الأربعاء، 11 أبريل 2012

آراء في أشهر الآراء : سيجموند فرويد (تفسير الأحلام) -8-

الحلقة الثامنة :



لماذا يعتمد على الرمزية اذا ؟ الاقدمون كانوا يعتمدون على الرمزية ، فما فرقه عنهم في منهجه ؟ هم ايضا يقولون : ننطلق من الرمز الى المعنى الباطن !

ولماذا لعبة القط و الفار يلعبها الشخص مع نفسه ؟ اليس نائما ؟ وبعيدا عن عالم الواقع ؟ واذا كان الانسان يفعلها في يقظته ، فما الذي يجبره على فعلها في منامه ؟ و ما الفائدة من ذلك ؟ كأن حال اليقظة والمنام شيء واحد عند فرويد ، مع ان عالم الاحلام عالم اخر غير عالم الواقع .. اذا هذه الرقابة لا فائدة منها .

وما جدوى المصادرة فالمجتمع غير موجود معنا في احلامنا حتى يسجل علينا مآخذا و عيوبا .. لماذا الخوف اذا من الناس و هم غير موجودين ؟ هذا كلام غير مقنع . لأنه يجعل الانسان يعمل عملا لا فائدة منه على الاطلاق . لنفترض ان الرقابة غير موجودة في الاحلام ، هل ستهتز صورة الانسان عند المجتمع ؟ طبعا لا ، لانهم لا يعرفون احلامه ما هي .. اذا ما فائدة عملية الرقابة ؟ فائدتها ان تؤمّن لفرويد مخرجا امنا حتى لا يعترف باصالة الفضيلة في شعور الانسان .

فرويد مؤمن ان الاخلاق يفرضها علينا المجتمع و نحن في عالم اليقظة، و يريد ان يطبق هذا حتى على عالم الاحلام ، حتى مع ان المجتمع غير موجود فيه وجودا حقيقيا . لان فرويد وجد ما لم يحب في تتبعه للاحلام ، و هو ان الاحلام ايضا تحترم الفضائل والقيم ، لهذا ادخل الرقابة الواقعية على عالم الاحلام ، لكي يبرئ الانسان من كل فضيلة ، و كانه يقول : المجتمع معك ، سواء استيقظت او نمت ، والا فانت شر خالص في حقيقتك .

فكرة واهنة تقوّى من خلال عكازات ، لانها ليست حقيقية في عالم اليقظة ، وعالم الاحلام كشف زيفها . اين هي الرقابة عن تناقض الصور في الاحلام ؟ وتداخل الازمنة ؟ والتحدث مع اناس ماتوا من زمان ؟ لماذا لم تصحح الرقابة هذه الاوضاع الغير منطقية ؟ اذا لا توجد رقابة على الاحلام اصلا ، لسبب بسيط وهو ان الرقابة مرتبطة باليقظة و الوعي ، ونحن امام شخص نائم لا يعي ما حوله .

الرقابة عرفها فرويد في عالم اليقظة ، اذا هي مرتبطة بذلك العالم فقط . فعلى اي اساس يربطها بالمنام والاحلام ؟ لا يوجد اساس واقعي و لا علمي لهذا الربط .

لا يوجد تنكر في الحلم ، و لماذا التنكر ؟ لا يوجد اشخاص ولا مجتمع هنا . الشعور يريد الا يختلط الحلم مع الذكريات الواقعية ، لهذا يحصل هذا التقطيع و الربط الذي نتصور انه عشوائي ، مع انه ليس كذلك . و اذا عرف السبب بطل العجب . ولو كانت الاحلام كلها تجري على نفس منطق الواقع ، لاختلط الواقع علينا بالاحلام . وهذا الامر كافي لان يجعل المرء مجنونا ، فيشهد بوقوع شيء لم يقع ، و لا يعلم أرآه في الحلم ام في الواقع ..

اذا لا بد من عملية التقطيع ، وهي اجراء صحي يقوم به الشعور حتى لا تضطرب الذاكرة .  ومع هذا ايضا ، يعمل الشعور على مسح الحلم خوفا من بعض الاختلاطات في الواقع ولو كانت جزئية ، الا اذا اراد الشخص ان يثبّته في ذاكرته على انه حلم ، و الا فطريقه الى المسح سريع ، منذ ان يفتح عينيه على عالم اليقظة . لكن الشعور المصاحب للحلم يفعل فعله في اليقظة ، حتى ان احلامنا تؤثر في مشاعرنا في اليوم التالي . اذا الحلم ادى مهمته دون ان يضر بالذاكرة والعقل والمصداقية . و كما قلنا ان اساس الحلم هو مشاعر .

التيارين السطحي والخفي :

ما الفائدة اذا كان صاحب الحلم لم يفهم هذه اللغة ؟ ام ان من فعل الحلم يعلم بوجود محلل نفسي كبير اسمه فرويد سيحل هذه الالغاز عندما يعرض عليه الحلم ؟ و اذا لم يكن فرويد موجودا ، من سيحل هذه الشفرة الهيروغليفية ؟ اذا الاحلام عبارة عن عبث في هذه الحالة ولا فائدة منها . 

ما فرقه هنا عن المحللين و المفسرين السابقين؟ هم يأخذون الصور كمفردات معزولة عن بقية صور الحلم و المشاعر السائدة فيه .. أراد ان يخالفهم ففعل مثلهم تماما . ونعلم ان اي رسالة يتم فهم مضمونها ليس من خلال حرف فيها او كلمة واحدة ، بل من منظومة الحروف التي تشكل كلمات و جمل . إذا هو يريد ان يفهم الرسالة من حرف واحد يختاره هو ، بحيث يكون متناسب مع فكرته المسبقة .

اخذ صورة واحدة وتعميمها على الحلم بل وعلى حياة الشخص كلها ، إن لم تكن هذه هي الانتقائية بعينها ، فماذا تكون ؟ وان لم تكن هي تعميم الجزء على الكل ، فماذا عساها ان تكون ؟ ان هذا خطأ منهجي في دراسة اي شيء .

الحلم لا ياتي عبارة عن صور مفككة ، بل ياتي على شكل رسالة ذات مونتاج واحد . نعم قد ياتي اكثر من حلم في الليلة الواحدة ، و هذا يدل على ان كل حلم مستقل عن الآخر ، أي انه رسالة او قضية مستقلة عن الاخرى . و اذا كان هذا منهجه ، فما اسهل ان يجعل كل الاحلام في صالح فكرته . لانه سيبحث عن جزئية مناسبة او صورة واحدة كما يقول ، ثم يبني عليها كل ما يريد ، فيحرّف الحلم عن هدفه الاساسي الى الهدف الذي وضعه مسبقا هذا المفسر ، ليستدل من خلال الاحلام على تأصل الشر و سيطرة الغرائز الحيوانية و نفي الغرائز الانسانية في الانسان .

حتى لو كان الحلم اخلاقيا فسوف يتحايل عليه ويقول انه من تاثير العقل الظاهر و يلتقط صورة او جزئية و ينطلق وراءها لما يريد . هذا الشيء تستطيع ان تفعله في الرسائل والخطابات العادية بين البشر ، و هذا ما اخذه النقاد على المدرسة النفسية في النقد الادبي المعتمد على فرويد ، و الذي اخرج كل الادباء بانهم عبارة عن مرضى نفسيين و يعانون من الكبت الجنسي و عقد النقص والامراض العصابية ، حتى لو كانوا يتغنون باماجد الاخلاق في شعرهم ، بحيث يبحث عن كلمة لها اكثر من ايحاء و يصرفها الى الايحاء الذي يريده هو ، ويقول ان الشاعر عبر عن غرائزه من حيث لا يدري .

فكرة تقويل الناس ما لم يقولوا هي ابعد ما يكون عن العلمية واقرب من الهوى و ما نريد ان يكون وليس ما هو كائن ، وتـُصنف من ضمن الاخلاق السيئة . اذا منهج فرويد اصلا غير علمي . لأنه يترك كل الحلم ويختار لقطة بسيطة فيه و يفسر من خلالها كل الحلم . هذا يشبه من يفتح صفحة واحدة من كتاب ، و يحكم من خلالها على كل الكتاب . هذا لا يعتبر من المنهجية العلمية ، المفترض ان يدرس كل الحلم دون انتقاء حتى تكون دراسة علمية . بل لا يكفي حلم واحد لاصدار حكم على نفسية الشخص .

التيار السطحي والتيار الخفي :

هنا ربط فرويد بين كل الاحلام و الذكريات ، فرويد يرى ان الاحلام ليست الا ترجمان الذكريات ، بل و الذكريات المنسية : على اي اساس علمي بنى هذا الربط ؟ لماذا الاحلام عنده فقط لذكريات ؟ وما فائدة تجرر الذكريات ؟ و ليته ربط الاحلام بكل الذكريات على الاقل ، انه يربط احلام البشر كلها بذكريات عن اشياء مرغوبة و مكبوتة ! هذا كله بلا دليل علمي ! حتى ان الشخص يحلم باشياء مستقبلية بعض الاحيان ، اي بعيدة عن ذكرياته و عالمه ، وفرويد سوف يعيده بالقوة الى ذكرياته الشهوانية المكبوتة .. هذا شخص يحلم في المستقبل !! ليس يحلم في ذكرياته ! ولو شاء الحلم لاحضر له ذكرياته !

لو حلم شخص بانه قتل فمات ، ثم قام من موته ، لفسرها فرويد برغبة جنسية مدفونة ! ثم صار يلف و يدور ، وسوف يفسر القتل بفقدان القدرة الجنسية ! و الموت بحالة كمون جنسي ! و البعث والوقوف من القبر بنهضة الشهوة الجنسية و ازدهارها ! وهكذا يستطيع كل شخص ان يفسر مثل فرويد ، لانه سهـّل عملية تفسير الاحلام ، لانه ربطها بالجنس ، فكلما عرض امامك حلم ، ما عليك الا ان تربطه بالجنس باي شكل من الاشكال ، و ستجده يعجب فرويد و اتباعه ! نستطيع ان نربط مثلما فعل فرويد كل الاحلام بشيء واحد ، فنقول مثلا : كل الاحلام تدور حول جمع الثروة و التملك ، فهذا الذي حلم انه مات ثم استيقظ من موته ، هذا اشارة الى رغبته في ان يكون ثروة من جديد بعد ان خسر ! و نستطيع ان نفسر كل الاحلام بالرغبة في الحياة ، فهذا الذي يحلم بانه قام بعد موته ، يشير الى رغبته بان لا يموت ! وهكذا ..

التفسير و الربط النظري لا حد له ، لدرجة انك تستطيع تفسير كل شيء بكراهية الجوع و طلب الشبعة . فهذا الذي يحلم انه مات ، اي يخاف من الجوع ، و يحلم انه قام من موته ، اي انه شبع !! الى ما لا نهاية من هذه التفسيرات السخيفة التي تحصر الانسان المتعدد في شيء واحد . و  ما اسهل التأويل والتعسف والانتقال من المعنى الظاهر الى المعنى الباطن اذا لم يسعفنا المعنى الظاهر .

فرويد متاثر بالكابالا اليهودية التي تفسر النصوص بمعاني باطنية بعيدة جدا عن ظاهرها و يختلقها المفسر . والكابالا اساس فكرة التفسير الباطني للنصوص . و فرويد ادخل الكابالا من تراثه اليهودي الى الاحلام والمجتمع والنفس البشرية .

والتكثيف الذي يشير اليه هو اعتراف بالاختزال والانتقائية التي سيقوم بها ، وهذا ليس من المنهج العلمي .


هذه نتيجة وصل اليها بدون دليل ويريد ان يجعلها اساسا في البحث .. لماذا لا تنشط النفس الا لذكريات ؟ هذا حصر بدون سبب مقنع . ولو كانت الذكريات مهمة على النفس فلماذا تنساها ؟ الذكريات تعني الماضي ، والماضي لا قيمة له مقابل المستقبل . اذا المنطق يقول هدف الاحلام هو المستقبل و ليس الماضي وتجرير ذكرياته .. نحن لا نعرف انفسنا في الماضي ، بل نعرف انفسنا في الحاضر اكثر من ان نعرف انفسنا في الماضي . كل شخص سوف يتفاجأ عندما يرى نفسه على شريط فيديو او صور قد التقطت له في ماضيه البعيد دون ان يدري . سوف يرى شخصا مختلفا . ولو كانت الاحلام استجرارا للماضي ، لكنا نعرف انفسنا في الماضي بشكل جيد و كل ليلة . اذا لماذا نتفاجأ عندما نرى انفسنا على شرائط قديمة و لا نتذكر انفسنا ولا حتى و نحن في تلك الحالة ؟ بل و ننتقد انفسنا لماذا لبسنا هكذا او لماذا قلنا هكذا ..

اذا فرويد يبني على اساسات غير سليمة ، ليست الذكريات هي همّ الانسان بل المستقبل ودائما المستقبل ، بل ان المستقبل اهم عندنا من الحاضر . و نستطيع ان نضغط على انفسنا في الحاضر مقابل الازدهار في المستقبل . اذا فرويد جعل الاحلام و النفس البشرية تتحرك نحو الشيء القليل في قيمته والفاقد لاهميته وهو الماضي ، بل الماضي السحيق ! وتدور حوله ولا تفارقه ! مع انها تعلم ان الماضي لا يعود . فرويد يفسر بطريقة رجعية .. كل شخص يركز على الماضي ويعيش فيه ، يـُنتـَقد في عقله لان الماضي ولى وانتهى .

تفسير الاحلام عند فرويد ، هو نفس الوقوف على الاطلال عند امرؤ القيس و شعراء الجاهلية ، اي ان احلامنا هي وقوف على الاطلال في كل ليلة على مبدأ (قفا "كبت" من ذكرى حبيب و منزل .. بسقط اللوى بين الدخول فحومل) . و هذا ضد التجدد و الحيوية و ضد المنطق والعقل .. النفس عند فرويد تبذل مجهودات لا فائدة منها ، لانها تبكي على الماضي و تعيش ذكرياته !

و فرويد ليس بهذا الغباء ، انه عندما يربط الاحلام بالذكريات القديمة ذات الرغبات المكبوتة ، فكأنه يقول : عليك ان تصحح الوضع الذي كان في الماضي . بحيث تحرر ذلك الكبت حتى لا يلاحقك في احلامك وتفك العقد والامراض النفسية المرتبطة بذلك الكبت ، اي التحرر من الدين والاخلاق حتى تكون سليما نفسيا و تنام نوما خاليا من الاحلام .

و حتى نثبت خطأ فكرة فرويد عندما قال ان الاحلام صدى الذكريات المكبوتة : لنفترض ان شخصا نفذ كل تلك الرغبات المكبوتة : هذا يعني على منطق فرويد انه لن يحلم ! و سوف ترتاح النفس من تجرير الذكريات ! لا احد يصدق ان هذا سيكون ، مع ان كثيرين استجابوا واطلقوا العنان لشهواتهم بشكل اكبر مما طلبه فرويد ، فازدادت احلامهم سوءا و رعبا و نومهم نكدا . اذا منهج فرويد خاطئ من هذه الزاوية الضيقة التي حشر نفسه فيها .

بنية الحلم :

الحلم ينطلق من الذكريات القريبة و ليس من الذكريات البعيدة . الم يقل فرويد ان احداث اليوم السابق لها علاقة بالحلم ؟ الحلم ينطلق منها ، أي من شيء سمعناه او رايناه او قلناه حتى ، لكي يبني بحريـّة مشاهدا تلفها و تنتظمها المشاعر ، و دائما تحمل رسالة . و اغلب ما تكون رسالة تحذير ، حتى الرغبات تظهر في اطار التحذير من الاضرار التي قد تنجم عنها .

الحلم ليس وضعا مجنونا ، ولكن له منطقه المخالف للمنطق المعتاد ، حتى لا تلتبس على الذاكرة الاحلام مع الواقع . ترتيب المشاهد في الحلم مجنون ، ولكن الروح والفكرة والشعور والهدف عاقل جدا ، بل اعقل من الشخص وهو مستيقظ . و من هنا كانت الاحلام مفيدة لكي نعرف ما نخاف منه و ما لا نثق بانفسنا فيه وما يجب ان نكون وما يجب ان نفعل وما يجب ان نحتاط له .

النقطة الاساسية في الاحلام هي الخوف وليست الرغبة .

لاحظ ان الاطفال - بل حتى الكبار - عندما يرون فيلما او يسمعون قصة عن السحر او العفاريت ، او الحيوانات المفترسة ، غالبا ما تنطلق منها احلامهم . فرويد يعرف انه اذا تابع الحلم كله سيجد هدفا لا يناسبه ، لهذا قال ان الحلم يعتمد على التكثيف ، اي ياخذ جزئية و يقول ان الحلم كله تكثف من هذه الجزئية . انه مضطر لان يجعل منهجه بهذا الشكل . لان الاحلام سوف تفضح تفسيراته ، بل تفسيره الوحيد و الخبيث الذي يدور حوله .

-----------------

انتهت الحلقة الثامنة 
وتتبعها الحلقة التاسعة بإذن الله ..

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق