الخميس، 27 مارس 2014

افضح الشيطان ..4


الشيطان وسوساته على طريقين رئيسيين : الإيجاب و السحب, كلا هذين الخطين يؤديان للصناعي (الشر), مثلما أن الفقر يؤدي إلى سرقة وقتل كذلك القوة والتكبر قد تؤدي إلى نفس النتيجة, {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ, وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}, فإذا صارت عندك ميزة بشيء ما سيؤدي بها الشيطان إلى الصناعي الموجب مثل الغرور والفخر والتكبر واحتقار الآخرين والإعجاب بالنفس, و الصفة التي فشلت بها سيؤدي بها إلى الصناعي السالب مثل احتقار آلذات والتذمر والسخط من قدر الله وما يؤدي إليه ذلك من تطرفات وجرائم وانتحار ومخدرات وغيرها.

و لو تتكبر في صفة ما و ينكشف لك عكسها سيؤدي بك الشيطان إلى احتقار الذات والتحطيم فورا, فأي فشل في الصناعي الموجب يحوله الشيطان فورا إلى السالب, وأي نجاح بالسالب يحوله فورا إلى الصناعي الموجب. وهذا ما يذكرك بعملية الطغيان وجنون العظمة, وأيضا عملية انهيار المعنويات لهذا من تأتيه مصيبة مفاجئة يحتاج إلى تعزية خوفا من أن يؤدي به الشيطان للانهيار وبالتالي صناعي الانهيار.

أي شيء تنجح به أو تجيده سيستغله الشيطان للكبر, ولو كنت معجبا بشخص سيكبره بعينيك إلى درجة التعصب أو التقديس والعصمة من الخطأ أو الغفلة, و إذا لم تعجب سيحقره و يهونه إلى أسفل سافلين بشكل يزعجك أنت وتكره هذه الوسوسة وتتمنى أنها تزول عنك, فالشيطان يعتمد أسلوب الرفع وأسلوب الحط ( النفخ والفش), هذا هو أسلوب الشيطان فيرفع من قيمة الشخص الذي تعجب به أو البلد الذي تنتمي له و الحزب أو القبيلة أو النادي أو الفنان أو غيرها إلى درجة التقديس, ويستخدم أسلوب التسفيل والحط من القيمة والذي هو مصدر التفرقة العنصرية ومقابلها التبجيل العنصري وهو من صور العنصرية و أساسها, فلا تحقير إلا ومقابله تعظيم والدافع إليه تعظيم من جهة مقابلة وكل شيء بضده يتبين, وكل من يمارس تفرقة عنصرية هو واقع في مرض التبجيل العنصري من طرف مقابل, فإذا وجدت تفرقة عنصرية ضد السود إذن مقابلها تبجيل عنصري للبيض, وإذا وجدت تفرقة عنصرية ضد العرب فاعرف أن هنالك تبجيل عنصري لليهود. وهذا التسفيل يجعل الشخص يلصق بمن يحتقره عيوب لا دليل عليها مثل نظرة الغرب الدونية للعرب والمسلمين وكأن ليس بهم ولا ميزة واحدة, وهذا خلاف للمنطق والواقع, وهذه الميزات المسلوبة اعرف أنها مضافة للطرف المبجل وبلا دليل مثلما سُلبت بلا دليل. أساليب الشيطان كلها تدور حول التجنين والانفصال عن الواقع, ولهذا سمي المجنون مجنونا. والرفع من القيمة هذا هو مصدر الفخر بالعرق أو العائلة أو غيرها. وكونه يرفع شيء ويعظم كل ما حوله بالتالي سيكسر بالمقابل عكسه, كل عملية ترفيع هناك عكسها عملية تسفيل وكل علمية تسفيل هناك عكسها من الترفيع, مثلما يرفع قيمة العنصر الأبيض عند الأوروبيين وبالتالي يحط من قيمة العنصر الأسود أو الملون.

الشيطان يضع هالة من التعظيم على الأكثر صناعي دائما, فيجعلك تعظم الغرب أكثر من الشرق أو الأفارقة, وترى أنهم هم أهل الإبداع وأن الطبيعة جميلة عندهم والجو الجميل, حتى تربتهم تكون أجمل! وحتى حطبهم أجمل! وكأنهم كوكبهم غير كوكب الأرض! مع أن الهند مثلا أكثر جمالا وأكثر تنوعا في الطبيعة, واليابانيين عندهم إبداع مثلما عند الغرب, ولكنه يقول الشرقيين عندهم تقليد فقط أما الإبداع والعبقرية فهي في الغرب! مع أن حضارة الصين أقدم من حضارة الغرب بآلاف السنين, ومع أن أكثر الإبداع في الغرب هو من عقول مهاجرة وليس من غربيين!

لما تصدق عملية النفخ والفش المقابل ستتصرف تصرفات غير واقعية وهوجاء و ستنصدم بأن تقييمك لم يكن في محله في كلا الحالتين.

كثير من الاعتداءات تحصل بسبب التحقير والتشيين الشديد الذي يوسوس به الشيطان بين الناس, فأحد يحتقر أحدا من جنسية أخرى ويعتدي عليه, أو من عرق آخر أو قبيلة أخرى, بموجب ذلك الاحتقار فيفاجأ بالعكس.

الترفيع والتعظيم المتطرف الذي يوسوس به الشيطان هو ما يجعل الشخص يتعصب لما يحب, وهذا هو أساس التعصب شدة التعظيم, والتعصب يجعلك غير قادر أن ترى أي ميزة في غير ما تتعصب له.   

وضع التعظيم أو التحقير هو ما صار مع الأنبياء, فبعضهم نزل بهم إلى درجات الاحتقار وبعضهم أوصلوهم للألوهية, وكلاهما خطأ ومن كيد الشيطان, فالشيطان لا يحب الاعتدال ولا التوسط والتطرف لعبته المفضلة, كما أن التطرف في كل شيء من سمات الجنون.



افضح الشيطان.. 3


الكمال والصفاء الكامل غير ممكن في الدنيا, فلا يمكن أن يُصنع مجتمع يكون كله صفاء ومودة بلا أي مشاكل, لأن الشيطان موجود ووسوسته ونزعه بينهم لا يتوقف, و لكن الممكن هو التنظيف المستمر لأوساخ الشيطان و كفاحها, مثلما أنه لا تستطيع أن تصنع منزل لا تدخله الأوساخ والغبار لكن تستطيع أن تكافحها وتمسك المكنسة وتنظف كلما دخل الغبار, إذن المثالية في الدنيا هي بمكافحة الخطأ وليست بعدم وجوده, فمن أوهام الشيطان ومن البطاقات التي يستخدمها : بطاقة طلب الكمال أو المدينة الفاضلة الكاملة, ويستعملها إذا وُجدت مشاكل فيقول: أنت طلبت الكمال ولم تحصل عليه إذن أنت فاشل! لكن طلب الكفاح ليست من بطاقاته, فاجعلها من بطاقاتك.

إذا قبلت إمكانية وجود حياة كاملة بلا أخطاء سيحطمك من خلالها الشيطان, فيجب ألا نقبل إمكانية وجودها في الدنيا, فالدنيا ليست كالآخرة بل هي دار كفاح إذن كمالها في كمال الكفاح وليس في كمال النتائج, الله قال: اعملوا, والعمل هو مكافحة الباطل بالخير.


و هذه البطاقة يستخدمها الشيطان أيضا على المتدين كي يحطمه كلما وجد فيه أخطاء أو ذنوب أو عجز, فيقول أن الدين صعب لا تستطيع أن تكمله إذن لستَ من أهله, ليقودك إلى عالمه, لأن طلب النتيجة الكاملة طلب فيه كبر فالنتائج بيد الله وليست بيد أحد, لكن علينا العمل فقط والتوفيق للنتائج بيد الله و ليس بيدنا. و موضوع التوفيق من شؤون الألوهية وليست من شؤون البشر ( وهذا داخل في عقيدة المسلم) فلا بد أن تعتقد أن النتائج بيد الله وتفكر بالواجب, على عكس الدنيويين الذي يفكرون في النتائج ولا قيمة للسعي, فإذا لم تتم النتيجة لا يضعون أي حساب للمجهود الذي بُذِل و لا شكر, لكن عند الله لا يضيع المجهود حتى لو لم يؤدي للنتيجة المطلوبة.

الأحد، 23 مارس 2014

الحب الطبيعي



لا يمكن أن يتكون الحب بسرعة ومن أول نظرة, لأن الحب الطبيعي مرتبط بالفضائل, وهو مختلف عن حب المصلحة الذي يأتي عن طريق العقل , كفتاة أرادت الزواج من رجل يملك وظيفته مناسبة ومظهرا حسنا ومكانة اجتماعية معروفة ,هذا ليس حبا طبيعيا بل حب مصالح , فلو أن هذا الزوج طرد من وظيفته أو تشوه شكله بسبب حادث فهل ستستمر معه زوجته ؟ فهذا الزواج مبني على مصالح وقد زالت الآن , لكن الحب الطبيعي مبني على الفضائل , فإذا زالت الفضائل زال الحب.

الفضائل لا ترى بالعين بل تُعرف عن طريق التجارب والمواقف , لهذا الحب الطبيعي لا يأتي بشكل مفاجئ.

و بالنسبة للشعراء الذين يصفون في قصائدهم عن الحب من النظرة الأولى فهو حب شكلي يعتمد على العينين , هذا حب مبني على العقل  لأن جمال الشكل هو خلقة من الله سبحانه ولم تبذل المرأة جهدا لتكون بهذا الجمال , وجمال الشكل لا يدوم و يُمل أيضا بسبب أن الجمال مبني على الترابط والتناسب فلا يوجد شيء جميل لوحده , فإذا كانت المرأة قبيحة ووجها حسن فليس هناك ارتباط بين الذات و الوجه, وهذا تنافر وسيكون هذا  الجمال الشكلي عبارة عن عنوان مضلل لأنه سيتم التعامل مع ذاتها وليس مع خارجها, لهذا الحب المبني على الشكل سيتحول إلى عداوة , أما الحب المبني على الفضائل فلا يزول ولا ينقص ولا يفتر بل يزيد على قدر الفضائل, و لا يتأثر بتأثر الشكل ولا تضعفه الشيخوخة بل يزيده الزمن تماسكا. وبما أن العلاقة مبنية على الفضائل بين الطرفين ويدركان ذلك , فسوف يقومان على إبراز الفضائل ومحاولة البحث عن فضائل جديدة , لهذا الحب يقود إلى الله سبحانه وتعالى , فالحب الطبيعي يبني الفضائل عند الناس , فكلما زادت الفضائل زاد الحب, وسيكون هناك تنافس بين الطرفين على الفضائل ويكون هناك خوف من الرذائل وخوف من فقدان القيمة وتأثرها عند الطرف الآخر, والمعيار هو الفضائل وهو معيار ثابت ولا يمكن لأحد أن يفقده إلا إذا أراد هو, أما المال والجمال فهو يُفقد حتى لو كان الشخص لا يريد. وبهذا الشكل تتكون الأسرة الطبيعية ويتربى الطفل في بيئة طبيعية عمادها الفضائل ومنسجمة وبعيدة عن الجو الصناعي.

الثلاثاء، 18 مارس 2014

وهم الجمال الشكلي ..

فكرة الجمال الشكلي كلها من الصناعي والشيطان ، وهي غير موجودة ، عندما تتكلم عن الجمال ، فسيكون هناك احد يحقق كل الجمال ، وهذا غير موجود .. الشعور هو من يجمّل ويقبّح .. 

الجمال بحد ذاته غير موجود .. كيف يكون موجود بينما اللوحة مرة تكون جميلة ومرة تريد ازالتها من الجدار !!؟؟ اذن الجمال من الداخل .. الاغنية الجميلة : لنكررها كثيرا ، ألن تكون مملة ؟ الشيء الموجود يحمل صفة الاستمرار ، فالابيض يظل ابيض والاسود اسود ، والجمال لا يحمل هذه الصفة .. الشعور محتاج للفضيلة ، والحاجة هي التي تسبغ الجمال بالشيء .. وانقطاع الحاجة يقطع الإصباغ بالجمال هذا وينقله الى ضده ، إلى الملل والنفور ، قـِسها على الطعام ، انظر لجماله عند الصائم ، و انظر للصائم بعد الافطار وهو ينظر للصحون و يريد ازالتها فورا ، والذي يطلب ازالته فورا يعني أن ما أمامه ليس جميلا ..

طلب الجمال الشكلي من الافكار و الاوهام الشيطانية ..

افضح الشيطان .. 2



لاحظ قوله تعالى (إن الشيطان ينزغ بينهم) ، أصل كلمة النزغ هو الطعن ، و النزغ بعكس النزع ، مثل من يطعن بحربَة شخصين متقاربين جدا ، فهي تضرهما معاً بنفس الدرجة ، فمثلا يوسوس لك أن صديقك لا يحبك و نفس هذه الكلمة يقولها لصديقك ، أو أنك تزعجه ، فيقول نفس الكلمة للآخر ، حتى يبني فاصلا بينكما ، تماما مثل النمامين ، والشيطان إمام النمامين.
 
الشيطان كل نزغاته على عكس الموجود ؛ فعندما يرى شخصين متفاهمين مع بعضهما ينزغ بينهما بأنهما غير متفاهمين ، أو يحبان بعضهما فيكون النزغ بعدم المحبة .. أو يثقان ببعضهما فيكون نزغه بعدم الثقة وهكذا ..

كل وسوسة الشيطان مبنية على العكس .. حتى تزيين الشيطان مبني على عكس الطبيعي ؛ فالقبيح يجعله جميلا ، والجميل يجعله قبيحا .. وهذه هي الطريقة التي يفهمها الشيطان و نفهم الشيطان بها . والعداوة تعني المعاكسة ، والله قال (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ، والعدو عليه ان يعرف عدوه ويعرف تخطيطه و تفكيره ، ولا يكفي ان تقول ان الشيطان عدو لك بينما أنت لا تفكر في كيفية عمل الشيطان و مخططاته عليك وعلى غيرك . اما من لا يبحث عن عدوه ولا يفكر كيف يفكر ، فهذا من الأمن للعدو ، والذي يُؤمَن له هو الصديق وليس العدو .

ربما يكون معنى وسوسة الشيطان أي على الشخص فقط ، بينما النزغ يكون بين الإثنين أو اكثر .. و الشيطان يعرف الطبيعي (الخير وطريق الله) و يعكسه ، فقد قال تعالى على لسان الشيطان : (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، اي انه يعرفه ، وسيقعد عنده ليصد عنه كل من اقترب منه إن أطاعوه ، وطبعا سيحتاج الى المعاكسة .. و نحن نفهم الطبيعي من الصناعي ، ونعرف الحق من الباطل ، اي نعرف الخير من الشر ، ولا نستطيع معرفة الخير بذاته ، و بضدها تتميز الاشياء . و هكذا يكون الشيطان خادماً للمؤمن من حيث لا يريد ، لأن معاكسته في كل خطواته تؤدي الى طريق الله . اذن علينا ان نعرف كل خطواته حتى نعاكسها .

من هنا نفهم حكمة الله في وجود الشيطان ؛ لأن علاماته الكثيرة و خطواته تدل على الخطوات الصحيحة بمعاكستها ، و الشيطان لا يُضل إلا أتباعه ، إذن هو وسيلة لهداية من لا يتبعه .

من أساليب تخريب الشيطان أنه يُدخل عليك مسلّمة من حيث لا تشعر، ثم ينكّد عليك منها ، مثل ان تقبل كلاما بدون نقاش و تتبع على عمى . اذن دائما ناقش الشيطان في المسلمات ، و على المؤمن ان يدير حوارا مع وسوسة الشيطان ليكشف زيفها ، ولا يدعها تمرّ هكذا . سيجد ان هذا الحوار مع الشيطان سيحتاجه في حواره مع شياطين الانس ، لأن المصدر الصناعي واحد (طريق الشر) . مع أن الشيطان خنّاس ولا يصمد للمناقشة ولا للإستعاذة .

الشيطان غبي ؛ لأنه يجمع متناقضات بجانب بعضها و يستخدمها في الوسوسة ، و وسوسته عبارة عن بطاقات متكررة يُخرج منها ما يناسب الموقف على شكل لمحة ، كفكرة أو منظر ، أي بالتعبير القرآني (همزة) ، توهمك أنك أنت الذي طرأ عليك هذا الخاطر ، ولو أطال الكلام لانكشف ، لهذا هو لا يكثر الكلام والشرح حتى لا ينكشف غباؤه ، يريدك أن تـُكمل أنت ..

لاحظ دقة التعبير القرآني : همزات ، فهي تعني : دفعات متقطعة ليست متواصلة .. وهذا ما أوهم الكثيرين باعتقاد ان اصل الانسان شرير ، كما بنى عليه فرويد فكرة العقل الباطن الشهواني الشرير المتوحش .. 

و لو جمعتَ بطاقات الشيطان مع بعضها لضحكتَ من تناقضها .. وأستغرب أن يُسمى الذكي بالشيطان ؛ فالشيطان اغبى الأغبياء ، بل هو أغبى من شياطين الإنس . لأنه عرف ربه و رأى جهنم وفعل ما يضره و على علم كامل ! بدافع الكبر ، و لم يكن بينه وبين النجاة من العذاب الا سجدة يطيع بها ربه . وهو يعمل ليلا و نهارا بدون اية فائدة له ، لأنه رجيم و مأواه جهنم . أليس هذا أغبى الأغبياء ؟

الشر دائما مرتبط بالغباء ، بل الاشد شرا هو الاشد غباء والعكس بالعكس (قانون) ..

تجد الشيطان مثلا يقول لشخص : أنظر لفلان إنه لا يحبك ، و إذا نظر إليك قال : أنه يجاملك ، وهكذا يهمز على شكل فكرة أو صورة ، و الفكرة إما مُطمِعَة أو محزنة أو مخيفة .. لكن عاقبتها سيئة ، وهكذا كل فكرة من الشيطان فكّر في عاقبتها حتى تعرف هل هي من الشيطان ام لا ، اي قيّمها .. 

والله تعالى قال (اتخذوه عدوا) ، فالله أمرنا باتخاذه عدوا، و افكار الشيطان ليس عليها نور ولا عاقبتها جميلة اذا تتبعتها في ذهنك .. و العدو لابد أن تتجسس عليه وتكشف أسراره ، فالشخص لابد ان يجعل نيته حرب الشيطان و معاكسة ما يريد ، و ذلك طول حياته ، مثلما جعل هو حياته كلها لعداء بني آدم ..

الشيطان إذا عجز عن تخريبك بالوسوسة ، يتجه للتخويف ، فإذا لم ينجح ، اتجه للتحزين ، و إذا عجز عن ذلك استخدم اسلوب اظهار الصور القبيحة من باب التنكيد ، لأنه يشعر بالغيظ ، و هذه اخر مرحلة له و هي علامة فشله معك ..

بداخل كل انسان شعور وعقل و شيطان ، و كلهم يعملون و يدورون طول الحياة ، فالشيطان مع المؤمن ينكد عليه ، ومع غير المؤمن يخطّط له ، فمن كانت علاقته جيدة بالشيطان فهذه علامة أنه أصبح سيئا .

يبدو ان علاقة الشياطين بالمؤمنين مختلفة عن علاقتهم مع غيرهم ، فالقرآن يقول عن وسوسة الشياطين للكفار بأنها (تؤزهم أزا) ، والأزّ تشجيع و دفع ، مما يدل على اتفاق مبني على السيطرة ، مثل من يتخبطه الشيطان من المس كما وصف تعالى آكل الربا . و يؤيد هذا قوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الله نقيض له شيطانا فهو له قرين) .. و القرين في اللغة تعني الرفيق والصديق على غير عداء ، و كما قيل : ( كل قرين بالمقارن يقتدِ) ..

كل منطقة ظلماء و محمية في نفوسنا وعقولنا ، ولا يُراد لها أن تـُدخل ، ففيها الشيطان ..

كيف تـُصلح ما في الظلام وأنت لا ترى ؟ لا بد من نور ، اذا لم يسمح الشخص الذي عنده هذه ، فاعلم ان الشيطان يعمل فيها ، الشيطان يحب العمل في الظلام ، ولا يريد ان يُكشف .

فمثلا : التحجج بالقسوة هي حجة غير طبيعية ، مثل من يتهم أحداً ينصحه فيقول له : انت قاسي علي .. القسوة ليس لها معنى و هي كلمة مبهمة ، والإبهام ظلام .. لا يستطيع ان يقول : انت ظالم أو أنت كذاب أو مخطئ .. لأنه سيُناقش في هذا و ستتبين حجته ، لهذا يقول : أنت قاسي علي .. إن صاحب هذه الحجة هو القاسي وهو الأكثر سوءاً ..

الشيطان يوهمه أنه يُقسى عليه ، ولا يستطيع ان يستخدم كلمة ظلم أو كذب ، لذلك يستعمل كلمة عائمة كالقسوة . القسوة هي حجة لمن لم يجد حجة ، وتهمة من لم يجد تهمة .. التهمة حجّة يلجأ إليها عند الحاجة ، ومن يتهم غيره بالقسوة ، فهو يقول له : "أنت صريح و صادق" .. ما لم يحدد بالضبط والدليل مكان تلك القسوة .. الشيطان يركض في الغموض والظنون ويعمل فيها ..

اذا كانت الفكرة طبيعية وعليها نور ، فالواجب أن نقبلها .. أما غيرها فلا نقبلها . الافكار هي الأهم دائما ، وكل الاشياء الباقية كالقسوة او الثقة أو الظنون او غيرها ، كلها لا معنى ولا قيمة لها .. لا بد أن يُـنظر الى خيرية الفكرة ، هل تؤدي لخير أكثر أم لشر أكثر .. هل عليها نور أم لا .. هذا هو المقياس ..

المنطق الصحيح في الافكار هو الرفض أولا و ليس القبول ، حتى تثبت صحتها .. هذا هو النهج الآمن .. مشكلة القبول انه يبني في كثير من الأحيان على غلط ، وما يبنى على غلط فهو غلط .. قبول الافكار بناء على قائلها و ثقة به هو المشكلة ..

أهم شيء أن تناقش الأفكار حتى تثبت على حقيقتها ، لأن الإنسان لا يعيش إلا على افكار ..

الاوهام هي ما يتصوره الشخص عن نفسه و من حوله ، والخرافات ما يصدق بها المجتمع .

لا تقبل اي فكرة الا مثبتة بأدلتها .. و أي شخص يثبت صفة فيه فعليه أن يثبتها لغيره ..

عندما يتالم صاحب الوهم من اقتراب احد من منطقة الوهم ويتالم و يتهم غيره بالقسوة ، فحقيقة ألمه أنها تخويف من الشيطان لكي لا يقترب منها احد ..

لا نفهم الإنسان إلا من الشيطان (قانون) ..

الفرد ، بين أخلاقه مع الناس وأخلاقه مع الله ..

* يدور تساؤل حول : هل نكتفي بأخلاق الفرد معنا ونحكم عليه من خلالها فقط ، ولا شأن لنا بمواقفه وأعماله التي بينه وبين ربه كالصلاة مثلا ؟

نقول : حتى الاعمال التي تكون بين الفرد و ربه لا بد أن يكون لنا موقف منه ، فلا نكون نفعيين و ننظر ما يخصنا فقط ولا ننظر لما يخص الله .. فنحن نحب في الله و نكره في الله ، ونحن مأمورون بالقسط . تعامله الطيب معنا يجب ان يأخذ حقه ، لكن لا نعتبر أنه اكتملت اخلاقه ، فنظل نقول ان أخلاقه ناقصة .

إذا كان لم يعط الذي خلقه و رزقه و عافاه حقه ، علينا ان نشك حتى في اخلاقه معنا . يقولون : لا يشكر الله من لا يشكر الناس ، وعكسها صحيح : لا يشكر الناس من لا يشكر الله . لان الاخلاق وحدة متكاملة مع الخالق والمخلوقين والمخلوقات . هذا غير أنه لا اكراه في الدين ، لكن حقه النصيحة والتذكير وأن لا نقبله بالكامل ونقره على فعله . واجبنا هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس الالزام والجبر . قال تعالى ( لا اكراه في الدين ) وهذا مبدأ عام .

حول الشكل والمضمون ، وحجاب المرأة كمثال ..



المسيحية تتجه للمضمون اكثر من الشكل كما هو معلوم ، اذا قارناها باليهودية التي تهتم بالشكل دون المضمون . الاسلام دين الوسط يجمع بين الاثنين . و الاساس دائما هو المضمون وليس الشكل ، ولا قيمة لمضمون بدون شكل ، هل يكون احد كريم لكن بدون اي مظاهر او افعال للكرم ؟ لا يكون ،  وهل يكون كريماً اذا اهتم بظاهر الكرم ولا يحمل مضمونه الحقيقي سوى البخل ؟ طبعا لا . لكن حملَ مضمون الكرم أهون من بخيل يدّعي الكرم ، وعلى هذا فقِسْ ، إذا كان أمامنا شكل بلا فضيلة أو فضيلة بلا شكل ، فالثاني على الاقل احسن من الاول ، لأنه على الأقل عنده الأساس لكنه ناقص ، و بالتالي تكون غير المحجبة مثلا و الممتلئة بالعفاف أفضل من المحجبة الممتلئة بالفسق ، و أفضل منهما جميعا المحجبة الممتلئة بالعفاف ..

و فعلا : ما قيمة حجاب لامراة قلبها سافر و عينها زائغة و نفسها خبيثة يهمها الإغراء وإعجاب الرجال ؟ و ما قيمة عفاف لامراة بملابس شبه عارية ؟ لأنها ان كانت عفيفة فالذي فعلته لا يتناسب مع العفاف ، وكيف تنوي شيئا و تفعل لوازم ضده ؟

و الخلاصة : ان الاكتفاء بأحد الضدين (الشكل أو المضمون) باطل . ما قيمة أن يكون عندك اخلاق لكنك لا تصلي ؟ من أخلاقك مع الخالق أن تصلّي شكراً له ، على نعمه وخوفا منه و رجاء له ، لأن الاخلاق إعطاءُ كل ذي حق حقه ، إذن اخلاقه ناقصة .

هذا العَوَرْ والتطرف ملازمان للبشرية منذ القدم ، و نجده في فهم الديانات : إما تطرف في المشاعر أو تطرف في المظاهر .. و الحقيقة انه لا يكفي أحدهما عن الاخر .. لا أحد يستطيع ان يمشي برجل واحدة ، بل يمشي بقدمين متضادتين بالموقع والحركة .

علينا ان نخلص من هذه الإشكالية ، على الاقل من حيث القيمة ، فلا نعترف بشكل بلا مضمون ، ولا مضمون بلا شكل .. ولا نعترف بكرم دون فعل ولا بكرم دون نية وفضيلة . وعلى ذلك فقس . حتى إسلام بلا مضمون ، ماذا يفيد ؟ ومضمون إسلام بلا شكل ولا فعل ماذا يفيد ؟ القرآن يكرر (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) لم يكتفي باحدهما ، لأنه يظل هناك نقص . إنها ثنائية النية والعمل .. والتي يشترط لها التواءم والاتفاق ..

الجمعة، 14 مارس 2014

الرد على فرية أن القرآن أمر الرسول بالاعتداء على المسالمين من غير المسلمين

ردا على مقال لأحد الكتاب:


جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ (سورة المائدة 5:33)، ولم يقتصر القرآن على التحريض بقتال الكافرين فقط، بل تعداه التحريض على قتال المؤمنين من أهل الكتاب اليهود والمسيحيين وذلك من قوله: قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (سورة التوبة 9:29)، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (سورة التوبة 9:29)، ليس قتالهم بحسب، بل تعداه إلى نهب ممتلكاتهم وسلب أراضيهم وسبي نساءهم وأولادهم، وذلك من قوله: وَأَنْزَلَ الذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ (سورة الأحزاب 33:26 و27)،

لاحظ قوله تعالى: {ظاهروهم} أي تحالفوا مع قريش لاستئصال المسلمين, أليس هذا سببا لحربهم؟ والبادئ أظلم, و هم المقصودون في الآية السابقة التي تتكلم عن إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون, لماذا صاغرون؟ ليس لأنهم يهود بل لأنهم تكبروا على الحق وظلموا واعتدوا وخانوا الاتفاقية التي تنص على عدم التعرض للمسلمين وعدم التحالف مع أعدائهم.

الكاتب يجتزئ ويخرج الآيات عن سياقها ليصل إلى نتيجة يريدها, مع أنه كان بإمكانه أن يأخذ رأي القرآن بعد استعراض كامل احتراما للموضوعية, فهناك آيات تحدد آيات, لم يذكر الكاتب آية مثل: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} ولم يذكر آية من مثل : {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} وهم من غير المسلمين بلا شك, ولم يذكر قوله تعالى:{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ولم يذكر: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}.

أي كلام في العالم تستطيع أن تنتقي منه منتقيات وتنظمها بطريقة معينة إذا كنت تفتقر إلى الموضوعية, ومثل هذه الكتابات الانتقائية لا قيمة حقيقية لها وهي عيب على كاتبها عند العقلاء, وقد ينخدع بها البسطاء, والبسيط يهمه البسيط ولا يهمه العاقل ولا المفكر. القيمة الحقيقية لمن يقدم نظرة لمجمل النصوص. الانتقاء عمل غير محترم ويستطيع أن يقوم به أي أحد بسهولة, حتى من أراد أن يجد دليلا على تحريم الصلاة في القرآن يستطيع أن يجد! كأن يجتزئ قوله تعالى {فويل للمصلين}. لا احترام للانتقائية ولا قيمة علمية لها.

القرآن يأمر بالعدل حتى مع من نكرههم, وهذه الآيات نزلت في يهود بني قريظة وبني النظير الذين تواطؤوا مع قريش وأكنوا العداء وحاولوا قتل النبي, ولم يفوا بمعاهدتهم مع الرسول أول ما قدم المدينة.

 ويقول الإمام مسلم: قسم رسول الله أموالهم ونساءهم بين المسلمين ء ويقول القرآن في تصوير هذا الاعتداء الظالم: هُوَ الذِي أَخْرَجَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ وَلَوْلاَ أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ (سورة الحشر 59:2ء4)،

لاحظ قوله تعالى:{شاقوا الله ورسوله} وليس لأنهم غير مسلمين, فهم حاربوا الله ورسوله أي لم يحترموا حرية الاعتقاد لغيرهم ولم يكتفوا بعدم الاحترام بل تجاوزوه إلى الرغبة بالتصفية الجسدية لمن أسلم ودبروا المؤامرات والاتفاقات, فكانت هذه الحرب من نصيبهم جزاءا وفاقا. ورعب قلوبهم هو الذي أخرجهم ولم يجربوا الصمود في القتال. كفار العرب صمدوا وقاتلوا ببسالة العربي أما اليهود فولوا مدبرين لكنهم لم ينسوا الأمتعة, مثلما خرجوا من مصر يحملون الأمتعة المادية, وهذا سؤال آخر: لماذا لم يقاتلوا ببسالة؟ و ما مصدر هذا الرعب الذي أصابهم أكثر من غيرهم رغم كثرتهم وكثرة قراهم حتى أنهم لا يقاتلون إلا من وراء جدر أو في قرى محصنة, بينما العرب قاتلوا في بيداء بدر بلا حصون ولا خنادق سوى سيوفهم ورماحهم, ومن كان بيته من زجاج عليه ألا يقذف الناس بالحجارة. لم يكتب الله على اليهود أن يقتلوا أو يعذَّبوا بل كتب عليهم الجلاء كما توضح الآية, هم خربوا بيوتهم بأيديهم حسدا حتى لا يستفيد منها المسلمون بعد جلائها, ولكي ينهبوا منها كل ثمين.

لقد كان هؤلاء اليهود جيران سوء للمسلمين ويضمرون العداوة حسدا من عند أنفسهم كما أخبر القرآن, لأنهم أرادوا أن يكون النبي منهم وليس من العرب الجوييم المحتَقَرين, كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم} والأميين هم الجوييم عند اليهود أو الحوييم لأنهم يرون أنفسهم أنهم أهل الكتاب وحدهم, ولا يريدون كتابا لله عند غيرهم, وكانت صدمة قوية لكبريائهم بعد أن تعودوا أن يكون الأنبياء منهم حتى عيسى عليه السلام أمه يهودية, تلتها صدمة تغيير القبلة عن بيت المقدس قبلة اليهود إلى مكة مهوى أفئدة العرب, و كان في هذا إعلان لتحول الكتاب و الكلمة منهم إلى المسلمين ومن بيت إسرائيل إلى بيت إسماعيل إلى الأبد, لأن الله غضب عليهم لعدم احترامهم للأنبياء بعدما قتلوا يحيى وتآمروا على قتل عيسى السابقيَن لمحمد بعد اتهام أمهاتهما الطاهرات بالزنا, بل قتلوا أكثر كما قال تعالى: {فريقا كذبتم وفريقا تقتلون}. ومثلها صدمة أنه خاتم الأنبياء أي لن يأتي نبي لليهود مرة أخرى, لا تحلمون! فكيف يبعث الله نبيا من العرب الأميين أي الجوييم وجيران اليهود المحتقَرين؟! القضية عنصرية, لهذا حاربوا الله وحاربوا رسوله وحاولوا قتله عدة مرات, وحاربوا الله لماذا غير وجهته عنهم وأرسل رسوله من غيرهم, وهو خاتم الأنبياء حتى فلا نبي بعده, وهذا جذر عداوتهم للإسلام لأن المسلمين أصبحوا أهل الكتاب الحقيقي بدلا منهم ولم يعودوا أميين, (والمقصود هو ليس كل اليهود طبعا لا قديما ولا حديثا, لكنهم أهل السيادة والكلمة العليا فيهم مع الأسف). وفعلا قامت الحضارة حتى الحديثة منها على اساس من هذا الكتاب الذي لم ينزل على يهودي كالعادة, فنشأ الحسد في أنفسهم إلا الطيب منهم, لأنهم كان يستفتحون على أهل المدينة بقرب ظهور نبي سوف يسحق العرب وفعلا ظهر النبي لكنه ليس منهم بل من الجوييم, وكان ذلك ضربة قوية لعنصريتهم المغرورة, لأنهم اعتقدوا أنهم أبناء الله وأحبابه وأن بينه وبينهم عهد وأن هذا العهد في تابوت عندهم ينقلونه أينما ذهبوا.

ولا أدري لماذا يوجد من يتباكون على حرب النبي لليهود ولا يوجد من يتباكى على حرب النبي لقريش مثلا ؟! مع أن هؤلاء الذين يتباكون عرب! فكيف عربي يبكي على يهودي ولا يبكي على عربي! عرب مكة هم الذين حصل فيهم القتل أكثر من اليهود, اليهود أجلوا و سُمح لهم بأخذ ممتلكاتهم معهم, لكن قريش قتل منها المئات في معركة بدر, فما بالك ببقية المعارك ولم نجد عربي يتباكى عليهم! كل البكاء لليهود أصحاب حائط المبكى! الحرب العالمية الثانية قتلت خمسين مليون, ولا يُبكى إلا على اليهود فقط! فما حكاية هذا البكاء وكأن البقية ليسوا بشرا؟! شيء عجيب أن تبكي على شعب آخر ولا تبكي على شعبك! وإن كنت ملحدا عربيا فالأولى أن تبكي على كفار قريش لأنهم عرب على الأقل وأقرب للإلحاد من اليهودي الذي يؤمن بإله واحد, و ما هذه العين التي مثل عين عذاري تسقي البعيد ولا تسقي القريب كما يقول المثل, ما القصة إذن؟ ما أكثر أن تجد ملحدا يبكي على يهود مع أنه يحارب الأديان! ويطالب بحقوق اليهود الدينية مع أنه ضد الأديان, ولا يطالب لكل الأديان بل يطالب لدين اليهود فقط! و لا أدري إن كان هذا الكاتب منهم أو لا, لكن حائط مبكاه هو الذي أوقفني.

المسلمين في صدر الإسلام حاربوا الكثير ليس فقط اليهود لكن لا نجد لهم ناعيا ولا بواكيا فقط نجد لليهود اليهود اليهود, اليهود مساكين اليهود ظلموا.., وكأنه لم يُظلَم أحد في الدنيا إلا هم! نعم للوقوف ضد الظلم بالمساواة دون تفرقة عنصرية حتى في البكاء. ترى ما السر؟ و لماذا اليهود فقط مظلومون وقريش وثقيف ودوس ومضر وربيعة ليست مظومة؟! علامات تعجب لا جواب لها!


وبدون حساسية يا صديقي ألا ترى معي صعوبة تقبّل العقل والضمير معاً أن يكون مثل هذا الاعتداء الوحشي وهذا السلب هما تعاليم دينية من عند الله؟

كلا هذه ليست تعاليم دينية من عند الله, هذه حالة لها حكمها ومبرراتها وكلها مذكورة في القرآن أمام عين الكاتب, فالقتال في الإسلام ضرورة وليس تعاليم, لأن الإسلام دين السلم, قال تعالى {وإن جنحوا للسم فاجنح لها}, وقال {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} أي بما فيهم غير المسلمين, وقال {لا إكراه في الدين}.

هذا الكاتب يخلط بين السياسة والدين, يريد أن يسمي ردود أفعال سياسية وأمنية بأنها تشريع ديني, فقط لأنها ذكرت في القرآن, وينتقي منها صورة المعركة ويقول: انظر القرآن يأمر بالقتال فقط لأنهم غير مسلمين! تاركا بقية الآيات المحدِّدة لمن يجب أن يقاتل ومن يجب ألا يقاتل. التشريع في القرآن هو رد المعتدي وهذه حالة معتدي و رُدَّت, وبما أن اعتدائهم كان بقصد القتل والإبادة جاء جزاءهم ألطف مما أردوا وهو الجلاء, فإن كنت باكيا على أعداء الرسول فلتبك على العرب الذي قُتلوا وليس على من أجلوا بأمتعتهم! حتى البكاء يحتاج إلى منطق.

 أنت يا صديقي ادّعيت بأن الإسلام لم يعتد على أحد، ولم يسلب مال احد، ولم يسفك دماء أحد، ولم يسب النساء والغلمان، فكيف يتفق هذا مع واقع القرآن والسيرة؟ وهما زاخرين بمثل هذه الجرائم الخطيرة في حق البشرية لا شيء سوى لمخالفتهم في الدين، وهل هذا سبب كاف لسفك دمائهم ونهب بيوتهم وأراضيهم وسبي نسائهم؟

كلا, هذا اختصار مخل وغير منطقي ولا موضوعي ولا محترَم أن ترجع كل القتال لكونهم غير مسلمين فقط! لا القرآن ولا السيرة ولا التاريخ يؤيد هذا الاختصار المخل, خصوصا وأنت تقرأ الآيات الكثيرة التي تؤكد على عدم الإكراه في الدين, كيف تقول أن القرآن يقول هذا رغم كثرة الآيات التي تصرح بأن الإسلام من عدمه شأن شخصي؟! وأن العقاب على رفض الإسلام في الآخرة وليس في الدنيا.

هذا الكاتب المنصف لم يذكر ولا شيء عما ما فعله هؤلاء الذين قاتلهم الرسول دفاعا عن النفس, وكأنهم لم يفعلوا أي شيء مسالمين آمنين في بيوتهم فقط أنهم لم يسلموا! هذا ما يحب أن يتصوره! هذا ضحك على العقول والذقون, وأعتقد أن الوعي العام قد ارتفع عن هذا المستوى من الدعاية الفجة. اقرأ فقط ما فعلت قريش وكيف عذبت المسلمين الأوائل ومنهم من مات تحت السياط وكيف طردوا المسلمين ونهبوا ممتلكاتهم وتآمروا على قتل الرسول وهربوا لاجئين إلى المدينة ليجدوا عداء اليهود بالمرصاد, وهذا باختصار, بعد أن اتحد اليهود وكفار العرب على محاربة الدين الجديد كل له أهدافه الخاصة به, لكن عدوهم مشترك.

 لقد بدأ الإسلام دعوته سلمياً، ولم يكن سلاماً نابعاً من قوة، بل كان سلاماً ظاهرياً تمليه عليه حالة الضعف والوهن الذي كان عليه قبل اتجاهه للقوة والإعداد للحرب القتالي، وهذا أسلوب بشري صرف وليس له أدنى صلة بأساليب وتدابير الله الذي ليس من مشيئته قهر الشعوب بل إقناعهم ، والاقناع لا يتم بالسيف بل بالكلمة ء وقد حاول الإسلام التشبه بالرسالات السماوية فبدأ بالكلمة،، لكنه لم يأت بتعاليم جديدة تجذب الناس إليه ء وظل لمدة تزيد عن عشر سنوات دون أن يحقق أي نجاح في انتشار دعوته بين الناس ء ولولا حماية عمه أبو طالب وزوجته خديجة ما كان النبي صاحب هذه الدعوة استطاع البقاء طوال هذه السنين، وهي عوامل بشرية لا تمت للتأييد بالأمر الإلهي

لاحظ عبارة الكاتب :" ولولا حماية عمه أبو طالب وزوجته خديجة ما كان النبي صاحب هذه الدعوة استطاع البقاء طوال هذه السنين" هذا الكلام يفضح وجهة نظر الكاتب السابقة بأن حروب الإسلام كانت اعتداء على آمنين لم يسيئوا للمسلمين بشيء فقط لأنهم غير مسلمين, فغالط نفسه وفضح نفسه! هاهو يثبت أن الرسول كان يراد أن يُستأصل هو  وأصحابه رغم اعترافه بسلميتهم في تلك الفترة! إذن من المعتدي على الآخر؟! ومن الكذاب الآن؟ لاحظ هذه الكذبة انكشفت بعد أن وصف الكاتب الإسلام بالكذب! فوقع به هو! فسبحان الله هذا شيء عجيب, (هي الحنيفة عين الله تكلؤها *** فكلما حاولوا تشويهها شاهوا).

لاحظ من تلاعب الكاتب بالعبارات أنه مرة يتكلم عن القرآن ومرة يتكلم عن الإسلام, ويختار كلمة إسلام إذا أراد أن يجر كل غلطات التاريخ ليلصقها في القرآن, ويتكلم عن القرآن إذا وجد آية يجتزئها تناسب طرحه, وهذه اللعبة التبادلية بين الإسلام والقرآن لا تنم عن موضوعية فالمسلمون بشر, والقرآن كلام الله, وكلام الله لا يُحشر معه كلام البشر أو فعل البشر, بل يُدرس لوحده, هذه هي الموضوعية, ويُدرس تاريخ البشر لوحده. وما لم يجد الكاتب في كلام الله يجده من البشر ليجعل الشيئين مختلطين وكأنهما شيء واحد, فمرة يفصل ومرة يدمج تبعا للعبة الضحك على العقول.

البداية السلمية لا يعني أن الأمور سوف تستمر سلمية, لأن كل تصعيد يحتاج إلى ردة فعل والأمور على بداياتها, فالإسلام بدأ سمليا كما يقول الكاتب إذن هذا هو تشريعه فالأمور على منطلقاتها, فالرسول لم يهاجر إلى المدينة ليجمع جيشا ويقاتل مكة وهي لم تفعل له شيء, أهل مكة اضطروه للهجرة, لو كان فعل هذا لحق للكاتب الذي يعترف بأنهم تآمروا على قتله مع أنه سلمي, إذن هذا هو الإسلام إذا لم يحارَب مثلما بدأ بمكة:سلمي إلا إذا اعتُدي عليه, (إذا لم تكن إلا الأسنة مركب ** فما حيلة المضطر إلا ركوبها), والله يقول: {كتب عليكم اقتال وهو كره لكم}, وفي كل العالم تبدأ الاعتراضات والمظاهرات سلمية لكن ليس على كل حال تنتهي سلمية, فهل تقول أن كل الثوار في العالم وعبر التاريخ خائنون لمبادئهم؟ هذا غير منطقي ولا أخلاقي لأن هناك شيء اسمه دفاع عن النفس الذي يقتضي المواجهة. والكاتب أثبت أن حياة الرسول كانت في خطر من القرشيين هو وأصحابه مع أنهم سلميين كما أثُبت هو! إذا كنت أنت تريد السلمية فهذا لا يعني أن خصمك يريدها مثلك وقريش والكفار لم يبدؤوا سلميا كما بدأ المسلمون, و حق الرد في الوقت المناسب محفوظ لكل من يُعتدى عليه وهذا في القانون الدولي, فليس منطقيا أن يحارب الرسول قريش ببضعة أشخاص معه, فالحرب لها أصولها تحتاج إلى العِدد والرجال.

والرسول في مكة والقرآن معه لم يقل أدر خدك الأيسر لمن صفعك على خدك الأيمن بل قال اصبروا حتى يأتي الله بفرج من عنده, لو كانت مبادئ الإسلام المكي مثل مبادئ المسيحية لحق لك أن تقول أنه بدل مواقفه حين صار قويا, لكن أن يرد في الوقت المناسب فهذا من الحكمة لأن الله لا يأمر بالتهلكة, ولم يكن القرآن المكي يداهن عبدة الأصنام, بل كان ضدهم على طول ودون محاباة أي أن العداوة موجودة قبل الأمر بحمل السلاح, لو كان يمدحهم ويداهنهم لحق لك أن تقول أنه بدل رأيه, لكن القرآن كان ينزل عليهم كالمطارق رغم ضعف المسلمين, والذي يقول لهم القرآن هو محمد وأصحابه الضعفاء, وقول الحق هو الذي جر عليهم عداوة الأشراس المتكبرين الماديين. القرآن المدني لم يغير مبادئ القرآن المكي, وكما سماهم في مكة كفارا سماهم في المدينة كفارا وتوعدهم بعذاب الآخرة, ونهى القرآن المدني عن الاعتداء وأمر بالجنوح إلى السلم واستنكر إلزام الناس بالدين, {أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون} لكنه أمر لنبيه أن يقاتل المتآمرين عليه وعلى أصحابه بعد أن صار لهم منعة في المدينة, قال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلِموا} فأذن للذين يقاتَلون أن يقاتلوا لأنهم مظلومون, وهذه الآية تبين لك مبدأ القتال في الإسلام وهو دفع الظلم المتعلق بالحياة وحق البقاء, والآية تبين أن المسلمين كانوا يقاتَلون من قبل كارهي الإسلام قبل أن يؤذَن لهم بالدفاع عن أنفسهم, لم يؤذَن لهم إلا بعد أن تبين للجميع أنهم ظُلموا وأخرجوا من ديارهم بلا ذنب حتى أنهم فروا بدينهم إلى الحبشة تاركين أهلهم وأولادهم وأملاكهم فقط لأنهم قالوا لا إله إلا الله, { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ}.

والمغالطة الأخرى التي ساقها الكاتب أنه صور أن إسلام الدعوة لم ينجح مما اضطر محمد أن يصطنع الجيوش ليلزم الناس بدين, وهي فرية غير موفقة كسابقاتها, فكيف تأتي الجيوش ما دامت دعوته فاشلة؟!! أليست الجيوش أفراد يحتاجون إلى اقناع بالدين الجديد؟! أم أنه حمل سيفه هو تحت الشجرة بعد أن حاصر مجموعة من حجاج يثرب وأكرههم على دينه وإلا قتلهم!! لماذا تذمرت قريش وضجرت وتآمرت على إخراج الرسول مادامت دعوته فاشلة ولا يريدها أحد؟ ثم الوفود التي جاءت إلى الرسول تبايعه من أصقاع الجزيرة العربية هل كانت مكرهه بالقوة رغم أنهم لم يأت إليهم جيوش؟ وأهل اليمن الذين تقبلوا الإٍسلام من أنفسهم وبلا فتوح هل كانوا مجبرين؟ وأهل مصر وشمال أفريقيا الذين تقبلوا الإسلام وغيروا لغتهم إلى العربية هل كانوا مجبرين على تغيير اللغة بالسيف أيضا؟! لماذا لم يغير الفرس لغتهم مع أن أرضهم مفتوحة؟ و أقباط مصر لماذا لم يجبروا بالسيف على الإسلام أليس يجبر الناس بالسيف؟! وهم ناس؟! وثلثي المسلمين الآن كلهم أسلموا ولم تُفتح ديارهم يوم من الأيام وما زال الإسلام ينتشر حتى اللحظة حتى في أمريكا وأوروبا التي تعاني من الإسلاموفوبيا, هل السيف وراء لك؟ أي سيف هذا؟! هل رأيت أن هذه فرية ضعيفة جدا لا يتطابق معها لا الواقع ولا التاريخ ولا تصلح للإعادة مرة أخرى. متى فتحت أندونيسيا وماليزيا وبقيادة من؟ ودول غرب أفريقيا ومسلمي أمريكا والصين والفلبين وغيرها وغيرها. هذا الكاتب مثل من يريد أن يحارب الشمس بغربال في يده, خيوطه أضعف من خيوط العنكبوت.


 كل الموضوع صحيح لو أنه بدل المواقع وتكلم عن المسلمين بدلا من اليهود أو المشركين لأنهم فعلا هم الذين قوتلوا وهم سلميون وتعرضوا لاضطهاد ديني وتآمر شرس, فكان من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم, هذه السلمية أثبتها الكاتب من حيث لا يقصد! وبالتالي رد على نفسه بنفسه. الذي وقع فيه الكاتب هو من تقليب الأمور الذي أشار إليه القرآن فالرسول وأصحابه هم الذين أوذوا وقوتلوا بلا ذنب رغم سلميتهم فلما دافعوا عن أنفسهم صاروا قتلة ومجرمين في نظر الكاتب وأمثاله من المنصفين جدا! 

الثلاثاء، 11 مارس 2014

العلاقة بين المادي والمعنوي واستحالة كسر الحواجز البرزخية بينهما



من يطلب دليل علمي مادي لقضية معنوية كالإيمان أو الحب فهذا لا يعرف طبيعة العلم. لا يُطلب الدليل المادي إلا لقضية مادية, على المادة نفسها أو تصرف بشري متعلق بالمادة, ففي قضية: من السارق؟ تحتاج أدلة مادية لأن العمل مرتبط بمادي والمادة ستكشفه, فأنت تجد المسروقات هذا دليل وتجد شهود هذا دليل آخر..إلخ, هذه أدلة ثبوتية قطعية, وأيضا ستجد أدلة مساندة كأن تكون حياته تغيرت وصار أغنى وأنه شوهد يتردد على المكان من قبل. وأي إدانة يجب أن تحمل أدلة أساسية وأدلة مساندة, حتى لو اعترف الشخص لكن بدون أدلة أساسية أو مساندة فيجب ألا نعترف باعترافه فقد يكون مدفوعا له لسبب أو لآخر, فيجب أن نفهم الحدث كله, فالاعتراف يجب أن يصدّق بالأدلة.

كما يقول العوام المتدينون عن الأشخاص المقدسين في أكثر الديانات كذلك يقول الملحدون عن العلم, فالديانات الخاطئة تعظم أشخاص وتراهم قادرين على الخوارق والتحكم بالطقس والتغيير بالمادة عن بعد, فالعوام المتدينون يدخلون المعنوي على المادي, والملحدون الماديون يدخلون المادي على المعنوي, وبينهما برزخ لا يبغيان, ومن يقع بهذا الوضع هو لم يفهم لا المعنوي ولا المادي, لأنه لو فهم المادي لما توقع أنه سيقتحم المعنوي, ولو فهم المعنوي لما توقع أنه سيقتحم المادي, فتلك كلها مفاهيم بشرية وكلها قائمة على الظن.

هناك فاصل بين المادي والمعنوي, فالمادي والمعنوي يعيشان مع بعضهما ولا يختلطان ببعض إلا بإرادة الإله, ولا يستطيعان الثبات على الارتباط مما يدل أن هذه الثنائية لم تربط نفسها, فرغم حرص الأحياء على الحياة إلا أنها تفارقها مجبرة:
الموت آت والنفوس نفائس *** و المستعز بما لديه الأحمق. (المتنبي).
فلو أن الحياة تخرج بنفسها من المادة أو أن المعنوي نفسه يُخرج مادة, أو على الأقل لو أن المادي يستطيع أن يلامس ويتحكم بالمعنوي أو أن المعنوي يستطيع أن يلامس المادي ليتحكم به لجاز كلام الفئتين (الملحدين وبعض المؤمنين), وبما أن هذه المعبودات من بشر أو حيوان أحياء أو أموات أو جماد مفروض عليها كينونة معينة: إما مادية فقط مثل الأوثان أو القبور, أو معنوية فقط مثل أرواح الموتى, أو كينونة مادية-معنوية مثل الأحياء, فكلها لا تستطيع أن تتحكم بكينونتها, إذن كيف يُطلب منها أن تتحكم في كينونة غيرها؟ وبما أنه لم يحدث أبدا أن خرج شيء من المخلوقات عن كينونته وتدخّل بكينونة أخرى إذن فالجميع مخلوقون بدون إرادتهم؛ لأنه لا توجد ولا كينونة وُجِدت بإرادتها, إذن فالأشياء والأحياء كلها مخلوقة وملزَمة بكينونة معينة, و لا يوجد من يستطيع أن يغير كينونة غيره بدليل أنه لا يستطيع أن يغير كينونته هو, فمن الذي استطاع أن يغير كينونته حتى نتوقع أن يغير كينونة غيره؟  

هناك من يستطيع أن يتحكم بالكينونات بدليل التحويل من كينونة مادية-معنوية إلى كينونة مادية فقط بالموت, والتحويل من كينونة مادية إلى مادية-معنوية بالولادة, وهذا ينفي كل الخرافات وكل الديانات البشرية المنحرفة بما فيها الديانة الإلحادية المتلبسة بالعلم التي تظن أن المادة تستطيع أن تتحكم بالمعنوي وتطمح إلى تحويل المعنوي إلى مادي أي إلى كسر البرزخ وتغيير الكينونات. هذا يقود منطقيا إلى وجود خالق ليس موجود على الأرض, ففلسفيا هذا الخالق ليس على الأرض بل في السماء, قال تعالى: {أأمنتم من في السماء}, لأنه لو كان موجود في الأرض لكان محكوما بإحدى الكينونات, وسيطالَب بالتحرر من كينونته أو التأثير في الكينونات الأخرى, لكن الواقع أنه لا المادي يستطيع أن يتصرف بالمعنوي ولا المعنوي يستطيع التصرف بالمادي وكل له قوانين متعاكسة مع الآخر, وهذا ينفي فكرة التطور, وهذا يدل على وجود إله هو الذي جمع بينهما والله هو الوحيد القادر على كسر البرزخ بينهما, بحيث يجعل المادي معنوي كأن تتكلم الأيدي والأرجل أو ينطق الصخر والجذع, وجعل المعنوي مادي كما في جسم الإنسان تلابسه الروح وتتصور أن المادة هي التي تتكلم, لكن إذا خرجت الروح عادت المادة إلى طبيعتها الجامدة, مع أن التكوين المادي وهو حي هو نفس التكوين وهو ميت.

وجود هذا البرزخ بين المادي والمعنوي وعدم وجود التداخل بينهما يدل أن الجميع محكوم المعنوي و المادي ولا يمكن التداخل بينهما, واللباس المادي لحياة معنوية يدل على الخلق, أي أن هناك قدرة تستطيع أن تدمج بينهما, لكن الجميع ضعيف: المادي والمعنوي, وهذه القوة هي القادرة على الفصل بينهما, ومادامت قادرة على دمج المعنوي بالمادي كما في الإنسان والنبات والحيوان هذا يعني أنها قادرة على أن تدمجهما في شيء آخر, لأن هذه القدرة الإلهية تجمع المادي والمعنوي وتفككهما ولا أحد يقدر أن يفعل شيء, فكل يوم حالات الولادة وحالات الوفاة, حالات دمج وحالات فك.

وهذا يبطل فكرة أن السحر يؤثر بالماديات وفكرة تحريك الأشياء عن بعد أو ما يسمى بالحاسة السادسة, فهذا لا يمكن لأن لو صار لأصبح الساحر قادرا على الخلق لأنه يستطيع أن يتحكم بالكينونات, لكن السحر يؤثر معنويا فقط لكنه لا يغير بالمادة حتى أن السحرة جعلوا موسى يرى الحبال كأنها حيات لكن هذا تخييل وليس حقيقة, مثل خداع البصر, مثلما وأنت خائف ترى الشجرة وهي تتحرك وكأنها شبح, فلو كان الساحر يستطيع أن يحول قطعة إسفنجة مثلا إلى كمنجة حقيقية بالسحر وليس بالصناعة إذن سنصدق أنه يستطيع أن يخلق.

لا يستطيع أحد أن يبني روابط جديدة بين مادي ومعنوي أي ينشئ حياة, ولا يستطيع أحد أن يثبّت حياة, وهذا يدل على وجود إله هو الذي يحيي ويميت.

أي إشكال فلسفي يحله الفصل بين المادي والمعنوي(قانون), فمشاكل العقل البشري هي دائما الخلط بين المادي والمعنوي, فالمعرفة يسمونها معرفة دون الفصل بين المادي والمعنوي, والإنسان يقولون إنسان دون الفصل بين المادي والمعنوي فيه, و دوافع البشر لم يفصلوا فيها بين الدوافع المادية والمعنوية, وكل الفلسفات تفسر دوافع الإنسان إما مادية فقط مثل الشيوعية أو معنوية فقط كبعض الأديان والتصوف, والماديون يتصورون أن العلم سيفهم حتى المعنوي, والمعنويون يتصورون أنهم يستطيعون التأثير حتى بالمادة كغلاة المتصوفة, لكن لا تتم المعرفة الحقيقية إلا بالفصل بين هذين الإثنين.
  
الكينونات (الكينونة المادية والكينونة المعنوية) لا تتداخل ولا يؤثر بعضها في بعض (قانون). إذن لا يستطيع أحد أن يؤثر معنويا بالمادي إلا الله لأنه يقول للشيء كن فيكون, فالله ليس ملزما بأن يأتي بمادة لكي تؤثر بالمادة كما يفعل البشر, فحتى تقطع الشجرة لا بد من فأس وقوة ضاربة, حسب قوانيننا لا يؤثر بالمادة إلا المادة لكن الله يقول كن فيكون, والمعنوي لا يغيره إلا المعنوي لا يغيره المادي, إذن السعادة والاطمئنان لا يأتي بهما المال, ولو استطاع أحد أن يتحكم بالكينونات لكان شريكا لله. وإذا أقررنا بوجود أحد يستطيع التحكم بالكينونات فكأننا نقر بشريك لله سواء كان ساحر أو قديس أو شيخ طريقة .. إلخ, وهذا القانون ينفي الكثير من الاعتقادات الشرقية كقدرة الإنسان على المشي على الماء وتحريك المواد عن بعد, وينفي فكرة الكرامات أيضا, فإذا كان الرسول نفسه لم يكن له معجزات فلماذا واحد من أتباعه يكون له كرامات معجزة؟ فالناس في اختبار وبما فيهم هذا الذي لديه كرامة, والاختبار هو إيمان بالغيب وهذا رآه شهادة, فكيف سيكون في اختبار هو ومن رآها معه؟

كسر الحواجز البرزخية بين الكينونات نجد أنها لم تكن إلا في حالة طلب المعجزات, وإلا ليس لها حاجة لأن الكون منظم على قوانين فإذا كانت هذه القوانين تُختَرق في كل مكان هذا يفتح المجال لتكون ديانات غير عبادة الله بناء على الخوارق, والله لا يريد أن يضل الناس, ولو كان يريد الله أن يضلهم لجعل للشيطان خوارق, والشيطان ليس له خوارق وإلا لعبده أكثر الناس, فليس لديه إلا الوسوسة, و أستغرب ألا يكون للشيطان خوارق بينما المسيح الدجال له خوارق كإحياء الموتى والجنة والنار كما يُذكر. و الكرامات تفتح الباب للدجالين والكذابين وبالتالي تقديس أشخاص معينين مما يبعدهم عن عبادة الله ويقربهم للشرك, وما كان الله ليجعل هذا الشيء ليضل الناس خصوصا وأنه لم نرى ولا كرامة رآها أحد بشكل مشهود وعلمي وإلا لكانت ظاهرة غريبة, وكيف يضع الله قوانين وسنن كونية للدنيا ومن ثم يكسرها؟ قال تعالى: {ولا تجد لسنة الله تبديلا}.   

من المفترض أن يكون الدين الجزء الغيبي الوحيد فيه هو الإيمان بالله وما يتعلق به مما قال, لأن الاكتفاء بهذا الجزء ستؤيده كل الأدلة المادية والمعنوية أي يؤيده العقل والإحساس, والخرافات التي تدخل بالأديان هي تركب كطفيليات على هذا الأساس الذي يؤمن به الناس.

الإلحاد لا يصنع مثقف ولا يصنع مفكر , لأن ليس له قضية حقيقية غير الإباحية فقط, أما الدين فيدفع للعلم ويعطي دافعا للتعلم, فالدين يأمر بالمعروف فعليك أن تعرف المعروف ويأمر بالحق فعليك أن تبحث عن الحق ويأمر بالأخلاق فعليك أن تبحث عن الأخلاق ويأمر بالصبر فعليك أن تبتكر أساليب ووسائل للتكيف والتحمل, ويأمر بالعلم فعليك أن تبحث عن المعرفة, لهذا قال سقراط أن الفضيلة هي المعرفة, وتصحيحا لكلام سقراط فالفضيلة ليست هي المعرفة لكنها تحتاج معرفة؛ لأنه إذا عرفت أن الشيء سيء ستبتعد عنه وإذا عرفت أنه حسن ستعمله, فالفضيلة اختيار والمعرفة تأتي بعد الاختيار.

كثير من الناس يشعرون بالرغبة بالتصديق بالخوارق, وهذا لا يدل على أنه حاجة عند الإنسان بقدر ما يدل على سطحية عقولهم, مثل من يعتبرون الأحلام والمنامات دليلا على رضا الله عن شخص ما مثلا, وهذا دلالة على ضعف الإيمان, فهؤلاء كأنهم يطلبون أدلة على الغيب و هذا لا يدل على فهم لقضية الاختبار, إذا اعتبرنا الرؤيا هذه من الله فكأن علم الغيب الآن تدخل وقال كلمته وكأنه كشف الغطاء الغيبي, مع أن الله أخبر أنه لن ينكشف إلا بقيام الساعة, وهذه الأحلام لا تعني صلاحا للشخص, فالأحلام تبقى في إطار الغيب ولا يُقطَع بها فربما تكون إشارة لكنها ليست قطعية, فعالم الأحلام ليس عالم يقيني فمهما رأيت فهو يظل في إطار الغيب وإلا ستنكسر فكرة الاختبار, أما موضوع الأنبياء فموضوعهم مختلف لأن رؤيا الأنبياء حق.

عقل الإنسان لا يتحكم بالمادة فلا يستطيع أن يقول لدمه أن يتوقف, فأنت لا تستطيع أن تتحكم بجسمك المادي معنويا بالكامل ولا تستطيع أن تستعيد جزء من جسمك فقد الحياة إلى الحياة مرة أخرى, هذا يدل أن المادي والمعنوي مندمجان معا بقوة مسخرة مع أن قوانينها متعاكسة, وليس أحدهما خلق الآخر, وإلا لطبعه بقوانينه ولم يجعله بقوانين مضادة له مما ينفي تطور الحياة من المادة أو المادة من الحياة ويسقط نظرية النشوء والارتقاء منطقيا, لأنه لا يوجد أحد يستطيع أن يوجد حياة في المادة لم توجد فيها من قبل, فأنت لا تريد أن تتعب لكن جسمك يتعب ولا تريد أن تشيخ لكن جسمك يشيخ وتريد أن تكون طويلا لكن جسمك يرفض, فهما ليسا متصالحان مع بعضهما بل متنافران بدليل أنه لا يوجد أحد معجب بجسمه تمام الإعجاب ولم يختره ولا أحد معجب بقدراته, لو كانت الروح متطورة عن الجسم لكانت راضية عن ذلك الجسم, فلا يوجد أمل أن يتغير هذا الجسم مع أن المعنوي غير راض عنه, لو كان هناك أمل بالتغير لصار التطور, فإنسان شعره أسود لكنه يريد أن يكون أشقر لكنه لا يستطيع وليس هناك أمل أن يتغير (إلا بصبغة كيماوية), إنسان جسمه قصير ويريد أن يجعله طويل لكنه لا يستطيع, إذن جسمك مسخر لك في حدود التسخير ولو كان ملكك لتحكمت به دائما, ولو كنت ملكه لتحكم بك دائما وجعلك تعجب بالجسم القصير, فالجسم والروح مجتمعان ولا أحد منهما يتحكم بالآخر, إذن تحكمك في جسمك ليس كامل وفي حدود التسخير واستمراره معك ليس بيدك, وإذا تحلل الجسم بموجب القوانين سيتركك, فسخره الذي سخر الشمس والقمر وسخر الرياح والسحاب لكي تعد لك الطعام والمأوى والنور وهذا ما لم يوجد في الكواكب التي عرفها الإنسان, فإذا كان الجسم جسمك فلماذا لا تتحكم به كاملا كما تريد؟ فمطالبك لجسمك شيء و ما ينفذ منها شيء آخر تتحكم به قوانين المادة, فمطالبك معنوية و التنفيذات مادية, كأن تريد أن تقفز للسقف لكن قوانين جسمك المادية ترفض وتريد أن تطير لكن قوانين المادة الموجودة في جسمك ترفض, إذن أنت لا تتحكم في جسمك كما ترغب, هو مادة مسخرة لك لمدة معينة و بصفة معينة, وكما جاءت هذه السخرة بنفسها بدون طلبك تذهب بنفسها دون رغبتك.  

حتى جسمك لأنه مادة هو يتعامل مع المادة الخارجية والأحياء الأخرى حتى البكتيريا تسكن فيه والأشعة تخترقه والفيروسات تستغله دون استئذان منك لأنها تدخل بموجب قوانين المادة, أشياء تدخل لجسمك وتخرج وأنت لا تدري, لو كانت الروح هي المادة لعرفت ما يدخل وما يخرج إلى جسمك, وإذا أحسست بالمرض تذهب للطبيب المزود بأدوات مادية وهو خبير مادي, وهو أعرف منك بجسمك, و إذا كان جسمك هو أنت فإذن الطبيب أعرف منك بك و هذه النتيجة لا يقرها المعنوي في داخلنا, إذا أقررت أن الطبيب أعلم منك بك فأنت تقر أيضا بأنك أعلم الناس بك, فكيف تكون أعلم الناس بنفسك وأجهل الناس بنفسك في نفس الوقت؟ هذا يدل على طبيعتين مادية ومعنوية.  وهذا يثبت أن الروح لم تتطور من المادة و أن المادة لم تتطور من الروح.


الماديون الغربيون يتصورون أن الأخلاق والعقل والحياة نتاج من الدماغ لحماية الجسم في سبيل التطور والثقافة, لأن الحياة ناشئة من الجسم كما يقولون, فهي نتاج مادي لكن الماديين لم يستطيعوا أن يكتشفوها, لكن الحقيقة أن هناك قطيعة بين الروح والجسم, والملحدين دائما يحاولون أن يثبتوا أن الجسم ناقص أي أنهم ليسوا راضين عن أجسامهم بسبب مثالية الشعور, والعقل والمعنويات والأخلاق ليست دائما في صالح الجسم, بل إن مبدأ من المبادئ المعنوية قد يكون في غير صالح الجسم ويضحي به, والأخلاق دائما ضد المصالح بما فيها مصلحة الجسم : "إذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام", لماذا هذه النفوس تتعب أجسامها ولا تبحث عن راحتها؟ وإذا كانت ناتجة من الجسم لماذا الإنسان لديه رأيين متضادين دائما؟ ولماذا لا يكون أكثر من رأيين؟ فإذا كانت الأفكار هي في صالح الجسم فلماذا لا تحس بالجسم؟ ولماذا لا تكون ملزمة كبقية تصرفات الجسم؟ فالجسم لا يقدم خيارين ولا يقدم إلا خيارا واحدا إما حياة أو موت, مرض أو صحة, برد أو حر , جوع أو شبع, فقراراته ملزمة, فالجسم لا يقول لك اختر أكون جائع أم شبعان؟ لكن هذه الأفكار تقول لك اختر تفعل الخير أو الشر, فإذن هي ليست من طبيعة الجسم فكيف تكون ناتجة منه؟ ولماذا يرهق الإنسان جسمه ويتعبه وربما عرضه للتلف والضرر فكيف ينتج من الجسم ما يضر الجسم؟ فليس من عادة الجسم أن يفعل شيئا يضره, إلا أن تكون ردود أفعال الغرض منها أساسا مصلحة الجسم كالحساسية والربو, وكيف يطور الجسم عدوه؟  فهل يتطور الإنسان بحيث يضر نفسه؟ بينما الأغبياء يخدمون أجسامهم أكثر من الأذكياء والحيوانات تخدم أجسامها أكثر, وما احتاجت الحيوانات لتطور ذكاء وعقلا لتخدم أجسامها, "ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله *** وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم", إذن لماذا العقل والإحساس عند الإنسان؟ الحيوانات يكفيها وضعها لتكريس حياتها خدمة لأجسامها ولا يظهر عليها نقص في خدمة أجسامها, وهذا يثبت عدم منطقية فكرة أن الجسم المادي هو الذي طور الجانب المعنوي بما فيه العقل, بدليل أن الطفل والمعتوه يهتمون بأجسامهم من أكل ونوم وإخراج إلخ.., ولا يقدمون شيئا على غرائزهم الجسمية, بينما العاقل يقمع غرائزه الجسمية, إذن هل الجسم طور عقلا يعاديه؟ ويقف في وجه غرائزه؟ هذا كلام ينفي فكرة التطور ويثبت ثنائية الجسد والروح.