الأحد، 19 أبريل 2020

توضيح لمصطلح الفطرة

الفطرة تعني قوانين الخلق، فهي في الفيزياء والطبيعة تسمى قوانين، مثل الماء تزداد كثافته بالبرودة على عكس بقية المواد الأخرى على أنه يصنف من المادة، وفي الحيوان يقصد بها غرائز الحيوان، فعالم الحيوان ليس عالم فوضى، وليس عالم تعليم، بل ان البطة الصغيرة تفقس من البيضة وتنزل الى الماء وتسبح كأنها متعودة من مدة طويلة، ولا يمارس الحيوان الشذوذ الجنسي مثلا، وان كان هناك بعض الذكور من الحيوان يقفز على بعضها بدون ايلاج خصوصا الصغار فهو من باب اللعب والتدريب والا لوجد السحاق عند اناث الحيوان وهذا لا يوجد، الحيوان يعمل بموجب غرائز وظيفية تخدم التوازن العام مثلما يفعل قندس الماء، فتجده يبني سدودا مكلفة لكنه ينفع البيئة لأنه مسخر بإيصال الماء الى مناطق لم يصلها النهر، لأن النهر مع طول الوقت يحفر مجراه.
فالفطرة في الانسان ينبغي أن تسمى قوانين الشعور البشري وهو قوانين موجودة عند الكل بغض النظر عن كبير أو صغير أو ذكر أو انثى، مثل الاعجاب بالفضيلة حتى لو لم يمارسها الانسان أو مارس ضدها، كل شعور انسان يحترم الشجاعة والكرم والإيثار حتى لو مارس ضدها، وكل البشر يكرهون الروائح الكريهه ويحبون الروائح العطرية ويحبون الجمال بغض النظر عن وجهات النظر التفصيلية فيه، ومثل معضلة جدوى الوجود التي هي ظل لحاجته لعبودية الله، وهي من أكبر حوائج الشعور، لهذا ورد على لسان ابراهيم لفظة (الذي فطرني) وليس الذي خلقني، وعموما هي مصطلح، ولا مشاحّة في الأسماء، لكن هذا المصطلح (فطرة) كأنه يفرّق بين الخِلقة والسلوك، فكأن كلمة -فطر- تشير الى القوانين الثابته، وكلمة -خَلَقَ- تشير الى الإيجاد من عدمه، مثل قوله تعالى (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) أي هداه لسلوك فطري ينظم علاقته مع المخلوقات الأخرى، وقال تعالى (ألا له الخلق والأمر).
سلوك المادة كله فطرة، وكذلك النبات، أما سلوك الحيوان والانسان ليس شرطا أن كله فطرة، لكن لا يصح أن تنزع الفطرة منه لأنك وجدت مايخالف الفطرة، حتى مايخالف الفطرة تجد أن أساسه من الفطرة لكنه أخطأ في التقدير، سلوك الحيوان أكثره فطري والقليل منه مكتسب، الأسد يفترس لأن الخِلقة زودته بأنياب ومخالب للأفتراس، وافتراسه فطرة، ولو لم يفترس لمات جوعا، وافتراسه هذا يخدم التوازن البيئي وليس هناك أي فوضى في الأمر، وقد يقال أن الطفل قد يعبث ببرازه وهذا ليس فطريا وان كان دافعه فطريا، الفطرة أن يعاف هذه الرائحة وهذا عند كل البشر، الطفل عنده غريزة أخرى هي الرغبة في التعلم من خلال الملامسة ووضع الشيء بالفم، دعه يجرب وسوف يعافه، فتحرك بفطرة وردته فطرة أخرى، فالفطرة مسارات لكن العقل هو الذي يقيّم هذه المسارات، عقل الانسان كله نتيجة فطرة (الشعور)، الحديث يقول كل مولود يولد على الفطرة، وهذا مايؤيده الواقع ، لكنه ليس الفقه أو المذهب، إنما هي الحاجة الى موئل ومرجع ، وإذا قيل أن الطفل لن يصلي إذا ترك لوحده بدون تعليم، لكنه سوف يتسائل الاسئلة الكبرى، من أين جئت؟ ومن أوجدني؟ ...الخ، هذه هي اسئلة الشعور الوجودية التي تحتاج الى اجابة شافيه وإلا لن تكون هناك أي راحة حقيقة أو طمأنينة، وكلما كبر الانسان اتضحت هذه الاسئلة بشكل ملح، وهكذا نجد أن كل الشعوب حتى البدائية منها لها أديان، وما الإلحاد إلا موجة بدأت تثبت وجودها من القرن الثامن عشر مع الشك في إلحاد الملحد نفسه، لأن الانسان بحاجة الى انتماء وهوية وهو من حاجات الشعور الأساسية الفطرية، حتى سلوك السارق له أساس فطري أي شعوري، وهو الرغبة في الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين لكنها حرفت وحرفها الشيطان الذي قال لأقعدن لهم كل مرصد، أي يرصد حركات الشعور الفطري كي يزين الزنا بعد الاعجاب الفطري بالجمال، فالشيطان عمله أن يضع الشيء في غير محله.
الشجاعة معتمدة على حسبة عقلية وشعورية، أما التهور فهو جزاف، افترض انك على ارتفاع مترين عن الأرض وعندك مجال للقفز ببعد متر سوف تقفزها بسهولة، لكن إذا كان هذا العمودين على ارتفاع 100 متر من الأرض (نفس البعد الذي قفزته سابقا) فهل ستقفز؟!، إن قفزت فأنت شجاع ولست متهور، وان لم تقفز فأنت جبان، خصوصا إذا كان هناك عمل انساني يتطلب هذه القفزة، لكن أما من يقفز من ذلك العمود المرتفع الى الأرض فهذا عمله مستقبح، لذلك الشجاعة فضيلة، وهي كما قال أرسطو بين رذيلتين، وان كان وصف ارسطو ليس دقيقا، الشجاعة هي عمل مايتاح منطقيا وشعوريا إذا اقتضى الأمر ضرورة فعله لأن هناك مغامرة، والمغامرة تحتاج الى ثمن، والشجاعة تحتاج الى ايمان بالنجاة، هكذا يكون يسمى شجاع ويفرض اعجابه على الكل، أما كلام الناس ليس دائما مقياس، نعم قد يصف متهورا بالشجاعة أو العكس، لكن المطلوب ليس مايقوله الناس، لكن المهم هو فهمه كفضيلة، بل حتى أحيانا قد يسمون الجبان شجاعا وصبورا حسب المراقب، فتحرير المفاهيم ليس مرجعة قول الناس ، بل التحليل المنطقي والفلسفي والأخلاقي.
قفزة فيلكس تعتبر شجاعة لكنها شجاعة ناقصة، ينقصها الغاية النبيلة كإنقاذ أو بحث علمي، إن حملت هذه الغاية فهي شجاعة كاملة، أما من يتسلق ناطحات السحاب فهذا على ماأظن من التهور وليس له غاية لأنه قد ينزلق ولا يضمن الأشياء الذي يستند عليها ويتمسك بها، لكن فيلكس هو مظلي أصلا لكنه زاد في الارتفاع، لاحظ ان الثقافة الغربية تركز على اتقان المهارة وتحقيق الأرقام القياسية بغض النظر عن فائدتها الحقيقية والجدوى منها، وبغض النظر عن كونها شجاعة أو تهور، بل وأحيانا تكون أرقام قياسية بالقذارة ومخالفة الذوق.
ليست الفضيلة والرذيلة نسبيتين، وإلا لكان الخير والشر كذلك، ولما وجد فواصل بين الفضيلة والرذيلة، إذن كيف يحاسب الله الناس  ولا توجد فواصل بين الصح والخطأ والحق والباطل، لا يوجد حساب الا بحدود، وإلا لما وجد شيء اسمه معروف أو منكر بين الناس، فهي على حسب المراقب، هذه نظرة الثقافة المادية للخير والشر، وبالتالي المصلحة هي التي تحكم بفضيلة الفعل أو رذيلته، مع ان المراقب إذا قلت مراقب عليك بالمراقب المحايد وليس بالمستفيد أو المتضرر، لأن آفة الرأي الهوى، ولا تقل مراقب على اطلاقها تحريا للدقة والموضوعية، لأن هناك شيء اسمه منكر تعارف الناس على انكاره، فالسرقة يجمع كل البشر على انكاره، لكن قد تجد من له مصلحة قد يبررها ويغير اسمها الى شجاعة وبراعة وخفة يد، أو قد يبررها بالغضب من الأغنياء وعدم انفاقهم على الفقراء مثلما فعل الصعاليك وروبن هود، الاسراف يجمع كل البشر على انكاره، وكذلك البخل، الكرم هو اعطاء من المزيد لمستفيد على قدر وبقدر، فعلى قدر مايكون الكرم واسع ويشمل أكثر يكون الكرم متحقق، فتذبح 20 ناقة لرجل واحد هذا اسراف، وان تطرد الفقير ولا تعطيه شيئا هذا بخل، وكلاهما رذيلة، والكرم ليس فقط بالطعام، بشاشة الوجه اكرام، والحديث مع الناس كرم، وتنوير الآخرين كرم، وأي عطاء بأي صور للعطاء هو كرم.
أرسطو الذي يقول ان الفضيلة هي بمنزلة بين رذيلتين كلامه غير شامل، لأن العلم فضيلة وهي ليست في منزله بين منزلتين، فكلما زدت علما كان ذلك أفضل، وليس الأفضل أن تكون وسطا بين الجهل والعلم، تعريف ارسطو قد ينطبق على البعض من الفضائل لكن ليس الكل مثل الانفاق والشجاعة، لكن مثلا فضيلة العبودية لله والإيمان فهي ليست وسطا، فالله قال (وزدناهم هدى) (وقل رب زدني علما) والهدى والعلم والإيمان كلها فضائل وليست وسطا بين رذيلتين، بينما قال تعالى (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) أي تحرّي الحكمة بحيث أن يكرم الضيف ولا يفنى المال.