الخميس، 11 ديسمبر 2025

إجابة عن سؤال حول خلق السموات والأرض في ستة أيام

 

السؤال : 


كيف نفهم بإجلال وعرفان لجلال الله قوله تعالى: خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش مع قدرته سبحانه على أن يخلق بكلمة واحدة وهو كن فيكون؟ وما الحكمة التي أراد الله أن يوقظها في وعي الإنسان المحدود من هذا التدرج في الخلق وعظمته التي تتجاوز إدراكنا؟

 

الإجابة :

 

ربما أن لها حكم، منها خطاب عقول البشر، فهي مهما كان الفاعل قويا، فإذا أخذ وقتا أطول اعتقدوا بإتقان الصنعة، فذلك الملك الذي بنى قصره في عشرين سنة، غير لمّا يقال أنه بنى قصره في عشرين يوم. سيذهب العقل إلى أن القصر ربما غير متقن، أي أن هذا خطاب لعقولنا.

 

وربما أيضا يتعلم منها الإنسان التدرّج والتؤدة والاتقان في العمل وعدم الاستعجال، لأنه عادةً: الوقت الأطول يعني اتقانا أكثر. وإذا كان الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فما بالك بالإنسان وقدرته الضعيفة؟ وهذا ردٌ على الاستعجال، ويستشهد به الناس، يقولون : خلق الله السموات والأرض في ستة أيام! كيف تريدني أن افعل كذا وكذا الآن مثلا؟

 

أيضا ربما تقدّم مُنزَلَقا، فمثلما أن القرآن يهدي به كثيرا، فهو يضل به كثيرا، ويقدّم تشابها، حتى يرى الله من يؤوله كما يريد ويرغب، ومن يتعامل معه تعامل الراسخين في العلم، الذين يقولون (آمنا به كل من عند ربنا).

 

إن كل متشابهٍ له قُفل، فتجد آيات مثل (إن الله يغفر الذنوب جميعا) وآيات مثل (إن الله لا يغفر ان يشرك به) وآيات مثل (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) وآيات مثل (وقد خاب من حمل ظلما). إن قفل أو قاعدة هذه الآيات جميعها أن الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، لأنه لا يعلم السرائر إلا هو، وهو أعلم الحاكمين، بل ويبدل سيئات من يشاء حسنات.

 

مثلا صفات الله في القرآن فيها تشابه واختلافات بين المُأَوِّلة والمجسمة وغيرهم، ولكن قفلها أو كلمة الفصل في التشابه في هذا الموضوع هو قوله تعالى (ليس كمثله شيء). مثل هذه الآية تعتبر مُحكَم المتشابه.

 

إن هذا المنزلق هو الذي انزلقت فيه عقيدة كثيرٍ من اليهود، واعتقدوا ان الله عمل ستة أيام وأُجهِد وارتاح في اليوم السابع، وهو السبت، مع أن الله قضى السبت عليهم إصرا، أي عقوبة إلهية، فقالوا أن هذا اليوم هو الذي استراح فيه فرضهُ علينا ألا نعمل فيه شيئا! لذلك القرآن يقول (وما مسنا من لغوب) ردا على زعمهم. وأن كل من يعمل لا بد أن يُجهَد، والله يقول (ما مسنا من لغوب)! إذن هو قادرٌ على أن يخلقها بكلمة "كن".

 

هذه الآية من القرآن، يهدي الله بها من يشاء ويضل بها من يشاء، فمن شاء الهداية استفاد ان الله أودع بديع صنعه وخلقه في السموات والأرض، فالسموات أخبر تعالى أنه خلقها في يومين، والأرض التي نعيش عليها وفيها في أربعة أيام، وهذا بيانٌ لنعم الله التي أودعها في الأرض حتى يشكروه، وإلا فالسموات أوسع من الأرض واكبر. ولا شك أن السموات الغير محدودة وبأبعاد مهولة، تكاد تكون الأرض ذرة في هذه السموات، ولكن لو كانت المسألة مسألة مجهود، فلربما كان خلق السموات في اربع أيام وخلق الأرض في يومين. ولكن لقصد أن يبين تعالى نعمه التي اودعها في الأرض، خصها بأربعة أيام. وهذا الأسلوب يراد به ما وراءه، وليس إخبارا بحقيقة أمره، مثل قوله تعالى أن الجنة عرضها السموات والأرض، هنا لا يُراد الإخبار بالحرفية، بل يراد بيان سعة ما أعده الله للمؤمنين من جنة واسعة، وإلا فأين تكون النار إذن؟ وهذه مثل هذه، لأن هدف القرآن هو البيان، والتشبيه من صور البيان، والمبالغة من صور البيان كذلك، لأن المبالغة كأنها تشبيه، وأكثر ما يستخدم في الكلام المبالغة الغير مقصودة التحقيق، ويدخل فيها التشبيه والمجاز. كل أنواع التشبيه والمجاز داخلة في المبالغة، والمبالغة عكسها الخبر، ويُقصد منها بلوغ المعنى لا بلوغ الحقيقة، فيقول أحدهم : هي كالغزال أو كالقمر، أو هو كريم كالبحر، هنا لا يقصد المشابهة، بل يقصد المبالغة في معنى الكرم.

 

وكذلك مثل قوله تعالى (وبلغت القلوب الحناجر)، لن يصل القلب أبدا الى مستوى الحنجرة مهما كان الفزع والخوف، ولكنه أسلوب بياني على سبيل المبالغة، من أجل البيان وليس من أجل الإخبار، وهذا من الأساليب الأدبية.