ملاحظات وتعليقات على مبحث سويد في الجن :
عندما نقول ان كل شيء ضار انه شيطان ، نكون
ابتعدنا عن مفهوم الشيطان والدور الذي يقوم به ، الشيطان لا يضر ، لكنه يوسوس بأفكار
سيئة ، اذا فعلناها نتضرر سواء في الدنيا او الآخرة ، و الشيطان لا يلزمنا ، بل
يوسوس لنا ويعرض علينا ونحن من يختار (قد افلح من زكاها وخاب من دساها) ، اذن نحن
المسؤولون و ليس الشيطان ، وهذا ما سيحتج به الشيطان يوم القيامة ، عندما يحمله
اهل النار المسؤولية ، ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ..
لاحظ : ( ما
كان لي عليكم من سلطان) ، و نحن نحس بوسوسة الشيطان من خلال افكار سيئة نكره
احيانا ان تدور في رؤوسنا ، ولكنها تـُقحم رغما عنا ، ولا يبعدها الا الاستعاذة او
ذكر الله ، وكل شخص يجد ذلك من نفسه اذا
تأمل . قال تعالى (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة
والناس) ، و هذا ينفي ان الجن هم الناس كما ذهب الاسلامبولي ، فوسوسة شياطين الجن
نعرفها ، ونحسها في انفسنا ، و وسوسة شياطين الانس نعرفها من خلال الاغراء او الاعلام
او التحريض من اشخاص اخرين .. وبهذا الصورة واضحة ، نحن نتلقى افكار سيئة من
الشيطان و نتلقى مثلها من الناس مما يعني ان المصدر الاساسي للشر واحد وهو الشيطان
الذي وسوس الى الناس ثم ترجموا وسوسته الينا ، والذي امرنا الله بان نتخذه عدوا ، والذي
تحدث عنه القران في قصة آدم ، ولو كان كل مستخفي جن او كل مضر شيطان لما اعطاه
القران اسما واحدا وهو الشيطان و هو ابليس ، اي لكان ذكرهم بالجمع و ليس بالإفراد
. لكن القرآن ذكر الشيطان بالإفراد وذكر الشياطين بالجمع ،
اذن الشيطان موجود ، ككيان روحاني لا وجود مادي له
، ولكنه موجود ومؤثر وبشكل يومي واكثر من يومي ، بل كأنه يجري من ابن ادم مجرى
الدم .. وكلنا يحس بذلك ، من خلال ايحاءت شريرة تقحم على عقولنا لا ندري من اين
جاءت ، ونكرهها ونريدها الا تعود لكنها تعود ، وكلما استعذنا بالله ابتعدت ، ثم
تعود بعد ذلك .. لان الشيطان يخنس من ذكر الله اي يختفي . لهذا فالافضل الاستعاذة
وذكر الله قبل الاستطراد في تلك الافكار السيئة ، والوقاية خير من العلاج .
واما بالنسبة لتسمية كل خفي بأنه جن ، فهذا لا
يعني عدم وجود جنس خلقه الله خفي يحمل هذا الاسم ، فالله ذكر ان ابليس من الجن ،
وابليس حسد ادم وتوعد ذريته بالاغواء ، فكيف يكون غير موجود مع ان القرآن اثبت
وجوده وتحاور الله معه ؟ ولعنه وسماه ابليس الرجيم . وتوعده بالعذاب يوم القيامة ،
هل يتوعد الله كل شيء خفي ؟
********************************************
تعليقات على مقالة سامر الاسلامبولي :
كل الناس مخلوقون ومتناسلون من اصل واحد ، قال
تعالى ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى) اي من اثنين ، حاول الشيطان ان
يغويهما في الجنة ، فكيف يكون بعض الناس مخلوقين من نار والآخر مخلوق من طين ؟
ولماذا يعذب المخلوقين من نار وهو الذي خلقهم من نار وليس لهم يد في فعلهم للشر ؟
هذا ينفي فكرة الاختبار التي يؤكد عليها القرآن ..
واما القول بان ادم وابليس كلاها مخلوقان من طين
ونفس من نار ، وعدم سجود ابليس كبر لانه اظهر الطينية في ادم واخفاها في نفسه ،
فهذا لا يستقيم ، لانه سيقال له : انت تكذب لانك مثله تماما ، ولو كان الامر هكذا
لقال له ربه كذبت ، فاخرج منها فإنك رجيم ، لكنه لم يقل كذبت ، لان ادعاء الشيطان
لم يكن كاذبا ، فهو لم يطرد بسبب الكذب ، بل بسبب الكبر وعصيان امر الله ،
واحتقاره لادم ، فكل احتقار يقوم على وجود اختلاف ، وهنا لا نجد اختلاف ، فكلاهما
على حد قول الاسلامبولي مخلوقان من طين ونار !! فلا مبرر لاظهار التفوق وتعريض
النفس لمعصية الله على كذبة مكشوفة يعرفها حتى آدم !
أما قوله
تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم
مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ
يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27، فيجب أن لا نفهمها بشكل سطحي، فالنص
يتكلم عن الرؤية الذهنية من الرأي، وليس عن الرؤية العينية، اقرؤوا قوله تعالى: { فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
فَانظُرْ مَاذَا تَرَى }الصافات102، بمعنى أن رأي الشيطان وأتباعه فيكم غير رأيكم فيهم،
وذلك راجع للمفاهيم التي يحملها كل منهما، فالمؤمنون يرون الناس بمنظار الحب والاحترام
والإنسانية، بينما الشياطين وأتباعهم يرون الناس من منظار الكراهية والحقد والحسد والازدراء
لهم، لذا؛ كان لكل منهما اتجاه في الرؤية يختلف عن الآخر، وهذا دافع لأن لا ينخدع المؤمنين
بمظهر الشياطين، ويجب أن ينتبهوا لرؤيتهم الشريرة.
الاية تحمل تحذير من عدو مع قبيله من الشياطين ،
بأن لا يستزلكم الشيطان كما استزل ابويكم ، وقوله : انه يراكم ، هذا رد لسؤال
متوقع وهو : اين عدونا حتى نراه ونتقي شره ؟ فكان الرد انه يراكم هو وقبيله من حيث
لا ترونهم ، لكنهم يوسوسون لكم بخفاء ، كما وسوس لأبويكم ، من دون ان يروهم ، وهذه
الاية تنفي كل من زعم انه رأى الشياطين و الجن ، أو انهم تمثلوا بحيوان او غيره ،
هذا غير انه لا توجد حاجة لان يتمثلوا بشكل حيوان ، فالشياطين تصل الى العقول ثم
الى الصدور بطريقة معنوية اسهل ، نحن نعرف عقولنا ، ولكن لا ندري اين هي ، لانها
كيان روحاني لا وجود مادي له ، كذلك مشاعرنا لا وجود مادي لها ، وسوسة الشيطان
تجري في هذا العالم الغير مادي ، لاننا مادة و روح ، ولسنا مادة فقط .
وكلمة ( عفريت) تدل على قوة الإنسان بشيء وإتقانه له،
نحو قولنا: إن زيداً عفريت في البناء، وهذه الصفة يمكن أن يتصف بها الإنسي أو الجني،
اقرأ قوله : {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ
مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }النمل39، العفريت في النص كان
من الجن، بمعنى أنه من الغرباء الذين أسرهم النبي سليمان، وكلمة عفريت تدل على أنه
كان من الماهرين في النجارة أو ما يلزم لصنع العرش.
وكيف هذا الغريب من الانس يستطيع ان يحضرها قبل ان
يرتد طرف سليمان اليه ؟ والله سخر الجن لسليمان ، فهل نقول انهم اشخاص غرباء ؟ ما
ميزة الغرباء عن غيرهم من العمال ؟ الم يطلب سليمان ملكا لا يعطاه احد من العالمين
؟ لهذا سخر الله له الجن ولم يسخرهم لغيره ، ثم موت سليمان كان فيه تذكرة للناس
بان الجن لا يعلمون الغيب ، وهل احد يفترض ان الغرباء من الناس يعلمون الغيب ؟ هذا
تخريج بعيد جدا ، ويجرد النص من دلالاته ، فالقران نزل بلسان عربي علينا ان نتقيد
به ، فالقرآن بين ان الشيطان غير الانسان ، وسماه عدوا دائما ، اما الانسان الشرير
قد يكون خيرا في يوم من الايام ، وقد توعده الله بالنار يوم القيامة ، ولو كان من
البشر لما توعده قبل ان يجربه مثل بقية البشر ، فالله لم يتوعد كل الناس ان يدخلوا
النار ، بل الكافرون منهم به وبنعمه وبآياته ، المختارون للشر على الخير .. اما
الشيطان فقد وعده مقدما ، وذكر انهم يراكم وانتم لا ترونه ، وذكر ان له قبيل من الشياطين ، وقال : وما خلقت
الجن والان الا ليعبدون ، فلماذا التفريق ؟ وما معنى انسان مختفي وانسان ظاهر ؟ وهل
يستطيع اي انسان ان يظهر امام كل الناس وبشكل دائم ؟ اذن فكلنا جن !!
وهل ان محمد عليه السلام جنيا في غار حراء لان لا
يظهر الى الناس ؟ وهل كل شيء في الخفاء عبارة عن شر ؟ هذه فكرة مانوية التي تؤمن
بان الظلام هو الشر ، هناك من يختفي عن الناس ليعبد ربه ، فهل هو جني ؟ هناك تعريف
لغوي للكلمة وهناك تعريف ديني وايماني ، فهل نقول بموجب هذا التفكير انه لا يوجد
جنة في الآخرة ؟ لأنه كل ما كان ملتف الاغصان يسمى جنة ، وكل شيء مستتر يسمى جنة ،
بنفس المنطق الذي نفى في الكاتب وجود الجن عليه ان ينفي وجود الجنة ، وبنفس المنطق
يجب ان ينفي وجود الحديث النبوي ، لانه كل ما تناقله الناس يسمى احاديثا ، فهل
يعني هذا عدم وجود اصطلاحي لشيء اسمه الحديث ؟
هذا الاسلوب نسميه تمييع المصطلح في
اللغة ، ومن خلاله يحول الجنس الى صفة ، وهذا قريب من الاسلوب الكابالي اليهودي
لفهم التوراة ، فلأن اسم ابراهيم مشتق لغويا من الحكمة ، قالوا لا يوجد شخص اسمه
ابراهيم بل المقصود الحكمة ، وهكذا هو تمييع المصطلح في ماء اللغة . اذن الكاتب
حول الجن من اسم جنس الى صفة وهي الاختباء .. وهذا عكس للعملية العقلية التي تبني
المصطلح على اللغة ، اي تجمّد اللغة ، والمصطلح هو تجميد للغة في ناحية معينة ،
فهذه العملية العقلية اليت تبناها الكاتب هي عملية تحليل عقلي وليست عملية تركيب
عقلي .. اي عملية تحليل للمركب وتذويبه في اللغة ،وهذا ينطبق على كل شيء ، حتى على
مثلا كلمة : ليبرالية ، نستطيع ان نتداولها كمصطلح معروف ، ونستطيع ان نتناولها
لغويا ، اذ تعبر عن اي نوع من انواع الانفكاك .
لننظر أيضاً لصفة الجن الشياطين في المجتمع ماذا يفعلون:
قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا
يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }الإسراء64 ، والنص واضح بتحديد الفئة التي تشارك الإنس في
الأموال والأولاد، وتمارس عليهم الوعود الكاذبة، هل هم كائنات شبحية غير مرئية ؟ وغير
موجودة إلا بالذهن فقط؟ هكذا يريد الشيطان أن يُقنعكم حتى تتوجه ممانعتكم باتجاه عدو
شبحي، وتقاتلون الطواحين.
المشاركة في الاية تعني الشرك ، فكل ما عبد من غير
الله فهو شرك وفي الاخير يعود الى الشيطان ، لانه في الاخير لا يعبد الا الله او
الشيطان ، و لان الشيطان هو الذي وسوس بتلك الافكار الشركية ، فالشيطان يوجههم لكي
تصل عبادتهم اليه في الاخير ، انظر اية (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ
وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا
فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ
يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) ..
نعم الشيطان حقيقة غير مرئية وموجودة في الذهن
وتؤثر فيه ، واسألك : ما اهم شيء في الانسان ؟ اليس الذهن ؟ اليست حياتنا من صنع
افكارنا ؟ اذن الشيطان اختار اهم مكان ليؤثر علينا فيه ، ويعرض علينا الشر ويغرينا
بتناوله ، دون ان يلزمنا ، لانه لا يستطيع . فنحن في اختبار الحياة و بجو حر ، حتى
نستحق المكآفأة او العقاب ، واذا افترضنا ان الشيطان هو فقط من اشرار الانس ، فلو
كان كذلك لانتهى الشر يوما من الايام ، لان الناس في الاخير تهمهم مصالحهم اكثر من
الشر ، الست ترى من يفرط بمصالحه لاجل فعل الشر ؟ انها الشياطين تؤزهم ذهنيا ،
ليدمروا انفسهم ويدمروا غيرهم ،
ولو كان البشر لا تحركهم الا مصالحهم فقط ، لوجد
توازن بينهم الى حد كبير ، ولكان الشر في طريقه للانقراض ، لكن الشر دائما موجود
وشعلته لا تنطفئ ، مما يعني ان الشياطين التي توسوس في اذهان الناس تريده ان يستمر
وان يسود ، والواقع والتاريخ مليء بالامثلة على من يضر نفسه ومصالحه لاجل فكرة سيئة
وليس لاجل نفسه .
المصلحة تقتضي مصالحة اكبر عدد من الناس ، ولو
ابعدت الشياطين الذهنية لتم هذا التوافق ، بعبراة اخرى : ليس البشر لا تحركهم الا
مصالحهم فقط لكان الوضع افضل ، مع ان المصالح تقتضي الصراع ، الا انه وبسبب اضرار
الصراع ، سوف يخف الصراع تدريجيا الى حد سواء ، لان هناك توازن بين الالم واللذة ،
ما الذي يمنع دول تملك اسلحة نووية من اجتياح العالم ؟ انه الموازنة بين المصلحة
والمضرة . قس على هذا كل شيء . لكن ماذا تفعل في الحسود الذي يريد ان يذهب نعمة
غيره بالحرق دون ان يستفيد منها شيئا ؟ كما فعل ابن ادم مع اخيه ، بل قتله ، مع ان
وجوده لا يضر مصالحه ان لم ينفعها ، والارض واسعة ، انه الشيطان الذي يمر بالفحشاء
والمنكر ويزين السوء لمن يستمع الى وحيه . وما دام الشيطان يوحي لنا بهذا الشكل
الدائم ، كيف يشك الى ان الله اوحى الى نبيه القران ونحن توحى الينا وساوس الشيطان
بشكل يومي ؟
حذرنا الله من كيد الشيطان وتدليسه، وأخبرنا أن رأيه
فينا يختلف عن رأينا فيه ، فهو عدو مبين يخطط لنشر الفساد والرذيلة والظلم والاستبداد
والاستعباد للناس: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا
يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6، هل يحذرنا الله من
عدو شبحي غير ممكن معرفته؟
لماذا يفعلون كل هذا وهم بشر مثلنا ؟ ان كان بدافع
المصلحة فالمصلحة يوقفها الالم المضاد ، ولماذا يكون عدوا مجسدا ونحن لنا عقول غير
مجسدة ؟ عقولنا غير مادية وافسادها أيضا غير مادي ، هذا هو المنطق ، وهل يجب ان
نرى الشيطان بعيوننا حتى نحذره مع اننا لا نرى المنطق ومع ذلك نخاف من مخالفته ؟
ولا نرى افكار الشر ومع ذلك نكرهها ونخاف منها ؟ هذا كله نتيجة للتأثر بالطرح المادي
الذي سيطر على الفكر الغربي منذ القرن التاسع عشر . صار هناك نفور من اي شيء لا
وجود مادي له . بسبب فكرة الماديين انه لا اله والحياة مادة . اقول ان هذا
بتاثيرها ، وانا لا اتهم الكاتب طبعا بانه مادي او غير مؤمن ، لكن الفكرة المادية الغربية
تسربت الى طريقة التفكير ومناهج البحث ، حتى في الايمان . مثل تسمية الجن بالجراثيم
، لان الجراثيم كيان غير مرئي والجن كيان غير مرئي كذلك ، وتسمية البشر الاشرار
المؤثرين بانهم هم ابليس المذكور في القرآن ، ولا وجود له لاننا لا نراه ، هذا كل
ما في الامر ..
انها اشعاعات الطرح المادي الغربي تسقط على اجواءنا
الفكرية والدينية . بينما الصحيح ان يكون القران هو نورنا لا ثقافة الغرب نسقطها
على القران ، هو نورنا الذي يبين لنا ثقافة الغرب وغيره ، اي نور القران هو الذي
يجب ان يسقط على كل شيء لانه هو الكتاب المنير ، اي ينير غيره ويجعلنا نميز من
خلال ذلك النور .
وفي نهاية المطاف أقول: أنا أقول، وأنت تقول، وللناس عقول!، والواقع مصداق
لما نقول.
في الواقع ليس الواقع مصداقا لما تقول من كل
الجوانب ، بل حتى واقع القرآن مختلف عن هذ الطرح ، والمنطق يتعارض مع هذا الطرح . وان
كانت محاولة فكرية واجتهاد مشكور .