* الخير و المصلحة والفرق بينهما ..
إذا قلنا ان الخير منفعة ، فسنقصد المنفعة ، ويمكن ان نرفع كلمة خير و نحل محلها كلمة المنفعة والمصلحة . والمنفعة لا تعم الجميع ، بل تاخذ صفة الخصوصية في اكثر مناحيها . و ما هو منفعة عند (س) سيكون مضرة عند (ص) . بينما الخير ينفع الجميع .
الخير هو قصدٌ اخر مختلف عن عالم المصالح ، لأن عالم المصالح يحسب بالعقل ، وعالم الخير يُحسب بالاحساس والشعور ، و علامة الخير جماله ، و المنفعة ليست مرتبطة بالجمال . الجمال لا يقاس بالعقل ، لكن المصلحة يمكن ان تحسب بالعقل و بالالة الحاسبة و الجداول احيانا .
والدليل على ذلك : ان الخير يضحـّي بالمصلحة والمنفعة ، فمن يغامر بنفسه لينقذ طفلا في منزل محترق ، هو لا ينظر للمصالح ، بل يضحي بها ، بدافع شعوري جميل . و الفلسفة المادية تحاول ان تصنـّف الخير والاخلاق ، و كأنهما شيء واحد ، من ضمن عالم المصالح المادية التي لا تعرف الا هي ، كما يطرح سام هاريس وغيره كما في كتابه المشهد الاخلاقي . و هذه الفكرة المادية ضد الخير والاخلاق و ليست معها . واختصار مقزز لعظمة الانسان و الانسانية ..
* هل الإنسان مصلحي ؟
ليس صحيحا ان الانسان لا يفكر الا بالمصالح ، بل ان اكثر سلوكه هو ضد مصالحه ، بل يضر صحته بماله لاجل المزاج ! فكيف نقول عن الانسان انه مخلوق مصلحي فقط ؟ بل انه يتحمل الكثير من الصبر لكي يضغط على نفسه ليهتم بمصلحته المادية ! واذا قيل ان المزاج و لذة فعل الخير و التضحية داخلة في المصالح ، هنا ستسقط فكرة ان المصالح مادية ؛ لان هذه الاشياء يحبها الانسان وهي ضد مصلحته المادية . اي سوف ينبعج مصطلح المصلحة المادية ، لانه حوى مقاصد غير مادية . بل ضد المصلحة المادية .
وهذا يهرس فكرة هاريس من اساسها ، لانه اراد ان يحجر واسعا . و هذا خطأ ناتج من احادية النظرة للانسان في الفكر المادي ، على انه كائن مصلحي مستهلك مادي ليس الا . انها نظرة راسمالي الى زبون ، و ليست نظرة عالم او حكيم .
لو كان الامر هكذا ، فلماذا يصفون الانسان بـ"ذلك المجهول" ؟ المصالح واضحة في الاغلب ويمكن استيضاحها اكثر .. و بناء عليها يقال : الانسان ذلك المعلوم ..
* مستويات تقييم الأمور عند الانسان ..
الانسان له مستويان في تقييم الامور و ليس مستوى واحد :
مستوى شعوري أخلاقي ..
ومستوى نفعي عقلي ..
فيستنجد بك احد في الطريق لتقف له ، قد تضغط على الكوابح ، ثم ترفع رجلك اذا كنت تقود سيارة .. و تجد انك في تنازع داخلي : بين صوت يقول : قف و ساعده ، وصوت آخر يقول : مصلحتك و راحتك الزم ، ماذا ستستفيد منه ؟
الخير تابع للصوت الاول ، والمصلحة تابعة للصوت الثاني . و كما نرى هما متناقضان ، فيكف يكونان شيئا واحدا ؟ وكما هو واضح اقتراب الشر من المصلحة في هذا المثال ..
هكذا نفهم ضعف تأسيس الفلسفة المادية الغربية برمته ، لأنها ببساطة لا تحكي واقع الانسان ، وتنطلق من نظرة متخيلة عن الانسان ، اسستها البنية الراسمالية المتحكمة في عصب الحياة الفكرية والعلمية والاقتصادية والاعلامية هناك . ومن ثم في العالم .
* الكفر و الشر ..
والكفر مرتبط بالشر بالضرورة ، و انظر اوصاف القرآن للكافرين ، فالقرآن لم يفصلهم عن صفاتهم من اتباع الهوى والتخرص وعبادة الاباء و الاجداد والنظرة المادية و العصبية والظلم والتكذيب الخ ..
الكفر بعد علم مرتبطٌ بالشر ، و لا اقصد غير المسلم ، بل اقصد الكافر الذي عرف الحق و رفضه ، و ليس بعد الحق الا الباطل ، اي اختار الباطل اختيارا حرا بعد ان اتضح له الطريقين ، و الشر من الباطل .
ابو طالب لم يختر الحق ، مع علمه به و تأكده من صدق النبي ، فكيف يقال عن مثل هذا انه خيّر ؟ اما حمايته للرسول فهي داخلة في العصبية القبلية التي تقول : انصر اخاك ظالما او مظلوما ..
( وما أنا إلا من غزية ان غوت .. غويت وان ترشد غزيّة ارشدِ) ..
وكان ابو طالب من بين اخوته هو الذي رعى النبي منذ صغره و اعتبره كأنه من اولاده ، لذلك استمر في حمايته حتى لا يقال عنه انه تخلى عن ابن اخيه واسلمه لأعدائه ، فيلحقه العار وهو سيد قريش بعد والده عبد المطلب . كما فعل مطعم بن جبير ، اذ اجار الرسول حتى يدخل مكة ، بناء على مبدأ الإجارة المعروف عند العرب . وهو مشرك حينها .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق