يذكر فرويد في كتابه عن تفسير الأحلام، قصة
حلم ديلبوف، الذي رأى في حلمه أنه يطعم بعض الزواحف نوعا من الاوراق الخضراء والتي
عرف اسمها اللاتيني بدقة في الحلم، وعندما استيقظ منه تعجب ديلبوف كيف عرف ذلك الإسم،
وأخذ يفتش في القواميس ووجده فعلا كذلك، ولكن لم يقف ديلبوف عند هذا الحد ولم يصدّق
أن الأمر صدفة، وبعد فترة طويلة امتدت ستة عشر عاما، زار أحد اصدقائه ، وهناك اطلع
على ألبوم للذكرى، فوجد فيه بطاقة سياحة عليها صورة نفس النبات ونفس الإسم اللاتيني
مكتوب أسفل منها، والأعجب أنه مكتوب بخط ديلبوف نفسه، وحينها ادرك ديلبوف كيف جاء الإسم،
اذ كان قد ساعد اخت صاحبه في كتابة الإسم اللاتيني للنبتة مستعينا بأحد المتخصصين في
علم النبات قبل حلمه بعامين. ومن هذه الحادثة يستدل فرويد أنه ما نظنه ألغازا في الحلم
، لا بد ان يكون ذكرى واقعية منسية. ومن هنا استدل فرويد - من ضمن ما استدل عليه -
على وجود العقل الباطن الذي يخزن الذكريات والمشاعر دون وعي صاحبها.
لكن لو كان الكلام صحيحا لكان كل شخص مرت عليه
حالة ديلبوف، وهذا الكلام يشبه كلام سقراط الذي يقول ان المعرفة تذكّر بعد نسيان ،
و كلاهما غير واقعي ، بدليل ان الاحلام تركب لنا اسماء لا يمكن ان توجد ولا في القاموس
، و تقدم لنا صورا لا يمكن ان تـُرى في اي البوم ، الصور التي ترد في الاحلام هي اوضح
مثال ، ولو كانت مرت علينا في السابق لما اندهشنا كل ذلك الاندهاش . الدليل الاخر هو
ان الاحلام تاتي على شكل سيناريو ، فهل من المعقول ان السيناريو هذا مر علينا من قبل
؟
اذا كان هذا صحيحا عند ديلبوف فهذا صحيح عن
الجميع ، فشخص حلم في زمننا هذا انه يجلس مع نابليون وسقراط في مقهى على القمر ، فهل
نقول انه حدث له هذا الحدث في الطفولة و نسيه ؟ هذا لا يمكن منطقيا ان يحدث ..
وما دام الحلم يقدم لنا سيناريوهات جديدة ،
فيستطيع ان يقدم كلمات و صور جديدة . ثم كيف يحتفظ عقل ديلبوف بكلمة لم يحفظها في وقتها
؟ واستعان باخصائي في علم النبات ليكتب اسم النبتة ؟ واذا كان قد حفظها بطريقة واعية
، فلا يمكن ان يقول انه لا يعرف هذه الكلمة بتاتا . لأنه لا يوجد نسيان مطلق ، بدليل
تراجع النسيان كلما عرضنا الاختيار من متعدد ، فأنت مثلا نسيت اسم مؤلف كتاب ما ، وعندما
اعرض لك مجموعة اسماء مؤلفين ، فتجد انك تتعرف او تقترب منه ، مع انك لا تستطيع ان
تسترجع اسمه مباشرة إذا سئلت من هو مؤلف هذا الكتاب، اذاً انت لم تفقد اصل المعلومة.
لا وجود حقيقي لمنطقة العقل الباطن التي يعتمد
عليها فرويد في كل كتاباته وصدقها كل من جاء بعده من علماء النفس تقريبا، بل
اعتبروه علميا مكتشف منطقة اللاشعور او العقل الباطن، مع انه اكتشف شيئا غير موجود.
ولو كان الانسان بما فيه العقل الباطن المزعوم يملك هذه القدرة الخارقة على الحفظ من
مجرد كلمة لاتينية تمر عليه واستوعبها العقل الباطن الخارق - كما في قصة حلم ديلبوف
- لاستفاد الانسان من هذا الشيء .
شعور الانسان ليس الة تصوير او مطبعة كما يتصور
فرويد ، بحيث يصور كل ما مر عليه ! مهمّاً كان او غير مهم ! والذاكرة تعمل بشكل
انتقائي، بحيث اننا نذكر مواقف حصلت قديمة جدا ، بينما لا نذكر مثلها حصلت في وقت
قريب، والسبب هو وقعها في الشعور، فأي طفل تقريبا يذكر اول شعور لدخوله الروضة او
الصف الاول، لكنه قد لا يذكر اول يوم دخل فيه المرحلة الاعدادية، مع أنها اقرب
زمنيا.
وفي موضع آخر من كتابه عن الأحلام، يقص فرويد
حلم سيدة رأت فيه أنها ستدعو اصدقاءها الى وليمة عشاء من السمك المدخن، ولكنها لم تجد
أي ملحمة مفتوحة، وارادت ان تتصل بالهاتف على اصدقاءها لعل احدا منهم لديه البعض منه
، ولم تجد في الهاتف حرارة، فاضطرت للتنازل عن عمل المأدبة ، وأخذ فرويد يحقق معها
وعرف منها ان زوجها كان من تجار اللحوم بالجملة وأنه كان يشتكي من ضخامة وزنه ، ولم
يجد فرويد أي شيء يسعفه في هذه المعلومات، فأخذ بالتحقيق معها حتى اخبرته انها زارت
صديقة لها نحيلة وذات قوام رشيق كان زوجها قد ابدى اعجابه بها وبقوامها ، فاصابتها
بعض الغيرة، وقد حدثتها صاحبتها انها تريد ان تزيد من وزنها ، ثم سألتها متى ستقيمين
إحدى ولائمك الطيبة ذات المآكل الدسمة .. بعد أن روت السيدة صاحبة الحلم كل ذلك ، قال
لها فرويد : إن رغبة حلمك أنك كأنك اغتظت من رغبة غريمتك في اكل طعامك كي يزداد وزنها
وتمتلئ أعطافها فيزداد اعجاب زوجك بها ، ونبتت لديك أمنية فحواها ألا تقيمي مأدبة لأي
إنسان إكراما لخاطرها، وخصوصا ان زوجك ذكّرك في اليوم نفسه أن ولائم العشاء هي التي
تساعد على السمنة ، ولكن بقي شيء واحد : ما الذي يرتبط في ذهنك بالسمك المدخن ؟ فقالت
السيدة أن السمك المدخن هو الطعام التي تفضله تلك السيدة التي غارت منها. ويستنتج فرويد
من هذا كله أن صاحبة الحلم وضعت نفسها محل السيدة التي تغار منها لأن تلك السيدة تحتل
عند زوجها مكانة تطمع هي فيها، وجعلت صديقتها المتمثلة في شكلها لا تظفر بتحقيق اي
رغبة من رغباتها.
هنا نلاحظ أن تفسير الاحلام عند فرويد مرتبط
بالرغبة بالشر، هذا هو التفسير الفرويدي للأحلام .. وكل حلم يقابله يفسره بأنه رغبة
للشر ولكنها مكبوتة ، ولاحظ كثرة تفسيره للأحلام بالحقد الدفين، ولو سأل الحالمين هل
أنتم تحقدون ، لتفاجئوا بهذا السؤال ، فهو يريد ان يجعلهم حاقدين رغما عنهم، وهذا ما
اضطره لاختراع فكرة العقل الباطن الذي لا يعيه صاحبه ، ليجعله مخرجا وخزانا للشرور
والغرائز المنفلتة والانانية التي تريد ازالة الجميع عن الوجود، ليقول للشخص : أنت
تحقد أو ترغب جنسيا ، فيرد الآخر : إن هذا لم يدر في خلدي ، فيقول: لا !! هو دار في
خلد عقلك الباطن ، الذي لا تعرفه وأنا الذي اعرفه !!
نلاحظ ان انصار فرويد يعظمون ويجلون اكتشافه
لما يسمونه بالعقل الباطن، لأنه هو المخرج لتوهيم الناس بان قلوبهم مليئة بالشرور ولكنهم
لا يعلمون ، لأن العقل الظاهر يحاربها ويراقبها ويمنعها من الظهور للسطح ، مما يساوي
أنني انا وانت والاخرين عبارة عن اشرار، لكننا لا نعرف مدى ما نحمله من شر .. وهذا
ما يفسر لنا اضطراره لفكرة الهو و الانا والانا الاعلى ، كحل لهذا المأزق ..
هكذا فكّر فرويد .. وهذه هي وسائله لادخال
هذا الوهم الخطير الى المجتمعات .. ومن خلال هذه الفكرة اللعينة (العقل الباطن الشرير)
، من الممكن توهيم الآخر بما لا يدركه ولا يحسه بكل بساطة .. ولاحظ أن هذه الطريقة
طريقة سحرية وليست علمية ، لأنه يحيل الشخص الى مجهول ، وهو العقل الباطن الذي لا يحس
ولا يدرك على حسب افتراضه .. مع ان هذا المجهول لا وجود حقيقي له ، فكيف يوجد شيء لا
يدركه عقل صاحبه وهو فيه ؟ وكيف نتذكر اشياء لا نتذكرها ؟
لهذا كبروا كلمة "اكتشاف العقل الباطن"
، ففرويد اكتشف غير الموجود في الحقيقة ، لكي يوصّل ويؤصل من خلاله وجود الشر في الانسان
. و ليعتبر الخير شيء طارئ صنعه المجتمع ليس الا .. لاحظ انه لا يرجع الخير الى العقل
الباطن ، فقط يرجع الشرور والاطماع والاحقاد والشهوات و الوحشية .. اذاً فرويد لم يرد
خيرا بالبشرية ، واراد ان يحولهم الى الشر والفساد والتدمير من خلال أبلسة البشر
جميعا ، كأنه يقول لهم : هذه هي طبيعتكم فلا تنفروا منها واستجيبوا لها وتخلصوا من
كبتكم ، وان كان لا يقولها مباشرة، ولكنه ينسب الامراض العقلية لكبت العقل الباطن،
ولسان حاله يقول : اذا لم ترد امراضا عقلية فتخلص من الكبت وأخرج ما في الصندوق ..
ولا ننسى ايضا ، أن فرويد كان يمارس التنويم
المغناطيسي و فشل فيه ، فاضطر الى اختراع هذه الخدعة لكي ينوّم الجميع .. ونجح بتنويمه
للغرب دفعة واحدة ..
كل محاولاته تلك من اجل ان يسقط الدين والاخلاق
.. وهو شخص ملحد وعضو في منظمة بناي بريث القومية المتطرفة، و الجميع يعرف ان القومية
المتطرفة اليهودية تحمل عداء للاديان والشعوب الاخرى (الجوييم) ، و تريد ان تنتقم منهم وتعيد لهم نفس التهم التي
ألصقوها باليهود عبر التاريخ ، مثل الحقد والطمع والشهوانية والمادية والانانية والجشع
الخ .. هذه النقاط هي التي يفسر من خلالها فرويد ليس الاحلام فقط ، بل الانسان كله
.. كي يقول : ما فيش حد احسن من حد .. و مع الاسف ليست افكار فرويد فقط التي تنحى هذا
المنحى ، هي نفس افكار الماديين و الماسونيين النورانيين ، إلخ السلسلة المادية الالحادية
و العدمية .
كل انسان لا شك انه تخطر عليه خواطر من الرغبات
الفجة والشهوانية ، و غالبا يطردها بسرعة ، وهي في اغلب الاحوال تكون من الشيطان ..
على هذه الهمزات الشيطانية اعتمد فرويد (اي كأن الشيطان هو اصلنا) ، و كأنه يقول لكل
شخص : ما دام انها تاتيك مثل هذه الخواطر و تحاربها ، اذا العقل الباطن هو الذي اتى
بها ، و العقل الواعي صنيعة المجتمع والدين والحضارة هو الذي طردها ، اي ان الطارئ
يطرد الاصلي ، ومن هنا صدّقه الكثيرون بوجود منطقة العقل الباطن الشريرة الوهمية لكي
يلتمسوا العذر والمبرر لأخطائهم .. و نسي او تجاهل ان الانسان تاتيه خواطر خيرة و يطردها
احيانا .. على اعتبار انها مثالية و صعبة التطبيق .. فلماذا لا يقول انها جاءت من العقل
الباطن ايضا ؟
واذا كان العقل الظاهر هو الذي يرد داوفع العقل
الباطن (الشريرة طبعا حسب فرويد) ، فمن الذي ردّ تلك الدوافع الخيرة والمثالية والتي
تمر ايضا بنفس الطريقة ؟ وهي بالطبع لم تاتي من العقل الظاهر الذي صنعه المجتمع حتى
يقول ان العقل الباطن هو الذي ردها ! لأنها ببساطة غير موجودة في المجتمع بسبب مثاليتها
الزائدة .. وهذا يحدث كثيرا ، يريد الانسان ان يفعل بعض الاعمال الطيبة لكنه يخجل،
ايضا لا يعجبه وضع المجتمع لكن لا بديل لديه، فهل هذا العقل الباطن لا يعجبه الوضع
؟ مع أن المجتمع في العادة يحكمه العقل الظاهر ، أي المؤدب كما يقول . ثم اذا كان العقل
الظاهر هو المسيطر وهو خيّر كما يراه فرويد و مـُقحـَم على العقل الباطن ، اذا لكانت
الدنيا جنة ، فمن اين هذه الشرور التي لا تتوقف ليل نهار وفي كل مكان على ظهر الارض
؟
كل ما في الامر ، اذا اردت ان ترد على فرويد
: انظر الى الجانب المظلم الذي همّشه و سلِّط أنت الضوء عليه .. وهنا يهرب شيطان فرويد
كما تهرب بقية الشياطين اذا رأت النور ..
لاحظ تركيزه على ناحية الرغبة في الاحلام ،
و كأنه يقول : ان الرغبة ، وليس الخوف من الله أو الخطأ ، هي محرككم الاصيل ، فتحركوا
بموجب الرغبة ، و ما الرغبة الا شهوات كالجنس أو شرور كالانتقام .. فأطلقوها حتى تستجيبوا
لذواتكم وتكونوا انتم ، وبالتالي تشفون من امراضكم العصبية ! .. مع ان الناس يعرفون
ان اكثر احلامهم تصوير لقلق ومخاوف ، وليست رغبات .. بل هي الاقل في الاحلام .. فالخوف
هو سيد الاحلام ، بل هو الدافع الاول ، حتى في عالم اليقظة، وعلى اساسٍ من الخوف
وُجدَت الرغبة. (راجع موضوع : الخوف هو محرك الانسان وليس الرغبة)
ثم هو يفسر الخوف بانه رقابة من العقل الظاهر
على الحلم ايضا .. واذا كان العقل الظاهر يراقب الحلم بهذا الشكل ، فلماذا يسمح بالتجاوزات
اللامنطقية في الحلم ؟
هو يحيلنا على وهم ، فكيف يسمى عالما ؟؟ العالم
هو من يحيل الى وضوح وليس الى الغموض .. ما الفرق بينه وبين الساحر والمشعوذ ؟؟ الساحر
يحيل سلوك الانسان وامراضه الى السحر ، واذا قلت له : ما هو السحر واين السحر ؟ قال
لك : هو شيء غامض لا يعرف ، والساحر فرويد يحيلك إلى العقل الباطن .. وهو شيء غامض
ومبهم ولا يحسه صاحبه ولا يعرفه إلا من خلال فرويد ..اذا فرويد مثل الساحر : يحيلنا
على مجهول .. لكنه سمي عالما وبقي الساحر ساحرا وبقي المشعوذ مشعوذا ..
هذا مع أنه لا يعتمد على شيء علمي في تفسيراته
.. و كل ما يقوله عن ان سبب الاحلام هو الرغبة ، تستطيع ان تقول أن سبب الاحلام هو
الخوف .. حتى لو كانت الرغبة ظاهرة في الحلم ، تستطيع ان تقول انه خوف من ذهاب تلك
الرغبة .. كل ما في الامر هو أن فرويد فسر لنا نفسه و ما تنطوي عليه ، ولم يفسر الاحلام
كما هي ولا الإنسان كما هو ..
اذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه .. وصدّق ما
يعتاده من توهم ..
وهذا هو ظن فرويد : احقاد وشهوة انتقام وشهوات
جنسية إلخ .. من العفن العميق في نفوسنا حسب وجهة نظر فرويد ، والذي يتجمّل هو لكشفها
لنا .. اي يتجمل عن طريق قبحنا ..
هذا اختزال كريه لمكنونات النفس البشرية ،
و تعسّف كل صورة للاحلام على انها من النوع السيء .. والإنسان – اي انسان- كما يعلم الجميع ليس كله سيء ، فلماذا اذاً تكشفه
احلامه على انه ليس فيه الا السوء ؟ هنا يكون الشك في الكاشف وليس في المكشوف ..
لا اظن فرويد انه يستطيع ان يفسر حلما واحدا
على محمل اخلاقي يحمل الخير و الرقي .. ان هذا الشيء يتعبه .. وحتى في تحقيقاته مع
الحالمين ، يتلمس خيوطا للرذيلة يتمسك بها حتى يعيد جدلها بقوة .. ويبني عليها حكمه
..
من اخطاء الثقافة الغربية و ولعها بالجديد
، انها تستطيع ان تقبل الفكرة التي لا يوجد مشابه لها . لا بد حتى تكون الفكرة صحيحة
ان يوجد ما يشابهها ، فحتى نقبل فكرة التطور مثلا ، علينا ان نرى اشياء اخرى غير الاحياء
تتطور ، وهذا غير موجود ! اذاً كل فكرة تفسيرية لا مشابه لها هي فكرة لا علمية ولا
منطقية . يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية تفسيرية ، في حالة عدم توفر
التجريب .. فالتجربة المطردة للشيء نفسه هي اقوى ادلة العلم و اعلى درجات توثيقه (التوثيق
العلمي) ، فاذا لم يمكن ، فعلى الاقل ان يوجد حالات مشابهة يظهر فيها تطبيق نفس الفكرة
التفسيرية ، وهذه الدرجة الثانية .. اما الدرجة الثالثة فهي منطقية الفكرة من حيث قابلية
الارتباط بالحقائق الاخرى و وضوح الغاية والمنطلق فيها .
يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية
تفسيرية ، والا فكلٌ سوف يقترح ما يشاء عندما تصطدم نظريته باي حاجز ، وهذا ما يفعله
فرويد تماما : كلما اصطدم بحاجز ، قفز بنفسه من خلال فكرة مصطنعة لا توجد لها مثائل
في النفس البشرية ولا في الواقع ، و هذا بحد ذاته خطأ فلسفي كبير . هكذا هي فكرة العقل
الباطن الذي تتحكم به الذكريات القديمة ، فهي فكرة مخالفة للواقع و للمنطق ، فالانسان
لا يعيش في الماضي ، بل يعيش في الحاضر والمستقبل ، والذكريات المهمة هي الاولى بأن
لا تنسى ، بينما فرويد يصر على ان الذكريات المهمة و الفعالة والأليمة في حياتنا هي
المنسية !! وهذا غير موجود في النفس ولا الذاكرة البشرية, ان تنسى المهم وتُبقي على
غير المهم . وتزداد الفكرة غرابة إذا عرفنا ان تلك الذكريات جنسية قبل البلوغ !! إذا
ما فائدة البلوغ ؟! فالأطفال عند فرويد يولدون وهم بالغين! ويبقون طول عمرهم يتعذبون
من الكبت الجنسي قبل البلوغ الجنسي ! ومن لا يقف عند الثوابت يستطيع أن يقول ما يشاء,
إلا أن ثبت أنها غير ثوابت, وفرويد قال ما يشاء دون حياء ودون أن ينفي الثوابت.
اذن فكرة العقل الباطن هي عبارة عن قفزة للهروب
من مأزق . هذه الافكار نسميها الافكار القافزة : ليس لها اساس ولا تشابهُ شيئا ، و
لكن تقدّم مخرجا لرؤية يريدها الانسان ، مثل ملايين السنين عند التطوريين ، فكرة
قافزة يحيلون عليها كل ما لا يمكن تصوره . هذا يشبه تماما ان تضيّع شيئا أنت مسؤول
عن حفظه ، فتقول : ربما جاءت اجسام فضائية و خطفته !! و تتحدى من يثبت عدم امكانية
حدوث هذا الشيء (فكرة قافزة) ..
يذكر فرويد عن أن المصابين بالهستريا والعصاب
قد تعرضوا و هم اطفال لاغتصابات من الكبار و نسوها وتحولت للعقل الباطن وظهرت لاحقا
على شكل هستريا ، لكن حالات اغتصاب الأطفال من قبل الكبار نادرة الحدوث، بينما الهستيريا
والعصاب والوسواس اكثر , ثم كيف يُغتصب الإنسان وهو لا يدري؟ أتراه في الشهر الأول
أم الثاني؟ ذاكرة الإنسان تبدأ بتسجيل المعلومات الهامة بحياته, من عمر سنتين او
ثلاث او اربع سنوات يبدأ تسجيل المواقف والذكريات، فيذكر الطفل المواقف الفظيعة التي
مر بها كحريق أو خوفه من حيوان، و تستمر الذكرى ملازمة له ولا تغيب في العقل الباطن
المزعوم الذي لا وجود له, فالعقل الباطن ليس بالوعة للأحداث المهمة في حياة الإنسان,
بدليل أننا نذكر أشياء من عمر 3 سنوات, أم أن الجنس فقط الذي يُنسى؟ ثم إذا كان لم
يعرف أن الاغتصاب عملية جنسية، إذن هو لا يعرف الجنس.
و يذكر أيضا أن البنت قد تغار من أمها بسبب
تمتـّعها بقضيب ابيها ! لماذا الطفلة تغار وهي لا تعرفه ولم تنضج جنسيا؟ ثم أن البنات
الصغار يخيفهن شكله عندما يرون الأطفال الذكور ويستغربنه.
بعد هذا هل يبقى فرويد هو مؤسس علم النفس ؟
ماذا أسس في علم النفس اذا كان العقل الباطن وهو أهم اكتشافاته عبارة عن خرافة ؟ ماذا
بقي في فرويد غير الدعوى للاباحية باسم العلم ؟ إنه مؤسس الاباحية الغربية ، وليس مؤسس
علم النفس الحديث ، الا اذا اعتبرنا انه اقدم من اهتم بدراسة النفس ، فهذا صحيح ، لكن
اهتمامه غير موفق بالكامل ومجهود ضائع. الا عند اصحاب الهوى الذين صفقوا له وزمّروا
كثيرا وما زالوا .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق