الخوف هو محرك
الإنسان وليس الرغبة, ومن يتحرك بدافع الرغبة فهو في الحقيقة خوفا من فقدان
الرغبة, انظر من يملكون المليارات ومع ذلك لا يصرفون أموالهم ويظلون يجمعونها خوفا
من الفقر, لو كان محركهم الأساسي هو الرغبة لسارعوا إلى التلذذ بها وصرفها لا إلى
جمعها. ولاحظ أنك لا تتلذذ بشيء إلا وأنت تتذكر حرمانك منه, بدليل أن الشيء النادر
أو الذي أتى بعد حرمان يأتي لذيذ جدا. إذن الرغبة نتيجة للخوف, فابتعاد الخوف بعد
وجوده ينتج لذة, حصول الشيء مع كثرة المخاوف التي دارت حوله (الندرة) ينتج لذة
ورغبة. لو تذهب لتتلذذ بشيء دون أي وجود لخوف لن تتلذذ فيه. لو أن شخصين يحبان بعضهما
لكن بينهما مخاوف تمنع اللقاء حين يلتقيان سيتلذذان كثيرا, لكن لو كانا من الأساس
معا لن يكون للقائهم نفس المتعة.
الخوف هو الغريزة
الأم وهو الأساس, لهذا يمكن تسمية الإنسان بالمخلوق الخائف, لأنه أصلا كل شيء ضدك
ككائن حي, و لولا خوف الكائن الحي لهلك. الرغبة تخرج نتيجة للخوف, أي أن الرغبة
تخرج في بحر من المخاوف, والغرائز الدافع لها هو الخوف. لاحظ التنافس -وهو محرك
قوي عند الناس- أساسه خوف, فالطالب الذي يريد أن يكون الأول دافعه ليس الرغبة في
الأساس بل الخوف.
والشيطان يعد ويمني
أتباعه بالرغبات ولا ينبههم للمخاوف, وبهذا الشكل يخدع الإنسان. فالشيطان يزين
للناس ويقول أنكم أقوياء وقادرون فاذهبوا للمتعة واللذة ولا تخافوا, أي ينسيهم
ضعفهم حتى يقعوا في مصائده. لذلك أي داعية ملحد لابد أن يصور الإنسان أنه قوي
وباحث عن اللذة كما فعل نيتشه وفرويد وداوكنز وغيرهم, فيرون علوم الإنسان ستحل كل
المشاكل, وسيمتلك الإنسان مزارع في المريخ وسيحل معضلة الموت ..إلخ.
حتى المدمن يحركه
الخوف من الحالة التي ستأتيه لو حُرم من إدمانه. الرغبة تحرك الإنسان لكن منتج
الرغبة هو الخوف, فالإنسان يرغب بالذهب لكن دافعه هو الندرة, أي الخوف, ولو كان
الذهب متوفرا كالتراب لما أعجبهم بريقه.
لاحظ عيونك ونظراتك
عبارة عن خوف, فأي شيء يتحرك أو يلمع تلتفت له بسرعة, بدافع خوف وليس رغبة بلا شك,
فالعيون علامة أن الإنسان مخلوق خائف. هذه علامة على ضعف الإنسان أنه مخلوق خائف,
فعلام تتكبر أيها الإنسان؟ منذ لحظة ولادته وهو يبكي خوفا. لذلك القرآن تكلم عن الطمأنينة
وليس السعادة, وتكلم عن الصبر وليس عن الشجاعة والطموح.
الإنسان الذي يحترم
شعوره هو إنسان يحترم مخاوفه, {وأما من جاءك يسعى وهو يخشى}, {إلا تذكرة لمن يخشى},
لكن المتكبر لا يحترم مخاوفه ويكون متهورا ويلقي بنفسه في الأخطار. من يحترم
مخاوفه هو الذي يستطيع أن يتذكر ويؤمن. وعلى قدر ما يحترم الإنسان مخاوفه على قدر
ما يكون نبيها وذكيا ولماحا, فالذكاء من الخوف أصلا, والخوف من القلب. والله وصف
المؤمنين بأنهم أولو الألباب والمتقين ويخشون, أي أن أولي الألباب يحترمون مخاوفهم,
وبالتالي يحرك الخوف عقولهم فيفكرون.
الإنسان يزداد طاقة
ونشاطا حين تزداد مساحات الحب في حياته, والسبب خوفه على هذا الحب, لكن لو قلّت
الأشياء التي يخاف عليها يقل نشاطه وإرادته للحياة, لأن الأشياء التي يخاف عليها
قليلة. إن كثرة مخاوف الإنسان هي علامة أنه حي ونبيه.
هذا تذكير لو كان
للناس قلوب, أن يشكر الإنسان, لكنه يطغى الإنسان حين يرى نفسه استغنى, إلا من رحم
الله. الله أوجد صعوبات الحياة حتى نشعر بالنعمة, وليس رغبة في تعذيبنا كما يظن
الملاحدة والجازعين, لولا هذه الصعوبات لما أحسسنا بالنعمة, فالتفاحة حين تأكلها
وأنت جائع تشعر بلذة, لكن بعد الثانية والثالثة والرابعة تبدأ تفقد طعمها حتى تشعر
أنها كريهة.
الله سبحانه قال إنه خلق
الإنسان في كبد, ولو جعل الله الدنيا بدون صعوبات لما تذكر الإنسان أن هناك رب,
فتصميم الحياة بهذا الشكل لكي يتذكر من كان له قلب. فهذا يحرك القلب السليم لأن
يشكر على النعم بسبب كثرة المخاوف حولها وصعوبة الحصول عليها, وأن يشكر المنعم.
لكن لو كانت الحياة سلسة بالكامل لما كان لأحد أن يتذكر ويرجع.
شكرا على الطرح مقال مفيد جدا
ردحذفبارك الله فيك
حذفهل الغريزة والرغبه الناتجه عنها خوف ام حاجه؟ عندما تحبس انسان فتره طويله وتمنع عنه الاكل والشرب فهو سيتألم ويصرخ من حاجه لديه وليس خوف أليس كذلك؟ ايضا عندما تشتهي نوع معين من الطعام فهل يصح ان نقول الدافع هنا هو الخوف وليس الحاجه ؟
ردحذفوشكرا.
اللذة هي نتيجة للخوف، فلذة الأمن هي نتيجة للخوف من عدم الأمن، العلاقة بين اللذة والألم مثل تبخر الماء بسبب الحرارة، فتنتج برودة في نفس المكان.
حذفالحاجة مبنية على خوف، لأن المحتاج يخاف الموت. الخوف والحاجة مرتبطان ببعضهما. أنت قلت كلمة حاجة، والحاجة إما تتحقق أو لا تتحقق، وإذا لم تتحقق تكون مشكلة، والمشكلة تستحق الخوف منها. الإنسان إذا مُنع عن الطعام يخاف من الموت، فإذا عُرض عليه الطعام أو أمكن ، سوف يشعر بفرح، هذا الفرح نسميه لذة، وهذه اللذة جاءت بسبب الخوف السابق لها. لكن الطباخ الذي يعمل في مطعم ليل نهار لا يشعر بهذه اللذة على كل حال. ولماذا الفقراء هم من يتلذذ بمتع الحياة إذا توفرت أكثر من الأغنياء؟ لأنهم على حافة الخوف.
لا يوجد لذة مقابل خوف، بل يوجد عند الإنسان خوف فقط هو المحرك، إذا خفّ الخوف تنتج اللذة والراحة، وعلى درجات، على حسب شدة الخوف السابق. ففرحة الأم بوجود طفلها الذي فقدته داخل المنزل ليست مثل فرحتها عندما تجده وقد ضاع منها في موسم الحج مثلا، مع أن فترة الضياع واحدة. ما السبب ؟ هو أن نسبة الخوف أكبر من السابقة. وبالتالي أصبحت نسبة اللذة أكبر، والله قال (يا أيتها النفس المطمئنة)، ولم يقل : أيتها النفس السعيدة أو المبتهجة، والإطمئنان ضد الخوف. نحن إذن نتعلم من القرآن، لأن فيه تبيان كل شيء.
إذن لا يوجد لذة مستقلة عن الخوف، إذن الإنسان مخلوق خائف، واللذة بالتالي ليست ضد الخوف. يدل على ذلك الألم عند فقدان اللذة، أي رجعنا إلى الأصل، وهو الخوف. كل حاجة مبنية على الخوف. وفلاسفة الغرب خصوصا الماديين يرون أن اللذة هي محرك الإنسان الأول، وهي كما رأينا فكرة سطحية وليست عميقة، فإذا تابعت اللذة تجدها نابعة من الخوف، فهو الذي يوجدها وهو الذي يحدد مستواها، حتى الغرائز نفسها الدافع إليها هو الخوف، حتى الغريزة الجنسية دافعها الخوف من انقطاع النسل، لكن من لطف الله أن جعل اللذة نتيجة زوال الخوف. فصار في الحياة متع. وإلا لكان الإنسان سلبيا. مثل فرحة الطالب الخائف من الرسوب إذا عُدّ إسمه مع أسماء الناجحين. و فرحة النجاة من حادث محقق فيها لذة، وهذه نعمة من الله، لكي تحركنا اللذة أيضا كما يحركنا الخوف، مع أن اللذة بنت الخوف.
الخوف ليس شرطا أن يكون مُدركا عند صاحبه، فيكون بالعقل الوسيط، مثل حركات العيون أثناء التنقل والسير في الطريق، لو سألت هذا الشخص لقال لك أنا لست خائفا، بينما عيونه تترقب وترصد مخافة الاصطدام بشيء أو حدوث أي شيء. الرغبة هي نتيجة لزوال الخوف. والغرائز كلها يمكن تفسيرها بالخوف، فغريزة البقاء خوف من الفناء، وغريزة الغذاء خوف من الجوع، وبالتالي الموت، وغريزة الجنس خوف من انقطاع امتداد الحياة.
الحياة هي خروج عن الواقع المادي، أي أن الحياة معاكسة للتيار المادي وقوانين المادة، وبالتالي فالحياة لم تخرج من المادة كما يتصور الماديون بسطحية. لأن مجرد وقوفك ومشيك يعارض عدة قوانين فيزيائية، و أولها قانون الجاذبية. لذلك أي كائن حي ينهزم في هذه المقاومة لقوانين المادة سوف تستلمه القوانين المادية وتحيله إلى تراب، وهذا تعريف الموت.
يتبع
الإنسان يعيش في كبد ومشقة وأخطار، وكلما خفت المخاطر والمخاوف حسّ باللذة، لذلك لا يتلذذ إلا من يعانون. والذين يشعرون بالخوف ولكن بشكل أقل، نطاق التلذذ عندهم أقلّ أيضا ومحدود، وهذا من العدل الإلهي، فعلى قدر ما تتألم بقدر ما أنت جاهز لتتلذذ بشكل أكبر، وهنا مواضع شكر الله والدافعة له، كلما تدرك الخطر وتعرف أنك نجوت منه تشعر بالإمتنان، وتدرك انك نجوت ليس بقدرتك، اذن الشكر لمن ؟ الشكر للقادر المقدّر. اذن علينا أن نشكر الخوف الذي هو سبب العقل وسبب المتعة واللذة. قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال (سيذكر من يخشى) فالذي يخشى عنده عقل، ولماذا عنده عقل ؟ لكي لا يتكرر نفس الخطأ. قال تعالى (وتعيها أذن واعية) أي أذن عاقلة لا تريد تكرار الخطأ، فهنا يتقدم العقل للأمام، فيصبح عقله كبير لأن خوفه كبير. وهذا ليس خاصا بالإنسان، كل الكائنات الحية لا يحركها إلا الخوف، فالأشجار تزهر وتكثر الثمار لتضع البذور لكي لا ينقطع نسلها، والنباتات إذا نقص عليها الماء لا يعني هذا أن لا تُثمر ، بل تُثمر وتُسرّع عملية النمو لكي تعطي فرصة لبذورها إن كان حظها أفضل من حظ النبتة الأم. كالبطيخ الذي انقطع عنه الماء أو تناقص، تجد أنه يسرّع بعملية نمو الثمار وإن كانت صغيرة الحجم، وتستوي قبل استواء ثمار النبات المكرم بالماء، وربما تتساقط الأوراق وتبقى الثمار حتى تنضج.
حذفوالحيوانات تأكل وبشراهة لكي لا تموت، وتتقاتل في التزاوج لكي لا ينقطع نسلها ، وهكذا. وبالتالي إذا أكلت ثمرة فأنت تُطمْئِن خوف الشجرة التي جعلتها مغرية وتؤكل لكي تنقل بذورها، وهذا كله بإرادة الله صاحب الرحمة والجلال.
المقصود بالخوف هو الخوف الإيجابي الدافع للعمل، فيخاف الإنسان من ليالي الشتاء فيبني البيت فيرتاح ويحس بالراحة والدفء على قدر التعب.
أما الأبيقورية التي ترى اللذة هي الخير والألم هو الشر، فهي نظرة غير متعمقة، لأنه في الحقيقة لا توجد لذة إلا بعد ألم، وإذا كانت اللذة خير والألم أو الخوف هو من أنتجها، إذن الموصل للخير خير. الله لا يأتي منه إلا الخير. والله خلق الخير ولم يخلق الشر، بل الشر من أنفسنا ومن الشيطان. الشر نفسه ليس شيئا موجودا، بل هو قطع للخير فقط، كما قال تعالى (الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل).
لله درك يا اخينا الوراق
ردحذفبارك الله بك ورزقك الصحة والعافية والرزق الوفير .