الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

العلم.. يتقدم أم يتباطأ؟



يبدو أن العلم بدأ يصل لنهاياته, ونرى الآن أنه منذ زمن طويل لم يُخترع أو يُكتشف شيء جديد, مع أن الماديون يقولون أن العلم سيغيِّر المستقبل ويصنع الأعاجيب, لكن في الرياضيات وفي الهندسة والميكانيكا والفيزياء والجغرافيا أين الجديد؟ وفي الطب أيضا, فعلا هذا قرن فقير, وتقنيات الاتصالات مجرد تقنيات وليس علما جديدا, مع أنه الآن العمل أكثر في المختبرات والملايين ترصد للباحثين أكثر من القرون الماضية, وهذا في كل العالم وليس فقط في الغرب, فكل الجامعات ومراكز الأبحاث الوطنية والمعاهد والمختبرات العلمية والشركات تقريبا فيها قسم تطوير وأبحاث, والمختبرات في كل مكان حتى في المدارس, بينما في القرن التاسع عشر والثامن عشر لم يكن الاهتمام بالبحوث كما هو الآن مع أن في تلك القرون الاكتشافات أكثر وأثقل وزنا, مع أنهم يقولون أن العلم سيستمر ويتوسع, والحاصل هو العكس فبدأ العلم ينحسر ويتجه لمجرى أضيق من السابق.

العلم سيقف على الظاهر وحسب, وليس كل الظاهر لأنه مرتبط بالمنفعة وحاجات الإنسان وهي في الأخير محدودة, فالعلم البشري له نهاية, المعرفة قامت بين القانون والمادة, والمادة أشبعوها دراسة. هل ممكن أن يأتي اختراع مثل اختراع الطائرة مثلا؟ والكشوف الجغرافية توقفت منذ زمن, و منظار هبل أرجعوه وفككوه بعد الآمال العظيمة التي عُلقت عليه.

من الملاحظ أن العلم بدأ يتباطأ والتكنولوجيا هي التي تتقدم, لكن سابقا في القرن التاسع عشر العلم متقدم والتكنولوجيا بطيئة, وهذا مقياس مهم, والآن مراكز البحوث والشركات أصبحت تركز على التكنولوجيا. الجديد أصبح صعب جدا ليس كالسابق, ولهذا تلاحظ أمنياتهم عن العلم في المستقبل خيالية, كالسفر عبر الزمن والتنقل بسرعة الضوء ونقل الكهرباء بدون أسلاك وعن الخلود... إلخ, كيف ستنفّذ هذه الأفكار وهي مرتبطة بالميتافيزيقا؟ الزمن ميتافيزيقي كيف سيتحكمون به؟ الروح ميتافيزيقا ولهذا لا يستطيعون أن يفعلوا بها شيئا. يقول الداعية الملحد سام هاريس أن متوسط الأعمار في أمريكا ارتفع بفضل العلم وربما لاحقا سيصل للمئتين مع تقدم العلم, لكن هذا تلاعب, فهل أوقفوا الشيخوخة؟ فهم مجرد عجزة تلقوا عناية صحية, و ليسوا أطالوا فترة الشباب حتى نقول أنهم أطالوا العمر, بل العلم لم يستطع حتى أن يوقف التجاعيد, و هو يتكلم عن أعمار أوروبا في هذه الفترة ويقارنها بالفترة التي كانت هي فترة حروب أصلا, فإذا كثرت الحروب بالتأكيد سيكثر الموت المبكر والفقر والأمراض.

وابتكارات القرن التاسع عشر كلها موجودة في الطبيعة ولم يأتوا بشيء جديد كليا, فالبترول والكهرباء موجودة وبحاجة إلى بحث فيها فقط, معنى هذا أن كل علم له خيط يدل عليه, هل انتهت هذه الخيوط أم لا؟ هذا هو السؤال, هل يوجد ظواهر مادية غريبة لا يعرف عنها العلم شيئا؟ سابقا كان هنالك مجهولات ولها خيوط, مثل ما خلف المحيط الأطلسي, هذا خيط جاهز فاقطع البحر لترى ماذا خلفه, ظاهرة الجاذبية كانت مجهولة ولها خيط: لماذا تسقط الأشياء؟ دائما العلم الذي يدفع له هي المجهولات التي لها ظواهر أو حاجات ومشاكل تحتاج إلى حل. جيمس واط الذي انتبه لقضية البخار وقال لم لا نستخدمها للطاقة, لولا هذا لربما لم يكن إلى الآن هنالك سيارة. وجود حياة أخرى على الكواكب الأخرى هذا كان من أقوى دوافع علم الفلك, لكن علم الفلك الحديث خيب أملهم, فكانوا يتوقعون أن الكواكب التي تدور قريبة من الأرض كلها أماكن مناسبة للحياة وربما يكون فيها حياة, لكنهم وجدوا أن كل ما حوالينا أجرام ميتة, فلماذا يسافرون ويعرضون أنفسهم للخطر من أجل رؤية حجر؟ و بدأها جاليليو الذي كان يظن أن المريخ يكون أحمر في الربيع بسبب ورود شقائق النعمان على تربته, لكن مع أكتشاف أنها مجرد أجرام ميتة بدأ الدافع لعلم الفلك يخبو, إذن الدافع للعلم هو حاجات الإنسان وليس العلم لأجل العلم, لذلك تلاحظ أن أكثر تركيز العلم الآن على مجال الفلك والهندسة الوراثية والاتصالات والحاسب و الطب, لكن أين الرياضيات والهندسة والجغرافيا التي كانت في المقدمة؟ القوة العسكرية والطب من أكثر المجالات التي حظيت بالاهتمام وهذا دليل على أن الدافع هو الحاجة, في كل فترة من التاريخ يكون التركيز على مجال من العلوم أكثر من غيره, وهذا موجود في الحضارات القديمة.

نرى أنهم يبحثون في التاريخ من أجل نظرية داروين, إذن هنالك مجال التاريخ وخصوصا التاريخ الطبيعي والأحافير والفلك والهندسة الوراثية هي التي يهتمون بها الآن مع المجال العسكري الذي لا يتوقف الاهتمام به أبدا, لكن مجالات علمية كثيرة أخرى تضاءل الاهتمام بها والسبب أنه لم يعد هناك خيوط, فلما اكتُشفت الجراثيم مثلا كانت هذه خيوط ومن خلالها عرفوا البكتيريا وأنواعها وصنعوا اللقاحات.

العلم دائما يحتاج إلى خيوط ودوافع مصلحية فهو لا يهبط كالوحي, فوجود ظاهرة محيرة خيط, كأن ترى أجسام ليست كريات دم لا حمراء ولا بيضاء وتكثر عند المريض هذه كانت خيط لاكتشاف الجراثيم, ومن خلاله اكتشف فيلمينغ بالصدفة المضاد الحيوي, فالعلم له خيوط وهي دقيقة وليس الكل ينتبه لها, لكن الكلام إذا لم يكن هنالك خيوط. كان المنظار والميكروسكوب باب للخيوط, فكبّروا وكبّروا حتى وصلوا للكروموسومات وبدونها لن يفكروا بالجينات, فالمناظير دفعت تقدم العلم, لكنهم مازالوا يكبرون في المنظار الالكتروني و لم يأت بجديد في الإنسان.

بفقدان الخيوط يتجه العلم للنظريات, لذلك لا يلاحظ الناس نضوب العلم بسبب كثرة الكلام عن النظريات, في السابق كان أمامهم ظواهر كثيرة محيرة, والآن العلم يبدأ يذهب للدقة و يصعب, أي كأنه أصبح يبتعد عن الطبيعة البشرية, فالعلم أصبح يبتعد عن حاجات الإنسان و قدراته أيضا, فتكون قدرات الإنسان وحواسه لا تستطيع أن تسير وتنطلق مع الجسيمات و ما أقل منها, ومع ضخامة الكون أيضا, فهل يستطيع ان يطور الإنسان أجهزته ليماشي ضخامة الكون؟ لا يستطيع الإنسان بقدراته, فالإنسان ضعيف وقدراته لا تستطيع أن تستمر.

نحن لا نتكلم عن الأمور الميتافيزيقية كالحياة والزمن فهذه لم يجدوا لها خيوط أصلا. الآن عرفوا الخلايا وعرفوا أن كل معلومات الجسم موجودة في الخلية, أي أن الكل موجود في الجزء, وكلها تتعاون مع بعضها, لكن ما الذي جمعها وجعلها تتعاون مع بعضها؟ إذن كل المعرفة المادية لم تنفعهم في شيء في مجال الحياة.

الآن أصبح العلم عسر ودقيق جدا, أي مع مرور الوقت تزداد صعوبة العلم وتقل الفائدة منه, فالخيوط التي كانت موجودة كأنها كانت تقول: تعالوا و اكتشفوني, فهي لم تكن عشوائية, فالبترول كان ينضح على سطح الأرض ويدعو الباحثين لمعرفته. كانت هذه الخيوط موجودة منذ القدم وبالكاد عرفها البشر فكيف سيذهبون إلى عوالم بلا خيوط كالروح و الحياة؟ جسم الإنسان علاقتهم به من خلال الخلية لكن علاقات الخلايا مع بعضها لا يعرفونها, و كأنهم سيلاحقون أي شيء مادي وحسب, حسنا لاحق المادي ماذا ستجد في الأخير؟ سيضيعك في متاهة! فالصغر لا نهاية له, تستمر تلاحق الصغر وتتعب معه, والأشياء التي تهم الإنسان تعدّوها, ككيف تتكاثر الخلايا وعلى ماذا تتغذى, فكانوا أمام خلية تنقسم وتتكاثر, كيف؟ أمام خلية تتنفس وتتغذى, كيف؟

أنا أقول أن الخيوط مطروحة على السطح, فالقمر موجود أمامنا ويقول تعالوا اكتشفوني, والمرض خيط مطروح أمامنا لمعرفته, أما الآن فنحن بحاجة إلى اكتشاف الخيوط أولا, وهذا شيء متعب ومكلف, و بالتالي العلم ذاهب للطريق العسر وليس اليسير, فهو ذاهب إلى التقفيل بدليل سبق التكنولوجيا للعلم, فالجديد الآن تقنية وليس كشف علمي, على عكس القرن الثامن والتاسع عشر. الآن بدأت التكنولوجيا تلاحق العلم بالدقة مثل تقنية النانو, المفترض أن العلم الآن يضحك على علم القرن التاسع عشر والثامن والسابع عشر, لكننا ننظر إليهم بعظمة ولا نجد لهم مقابل في زماننا من العلماء, هذا دليل أن العلم بدأ ينضب, فالمفترض أن يخرج بدل نيوتن سبعين نيوتن لأن الرعاية والاهتمام بالعلم أكبر من زمنه, وبدل أديسون سبعمئة يرون اختراعاته بدائية, هذا لو كان العلم يقفز كما يقولون, ليس أن يطفوا الكهرباء في نيويورك في ذكرى وفاته, فالعلماء الذين يقدرهم الناس هم علماء الماضي و ليس الحاضر, والآن لا نرى أسماء علماء مشهورين عدا ما تشهرهم الأيديولوجيات كهوكينج وداوكنز وأمثالهم, فهذه علامة: أنه إذا قيل علماء التفتَّ للوراء وليس للحاضر. أين وسيلة النقل التي اكتشفت غير ما اكتشف القرن التاسع عشر؟ سيارات طائرات وقطارات ودراجات, هي نفسها التي نستخدمها الآن!

عمليات الجمع والتصغير والتلخيص لما هو موجود في السابق كان علامة على نهاية الحضارة العباسية, ففي نهاية الخلافة العباسية توقف الإبداع والجديد وأصبح المطروح كله عن إنتاج الماضي, وهذا ما دخلت فيه الحضارة الغربية الآن, فتجد الاختراعات والابتكارات الآن كلها تدور حول الجمع والتصغير, فأصبح الهاتف الجوال يجمع بين الكاميرا والهاتف والتلفاز والراديو... . ويبدو أن الحضارة القادمة هي الحضارة المعنوية, فالبشرية عانت من المادية التي جعلت الإنسان يسجد للجهاز المادي ويحتقر الإنسان بداخله, فالحياة الغربية بدأت تصبح مملة.

البشرية استثقلت واستصعبت نموذج الحياة الغربي, فأغراضه ومطالبه كثيرة ولا يقدم سعادة دائمة, البشرية ستبحث عن السعادة في المعنوي, الذي يقدم سعادة كبيرة بتكاليف مادية بسيطة. حتى نعيش حياة غربية يجب أن يتضخم حجم الأرض أضعاف المرات, فهي عيشة مكلفة, الشعب الأمريكي يستهلك خمس الطاقة بالعالم وهم لا يشكلون خمس العالم, فالنموذج الغربي نموذج مفسد للبيئة, و سترفض البشرية هذا النموذج لأنه نموذج مدمر لكل شيء. تصور فقط طاولة البلياردو كم تكاليفها وصعوبة نقلها وأغراضها من أجل فقط أن تلعب بها مرة في الشهر! فنموذج الحياة السعيدة الغربي لا يمكن أن تقبله البشرية, هذا غير أنه ضار بعقلية الإنسان ومسبب للكثير من الأمراض ويسبب البله, فالحياة الغربية المادية أساسها رفاهية وتسلية حتى العمل هو من أجل التسلية, فتغيير فكرة أن الحياة متعة هو الذي يؤدي بالإنسان أن يكون متعقل وغير مسرف ويحافظ على البيئة, لكن أن تعيش لأجل أن تستمتع هذا ما سيجعلك تدمر البيئة ويضطرك للسرقة واستغلال الضعيف... .

كل إنسان يحتاج للأمن والاطمئنان قبل المتعة, وهذا مالا تقدمه الحضارة المادية الغربية المليئة بأدوات السعادة ولكن لا سعادة. حتى مشكلة الموارد والبيئة والفقر حلها هو بتغيير النموذج الغربي وباندحار الحضارة الغربية وأن تأتي حضارة أفضل منها, فهي في طريقها للهاوية لا ماديا ولا معنويا, و كتاب "انتحار الغرب" يشهد بمثل هذا.

أحد الأدلة على انكماش الحضارة الغربية هو بزوغ مراكز ثقافية وصناعية في غير الغرب كما في الصين واليابان والهند وغيرها, فصارت الآن أكثر نشاطا من الغرب ومعدل النمو الاقتصادي عندهم أكبر, و أيضا تقوقع النظرية المادية على نفسها وانحسارها وعدم ثبوت نظرية التطور رغم بحوث عشرات السنين, وتنامي العداء للسامية وتنامي التصديق بنظرية المؤامرة وزيادة التذمر الذي لم يكن موجودا عند الغربيين و تنامي العداء للرأسمالية وضعف السيطرة الغربية السياسية مقابل روسيا والصين والدول الآسيوية وغير ذلك من علامات انكماش الحضارة الغربية, فالشرق بدأ يسحب البساط من تحت أقدام الغرب تدريجيا, فأكثر الصناعات الآن شرقية, والعولمة هي ستدمر الغرب لأنها تنقل الصنعة إلى الشرق مع أن فيها فائدة للرأسمالي, إذن الرأسمالية هي ضد الغرب وليست معه, لأن الرأسمالية من خلال العولمة مضطرة أن تنقل مصانع للخارج حيث الأيدي العاملة الأرخص. لو ترجع قبل 10 سنوات مثلا ستجد أن الأجهزة من شركات غربية ولكن الآن تجد أكثرها شرقية, ففي السابق مثلا أكثر السيارات كانت أمريكية وأوروبية, والآن السيارات الشرقية وبالذات اليابانية والكورية غطت العالم, الآن بدأ الغرب يصير مستورد للمنتجات والتكنولوجيا.

  

الأحد، 26 أكتوبر 2014

إجابة عن سؤال : الفرق بين المنطق والفلسفة ..



أستاذي ... كنت أتسائل عن يا ترى ما هو الفارق الجوهري بين (المنطق) و (الفلسفة)

أعتقدت في البداية أن الأمر بدهي لا يحتاج لسؤال ، لكن لابد من فارق ملموس غير كون العلمين مختلفين ، أقصد ما الاختلاف في الاستخدام بين أن تكون (منطقياً) وأن تكون (فيلسوفاً)

هل يا ترى المنطق يحاكم الفلسفات ؟ 
أي استخدام المنطق يجعلنا نحاجج الفلسفات كالفلسفات المادية الماركسية والعلمانية وغيرها التي يكشف المنطق أنها سفسطات 

الرد :

هذا صحيح، وليس هذا فحسب، بل يحاكم اي دين وفهمه والمذاهب الدينية والفكرية والسلوكات الاخلاقية، قال تعالى عن القرآن (لقوم يعقلون) ولا عقل بلا منطق، بل ويحاكم الفن ايضا، لأن المنطق علم، بل هو اكثر انواع العلم خضوعا للتجربة. اما الفلسفة فهي طرح نظري كتفسير او بديل قد تكون خطأ او صواب، او فيها خطأ وصواب، ومثل ما تفضلتي ، عرضُها على المنطق السليم يقيّمها. بل ان المنطق يحكم على العقل نفسه، لأن ليس كل ما في العقل سليم. والعقليات مختلفة، لكن المنطق واحد، فيقال عقلية شرقية وغربية وتقدمية ورجعية ومحافظة وليبرالية الخ .. 

العقل يتعرض للاخطاء بصور كثيرة. فالتكرار والتلقين من الصغر يبني عقلية قد تكون على خطأ، لكن شيوعها والاعتياد عليها جعلها وكأنها حقيقة. وكذلك المعلومات الخاطئة تعطي نتائج عقلية خاطئة. لهذا تصحيح العقل يجب ان يكون عملية مستمرة من خلال عرض جميع المسلمات على العقل والمنطق، وعلى هذا لايستطيع المنطق ان يغطي كل هذه المسؤوليات لوحده، لأن المنطق المُكتشف محدود. يجب ان يكون الشعور الخالص الفطري موجود وحاضر دائما حتى يكمّل ما لم يستطع المنطق الوصول اليه. والشعور هو الذي انجب المنطق اصلا، لان المنطق ترجمَ تمييز الشعور وحوّله الى قوانين ممكن نقلها من خلال اللغة. ومن وجهة نظري ، تعريف الفلسفة هو ترجمة الشعور الفطري وتحويلها الى عقل ولغة. ترجمة الشعور هي إخراج منطق جديد لايتعارض مع المنطق القديم ويرتبط معه، هذه هي الفلسفة الصحيحة، والا فهناك فلسفات خاطئة. اذ التعريف المشهور للفلسفة بأنها التعليل والتدليل باستعمال العقل. وشكرا على اسئلتك المفيدة دائما ..

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الفن و الأدب و قوانين الشعور الإنساني




يجب أن يضاف لمقاييس النقد الأدبي والفني مدى تطابق العمل مع طبيعة الإنسان الشعورية, فكثير من الروايات مثلا تقدم شخصيات غير موجودة في واقع الإنسان, كإنسان شرير وأناني وكريه وفجأة ينقلب ويصير طيبا أخلاقيا! أو شخصية لا يمكن تصنيفها بالخير والشر و متناقضة, مرة تفعل الشر ومرة تفعل الخير, مرة مصالحها تجعلها شريرة ومرة تهمل مصالحها لأجل الخير! أو شخصية تشعر بالفرح في لحظات غيرة! هذا لا يكون, ففي مثل هذه القصص والروايات يحضرون أِشياء مخالفة لقوانين الشعور, لهذا لا يصلح أن يؤلف أحد رواية وهو لا يعرف قوانين الشعور, لأنه سيؤلف أشياء مضحكة لمن يعرف الشعور الإنساني المشترك.

هذا مأخذ نقدي كبير لا يهتم به النقاد عادة, فيجب أن يكون هناك باب في النقد الأدبي لمدى تطابق الشخصيات مع طبيعة الإنسان المعنوية و أقصد الطبيعة المشتركة التي لا يمكن أن تختلف من شخص لآخر.

هذا أَضعف ما يكون فيه هم الماديون, فالماديون إذا دخلوا في الأدب والفن يحرفونه انحرافات كريهة لأن المادية فكر عدمي وينطلق من المادة وليس من الإنسان ومن مادة الإنسان وليس من روح الإنسان. لهذا الفلسفة المادية والإلحاد لم توفق في مجال الأدب و لا الفن, لأن الأدب والفن بحاجة ماسة للجمال والجمال يعتمد على الفضيلة و التفاؤل. أكثر شيء يحبط العمل الفني هو فشله مع قوانين الشعور, لأنه لا يمكن أن يكون جميلا, مهما كان العمل الأدبي خياليا فممكن تقبله إلا إذا كان يخالف قوانين الشعور.   


الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

الخلوص الشعوري



كلما تزول الشكوك و الأفكار السلبية عن أي شيء طبيعي و يخلُص التقييم للشعور الفطري كلما ترتفع قيمة ذلك الشيء, و هي في الحقيقة لا ترتفع، بل تصل لحقيقتها بعدما زال عنها التشويش, أي كلما خلُصَت النظرة الشعورية تجاه الشيء الطبيعي وذهب عنه التشويش كلما زاد الإحساس بقيمته. فلو كان بينك وبين أحد علاقة محبة حقيقية في الله، فمع مرور الوقت وزوال الشكوك بينكما سيزداد إحساسك بقيمة ذلك الإنسان وحبك له. مع تقادم الزمن بالنسبة للإنسان الطبيعي تزداد القيمة الشعورية للشيء الطبيعي لأنه مع مرور الزمن يتم طرد التشويشات والشكوك وبالتالي تصفى النظرة للشعور وتزداد قيمة الشيء بسبب خلوص النظرة فيه للشعور, و كل بقية نظرات الشعور تنتظر الخلوص لدى الإنسان كي تنال قيمتها كما هي. و من الخلوص للشعور تأتي تلك الأفكار العميقة التي يقولها الإنسان في لحظات احترامه لشعوره ولا يفهمها العقل في وقتها, وهذه النظرة أتت من خلوصٍ للشعور في تلك اللحظة, فالإنسان الذي وصل إلى الخلوص الشعوري في موضوع ما, يجب علينا أن لا نقف في وجهه وهو الأقدر على استقراء المستقبل.

لا مفاضلة بين مختلفَين


جوابا على سؤال الأخ "مواطن" في تويتر :
"هل هناك صديق يغنيك عن الف حبيب ؟!"


إذا كان قصدك أن الكلمتين بمعنى واحد فنعم ممكن أن يوجد, فلو قلت هل يوجد صديق يغني عن ألف صديق فنعم يوجد وأكثر من ألف. التفاضل يكون بين شيئين من نفس النوع, فلا تستطيع أن تقول مثلا هل يوجد شوكة تغني عن ألف ملعقة؟! إذا اعتبرت أن الكلمتين من نفس الجنس فيمكن المفاضلة بينهما, كأن تقول : يوجد امرأة أفضل من ألف رجل, هنا أنت فاضلت بناء على الصفات المشتركة بين الرجل والمرأة كالصدق و الكرم و باقي الصفات الإنسانية, وليس بناء على جنسيهما لأن الجنس مختلف ولا مقارنة بين مختلفَين. 

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

الدعاء والشكر


في القرآن تعديد كثير للنعم والآيات الكونية النِعَمية كالشمس و القمر و الليل و النهار و المطر و البحر و الأنعام, وهذا لكي تُدفع للشكر على هذه النعم قبل طلب المزيد,  وهي آيات تدل على استحقاق الله للشكر وبالتالي عبادته بدافع الشكر أولا والخوف ثانيا من عاقبة عدم الشكر لأن عدم الشكر كفر {إما شاكرا و إما كفورا} .

أساس العبادة الشكر, و هي ليست آياتا تخويفية بل نعم, و كل الآيات الكونية في القرآن هي نعم حتى النوم, قال تعالى: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله}, و أول آية في سورة الفاتحة هي : {الحمد لله رب العالمين}. و هذا يعني أن أساس الدين ليس الخوف من مظاهر الطبيعة كما تصور الملاحدة, بل الشكر على مظاهر الطبيعة. وأصل الخوف هو من زوال النعمة و ليس من عدم وجود نعمة.

الملاحدة يفسرون ظاهرة الدين بأنه بدافع الخوف من الكوارث ومظاهر الطبيعة و الأمراض, وهذا نابع من خيالهم نفسه لأن الملحد يرى أن الفقر هو الأساس, والاختلال والفوضى هي الأساس و ليس النظام, و هذا ينشر الرعب في النفس, قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر}.

القرآن تكلم عن الأًصل, أي أن الأصل أن الناس في خير و نعمة تستحق الشكر للمنعم, و من هنا الطريق إلى الله كما في القرآن, فالأًصل في الحياة هو العافية وليس المرض و ثبات الأرض وليس الزلازل و الرزق و الشبع و ليس الجوع {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}. كل إنسان فيه خير ينظر إلى كثرة الخير و النعم, و النفس الجحود الطامعة لا ترى إلا النقص و الفراغ, كمثال الكأٍس المشهور, فالشكور يقول أن نصفه ممتلئ و المتشائم يقول أن نصفه فارغ. جمال القرآن أرانا الطريق إلى الله, طريق رضا و حب و شكر و ليس طريق رعب.

إن تفسير أي ظاهرة يكشف نفسية المفسر, فالملاحدة يتصورون أن الحياة فوضى ودمار وزلازل وأطفال مشوهين ولولا العلم لهلكنا, دون أن يذكر أَضرار التكنولوجيا على البيئة والإنسان, وهذا يدل أن عقليته فوضوية و جاحدة , مع أنه حتى كوارث الطبيعة هي لصالح الطبيعة, فالبركان يقدم الطمي المليء بالمعادن المصلحة للتربة.

كل البشر يشتكون وغير مرتاحين, وكل كلامهم شكاوى ومخاوف وقلق والرضى والشكر قليل, القرآن يبدأ من النعم والخير, القرآن لا ينظر إلينا كمحتاجين و في خطر إلا خطر الضلال والكفر وسوء الأخلاق, بل إن القرآن ينظر إلينا كقوم متنعمين وواجب عليهم الشكر لأننا فعلا نعيش في نعم الله, كل الإعلام والاجتماعات واللقاءات في العالم تدور حول مشاكل ومخاوف وصراعات, ولا أحد يشهد بالنعم, دول دخل الفرد فيها 2 دولار ودول أخرى دخل الفرد فيها 100 دولار , تجد الثانية أكثر شكوى و انتحارات! 

إذا تأملت هذا تجد أن القرآن هو الوحيد في العالم بهذا الطرح, و هذا إعجاز بحد ذاته, ولو كان القرآن من بشر لبدأ من النقم والتخويف وليس من النعم والشكر.

إن الموقف من النعمة هو الشكر وليس الدعاء, بل إن القرآن لم يصورنا كمحتاجين لنعم قدر ما صور أن عندنا نعم لا نستطيع أن نحصيها و أنها تستحق الشكر, و الدعاء هو طلب نعم إضافية. وكلمة كفر في القرآن مقابلة للشكر.

ثم إن النعمة كما قال القرآن تزيد مع الشكر وليس الطلب, قال تعالى: {و لئن شكرتم لأزيدنكم} و لم يقل لئن دعوتم لأزيدنكم! الله أمر بشكر النعم و لم يأمر بطلب نعم جديدة ولم ينهَ. كلمة دعاء تعني نداء, قد يكون في النداء طلب وقد يكون فيه شكر أو تسبيح أو ذكر. الطلب بعد الدعاء, لاحظ أن الذي يدعو يقول: يا ربي أو يا الله. أي تدعو الله ثم تطلب منه أو تشكره أو تسبحه, فبين الدعاء والطلب عموم وخصوص, والدعاء أعم من الطلب.

الدعاء نداء و النداء طلب تواصل وقرب وحضور : {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً}, وهنا كلمة فرار قابلت كلمة دعاء. ولاحظ قوله تعالى: {يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} ويريدون وجهه أي يريدون حبه وليس يطلبون منه فقط , و ليس هناك آية في القرآن تقول كلما طلبتم سوف أعطيكم, بل قال تعالى : {و آتاكم من كل ما سألتموه} فلاحظ وجود "من" التبعيضية فكل شيء تطلبه أعطاك الله أو يعطيك منه, فتريد العافية والله قد أعطاك منها وإلا لما استطعت دعاءه, و تريد القوت و الله معطيك منه, فنحن نطلب من الله النعم التي نعرفها و لو لم نذق منها لما طلبناها, لكنه لم يقل : وآتاكم كلّ ما سألتموه, ولم يعِدُ بأنه سيؤتينا كل ما نسأل. والقرآن يركز أن الجزاء في الآخرة أكثر من الدنيا. البعض يتخذ من آية : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وعداً أو سنداً بتلبية الطلبات فإذا لم تتحقق يلوم الله سبحانه أو يشك في الله, و هذه النتيجة الخاطئة جاءت من فهم خاطئ. وقوله تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}, الدعاء من العبادة و داخل فيها من ناحية أن جلب الخير و دفع الشر بالغيب لا يستطيعه إلا الله, و صور العبادة كثيرة وليست فقط الدعاء , والشكر أساس العبادة.  

الأحد، 19 أكتوبر 2014

موقف الشعور الإنساني من التكرار


أي شيء يتكرر على الشعور الإنساني فإنه يضاعفه أو يهونه على حسب علاقته بالشعور, فإذا كانت علاقته معنوية ومهمة فإنه يضاعفه, فالألم مهم بالنسبة للشعور لذلك يضاعف الإحساس بالألم , أما إذا كان التكرار ليس فيه خطر فإن الشعور يسحب عنه الألم تدريجيا, مثل تكرار صوت مزعج لا يمكن تغييره كصوت السيارات أو صوت المكيف. وهذا القانون الشعوري تابع لقانون أن الشعور لا يتكرر, لذلك أي شيء يتكرر على الشعور فإن الشعور يضاعف الإحساس بالألم من مصدر الإزعاج حتى تبتعد عنه, فإما أن تبتعد أو يزداد الإحساس بالألم عليك .

لاحظ أن الألم من الشيء المتكرر يأتي أحيانا قبل وقوعه , فإذا كنت لا تحب الوظيفة التي تعمل بها تجد أن الشعور يحسسك بالألم قبل ذهابك للعمل بيوم أو يومين مثلا , والعودة للعمل بعد الإجازة أثقل منها وسط الأسبوع , لأنه أمكن انقطاع الألم فتكون العودة إليه أصعب. هذا يدل على أن الشعور لا يريد لشيء أن يتكرر مع إمكانية أن لا يتكرر طلبا للأفضل, وهذا بسبب قانون طلب الأفضل لدى الشعور, لهذا من يلح ويكرر الطلب أو اللوم عليك فإن الشعور يضجر بشكل تصاعدي ويزداد الضجر والنفور خصوصا إذا كانت العبارات والنغمة نفسها تتكرر.

الشعور مع التغيير والإيجابية , لذلك لا يحب الروتين مع أنه تكرار بارد وليس فيه خطر ومع ذلك الشعور لا يحبه لأنه تكرار , فالتكرار نوعان : تكرار حار وتكرار بارد , التكرار الحار مثل تكرار الألم الجسمي أو الفزع النفسي وهذا يُنتج عقد مثل الفوبيا أو الرهاب الاجتماعي أو العقد النفسية أو الهستيريا, والتكرار البارد مثل الروتين والأصوات المتكررة والمزعجة وينتج مشاعر ملل أو عدم راحة و تأفف.

تكرار الأفضل لدى الشعور لا مشكلة فيه كتكرار التنفس أو البصر أو نية الخير أو المحبة فلا يمل من تكرارها ولا من تكرر عباراتها. لهذا فالشعور له موقفان من التكرار : موقف سلبي وموقف إيجابي, فمن يناديك بكلمات طيبة فإنك لا تمل منها حتى لو تكررت نفس الكلمة كثيراً بل تزداد محبة الأفضل إذا تكرر, فكلما يتكرر الأفضل كلما يبتعد الملل, لكن تكرر الأردأ يزيد النفور, ومن هنا منطقيا جنة الله ليس فيها ملل بل تزداد النفس تعلقا بها, فقانون الأفضل يتوقف عند الأفضل لأن طلب الأفضل يكون في حال عدم وجود الأفضل, وإذا وجد الأفضل توقف الطلب و اشتغل قانون المحبة التصاعدية, إذن محبة الأفضل لن تتوقف وستستمر بشكل تصاعدي إلى أن تصل إلى الأفضل في المحبة (مرحلة خلوص المحبة), أي خلوصها من شوائب الشكوك أو الأخطاء حتى لو كانت صغيرة. ومن هنا قيمة النقد البناء لأنه يسرع بالخلوص, فأنت تتعب من وجود أخطاء عند من تحب  في الفهم أو التقييم -وليس في الأداء نفسه ـ أو نواقص أو شكوك, وكلما زالت هذه الأشياء كلما صار الحب خالصا. ونفس الشيء في الإيمان فكلما خلص من الشكوك كلما صار خالصا وهي مرحلة اليقين, قال تعالى : (إنهم كانوا من عبادنا المُخلَصين) أي عبوديتهم خالية من الشوائب, وهي غير كلمة المخلِصِين.

 أي شيء يمكن أن لا يُكرر و يُكرر فإنه يزعج الشعور. من قوانين الشعور عدم التراجع عن الأفضل لذلك الإنسان الذي وصل للأفضل شعوريا لا يحب أن يعود إلى وضعه السابق لأن الشعور لا يجب أن يتراجع عن المستوى الأعلى الذي وصل إليه , لذلك الشعور لا يريد أن يرجع مرة أخرى إلى المستوى الأدنى الذي كان فيه .


من مقاييس الأخلاق


أداء الإنسان يقاس بأفضل أحواله وليس بحالات التعب النفسي أو الجسدي, قال تعالى :  {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقال : {ليس على الأعرج حرج}. الأخلاق تقسم بالنسبة لحال الإنسان إلى : أخلاق الوضع الإيجابي وأخلاق الوضع السلبي , أخلاق الوضع الإيجابي تقاس في حالة الراحة والصحة والقدرة مثل الإبداع والعطاء والإحسان باستثناء الضرورات , فأخلاق الوضع الإيجابي هي التي ليس فيها ضرورات ملحة و يستطيع الإنسان فيها أن يعطي لأشياء ليست ضرورية, فالغني مثلا مطالب بالإحسان والقادر عليه أن يحسن ولا يقف عند حد الواجب, والله قال للقادرين (وأحسن كما أحسن الله إليك).


أخلاق الوضع السلبي كالصبر وأداء الأمانة والواجب مقياسها الدقيق في الحالات السلبية مثل كرم الفقير على محتاج ومثل أن يسعف المصاب مصابا آخر أشد منه أو يؤثر غيره على نفسه وهو محتاج {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}, والإنسان عندما يكون في حالة سلبية (سيئة) لا نطالبه بأخلاق الوضع الإيجابي, ولا يلام الفقير بعدم تبرعه مثلما يلام الغني, فلا يقال عن الفقير الذي لم يتبرع بأنه بخيل بل تقال للغني الذي رفض التبرع والإحسان. 

افضح الشيطان .. (6)


من معاكسة أساليب الشيطان التي أشرت لها في المواضيع السابقة أن تعمل مثل ماهو يعمل لكن بمنهجك واختيارك ، فمثلما يوسوس الشيطان للشر تكون أنت توسوس للخير . الشيطان يعد ويمني ويخوّف, والمؤمن يستطيع أن يفعل مثل هذا للخير والحق.

الله لم يضع مقابلا للشيطان, كملاك يوسوس للخير مثلا، لكن أراد أن يكون المؤمن الحقيقي هو المقابل للشيطان, فقال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} والعدو كفؤ وند لعدوه ، و وضَع الشعور الإنساني الثابت (الفطرة) الذي ينطلق منه المؤمن في مواجهة الشيطان، و أرسل الأنبياء ليبينوا للناس. الشيطان يعمل لأجل الباطل و نحن نعمل لأجل الخير ، والشيطان يشوه الخير والمؤمن يشوه الشر وهكذا...


الله ليس بمقابل الشيطان ، لأن الله ليس له ند ولا كفؤ : {و لم يكن له كفوا أحد}, فالمؤمن هو ند و كفؤ الشيطان, فمن الخطأ مقابلة الله بالشيطان.  و ليس الشيطان أذكى من المؤمن أو أقدر لكنه دؤوب ، و لم يجعل الله الشيطان أعلى قدرة من البشر. يستطيع الشيطان أن يزين الشر ، ويستطيع المؤمن أن يزين الخير ، يستطيع الشيطان أن يقدم وعودا و كذلك المؤمن ، يستطيع الشيطان أن يفسر الظاهر و سلوكات الناس تفسيرات سيئة و يستطيع المؤمن أن يفسر بطريقة إيجابية ، يستطيع الشيطان أن يُكَبِر وينتقد أخطاء أهل الخير ، ويستطيع المؤمن أن ينتقد أخطاء أهل الشر ، والدليل أن نفس وساوس الشيطان يقولها شياطين الإنس {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، هذا يعني أن الشيطان ليس لديه قدرات لا يطيقها البشر.


زمام المبادرة بيد من يشعر بالتفوق


عقولنا متعودة على الدفاع أكثر من الهجوم, ومتعودة على أن تقول نعم أكثر من لا, و كثيرا ما نندم لماذا وافقنا على شيء ما مع أننا لا نريد, و السبب هو المبادرة مع من تكون. لهذا علينا أن نتعود امتلاك زمام المبادرة و لا نكون في وضعية الدفاع دائما, والمبادرة الناجحة تحتاج إلى استعداد مسبق.

في الحوار مع المخالف مثل حوارك مع ملحد بدلا من أن تدافع عن دينك وأفكارك عليك أن تحول هجومه إلى دفاع, و هذا بحد ذاته انتصار وإن لم تنتهي المعركة بعد, لكن كونك تدافع عن نفسك فقط فهذا يعطي انطباع أن مهاجمك كامل, فلو يتهمك أحد أنك سارق مثلا وتنشغل بإثبات أنك لست سارق ستجعله يبدو أنه لا يمكن أن يسرق أبدا, بالرغم من أنه ربما يكون هو السارق! هكذا هي العقلية السائدة أن المتّهِم غير متهَم, مثلما فعل الصحابي حذيفة بن اليمان الذي كان جاسوسا للمسلمين في جيش أبي سفيان, و حين أمر أبو سفيان أفراد جيشه بأن يتأكد كلٌّ ممن بجانبه حتى لا يكون بينهم جاسوسا بادر حذيفة بسؤال من بجانبه عن أسمائهم, فانشغلوا بالدفاع عن أنفسهم و تركوه! لأنه ملك زمام المبادرة.

المدافع دائما في وضعية الضعيف مهما كانت جودة دفاعه, و لا تنشغل بالدفاع إلا بعد أن تنتهي من الهجوم على المهاجم. أفضل أحوال ذلك الهجوم هو الأسئلة التي يعجز عن إجابتها ويتهرب عنها, و هذا انتصار في الحوار, الخطوة الأولى هي تحويل وضعيته من هجوم إلى دفاع, الخطوة الثانية أن يُقصَف بالأسئلة ولا يستطيع الرد عليها بذاتها كما يجب, لأنها تكشف تناقضا, ووجود تناقض يعني أن أساسه لم يكن قويا كما تصور فينسحب عن الهجوم ويترك زمام المبادرة, وأجود الأسئلة ما كان مبنيا على طرحه. و اكتمال الانتصار هو بتقديم الأفضل وهو الدفاع المفصل عودا على بدء بعد تحويله للدفاع وكشف تناقضه.     

الناس متعودون أن من ينتقدهم بشيء هذا يعني أنه الأبعد عنه, وكأنها أحسن طريقة لإخفاء العيوب على طريقة "رمتني بدائها و انسلت". لهذا يجب أن يكون عندك استعداد للهجوم على من يهاجمك قبل أن يهاجمك, ولهذا قلنا أنه يجب أن تكتشف عيوب الآخرين و نواقصهم قبل ميزاتهم التي أيضا يجب أن تعرفها, ليس لأجل أن تذلهم بعيوبهم بل لأجل ألا تذوب أمامهم و تشعر أنك لا شيء, ومن أجل أنه إذا هاجموك تكون مستعدا للهجوم بدلا من الاكتفاء بالدفاع. وهذا معنى عزة المؤمن, لأنه يعتمد على الحق, قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون}.

من ينظر لميزات الآخرين فقط سيشعر بالانكسار أمامهم و قد يصاب بالرهاب الاجتماعي, لأنه يعرف عيوب نفسه لكنه لا يرى في الآخرين إلا ميزاتهم لهذا لن يستطيع أن يقول أنهم هم جيدين وهو جيد أيضا بل هم كاملون وهو مليء بالعيوب.

دائما زمام المبادرة بيد من يشعر بالتفوق, سواء كان تفوقا حقيقا أو متوهما, وأي أحد يكون في موقف قوة فذلك بسبب الحق, سواء كان حقا حقيقيا أو حقا متوهَّما, والمهاجم في موقف قوة لهذا من يهاجم أفكار الآخرين و لا أحد يضعه في موضع الدفاع سيظن الناس أنه الأقوى, لكن من يحوله للدفاع سيكشف ضعفه, و الحق الحقيقي يستطيع أن يدمغ الحق المتوهَّم ويحوله إلى باطل.  

السبت، 18 أكتوبر 2014

كيف تكونت عقلية البداوة القديمة ..


البداوة بنت الطبيعة في الصحراء، والتشابه يكاد يكون واضحا بين سلوك المجموعة البشرية وسلوك قطعان الذئاب. وليس بالغريب ان يسموا ابناءهم بأسماء الحيوانات المفترسة كصقر وذئب وفهد وكلب وكليب ونمر وعقاب. وقلما يسمون بأسماء الحيوانات المفيدة لهم كالجمال والخيول، مما يدل على انهم اختاروا هذا النوع من الطبيعة ليحاكوه، فالصحراء قاسية ولا ترحم الضعفاء..

لاحظ التشابه في سلوك المعركة ، في الهجوم الجماعي والانسحاب الجماعي، وقلما تكون المعركة دامية وطويلة، بل تحصل الهزيمة والانسحاب بسرعة، من خلال مواجهات سريعة وخاطفة و من الاصابات الاولى يبدأ التفكير بالانسحاب. ولا يجدون عارا كبيرا في الانسحاب، ولا يعني انسحابه انه لن يعود للمواجهة وبدء غارات جديدة، وهذا مثل سلوك الذئاب تماما، فهي تغير أحيانا ثم تنهزم لوجود مقاومة مثلا، ثم تعود مرة أخرى في ظرف آخر.

ولا يجدون عارا في مدح قوة خصمهم والاعتراف له بذلك، تماما كما يفعل الذئب المهزوم للمنتصر، فهو يقر له ويذعن، ويضع ذيله بين قدميه كعلامة خضوع. بينما معارك أهل المدن والحضارات دامية و تخريبية وثقيلة، لأنها تدعمها ايديولوجيات وأديان. ومعارك البادية كر وفر، نفس اسلوب الحيوانات البرية. ايضا التعامل على مبدأ العقاب بإراقة الدم، فليس لديهم سجن او جلد او غرامات مادية، إنما دم أو إبعاد عن القطيع. فالعار يُغسل بالدم، وحتى الاهانة القولية تغسل بالدم، مثل ما هو العقاب في قطيع الذئاب اذا اخطأ أحدهم، يكون بالعض والدم.

كذلك الهجرة والتنقل ، فالبدو يرتحلون كقطعان الذئاب المهاجرة. كما أن التفاهم ايضا يكون من خلال القوة، فالمعارضة تعني استخدام القوة، وتجد ضعف لغة الحوار أو ايجاد حل من خلال الحوار، فالحل دائما هو القوة. لهذا يعاب على الشخص السلمي داخل المجموعة، فيوصف بالتخاذل والجبن. وهذا لا ينطبق على العموم بالطبع، الكلام هنا عن روح البداوة نفسها، وإلا ففيهم متعلمون وحكماء ودعاة اصلاح وسلام، ويعملون اكثرهم في تربية الحيوان ويعرفون امراضها ويعرفون النجوم والمواسم والأدب والشعر وغيرها ، لكن الكلام هنا هو عن أصل وروح البداوة.

وتحركات البدو في الصحراء على شكل مجموعات صغيرة العدد، وكأنها قطيع من الذئاب. أيضا نفورهم من حياة العمل وإقبالهم على حياة القتال، تشبه حياة الذئاب، ويعتبرون الكسب الشريف من خلال القتال وليس العمل. لهذا الاختلاف في الرأي يشكل مشكلة كبيرة لدى العقلية البدوية، لأن الخلاف يقتضي حلول قاسية قد لا يحبها او لا يستطيعها. وهذا سبب ضعفا في روح الحوار وضعفا في تحمل الرأي الآخر .. والعقوبات الصغيرة لا قيمة لها عندهم. بل تكون محل استهزاء وسخرية. فحتى يحس أنه اخذ حقه يؤكد ذلك بإسالة الدم، وإسالة الدم لها رمزية وقيمة على قدر كثرة الإسالة، بالطريقتين ، سواء دم الاعداء أو دم الذبائح للكرم، ترتفع قيمة الفرد، فالذي يسيل دما اكثر هو الافضل، وكأنه هو الذئب الأشرس. بغض النظر عن موضوع الظلم والعدل. وأحيانا لا يجتمع الدمان في واحد دائما، فتجد أحدا مشهورا بدم الكرم، والآخر مشهور بدم الشجاعة، وهو فارس القبيلة. واجتماع الاثنتين يعني مرتبة عليا.

فالقيمة للقوة بحد ذاتها، سواء كانت تلك الدماء على عدل ام ظلم، لا يهم، بل احيانا تعجبهم دماء الظلم، كما هو عند الذئاب، فهي لا تسأل هل ضحيتها مظلومة أم لا.

وحتى طبيعة موسيقاهم من نفس مقامات عواء الذئاب ، وصوت الربابة يشبه الى حد ما صوت الذئب.

أيضا الصراع على القيادة والرغبة فيها من أوجه التشابه. والتمحور على قيمة الكرم والشجاعة عند البيئة البدوية، لكن لا تجد قيم بارزة مثل العلم والحكمة والمعرفة. ايضا دقة استعمال الحواس والنباهة ومعرفة الارض والدروب ومعرفة الاثر ودقة المراقبة لأي شخص جديد يمر على المكان .. و هم يتفاخرون بصفات الحيوانات المفترسة، فاذا اعجبهم شخص قالوا انه ذئب. ومن هنا التعبير عن الرأي لا يعتبر مجدي ما لم تصحبه قوة، ومن هنا تكثر المجاملات كما لاحظ بعض المستشرقين خوفا من الاختلاف الذي يقتضي التصادم و العنف. وطبيعة تعاملهم مع من يقف في وجوههم إما خضوع كامل او سحق كامل. كما تفعل الذئاب.

ايضا يوجد عندهم حب التنافس، فأي أحد يستطيع أن يدخلهم في منافسة كرم او شجاعة أو غيره، بل قامت حروب بسبب استفزاز للتنافس. وهذا نابع من طلب الافضل وروح الفردية. ايضا صعوبة تقبل حياة النظام، والملل والتذمر الشديد من الانتظار، يدل على أساس الحرية في الصحراء، فالأصل انه لا شيء يوقف التحرك.

الواضح هو أن البشر قلدوا اسلوب حياة الحيوان، لأنهم رأوها هي الاقوى، و واضح هذا من قبولهم وإعجابهم بصفاتها وتسمية ابناءهم باسماءها، فهم لا يسمون ابناءهم بالحشرات والحيوانات المسالمة إلا من باب الازدراء والتندر. وهذا بالطبع ليس دليلا على صحة نظرية التطور، لأن الانسان مخلوق نباتي أصلا، وهذه الحيوانات آكلة لحوم ومهيأة جسديا بأسلحة طبيعية لا يملكها الانسان. والإنسان يتعلم من الطبيعة، مثلما تعلم الطيران من الطيور والغوص من الاسماك، كذلك من عاشوا في الصحراء تعلموا من الذئاب.

رد على تعليق في سجل الزوار حول التكبر على الله ..


اعاني من الكبر (مرض ابليس) وليس على الناس بل على الله
انا اعرف علتي واعرف مرضي واعرف آثاره
فأنا مثلا اتكبر عن عبادة الله واقول لنفسي لماذا اعبده ؟ لماذا اصلي له؟ لماذا يفرض علي الصلاه والعباده له ؟ واشعر انه لا يستحقها واعوذ بالله من زلات اللسان
انا لم اكن كذلك لكن مررت بكربه شديده لسنين اتعبتني نفسيا وكنت خلالها ادعوه واناجيه وللآن الكربه لم تحل بالكامل ولكن احاول ان احلها
فأقول لنفسي وانا اعلم ان ماحدث لي بسببي وبسبب ظلمي لنفسي ولكن اقول كان بإمكانه ان ينقذني من نفسي ويوجهني للأفضل لكن لم يفعل واشعر الآن اني لست بحاجته

هذا ليس منطقي ، وهو لم يلزمك بعبادته، المفترض أنتي من يبحث عنه لتشكريه، ثم تعترفين بفعل الخطأ اختيارا، و اذا جاءت عواقبه قلتي لماذا لم يتدخل لينقذني من نفسي ؟ ما هذا التميع ؟

أنتي مثل التلميذة التي تخطئ في الامتحان لانها لم تذاكر، وتغضب على المعلمة لماذا لم تنقذها من هذا الموقف التي وضعت نفسها هي فيه ؟ إنها معلمة قاسية لا ترحم ! تراني ارسب ولا تتدخل ! قال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون) .. أنتي تعترفين بالتكبر وما زال موجودا، بل انك تقولين بكل وقاحة مع الله وليس معي، بل أنتي مؤدبة معي مع الاسف، وغير مؤدبة مع خالق الكون المنعم، ويا ليته كان العكس .. تقولين : اصبحت الآن غير محتاجة له، لا أدري أنتي وجدتي إلها آخر افضل منه أم ماذا ؟ تحاولين أن تجعلي تكبرك كأنه حالة مرضية، مثل مرض ألزهايمر أو قصر النظر ، شيء لا حيلة فيه .. هذا مهرب نفسي. أنتي من فعل التكبر، وانتي الوحيدة القادرة على ازالته وليس الشيطان الذي يقول لاتباعه يوم القيامة (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) .. نعم الشيطان يوسوس فقط ولا يلزم، يقول يوم القيامة لمحبيه : (وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي) ..

عليكي أن تفيقي من عبادة ذاتك، انتي لست كل شيء على هذا الكون، ادخلي في نظام الكون، كما قال تعالى (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) ، ادخلي في عباد الله ولا تتكبري عليه. فأنتي ضعيفة، بل في غاية الضعف، وأحوج ما تكونين لرحمته .. لا تتشرهي على الله وكأنه زوجك أو أخوك الأصغر .. يجب أن تفصلي بين البشر والإله، لا تخلطي بينهما .. قال تعالى (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم) .

لا تريدين أن تغيري ما في نفسك، وتريدين أن يتغيّر ما بك ! هذا غير منطقي .. أنتي مثل من يقفل الباب بالمفتاح ويقول : أريد أن أدخل ! لماذا لا يتدخل الله ويدخلني منزلي ؟ أليس رحيما ويهتم بنا ؟ بينما المفتاح في يدك ! هو اعطاك اياه ..

احيانا ادعوا الله بأدعيه واناجيه وفي سري شخص يسخر منه ومن حمدي وتسبيحي ودعائي له وانه لا يستحق

هذا صوت الشيطان، وأنتي تصغين له باهتمام، كان الأولى أن تطرديه وتعوذي بالله منه. تحتاجين لشجاعة لمواجهة نفسك والشيطان اذا كنتي جادة كما تقولين ، العلاج يبدأ من عندك أولا وليس من عند الله. لأن الله يختبرك واعطاك حرية الاختيار. قال تعالى (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها) .. اما اذا كان قصدك ولا أظن ذلك معاجزة الله، فلن تعاجزيه. وسوف أصدق الله ولن اصدقك .. لأن الله قال (بلى من اسلم وجهه لله وهومحسن) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) هذه وعود الله، والله لا يخلف وعده، ولن اصدق احدا يقول : فعلت كل شيء لكني لا اشعر به ولا يستجيب لي ! كيف اصدق غيري ولا أصدق نفسي وربي ؟ لاني غير متأكد أنك فعلا فعلتي ما يريد الله ، وهذا واضح .. لأنك ما زلتي تدورين حول نفسك وليس حول الله، لم تستطيعي ان تنسي نفسك ولا لحظة .. قال تعالى : وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)

هناك عقبة لا بد من اجتيازها حتى تصلي الى المنحدر السهل. قال تعالى : (فلا اقتحم العقبة) .. لا بد من تضحية، وأنتي لا تريدين بسبب حبك لذاتك، لو مرة كوني شجاعة ضد نفسك ولا تعذّري لها، ألقي اللوم على نفسك هذه المرة، واتركي الشماعات. فالكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اعطى نفسه هواها وتمنى على الله الاماني . وضعك اسوأ حتى ممن يتمنى الأماني، لأنه يحسن الظن بالله، بينما أنت سيئة الظن به.

أنا لم أتغير إلا بعد أن صفعت نفسي بيدي، وقلت لنفسي : لست كل شيء ، أنت مخلوق ولست خالق، الجمال في النظام والارتباط وليس في التوحش والتفرد والانفصال. قفي امام المرآة واصفعي نفسك وفوقي من مخدر الذات ، الذي هو وسيلة الشيطان المتكبر على ربه وهو إمام المتكبرين. الأناني يتعاطى ذاته كمخدّر ، ويقيس كل شيء على مقدار قربه أو بعده من ذاته، الأنانية المفرطة تؤدي إلى الإلحاد وعبادة الذات. ارتبطي بالحقيقة ولا تربطي الحقيقة بذاتك، أنتي إما ان تكوني تابعة أو متبوعة، هذا هو نظام الكون، فهل يصلح أن تكوني متبوعة ومركز الكون وتسبح المجرات بحمدك؟ طبعا لا، اذن ادخلي في البرنامج ولا تقفي كالمسمار في المدار.

انا اعلم اني على باطل وربما لو مت وانا بهذه العقيده اكن من اصحاب الجحيم لكن ماذا افعل كي اتخلص من الكبر؟
ماذا افعل كي اقتنع وارضى بكل ماحدث وكل ماسيحدث لي وكل ما آلت اليه الامور وماستؤول اليه؟

انا اريد حلول نفسيه او عمليه او اي حل كي يخلصني من الكبر وليس فقط تشخيص لحالتي
انا اريد التغيير اريد ان اكون كما يريد الله لكن كيف لم استطيع دائما عندما ادعوه او اصلي اشعر انه لا يستحق ان اعبده لأنه تركني في عز حاجتي ربما او لا اعلم

مادام أنه تركك هو الآن فعل ذنب بالنسبة لملكوتك وأخطأ بحق جلالتك ! هل هذا الكلام يقوله أحد يفرق بين نفسه وبين الله ؟؟!
لا أحد يستطيع أن يقدم لك شيئا ما دمتي لا تريدين أن تغيري شيئا من الداخل وتريدين التغيير من الخارج، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، لا حلَّ لك أبدا إلا أن تُسلمي لله من جديد وتدخلي في مغامرة ايمانية دافعها المحبة وليس المصلحة فقط ، إرضِ أن تكوني عبدة لله وحده وأخرجي نفسك من الحِسْبة ، بعبارة أخرى : عليك أن ترضي بالمصيبة التي حصلت لك وتحمدي الله عليها ، هذا أول شي يجب أن تفعليه وقولي : أشكر الله على ما حصل لي لأنه يعلم مصلحتي أكثر مني ، لأن ما حصل هو الذي حركّكِ لهذه التساؤلات والبحث ، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون .

لكن صدقني صدقني اريد ان اتغير ولا اعلم كيف ولا اعلم لم انا كذلك وكيف اتغير
هل لو حاولت وعبدت الله كثيرا وذكرته كثيرا اتخلص من حالتي؟

لا ، لابد أن تغيري ما بنفسك أولاً ، أجعلي دعائك العريض المبني على مصلحة إلى ما بعد إصلاح نفسك من الداخل والصراحة مع الذات و إعلان تجديدك لإسلامك بمعنى الكلمة ، أي تسليم المحيا والممات والنسك لله ، أي كل شي لله . أنتي تتخذين من دعائك مهرباً وشماعة، كأنك تقولين : يجب أن يغيرني الله وليس أنا، وعليه أن يتقبلني حتى أتقبله ! أي ليس لك شيء إلا ما أعطاك الله، مثل العبد مع سيده تماما، هل تقبلين ؟ إذاً ستدخلين عالم السعادة في الدنيا والآخرة ، أطلبي الحق تأتيك السعادة ، واطلبي السعادة يأتيك الشقاء . المطلوبات تأتي من ضد المرغوبات .

ام ان الموضوع تغيير افكار ليس الا؟ لأني حاولت تغيير افكاري لكن لم استطيع حتى عندما استعيذ من الشيطان هي لحظات ثم يأتيني هذا التفكير
صدقني واقسم بالله اني اريد ان اكون كما يريد الله وكما يحب اتمنى ان اكون مؤمنه مطمئنه بالله ولا تجد الراحه الا بالله فقط واريد الشعور بالرضا بدون مقارنه مع الغير لكن كبري وغروري هو مايقف حائلا بيني وبينه سبحانه

إذاً أنتِ شخّصتِ المشكلة مثلما شخصتـُها تماما ، فقلتي نفسي .. إذاً غيّري نفسك من نفسك وليس من ربك .. نظرتك لنفسك غير صحيحة ، ما بنفسك عن نفسك يحتاج إلى تغيير، إذا تواضعتي وعرفتي قدر نفسك سوف تدخلين في عالم الفهم، لأنه لا يتعلم مغرور ولا متكبر ، كل الحكماء في العالم متواضعون . التكبر حالة جنون شيطانية بعيدة عن الواقع ، كونك متكبرة يعني انك معجبة بنفسك وهذا الإعجاب لا محل له ، على الاقل بالنسبة لي مع احترامي لشخصك ونظرتك لنفسك ، أرجو أن تفيقي ، وهذه القسوة لأجلك ، المغرور يرى في نفسه مالا يراه الناس ، ولهذا يعاني من إهمال الآخرين له لأنه يريدهم أن يروه كما يرى نفسه ، 

بالرغم ان هناك امور امتنع عنها من اجله ولا اظلم احدا وادافع عن المظلومين وكلها لأجل الله ولهدف رضاه

أنتِ ظلمتِ نفسك وظلمتِ حق الله ،وإنقاص قدر الله ليس عدل، وتكبير قدر نفسك ليس عدل ، إذا أنت مازلتِ في الظلم ، والله يقول ( ان الله لا يحب الظالمين ) أي الظلم لا يرضاه لأي أحد وُجِّه له، حتى للنفس ، إذا ما بنفسك يحتاج إلى إصلاح .

لكن عند العبادات والدعاء يأتيني هذا الشعور والكبر ولا اعلم كيف اتخلص من هذه النفسيه

لأنك جعلتِ الدعاء شماعة ، أنت تختبرين الله بالدعاء هل يجيب أو لا ، وهذا غير أخلاقي مع الله ، المفروض أن تتوجهي لنفسك وتحاسبيها لا أن تحاسبي الله .

ونسيت ان اضيف اني احيانا اذا قرأت لملحد او شاهدت مشهدا في فيلم للبطل يشتكي بحزن والم عن ان الله تخلى عنه وانه لم يعد يؤمن اتعاطف معه و ابكي بألم وحرقه

مفاهيمك غير منطقية ، وأخذتيها من الملاحدة مع الله ، وكأن الله تعهد لك أن يجعل الدنيا جنة ولم ينفذ ، لاحظي انك لم تتكلمي عن الآخرة وكل كلامك عن الدنيا ، وتريدين عطائه بالدنيا، وهذه نظرة علمانية، الله أوجدنا في الحياة لا ليدلّعنا لكن ليختبرنا، والحياة الحقيقية والدائمة في الآخرة وليس في الدنيا الزائلة سريعا ( وركزي على هذه الفكرة في ذهنك ) ، أنتِ في قاعة امتحان ولستِ في فندق 5 نجوم ، قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فإذا أصابتنا مصيبة أو لم يستجب لدعائنا لا نحنق ونغضب على الله ، بل نعرف أن هذا اختبارٌ جديد في الصبر ونحمد الله على طول الخط ،لأن اختبارات الخير والشر هي لأجلنا وأجل نجاتنا، والمشكلات والمصائب في داخلها نِعَم توقظنا من الغفلة . أنظري إلى الحياة كامتحانات لا كهدايا فتنحل مشكلتك ، ممكن أن الله يسلط علينا شيئا يضرنا ليختبرنا، مثلما يصعب المعلم الأسئلة أحيانا ليختبرنا، لا ليضرنا، وليصقل مهاراتنا .
أنتِ تحت تأثير مفهوم غربي مسيحي عن الله والحياة مخلوطة بنكهة إلحادية ، فهم ينظرون إلى الله أباً عطوفا عليهم لا يريد اختبارهم ، بل يكتفي بإيمانهم بيسوع ابنه كمخلص ، أي يخلصهم من الاختبار ويحمل عنهم ذنوبهم ،لهذا يحق للمسيحي أن يلحد إذا لم يستجب له أبوه الذي في السماء ولم يدلّعه ، أما المسلم فالمصائب تزيده إيماناً، ومثلها النِّعَم، ويقول كلٌ من عند ربنا ، وعدم الاستجابة تزيده إيمانا وصبرا ، لأنه يعرف أنه في قاعة امتحان ، وليس هو من يتحكم بالأسئلة والاختبارات . هدف المسلم أن يكون على صواب، سواء في الامتحانات السهلة أو في الامتحانات الصعبة ( و نبلوكم بالشر والخير فتنة ) نبلوكم يعني نختبركم ، البلاء هو الامتحان وليس الشر كما يفهم الكثير . كل موقف يمر علينا لنا فيه موقفان : حسن و سيء ، ونحن أحرار في الاختيار . إذا الله يختبرنا إن أعطانا وإن منعنا ، إن أكرمنا وإن قدّر علينا رزقنا ، فإذا أكثر لنا الرزق لا يعني هذا أنه أحبنا ، وإذا منع عنا ولم يستجب لا يعني أنه يكرهنا ، بل يعني أنه يختبرنا في كلا الحالتين وسوف يستمر الاختبار حتى الموت لنجد النتائج في الآخرة معلنة ، هذا المفهوم الإسلامي أنتِ محتاجة له لأنك متأثرة بالمفهوم المسيحي من خلال أفلام وأفكار الغرب .

وأتمنى من الله لك العون فيما إن صدقتي النية معه.