السبت، 18 أكتوبر 2014

كيف تكونت عقلية البداوة القديمة ..


البداوة بنت الطبيعة في الصحراء، والتشابه يكاد يكون واضحا بين سلوك المجموعة البشرية وسلوك قطعان الذئاب. وليس بالغريب ان يسموا ابناءهم بأسماء الحيوانات المفترسة كصقر وذئب وفهد وكلب وكليب ونمر وعقاب. وقلما يسمون بأسماء الحيوانات المفيدة لهم كالجمال والخيول، مما يدل على انهم اختاروا هذا النوع من الطبيعة ليحاكوه، فالصحراء قاسية ولا ترحم الضعفاء..

لاحظ التشابه في سلوك المعركة ، في الهجوم الجماعي والانسحاب الجماعي، وقلما تكون المعركة دامية وطويلة، بل تحصل الهزيمة والانسحاب بسرعة، من خلال مواجهات سريعة وخاطفة و من الاصابات الاولى يبدأ التفكير بالانسحاب. ولا يجدون عارا كبيرا في الانسحاب، ولا يعني انسحابه انه لن يعود للمواجهة وبدء غارات جديدة، وهذا مثل سلوك الذئاب تماما، فهي تغير أحيانا ثم تنهزم لوجود مقاومة مثلا، ثم تعود مرة أخرى في ظرف آخر.

ولا يجدون عارا في مدح قوة خصمهم والاعتراف له بذلك، تماما كما يفعل الذئب المهزوم للمنتصر، فهو يقر له ويذعن، ويضع ذيله بين قدميه كعلامة خضوع. بينما معارك أهل المدن والحضارات دامية و تخريبية وثقيلة، لأنها تدعمها ايديولوجيات وأديان. ومعارك البادية كر وفر، نفس اسلوب الحيوانات البرية. ايضا التعامل على مبدأ العقاب بإراقة الدم، فليس لديهم سجن او جلد او غرامات مادية، إنما دم أو إبعاد عن القطيع. فالعار يُغسل بالدم، وحتى الاهانة القولية تغسل بالدم، مثل ما هو العقاب في قطيع الذئاب اذا اخطأ أحدهم، يكون بالعض والدم.

كذلك الهجرة والتنقل ، فالبدو يرتحلون كقطعان الذئاب المهاجرة. كما أن التفاهم ايضا يكون من خلال القوة، فالمعارضة تعني استخدام القوة، وتجد ضعف لغة الحوار أو ايجاد حل من خلال الحوار، فالحل دائما هو القوة. لهذا يعاب على الشخص السلمي داخل المجموعة، فيوصف بالتخاذل والجبن. وهذا لا ينطبق على العموم بالطبع، الكلام هنا عن روح البداوة نفسها، وإلا ففيهم متعلمون وحكماء ودعاة اصلاح وسلام، ويعملون اكثرهم في تربية الحيوان ويعرفون امراضها ويعرفون النجوم والمواسم والأدب والشعر وغيرها ، لكن الكلام هنا هو عن أصل وروح البداوة.

وتحركات البدو في الصحراء على شكل مجموعات صغيرة العدد، وكأنها قطيع من الذئاب. أيضا نفورهم من حياة العمل وإقبالهم على حياة القتال، تشبه حياة الذئاب، ويعتبرون الكسب الشريف من خلال القتال وليس العمل. لهذا الاختلاف في الرأي يشكل مشكلة كبيرة لدى العقلية البدوية، لأن الخلاف يقتضي حلول قاسية قد لا يحبها او لا يستطيعها. وهذا سبب ضعفا في روح الحوار وضعفا في تحمل الرأي الآخر .. والعقوبات الصغيرة لا قيمة لها عندهم. بل تكون محل استهزاء وسخرية. فحتى يحس أنه اخذ حقه يؤكد ذلك بإسالة الدم، وإسالة الدم لها رمزية وقيمة على قدر كثرة الإسالة، بالطريقتين ، سواء دم الاعداء أو دم الذبائح للكرم، ترتفع قيمة الفرد، فالذي يسيل دما اكثر هو الافضل، وكأنه هو الذئب الأشرس. بغض النظر عن موضوع الظلم والعدل. وأحيانا لا يجتمع الدمان في واحد دائما، فتجد أحدا مشهورا بدم الكرم، والآخر مشهور بدم الشجاعة، وهو فارس القبيلة. واجتماع الاثنتين يعني مرتبة عليا.

فالقيمة للقوة بحد ذاتها، سواء كانت تلك الدماء على عدل ام ظلم، لا يهم، بل احيانا تعجبهم دماء الظلم، كما هو عند الذئاب، فهي لا تسأل هل ضحيتها مظلومة أم لا.

وحتى طبيعة موسيقاهم من نفس مقامات عواء الذئاب ، وصوت الربابة يشبه الى حد ما صوت الذئب.

أيضا الصراع على القيادة والرغبة فيها من أوجه التشابه. والتمحور على قيمة الكرم والشجاعة عند البيئة البدوية، لكن لا تجد قيم بارزة مثل العلم والحكمة والمعرفة. ايضا دقة استعمال الحواس والنباهة ومعرفة الارض والدروب ومعرفة الاثر ودقة المراقبة لأي شخص جديد يمر على المكان .. و هم يتفاخرون بصفات الحيوانات المفترسة، فاذا اعجبهم شخص قالوا انه ذئب. ومن هنا التعبير عن الرأي لا يعتبر مجدي ما لم تصحبه قوة، ومن هنا تكثر المجاملات كما لاحظ بعض المستشرقين خوفا من الاختلاف الذي يقتضي التصادم و العنف. وطبيعة تعاملهم مع من يقف في وجوههم إما خضوع كامل او سحق كامل. كما تفعل الذئاب.

ايضا يوجد عندهم حب التنافس، فأي أحد يستطيع أن يدخلهم في منافسة كرم او شجاعة أو غيره، بل قامت حروب بسبب استفزاز للتنافس. وهذا نابع من طلب الافضل وروح الفردية. ايضا صعوبة تقبل حياة النظام، والملل والتذمر الشديد من الانتظار، يدل على أساس الحرية في الصحراء، فالأصل انه لا شيء يوقف التحرك.

الواضح هو أن البشر قلدوا اسلوب حياة الحيوان، لأنهم رأوها هي الاقوى، و واضح هذا من قبولهم وإعجابهم بصفاتها وتسمية ابناءهم باسماءها، فهم لا يسمون ابناءهم بالحشرات والحيوانات المسالمة إلا من باب الازدراء والتندر. وهذا بالطبع ليس دليلا على صحة نظرية التطور، لأن الانسان مخلوق نباتي أصلا، وهذه الحيوانات آكلة لحوم ومهيأة جسديا بأسلحة طبيعية لا يملكها الانسان. والإنسان يتعلم من الطبيعة، مثلما تعلم الطيران من الطيور والغوص من الاسماك، كذلك من عاشوا في الصحراء تعلموا من الذئاب.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق