يلاحَظ على كثير من المسلمين أنهم يتعبون كثيرا إذا رأوا فردا من المجتمع
لا يلتزم بأوامر الدين, وينشغلون بمتابعة الناس وعقائدهم ظانين أن انفلاتهم عن
الدين سيضر دين البقية, وكأن الدين لا يقوم إلا بشكل جماعي, مع أن الله لا يحاسب
الناس كمجموعات بل يحاسبهم فردا فردا. الله يحاسبنا على أفعالنا نحن و مقاصدنا
منها وحتى على لفتات أعيننا, وصلاح المجتمع لا يعفي الفرد من حسابه شيئا, وفساد
المجتمع لا يطال الفرد منه شيء إذا كان مؤمنا صالحا.
لماذا كل متصور أنه راع للناس و مسؤول عن رعيته مع أنه لم يولّه أحد؟! إن
فهم الدين بشكل جماعي يجعل الإنسان كأنه راع إذا ضلت شاة من الشياه جن جنونه! لماذا
يتألم ويتعب لوجود أي أخطاء؟! هؤلاء بشر و لابد أن يكون فيهم الصالح والطالح, وإن
كان يجمعهم اسم عام فلا يعني هذا أنهم فعلا مجتمعون عليه. أخذ الدين بشكل جماعي
فقط يسبب التشنج والصراع, وإهمال للجانب الفردي وهو الأهم قال تعالى:{عليكم
أنفسكم} أي الواجب الذي عليكم, والله نهى نبيه والمؤمنين عن هذا : {لا يضركم من ضل
إذا اهتديتم}, ولو كان في الأمر ضرر فالله أعلم به, الله قال ذكروا وانصحوا وعظوا
وقدموا قدوة حسنة وكونوا صادقين.., هذا دور الفرد, وليس أن يتلف أعصابه ويبحث فقط عن
عيوب الناس وكل شيء يحدث يعتبره كأنه ضربة إضافية لانهيار السد! كلا, الخير باقٍي
والإسلام باقي, مثلما الشر باقي الخير باقي, فالخير لن يزول مادام يوجد من يشاء أن
يستقيم, وكلام الله وهو القرآن محفوظ إلى قيام الساعة.
هنالك الكثير من الأخيار والصلحاء في مجتمعات غير متدينة, بل حتى في دول
متحررة ليبرالية هناك مسلمون ومؤمنون ومحافظون على أخلاقهم وعفتهم.. إذا لم يحمي
الإنسان نفسه من الضلال فلن يحميه المجتمع.
الدين موجه للفرد وليس لدولة أو جماعة, وأنبياء الله عاشوا أغلب حياتهم
بين كفار, صالح عليه السلام عاش بين ثمود الذين أُهلكوا و عيسى عليه السلام عاش
بين اليهود الذين تآمر أكثرهم على قتله, ويوسف عليه السلام عاش بين وثنيين في مصر
بل عمل معهم وصار وزيرا عندهم, لكن كل هذا لم يؤثر على أخلاقهم ولا إيمانهم ولا
عبادتهم لربهم. الدين في الأساس فردي و الله لن يحاسب أمما أو مجتمعات, بل سيحاسب
كل فرد لوحده وسيأخذ كتابه بيمينه أو شماله, من كل أمة.
هذا التوتر والتشنج الذي يحصل من كثير من الناس -الذين نظن فيهم خيرا إن
شاء الله- هو يفتح الباب لأعدائهم ليتهموهم بالتطرف وإضمار الشر للمجتمع والتسلط,
لكن لو أنهم انشغلوا بأنفسهم وإصلاح ذواتهم لجذبوا الناس إليهم, مثلما فعل
الأنبياء والذين معه فصاروا مركز استقطاب للخيّرين, أما أن تريد أن تلجم المجتمع وإلا
انفلت كل شيء وضاع الخير كله لدرجة أن تخاف على نفسك من ضلال الناس, فهذا ليس ثقة
بالله ولا بالنفس, والخير لن يضيع والشر لن ينتهي. الأصل أن الإنسان ليس عليه من
هلاك الناس وضلالهم, عليه من هلاك وضلال نفسه. الواجب على الفرد تجاه المجتمع
الموعظة الحسنة والتذكير والقدوة الحسنة, قال تعالى : {ذكر إنما أنت مذكر لست
عليهم بمسيطر} وقال: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ
حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ}, هذا دورنا وهو التذكير بالله وأن ننهج سبيل
الله و نريهم القدوة الحسنة و كفى. وهكذا المؤمن يستطيع أن يعيش حتى لو كفر كل من
حوله لأنه كما قال تعالى :{لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} .
فكرة أن الله سيؤاخذنا بما فعل السفهاء هذا ليس عدلا لائقا بالله, الله
أعلم بسرائر كل فرد وليس العقاب الجماعي عند الله بل عند بشر, والله يقول : {لا
تزر وازرة وزر أخرى} وقال : {ولا يظلم ربك أحدا}, فكيف يُهلك الصالح والطالح؟ الله
سبحانه يعرف من يُهلك: {كذبت قوم لوط بالنذر, إنا أرسنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم
بسحر} فلم يشملهم العذاب رغم فساد قومهم.
نعم الإنسان يحب أن يكون المجتمع كله صالحا, لكن
ليس بالسيطرة والقوة, والله يقول: { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب
نفسك عليهم حسرات} فهو ينهى نبيه عن التحسر على ضلال المجتمع في آيات كثيرة, ولو
كان شيئا طيبا لما نهاه عنه, فقد قال سبحانه: {فلعلك باخع نفسك على آثُارهم إن لم
يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}, {فلا يحزنك قولهم}, {ومن كفر فلا يحزنك كفره}, {يا أيها
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين يقولون آمنا بأفواههم ولم تؤمن
قلوبهم}, {إنك لا تهدي من أحببت}, {ليس عليك هداهم}, {ومن يرد الله فتنته فلن تملك
له من الله شيئا}, كل هذا لإبعاده صلى الله عليه وسلم عن صفته البشرية, ونيته أساسا
الخير ويريد أن يهتدي كل الناس لكن الإنسان قد ينسى أن هذا الأمر لله وليس له. ولا
فائدة من هداية شكلية وتمظهر فهذا نفاق, الله نهى عن السيطرة لأن السيطرة تضطر
كثير من الناس للنفاق خوفا من السيطرة, والمنافق شر وليس خير.. هدي القرآن ليس
بعده هدي..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق