الجمعة، 31 يناير 2020

فبهداهم اقتده

الملاذ الآمن عبر فيسبوك:

سلام عليكم ممكن سوال ما تاثير النبي ابراهيم ع على الفرد والمجتمع معنويا


الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله ..

النبي إبراهيم عليه السلام هو أبو الحنيفية، وكل نبي من أنبياء الله نستقي منه دروسا وعبرا من حياته، القرآن يعرضهم لنا كباقة متكاملة تمثل مجتمعا، أي ناس، فالمؤمن إذا قيل له "الناس" يتذكر هؤلاء، لا بد من أخذ الأنبياء كمجموع، وكذلك الصالحين والصالحات والنبيّات..

إن كل نبي رسول، لكن الله يصرّفهم كما يريد، فبعضهم ينزل عليه كتبا مثل محمد وعيسى وموسى، وبعضهم لا ينزل كتبا على اعتبار ان الكتب موجودة، مثل زكريا ويحيى وإلياس، ليس شرطا ان كل رسول معه كتاب، يوسف لم يكن معه كتاب، ومع ذلك جاء لآل فرعون بالبينات، إذن يوسف نبي ورسول وليس نبي فقط كما يقال، لا يوجد فرق بين النبي والرسول، مصداق ذلك قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون : (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا..) الآية، الآية تصف النبي يوسف بالرسول، لأنه ليس منطقيا ولا أخلاقيا ان يعلم النبي علم الحق ولا يبلغه لأحد، فالله أمر الجميع حتى غير الأنبياء أن يبلغوا آياته والحق وأن يشهدوا بها، فما بالك بالأنبياء وأن يكتمون العلم ويتركون الناس في ضلال؟ 

وليس صحيحا أن الرسول يعظ قومه المرسل إليهم دون غيرهم، فليس صحيحا أن عيسى يعظ اليهود ويطرد المرأة العربية التي جاءت تسأله بحجة أنه ارسل إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل كما يزعم الكتاب المقدس، إذن كل نبي مرسل إلى كل الناس كافة، ولكنه يبدأ بالقريبين منه. الرسول عليه الصلاة والسلام لم يطرد سلمان الفارسي ولا صهيب الرومي ولا بلال الحبشي بحجة أنه مرسل إلى العرب، اذن ما هو الحد الفاصل بين الصالحين والصالحات وبين النبوة؟ يبدو انه الوحي والاتصال بعالم الغيب، فمريم ابنة عمران كانت تدخل عليها الملائكة وتقدم لها الطعام، اذن اتصلت بالغيب، اذن هي نبيّة، ولا بد انها كانت تعظ من حولها ولا تكتم الحق، والملائكة خاطبتها كما خاطبت الرسول محمد، والروح (جبريل) تمثل لها بشرا سويا، وهو نفسه الذي ارسل لمحمد، هكذا يكون الحد الفاصل بين النبي وغيره من الصالحين، وربما يقول احد أن القرآن وصف مريم بأنها صدّيقة ولم يصفها بالنبيّة، والرد على هذا أنه كذلك القرآن وصف النبي يوسف بالصدّيق، وهو نبي، كل نبي صدّيق وكل صدّيق نبي، كان ذكرا أم انثى، وكلهم من الصالحين.

إن أم مريم من الصالحين ولكنها ليست نبية، بينما ام موسى أوحى الله اليها ان تلقي موسى في اليم، هل توجد ام تلقي طفلها في الماء؟ إلا بوحي وتطمين من الله.

النبي إبراهيم عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه، كان يعلم أن هذا وحي، لكن لو قيل أن أم موسى رأت في المنام أنها ترمي ابنها في اليم، لن تكتفي بالرؤيا لتفعل هذه الفعلة الفظيعة؟ الله قال (أوحينا إلى أم موسى) ولم يقل أريناها في المنام، أما رؤيا إبراهيم فقد ذكر الله انها رؤيا. وعلى هذا التأصيل يكون الخضر عليه السلام نبيا، لأنه اتصل بالغيب، وأوتي علما غيبيا، وإلا كيف يعلم ان ذلك الغلام سيكون متعبا ومرهقا لوالديه ويقتله؟ أما لقمان فلا يوجد ما يدل على أنه نبي، لكنه رجل حكيم وصالح. الله أمرنا بالاقتداء بالصالحين والصالحات والنبيين والنبيات، ولم يأمرنا بالاقتداء ببشر او اتباع انبياء حتى، او اسلاف، قال تعالى مخاطبا رسوله (فبهداهم اقتده) فما بالك بغيره؟ اذن هم القدوة و هم الناس و هم المجتمع الذي ينبغي ان يكونوا على بالنا دائما، ونعرض افعالنا واقوالنا على هذا المجتمع، و هم كلهم من الصالحين.

كل دعوى الأنبياء واحدة، (اعبدوا الله ما لكم من اله غيره) ، الأنبياء تناولوا موضوعات مختلفة مع اقوامهم، فمنهم من نهى عن الغش والتطفيف (شعيب)، ومن نهى عن الفسق وإتيان الفواحش (لوط)، ومنهم من نهى عن قطع السبيل، ومنهم من نهى عن التبقّر (أي التشدد في التفصيلات العقلية للدين، كحال بني إسرائيل مع البقرة) (موسى وكذلك عيسى)، ومنهم من نهى عن وأد البنات وعبادة الأصنام وأكل الربا ولعب القمار والتعصب القبلي والتفرقة العنصرية (محمد)، وغير ذلك كثير كلها تمر في صور الحياة، اذن هم مجتمع كامل من الصالحين والصالحات يعرضهم لنا القرآن ويأمرنا بالاقتداء بهم وحسن أولئك رفيقا، ودعواهم واحدة، لكنهم يسلطون الضوء على العيوب التي توجد في مجتمعهم الذي عاشوا فيه.

نبي الله إبراهيم امة وحده، قال تعالى (إن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا وما كان من المشركين)، وصفه الله بأنه أمة، لأنه بحث عن الله بدون مرشد، عاش إبراهيم في زمن الالهة المتعددة وانتشارها في العالم القديم، وبإحساسه رفض واقع المجتمع، ورأى تهافت ما يفعلون، وبحث عن الله وعرف أنه موجود ولكنه لم يعرف ما شرائعه وكيف يعبده ويشكره، قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)).

ما قام به إبراهيم هو الحنيفية، وهي البعد عن الباطل، فالحنف في اللغة يعني الميل، وكلما واجهه باطل حنف عنه، مهما كان مشهورا او كثر من يفعله ويقر به، وهكذا يجب على كل مسلم ان يكون حنيفا، يتلمس الحق ويتبعه، ويقارنه بالباطل فيزيغ عنه، هكذا هي حية الحنيفية، والإسلام هو دين الحنيفية، محمد أشبه إبراهيم في الحنيفية، فقد رفض ما كان عليه مجتمعه، وصار يعتزلهم في الغار، يتلمس الصواب ويرجو الهداية، فلما توقف على ما لا يستطيع أن يعرفه بنفسه، سأل الله الهداية فاجتباه ربه وأنار قلبه وبعثه نبيا رسولا، وهكذا عطاء الله أكبر مما نطلب دائما، قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، هكذا الله يأمرنا بإتباعهم في النفور من الباطل وأهله، وبصحبة الطيبين والشرفاء والمؤمنين. 

إبراهيم تحدى قومه لوحده وكسر أصنامهم، ليثبت لهم انهم لا يعلمون شيئا، لأنهم كانوا يزعمون ان هذه الالهة تعلم الغيب، وقد كسر اصنامهم ووضع الفأس على كبيرهم، وقال لهم اسألوه يخبركم، مع أن أباه كان خادم المعبد، لذلك إبراهيم أمة وحده، الامتحانات التي مر بها إبراهيم لا يستطيع أن يتحملها أي بشر، فتارة يؤمر أن يذبح ابنه الذي ألقاه وهو صغير مع امه في صحراء موحشة، وغادر المكان بعد أن دعا لهم، ليعود فيما بعد بسنين، ليجد المكان عامرا ومزدهرا ويرفع قواعد أول بيت وضع للناس في التاريخ، هو وابنه إسماعيل، بعد ان اهمل واندثر، وفي ظل هذه الأجواء السعيدة يرى في المنام انه يذبح ابنه بعد ان صار رجلا، ويعرض الامر على ابنه ويقول له يا اب افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين، هذا بعد ان قال لهم الله أسلما فقالا اسلمنا لرب العالمين، جاءهم هذا الاختبار الصعب على الاثنين، لكي نعرف ان كلمة اسلام ليست كلمة تقال هكذا، بل هي تسليم النفس والمصير لله رب العالمين، وهنا تتحقق العبودية لله، وبدون الإسلام والتسليم لا يكون الانسان عبدا خالصا لله، بسبب هذه الصعوبات الشديدة التي واجهها نبي الله إبراهيم منفردا لوحده، اتخذه الله خليلا، حتى لا يشعر بالوحدة، وكيف يشعر بالوحدة من اتخذه الله خليلا؟ 

انظر الى لطف الله الذي كلم موسى من بين بقية الأنبياء، لماذا كلم الله موسى بالصوت؟ لأن موسى كان يتحرج من لثغة لسانه، فكأنها عزاء له حتى لا يشعر بالنقص، ليت كل مسلم ومسلمة يقتدي بهؤلاء، اذن لأصبحنا في خير ورشد ونزاهة وطهارة، هؤلاء هم القدوة والمجتمع المثالي لمن احب أن يكون مثاليا، و هم الاستقامة لمن أراد ان يستقيم (فبهداهم اقتده).. والسلام.  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق