الجمعة، 7 يونيو 2024

في التعامل

التعامل بين الزوج والزوجة يجب ان يكون على الأساس الأخلاقي، وبموجب الحد الذي يعاملك فيه الطرف الآخر أخلاقيا، عارٌ عليك إذا نزلتَ عنه، حتى لو كان مسألة رد سلام. وإذا كان يحادثك ويجيب عما تريد وهو غاضب، فعليك أن تحادثه وتجيب عما يريد وأنت غاضب، فلا يكن الطرف الآخر أفضل منك أخلاقيا.

 

وهذا ما يجب أن يكون بين الزوج والزوجة، لأنه تقع مشاكل من قبيل ان المرأة وأخلاقها تختلف عن الرجل واخلاقه، والحقيقة أن الاخلاق واحدة، مع الجميع، رجل او امرأة، وهل كون الشخص رجلا او امرأة هذا يُذهِب الأخلاق وقيمتها؟ إن الدين أساسا هو أخلاق، مع الخالق أو المخلوقين.

 

إن النسوية الشرقية تقدّم فهما لحب المرأة لزوجها مغلوطا ومزعجا، سواء لزوجها أو حتى لها، فتقول له مثلا: أنا اغضب عليك وألومك واراقبك وأتطلّب منك لأني أحبك وأتدلل عليك! هكذا يموت الحب ولا يستطيع ان يسير، بسبب أحمال سوء الأخلاق التي رُكّبت على حمار الحب.

 

إن الحب ليس كذلك، ماذا يعني أن تحب أحداً؟ يعني أن تعامله بأرقى مستوى أخلاقي يمكن أن تصل إليه من العطاء والبذل والصفح والتعذير والتحمل والصبر والثقة، هذا هو الحب، لا أن يُترجَم الحب إلى مراقبة وتشكك وتجسس وكتم للمشاعر الطيبة بحجة ألا يرى الطرف الآخر نفسه، هذا حبٌّ زيّنه إبليس ورتّبه بهذا الشكل.

 

المشكلة ان هذه الباقة الثقيلة تسميها أكثر النساء عطاءً، لكنها في الحقيقة أخذٌ وإزعاج. إن مفهوم الحب مغلوط إذا كان على مبدأ (تدري ليش أزعل عليك؟ أعشقك وأموت فيك..). هذا النوع من الحب لا يفتأ أن ينقلب إلى عداوة في حال أي صدمةٍ تأتي من الطرف الآخر، وهو بهذا الشكل يُعتبر نوعا من أنواع حبّ التملّك مع سوء الأخلاق. إن الحب يجلب الراحة والأمان والسكينة، قال تعالى (خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها).  

 

إن المُطَلَّقة عليها أن تكون بنفس مستوى أخلاق طليقها، فليس صحيحا أن تجد الطليق يدعو لها بالتوفيق والرزق، بينما المطلقة تتمنى له الدمار والضعف وتفرح بأي مصيبة تأتيه وتشوه سمعته، بينما هو يطيّب سمعتها ولا يذكر عيوبها بعد طلاقها، وهي تفعل العكس.. هذا نزولٌ عن المستوى الأخلاقي. كيف ترضى لنفسها أن تنزل عن مستوى الأخلاق التي يعاملها به وتستمتع بأخلاقه معها؟ كأن عند كثيرٍ من النساء أنه لا حرج عليها في ذلك، لأنها "امرأة"، لذلك وُصِفَت بأنها ناقصة عقل ودين، وأنها عاطفية، وأن كلمةً تأتي بها وكلمةً تُبعدها، وأنها ضعيفة وانفعالية، وعلى ذلك يجب أن تُقدّم المرأة ولا تُحاسب مثل الرجل، كما يقول الغربيون عند افتتاح أي خطاب : (سيداتي سادتي)، ومبدأ (Ladies First) السيدات أولا، بل حتى لا يمكن محاسبة المرأة على اخلاقها، وكأنها خارج المحاسبة على المعيار الأخلاقي! هذا كله من التدليل الخاطئ لها، وهذا كله خاطئ، وإلا فلماذا تساوى التكليف بين الذكر والأنثى عند الله في كتابه؟ فالله يقول (إني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى).

 

هنا يجب أن تخاف المرأة من الله، فالله سيحاسب الجميع، بميزان واحد، ولن يقال أن هذه إمراة لها حساب مختلف عن الرجل. وعلى الرجل أيضا أن يخاف من الله. كل طرف عليه ألا ينقص عن أخلاق الطرف الآخر، هذا هو الحد الأدنى، وإلا فقد وقع في الظلم، سواء من الزوج أو الزوجة.

 

وهذه أيضا عامة حتى بين غير الأزواج، لا تشرب من كأس الناس العذب، وتعطيهم الكأس العَكِر.. هذا نقصٌ في الأخلاق، وإلا فلا تشرب العذب من الأساس.

 

إن الكلام هنا على جزئية الأخلاق في التعامل، لأنه لا يوجد أحد كامل في الأخلاق، لكن إذا كان الطرف الآخر يثق فيّ، فلم لا أثق فيه؟ وإلا فعليّ ألا استمتع بثقته فيّ، إذا كان لا ينتقدني ولا يجرحني، ويستخدم معي ألفاظا مهذبة، فلماذا انتقده واجرحه واستخدم معه الفاظا سيئة؟ لا بحجّة أني امرأة ضعيفة عاطفية ناقصة عقل ودين، ولا بحجة أني رجل قوّام ورب الأسرة.. لا مبرر إطلاقا لسوء الأخلاق، فضلا عن سوء الألفاظ، وأسوأ السوء في الأخلاق هو رد الجميل بقبيح.

 

لا تنزل عن مستوى الأخلاق الذي قدّمه لك الطرف الآخر، حتى ولو بالكلام. إذا أعطاك كلاما طيبا فعلى الأقل لا تعطه كلاما سيئا،

أعطاك حسن ظنه فيك، لا تعطه سوء ظنك فيه..

أعطاك الأمان، لا تعطيه القلق..

أعطاك التفاؤل، لا تعطيه التشاؤم .. وهكذا ..

هو متسامح معي، لم لا أتسامح معه؟ هو يتغافل عن زلاتي، لم لا أتغافل عن زلاته؟ لماذا ابحث عنها وأكبّرها؟ هذا يعتبر نزولا عن الحد الأدنى للأخلاق في التعامل، وهذا ليس له ما يبرره إطلاقا.. هو يتكلم معي بصوت هادئ، فلماذا اصرخ في وجهه وانزل عن مستوى الأخلاق التي قدمها واستفدتُ منها؟ لا تبصق في الإناء الذي شربت منه، بجزئية الأخلاق، حتى لو كان خصما لك يخاطبك بألفاظ محترمة، فعليك أن تخاطبه بألفاظ محترمة، رغم الخلاف، وإلا فهذا نزول عن المستوى، وهذا يعتبر بصقا في الإناء الذي شربت منه.

 

إنه بسبب مثل هذه الاقوال: أن المرأة عاطفية، وأنها ناقصة عقل ودين،وأنها خلقت من ضلع أعوج، أصبحت المرأة - عند بعضهن ولا أقول الكل - تكاد تكون مُبرّأةً من مسؤولية الأخلاق والتصرفات، بل حتى بعضهن يستحلّ الكذب والإفتراء وكفر المعروف.

 

إن بعض النساء للأسف لا تتحمل مسؤولية الأخلاق، وكأنها حملٌ زائد، مع أنها تأكل من خيرات التعامل الطيب معها، ومن زوجها بالذات، ولو جزئيا، سوف نحاسب على ما أكلنا ولم ندفع ثمنه، فما بالك أن يكون ثمنه أذى؟