ردود على كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - 6
و وصولا بالعهد الحديث من الكم الهائل من النظريات التي صارت
تصاحبها الكثير من الجدل و التنافس . شارحا في كل مرحلة المعوقات الرئيسية لهذا
المسار، و كيف أن العلوم لا يمكن أن تستمر بإعطاء نتائج مرضية مالم تصحح
نفسها ذاتيا ليتعدل مسارها. فالكسوف مثلا ، كان أمرا أرهب القدماء لأنه لم
يكن لديهم تفسير مقنع له و لا وسيلة ما لتوقع حدوثه. و لذا فلقد
بدى لهم أنه لابد و أن يكون من عمل قوى غير مرئية، أو ما وراء الطبيعية ، و
وجوده الغريب إنما دلالة علي إشارة ما. فإخترعوا الطقوس المختلفة ، يقدمون
فيها النذور و التي لم تكن تخلو من الضحايا البشرية في أغلب الأحوال – و
إستمر ذلك حتي جاءت الديانة الإبراهيمية و إستبدلتها بالأضحية الحيوانية
تدريجيا – لكسب ود هذه القوى و لدفع البلاء الناتج عن غضبها عليهم. فهذه كانت
حدود فهمهم و تفسيرهم لكسوف الشمس و خسوف القمر و الأعاصير و السيول و
غيرها. و لكن بعد أن فهم الإنسان ميكانيكية عمل هذه الظواهر من خلال
التأمل العميق و الإحساس بأن لها قوانين معينة من الممكن فك رموزها ، قام ببناء
نماذج رياضية لها سهلت فهمها و خصوصا بعد أن صح ما توقع بحدوثها
المتكرر (مثل التنبؤ بالأرصاد الجوية في زمننا مثلا ) . فالإنسان الحديث لم
يعد يخاف الظواهر الطبيعية، بل أصبح العلماء يتنافسون لحل ألغازها، و
تدريجيا أدركوا حتى أنها ” لا تعتمد علي عشوائية و أهواء الكائنات الخارقة
الميتافيزيقية، و لكنها بصورة أدق ملتزمة و مقيدة بقوانين و شروط {ثابتة}
.” ٠
الرد:
الان يعترف بالقوانين والشروط الثابتة ، ثم سيعود و يقول ان
الكون عشوائي !! فأي النظرتين نعتمد ؟ ثم ان امكانية حساب ظاهرة الكسوف ، لا يعني
انها فقدت تأثيرها و تخويفها وتذكيرها بالنعمة وامكانية زوالها ، فالله جعل لكل
نعمة زوالا ،مؤقتا او دائما ، حتى نعرف انها نعمة ، فالذي اوجد الصحة اوجد المرض ،
بل لكل جزء صحيح يوجد له مرض و عيب ، و هذا موجود في كل شيء ، بما في ذلك نعمتي
الشمس والقمر ، فالكسوف والخسوف يذكراننا بإمكانية غياب نورهما والاثر المدمر
للحياة لو استمر ذلك الغياب . و الخوف من زوال النعمة ملازم للانسان ، سواء عرف
الكيفية او لم يعرف ، فشخص وقع عليه حادث ، ثم بعد ان عوفي عرف كيفية حدوث ذلك
الحادث بدقة ، و آخر معه في نفس الحادث لم يعرف كيف تم الحادث ، هل هناك فرق
بينهما في الخوف من وقوع حادث مستقبلا ؟ طبعا لا ..
اذن معرفة الكيفيات لا تشفي الغليل ، ولا تحل المشكلة ، و
بالتالي لا تزيل الخوف ، فهل اذا انبأتنا الارصاد بقرب حدوث اعصار او تسونامي
مسبقا ، هل هذا يعني ان الناس لن يذعروا او يخافوا لانهم يعرفون مسبقا انه سيحدث ؟
هذا كلام غير منطقي ، هذا يشبه المحكوم بالاعدام اذا اخبر مسبقا بأنه سوف يعدم ،
هل سيجعله ذلك لا يخاف ، لأنه عرف النتيجة ولم تفاجئه ؟ كل من ينظر الى الشمس وهي
كاسفة و يسمع صوت الصراصير بالنهار ، سوف يشعر بالخوف وسوف يقدر قيمة الشمس وضوءها
ودفئها حتى لو كان اكبر فلكي . ومن يحترم احساسه سوف يشكر اللحظة التي يتكامل فيها
ضوء الشمس من جديد ، ويشعر بالحاجة لان يقول كلمة شكر لاحد قادر و واعي رحيم .
و في هذا الصدد يقول هاوكنغ أن ” أغلب
الأحداث في الطبيعة كانت تبدو
لأجدادنا بأن التنبؤ بها أمر مستحيل.
الرد:
طبعا هوكينج كغيره من الملحدين يديرون حوارهم كله بطريقة مملة
حول خوف القدماء من مظاهر الطبيعة ، ليخرجوا بنتيجة ان العلم حل هذه المخاوف
وبالتالي لا حاجة للدين .. وهي محاولات سطحية جدا تسطـّح الامور ، فتسطح الدين
وتسطح الانسان وتسطح العلم ، لان كلمة علم لا تعني وصف بعض الكيفيات ، فالوصف وحده
ليس علما كافيا ، العلم الكامل هو امكانية الازالة و الاعادة والتغيير ، وهذا لم
ولن تصل اليه البشرية .
هذا التسطيح لا ينم عن فهم للذات البشرية بل ولا حتى قراءة
سليمة للحس الديني عند الشعوب ، فلو كانت الشعوب مرعوبة من مظاهر الطبيعة القاسية
، لعبدت تلك المظاهر و جعلت منها الهة خوفا من بطشها ، بحيث يكون للمرض اله والموت
اله والجفاف اله والشر اله ، لكن واقع الاديان عكس ذلك تماما ، فالخير هو الاله ،
و لديهم الهة للحب والخصب والجمال ..
اذن كانت الالهة ايجابية بدافع المحبة ، اذن هم عبدوا بدافع
المحبة وليس بدافع الخوف . والذي اوصل الملاحدة لهذه الفكرة السطحية هي نظرتهم
المادية المصلحية الصرفة والسطحية ايضا ، والتي جعلت فكرهم متقوقعا حول المصلحة و
المنفعة المادية فقط .. اي انهم فسروا انفسهم ولم يفسروا المؤمنين ، و كأن الملحد
يقول : لو انا كنت من القدماء لكان الخوف والمصلحة هما ما يدفعانني لاتخذ معبودا ،
اما الآن فقد اخبرني العلم عن كثير من الظواهر التي كانت ستخيفني ، ناسيا ان الخوف
معه في هذا الزمان و كل زمان ، هل العلم انقذنا من الموت حتى نقول ان القدماء
كانوا يخافون من الموت فاتجهوا للدين ؟ هل العلم انقذنا من المرض لان القدماء
كانوا ياتيهم مرض فلذلك يعبدون ؟ ربما تكون امراضنا في هذا الزمان وهي فتاكة اكثر
، و اسباب الموت بشكل عام صارت اكثر من ذي قبل ، فلا يوجد احد من القدماء مات بسبب
صعق كهربائي ، ولا بسبب تحطم طائرة ، ولا بسبب قنابل عنقودية او نووية ، ولا بسبب
تلوث اشعاعي ، الخ .. بينما الحروب مستمرة والسلاح شامل ليس كاسلحة القدماء .
اذن حجتهم بقضية الخوف حجة ساقطة : نحن نعيش في خوف اكثر من
خوف القدماء ، والملحد مثلنا ، اذن لم لا يعبد و عصرنا هذا يسمى عصر القلق اي
الخوف ؟ فعصورهم السابقة لم تكن تسمى عصور قلق .. اذن لو كان الخوف من الطبيعة هو
الدافع ، لكان الملحدون اول العـُباد ، لكثرة المخاوف في عصرنا و تنوعها وتطورها ،
لقد اصبحت الطبيعة تخيفنا اكثر في هذا الزمان ، وهي مشكلة نضوب الموارد و التلوث
والجفاف والانفجار السكاني والامراض الجديدة وازمة المياه ، هذا غير مشكلة
الانقراض النباتي و الحيواني و تدمير الغابات ، اذن نحن من يجب ان يخاف من الطبيعة
اكثر من القدماء بسبب جشع الانسان المادي و تدميره لمقومات الحياة ، وهذه المخاوف
لا تقارن بالخوف من الكسوف بالنسبة للقدماء لانهم اعتادوا على حدوثه و زواله ايضا
بشكل متكرر حتى عـُد من الطبيعة الغير ضارة ، فكيف تضخم مشكلة الكسوف الى هذا الحد
؟ لو احضرت القدماء في زماننا واعطيتهم تقريرا عنه لملئوا رعبا ، فتدمير
التكنولوجيا لا يساوي شيئا مقابل ما تصلحه .. وكلما حاول العلم ان يحل مشكلة ، قدّم باقة من
المشاكل الجديدة الاكثر تعقيدا ..
نحن نعيش في تهديد نووي واشعاعي للكرة الارضية ، و الحرب النووية
قابلة للانفجار في اي لحظة جنون و جشع ، هذا عدا ان مظاهر الطبيعة لا يمكن التحكم
بها و منعها من الحدوث ، بل ولا حتى التنبؤ بها ، كالزلازل والتسونامي مثلا الذي
قتل 20 الفا في اسيا قبل سنوات قليلة ، اي في الزمن الذي يفخر الملحد فيه بحل
مشاكل الطبيعة .. اذن الخوف من الطبيعة قائم اضافة الى سلسلة من المخاوف الجديدة
التي لم يكن يعرفها القدماء ، اذن نحن نعيش في زمن الخوف ، وبناء على نظرية
الملاحدة : كلما كثر الخوف كلما كثرت العبادة ، اذن نظريتهم خاطئة وإلا فما كان
زماننا وهو زمن الخوف ، هو الزمن الوحيد الذي ظهر فيه التيار الالحادي الابعد عن
العبادة . فما دام ان الخوف هو سبب العبادة ، كما يتخيل الملحد ، اذن عليه ان يشمر
ساعديه في العبادة فنحن في اخوف زمن .
فالبراكين، و الزلازل، و الأعاصير ، و
الأوبئة، و حتى أضفار الإصابع التي تنمو داخليا في الأرجل ، كانت {أمور } تبدو
لهم أنها تحدث بدون سبب واضح {بإمكانهم تفسيره}. ” و هذا ما سبب إيعازها إلي قوى
خفية و كأنه أمر بديهي ، “ففي الأزمنة القديمة كان من الطبيعي أن ينسب
أفعال الطبيعة العنيفة إلى جوقة من الآلهة اللعوب {أي لها أهوائها المختلفه في
تدبير شئون الناس أو لها سبب أو حكم لا يعلمها إلا هم}. فالفواجع {و
النكبات} غالبا ما كانت تؤخذ كإشارات بأنهم و بصورة ما لابد أنهم أزدروا هذه
الآلهة فأغضبوها { و هذا واضح تأثيره حتي لاحقا في قصص العبر القرآنية
– و بعضها مكتسب من الأساطير اليهودية- مثل قصه قوم لوط و طوفان نوح و الطير
الأبابيل مع أبرهة و غيرهم من الشعوب التي أغضبت اللة
فغضب هو عليهم و خسف الأرض من تحتهم } “٠
الرد:
أولا : لاحظ ان العقوبات التي اصابت تلك الامم ليست ظواهر
طبيعية معهودة ، فالطير الابابيل ليست ظاهرة طبيعية حتى يخاف منها الناس فيبحثون
عن اله ، و الحجارة التي نزلت من السماء على قوم لوط ليست ظاهرة طبيعية .. التحجج
بجهل القدماء في بعض الظواهر الاعتيادية لا يستوجب رعبا ، فالناس و في هذا الزمن
ليسوا كلهم هوكينج وليست عندهم كل التفسيرات ودقائق العلم التي يعرفها العلماء ..
قضية المعرفة العلمية ليست امرا مهما عند الناس كما يتصور هؤلاء
الملاحدة الذين يريدون ان يفسروا كل شيء من خلال ظاهرة العلم وكأن العلم هو قضية
الانسانية ، فهم بحثوا عن شيء يتميز به هذا الزمان ، فوجدوا تقدما في العلم المادي
الذي يفسر بعض الظواهر ، و وضعوها امامهم ، و أرادوا ان يفسروا ظاهرة الدين من
خلال هذا المعطى ، فقالوا : بما اننا نعرف الكثير ، وهم لم يكونوا يعرفون من قبل ،
اذن هذه هي النقطة الفاصلة ، اذن هم كانوا يخافون من الظواهر التي اصبحنا نعرف كيف
تتم ، اذن ذلك الجهل هو سبب بحثهم عن الدين ليفسر لهم كيف تتكون الاظافر تحت
الاصابع ، فهم في رعب مقيم من هذه النقطة !! ان هذا تفسير ساذج جدا ومضحك ..
حسنا ، نحن لا نعرف سر الجاذبية ، فهل نحن مرعوبون لهذا الجهل
؟ نحن لا نعرف اين الافكار و لا اين تتكون ، و هوكينج لا يعرف نهاية الكون ولا اصل
المادة ولا ماهية الحياة ، فهل هو مرعوب لهذا ؟ هل اتخذ الهة لتسد له هذا الفراغ ؟
ما داموا يتصورون ان الالهة هي لسد الفراغ .. حسنا : هل انتهى الفراغ ام انه ازداد
؟ الواقع العلمي يقول ان الفراغات ازدادت ، و وجود نظريات لا يعني ان الفراغات قد
انسدت ، مع ان هناك فراغات ليس لها نظريات . اذن اين اله هذه الفراغات ؟
الملاحدة يعرفون هذه الفراغات ، و مع ذلك لم يبحثوا عن اله
ليؤمّن خوفهم من هذه الظواهر والامور التي لا يجدون لها تفسيرا علميا ، اذن عليهم
ان يتخذوا الها ليسد فراغاتهم ، وما دام انهم لم يحتاجوا ولم يفعلوا ، اذن فكرة اله
الفراغات ساقطة وغير مفسّرة ، بدليل عدم الاطراد وتكرار التجربة ، ولو كانت صحيحة
لاطردت معهم . لان العلم لم يفسر كل شيء ، فإذا كانت فكرة اله الفراغات صحيحة ،
اذن لا بد ان يكون لهم اله فراغات يسد لهم فراغاتهم ولو مؤقتا ، او عليهم ان
يعترفوا ان الفكرة غير صالحة لتفسير وجود الهة ، ولا حل ثالث ..
اما اقتراح انتظار العلم ، فهذا ايضا كان يمكن ان يقترحه
القدماء ايضا ، لانه كان لديهم علم ايضا ، فالعلم موجود منذ ان وجد الانسان ،
وهكذا اسقط الملاحدة بانفسهم فكرتهم عن اله الفراغات بحكم المنطق .
ليس صحيحا ان الانسان يخاف من مظاهر الطبيعة ، و ليس صحيحا
انه يخاف من كل شيء يجهله بعقله ، اذن لخاف من نفسه ، فهوكينج لا يعرف و لا شيء عن
نفسه ، كان عليه ان يموت رعبا من هذا المجهول الساكن في داخله ، وهو الانسان الذي
لا يعرف العلم عنه سوى نظريات متخبطة و متناقضة ، ومع ذلك هو يطمئن لنفسه وهو لا
يعرفها .
انظر الى عشاق الطبيعة ، ستجد ان البحث عن الامان في احضان
الطبيعة هو رائدهم ، فيحاولون ان يعيشوا عيشة مثل القدماء ببساطتها و في الغابات ،
حتى يشعروا بالامن والراحة ، لو كانت الطبيعة رعبا لما كانت علاجا نفسيا يوصي به
الاطباء النفسيون .. الطبيعة هي الامان و الام ، وبيتنا المؤثث ، وعدم المعرفة التفصيلية
للطبيعة ليست هم الانسان ، لانه و ببساطة لا يعرف نفسه ..
العلم الذي بناه الانسان لم يكن الهدف منه تأمين الخوف كما
يتصور الملاحدة ، فأمي تستعمل الاجهزة الكهربائية و تحرص عليها وهي لا تعرف ولا
معلومة واحدة عنها ولا عن الكهرباء ، فهل اتعبها جهلها بالهندسة الكهربائية ؟ هذا
مثل الحليب الذي يتناوله البشر منذ وجدوا ، وهم لا يعرفون اي شيء عن مكوناته ، فهل
خافوا منه لان علمهم القديم لم يحلل مكوناته ؟ نحن مثلهم تماما في الجهل ، و كثير
منا لم يعرف مكونات الحليب و لا يعرف كيف يعمل جهازه النقال ومع ذلك يصر عليهما و
يدفع الكثير لاجلهما ولا يخاف منهما ..
لا شأن للمعرفة العلمية بموضوع الخوف .. الخوف حله هو
الابتعاد وليس حله التلقائي هو المعرفة ، فوجود العقرب في فراشك لا يعني ان تبحث
في الموسوعات عن هذه الحشرة وسميتها وكيف يعالج السم ، بل يقتضي ان تفر من مكانك
او تقتلها . وهذا ما يفعله البشر من القديم حتى الان ، ولو كان العلم هو سبب
لمكافحة الخوف ، لتهالك الناس و تدافعوا على المجلات العلمية والموسوعات المطولة
التي لا يقرؤها الا الباحثون فهم في عصر القلق والخوف . لاشك ان مخاوفهم من نوع
اخر غير الذي يجيد العلم علاجه ..
نحن في عصر العلم ، فهل كل الناس يبحثون عنه ؟ و هل هم يعرفون
فعلا كل ما يستعملونه و يستعملون كل ما يعرفونه ؟ الحقيقة لا ، و هذا ما يعرفه
جيدا هوكينج وداوكينز . هل لو قرر القمر ان يسقط على الارض ، هل سيستطيع العلم ان
يعرف متى ذلك ؟ فما بالك ان يستطيع منعه والالقاء به بعيدا عن الارض ؟ نحن مثل
القدماء تماما .. و ما كسبناه من معرفة جاءت بمثلها او اكثر من الجهل الذي لم يكن
يعرفه القدماء ايضا ، فعندنا جهل لم يكن يعرفه القدماء مثل ما ان عندنا علم لم يكن
يعرفه القدماء ، و كلما ازددنا علما ازددنا جهلا . اذن كيف يكرر الملاحدة فكرة ان
الانسان تغير ؟ هذه الفكرة التي يريدون ان يقنعوا الناس بها رغما عنهم واضعين
حواجزا كبيرة بين الانسان في العصر الحديث و الانسان القديم .. وهي حواجز وهمية
تبددها النظرة المقارنة ..
كل ما قدمه العلم هو عن سطح و ظاهر الاشياء وليس عن بواطنها .
و محاولة تضخيم ما وصل اليه العلم اكبر من حجمه هي محاولة مغرضة بدافع ايديولوجي و
ليس علمي . العلم عند الملاحدة وسيلة و ليس غاية ، يريدون استثماره الى آخر حد في
حرب الدين ، مع أنه يـُزجّ في ساحة الحرب وهو لا يحمل نفس ما يحمله مدخلوه من
ضغينة ، فالعلم محايد ومنصِف وبريء ولا يستطيع ان يقاتل احدا . و ليس له علاقة
بالافكار الانسانية بالاساس . و المختبر لا يدري هل يشغله مؤمن ام ملحد او مسيحي
او مسلم .
ولو كان الخوف من مظاهر الطبيعة هو الدافع للدين ، فلماذا نجد
علماء بلغوا اقصى مراتب العلم و هم مؤمنون ويشجعون الناس على الايمان بدافع العلم حتى
الآن ؟ و لماذا لا نجد في معابد الاديان ما يمثل هذا الخوف من مظاهر الطبيعة ؟
لماذا لا توجد رسومات لزلازل وامراض وكسوفات و موت اطفال وحيوانات تفترس البشر ؟ و
لم لا توجد صلوات وادعية خاصة بكل مرض على حدة وأدعية خاصة بكل ما لم يكتشفه العلم
، ومن ضمنها ادعية وابتهالات في موضوع خروج الاظافر من تحت الجلد مثلا ؟ أو عن
كيفية عمل الاذن و العين وتجسد ذلك الخوف من المجهول ؟ ما نجده مختلف تماما عن
تخيلات الملاحدة ، انها صلوات لاجل السلام العالمي و لاجل تحقيق الرضا والسعادة
واطمئنان النفس ، و ادعية تتعلق اكثرها بدار آخرة عدا الدنيا ، بينما الملاحدة
تصوروا ان الدنيا هي هم المؤمنين كما هي همهم ، ولو كانت الدنيا هي همهم ، لكانت
اكثر العبادة منصبة على شؤونها ..
اكثر العبادة في الواقع هي محبة و خوف من عدم رضا الالهة ،
حتى يتحقق الخلاص الروحي ، بدليل : لو قيل لاحدهم : هل تريد ان تمتلئ جيوبك بالمال
و جسمك بالصحة ، ولكن يكون ربك ساخط عليك ويكرهك ؟ لرفض ذلك ، على مبدأ :
فليتك تحلو والحياة مريرة ، وليتك ترضى والانام غضاب ،
و ليت الذي بيني وبينك عامر ، وبيني وبين العالمين خراب ..
اذا صح منك الود فالكل هين ، وكل الذي فوق التراب تراب .
المؤمن يعرف ان الحياة فانية ، سواء كان غنيا ام فقيرا ، اذن
ليست الدنيا هي هم المؤمن ولا يمكن ان يكون مؤمنا و همه الاول هو الدنيا .. المؤمن
يعرف ان الحياة سوف تمر بكل الاحوال ، وان المال الذي يملكه الان سوف يزول عنه أو
يزول هو عنه ، اذن الدنيا ليست قضية كبيرة في عالم الايمان ما دام ان الموت ينتظر
الجميع .. ستكون الدنيا كبيرة لو كان فيها خلود ، الايمان يعتبر الدنيا مزرعة
للآخرة ليعمل فيها بالحق والخير ، وبالتالي هي دار صبر وليست دار نعيم وبذخ الا ما
تيسر ولم يعارض الهدف .. المادي هو الذي تهمه هذه الاشياء بالدرجة الاولى ، مع
علمه بسرعة زوالها.. و هذا امر عجيب ..
هذه النقطة لا يحاول الملاحدة فهمها عندما يفسرون ظاهرة الدين
، متخيلين ان البشر يفكرون مثلهم في متعة اللحظة ، مع انهم يرون اللحظة تتفلت منهم
، والمتعة اما ان تبتعد عنهم ، او يبتعدون هم عنها ، و الماضي لا يعود ، والمستقبل
هو الموت ، اذن كيف تكون الدنيا وهي بهذه الحال هي راس مال العاقل ؟ و هو يعلم
بحتمية الموت والشيخوخة ؟ العاقل لا يتعلق بزائل ، العاقل يبحث عن دائم ليتعلق به
.
من هذ المنطلق جاءت الحاجة للدين ، ان كينونة الحياة بهذا
الشكل هي التي تفرِض فلسفيا وروحيا البحث عن اله . لو ان الدنيا بغير هذا الوضع
لجاز للملاحدة ان يفترضوا ما يشاءون ، و ما دامت الحال كذلك ، تبقى افتراضاتهم و وصاياهم
كلاما سطحيا جدا لا يستطيع العاقل ان يبتلعه كما ابتلعوه ، و رضوا بالحياة الدنيا
رغم قبحها ومصائبها التي لا حل منها ابدا ، ورغم فناءها الوشيك . هل استطاع العلم
او يستطيع ان يغير وجه الحياة القبيح ؟ كلما اراد العلم ان يجمله قبحه اكثر .. انه
مثل الفرشاة بيد طفل يريد ان يكمل لوحة رسمها مانيه او مايكل انجلو ..
واذا انطلقنا مع فكرتهم عن رعب الانسان وان العلم هو الذي
يؤمنه ، سوف نقول ان كل معطيات العلم الحديث هدفها تخفيف الرعب في داخل البشر من
الظواهر الطبيعية المغلقة على معرفتهم ، ولكن الواقع هو غير ذلك تماما .. لم
يذهبوا لاكتشاف القارة القطبية وامريكا بدافع الخوف ، بل بدافع الطمع .. الهدف من
البحوث العلمية ليس الخوف بل الفائدة التكنولوجية التي تفيد في النواحي العسكرية و
الاقتصادية والتجارية وغير ذلك .
اذن الخطأ الكبير في تحليل الملحدين انهم وضعوا العلم مقابل
الخوف ، ولم يضعوه مقابل الرغبة والمصلحة ، وهكذا عاكسوا الواقع كله ، و جعلونا
نتخيل ان العالم الذي يكتشف الاجزاء الدقيقة في الخلايا ، سيقول : انني اكتشفها
لكي اخفف خوفي و خوف البشر من هذه الخلايا المجهولة في اجسامهم حتى لا اضطر لاتخاذ
اله ، ولأعيش حياتي براحة بدون التزام ديني ، وهذا تخيّل شاطح وغير واقعي واقرب
الى خيالات المجانين .
وبناء على ذلك ، فعلى كل ملحد يفسّر الاديان بدافع الخوف بسبب
النقص العلمي ، عليه ان يقول انه هو يتعلم ليكافح خوفه الشخصي ، وان النهضة
العلمية قام بها مرعوبون يكاد يقتلهم الخوف ، والخائف لا يعمل شيئا كما نعلم ..
وهكذا تتضح سذاجة الفكرة التي يرددها الملاحدة ليل نهار . حتى يقدموا الجواب
الجاهز ، وهو معطيات العلم .
و عودة لاداب و ثقافات الشعوب القديمة و فنهم وشعرهم ، لا نجد
فيها هذا الرعب الذي يتخيله الملاحدة ، سوف نجدهم يخافون فقط مما نخاف نحن منه في
زماننا من مظاهر الطبيعة ، كانوا يخافون من اشياء غير عادية و ليس لها وجود في
الطبيعة ، كالعنقاء والغول و التنين والاشباح ، وما زال هذا الخوف موجود عند كثير
من الناس وان كان يأخذ شكلا اخر يتناسب مع زماننا كالاطباق الطائرة ومثلث برمودا
والاقمار الصناعية و ما يمكن ان تعرفه عنا .. يعني مخاوف جديدة غير علمية .. لا
يعني هذا ان الناس تخلصوا من الخوف من الجن و ارواح الموتى ، بل اضافوا اليها
الاقمار الطائرة ..
حتى الملحد نفسه لا يستطيع منع نفسه من الشعور بالخوف جراء
حدوث اشياء غير عادية كأن ينفتح الباب ويغلق من نفسه بدون هواء ولا جاذبية .. ماذا
سيفعل ؟ انه منطقيا لا يملك شيئا يرد هذا
الخوف ، وهذا يدل على ان العلم لم يصل ولن يصل الى الحد الذي يمنع فيه الخوف ، لان
الخوف هو اساس حياة الانسان وليس الامن ، والعلم سطحي وجزئي .. و الخوف من الخالق
الذي يعرفه الشعور الانساني جيدا و يقره المنطق السليم ، كيف من رد هذا الخوف
منطقيا وعلميا ؟ ماذا يملك الملاحدة ليردوا هذا الدافع ؟ هل سيردون عليه بالبنسلين
؟ ام باشعة X ؟ أم بالكهرباء ؟
هذا يعني ان الطبيعة هي الامن و خلافها هو الخوف ، اما مخاطر
الطبيعة فيعرفون ان الحذر منها كافي .. و يعرفون ان اي شيء يمكن ان يقتل الانسان
اذا هو لم يحذر ، حتى العود الصغير ، بل حتى الطعام نفسه .. و هذا يعرفه القدماء
والمتأخرون ، والناس هم الناس في كل زمان ومكان ..
لم يتغير شيء ولم يتطور الانسان ، بل تطورت ادواته ومعرفته
الخارجية ، بسبب التراكم الحضاري ليس الا .. اما هو في جوهره فلم و لن يتغير ..
وكيف يتغير من وسائل طـُوِّرت لاجله هو اصلا ؟ اذن الوسائل هي التي تتطور و
الانسان ثابت ، يحذف و يضيف من الوسائل حتى يجد ما يناسبه .. العلم لم يطوّر
الانسان بل طوّر ادوات حياته ، العلم خادم للانسان والملاحدة يريدون ان يكون
الانسان خادما و تابعا للعلم ، ترى ما
فائدة ان يكون الانسان خادم للعلم وهو الذي اوجد العلم لكي يستفيد منه ؟ يريدون ان يجعلوا الانسان هو العلم والعلم هو
الانسان ..
كان البشر يخافون من لدغ الثعابين ، و نحن نخاف منه ، خافوا
من الحيوانات المفترسة ، و ما زلنا نخاف ، وخمسة الاف شخص في بنجلادش والهند
تقتلهم النمور والفهود ، وقريب من ذلك تقتلهم الثعابين .. كان القدماء يخافون من
الصواعق ، وهل نحن لا نخاف منها ؟ الأعاصير كانوا يخافون منها ، فهل امريكا
وتايلند لا يخافون من الاعاصير ؟ كانوا يخافون من الزلازل ، و لا تسأل اليابانيين
عن الرعب من الزلازل و هم بلد متقدم ، لكن لم نجد و لا نتخيل ان القدماء كانوا
مرعوبين من وجود الدم في كل جزء من اجزاء جسمهم ، لأنهم لا يعرفون كيف تعمل الدورة
الدموية !! هل يتصور هوكينج ان القدماء كانوا مرعوبين لانهم لا يعلمون كيف تعمل
العين ؟ واصبحنا نحن نعرف فزاد امننا وصرنا لا نخاف على عيوننا ؟ القدماء كانوا
يخافون من المرض والامراض المعدية ، فهل نحن صرنا بلا امراض معدية ؟ مع ان 21
مليون يعانون من مرض الايدز ! و ملايين مرضى السرطان ومرضى التلوث والاشعاعات ،
اذن ما الفرق بيننا وبين القدماء ؟ ما دامت مخاوفنا هي نفس
مخاوفهم في كل شيء ، حتى الجفاف نخاف منه كما يخافون ، والحرائق كذلك ، و الحرب ،
بل نحن اشد خوفا منهم لأنه اضيفت لنا مخاوف لم يكن يعرفها القدماء : حوادث
السيارات و وسائل النقل واسلحة الدمار الشامل مثلا ، لم يكن يعرفها القدماء الا ما
ندر ، بينما نحن نخسر الملايين سنويا من البشر في حوادث مروعة و شنيعة ..
اذن هل زال عصر الخوف يا هوكينج ام انه ازداد ؟ هل امّن العلم
مخاوف البشر ام انه زادها ؟ كان مريض السرطان قديما عنده امل بأن مرضه بسيط ، و قد
يزول ، اما العلم والطب فهو يخبر الانسان المتفائل بمصيره مقدما ، فيموت قبل يومه
!! فيا ليته لم يـُخبر ، لان القديم كان يعيش متفائلا الى اخر لحظة ، اما الاطباء
الان فهم يجعلون الصحيح ينهار و تنهار معنوياته ، وما اكثر من ذهبوا الى
المستشفيات وهم يمشون ، وخرجوا منها الى المقابر ليرتاحوا من رعبهم .
اذن هذا الزمان احوج الى اله فراغات ما داموا يفكرون بهذه
الطريقة . الامور الاعتيادية حتى لو لم تـُعرف لا تخيف ، الخوف دائما مما يضر ..
العلم لم يستطع ان يحل تلك الامور التي تخيف ، اكثر اجاباته هي عن اسئلة في امور
عادية لم يسأل عنها البشر ، البشر ما زالوا يسألون عن الزلازل والتسونامي والامراض
المستعصية وطرق السلامة والموت والحرب واسلحة الدمار الشامل : اين اجابات العلم
عليها حتى نطمئن ؟ كذلك كان القدماء ايضا يتساءلون ..
العلم الحديث هو من اكبر مصادر الرعب للبشرية ، لانه مسخّر
للخدمة العسكرية و مجند للرأسمالية عدوة الشعوب ، و اول فوائده يأخذها قطاع التسلح
الرهيب ، فأول ما اكتشف الليزر استخدم كمسدسات تعمي العيون من بعد ، و الصواريخ و رحلات
الفضاء والاقمار الصناعية و حرب النجوم كلها لاهداف عسكرية ، حتى الانترنت اول ما
استخدمت كوسيلة عسكرية ، ما زالت وسيلة تجسس .. و كذلك علم الذرة اول ما بدأ بالتكون
، فرّح العالم بقنبلتين نوويتين على مدينتين امنتين ، ابادت كل الحياة فيهما . و اول
بواكير علم الكيمياء كانت الغازات السامة التي استخدمت في الحرب العالمية الاولى ،
ثم علم الذرة ليستخدم في الحرب العالمية الثانية .. ولا ندري ماذا سيستعمل في
الثالثة .. فانتظروا العلم ..
اذن العلم لم يقدم من الامن بمقدار ما قدم من الرعب ،
فكيف يجعله هوكينج هو الحل الامن لمخاوف البشرية ؟ هذا ما قدمه العلم من الرعب حتى
الان ، بانتظار العلم اكثر يكون ازدياد الخوف اكثر ، لانه علم مصالح وليس علم
مخاوف . واتباع المصلحة يقتضي اللا اخلاقية احيانا كثيرة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق