هذا الموضوع هو تعليق على ثلاثة أمثلة مشهورة قدمت كمعضلات أخلاقية يصعب حلها..
1- معضلة القارب
الممتلئ:
في عام 1842, اصطدمت
سفينة بجبل جليدي, وتزاحم 30 ناجيا في قارب نجاة كان مصمما لأن يحمل 7 أشخاص فقط.
حين اقتربت العاصفة, بدا جليا أنه لا بد من تخفيف الحمل على قارب النجاة حتى ينجو
من عليه. فكر الكابتن ورأى أن التصرف الصحيح في هذه الحالة هو برمي بعض الأفراد خارج
القارب وتركهم يغرقون. رأى الكابتن أن هذا التصرف ليس ظالما لهم لأنهم إن تركوا
سيغرقون على أية حال. ولكنه إن لم يفعل شيء سيكون مسؤولا عن وفاة كل من على
القارب.
خالف البعض قرار
الكابتن قائلين أنه لو لم يفعل شيء ومات الجميع نتيجة لذلك فلن يكون هنالك أحد مسؤول
عن الوفيات. لكن إذا أراد الكابتن أن ينقذ البعض فلن يستطيع ذلك إلا عن طريق قتل
البعض الآخر وسيكون مسؤولا عن موتهم وهذا سيكون أسوأ من ترك الجميع يموتون. لكن
الكابتن رفض هذا الرأي.
وبما أن النجاة
تتطلب جهودا كبيرة لتجديف القارب, قرر الكابتن أن يتم التضحية بالأضعف. وبعد أيام
من التجديف المضني, تم إنقاذ الناجين وتم إخضاع الكابتن للمحاكمة.
لو كنت عضوا في
لحنة المحلفين, ماذا سيكون حكمك؟ وكيف كان يجب أن يتصرف الكابتن؟
2- معضلة العربة:
عربة قطار تسير
على سكة الحديد ولكنها خارجة عن السيطرة ولا يمكن إيقافها. في طريقها ربط فيلسوف
مجنون خمسة أشخاص على سكة الحديد, ولحسن الحظ يوجد ذراع موجه للعربة بحيث يجعلها
تسير في سكة أخرى, ولكن لسوء الحظ تلك السكة مربوط عليها شخص واحد. ماذا ستفعل؟
3- معضلة المفجر المجنون:
تم القبض على شخص
مجنون هدد بتفجير عدة قنابل في أماكن مزدحمة, ولسوء الحظ فقد كان قد زرع القنابل
مسبقا وستنفجر بعد وقت ليس بالطويل. هنالك احتمالية أن يموت المئات من البشر. عجزت
السلطات عن أن تجعله يفصح عن مكان القنابل بالطرق التقليدية, ويرفض أن يقول أي شيء
ويطالب بمحامي ليحمي حقه الدستوري ضد تجريم النفس. مسؤول رفيع المستوى تحت تأثير
الغضب اقترح التعذيب, والذي سيكون غير قانوني طبعا, ولكن المسؤول يعتقد أنه
التعامل الصحيح مع حالة يائسة كهذه.
هل تؤيده؟ وهل
سيكون مبررا أخلاقيا أن تعذب زوجة الرجل البريئة إذا كان ذلك هو السبيل الوحيد
لجعله يتكلم؟ لماذا؟
الرد:
لماذا لا يكون
الكابتن في المثال الأول من ضمن الذين يرمون بموجب القرعة؟ لماذا صنف نفسه ناجيا
على كل الأحوال؟ والقارب لا يحتاج خبرته بل يحتاج مجدفين أقوياء كما قال هو
ويجدفون للساحل فقط وقد لا يكون هو قويا, فأولا سيحاكم على تسلطه وجعله نفسه بمعزل
عن الخطر. حتى لو كان هذا القارب ملكا له فهو مسؤول عن سلامتهم والقارب وسيلة
سلامة, وما لا يعيش الجميع إلا به فهو ملك الجميع.
قصة النبي يونس
كانت أكثر عدالة من هذا الكابتن, فحين أجبروا على التضحية بواحد أجروا قرعة ووقعت
على يونس فرموه في البحر, وهكذا كان من المفترض أن يفعلوا, فماداموا قد عرفوا أنه
لا بد من التضحية بعدد منهم لأجل أن ينجو الباقين فعلى أسوأ الأحوال يجرون قرعة
ومن تقع عليه يخرج, وهذه القرعة تشمل الكابتن أيضا, هذا إذا لم يجدوا أي حل آخر مع
أن الحلول ممكنة مثل السباحة بجانب القارب من خلال حبال وغير ذلك, وهي مناسبة
للأقوياء, فعندنا في الإسلام الضعيف أمير الركب كما أخبر النبي عليه الصلاة
والسلام وليس القوي كما هو في الفلسفة المادية الغربية وكما يقرر هذا المثال,
ولهذا يفادي الرجال النساء والأطفال بدمائهم في الحروب وهذه أصول الشهامة, أن
القوي هو الذي يتحمل وليس الضعيف الذي يضحى به!
مثل هذه الأمثلة
هي مبررات للرأسمالية والامبريالية, لأنها قائمة على فكرة البقاء للأقوى غير
الموجودة في الطبيعة, مثل اعتبار أن إلقاء القنابل الذرية على مدن اليابان الآهلة
بالسكان أنقذ البشرية من حرب أساسا بدأتها أمريكا وتستطيع أن توقفها بتصحيح
أخطائها لا بحرق الأبرياء المدنيين, وحاولوا جعل تصرفها أخلاقي نظرا لما أنتجه من
سلام (استسلام) ناسين ما أحدثه من دمار.
على هذا المبدأ
سيكون الطاغية الظالم الحازم رجل سلام لأنه أوقف الصراع في بلده حتى لو كان من
خلال الظلم والقوة, مثلما قالوا عن شارون بأنه رجل سلام لأن قسوته على الفلسطينيين
أوقفت الصراع المسلح في وقته, وهذه نظرة قاصرة, فالظلم لا يوقف بظلم, وإن تعددت
أنواع الظلم فالظلم واحد. والغربي الذي يقبل بهذه النظرية عليه أن يقبل
بالديكتاتور لأنه حازم ولا يدع أحدا يفعل شيئا وبالتالي يعم السلام مع أنه هو
يظلم, أي نقل الظلم من غيره إليه. وهذا ما فعلته أمريكا في إلقاء القنابل الذرية
نقلت الذي قد يقع أو لا يقع إلى ظلم وقع, وراح ضحيته مئات الألوف من الأبرياء
بحرارة تصل إلى الألف سلخت جلود الناس والبهائم سلخا ولوثت التربة إلى مئات السنين
القادمة.
النار لا تطفأ
بنار أخرى بل بضدها, وبالتالي لا يوقف الظلم بظلم مثله لأن توقفه هذا وهمي وليس
واقعي.
التضحية بفرد أو
بأفراد قلة لأجل المجموعة من غير ذنب يستحق باب غير أخلاقي, الأخلاق يجب أن تؤخذ
كاملة أو تترك كاملة, وحق الفرد هو حق المجموعة لأن المجموعة أفراد, وظلم شخص واحد
مثل ظلم كل الناس { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وبالتالي من
ظلمها فكأنما ظلم الناس جميعا, وهذا ما سيتضح بعد قليل في مثال المحقق.
وما فعله الكابتن
غير أخلاقي لأنه ضحى بالأضعف لأجل الأقوى وهذه بالضبط شريعة الغاب -مع أن الغاب
مظلوم أيضا-, بل غاب البراجماتية المصلحية, وهو ما تفعله الرأسمالية تماما, تضحي
بالضعفاء لأجل الأقوياء, وهو ما دعا إليه نيتشه والفكر الملحد, بل إن نيتشه طالب
مطالبة بقتل الضعفاء بلا ذنب, وذنبهم الضعف, فصار الضعف ذنبا أخلاقيا يستوجب إنهاء
الحياة! حتى الحيوانات لا تفعل هكذا فهي لا تقتل الضعيف لأنه ضعيف بل لأنها محتاجة
كي تعيش. ثم كيف يحدد الضعيف؟ ليس الأمر بالسهولة, فرب ضعيف جسم قوي عقل ويستطيع
أن يأتي برأي قوي وحكمة ينقذ بها أهل القارب الأقوياء! والمعرفة قوة أليس كذلك؟
ورب جسم منفوخ لكنه ضعيف, إذن لا يمكن تحديد الضعيف ولا القوي بدون أخطاء حتى في
الجسم, فرب جسم كبير لكنه مريض بالقلب. ثم إن الكابتن أبقى الأقوياء والأٌقوياء
عادة أثقل وزنا وهم سبب غرق القارب أصلا! وربما وزن الواحد عن اثنين من الضعفاء!
ولو رمى الأقوياء لحصل على عدد أكبر من الناجين! وما أكثر أن ترى قويا بجسمه أو
بماله وغبيا في نفس الوقت! فهل هو ضعيف أو قوي؟ هذا سؤال! لأن الميزات لا تجتمع
بالعادة. ضعيف الأخلاق هو الضعيف الحقيقي.
الانتقاء في
الأخلاق هو البراجماتية المصلحية تأخذ ما يفيدها وتترك ما لا يفيدها, وبالتالي
تقتل الأخلاق كلما احتاجت لقتلها وسوف تحتاج كثيرا مادامت المصلحة فوق كل شيء, و
فوق كل شيء أي تضحي بكل شيء, إذن مبدأ المصلحة فوق كل شيء فاسد من أساسه.
الأخلاق يجب أن
تكون فوق الإنسان وليست تحته, وهو بيدها لا هي بيده, وإلا لا قيمة حقيقية لها, ومن
هنا يتجلى دور الدين ليحفظ مكانة الأخلاق ويجازي عليها, وإلا بدون الدين لن يستمر
أحد في سباق الأخلاق مقابل المصلحة التي ستهزم الأخلاق حتما إذا لم يكن هناك دين.
وإذا انفتح هذا الباب باب التضحية ببريء لأجل
البقية فسينفتح باب الظلم والتوسع فيه, كلٌّ سوف يظلم باسم سلامة المجموع, إذن
قرار التضحية ببعض الركاب قرار ظالم خصوصا الضعفاء منهم, إلا إذا اتفق الجميع على
القرار الذي يشمل الجميع بما فيهم الكابتن. وبالتالي مبدأ التضحية بالقليل ظلما
لأجل الكثير والفرد مقابل المجموع مبدأ فاسد ومخالف للقرآن الذي يقول: { من قتل
نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا}, مثلما يفعل المعلم الصارم
الذي يضحي بأحد التلاميذ حتى يكون عبرة وينزل عليه عقوبة أكبر مما يستحق ويرى نفسه
غير ظالم لأنه خدم المجموع وهدأ الفصل حتى يستفيدوا ويتعلموا, وما المجموع إلا
أفراد, فسماحك لنفسك بظلم الفرد يعني سماح بظلم المجموع لأن المجموع أفراد أيضا.
وإذا استحللت بعض الظلم, ما الذي يمنعك من أن تستحل بقيته؟
المسلم قيم على
الأخلاق لأن دينه هو الأخلاق مع الخالق والمخلوقين, بما فيهم نفسه. وحياة الأخلاق
أهم من حياة الإنسان وسلامة الأخلاق أهم من سلامة الإنسان. إذا كان الظلم لا يوقفه
إلا الظلم ستكون النتيجة بقاء الأقوى, مثلما قال الشاعر :"من لا يظلم الناس
يُظلَم", يجب أن يكون المبدأ أن الأخلاق أثمن من الحياة, وبدلا أن نضحي
بالأخلاق لأجل الحياة ومتع الحياة, نضحي بمتع الحياة لأجل الأخلاق, بل وبالحياة
إذا لزم الأمر, قال تعالى : {والفتنة أشد من القتل} أي الظلم, مثلما ظلمت قريش رسول
الله وأصحابه, فسبب نزول هذه الآية تبرير ابتداء المسلمين معركة بدر مع قريش, بسبب
ظلم قريش المستمر وتعذيبهم واعتدائهم على المسلمين وفتنتهم لهم طوال ثلاثة عشر
سنة. أليست الأخلاق هي الشيء السامي؟ فلماذا نضحي بالسامي لأجل غير السامي؟ الذين
ضحوا لأجل السامي خلدهم السامي, والذين ضحوا بالسامي لأجل مصالحهم دنسوا السامي
ودنسهم, عبر التاريخ.
في موقف القطار
لست أنت من ظلم ذلك الواحد حين وجهت القطار إليه, بل الظروف, وتقليل حجم الضرر لا
شك أن هذا من الأخلاق, بل هو العمل الخلقي الوحيد الذي كنت تستطيعه ولا يوجد غيره,
ومنطقيا من ضمن هؤلاء الخمسة يوجد واحد, وبالتالي حين تنقذ الخمسة أنت أنت أنقذت
واحدا أيضا لأن من ضمن الخمسة يوجد واحد, فحصلت واحد وزيادة.
و من يغير وجهة
القطار ليس مثل المحقق الذي يعذب زوجة زارع القنابل لأجل أن ينقذ المئات في المثال
الثالث, لأن هنا أنت من سيعذب وليس الطبيعة كما في مثال القطار, وهنا لا تضمن أن
تعذيب زوجته سيجعله يعترف, كما أنك لا تضمن أنه هو الفاعل فاعترافه ليس كافيا ,
ممكن أن تمارس أساليب في التحقيق كأن تبين كيف سيخفف عليه إذا اعترف وكيف سيسجن أو
يعدم إذا لم يعترف, فإذا أقررنا لذلك المحقق فتح باب التعذيب للحصول على الحقيقة
سوف يتعذب أناس أبرياء لأن التعذيب يقوم على تهمة أي على شك والتعذيب يقين وتبقى
آثاره السيئة طول الحياة, فلا تفعل شر يقين لأجل شر محتمل. وبالتالي يكون المحقق
خطر على المجتمع مثل زارع القنابل في ذلك المثال. تعذيب هذا الشخص لأنه يشكل خطر قد
لا يجعله يعترف أيضا, وقد يموت من التعذيب وتموت زوجته وتنفجر القنابل فيكون ليس
هو فقط من ظلم بل المحقق أيضا. هو في وضع المحقق, وكلمة تحقيق تعني بحث عن الحقيقة
أي أنها ليست واضحة له, لكن التعذيب حقيقة حصلت منه مقابل حقيقة ظنية. وافرض أن
عنده مجموعة من المتهمين بجريمة واحدة ولنقل أنهم بالمئات أو الآلاف, والجريمة هي
تعذيب فرد وحبسه وتعذيب أطفاله وزوجته, كلهم سيمارس معهم التعذيب حتى يعترفوا,
بعضهم يعترف وبضعهم لا يعرف المعلومات التي تطلبها و أكثرهم أًصلا بريء! ستكون
عذبت وحبست المئات لأجل فرد! أي عكست فكرتك بالتضحية بالفرد لأجل المجموعة فها أنت
ذا تضحي بالمجموعة لأجل الفرد بحجة حماية المجموعة منهم, مع أن من فعل الجريمة
واحد من هؤلاء المئات, إذن البقية كلهم مظلومون حتما وأنت تعرف ذلك من البداية أن
الفاعل واحد وتعرف أن البقية سيكونون مظلومين, وبالتالي صار ظلمك أكبر من ظلمه!
فهو عذب واحدا وأنت عذبت مئات! إذن العدالة لا تأتي عن طريق الظلم.
هنا صار هو خطر
على المجتمع! مادام أن كل من سيتهمه سيعذبه إذن هذا الأسلوب خطر على المجتمع, إذن
مثله مثل الانفجار قد يحرق بريء! ومثله مثل اطلاق النار العشوائي دون تأكد قد يصيب
أبرياء, وهذا النوع من الاطلاق يسمى خطر على المجتمع, فما يمكن أن يشمل الجميع
بالأذى هو خطر على الجميع. إذن فكرة المحقق في هذا المثال لم تكن صحيحة من وجهة
نظري, وقد يكون البعض وجهة نظر أفضل.
thaaaaank
ردحذفhttp://www.b-ma7ba.com/
ردحذفدردشة بريق المحبة
دردشة صبايا القلوب
دردشة ياعراق