدم على تقدير ضدها ، فإذا قلت صحة حتى تفهمها لا بد أن تلتفت في بالك للمرض, وحتى تفهم كلمة موت تحضر في بالك كلمة حياة ، فموت يتم فهمها عن طريق الضدية ، وعدم عن طريق المضاف إليه ، اي شيء معين ,  تستطيع أن تفهمها على حسب العكس وهو الوجود ، لكنها تحتاج للمضاف إليه حسب استعمالاته كأن تقول عدم النوم او الأكل او السهر.

نحن نقول أن العدم دليل على وجود ، وأنتم تقولون أن الوجود دليل على عدم, العقل البشري مبني على الوجود وليس على العدم ، ونحن نتحاور بالعقل ويكفيك هذا دليل ضدك أنك تتحاور بالعقل المعتمد على الوجود ، فهل في عقلنا معلومات معدومة؟  وهذا يقضي على جدلكم في العدمية بل يقضي على فكرة العدمية كلها من جذورها الغربية البائسة, لأنكم تستعملون العقل, والشيء لا يثبت بضده .. أم أنك تنكر أن العقل يعتمد على الموجودات وليس على المعدومات؟ , العقل العدمي هو الذي ليس فيه أي معلومة, فهو عقل فارغ لأنه عديم من المعلومات ، والمعلومات تعني موجودات . فالمجادل العدمي يريد ان يهزم عدوه مستعيرا منه الأسلحة, اي الموجودات, لأنه يعتمد على العقل, ففكرة أن كل شيء قادم من العدم فكرة خاطئة, ماهو الشيء فينا القادم من العدم؟

جيناتنا قادمة من سابقينا، و أجسامنا من تراب الأرض, ثم إذا متنا لا نذهب إلى العدم بل نذهب إلى الوجود, فالعناصر التي في أجسامنا تذوب في التربة ، وتكون موجودة في أوراق الأشجار وثمارها الموجودة وليست المعدومة, أفكارنا و جيناتنا تنتقل إلى الآخرين وتعيش في الوجود, وليس في العدم, وأرواحنا تذهب الى بارئها ، إذن تبقى أرواحنا ، والحياة : هل هي الوحيدة التي تذهب إلى العدم؟ ما دام كل شيء يذهب إلى الوجود ؟ إذن أين الفناء والعدم النهائي ؟ هل تستطيع أن تحوّل نقطة ماء إلى عدم؟ كل شيء موجود ومرتبط بالموجود ويذهب إلى الموجود إذن هو قادم من الموجود وهو الأول وذاهب إلى الموجود وهو الآخر سبحانه وتعالى, إذن الموجودات تثبت وجود الله والمعدومات تثبت وجود الله, فالعدم والوجود يؤديان بك إلى موجود واحد في الأخير. وهنا سقطت فكرة أن العدم هو أصل الوجود. وأن الوجود يذهب اليه ويبتلعه .
كل شيء يدل على الوجود كأصل, لأن الموجودات قادمة من موجودات سابقة, والمعدومات قادمة من معدومات سابقة, فأين العدم كأصل؟ وهذا منطقي, هذا ما تعرفه عقولنا , إذا كان الحوار بالعقل ، أما إذا كان بالهوى والرغبات فهذا موضوع آخر. العقل يذهب بك إلى الموجودات وليس إلى العدم, وبهذا تكون فكرة العدم كأساس مستحيلة عقليا, هذا العقل إذن لا ينفع للعدمية, يجب أن يبنى عقل آخر بطريقة فراغية لا نعرفها.

وهكذا تشرق النفس البشرية بدلا من ظلام العدمية, بنور الحقيقة, بنور الوجود الجميل, وانهزام الظلاميين العدميين القانطين .. إحساس الإنسان لا يعرف العدم ولا يحبه, وهي فكرة بحد ذاتها تسبب الكآبة ولا شك أن واضعيها كانوا على درجة متناهية من الكآبة, والله لا يحب القانطين ، ولا عقولهم تعرفه , إذن هو فكرة صفر, فلا أحد يستطيع أن يتخيل نفسه ولا حتى ميتا ، لأن العقل مبني على الوجود, { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب والميزان}.

سلطوية الفكرة أم سلطوية الأخلاق والحقيقة ؟

السلطوية الفكرية تركز على اتخاذ الذرائع تجاه الآخر ، فتجعل الكبير يلوي يد الصغير ، و ايضا للصغير طرق يلوي بها يد الكبير ، بحيث لا يوجد كبير مطلق ولا صغير مطلق ، بل فكرة مطلقة لا يجوز المساس بها . والاكبر ليس مطلق الحرية بافعاله كما هو في حالة السلطوية الشخصية ، والتي يمثلها احسن تمثيل نيرون الامبراطور الروماني الذي احرق روما ، كدكتاتور مطلق.

وعلى مستوى المجتمع ، تجد علاقات المجتمع ببعضه قائمة على لوي الاذرعة بالفكرة السائدة ، فالاخ الاكبر له حقوق ونفوذ على الاخ الاصغر . و رب الاسرة أو ربة الاسرة لها نفوذ على البقية ، والأكبر سنا له نفوذ على الاصغر سنا ، والمضيف له سلطوية على ضيفه ، كذلك الام و الخالة و العمة على ابناءها وبناتها ، سواء كانوا على صواب او على خطأ . لكن لهم قيمة اعتبارية فرضتها الفكرة . وهكذا ..

المشكلة في استغلال هذه القيمة الاعتبارية ، و هناك من يستغلها الى حد المساس بالكرامة التي هي هبة من الله ، وهذا مما لا يحق لاحد المساس به .

وهذا يجعل الفرد مجبرا على تقديم فروض الاحترام والمجاملة حتى لو كانت كرامته متضررة ، أو تكون الحقيقة متضررة ، فقريبه مثلا يلومه لانه يقضي وقتا اكثر مع صديق من خارج العائلة ويعتبر أن حقه أنتهك وأنه هو الأولى ! ناسيا اختلاف المفاهيم ومستويات الاهتمام والهوايات وحرية اختياره الخ .. لأن للإنسان شعورا حرا يبحث عما يناسبه ، بغض النظر عن العلاقات الخارجية عن الذات ، ورب اخ لك لم تلده امك ، بل ربما افضل واصدق معك ممن ولدته امك .. وهذا الكلام لا يعني تقليل شأن الروابط الاجتماعية ، فالله امرنا بصلة ذوي القربى والوالدين ، والصلة تعني الوقوف والمساعدة ، ولا تعني الخضوع والتصاغر واحتقار النفس ، لأن الحق أحق أن يتّبع .

وكل انسان في الحقيقة يبحث عن الاحترام الخاص به ، لا عن الاحترام المفروض الاعتباري . وحتى الوالدين أمر الله ببرهما خصوصا اذا كبرا ، وركّز على عدم التكبر عليهما ورفع الصوت وزجرهم ونهرهم ، لكنه لم يطالب بقبول كل ما يقولون حتى لو كان خطأ . فالله قال (وبالوالدين احسانا) وليس طاعة مطلقة ، لأنهما أحسنا ، والفضل للمتقدم . فالوالدان برّا بطفلهما ورحماه ولم يطيعاه طاعة مطلقة !

والوضع الامثل ان تكون العلاقة مبنية على مبدأ الإحترام المتبادل للشخص لذاته وليس لموقعه من الاعراب الاجتماعي . ولا يكون ذلك الا باتباع الحق ، فعلى قدر اتباعك للحق على قدر ما تُحترم لذاتك . 

مثلا الاخ الاكبر لا يقدّم احتراما لشخص اخيه الاصغر او يغلط عليه أو يقول كلاما سفيها غير منطقي ، وبقوة سلطوية الفكرة يجب على الاصغر ان يذعن ويتحمل و يلاحق رضا الأخ الاكبر مع انه هو الذي أخطأ عليه ! وهذا ينطبق على كل العلاقات داخل المجتمع . وهذا يُعلي من كرامة الفكرة ولكنه على حساب كرامة الفرد ، والله قال : (ولقد كرمنا بني آدم) ..

بل حتى دين الله الذي هو نجاة الناس لم يُلزِم به احد ولم يطالب الأتباع بإلزام غيرهم به ، وليس أكبر من حق الله شيء ، قال تعالى (افنلزمكموها وانتم لها كارهون) وقال (وما قدروا الله حق قدره) ، وقال : (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) . كل هذا حفاظا على كرامة الانسان المتمثلة في حرية الاختيار . فسلطوية الفكرة تتعدى في احيان كثيرة على حرية الاختيار بين الخير والشر ، و تصنع آلات مُجامِلة ومنافقة لا تعبّر عن ذاتها بدلا من الذات الحية الحرة ..

وشدة تعلق النفوس بفكرة الكرامة قائمة على حرية الاختيار التي تبرر الوجود والحياة ، و إلا فما معنى ان يعيش الانسان وهو مجبر في كل شيء ؟ سيكون نسخة مكررة ويكون وجود الحياة عبثا ، والله لم يخلق شيئا عبثا . قال تعالى (ليبلوكم ايكم احسن عملا) ، ولا يمكن الاختبار والاختيار الا في جو حر ، وهذا الجو الحر هو ما تشير اليه كلمة الكرامة . فالكرامة تعني الا تـُجبَر على فكرة لم تقتنع بها وتتبناها انت بنفسك ! فالكرامة هي حرية الاختيار ما لم تسئ لأحد وتضره ضررا مباشرا ..

القرآن يقدم لنا دين الكرامة ، وسوف يُحاسَب الانسان في الاخرة - وليس في الدنيا - على حسب ذلك الاختيار الحر ، لهذا قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم) ، أي اعطيناهم حرية الاختيار واسبغنا عليهم النعم وحملناهم في البر والبحر . بل وجعل الله الانسان خليفة في الارض لأنه اعطاه حرية الاختيار مثلما أن الله حر فيما يفعل . لكن بقية المخلوقات لا تتمتع بهذه الحرية في الاختيار التي تعني الكرامة . فحرية الاختيار هي الكرامة ، لهذا كرّم الله الانسان اكثر من الحيوان .

لقد قامت السموات والارض بالحق ، ومن باب اولى ان يكون المجتمع كذلك .

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

نظرية الصراع في العالم الصناعي ..

كلما اتحدت القوة انتفى الصراع، وكلما اختلفت القوة كلما زاد الصراع ، وهذا من قوانين العالم الصناعي ، لذلك لم تقم حرب نووية ؛ لان مفعول النووي واحد ، لكن تقوم حروب بالسلاح التقليدي بسبب اختلاف القوة و امكانية ذلك ..

وفي اختلاف نوع القوة يكون الصراع موجودا ، و منه تنتج المظلمة الصناعية .. والصراع يتم ايضا من خلال عدم اعتراف طرف بقوة الطرف الاخر المختلفة عن قوته .. ولكن الاعتراف بالقوة يخفف الصراع وينتج اعتراف بحق ومشاركة فتهدأ النفوس .. اما الانكار بوجود تلك القوة هو مؤجج الصراع ..

الطرف المظلوم صناعيا يرغب في ان يري الطرف الاخر المحتقِر له قوته .

الاثنين، 19 أغسطس 2013

عادة مص الاصابع عند الاطفال ، بين فرويد والوراق ..

حاجة الجنس ليست حاجة أساسية بالنسبة للحاجات الاخرى الاكثر اساسية , فالحاجات الأساسية هي الموجودة مع الإنسان منذ كان في بطن أمه والتي من دونها يموت , كالتنفس والتغذية والإخراج. الجنس يبدأ إفراز هرمونه في عمر 14 أو 15 سنة, لأن الجنس حاجة للتكاثر، فلا تستثار إلا في المراحل التي يستطيع فيها الإنسان إتمام عملية التكاثر, فهي غريزة مؤجّلة أجـّلتها الطبيعة. ولو كانت غريزة الجنس هي غريزة الغرائز كما يعظمها فرويد لما استطاع الإنسان العيش بدونها مثل حاجة البقاء, فالإنسان يستطيع العيش دون أن يفعلها, ولظهرت منذ ولادته.

لو كانت الغريزة الجنسية أساسية لما ارتبطت بالآخرين. الغريزة الأساسية مرتبطة بالشخص نفسه, فمن يضمن وجود الطرف الآخر المناسب؟ فلو كانت أساسية لكان الشخص نفسه يقوم بالإخصاب أو الانقسام الخلوي! لو كان الجنس هو الذي يحمي الإنسان لكان كلامه صحيحا، لكن بقاء الفرد أهم من التكاثر, فهو حمّل غريزة الجنس ما لا تحتمل لكي يدعو للإباحية.

والعوامل النفسية الأخرى لماذا تتحكم في الجنس؟ لو كان الجنس حاجة أساسية لما تحكمت به الحاجات الأخرى, فمن عنده عقدة من المرأة أو خجل فلماذا تتحكم هكذا حاجات بهذه الحاجة؟ يكفي دليلا على عدم أساسيتها : النفور الذي يأتي الإنسان بعد ممارسة الجنس, ففي لحظة الانتهاء من الجنس كلا الطرفين يشعران بنفور من بعضهما, حتى المستمني دائما يشعر بندم أو بنفور. هذا النفور جاء ليس من المجتمع، بل لأن الحاجة انتهت الآن، وجاء الآن دور الشعورات الراقية؛ ولهذا المسلم يغتسل حتى يتطهر من الغرائز الحيوانية, فهي ليست شيئا أصيلا في النفس ولو كانت كذلك لما حصل هذا النفور, لكن أن تكون جائعا ثم تأكل فلا تشعر بالنفور، بل تشعر بالنشوة والحيوية, طبعا إذا لم تأكل أكثر من حاجتك.

الشعور ينفـُر من ملامسة أجساد الآخرين وسوائلهم، لأنه يحذ ّر وينبّه من خطر الأمراض والجراثيم, وهذا من الدوافع التي تجعل المرأة حريصة على جسمها، فهي تخاف من حالة النفور التي تأتي بعد العملية الجنسية. إذ أن حالة التلاصق الجسدي لا تكون إلا في الحالة الجنسية فقط , والشعور الإنساني لا يحب العملية الجنسية ما عدا شعور واحد فيه، وهو شعور الحاجة للجنس, لهذا الشعورات الأخرى تنفـّر الإنسان من نفسه حتى ينشغل بالشعورات العليا كالجمال والعبودية, فلو كانت الحاجة الجنسية أساسية لشعر بالرضا وليس بالنفور.

و كون الطفل يفرح بأن أحد يربّت عليه، فهذا لأنه يريد حنانا و يزيد من شعوره بالأمن والانتماء، وهذه الحاجة ملازمة للإنسان حتى وهو كبير, وليس لأجل شهوة جنسية؛ والدليل على ذلك أنه يريده من أي أحد من ذكور أو إناث وليس من أمه فقط، بينما الجنس مرتبط بالجنس الآخر , و دليل آخر : أن الكبار أيضا يتصافحون ويتعانقون ويربتون على أكتاف بعضهم ويحسون بالراحة ! فهل هذا السلوك مدفوع بدافع جنسي غامض في اللاوعي ؟ مسكين هذا اللاوعي ! حمّال الأسية !

الحقيقة انه لا يوجد شيء اسمه "اللاوعي" .. ماذا يستفيد الإنسان من اللاوعي؟ حتى القطط تعجبها الملامسة، فهل هذا بدافع جنسي مع الإنسان أيضا؟ و هل تعاني هذه القطط من كبت جنسي في اللاشعور؟ أما عادة مص الإصبع فلأنها هي المتعة الوحيدة للرضيع، إذ ليست لديه متع عقلية مثلا, و إذا نـَمَت لديه متع عقلية ترك هذه العادة.

إن متعة التعلم والفهم لا يعرفها الإنسان حتى يتذوقها, لهذا تلاحظ الأطفال الأقل ذكاء وحيوية يتأخرون في عادة مص الإصبع أو المصاصة البلاستيكية، مما يؤثر في انحراف أسنانهم, لضعف نمو المتع الأخرى لديهم, بدليل أنك لو علّمته على شيء آخر ممتع سينسى هذه العادة. إن هذه العادة تشبه عادة مص السيجارة (التدخين), والتي تحتاج إلى اكتساب عادة أخرى مسلية أكثر منها حتى يتم التخلص من التدخين، مثل المكسرات أو الكاكاو أو الآيسكريم, بحيث تكون العادة الجديدة عادة فمية, وهذا ما يفعله الطفل؛ فمكان المتعة الوحيد لديه هو الفم، لأنه لا يتحرك ولا يتكلم ولا يفكر ، لأنه لا يعلم ، فالتفكير يحتاج معلومات، اذن ماذا بقي سوى حلاوة الحليب التي تدخل من الفم عن طريق المص، لهذا يتسلى بمص الاصبع، أو اي شيء آخر غير الاصبع، بل يضع الأشياء في فمه ليقيسها على سكر الحليب، لهذا بعد ان يكبر قليلا يبدأ بمص الحلوى, طبعا لأجل السكر المنعش وليس لأجل الجنس !

اذن اول متعة عرفها الانسان هي الطعم الحلو وليس المص الجنسي كما يتصور فرويد ، ولاحظ انها تستمر مع الانسان حتى انه يصف الحياة او اي شيء يعجبه بالحلو والسكر ، ونكد الحياة بالمرارة ، ويسمي الثمار ذات الطعم الحلو بالفاكهة وينظر اليها نظرة خاصة، فالمانجو والاناناس ليست بمنزلة القرع والكوسة والخيار، وأغلى منها ثمنا، ولاحظ ان الطعم الحلو له قيمة خاصة اكثر تقديرا واحتراما من بقية الاطعمة. حيث تزّين به الحفلات ويتفكّه بتناوله . فأين فرويد والجنس من عالم الجيتوهات ؟

وبهذا كله تستطيع ان تقدّر معاناة مرضى السكر الممنوعين من كل شيء حلو.  

ومتعة المص قادمة من متعة رضع الحليب الحلو وليست من متعة الجنس, فارتباط المتعة بالفم جاء بسبب الفتحة الشعورية التي تبرمج عليها الطفل و ارتباطها بالمتعة وليس مسألة جنسية, لهذا الأطفال الصغار الذين تجاوزوا مرحلة الرضاعة يحبون حلويات المص, فالمسألة مسألة سكـَر ، ولا جنس ولا يحزنون. والرابط المشترك بينها هو السكر, فحليب الأم طعمه سكري, ومن هنا الأطفال يحبون السكريات, اذ ان حليب الأم حلو المذاق، لهذا أول مذاق عرفه الأطفال هو الطعم الحلو, لهذا لا ترى الأطفال يتذوقون القهوة المرّة, فالطفل مدمن سكريات, لذلك كلما كبر الإنسان كلما قل استهلاكه للسكريات ، اذ انه تذوّق الأشياء الأخرى ونسي حليب الأم، وان كان تبقى الحلاوة لها صدارة.

أما كلام فرويد عن العقل اللاواعي فهو مهرب غيبيّ ليعلـّق عليه عدم علميته وعدم مطالبته بالدليل , فكلما سُئل كيف صار هذا الشيء، سيقول : في اللاوعي ! واللاوعي يعني اللاعقل، أي اللاعلم، أي المجهول, فكيف يسمّى كلامه علما وهو يلجأ إلى مجهول ويلوذ به كلما حـَزَبـَه الامر ؟ ثم كيف يوعى اللاوعي بالوعي ؟ إذا وُعي فلا يعود لاوعيا! وإن لم يُعى فلا يوجد لاوعي !

أما عن انتقال مكان الحاجة الجنسية إلى الفم ، ومن الفم الى الفرج كما يقول فرويد فهذا أمر غريب, فلا توجد حاجة عند جهاز في الجسم انتقلت لجهاز آخر كي يصح الاعتقاد بذلك، فلم يحدث أن انتقل شعور الجوع من المعدة إلى الإبط مثلا!

و يذكر فرويد عن أن المصابين بالهستريا والعصاب قد تعرضوا وهم اطفال لاغتصابات من الكبار و نسوها وتحولت للعقل الباطن وظهرت لاحقا على شكل هستريا ، لكن حالات اغتصاب الأطفال من قبل الكبار نادرة الحدوث، بينما الهستيريا والعصاب والوسواس اكثر , ثم كيف يُغتصب الإنسان وهو لا يدري؟ أتراه في الشهر الأول أم الثاني؟ ذاكرة الإنسان تبدأ بتسجيل المعلومات الهامة بحياته, فيذكر الطفل المواقف الفظيعة التي مر بها كالحريق أو خوفه من حيوان، و تستمر الذكرى ملازمة له ولا تغيب في العقل الباطن المزعوم الذي لا وجود له, فالعقل الباطن ليس بالوعة للأحداث المهمة في حياة الإنسان, بدليل أننا نذكر أشياء من عمر 3 سنوات, أم أن الجنس فقط الذي يُنسى؟ ثم إذا كان لم يعرف أن الاغتصاب عملية جنسية، إذن هو لا يعرف الجنس.

و يذكر أيضا أن البنت قد تغار من أمها بسبب تمتـّعها بقضيب ابيها ! لماذا الطفلة تغار وهي لا تعرفه ولم تنضج جنسيا؟ ثم أن البنات الصغار يخيفهن شكله عندما يرون الأطفال الذكور ويستغربنه.

بعد هذا هل يبقى فرويد هو مؤسس علم النفس ؟ ماذا أسس في علم النفس اذا كان العقل الباطن وهو أهم اكتشافاته عبارة عن خرافة ؟ ماذا بقي في فرويد غير الدعوى للاباحية باسم العلم ؟ إنه مؤسس الاباحية الغربية ، وليس مؤسس علم النفس الحديث ، الا اذا اعتبرنا انه اقدم من اهتم بدراسة النفس ، فهذا صحيح ، لكن اهتمامه غير موفق بالكامل ومجهود ضائع. الا عند اصحاب الهوى الذين صفقوا له وزمّروا كثيرا وما زالوا .