الرجال بالعادة يتأثرون بجمال المرأة أكثر من تأثر المرأة بجمال الرجل،
لأن المرأة تنظر إلى أخلاق الرجل وسيرته وشخصيته أكثر مما تنظر إلى شكله، والرجل
الناعم الخالي من الخشونة لا يعجب المرأة كثيرا. وإلا لكان الرجال يهتمون بالزينة
أكثر مثلما تهتم المرأة. وسامة الرجل مهما بلغت هي قليلة، أما الكثير من الجمال
فيوجد عند المرأة. حتى أن من أساليب تعييب النساء لبعضهن أن تقول عنها : كأنها
رجل.
والجمال شيء نسبي لا تستطيع معرفة نصفه أو ربعه، كل لون له جماله،
والكبير له جماله والصغير له جماله ، وجمال الشكل لا يمكن ان ينفصل عن الشخصية،
ففتاة مجنونة مثلا مهما كان شكلها جميلا فلن تعتبر جميلة. وهذا شيء معروف، ارتباط
الجمال بالشخصية. وحتى في قوله تعالى عن نسوة المدينة لما رأين النبي يوسف عليه
السلام : (رأينه) ، هنا تطابق المظهر مع المخبر.
وما دام الجمال مرتبط بالفضيلة ، فجمال يوسف مرتبط بفضيلته أكثر من شكله.
يؤيده قوله تعالى (أكبرنه)، وهناك مشاهير ولاعبين يشتهر أن النساء تهيم بهم ربما
في الشارع من هو أجمل منهم ولكن لا يُعطى اهتمام، إذن التعلق مرتبط بالفضيلة.
المرأة تبحث عن القليل من الوسامة والكثير من الشهامة، لأنها تبحث عن رجل يتحمل
المسؤولية ويكون ذو أخلاق و رقيق وذكي وطيب وحنون.
الأكيد أن صفات الأنبياء الخَلْقيّة مقبولة وتختلط بجمال أخلاقهم ، وتجعل
نورا يشع من وجوههم، و وصف النبي يوسف بالمَلَك أي بجمال أخلاقه الحسنة إضافة إلى
شكله الخارجي. والله لا يشرِّف أنبيائه بالجمال الشكلي فقط مثل ما يقال عن النبي
يوسف ، وإلا فما العبرة من القصة ؟ هل هي في مدح الجمال ؟ والرجولة لا تعتمد على
جمال الشكل، بل جمال الفعل والأخلاق والمنطق والعفة. واضح أن النبي يوسف كان يغض البصر
عن النساء عندما رأينه، ولهذا قلن عنه "ملك كريم"، لأنه يكرّم نفسه. هذا
غير ما سمعوا عن حسن أخلاقه، و رفضه لامرأة العزيز واستعصامه عنها، وما يسمعون عنه
من معرفته للمستقبل وتفسير الأحلام، وسلوكه المميز في القصر ومحبة الناس له، كلها
صفات تزيد من جمال الأخلاق. لو سمعنا هذا عن شخص ما سننبهر من هذه الصفات لو طلع
أمامنا فجأة. والجمال توصف به النساء لا الرجال ، كما أنه يحتاج إلى مكملات ، و كون
الناس يشاهدون صور رجال أو نساء جميلين وجميلات لم يجعلهم هذا يقطعون أيديهم.
كان يوسف عليه السلام معروف انه يدعو لعبادة الله وترك تعدد الآلهة ، قال
تعالى على لسان يوسف عليه السلام : (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار)، وكان
يوسف ينبئهم عن طعامهم وغير ذلك، ولو كان يملك نصف الجمال كما يقال لكان معروفا
عنه ذلك. ما سبق ذكره يؤكد أن انبهارهم منه لكونه نبيّ، مثل ما انبهر ذلك الرجل
عندما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال : لا يكون هذا كذابا أبدا، عرف ذلك من
ملامحه، وليس لكونه جميل الشكل فقط. وأيضا يوسف في صغره بيعَ بثمن بخس في سوق
النخاسة، وهذا الثمن لا يكون لغلام جميل إلى هذا الحد فيه تلك الميزة الباهرة
والنادرة.
الجمال نسبي ، وكل مجتمع له مقاييس جمال تختلف عن المجتمع الآخر، لكن
جمال الفضائل يقدّره الجميل وهو غير نسبي. الجمال لا يوجد حد أعلى له، بدليل انه
لا توجد ملكة جمال واحدة يعتبرها العالم كله جميلة.
الشكل أحيانا مبني على المعنوي في الغالب، مثل صفاء البشرة كأنه يرمز
لصفاء داخلي قلبي ، واتساع العيون دليل على البراءة، ويقال أن الابتسامة نصف الجمال،
لأنها تعني النفس المتقبلة الأريحية. لا تستطيع تخيل رجل معبّس وتصفه بالجمال. حتى
صغر العمر يشير إلى البراءة. هو في الأخير معنوي. أي احد يعجبه شكل شخص إنما هو
على مظنة الطيبة والإحساس والذكاء والعقل والبراءة، فإذا اختلت هذه يذهب جمال
الشكل . وينقص الجمال عندما تتصور فقدان الفضيلة، ويزول الشعور بالجمال نهائيا
عندما تواجه سوء الأخلاق. والناس لا يرون جمال ممثلات الأدوار الشريرة، مما يدل
على ارتباط الجمال بالفضيلة.
إذن الحب ليس على الشكل ، وإن كان الآخرون يتوهمون العكس. النظرة للجمال
هي عبارة عن تقييم، وأغلب التقييمات غير معتمدة على ما نشعر به، تماما مثلما تسمع
قصيدة، هل ستعطيها قيمتها في معزل عن العوامل الأخرى ؟ يصعب هذا ، مثلا : هل
الشاعر مشهور أم مبتدئ ؟ مهما كان سيتأثر تقييمك .. الجمال موضوعه تقييمي ، بدليل
اختلاف الناس ، هو تقييمي خاص، لكن هذا التقييم الخاص متأثر بأفكار عند الآخرين.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق