الأربعاء، 11 مارس 2020

حيلة التقريب عند الإنسان (جدوى التصنيف)

التقريب من الحيل العقلية للفهم عند الإنسان، فالتحوير للأقرب من قوانين العقل , وهناك رغبة بإيجاد الفوارق للتفريق, لكن النتيجة أدبية تقريبية وليست علمية, مثلما يحصل في محاولة التفريق بين الأعراق البشرية أو بين سكان بلد وسكان بلد آخر، لكنها غير دقيقة علميا, وكثيرا ما نفاجأ بخطأ تقييمنا المبني على هذه الفروقات. هذا ما يحصل في تصنيف الأحياء في الطبيعة, كثيرا ما يُفاجأ العلماء بما يخالف القواعد التي بنوا عليها تصنيفاتهم, مما يدل على أنه تصنيف ليس مبنيا على أساس علمي، بل تقريبي مبني على التشابهات الواضحة –وأحيانا المتكلفة- .

جدوى التصنيف ليست للتفريق العلمي, بل لتسهيل المعرفة ولتنحية ما هو ضدها, وهذا من وسائل العقل البشري في التمييز والتصنيف، فإذا قلت أن النعامة من الطيور، فهذا يخرجها من أن تكون من الحشرات أو الفطريات ..إلخ, لكن لا يعني هذا أنك عرّفت النعامة كما هي, بل عرّفتها بضدها، وبضدها تتميز الأِشياء.

كل التصنيفات في الطبيعة حتى في عالم المادة غير علمية, لكن معرفة الخواص دقيقة علميا, أما التصنيف فهو للتقريب ليس إلا. الزئبق مثلا مصنف من ضمن المعادن، لكنه سائل وليس صلبا, والمعدن من صفاته أنه قابل للطرق والسحب، أي صلب. والماء مصنف كسائل مع أنه إذا تجمد تمدد ولم ينكمش, وهم يقولون أن المادة تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة, والماء مادة لكنه يكسر هذه القاعدة التصنيفية. بل المادة نفسها لا يمكن فهمها, فلا شيء يمكن ضبطه في الطبيعة, لكن ضبط الخواص هو العلم, فخواص الذهب لا تكذب أبدا, مثلما أن خواص الدب لا تكذب, إذن نحن نعرف الأشياء من خواصها وليس من ذواتها, فضلا عن أنسابها كما يدعي التطوريون!

نحن لا نفهم إلا من خلال الصفات التي يعمل عليها تمييزنا, هذا هو علمنا البشري, لهذا علمنا قاصر مع أنه علم, قال تعالى:{وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. لذلك المنهج العلمي الوصفي هو المنهج المحترم، وهو المنهج العلمي الحقيقي، والخروج عنه يبعدك عن العلم ويؤدي للخرافة والوهم العلمي. العالِم المحترم هو من يصف الظاهرة أو الكائن الحي ويفسر من خلال الظواهر, محاولا الاستفادة منها، أي ظواهر بظواهر, مثل ما يربط ظاهرة المطر بظاهرة التبخر. هذه هي الدراسة العلمية, كأن يدرس معدن الزنك وأنه ينصهر في درجة حرارة كذا و ناقليته للكهرباء كذا و وزنه كذا..إلخ, هذه دراسة علمية مفيدة, مع أننا لا نعرف ما هي حقيقة الحرارة ولا حقيقة الكهرباء ولا حقيقة الجاذبية ولا حتى حقيقة الزنك ما هي! لماذا صار الزنك زنكا؟ نحن لم نعرف حقيقة ذواتنا ما هي! فكيف نعرف ماهية ما حولنا؟ التصنيف العلمي يجب أن يقوم على معرفة الماهيات، وهذا غير ممكن للإنسان أن يعرف ماهية شيء واحد.

وهذا لا يعني إلغاء كل التصنيفات بل نحن محتاجون لها, لكن لا نسميها "علمية" ، لأن لكل تصنيف ستجد فيه شذوذات واختراقات, وما دام انه اخترق فليس تصنيفا علميا، فلا يصح أن يكون تصنيف ما علميا و له استثناء وشذوذ عن القاعدة في نفس الوقت.

نحن نستطيع أن نصنف ما نصنع نحن، لكن لا نستطيع أن نصنف ما صنعه الله, فنصنّف هذا النوع من الدراجات، أنها دراجات هوائية وتلك دراجات نارية, وذلك النوع سيارات سباق وتلك سيارات نقل وهكذا, هذا تصنيف دقيق علميا لأنه تصنيف لأشياء نحن من صنعها, أما الطبيعة فلم نصنعها نحن حتى نصنفها, والله يقول : {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} وقال: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} وقال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}, فمن صنع شيئا فهو أدرى به.

وهذا الكلام ليس تشكيكا في العلم, فالعلم قطعي لكن في مجاله. إن أي تفسير في مجال الطبيعة أو تنسيب (أي يُنسب إلى شيء) فهذا يعتبر تفسير وتنسيب أدبي وليس علمي. الماديون حرفوا العلم عن دراسة الوصف إلى محاولة معرفة الماهية والأًصل, وبالتالي خرجوا عن نطاق العلم, أخذوا الألماس مثلا وانشغلوا بتصنيفه وبكيفية تكونه في الطبيعة وتاريخه, هذه فلسفة وليست علما مفيدا, و هذه الدراسات تفتقر للتجربة, إذا استطاع أحد أن يقوم بتجربة يصنع من خلالها ألماسا فسيكون كلامه علميا. ويبقى العالِم الوصفي هو العالِم الحقيقي الذي أخبرنا عن ميزات هذا المعدن, ومثله العالِم التطبيقي الذي يُدخله في تطبيقات ومبتكرات, أما الثالث (التفسيري) فهو متفلسف وليس عالما. العلم وصفي وتطبيقي وليس تفسيريا في الأصول. التفسيري يكون عالِما إذا أجرى تجربة ناجحة ومكررة, إذ لا علم بلا تجارب. ونظرية التطور كلها في مجال الفلسفة، لأنها ليست لديها تطبيقات ولا يمكن التجريب فيها.

العلم يوصًف الظاهرة كما هي بدون أن يفسّر, ويأتي ليستفيد منها بشكل أو بآخر. لهذا العلم لا يسير إلا بإثباتات وبتجارب وبمشاهدات, وبدونها لا يكون علما، بل ضربا من ضروب الفلسفة. هل من العلم أن تُحيل التجربة إلى ملايين السنين السابقة مثلا كما هي تجارب الداروينيين؟ هذا كلام غير علمي. يجب إعادة العلم إلى نصابه ومساره الحقيقي حتى لا يختلط بالفلسفة والنظريات. يستطيع اي احد ان يقول ان الحياة خرجت من الحديد عبر ملايين السنين، وهيا جرب! وأمامك ملايين السنين!

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق