الأربعاء، 4 يناير 2017

الشعور بالجمال والشعور بالجلال

الشعور بالجمال والشعور بالجلال من خصائص الشعور و من الطرق المؤدية لله ، وليس لها مرحلة عمرية تبدأ منها. فالطفل منذ صغره يشعر بحاجة للدين، وبعضهم يظهر عليه من خلال اسئلته ذلك، ما الذي حرّكه لهذا ؟ هل هو الخوف ؟ هو لم يدرك المخاطر والخوف من الله بعد، ولا زال طفلا صغيرا يلعب. حتى جمال الخلقة يدركه الصغار بسهولة، كذلك جمال الطبيعة وجمال الأشكال والألوان. الطفل يشعر بالراحة والجمال في الإيمان، على درجات، وهذا يدل على أن دوافع الإيمان غريزية في الدوائر العليا لشعور الإنسان. والكل يخاف من الموت، لكن في حالة السمو في الدوائر العليا ومعرفة الله أكثر يتراجع الخوف من الموت، وهذا يدل على ثنائية الغرائز في الإنسان، فبعضها أرضي يشترك مع الحيوان كالغذاء والتكاثر والأمن والغرائز المعروفة، وبعضها سماوي مثل الاخلاق والمحبة. والجمال والفضيلة والجلال هي علامات على طريق الله يعرفها الشعور الإنساني حتى لو كان صغيرا، قال تعالى (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) . هذه هي علامات الهداية الفطرية إلى الله مصدر الجمال والجلال.

الإنسان بغرائزه الدنيا أساسه الخوف، وبغرائزه العليا أساسه المحبة. الله يقول (قم فأنذر) أي الله يستخدم التخويف، وهذه للعموم، ولكن عند الهداية يستخدم آيات التفكر في الكون، أي لا هداية إلا من خلال التفكر في آيات الكون، لكن التخويف من الله للعموم، للصناعي والطبيعي، لأنها رسالة و أمانة لا بد أن تصل للجميع، والجميع يشترك في معرفة الدوافع الدنيا، لكن ليس الجميع يدرك او يحترم الدوافع العليا. فالذي يحب الله ينفع معه التخويف، والذي لا يلقي بالا للموضوع ينفع بالتخويف أيضا، والله يذكّر بالأمم السابقة التي لم تستجب وكيف عوقبت، لكن الأنبياء والصالحين ومن هداهم الله، هؤلاء جاءوا بالمحبة إلى الله، قال تعالى : (إن الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) ، وقال (اجتباه ربه) أي ملأ قلبه محبة لله، مثلما اجتبى يوسف ومريم وإبراهيم خليل الرحمن أي حبيبه، بالمحبة، لا يوجد إيمان قوي جارف إلا بالمحبة.

الأنبياء مأخوذون بالمحبة لله والخوف من غضبه وسخطه عليهم من أجل هذه المحبة، فالإيمان أساسه المحبة والخوف على هذه المحبة، لأن المحبة غير العقل ، المحبة لا تسكن ولا تلين، بينما التخويف العقلي قد لا يستمر، وقد يفعل عكس دوافع الخوف، وما أكثر ذلك سواء في الدين أو مجال الصحة وغيره، فالشعور لا يحب الخوف ويمل منه، ولا شك أن الانسان سيقع في بعض الاخطاء، فيستغل الشيطان ذلك فيقول له انت فشلت فأكمل باقي الذنوب و أتي بها. لهذا الله يقول (يدعوننا رغبا و رهبا)، أي رغبة بالله ومحبة به وما عنده، ورهبة وخوفا من زوال هذا الحب ومن عذاب الله وغضبه.

بقي نوح في قومه ألف سنة لا موضوع لديه إلا موضوع الإيمان والدعوة إلى الله، لا يكل ولا يمل، وقال (يا رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا). ولماذا النبي محمد يعتزل في الغار ؟ لأنه يريد أن يعيش جوا روحانيا مع الله. دائما الإنسان يريد أن يحب شيئا أكبر منه، وحتى الملاحدة أنفسهم لم يتخلصوا من مشاعر المحبة والإجلال، لكن لمن ..