ردود على كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 7
و أول طرق المنطق عند الإنسان كانت الفكرة
السببية ؛ أي لكل سبب مسبب
. فعندما ينزل البلاء بقوم مثلا فلابد أن يكون هنالك سببا لذلك. و بما أن الإنسان لم يكن
يعرف هذه الأسباب فهو إخترعها و ذلك بنسبها لنفسه و بتحمل اللوم. فأصبح الإنسان و ما
يقوم به من عمل هو دائما سبب الكوارث حتى لو لم يكن ذلك منطقيا، و حتى لو
لم يكن قادرا على أن يربط هذا العمل بتلك النتيجة بطريقه مباشرة .
ما زلنا نسمع خطبة الحادية ! اين الكتاب العلمي ؟ هل يعقل
اننا نقرأ لعالم الآن أم لداعية مؤدلج همه ان ينقض الدين ويعريه من اهدافه السامية
؟ و الان جاء دور المنطق ليعريه من قيمته الحقيقية ويقلل من شأن قانون علمي منطقي
وهو قانون السببية ..
أو كما يذكر المؤلف، ” قابلية الإنسان {الطبيعة} لتحمل الذنب جعلت
الناس يبحثون عن الطرق {العديدة} ليلوموا أنفسهم على كل ما يصيبهم {من
آلام و فواجع}”، لأن ذلك له مرجع نفسي يجعل الفرد قادرا ، نوعا ما أن يسيطر علي
محيطه حتي لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة.
هذا هو العقل ، فالعاقل هو من يلوم نفسه و الاحمق هو من يلوم
غيره فقط ، و دائما يجد العاقل ما يلوم فيه نفسه ، و الأحمق دائما يجد ما يلوم فيه
غيره و يبرئ نفسه . اليس هذا الملحد يؤمن بنظرية الفوضى أو تأثير الفراشة التي
تحمّل الفراشة شيئا من المسؤولية في حدوث الاعصار ؟ لماذا لا يطبق مبدأه ؟
نعم المنطق و الاحساس والفلسفة كلها تقول بوجود اله ، و هذا
الاله مطلق القدرة وخيّر القصد ، اذن له دخل في كل ما يجري ، مع انه وضع القوانين
التي يمكن دراستها .. انفسنا و مشاعرنا لا يمكن ان نعرفها ونتحكم بها ، و لا نعرف
ماذا سنختار ، هو من يعرف ، ويستطيع ان يجعلنا نختار الافضل من بين القوانين ،
وبموجبها ، و لا يليق بمن يسمى عالما ان يقلل من شأن فكرة السببية ، وكيف ينتسب
الى العلم وما العلم الا معرفة الاسباب ؟
ثم لماذا الانسان لديه قابلية لتحمل الذنب ؟ اليس عالما ؟
لماذا لا يخبرنا ؟ اليست هذه فطرة الانسان ؟ و يعرف بموجبها ان اخطاؤه تؤثر في
حياته المستقبلية ؟ و ما يجري له ؟ وأن سخط ربه لن يجر له الخير ؟
هذا بالإضافة إلي “الجهل بطرق الطبيعة” أساسا
، و الذي ” قاد
الناس في الأزمنة القديمة إلي إختراع الآلهة لتتحكم في كل أوجه
حياتهم {و ترسم طريق الخير و
الشر لهم ، و كيفية التعامل مع الأمور الحياتية و خصوصا العلاقات البشرية
الإجتماعية و السيكلوجية التي بدت و لازالت تبدو غامضة لهم }. فلقد كان هنالك آلهة للحب و
الحرب؛ و {آلهة} للمحيطات و
الأنهار؛ و {آلهة} للأمطار و العواصف الرعدية يتوسلون لها و يقدمون القرابين {ألا يذكركم هذا
بصلاة الإستسقاء عند المسلمين حيث لازالت آثار الطقوس البدائية
حية حتى علي مستوي الدول التي تعتبر نفسها مدنية
حديثة كالكويت؟}؛ و حتي كان هنالك آلهة للزلازل و البراكين . فعندما تكون هذه الآلهة
راضية عن الناس، فهم سيتمتعون بأجواء جيدة {صافية}، و يتمتعون بالسلام {و
يكون الإحبة علي حب و وئام دائم } ، و سيتم إنقاذهم من الكوارث الطبيعية
و الأمراض. و لكن عندما تكون هذه الآلهة غير راضية عن الناس ، فالقحط و
الحروب و الطاعون و الاوبئة ستكون من نصيبهم {بسبب هذا السخط الإلاهي}. و
حيث أن العلاقة بين السبب و المسبب لم تكن ظاهرة لأعين الناس {في تلك
الأزمنة}، ضل الناس {و لازال المؤمنون منهم } تحت رحمة هذه الآلهة و التي
كانت تبدو غامضة لهم٠
هذه فكرة عن الاديان مكبرة اكبر من اللازم لتناسب ما يريده
الملحد ، الديانات لم تكن تدور حول الزلازل والبراكين والطواعين ، هذا في فلك
الملحد فقط ، لأنه لا يستطيع ان ينظر من منظار المؤمن . المؤمن يستطيع ان ينظر من
منظار الملحد ، ولكن لا يستطيع الملحد النظر بمنظار المؤمن ، لان الملحد مادي وغير
مؤمن ، و المؤمن و غير المؤمن يعرفون المادة و يحتاجون لها .
التفسير الالحادي للدين يصر على ان الدين وضع لاجل الدنيا و تكافي
شرورها ، محتجا بالقليل الذي يجده عن ذكر للكوارث الطبيعية في السياق الديني ، التفسير
اصلا خاطئ ، هذه المسيحية و هذا الاسلام والديانات الموجودة امامك ، وهي لا تصدق
هذا الطرح الملحد عن الدين ، فليست تدور على فلك الفيضانات والامراض والتسونامي
كما يفكر الملحد ، وكان بامكانه ان يسأل رجال الدين : ما هو هدفكم من الدين ، هل
فعلا انتم تخافون من الكوارث لذلك تأتون الى الكنيسة والمسجد ؟
و إن ورد لهذه الكوارث بعض الذكر مثل صلاة الاستسقاء ، فهذه
الصلاة ليست دائما ، بل خاصة بظرف ، و مثلها القنوت في الصلاة عند حدوث المحن ،
فهدفها الدعاء ، وهذا يدل على ان اتقاء المحن ليس هو الاصل في الدين ، و إلا لكانت
صلاة دائمة . كما أن صلاة الاستسقاء ليست واجبة على المسلمين بل سنة مستحبة ، واذا
قام بها البعض سقطت عن البقية ، مع ان القحط امر فظيع . و هذا يثبت بطلان النظرة
الالحادية و عدم واقعيتها .
و لو كان الدين وضع لاجل القحط وامثاله من المصائب لكانت مستمرة
، علاقة الدين بالآفات والجوائح هي علاقة دعاء ، اي داخلة ضمن ما يدعو به المؤمن ،
وليست هدف الديانة كلها كما يتصور الملحد ، ولماذا نتكلم عن الاديان و هي موجودة ؟
انظر اساسها ، بل انظر ماذا تعبر الاديان عن نفسها ، لو كان هدفها اتقاء الكوارث
في الدنيا ، لكان هدفا معلنا في الدين نفسه ، ولا احتجنا الى ملحد لكي يفسره لنا
.. لماذا لا يقول المسلمون وعلماؤهم : اننا نعبد الله حتى نتقي الجفاف و الامراض
والعواصف والزلازل ؟ لكنهم لا يقولون ذلك ، بل نعبد الله لانه يستحق الشكر
والعبادة (اعملوا ال داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور) ، فكيف يقوّل الملحدون
الاديان ما لم تقله ؟ هل هذه موضوعية ؟ لو كانت الاديان كلها تقول : نحن نعبد لاجل
هذه الاخطار في الدنيا ، لكان الكلام صحيح ، بل لا يوجد دين يقول ذلك ، انما هي
وجهة نظر الحادية تعبر عن شيء ليس بغائب و يستطيع ان يعبر عن نفسه . اما ان يفسر
الملحد الدين كما يريد ، مع أن اهل الديانة يقدمون تفسيرهم لسبب عبادتهم ، اليس
الاولى ان يؤخذ به ؟ ام ان يؤخذ راي الملحد بدينهم ؟ هل نقبل تفسير الملحد لدين
المؤمنين ؟ ام نسمع تفسيرهم هم لدينهم ونعتمد طرحهم ؟
اذن هوكينج يتكلم باسم الاديان ويقولها ما لم تقله ، ويجعل
هدفها الذي وجدت منه غير الهدف الذي تقوله هي ، و يصر على انهم خائفين من الزلازل
و البراكين ، بينما هو لا يخاف ! مع انهم بشر ! ويقول انه حتى المؤمنين الآن
دافعهم هو الخوف من الزلازل و البراكين ونحوها ، و ليته يقول هذا هو رايي ، لكنه
يتكلم بثقة و لا يترك لهم فرصة ليعبروا عن انفسهم ، و هم اصحاب الشأن ، و لا يرجع
الى تفسيرهم و لا حتى مصادرهم . فاين الموضوعية في الدراسة ؟
هذه انتقائية و تضخيم للمنتقيات و الباس الجزء على الكل ، وهو
تناول غير علمي ممن يوصف بالعلمية .. إن هذا النوع مصادرة على الراي يقع فيه
الملحد ، و يفسر الآخرين رغما عنهم . ويقوّل دياناتهم و كتبهم ما لم تقله ، هذا هو
القرآن ، اين سور العواصف وتعويذات لسع الدبابير وتعويذات المرض والجدري والطاعون
والكسوف والطوفانات والقحط والحرب والثعابين ؟ هكذا يجب ان يكون الدين اذا اتبعنا
تصور هوكينج واشكاله من الملحدين ، يجب ان تكون كل الايات تدور حول الموضوع .
نعم هناك اوراد عامة طلبا لحماية الله من الشرور ، هي من ضمن
الدعاء ، و الدعاء يشمل الدنيا والاخرة ، بل القران يشنع على من يطلب للدنيا فقط
كما يتصور هوكينج ، ( ومن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما لهم في الاخرة من
خلاق) ، و هذه الاية تسقط كل هذا التفسير الالحادي بدنيوية الدين ، لأنها تتوعد من
يعبد لاجل الدنيا فقط بعذاب الاخرة ، فهل بعد هذا دليل ؟ المؤمن يتعامل مع رب
الدنيا و الاخرة ، و من حقه ان يطلب منه حمايته في الدنيا و الاخرة وان كانت
الاخرة هي الاهم و لاجلها وجد الدين و ليس لاجل الدنيا ، فالدنيا لا تحتاج الى دين
، بدليل ان الملاحدة الماديين الواقعيين لم يحتاجوا الى دين ، لان هدفهم هو الدنيا
فقط ..
لا توجد ولا ديانة همها هو الواقع اليومي و المعاشي والدنيوي
فقط ، هذا هم الملحدين الدهريين فقط ، و الا لما سميت ديانة ، بل تسمى فلسفة حياة
كبقية الفلسفات الدنيوية كالشيوعية و الراسمالية والمادية و غيرها ، كل الديانات
تعتمد على الغيب ، وهو مركز اهتمامها ، وليس الواقع ، لأن من يخاف من الكوارث
والاضرار والامراض فقط ، منطقيا سيكون تركيزه عليها بدلا من اهدار الوقت في بناء
المعابد ، أن يبني السدود مثلا ، فالسدود نتائجها مضمونة في منع الطوفان اكثر من
ان يختلقوا الها و يطلبوا منه ان يمنع الطوفان و يبنوا له المعابد . هل القدماء
كانوا اغبياء و سذج الى هذه الدرجة التي ينظر اليهم بها الملاحدة ؟ هل الملحد
يتصور ذلك عنهم ؟ الم ينظر الى آثارهم و ابداعهم و صناعتهم والتي نعيش عليها و
نستعملها حتى اليوم ؟ هل هذا الابداع يخرج من ناس سذج و حضارات ساذجة الى هذه
الدرجة ؟ موقف الملحد غير متمكن و مفتوح للنقد من كل الجهات ..
الم يكن الاهتمام بالعلاج انفع من احراق البخور والتعاويذ
للالهة ؟ هل كانت عقولهم مجدبة الى هذا الحد ؟ اذن كيف اختلقت خيالا خصبا و اقامت
تماثيلا ضخمة و فنية و هندسية و حضارات عظيمة ؟ اثار القدماء تشير الى انهم كان
لديهم عقل ، و من كان عنده عقل وهو لا يخاف الا من اضرار الدنيا ، سيتجه فورا الى
العقل ، لكي يحارب الجفاف و يبني السدود والجسور ويتعامل علميا مع الطبيعة ، و هم
يعرفون ذلك ، و يعرفون ان البيت يحميهم من البرد والثلج ، ولم يجلسوا في العراء
ويطلبوا من الالهة ان تحميهم منه ، و لم يجلسوا ويطلبوا ان ترسل الالهة لهم السمك
مشويا ، بل ارتادوا البحر و بنوا القوارب والسفن وصنعوا الشباك ، وطلبوا من الالهة
التوفيق .. لان هذه امور دنيوية ، اما الدين فليس هدفه فقط الدنيا ، لان الدين
يثبت لهم هدف حياتهم وغاية وجودهم و نصرة الخير الذي يحبونه .. آمنوا لأنهم يريدون
ان يتغير الواقع الى الافضل انسانيا ، وليس لانهم مشغولون بالاستثمارات المالية
المادية كما يفهم الملحد والحماية من مخاطر البيئة .
الانسان ليس عابد مصلحة كما يتصور الملحد ، الانسان مخلوق
متسامي ، لا يستطيع ان يعيش بدون اهداف سامية ولا يستطيع ان يكون واقعيا 100 %
وبدون خيال جميل و بدون آمال راقية ،
والالحاد مجدب من كل هذا . لهذا بحث عن الدين و بحث الدين عنه ، ليسد هذه الثغرات
غير المادية في اهتمام الانسان ، فخالق الناس لم يضيع الناس ويتركهم في الجدب
الروحي .. فأرسل لهم الرسل تترا .
هكذا يجب ان يكون لو تابعنا فكر الملاحدة : انهم يعتقدون ان
المؤمنين يريدون اصلاح الدنيا فاختاروا الطريق غير المباشر ، مع انهم يعرفون الطريق
المباشر لاصلاح الدنيا ، و هذا الكلام لا يمكن قبوله عقليا ، لان القدماء اعملوا
عقولهم في حل مشاكل الدنيا و لم يتكلوا فيها على الالهة فقط . اذن هذه الفكرة
الالحادية فاشلة ويسقطها المنطق والواقع الانساني و الديني والتاريخي ، و يجب ان
تنحى عن الطرح ويبحثوا عن بديل لها يقدم تفسيرا اوجه لظاهرة الدين . خصوصا ونحن
نعرف و كل من زار المتاحف يعرف محاولات القدماء الكثيرة و الناجحة في اصلاح شؤون
معاشهم و حياتهم ، اما الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين فهي اصلا نادرة الحدوث
وليست عامة في كل مكان بينما الدين عام في كل مكان ، ويمكن اتقاؤها الى حد كبير .
هذا عدا ان لها كثيرا من الفوائد .
كيف تكون الديانات وضعت لاجل الدنيا و مصالحها ومخاوفها ؟ ان
الملحد يضيق الدائرة اكثر بعدما يحصر الدين في الخوف من مظاهر الطبيعة ، فحصرَ
الخوف بعدم المعرفة التفصيلية بحدوث هذه الامور التي قد يخاف منها .. و كل هذا
الاعتساف لماذا ؟ ليقدم الحل الذي أخـّر ظهوره : وهو العلم ، كبديل عن الدين ، اي
ان الملحد يصنع مسرحية كما يشاء و يدخل البطل في الوقت المناسب . تستطيع ان تـُمَسْرِح
كما تشاء ، و لكن الواقع شيء آخر . ولم تتطابق مسرحية مع الواقع في يوم من الايام
.
المؤمن لم يضع الدين كله لاجل حمايته من مشاكل الدنيا فقط كما
يحب ان يتصور الملاحدة ، معتسفين للنصوص كما يريدون . هم عمموا الجزء على الكل ..
ان دعاء الله عام ، ولو كان دعاء الله خاصا بأمور الدنيا و طلب الوقاية من شرور
الطبيعة ، لكان الدين كذلك ، و لصرح بذلك ، ولنهى عن طلب اي شيء غير الدنيا ، و لكن
واقع الاديان مختلف جدا عن الطرح الالحادي ، فهي اوسع من هذا الضيق الذي حصروها
فيه ، و ليس هناك اوسع من الدنيا والاخرة ، بينما هم حصروا الدين في كوارث طبيعية
معينة قد تحدث وقد لا تحدث .
في جزيرة العرب ، عاشوا و ماتوا لم يعرفوا الزلازل ولا
البراكين ولا حتى الطوفان ربما ، و ليس عندهم اخطار طبيعية اكبر من الجفاف . لو
كان طرح الملاحدة صحيحا ، لكان دين الاسلام الذي ظهر في جزيرة العرب دين الجفاف و محاربته
، ويدور قرآنه كله حول هذا الموضوع . هل رأينا كيف ان طرحهم شاذ و غريب وأنهم
يتكلمون عن شيء لا يعرفونه اسمه الايمان ، وحتى لو مروا به يوما من الايام لا يعني
هذا انهم وعوه وادركوه ، بدليل انهم مرقوا منه .
المادي له الحق ان يتكلم عن المادة ، لانها هي الشيء الوحيد
الذي يجوز له ان يتكلم فيه لانه يعرفه .
الديانات تدور حول التصوف و الايمان و حلاوته ، فليست المعابد
وزارات دفاع ضد اخطار الطبيعة كما يحب الملحد ان يتصور ، لانه وجد بعض المغالين
الذين يرجعون ظواهر الطبيعة مباشرة الى غضب الهي ، و هذا الارجاع غير منطقي اصلا ،
لانه من الذي يستطيع ان يحدد ان الله غاضب على هذا البلد او ذاك ؟ ثم الجميع يعرف
انه اذا كان الطوفان قد اضر ببعض اتباع الالهة ، فهو قد جاء بالخصب والماء لمزارع
بعض الاتباع ، فإذن أي التفسيرين سيكون هو المعتمد عند السدنة ؟ هل هو كلام
الصيادين الذين غرق اهلهم ؟ ام كلام المزارعين الذين اتروت مزارعهم ؟
البشر منذ القدم يعرفون ان مصائب قوم عند قوم فوائد ، و لا
توجد مصيبة عامة على كل الناس كما يستطيع العقل الملحد ان يبتلع بسهولة ، فيتصور
وجود كوارث عامة على كل الناس لا يوجد من يشكرها ، فحتى حفار القبور قد يشكر مرض
الطاعون على ازدهار عمله ، هذه الحقائق يعرفها الناس ، اذن كيف يقيمون دينهم على
اساسها و هم يعرفون ان ما ساء قوما سيسر قوما اخرين ؟ انهم ليسوا مجانين الى هذه
الدرجة التي ينظر اليهم بها الملحد من كل زاوية و كأنه يطلع على فيلم المجانين
الثلاثة .. البشر القدماء وغيرهم هم مثلك تماما في الاساس، ويعرفون المنطق ..
كلما حصلت كارثة في بلد ما ، لا بد ان يخرج منها اصوات غير
عقلانية ولا منطقية و تدعي معرفة الغيب وتصور ذلك الحدث على انه عقوبة الهية
لاسباب معينة . هؤلاء لا يصدقهم العقلاء طبعا .. بسبب انهم يعرفون ان الحوادث
الطبيعية خاضعة لقوانين، و لسبب منطقي آخر ، وهو ان علم الله عنده دائما ، وثالثا
: ان الله عادل ، لا يعاقب الجميع بسبب ذنب البعض ، ورابعا : انه لا يمكن معرفة ما يفيدنا فعلا وما يضرنا
فعلا : ( عسى ان تكرهوا شيئا وهوخير لكم ، وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم) . والناس
تعودوا على مثل هذه التقلبات في النظرة ، فطالما خافوا من شيء و اذا به خير لهم ،
وطالما احبوا شيئا او احدا ، فطالهم منه الضرر ، و يذكرون قصصا كثيرة عمن عاش يجمع
المال حتى قتله ماله . و يذكرون قصصا كثيرة عمن نفعه ما كان يتوقع ان يضره ، وضره
ما كان يتوقع ان ينفعه ..
عندما تتكلم عن دين ، فأنت تتكلم عن اجماع بشري على اساسات ،
و لا قيمة للشذوذات التي يحاول الملاحدة ان يجمّعوها و ينظروا الى الدين من خلالها
، كتعظيم خرافة هنا او هناك .. البشرية اعلم باساسات و دوافع ما تفعل دائما ، و ليست
بحاجة الى واحد مثل هوكينج او غيره لينبهها عن شيء لم تكن تعرفه من قبل و يصحح لها
مسارها .. البشرية اعقل بكثير مما يتوقع الملاحدة ..
العاقل هو من يستخلص من اجماعها نقاطا اساسية يعتمدها كاساسات
ثابتة و لا يلاحظ شواذا هنا و هناك لاحقها بعض الحمقى من الاتباع او المتطرفين ..
الانسانية لا تستطيع ان تعيش بدون هدف لوجودها ، و هوكينج يريدها ان تعيش بلا هدف
لوجودها .
فني الكهرباء يكسر الجدران ويعمل الممرات و يضع الاسلاك
والقواطع والفواصل لاجل ان يضيء المصباح ، هوكينج وامثاله يريدون منا ان نعمل كل هذا
وبدقة اكثر ، ولكن بدون ان نضع مصباحا ! ما فائدة الحياة و ما جدوى الوجود ؟ هل
رأيت كيف يخالف الملحد مسيرة البشرية و يخالف دوافعها العميقة من خلال نظرات مادية
ظاهرية غير مرتبطة بالعمق الانساني ؟
و لكن كل هذا {بدأ} بالتغيير مع ظهور حواديت
ميليتس (٦٢٤-٥٤٦ قبل الميلاد)٠
أي بحوالي ٢،٦٠٠ سنة ماضية، {عندما برزت
مجموعة من القصص القديمة
المكتوبة و المجمعة تحت الإسم أعلاه في مدينة ميليتس الإغريقية\التركية العتيقة} و التي {تؤكد
بعضها أن} الطبيعة تتبع قوانين ثابتة في الإمكان حل رموز شفرتها . و هكذا
بدأت {من يومها} العمليات
الطويلة {المتسلسلة الشاقة} بإستبدال فكرة {تدخل} الآلهة {في الظواهر الطبيعية كقوى خير و شر} مع فكرة
الكون المسير بقوانين طبيعة {ثابتة و مفهومة}،
هذا غير صحيح و يلغي كل الجهود العلمية السابقة للبشرية بميلتوس
والمثبتة تاريخيا وحضاريا .. الم يعرف الانسان الهندسة قبل ميلتوس ؟ الم يتعامل مع
قوانين الطفو في بناء السفن والطوافات ؟ الم يتعامل مع النباتات و يعرف النافع
والسام منها ؟ الم يتعامل مع الحيوان ويكون ثقافة ومعرفة حول سلوكها ؟ الم يعرف
الكتابة و التحنيط و الهندسة الراقية عند الفراعنة والفخار والزجاج عند السومريين
والبابليين والصينيين ؟ ألم تقدم تلك الحضارات معطيات باهرة ؟ هل كانت هذه
المعطيات ستأتي بلا علم ؟ كل هذا علم ، و كله قبل ميلتوس ،، فلماذا يريد ان يجرد
هوكينج البشرية من علومها ؟
واضح جدا ان العلم عند الالحاد ليس ما نعرفه و تعرفه البشرية
، العلم عندهم هو تفسير ظواهر الكون ، هذا اسمه العلم عندهم ، و لهذا يدخلون
النظريات غير المثبتة والتفسيرية في مسمى العلم ، لكي يثبتوا ان العلم فسّر ظواهر الطبيعة
بدون اله ، معتقدين ان الاديان تفسر ظواهر الطبيعة من خلال الاله ، وهذا غير صحيح
ايضا ، وإلا فكيف بنوا الحضارة ؟ هل الالهة هي التي بنت الحضارة ام هم ؟ هل بنوها
بغيبيات ام بعلوم و قياسات ؟ المسألة كلها اختلاق و تقويل الأديان ما لم تقله وما
لم تفعله . لو كان العلم وحدوث الظواهر مرتبط باله عند القدماء ، لما فعلوا شيئا ولا
درسوا شيئا ولا ابتكروا شيئا ، و لما وردتنا حضارتهم الباهرة ، لانهم سوف ينتظرون
الالهة ان تحل مشاكلهم وما عليهم الا تقريب القرابين و العبادة بموجب تفسير هوكينج
، و التاريخ يثبت عكس ذلك .. اذن من الخاطئ : هم ام الطرح الالحادي ؟
و هناك دافع آخر يريد ان يحصر العلم في اوروبا فقط ، و يجرد
بقية الشعوب من اسهاماتها الحضارية والعلمية التي نقلها اليونان انفسهم . فحضارة
بلاد الرافدين اقدم من حضارة اليونان وهي حضارة باهرة ، و تعد من اقدم الحضارات
وكذلك الحضارة المصرية والصينية وغيرها كثير . المصريون القدماء وضعوا انظمة للري
وقياسات فلكية كلها تتعلق بالطوفان ، فلماذا لم يكلوا هذا الامر للآلهة ؟
السومريون ايضا والبابليون كتبوا عن الزراعة والعلاج ، لو كانوا يتكلون على الالهة
لما فعلوا اي شيء من هذا ولاكتفوا بالذبح والنذور للالهة لتحل مشاكلهم كما يتصور
الملاحدة .
هذا فهم غير جيد ، لان الواقع و التاريخ يتصادم معه ، وما
يجعله ضعيفا هو ان له هدف مسبق ، وهو تنحية الدين واحلال العلم محله .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق