الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

ردود على كتاب "اتصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 10


Inertia

أما أريستارشوس (٣١٠-٢٣٠ قبل الميلاد)٠

Aristarchus

فلقد كان  آخر عالم أيوني و “أول شخص قدم الفكرة الراديكالية بأننا كائنات عادية في هذا الكون، لأننا لا نتمتع بأية خصوصية  أو مركزية {أي أن الأشياء لم تخلق فقط من أجل خدمتنا و راحتنا}” . فهو كان أول من “ناقش أن  الأرض ليس مركزا لنظامنا الشمسي، و لكن الأصح هو القول أن الأرض  و بقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس الواقعة في المركز و ذلك لأنها تفوقها كلها بالحجم {و سبب ذلك يعود برأيه إلي أن الأجسام السماوية الأصغر هي التي تدور حول الأجسام السماوية الأكبر و ليس العكس} ” و هو أيضا توقع أن “النجوم التي نراها بالليل هي في الواقع لا شيء غير شموس بعيدة {بينما كان العرف السائد وقتها بأن السماء سقف هائل مرفوع بعمد يحجب الآلهة ،و نورها عن البشر ، من ورائة . و ما النجوم و الكواكب إلا ثقوب في هذا السقف}”٠

هذا مع العلم أن الأيونيون “كانوا يشكلون  واحدة {فقط} من عدة مدارس فلسفية في العهد الإغريقي الكلاسيكي، و كانت كل مدرسة من هذه المدارس ذات تراث {و ثقافة} مختلفة عن بعضها البعض ، و في كثير من الأحيان حتي تكون متناقضة مع بعضها البعض…فنظرة الأيونيون للطبيعةبكونها ممكن أن تفسر بإستخدام قوانين عامه تختزل إلي مجموعة من المباديء {القواعد}- كان لها التأثير القوي {علي المسار العلمي في الطريق الصحيح}  و لكن ذلك كله لم يستمر إلا بضع قرون قليلة ” . و أحد أهم  الأسباب لذلك كان لأن العلوم الأيونية كانت “غالبا لايوجد فيها مكان {أو تفسير } لفكرة السببية {الفلسفية}، أو فكرة تدخل الآلهة في عمل الكون كسبب لمسبب أو لعمل ما” و هذا ما جعل منها نظريات غير مستساغة بصورة عامة بالنسبة للأولون، فعلي سبيل المثال عارض أبوقراط (٣٤١-٢٧٠ قبل الميلاد) الفكرة الذرية  “أتومزم” بشده {ليس لسبب منطقي علمي بل علي أساس إعتقادي بحت}  حيث ذكر{ساخرا}  بأنه ” من الأفضل أن نتبع الأساطير {المنقولة } عن الالهة من أن نصبح ‘عبيدا’ لقدر قدره لنا فلاسفة الطبيعة”"  كما نقل عنه مؤلف الكتاب. و أرسطو ، هو الآخر ، رفض فكرة الذرات و لذات الأسباب حين ذكر أنه ” لم يستطع أن يتقبل فكرة أن الأشياء الحية {كالإنسان} ممكن أن تكون مكونة من مواد غير حية {كالذرات } أو أن تكون بدون روح”"٠

و يؤكد المؤلف هنا أن ” فكرة الأيونيون و الخاصة بكون الكون ليس مركزه الإنسان كانت هي نقطة التحول المركزية { التي غيرت نظرتنا } و فهمنا للنظام الكوني، و لكنها {ظلت فكرة مهملة } فلقد تم إستبعادها وعدم الأخذ بها أو تقبلها من قبل العامة حتي جاء جاليليو ، بعد عشرون قرنا تقريبا”، و أصر عليها رغم كل الإعتراضات التي واجهته٠

و لكن هذه لم تكن النظرية الوحيدة التي تم محاربتها و إهمالها لعلوم الأيونيين ، “فعلي الرغم من عمق بعض أفكار  علماؤها عن الطبيعة ، فأغلب الفكر الإغريقي الكلاسيكي { و الذي كان يتعارض مع الأعراف و الإعتقادات السائدة }  لم يمر كعلم شرعي {صحيح} حتي في الزمن الحديث {نسبيا}. و أحد أهم أسباب ذلك كان  لأن الإغريق لم يكونوا قد إخترعوا الطرق و الوسائل العلمية {الصحيحة التي من الممكن أن يعتد بها في القياس }، فنظرياتهم لم تكن تطورت من خلال التجربة و البرهان…و لم تكن لديهم الطرق الموضوعية لحسم المناقشات ( عندما تتناقض ) وجهات النظر. كما لم يكن هنالك تفاضل واضح بين القوانين {المعتمدة علي الأهواء } الإنسانية و تلك التي تخضع للقوانين الطبيعة. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، علي سبيل المثال، كتب أناكسيماندر  {معتمدا علي إعتقادات سابقة } أن كل الأشياء تخلق من  مادة أساسية، ترجع لها {بعد ذلك}، إلا إذا ” دفعت ثمن {جزية ، لدفع البلاء عنها تكفيرا} عن خطاياها”. و أما الفيلسوف الأيوني هيراكليتس (٥٣٥-٤٧٥ قبل الميلاد)٠

Heraclitus

فإنه قال بأن “الشمس مأمورة علي هذا الأداء  اليومي {لتجري لمستقر لها!} لأنها إن خالفت {الأوامر} فآلهة العدالة تصطادها و تقضي عليها”٠

و هكذا ظلت هذه الإعتقادات هي السائدة إلي أن تطورت قليلا بعد عدة قرون لاحقة مع عهد الستويكس و فلسفتهم التي عرفت بالستويسزم

Stoicism

و هم “يشكلون مدرسة أخرى من مدارس  فلاسفة الإغريق ، ظهرت في القرن الثالث قبل الميلاد ، و عملت علي التفرقة بين {الأهواء} الإنسانية و القوانين الطبيعية، {و كان ذلك جيدا لولا أنهم } أدخلوا { العلاقة بين }  التصرفات الإنسانية – مثل تكريم الالهة و طاعة الوالدين- بمصائرهم في خانة { العلاقات } بالعلوم الطبيعية٠” بالإضافة لإدخال مفهوم “القضاء و القدر” لكل شيء في الوجود٠

و ظلت هذه الثقافة  تؤثر علي المفكرين الذين أعقبوا الإغريق لمدة قرون عدة بعد ذلك. “ففي بدايات القرن الثالث عشر تبني الفيلسوف المسيحي ثوماس أكويناس (١٢٢٥-١٢٧٤ م) هذا التوجه و إستخدمه ليجادل بموضوع وجود الله كاتبا ” إنه من الواضح أن ( الأجسام غير الحية) تصل نهايتها ليس بالصدفة و لكن بالقصد ({أي أن عمر الإنسان مكتوب، و عمله مكتوب و مصيره محسوم، إلخ…}…و لذا فلابد أن يكون هنالك كائن ذكي يقوم بإصدار الأوامر لنهاية كل شيء. و هذا التوجه كان أيضا و حتي بعد ذلك {لوقت قريب نسبيا} في القرن السادس عشر {منتشرا بين العامة و الخاصة}، مع فكرة أن لكل كائن عقل مسير بقدرة خارقة ، حيث يذكر أن الفلكي الألماني العظيم  جوهانس كيبلر (١٥٧١-١٦٣٠م)٠

Johannes Kepler

كان يعتقد أن الكواكب تملك أجهزة حسية و أنها تتبع من خلال وعيها {الحسي}  القوانين التي تفهمها ب “دماغها”. هذا مع ملاحظة أن كيبلر كان أول عالم فهم معني كلمة “علم” بمفهومنا الحديث، و مع ذلك ظل محتفضا بمفهوم روحانية المواد الفيزيائة٠

أما أرسطو، و هو الذي كان أحد قادة هذا الفكر{ بأن الأشياء في الطبيعة، مع وجود عقول لها ، ألا أنها لا تملك الخيار لأنها مسيرة بصورة عامة،  و بكتب مكتوبة بواسطة الآلهة} فإنه رفض فكرة العلوم المبنية كمباديء علي المشاهدة رفضا باتا…و بني فيزياؤه علي مباديء إستهوته فكريا {و ناسبت إعتقاداته} …و مع أن فيزياء أرسطو لم يكن له قيمة توقعية أو تنبؤية إلا الشيء اليسير، ألا أن طريقته في العلوم سادت علي الفكر الغربي و لمدة ألفين سنة تقريبا…ففي ١٢٧٧ م نشر الأسقف تمبيير من باريس

Condemnations of 1210–1277

و بإيعاز من البابا جون الحادي و العشرون ٠

Pope John XXI

قائمة تحتوي علي ٢١٩ أخطاء أو هرطقات أوجبت الكنيسة  إدانتها، و من بين هذه الهرطقات كانت فكرة أن الطبيعة تتبع قوانين {ثابتة}، لأن هذا يخالف القدرة المطلقة لله في التدخل في تغيير المصائر {أو ميكانيكية كن فيكون}٠

و علي أي حال لم تكن القياسات الدقيقة متوفرة في الأزمنة القديمة. فالنظام الرياضي العشري يرجع تاريخه لعام ٧٠٠ م (عن طريق الهندوس). و أشارات الزائد و الناقص  في الرياضيات و الجبر لم تظهر قبل القرن الخامس عشر الميلادي{ مع المسلمين }، و لم تكتشف إشارة “=” و لا الساعات التي تحسب الوقت بالثواني كانت معروفة قبل القرن السادس عشر الميلادي٠

و من ثم يتطرق المؤلف إلي عهد جاليليو، و الذي يبدأ معه نقطة تحول جذرية

جاليليو جاليلي (١٥٦٤-١٦٣٢م)٠

Galileo Galilei

كما ذكرنا في البوست الماضي أن أحد أهم النقاط الجذرية في التحول في المسار العلمي بدأ في عهد جاليليو ،  حيث يقول عنه المؤلف أنه إكتشف “الكثير من القوانين، و دافع عن أهمية المباديء المعتمدة علي المشاهدة و {القياس } في تكوين القواعد العلمية {حيث عن طريق المشاهدة بالتلسكوب ، بين كيف أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، مؤكدا ما ذكره كابرنكاس

Copernicus

قبله بفترة قصيرة ، و الذي بدوره لم يتجرأ بنشر معلوماته إلا قبل وفاته بقليل}”. و بذلك ضرب جاليليو عرض الحائط كل ما إعتمدت عليه الكنيسة من علوم إغريقية في إثبات النبوءات المسيحية و منها أهمية الإنسان بكونه أساس كل ما هو مخلوق، أو لأجله و لأجل راحته تم خلق كل شيء . و بين “أن الغرض من العلم { ليس إثبات أو عدم إثبات أمور ثيولوجية ، بل } هو بحث العلاقات الكمية الموجودة {فعليا } بين الظواهر الطبيعية  ” كما جاء علي لسان المؤلف.


الرد:
كل هذا السرد التاريخي يتكلم عن التنظير العلمي .. و العلم الحديث الذي اعتمد الناس عليه و تم الوثوق به علم يعتمد على التنظير و التجريب والمشاهدة والتطبيق ، ولهذا وثق الناس فيه .. فعلى مستوى التنظير يبقى الكلام نظريا ، و قيمة جاليليو في أنه طبق النظرية (نظرية كوبرنيكوس) من خلال المنظار البحري ، و الآن عدنا الى عصر التنظير مرة أخرى ، بقيادة الفكر الملحد .

مع ملاحظة ان العلم لم ياخذ قيمته و زخمه الا في فترة التجريب واشتراطها ، والتي بدأ الملاحدة يبشرون بنهايتها ، لأنهم عادوا بنا إلى ايام الايونيين : الاعتماد على التنظير فقط ، ويطالبون بقبول التنظير على انه علم ، و يطالبون باعطاءه نفس قيمة العلم المجرب لانه يخدم افكارهم ، ويحاربون من يشكك في ذلك.. هذا يعني أن هوكينج يعود لما حذر منه ، وهو الابتعاد عن التجريب .. فهوكينج ماذا قدم لنا سوى التنظير .. راجع نظريته في الاكوان المتعددة لتجدها خالية من التجريب ، و لا تعتبره اساسا ..

 

في القرون السابقة كانت قيمة العلم بعلاقته بالتجريب و قربه منه  ، والآن صارت قيمته عند الملاحدة في مدى البعد عن الدين و عن التجريب ايضا .. لأنهم صاروا يقللون من قيمة المشاهدة ويشككون في قطعية العلم التجريبي .. تمهيدا لقبول تنظيرهم الغير مجرب ..

 

و بموجب تاريخه ، بدأت العصور الأيونية من جديد على يد الملاحدة .. عصور صراع النظريات ، اي اعاد الملاحدة العلم الى نقطة البداية . و صاروا يسخرون ممن يطالبهم بالتجريب ، كما سخر داوكينز ممن قالوا له : ارنا عملية تطور مشاهدة حتى نقبل نظرية داروين كعلم .. هزأ بهم و رماهم بالجهل هو وأمتهم (يقصد بها امريكا) ..

 

و هذا الوضع يشعر ببداية أفول شمس الحضارة الغربية على يد الملاحدة الذين يسخرون من العلم والتجريب والعقل والاخلاق والدين ، ولا تقوم حضارة الا بهذه الاسس .. وأقرأ كتاب انتحار الغرب الذي يخبر بان نجم الحضارة الغربية بدأ بالأفول .. كما قال شوقي :

 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..

 

ولا تسأل عن حرب الماديين للأخلاق ، وتحويلها الى نفاق مصلحي ..      

و تحمل بذلك قسوة  مجتمعه المسيحي الملتزم و خصوصا عندما حكمت عليه المحكمة الكنسية بالهرطقة و السجن الإجباري في داخل منزله إلى يوم وفاته. و لم تعتذر الكنيسة عن خطئها و حكمها الجائر عليه إلا مؤخرا في عام ١٩٩٢م .  و لكن لم يكن ليذهب جهود جاليليو سدي، ففي نفس الوقت تقريبا ، أو بعده بقليل ظهر نجم الفيلسوف و الرياضي  الفيزيائي الفرنسي الشهير رينية ديكارت (١٥٩٦-١٦٥٠) ٠

René Descartes

الذي إعتبره المؤلف “أول شخص قام بصياغة فكره القوانين الطبيعة بحزم و صراحة كما نفهمها {اليوم}. فهو كان يعتقد أن جميع الظواهر الطبيعية يجب أن تفسر بصورة كتل متحركة،

الرد:
هوكينج الان لا يؤرخ للعلم ، بل يؤرخ لتفسير ظواهر الكون نظريا ، وإلا فكم من العلوم والمبتكرات التي يقفزها في هذه الانتقالات بين القرون دون ان يؤرخ لها .. العلم يشمل الكشوفات الجغرافية و الابتكارات التكنولوجية والاكتشافات الطبية والاثرية والصناعية والكيميائية وغيرها .. نحن لسنا امام شخص يؤرخ للعلم بما تعنيه هذه الكلمة، بل يؤرخ للتنظير التفسيري للكون و ظواهره والمعتمد على الطبيعة ..

 

كان عليه ان يكون دقيقا في تحديد عمله . فالعلم ليس دائما يبدأ بنظرية ، بل الصدفة كان لها اكبر الاثر في كشوفات علمية كثيرة ، يبحث العالم عن شيء وإذا به يكتشف شيئا آخر لم يكن يقصده ، فيتقدم العلم مع انه لم يكن له نظرية سابقة ، مثلما اكتشفت اشعة اكس بالصدفة .. وأمريكا نفسها اكتشفت بالصدفة  ، وغير هذا كثير .. اذن النظرية ليست دائما اساس للعلم حتى يؤرخ للعلم من خلالها .. هوكينج يقع في خطأ منهجي كبير .. 

 

الآن هو هضم حق العلوم الاخرى و كأنها ليست بعلوم ، مثلما هضم حق الحضارات السابقة ،  فالعلوم عنده هو ما يفسر الكون و ظواهره فقط من خلال الطبيعة ، اي انه يحمل قضية ملحد يريد تنحية دور الاله عن الطبيعة ، و ليست قضية عالم يؤرخ للعلم بكل اشكاله وأنواعه كمكتسبات بشرية .. نحن لسنا امام مؤرخ محايد و منحاز للعلم ، بل نحن امام ملحد يريد ان يوظف العلم لصالحه قبل ان يكون عالما .. و هذه مصيبة ، ان يؤرخ للعلم من ايديولوجيته مقدمة ٌ على علميته .. فهوكينج وداوكينز وهاريس و ساجان ملحدون علماء وليسوا علماء ملاحدة ..

 

تتحكم فيها ثلاثة قوى -مستبقا بذلك القوانين التي صاغها نيوتن بخصوص الحركة لاحقا- و مصرا علي أن هذه القوانين الطبيعية عليها أن تكون قابلة للتطبيق في كل الأماكن و في جميع الأزمنة {بدون إستثناء}. كما و بين بوضوح أن رضوخ  هذه الأجسام المتحركة لهذه القوانين لا تعني أنها تمتلك أدمغة {كما كان يعتقد كيبلر}. فديكارت كان يفهم أيضا أهمية ما نسميه “بالظروف الإبتدائية” { و التي هي معرفة و دراسة الظروف الإبتدائية أو الوضع الحالي للشيء أو للنظام يعتبر من الأمور الضرورية لعمل التنبؤ بالنتائج المستقبلية لما سيئول إليه النظام، و كذلك  لتتبع أثر النظام زمنيا إلي الوراء }”.


الرد:
الفكر الالحادي قائم على انتقاء ما يخدمه كما هو معروف ، وهو ليس فكرا حرا من الهوى والرغبة .. نلاحظ تركيزهم على جاليليو وكوبرنيكوس وديكارت و هيجل و اينشتاين و تقديمهم مثل هؤلاء على انهم هم من حركوا العلم و تسببوا في تقدم العصر الحديث ، مع ان هؤلاء من المؤمنين ، لكن لأنهم وجدوا في طرحهم ما يخدم الفكر الالحادي او كما يتصورون ، فهم يتصورون ان كوبرنيكوس و جاليليو ثورة على الكنيسة والدين .. و ديكارت اعتمد على مبدأ التشكك ، وهيجل تكلم عن الديالكتيك والصراع ، و اينشتاين كرس مفهوم النسبية و عدم المطلق .. الا تلاحظ ان هذه الافكار تخدم الفكر الالحادي ؟ بل هي في صميم الفكر الالحادي ، فهم لا يريدون الدين ويحبون التشكك في الثوابت ومن ضمنها الاخلاق ، و يؤمنون بالديالكتيك والتطور والصراع ، و يعتمدون فكرة النسبية في الاخلاق و في كل شيء ، و ضدها المطلق ، لأنه يشير الى الله ، وهكذا هم مع البقية من اي مجال .. كل سيناريو تقدمه ايديولوجية ، لنا حق ان نتشكك فيه .

 

انهم يهتمون بالعلم لاجل فلسفتهم ، فيأخذون من العلم و يجيـّرونه الى النظري ، و يصرون ان العلم مبني على اساس نظري ، فكأنهم يقولون : لو لم يكن هناك كوبرنيكوس لما كان هناك علم ، ولو لم يكن ديكارت لما تقدم العلم .. مع ان العلم ليس مرتبط باشخاص معينين .. العلم مجهود بشري كامل .. و ليس دائما العلم مسبوق بنظرية كما يحبون ان يقدموه لنا ،فهذه بديهية خاطئة عن العلم .. فكأنهم يقولون : لولا هذه النظريات منذ العصر الايوني ، والتي تنظر الى ظواهر الطبيعة بعيدا عن التفسير الغيبي ، لما وجد العلم الحديث .. و كأنهم ينسون اثر عالم كبير مثل فرانسيس بيكون و تأكيده على العلم التجريبي . وينسون اثر علوم المسلمين الصابغة في لغاتهم ، وينسون اثر الكشوفات الجغرافية العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ ومنها بدأ عصر العلمية التجريبية فعلا .. و يقدمون سيناريوهم النظري المتكرر الذي هو : الماديون قبل سقراط ، ثم كوبرنيكوس ، ثم جاليليو ، ثم ديكارت ، و بعدها العلم الحديث .. وهذه هي الانتقائية بعينها ..  

 

 انهم يذكرون جاليليو اكثر من ذكرهم لبيكون ! والسبب لان جاليليو تصادم مع احدى الكنائس فترة من الفترات .. فرانسيس بيكون هو ابو العلم التجريبي ، ولكنه لم يقدم ما يخدم الالحاد ، بل هو من قال : القليل من العلم يؤدي للالحاد ، و الكثير منه يؤدي للايمان .. السؤال على مقولة بيكون للملاحدة هو : هل هم مهتمون بالعلم فعلا ، ام انهم مهتمون بالالحاد و يبحثون عما يخدمه سواء في العلم او غير العلم ؟؟  

 

أما بالنسبة لمعتقداته الدينية “فهو كان يعتقد أن الله هو من وضع القوانين الطبيعية للكون {في البداية} و لكنه لم يكن له إختيار بين هذه القوانين، بل هو إختار القوانين التي نجربها في حياتنا اليومية لأنها كانت القوانين الوحيدة الممكنة الحدوث {أي لا يمكن إستبدالها بغيرها}”. و ناقش على هذا الأساس ” حتمية هذه القوانين كونها  تعكس الطبيعة الجوهرية لله “٠و جادل بأنه “لا يهم ما هي ترتيبات المادة في بدايات الكون…{لأنه في جميع الأحوال} سيتطور {بالنهاية} كون مطابق تماما لكوننا علي مر الزمن {بسبب حتمية هذه القوانين } “. و أكمل أنهحالما سير الله الكون {بقوانين في بداياته} فإنه تركه {يعمل بعد ذلك } لوحده كليا {دون التدخل فيه}” ٠

و بعد ذلك بقليل من الزمن ظهر نجم إسحاق نيوتن (١٦٤٣-١٧٢٧م)٠

Isaac Newton

و الذي بدأ بعهده الفيزياء الكلاسيكية كما نعرفها اليوم، فلقد كان هو “وراء إكتشاف ثلاثة قوانين للحركة، بالإضافة إلي قانونه الشهير بقانون الجاذبية، و الذي يضع بالحسبان دوران الأرض حول محوره و {جاذبية} القمر و بقية الكواكب” ، و كذلك قام بشرح ظاهرة المد و الجزر٠

هذا مع العلم بأن نيوتن و جميع من جاء قبله كانوا مؤمنين بوجود خالق يتدخل بصورة أو أخرى في شئون الخلق حتي لو لم يتدخل بقوانين الكون بعد ذلك و تركها تعمل لوحدها كما ذكر ديكارت، و لذلك فقانون الطبيعة و ميكانيكية علاقتة بالله في ذاك الوقت لم تكن النظرة إليه كالنظرة العلمانية الحالية لهذا القانون، فكما يذكر المؤلف “اليوم أغلب العلماء سيقولون أن قانون الطبيعة هو القاعدة التي تستند عليها الأحداث المنتظمة الحدوث و التي تعطي تنبؤات لما بعد الحالة التي إعتمدت عليها” و كفى، دون ذكر لعلاقة ذلك بالله٠و لكن إذا كانت الطبيعة مقيدة بقوانين فهنالك ثلاثة أسئلة تفرض نفسها، يقوم المؤلف بإدراجها و إدراج إجابات الأولين عليها:٠

السؤال الأول هو:  ما هو أصل هذه القوانين؟

و علي ذلك يجيب كل من كيبلر و جاليليو و نيوتن بأن القوانين هي موضوعة من قبل الله .  كما أعطوا تعريفا لله بأنهتجسيد لقوانين الطبيعة”٠

و السؤال الثاني هو : هل يوجد إستثناء لهذه القوانين؟ أي هل يوجد معجزات؟

و علي ذلك أجاب أفلاطون و أرسطو بحزم بقولهم أنه “لا يوجد إستثناءات لقوانين الطبيعة” أما الإنجيل (و كذلك القرآن) و الذي كان يؤمن به كل من العلماء السابق ذكرهم فيقول “أن الله لم يخلق القوانين فقط، بل أنه {يملك أن يغيرها أيضا متى ما شاء } عن طريق {الإستجابة لمخلوقاته} في صلواتهم {لا يرد القضاء إلا الدعاء!} ، و بذلك فالله قادر على أن يعمل إستثناءات لقوانين الطبيعة {فإن شاء للشيء أن يكون فهو يقول له كن فيكن} ، أي ممكن أن يحدث المعجزات {فتلد العذراء مثلا أو ينشق القمر } ” أما ديكارت فمع أنه لا يعتقد بوجود إستثناءات في الوضع الطبيعي و لكنه يؤكد بنفس الوقت “بأن الله لابد أن يكون قادرا علي تعليق القوانين {متى شاء} حتي تحدث المعجزة” .

الرد:
حتى الآن هو يؤرخ للدين : من و كيف كان ينظر العلماء إلى الدين والعلم ، إذن هذا تأريخ للدين و معتقدات العلماء ، وليس تأريخيا للعلم نفسه ، هذا الكاتب واقع تحت تأثير الدين وليس العلم .. إنه يؤرخ للدين من خلال العلماء ، هذا كل ما قدمه .. 

 

إلى هنا نتوقف .. وربما لنا عودة بإذن الله لبقية الكتاب .. 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق