القرآن لا يثبت شيئا عن التوسل ولا عن
الانبياء السابقين ، وليس من النهج القرآني ، والمرويات عن الرسول والصحابة يجب ان
تكون على النهج القرآني حتى نثق بأنها أحاديث. واذا كان عمر يستسقي بالعباس لانه
عم الرسول كما تفي إحدى المرويات، إذن كل أقارب الرسول سوف يستسقى بهم ، وكأن
المقياس في الإسلام هو القرابة وليس العمل الصالح! والله يقول (إن أكرمكم عند الله
اتقاكم) وليس أقربكم منه نسبا، وهذه المغالطة التي وقع فيها التشيع في تعظيم الأقارب
، وهي فكرة قبلية و الإسلام جاء لينسف التفاخر بالأنساب .
ومهما كان الإنسان فاضلا ، فكيف يُتوسل به
ويستسقى به ؟ فكرة التوسل تنقص من قدر الله وتنقص من رحمته ، وكأنه سبحانه وتعالى لا
يعمل الا بواسطة ووسيلة ، مع ان رحمة الله قريب من المحسنين وليس من المتوسلين ،
اي من يحسنون ويفعلون الخيرات.
وفكرة التوسل تفتح الباب لتعظيم البشر ،
وقد تؤدي الى دعائهم وهذا ما حصل ويحصل ، وطلب مددهم حتى وهم موتى على اعتبار ان
يكون ذلك المدد هو التوسل والشفاعة عند الله. فكرة التوسل والتبرك تجعل الله بعيدا
عنا ونحتاج الى واسطة حتى ندعوه, بينما الله يقول ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
أجيب دعوة الداع إذا دعان).
و أما استدلالهم بقول الله (يا أيها الذين
امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة) المقصود بالوسيلة هي الوسيلة إلى الله أي
الطريقة ، والوسيلة ليست عباد الله الصالحين ، الم يوضح الله تلك الوسيلة بانها
العروة الوثقى (فقد استمسك بالعروة الوثقى) والعروة وسيلة تصل بها الى شيء ، مثل
الحبل , كما قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فالمقصود بالحبل هو
الوسيلة ، ولا يعقل أن الله يأمرنا بالتوسل أمرا ، والا لوضح ذلك ، ولما قال سبحانه
(وإذا سألك عبدي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) . هذا من الالحاد في
اسماء الله وصفاته, فمن صفاته القرب ، والتوسل يجعله بعيدا وليس قريبا ، ولا يمكن
التخاطب معه الا بواسطة ، وهذا عكس القرآن تماما . قال تعالى (ولله الاسماء الحسنى
فادعوه بها) أي مباشرة لأن الله سميع مجيب ، والله ارحم الراحمين ، فكيف نتوسل
بأحد ليوجه رحمة الله لنا ، بينما الله ارحم الراحمين ! وفكرة التوسل تصور الله
كأنه ملك من ملوك البشر لا نستطيع ان نخاطبه الا من خلال المقربين منه !
وهذه الفكرة هي بوابة عريضة الى الشركيات
وتعظيم البشر ليصل الى حد الغلو بعض الاحيان ، بل وابتزاز الناس ماديا . فكرة
التوسل تجعل كأن الله غافل ومشغول ويحتاج الى واسطة يحبها لكي يلتفت الينا ، بينما
الله معنا أينما كنا ، اما المتوسَّل به فمن يثبت انه معنا حتى يسمعنا ؟ الله هو
الحي ، فهل ندعو الحي من خلال الميت ؟ (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه
سنة ولا نوم) .
وأما آية : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ
ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) فهي لا تعني التوسل بالرسول
، بل تعني إعلان التوبة امام الرسول ، لاحظ أنهم سيستغفرون الله مباشرة ، وأما
الرسول فهو سيستغفر لهم ايضا بناء على استغفارهم مثلما تؤمّن على دعاء اخيك المسلم,
فدعاؤك هذا ليس لتكون انت وسيلة له عند الله ، لكنك انت تدعو الله له ايضا . فليس
المقصد استغفار الرسول انه سينفعهم ، بل استغفارهم هم وتوبتهم لربهم السميع القريب
. والله يستجيب لدعاء المسلم لأخيه بالخير ، وهذا ليس توسلا بل دعاء .
وهل إذا توسل الشخص بأحد يرى انه قريب من
الله ليطلب شيئا لا يستحقه، هل سيجعله هذا يحصل على ما لا يستحق؟ هنا جاءت فكرة
التوسل لتكون شماعة للعيوب ومطيلة لعمر الذنوب ، لأنك تتوسل بأحد قريب الى الله
فيغفر لك بفضله لا بسبب توبتك ، فيكون بالتالي يغنيك عن القرب من الله ويغنيك عن
ترك ذنوبك بحسب ضخامة الشخصية التي تتوسل لك وقدرها عند الله! وهذا ما سبب تضخيم
الصالحين الذي يخرج بهم احيانا عن حيز البشرية الى ما يشبه الألوهية احيانا .
القرآن جاء ليغلق كل أبواب التهرب من
مواجهة الخطأ والذنب, ويجعل الانسان مدانا لوحده ولا ينفعه احد إلا عمله الصالح ،
لقوله تعالى (فلا تنفعهم شفاعة الشافعين) وقوله (إلا من أتى الله بقلب سليم) و
قوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره), وقوله تعالى (له
دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) وهذه تفيد العموم ، فأي أحد
دعي من دون الله لا يستجيب سواء صالح او طالح .
إذن فكرة التوسل والتقرب لأحد تخفف
الارتباط بين الانسان وبين عمله ، سواء كان صالحا ام طالحا ، وتجعل عمل غيره يؤثر
في نتيجته ، بينما الله يقول (لا تزر وازرة وزر أخرى, وان ليس للإنسان إلا ما سعى)
على سبيل الحصر, أي ليس له شيء من عمل رجل صالح ليستفيد منه ، قال تعالى (يوم توفى
كل نفس ما كسبت) ، والله قال (ورحمتي وسعت كل شيء) فكيف نتوسل بأحد ورحمة الله
وسعت كل شيء ؟!
منظر التوسل لا يظهر ان الله قريب ورحيم
وسميع و مجيب، بل يحتاج الى واسطة تستحثه ان يلتفت الينا او يرحمنا ، اي ان
استجابته بطيئة وتحتاج الى تحفيز ، وهذا ليس تشريفا لله ، وهذا الوضع يشبه المسؤول
الذي يحتاج الى واسطات وشفعاء ليهتم بشؤون القرية الفلانية ، فهل يقارن بالمسؤول
الذي يهتم بنفسه ويشرف على اوضاع القرية دون ان يحتاج الى واسطات ومقربين حتى
يحننوه على تلك القرية ؟ لا شك الثاني افضل ، فكيف يعطى الله النموذج الأسوأ ؟
وأما آية (قالوا يا أبانا استغفر لنا
ذنوبنا إنا كنا خاطئين, قال سوف استغفر لكم ربي انه هو الغفور الرحيم) فهي تثبت أولا
أنهم يخبرون أباهم بتوبتهم ، لاحظ اعترافهم بأنهم كانوا خاطئين ، والاعتراف بالذنب
وعدم معاودته من شروط التوبة . كما أن استغفار الآخرين لنا هو دعاء ، والانسان يحب
ان يدعو له الاخرون, والله يقبل دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب, وهي عبادة بحد
ذاتها ان تدعو لغيرك ، وهي دليل على رقي اخلاقك وعدم انانيتك .
لو كانت الوسيلة والشفاعة تعمل عملها لكان
الله يقبل من يتوسط له هؤلاء الوسطاء لكن القرآن على عكس ذلك ، لان الله هو الذي
يحاسب ولا يسيره الشفعاء والوسطاء ، فهذا نوح يدعو لابنه فاغضب ربه ، مع منزلته
الكبيرة عند ربه وقال (انه عمل غير صالح) وقوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا
ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى) ، فإذا كان يستحق المغفرة فالله سيغفر
له ، وان كان لا يستحق فلن يغفر له حتى لو توسط له كل الصالحين. إذن هي مجرد شماعة
لا فائدة منها. (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها), ففكرة التوسل لا تتناسب مع
العدل الإلهي, فقد يكون شخص له ذنوب ولكنه توفق بواسطة كبيرة فاستجيب له, وآخر ليس
عنده واسطة أو لم ينتبه إلى أهمية الواسطة فتطبق عليه العقوبة. لاحظ أنه هذه
الفكرة حتى تطبيقها في الدنيا غير مقبول وغير أخلاقي لأنها مثل فكرة الواسطة
والمحسوبية.
أما فكرة التبرك بأن هذا الضريح مكان
مبارك فإذا كنا نصلي فيه ستشملنا البركة, فهذا غير صحيح, فالبركة ليست إنَارة شارع
من مر تحتها استفاد منها! الله لا يُخدع ولا يوزع بركاته على من يستحق وعلى من لا
يستحق. الله عالم بالسرائر وسيحاسب عليها, فلا يمكن أن نخدعه بأن نجلس في مكان
صالحين ونحن غير صالحين فتشملنا بركة الصالحين وكأن الله لا يميز! هذا يشبه ما ورد
في التوراة عن سرقة يعقوب للبركة والنبوة من أبيه إسحاق لأنه كان أعمى فوضع صوف
الشاة على يده حتى يتوهم أنه أخيه حيث أن أخاه عيسو شعره طويل, وهكذا سرقت البركة
وكأن الله لا يعلم!
وبناء على هذا, أي شيء سيعطيك الله إياه
سيكون ليس لك لأنه ليس من عملك الصالح بل من عمل من توسلت به, فكأنك أخذت من حقه,
بينما الجزاء على عملك أنت وليس على عمل غيرك. ويكون غفر لك ليس بسبب توبتك
وصلاحك بل بسبب عمل غيرك. بينما القرآن ربط نجاتنا بأعمالا {وأن ليس للإنسان إلا
ما سعى} وليس ما سعى غيره وتوسل به.
فالتوسل يخالف مفاهيم القرآن, وكل شيء
يخالف مفاهيم القرآن سيكون شره أكثر من خيره, وهذا ما حصل في فكرة التوسل والتبرك.
التوسل لا يدفع إلى التوبة قدر ما يدفع إلى المبالغة في تعظيم المتوسل به حتى
يشفع, وهذا الاهتمام للمتوسل به كان يجب أن يكون لله لأن الله هو أهل التقوى وأهل
المغفرة. من تمام العقيدة ألا يكون هناك أي واسطة بين العبد وربه إلا لأشبهنا
الديانات الاخرى, وهذا سر تميز الإسلام أصلا وهو العلاقة المباشرة مع الله
والإحساس بقربه.
والتوسل غير الدعاء فيجب أن نفرق بينهما,
فأن تطلب من الناس أن يدعون لك هنا أنت لا تتوسل بهم, فمن يدعو لك هو يدعو الله
مباشرة, وحين تدعو ستدعو الله مباشرة, والدعاء نفسه هو عبادة وإلا فالله هو يعلم
حالك دون أن تدعو, والدعاء للآخرين هو عبادة ومحبة وصلة بين أفراد المجتمع. وطلب الدعاء
من الآخرين في الأخير هو حث على لعبادة, قال تعالى: {ادعوني استجب لكم إن الذين
يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
فكرة التوسل هي فكرة طفيلية تجعل من لا
يعمل يستفيد من عمل من لا يعمل, والتطفل غير أخلاقي. العبادة يجب أن تكون بين
العبد وربه مباشرة وفكرة التوسل تدخل عنصر ثالث بالموضوع. عملنا وإخلاصنا هو الذي
يقربنا إلى الله وليس عمل غيرنا. هذا من جهة, ومن جهة أخرى, من تتوسل به سيأخذ
قسطا من اهتمامك ومدحك وثنائك الذي كان يجب أن يوجه لله. لاحظ أنك وأنت تتوسل تبدأ
بثناء ومديح المتوسل به قبل الله! فيكون أكثر الثناء وربما كله لهذا المتوسل به,
أين الثناء على الله المستحق للثناء؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق