المذهب القرآني هو طريق للكابالا سواءً
عرف القرآني ذلك أو لم يعرف، قصده أو لم يقصده..
(الكابالا
هي التي وجدت عند اليهود وطبقوها على التوراة وجعلوا ألفاظها غير معانيها الواضحة،
كما قال تعالى {يحرفون الكلم عن مواضعه} ومواضعه هي دلالته اللغوية)..
فالمذهب القرآني يتجه إلى تفسير القرآن بالقرآن
فقط ويجعل القرآن مغلقاً، فإغلاق أي نص على نفسه هو عملية تمحور كابالية، ويستغنون
حتى عن اللغة والتواتر في فهم مفردات القرآن ومعانيه، فيحولون معانٍ واضحة في
اللسان العربي إلى معان غامضة ومختلفة وبعيدة عن النص الواضح الذي قال الله عنه
أنه {بلسان عربي مبين}..
البداية تبدأ بريئة كأن تكون كلمة "مصر"
المذكورة في القرآن غير مصر التي نعرفها الآن، وفرعون غير فرعون، والكتاب غير
القرآن، واليهود غير الذي هادوا، وموقع مكة غير موقعها الآن، وأن المنسأة غير
العصا بل هي البطن كما قال أحدهم- أنها بطن سيدنا سليمان أكلتها دابة الأرض، وأن
الرسول هو القرآن وليس محمداً (فهل نسمي الرسول محمد بالرسالة؟ والله يقول {فإن لم
تفعل فما بلغت رسالته}...الخ؛ ليأخذ تغيير الكلم عن مواضعه إلى الأمور الأكثر
سخونة في الحياة كالحدود والفروض...الخ.
وبداية الكابالا من التشدد بفكرة عدم وجود ترادف
في النص المقدس، بحجة أن الترادف عبث لا يليق بالله، لكي تأخذ إحدى الكلمتين معنى
آخر لا تحتمله اللغة، مادام أن اللغة جعلتهما بمعنى واحد، فإذا قبلت بمعنى من خارج
القاموس فذلك يمهد الطريق لتقبل تغيير باقي الكلمات وتحريفها عن مواضعها اللغوية
والعقلية، وبالتالي يتحول القرآن لنص جامد معزول عن اللغة وعن التراث وعن العقل، ويتحول
التفسير من قاموسي إلى تأويلي حسب الأمزجة والظنون وروح العصر، مع أن الله لم يغلق
القرآن ولم يقل فسروه بنفسه، بل ربطه باللغة وهي اللسان العربي المبين وربطه بالعقل
{لقوم يعقلون} {لأولي الأباب}، فالقرآن ليس كياناً منفصلاً لوحده، ألا ترى أنه
يزيد المؤمن إيماناً ويزيد الكافر نفوراً؟ إذن القرآن ليس منطو على نفسه،
القرآنيون يجعلون القرآن منطو على نفسه، ويكلفونه أن يفسر نفسه بنفسه، ومن هنا
ينفتح باب التأويل البعيد بسبب الضيق والحرج الناتج من الإغلاق، والتأويلات
البعيدة هي الكابالا التي تفرغ النص من محتواه الإجرائي وتكسر الارتباط بين الدال
والمدلول لغوياً، وتقدم معانياً بعيدة وخيالية..
وغلق القرآن على نفسه يفضي إلى إجراء
معادلات وأرقام ورموز وجداول، (وبالمناسبة فالسحرة يعتمدون على الكابالا اليهودية
على التوراة والأبجدية العبرية وحساب الجُمَّل في شعوذاتهم من خلال القيمة الرمزية
للأسماء والحروف)، فيكون في الأخير لكل كلمة معنى حرفي ومعني كابالي عميق لا يفهمه
إلا البارعون.
وعملية
الإغلاق تقتضي أيضاً إظهار تعظيم للقرآن (وهو عظيم) لكن بطريقة أن كل شيء موجود في
القرآن من باب {تفصيلاً لكل شيء} وبالتالي يستطيع الكابالاي تأويل كل أحداث الحياة
والمستقبل من خلال الضرب والتخبيص في مفردات القرآن، بينما (تفصيل كل شيء) القصد
منها الفصل بين الحق والباطل وهما داخلان في كل شيء، وليس كتاباً يشتمل على كروموزومات
الكون! بل هو تذكرة لمن شاء أن يستقيم.
إذن عملية الكابالا تبدأ بإغلاق النص،
كأنها تقوم بتكبيله، ثم تبدأ تفجير اللفظ من الداخل من خلال لازمة عدم الترادف في
القرآن، مع أن حلها سهل، فالقرآن من اللغة العربية، واللغة فيها ترادف وعدم ترادف
بنفس الوقت، فنجد مثلاً للسيف عشرات الأسماء بينها ترادف عام، لكن فيها اختلاف خاص
من حيث الصفات، فكل اسم يركز على صفة معينة، وفي المجموع هي للسيف. والتشدد في هذه
النقطة يفضي إلى أسماء الله وصفاته فهل هي مترادفات أو لا، وهذا خطير.
لكنهم يصرون على عدم وجود ترادف إطلاقاً،
وهذا خطأ، لأن الإصرار على عدم الترادف ينتج التأويل كأول ثمرة كابالية، يمهد
قبولها لقبول بقية الثمار اللاحقة، وهكذا يبتعد القرآن عن اللغة وعن المنطق وعن
العقل وعن التراث، ويتحول إلى نص مقدس بذاته لا يقصد ما يقول، بل يقصد معان وفضائل
محلقة لا ترتبط بالواقع وتنعزل عنه إلى عالم الروحانيات ليخلو المجال للأفكار
البشرية التي تدير الحياة كالعلمانية والليبرالية والقوانين البشرية...الخ. وهكذا
يتقلص الإسلام إلى أصغر حيز بالحياة.
هدف القرآن أن تتدبر آياته وتمشى وراءها، أي دبرها بموجب اللغة والعقل، لا أن تبعد عن مضامينها. فالقرآن ليس أحاجياً وألغازاً تُحل بل هو نور يتبع.
هدف القرآن أن تتدبر آياته وتمشى وراءها، أي دبرها بموجب اللغة والعقل، لا أن تبعد عن مضامينها. فالقرآن ليس أحاجياً وألغازاً تُحل بل هو نور يتبع.
المذهب القرآني لا يجعل القرآن مبيناً
وميسراً للذكر بل يحتاج إلى شراح ومفسرين جدد.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق