ليس للمؤمن أن يفكر هل هو من أهل الجنة أو من
أهل النار, فالحساب من شؤون الله وليس من شؤوننا. وإن اعتمدت على أعمالك فلن تحصل
على الاطمئنان لأن الأعمال غير الصالحة واضحة لك ولا تشك أنها غير صالحة, أما أعمالك
الصالحة فيتطرقها ألف شك, إما في النية, أو في التطبيق وجودته أو كثرته, فحين
تساعد أحدا ستشك أن نيتك من هذا الفعل هي السمعة أو من أجل مصلحة من ورائه, لكن
حين تسرق أو تؤذي بريئا فهذا شر واضح.
الطمأنينة تأتي من البحث عن رضا الله سبحانه, {يهدي
به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} والسلام طمأنينة, فمن يبحث عن رضوان الله هو
من يسير على طريق الاطمئنان, فما يرضي الله معروف وكذلك ما يسخطه, فالله كريم يحب
الكرماء ويحب الصابرين والشاكرين..., و يكره الكاذبين والمعتدين والمتكبرين..., فطريق
رضا الله واضح وميسر, ولا خوف على إنسان حين يكون الله راضٍ عنه.
حين تنوي أن تسلم حياتك لله وتسير في هذا الطريق
تبدأ في دخول عالم الطمأنينة. والطمأنينة تزداد كلما ازددت علما, والعلم يعني
اتفاق الإحساس الفطري مع العقل السليم تجاه شيء ما, و وجود التناقض بينهما يفسد
الطمأنينة. كلما ازددت علما كلما ازددت تثبيتا وعدم تناقض, وصار صعبا على الشيطان
أن يستزلك, قال سبحانه: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. من علامات الهداية إلى
الصراط المستقيم أن تشعر بكره ونفور من الفسوق والفواحش والكفر, وهذا يعني انسجاما
بين العقل والإحساس الفطري, وأن هوى النفس تغير من الشهوات العاجلة إلى رضا الله.
و من عنده هذا النفور فحقه أن يطمئن لأن هذا لا يكون إلا لمن كان على صراط الله
وأسلم وجهه لله وهو مؤمن.
لن تؤمن حقا حتى تمتلئ من الغيظ والكره والنفور
للفسوق والفواحش والشرور, مثلما قال إبراهيم عليه السلام وأتباعه: {إِنَّا بُرَآءُ
مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا
بِاللَّـهِ وَحْدَهُ }.
النظرة العلمانية تجعل صاحبها يقول: لماذا الله
يضع الأشرار في جهنم؟ والبشر خطاؤون ولا أحد كامل, لهذا لا يستحقون كل هذا العذاب
الأبدي في جهنم لمجرد أنهم بشرٌ أخطؤوا! لكن المسألة ليست مسألة خطأ, المشكلة في
قصد الشر والبغي والنوايا الخبيثة, أما من يخطئ بلا قصد فلا أحد يغضب منه, لكن من
يسيء النية حتى لو لم يفعل شيئا فهو كريه. و كون الدنيويون يستكثرون النار على أهل الشر
فهذا يعني أنهم لا يرون أهل الشر فظيعين لدرجة أنهم يستحقون النار. إذن الله
سبحانه يكره الشر أكثر من كره الدنيويين للشر, وبالتالي يحب الخير أكثر منهم, فهو
سبحانه أجمل منهم.
النظرة الدنيوية تخلط الخير بالشر, والدنيوي يرى
أن هذا هو الأسلوب المفيد, وكل من لا يجد فواصل واضحة بين الخير والشر في كل
الأمور فليعلم أن نظرته علمانية أيا كان. أما فصل الخير عن الشر وتحمل تبعات هذا
الفصل فلا يفعله إلا إنسان ليس همه الأول الدنيا بل الآخرة, لهذا هو الذي يشعر
بقبح الشر وبشاعته, وهذا لا يشعر به الدنيويون كثيروا التعذير لأخطاء بعضهم وأخطاء
أنفسهم, كما يسمونها "أخطاء" وهي مصائب إذا تأملتها.
من جمال الله سبحانه كرهه لأهل الشر وما يفعلون,
وانظر للقرآن كلامه ينزل كصواعق على الأشرار, مثل قوله تعالى: {كَلَّا لَئِن لَّمْ
يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ, نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} وقوله: {كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ, نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ,
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ, وَجَمَعَ
فَأَوْعَىٰ} وقوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}. هذا الكره للشر وأهله لا تجده إلا في القرآن, وهذا دليل
أنه من الله كامل العظمة والجلال والفضيلة, ولو كان من قول بشر لما استفظع الشر
لهذه الدرجة لأنه كلٌّ يقع فيه وتدفع إليه المصالح كثيرا. لا تجد كتابا يكره
ويتهدد ويتوعد الظالمين والمتكبرين والكاذبين كما هو في القرآن, ولا حتى في
الديانات الأخرى, أي هو أكثر كتاب يكره الشر ولا يتركه بلا حساب. وأكثر أحد يكره
الشر هو أفضل أحد, والله هو الأكمل والأعظم وله الأسماء الحسنى.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق