خالد :
طابت اوقاتكم .
قد يفتخر الإنسان بذكائه وهذا من حقه ، وقد ينتفع الناس من ثمار عقله . تتحسن احول الناس مع ارتفاع مستوى وعيهم وإدراكهم للعوائق الفكرية والنفسية التي اكتسبوها من التربية أو تجاربهم الفاشلة أو المؤلمة التي كانت نتيجة فهمهم للمحيط والأحداث . لكن الإنسان بطبيعته لا يريد إلا الخير لنفسه ، ويحاول ما استطاع تجنب الشر فعله أو عيشه ، وليس له لتجنب الشر إلا عقله وتفكيره .
والسؤال هو : من أين تاتينا الأفكار ؟
شكرا
--------------------
الرد :
العزيز خالد ..
الأفكار هي حركة العقل الباحث عن حل لمشكلة في الداخل . وهذا في الاساس ، فربما طَلب منا أحد أن نفكّر أو إقتضت الوظيفة ذلك ، هذا الدافع ليس ذاتياً ولكنه يُحرّك دوافعاً ذاتية لأجله ، فلو لم يفكّر الموظّف في عمله وينفّذ العمليات العقلية المطلوبة من رؤسائه ، لسُرّح من العمل ، وهذا يحرّك الدوافع الداخلية التي تتعلّق بالجوع والإعتبار الإجتماعي .. إلخ ، إذاً فأساس التفكير بشكل عام هو ذاتي ، سواء كان الدافع مباشراً أو غير مباشر .
وكل حاجات الشعور الإنساني الكثيرة بشكل عام تبحث عن الخير ليس فقط لأنفسنا كما قلت ، بل الخير والحق والجمال مطلقاً ولذاتها ، لنا ولغيرنا ، أرأيت الذي يساعد بدافع الرحمة أحداً لا يمكن أن يستفيد من وراءه شيئاً ؟ هل هو يبحث عن الخير لنفسه الآن ؟ إنه يخدم الخير اساساً ، لكي يحق الخير كحقّ ، ويبعد الشر كشرّ ، وهذا الكفاح الطويل للشعور الإنساني غايته هي الفضيلة ، لكي يوصلها كأمانة إلى رب الفضيلة عندما يموت الإنسان الذي حملها ، وهذه المهمة ينيطُ بها الشعور للعقل ، لأنه هو وسيلة الإتصال مع العالم الخارجي ..
ودوافع الإنسان في الاساس هي لأجل الخير ، سواء للإنسان أو ضد مصلحة الإنسان ، ارأيت الذي يضحيّ بوقته أو ماله أو نفسه من أجل الفضيلة ؟ إذاً دوافعنا هي تريد الخير وأن ينتصر على الشر على ظهر الأرض ، دوافعنا ترى أننا أفراد مثل غيرنا أمامها وبدون محاباة لنا ، ومن حقهم ان ينالهم الخير ، ومن ضمنهم نحن أيضاً ، لهذا نتعذّب كل مرة عندما نُدرك أننا أنانيّون .
فالعقل بوسائله يبحث عن حل للمشكلات التي يعرضها برلمان الشعور ، كلما احضر حلا عرضه على الشعور ولم يقبله تُعاد المعاملة مرة أخرى إلى العقل ، فإن جاء بجديد فسيطالبه الشعور بالكمال ، وهذا ما يسمى بالعقل التطوير أو الديالكتيك ، وإذا لم يأت العقل باي جواب ، فإن السؤال يظل مطروحاً ومعلّقاً يدور حول الراس مع غيره من الأسئلة التي تدور حوله وبشكل مستمر ومزعج ، وهذا ما يسميه الناس أفكاراً مزعجة ؛ لأنها في الحقيقة أسئلة مزعجة – أي : طلبات - لم يقدّم العقل لها جواباً شافياً ، وهذه الحالة تشبه حالة الملحد المضطر وليس المختار ، فتجده يعاني من زحمة الاسئلة التي تزعجه وتنغّص عليه حياته ، ويقول : بحثت في الدين ولم أجد ، وفي الفكر الآخر فلم أجد ، وهكذا ..
أما الملحد المختار فهو يبحث عما يؤيد اختياره ، ويتغاضى عمّا يعارض إختياره ، فهو ليس باحثاً حقيقياً ، بل هو مختار ويبحث عن ما يؤيده ..
إذا ً مصدر الافكار كما تفضلت أنت هو من دواخلنا ، والعقل يحاول أن يُجيب ، فإما أن يأتي بجواب شافي فينتهي التفكير في هذا الجانب ، أو يأتي بجزئية فيطلب الشعور التكميل ، أو ألا يستطيع العقل أن يجيب فيظل السؤال معلّقاً مع طرح البدائل المرفوضة ، والاستمرار في طرحها على الشعور وهو يرفضها ، مثل من يحاول اقناع نفسه بفكرة وهو يرفضها من الداخل ، لأسباب : إما أنه وُهِّم أن هذا هو العلم ، كما يحصل في ضغط الداروينيين بحجة العلم ، أو ضغط بعض الدينيين بحجة الدين وعقاب المخالف ، أو بأية حجة أخرى .
ففي مثل هذه الحالة يعاني الشخص من التفكير المزعج ، وهو في أساسه أسئلة كما قلت ، والاسئلة مبنية على حاجات في الشعور الإنساني ، الذي هو اساس الإنسان وليس العقل ، فالعقل خادم لهذا الشعور ، مثل أن يعطش الإنسان فيفتش العقل عن مصدر ماء ، فإذا وجد الماء عَرَضَه على الشعور عن طريق الحواس ، فإن لم يعجبه منظر الإناء أو وجد فيه قذى فربما يرفضه ، أو يقول : إبحث عن ماء أفضل من هذا ، فيستعمل العقل وسائله الداخلية والخارجية والوسطى ..
والوسائل الداخلية مثل الذاكرة ، فيتذكر أن هناك مكانا يُباع فيه الماء النقي ..
أو يستعمل الوسائل الخارجية كأن يبحث بعينيه عن مكان أو محل ، والوسائل الخارجية ذاتية أو غيريّة ، كأن يسأل غيره أو يبحث في معلومات مكتوبة أو عناوين ..
أو يستعمل الوسائل الوسطى مثل التداعيات ، بحيث يقع بصره على شيء يذكّره بشيء آخر موجود في ذاكرته عن طريق التشابه أو الضديّة ، فما رآه هو شيء خارجي ذكّرَهُ بشيء داخلي في ذاكرته ..
والوسائل الداخلية مثل الذاكرة ، فيتذكر أن هناك مكانا يُباع فيه الماء النقي ..
أو يستعمل الوسائل الخارجية كأن يبحث بعينيه عن مكان أو محل ، والوسائل الخارجية ذاتية أو غيريّة ، كأن يسأل غيره أو يبحث في معلومات مكتوبة أو عناوين ..
أو يستعمل الوسائل الوسطى مثل التداعيات ، بحيث يقع بصره على شيء يذكّره بشيء آخر موجود في ذاكرته عن طريق التشابه أو الضديّة ، فما رآه هو شيء خارجي ذكّرَهُ بشيء داخلي في ذاكرته ..
والتفكير إرادي أو لا إرادي ، والتركيز هو التفكير الإرادي ، والتداعيات هي تفكير لا إرادي ، فتجد نفسك وجدت حلاً لمشكلة وأنت لم تُرد التفكير الإرادي فيها . وبهذه الطريقة يحمي الشعور نفسه من المشاعر المؤلمة ، فالتداعي يحرّك الإنسان حتى لا يظل تحت اسر شعور واحد ، إفترض مثلاً شعور الحزن ، لو استمر الإنسان عليه ولم يعمل التداعي لربما مات من الهم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق