العقل الملحد يستطيع أن يتقبل مثل أن الحوت
كان أصله ثوراً قفز الى البحر ، أو انه يمكن للجسيم ان يكون في مكانين في اللحظة
ذاتها، أو انه يمكن السفر عبر الزمن الى الماضي او الى المستقبل، لأن كل شيء جائز
أن يكون، لأن الأساس عبارة عن فوضى وصدف، وهكذا يفعل الإلحاد بالعقل، يجعله يصدق
أن ما لا يمكن أن يكون قد يكون، وما لا يعقل قد يُعقل، لأنه مبني على أن الحياة
فوضى ووجود الكون فوضى، لهذا من السهل اختراق العقل الملحد، بل واستغلاله
وابتزازه. وهكذا نرى أن الإيمان الحقيقي عاصمٌ من الجنون، على عكس ما يقوله
الملاحدة أن الايمان فايروس العقل، الحقيقة أنه هو الذي يحفظ للعقل محدداته، وإلا
لصار ينفتح مع كل جهة، وإذا قبلَ ما لا يمكن أن يكون أن يكون، فما فائدة العقل؟
لكن بالمال تستطيع أن تقول ما تشاء ويُسمع
كلامك. لو أحد قال أن السمكة أصلها فيل لصار ضحكة للناس، لكن هم يقولون ما يشاءون
للناس ويسمى علما. ماذا لو قال احد ان العجل أصله حوت؟ وهذه اقرب للمنطق اكثر، أيضا
سيضحكون منه، لأنه قالها هو ولم يقلها هم. إلى أي حد تحتاج لأن تضغط على عقلك
لتصدق وتبتلع مثل هذا التخريف الذي يتعارض معه كل شيء؟
في عالم الإلحاد لا يوجد مانع من أي شيء،
وإذا لم يوجد مانع يعني أنه لا وجود للعقل، لأن العقل هو الذي يمنع ما لا يمكن.
لهذا تنتشر الإشاعات بإسم العلم ويصدقها من لم يجعلوا للإيمان تأثيرا على عقولهم،
فكم مرة يخوّفون الناس من كوكب أو نيزك سوف يضرب الأرض، ويخوّفونهم بأمراض خطيرة
ستظهر فجأة وتقضي على مئات الملايين فجأة، ويخوّفونهم ان الحشرات والمفصليات سوف
تكثر فجأة وتضغط على العالم والأرض. وبعضهم يذهب إلى تخريفات بإسم العلم لا يحدها
حد، مثل إمكانية نقل الانسان في لحظة عن طريق الاشعة الكهرومغناطيسية، وإمكان
إخفاء سفينة في البحر فلا تجد الا حفرة في الماء، وتعطيل الآلات عن بعد، والتي
صدقها الملايين للأسف،
كذلك مثل تغيير الشخصيات وغسل الدماغ وإعادة
الشباب وإعادة الحياة حتى بل وخلق الحياة ونزوح القارات والانفجار الكبير وغيرها
كثير، وصاروا يدفعون اثمان التذاكر لحجز رحلات ومخططات على المريخ والقمر، كل من
يصدق بهذه الأمور يصبح قابلا للاستغلال فيها، مثل ما صدقوا أحافير الديناصورات
الخرافية والخيالية، يصدق مثل هذه الخرافات والتخويفات من يكون عقله مفتوح – بشكل
سلبي وليس ايجابي - على أساس أن كل شيء يمكن أن يكون، وما المانع أن يمكن أن يكون
.. ففرق بين العقل المفتوح المنزلج والعقل المتفتح، هذا العقل المفتوح هو الذي
فُرّغ من محدداته، وهذا ما يطمحون إليه: تفريغ العقل من محدِّداته، وهو القابل
للتصديق بالخرافات، سواء كانت قديمة أو حديثة، وبالتالي يصبح الإنسان عاقلا وهو
مجنون، كما يقولون في المثل: (حدث العاقل بما لا يعقل، فإن صدقك فلا عقل له)، لكن
العقل المؤمن بالله المدبّر المسخّر لن يصدق إلا ما يُعقل.
لاحظ أنهم هم أنفسهم ينادون برمي العقل
والمنطق والاكتفاء بالعلم، أي بما نقول نحن، وأنت لا دريت ولا علمت، بحجة أن العلم
اكبر من العقل، والعكس هو الصحيح. وهذا هو طريق السحرة والدجالين، يقلّلون للناس
من شأن العقل. وهنا تبرز قيمة الإيمان بالله المدبر، لأنها تحافظ على العقل حتى لا
ينفتح العقل بالكامل فيصبح كالباب المنفتح من الداخل والخارج.
العقل الملحد يؤمن بالصراع فقط، العقل المؤمن
يؤمن بالتدبير والتسخير والتوازن، لذلك العقل الملحد من السهل خداعه، نيزك يريد أن
يضرب الارض بعد 3 اشهر من الآن، المؤمن يؤمن ان هناك نظاما في الفلك دقيقا وليس
تصادما وفوضى كما يؤمن الملحد، لذلك في مثل هذه الحالة يضحك المؤمن ويخاف الملحد.
الجراثيم سوف تكتسح الارض فجأة لأنها جراثيم شرسة تريد ان تقضي على الحياة، المؤمن
يدرك ان الجراثيم مخلوقة لأجل وظيفة، وهي التنظيف والتحليل للتالف، لذلك لا يصدق
هذه الأراجيف، لذلك عقله محفوظ، بينما عقل الملحد صار كالصفيح، فأي هزة أو ضربة
تجده يرن ويصيح، لأنه ليست لديه موانع منطقية، فكل شيء في عرفه جائز أن يكون، وهذا
من أوسع الأبواب التي صيرت عصرنا الحالي إلى عصر القلق، بسبب شدة التصديق وكثرة
الأراجيف التي تسمى بإسم العلم، كم مرة خوفونا من كوكب سيضرب الأرض ولم يضربها ولم
يعتذروا عن هذا التخويف؟ ألا يوجد ضحايا لمثل هذه الاراجيف؟ أم لا يهمهم الأمر؟
لماذا لا يُحاسَبون؟ هذا غير الخرافات الخيالية مثل اكتشاف كوكب من الألماس وكوكب
من الفضة، لم يتبق إلا كوكب من الجبن كأفلام ميكي ماوس.
العقل البشري يحتاج إلى معرفة ما يمكن أن
يكون وما لا يمكن ان يكون، وهكذا يسمى العقل عقلا، وإلا فسيبقى وسيلة استقبال
(ريسيفر) ، وما أكثر الدجالين والواهمين وما أوسع وسائل الاعلام والاتصالات في هذا
الزمن، وحينها سيكون الإنسان ضحية، ولهذا اصبح هذا العصر عصر القلق لكثرة ما يحمله
من الأراجيف والأكاذيب التي تصل الى كل انسان في كل مكان، لأجل هذه الأراجيف نحن
في عصر القلق.
كان الأقدمون أكثر سلامة من هذه الاراجيف بسبب
الانعزال، على الاقل يستقبلون أراجيف من حولهم فقط، أما الان فالناس يستقبلون
أراجيف كل العالم. ومما يدعو للأسف أن أكثرها تحمل التخويف، وقليل منها يحمل
التفاؤل حتى ولو كان كاذبا، هذا يترك آثاره السيئة على البشر، فالكل يخوّف من
مكانه وتخصصه، وكلما زادت ثقافة الإنسان زادت مخاوفه، وكلما زاد احتكاكه بالعلم
كلما زاد خوفه، والعالم كله يسمع، وليس بيده أي حل.