كل شيء فريد ومميز :
غالباً ما نصادف في الحياة أشياء متشابهة مثل الأشخاص الأقلام الكتب ...الخ ، إلا أنه هذا الشبه دائما ما يكون " ناقص " بدرجات مختلفة ، أي أن مدى التشابه لا يصل إلى الحد " المطلق أو الأعظمي " ألا وهو " 100% " ، فمهما أتقنا صناعة أقلام الرصاص مثلا ، فلا بد لها أن تختلف فيما بينها ولو بفارق بسيط جداً ، واذا ما قمنا بمقارنة 2 كيلو من الدقيق مثلا ، كل كيلو على حدى ، مقاسة بأفضل وأدق الميازين المختلفة ، فإنها لابد لها أن تختلف ولو بذرة طحين واحدة ، ومهما ضربنا من أمثلة ، فعند المقارنة بين شيئين فإنهما على الأقل يختلفان في الموقع من هذا الكون ، ولكلٍ موقع ما يؤثر ويتأثر به ، ولكٍ منه ينتج وناتج عن شيء مختلف بالضرورة .
وكل شيء في الوجود دائم التغيّر والتبدل إما الكلي أو الجزئي ، وهذا ما ينتج الاختلاف بين الأشياء مهما تعاظمت درجة التشابه .
وهذا الاختلاف وعدم التناظر بين الأشياء هو ما يجعل كل شيء موجود " لمرة واحدة فقط " ، لا تتكرر ، وهذا الشكل أو الهيئة أو الوجود لهذا الشيء ، كان بفضل وجود أسباب ووعلاقات موضوعية ، ولولاها لما كان قد أخذ هذا الشكل أو الهيئة أو ما قد وجد ابداً .
وهذه الأسباب وجدت وتجمعت وأثرت بطريقة معينة على " شيء ما " ، تختلف ولو بجزء بسيط للغاية ، بطريقة تجمعها وتأثيرها على شيء آخر .
هذا الاختلاف البسيط جداً، يتم تلمس آثاره ونتائجه ، مع مرور الوقت ، فالتفاعلات والتأثيرات بين ومع المحيط ، بين شيئين متشابهين كثيراً بنسبة 99% مثلا ، تأخذ بالازدياد شيئاً فشيئاً ، فتكون في البداية غير ملاحظة أو مهملة ، لكن مع مرور الزمن و بفرض بقاء التأثير ( مماثل ) على الشيئين ، فسنبدأ بتلمس نتيجة هذه الاختلافات البسيطة والمهملة ، ولتقريب هذه الفكرة نستطيع أن نتخيل خطين متوازيين بينهما فارقة ميلان بسيط جداً ولنفترض0.0001 نبدأ بتمديدهما على مسافة 1 كيلو متر ، ( حيث 0.0001 هي الفارق بين شيئين متشابهين ، 1كيلو متر هي مرور الوقت ) ، لا شك أن الفارق سيزداد كلما كبرت المسافة أو ( مرّ وقت أكثر ) ، وهذا ما يحصل بين أي شيئين متشابهين جداً .فإحتمال وجود شيء ما ، على هيئة ما ، في هذا الكون أو( الأكوان ) اللامتناهي هو 1/ لا نهاية ، فهذه الشجرة وهذا القلم وعلبة السجائر هذه ..الخ ، نسبة وجودها على الموجودات في الكون أو لنقل بمعنى أدق ، أن نسبة تواجد وترابط مكوناتها بالنسبة لباقي الموجودات هي 1/ لا نهاية .
إستنتاج قابل للنقاش :
واذا كانت الصدفة هي احدى الاحتمالات الممكنة الحدوث ، و كل شيء يحدث لمرة واحدة ، فكل شيء هو " صدفة بالضرورة ".
الرد :
الظروف قد تؤدي إلى التشابه بنفس المقدار الذي يؤدي إلى الإختلاف ، فالمدينة تتكون من أشياء مختلفة : مباني – جسور – حديد – المنيوم ، وبعد مرور الفي سنة ، تتحول الى التشابه ، فتصبح كومة من التراب . لا ترى فيها اي اختلافات ، اي ذهبت للتقارب .
جسم الإنسان إذا تحلل ، ذهب إلى التشابه مع التربة وقد كان مختلفاً عنها . وهذا ما اهمله الكاتب قصداً ، لتمرير لفكرة التطور . فيريد الكاتب أن يقرر أن الصدف تبني ، متناسياً أن الصدف تهدم ايضاً بنفس الدرجة ، وانظر إلى اسلوبه المراوغ عندما قال :
لا شك أن الفارق سيزداد كلما كبرت المسافة أو ( مرّ وقت أكثر ) .
فكلمة (الفارق سيزداد) تجعل العقل يسبق إلى الإبتعاد بين الخطين ، وليس إلى التقارب . مع أن العبارة لا تحدد ذلك الفارق في الميلان هل هو إلى الداخل أم إلى الخارج . وبالتالي ذهن القارئ سينصرف إلى الإبتعاد للخارج بين الخطين .
والظروف والعوامل التي تصنع الاختلاف ، هي ايضا تصنع التشابه ، وتعيد الاختلاف إلى سابق تشابهه . فبيدك مجموعة من البذور ، ونسبة التشابه كبيرة بينها ، وبعد زراعتها تعطي إختلافات ، وبعد جفافها وتحلّلها ترجع للتشابه مرة أخرى . وتعود بذورا متشابهة في يدك مرة اخرى . وهذه دورة الحياة : بناء وهدم وبنفس الدرجة .
إذاً فالصدف ليست هي من صنعت الحياة وبنت التطور . (متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ، إذا كنت تبنيه وغيرك هادم ؟) بل إن الإنسان يصنع الإختلاف بإرادة فاعلة ، ثم تأتي الظروف الجوية وغيرها لتعيد ما بناه إلى التشابه . هذا مع حرصه على الصيانة مستعملا ذكائه وارادته ، فما بالك بالعشوائية كيف تحافظ على ما بنت ، في حين عجزت الإرادة العاقلة على المحافظة على ما تبني ؟
لماذا أُهمِل مقدار التشابه ، وتم التركيز على مقدار الإختلاف ؟ لماذا أشعرنا أن هذين الخطّين سيبتعدان عن بعضهما ؟ وأهمل أنهما قد يتلاقيان ؟ بالتالي المسلمة المنطقية خاطئة ، لأنها تفترض وبدون دليل أن اساس الاشياء واحد وهو التشابه ، ومن خلاله بدأت تختلف الاشياء عن بعضها البعض ، وهذه جذور نظرية التطور .
والكاتب اهمل الارادة الفاعلة مطلقاً ، بينما نجد ان كل ما بناه الانسان من حضارة هو نتيجة ارادات عاقلة وليس نتيجة صدف ، وكل كائن حي يملك إرادة فاعلة ، كي يبقى حياً ، وبدونها سيذهب اختلافه ويعود إلى التشابه ، اي ان الإرادة الفاعلة هي التي تصنع الاختلاف وليست الصدف ، ولو ترك كل شيء لحاله لعاد إلى التشابه ، وبدقة : للدورة الطبيعية : بناء وهدم غير واعي .
لا بد من ارادة فاعلة حتى تتغير الاشياء عن الحلقة المفرغة التي تدور فيها ، اي البناء والهدم المستمران في الطبيعة . مثلما ان الزلازل تصنع جبال ، وتاتي السيول والعوامل الاخرى لتكسّر وتحلل من هذه الجبال ، مثلما الزلازل والبراكين تفعل . لا يستطيع الإنسان أن يعيش بالصدف ولا للحظة واحدة ، فهو دائما يعتمد على ارادته ويعلم ان ترك الاشياء التب جعلها مختلفة سيعيدها إلى التشابه ، فإهمال المزارع لمزرعته ، يعني مساواتها بالتراب الذي حولها .
فأنت تقيم المزرعة وتبني المنزل وتقوم عوامل التشابه التي تريد ان تجعل ما بنيته مشابها لغيره ، فذكاؤك واجتهادك يجعل عمر الاختلاف اطول ، إذاً هناك إرادة صنعت الحياة بإرادتها وذكائها جعلتها تقاوم الإندثار ، كما صنعت في مزرعتك ، تلك هي الإرادة الإلهية والتي يقود إليها المنطق الواقعي .
فما تقوله عن بيتك ومزرعتك منطقي ، وما نقوله عن إله أوجد هذه الحياة بإرادته وجعلها تقاوم عوامل الاندثار يكون خرافة ؟
إذا الإندثار لا يقاوَم إلا بإرادة عاقلة ،والإختلاف والتميز لا يُصنَع إلا بإرادة عاقلة . وعوامل التغيير نفسها على الأرض هي مصنوعة ايضاً بإرادة فاعلة ، وإلا لبقي كل شيء على حاله . فلو لم توجد الحرارة ، لما تحرّك شيء ، ولما نزل مطر على الجبال ، ولما تحرك الزلزال او البركان .
وهذا هو القمر أمامنا ، لم تصنع به الصدف أي شيء مميز مع أن عمره هو نفس عمر الارض . عبارة عن مساحات من الغبار والحفر . بل ان النيازك تضربه ولا تضرب الارض كعوامل مؤثرة ولم يتغير شيء : سكون وموت . بل إن كل الكواكب التي عرفها الانسان تشبه القمر . فقط الارض هي المختلفة ! هل الصدف تجمعت على الأرض وحدها ، تاركة آلاف وملايين الكواكب والاقمار متشابهة ؟ إذا هناك إرادة فاعلة جعلت لهذه الارض تميزها ، بالغلاف الجوي والمياه والحياة ، خُصَّت بها الارض دون غيرها .
وهذا التشابه بين آلاف الكواكب والكويكبات المكتشفة ، يسقط فكرة الصدفة من جذورها . كان يفترض ان نرى في كل كوكب تميز ، عالم ، من حياة أو غير حياة ، يجعله متميز عن غيره بموجب الصدف التي تعرض لها ، الحقيقة هي عكس ذلك : الأجرام السماوية كلها مملة بسبب التشابه ، والروعة والابداع والجمال فقط على الارض .
تخيل قبيلة في الصحراء او الغابات ، كلهم اميون ، فجأة تكتشف من بينهم شخصاً خبير في التفاعلات الذرية ! ويجيد عمليات التفاضل والتكامل في الرياضيات ، ويعرف كل شيء عن الطيران ، وهو لم يقرأ أو يسافر ، فهل ستحكم بأن الصدف هو من جعلته يعرف كل هذا نبينما البقية لا يملكون ولا معلومة في تلك المجالات ؟
تجمّع الصدف وترتُّبها في مكان دون أن تفعل ذلك في اماكن اخرى ، يخرجها من نطاق الصدفة العشوائية ، ويُدخِل ما حدث في نطاق الإرادة العاقلة . حدوث الصدفة عام ، اي غير معقول ان تتجمع الصدف في مكان واحد مع امكانية حدوثها في الاماكن الاخرى . وهذا ما يراد إقناعُنا به ، أن الصدف تعاونت وتكالبت ونظّمت صفوفها على الأرض ، لكي تخرج لنا الوردة الجميلة بعد أن اخرجت الانف الذي يستقبلها !! بينما لم تفعل شيئا من ذلك على عطارد المسكين أو القمر القبيح ، نحن أمام انحيازية الصُّدَف !!
هذه المقارنة تجعل الوضع مضحكاً ، وشكراً للعلم الذي اطلعنا على الاجرام السماوية التي لم نكن نعرفها من قبل حتى نقارن ، وهكذا العلم دائما في صالح الإيمان الحقيقي . كان الوضع الافضل للالحاد ولفكرة الصدفة ان يظل الفضاء مجهولا حتى الان .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق