الأحد، 20 أغسطس 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 11


 
(الدقيقة : 3 الثانية : 30) يذكر الدكتور مسألة التوزيع الجغرافي للكائنات الحية، والذي كتب داروين بخصوصه التالي : (أي شخص حين يلاحظ هذا التوزيع الجغرافي للحيوانات والنباتات في البيئات المختلفة، لا بد أن يكون مذهولاً من أنماط الأشكال المتماثلة التي تحتشد في أماكن بعينها). أي : لماذا توجد هذه الأشكال والأنواع في هذا المكان دون بقية الأماكن على وجه الأرض؟ ويضرب داروين امثلة عديدة، منها : أنواع عديدة من الزيبرا (الحمار الوحشي) توجد في أفريقيا، وأفريقيا وحدها، ولا توجد في مكان آخر. وقردة العالم القديم سفلية المنخرين توجد فقط في شرق الأطلسي، وقردة العالم الجديد علوية المنخرين توجد فقط غرب الاطلسي. ويذكر داروين أنه في البيئات التي ظروفها مناسبة لكائن حي لكنه غير موجود فيها، نجد كائنا آخر يحل محله، فالبيئة التي ظروفها تسمح بوجود الليمور ولكنه غير موجود، نجد فيها نوعاً آخر من القرود، و في البيئات التي ظروفها تسمح بوجود طيور الطوقان لكنها غير موجودة، نجد فيها طيور أبو قرن. ويقول الدكتور انه لو كانت نظرية الخلق الخاص تفسِّر، فقد يكون من المناسب أن الله تبارك وتعالى يبث هذه المخلوقات في كل مكان في الارض، لكي تكون آية على قدرته وبداعته وصنعته لكل البشر الموجودين في كل مكان في الارض، أما ان يكون الحمار الوحشي فقط موجود في افريقيا وافريقيا وحدها ! وليس في غير افريقيا، فهذا يبعث على الذهول والتساؤل.

الرد : الله وضع مخلوقاته في بيئات, تجد نباتات في أفريقيا لا تجدها إلا فيها, وهذا له حكمة, ولو كانت الأرض متماثلة لما سافر أحد ولما قامت تجارة ولما تواصلت الأمم ولما انتشر أي دين, فالله الذي وضع هذه الأنواع الغريبة والنادرة بالنسبة لمن يشاهدها والمأهولة والمعروفة عند من يعيش في أرضها, هذا يحرك التجارة والتواصل بين الأمم ومن خلال البحار أيضا التي هي شبكة طرق واسعة توصل بين القارات والجزر، لهذا قال تعالى :{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق}, وهي مصدر للدخل والثروة, لكن لو كانت موجودة في كل مكان في العالم لما استفاد أحد منها, ولكان عالَما مُمِلا. إن ما يشوّق الإنسان للسياحة والسفر هو هذه الانواع الغريبة, سواء من تضاريس أو نباتات أو حيوانات, فيجد أشياء لم يشاهدها من قبل ولم يتعود عليها, لهذا يقول الله {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}, فهذه مغريات للتدافع والحركة.

داروين يقول أنه لا يوجد تفسير ديني لهذه الظاهرة, لكن نحن كمؤمنين نجد لها تفسيرا منطقيا جدا, أما أن تكون بالتطور العشوائي من خلال صدف عمياء فهذه فكرة غير قابلة للعقل وتنقض نفسها بنفسها, لو كانت البيئة هي التي تتحكم لجعلت نفس الأحياء في نفس البيئات المناسبة, فلا تترك البيئة حيوانا دون أن تضغط عليه ليتطور ويكون مناسبا لها.

وإذن كان الأولى أن يكون الأكثر عددا هو الأكثر تطورا, وبالتالي تكون فصائل النمل أو النحل أو البكتيريا أكثر تطورا وأكثر تنوعا من فصائل الحمير أو الخيول أو الأغنام, لكن هذا ليس حاصلاً وليس هو الموجود في الواقع, خذ النمل السليماني مثلاً، تجده نوعاً واحداً بينما أعداده بالتريليونات و في قارات مختلفة من العالم وتعاقب الأجيال فيها قصير, هل معنى هذا ان النمل صالح لكل بيئة بينما حمار الوحش لا يصلح إلا لبيئة افريقيا؟ إذن منطقيا يجب أن تكون أنواع هذا النمل أكثر بكثير مما هي عليه الآن, لو كان هناك تطور وطفرات مفيدة. والطيور تنتقل وتسافر، لذا من المفترض أن تتطور أكثر من غيرها وتحوي أنواعا أكثر لأنها تتعرض لظروف أكثر مما يتعرض لها من هو مقيمٌ في مكانه, ومع ذلك تجد أنواعها ثابتة ومحدودة.

لماذا نجد هذه الاختلافات في الحيوان؟ الجواب أن لهذا علاقة مباشرة بالإنسان, فكل الأحياء القريبة من الإنسان هي الأكثر تنوّعا, فالإنسان لن يسافر لأجل نوع نادر من النمل, لكنه سيسافر لأجل نوع من الغزلان أو من الخيول, فهذه نعمة للبشر. هذا نفس منطق توزيع المعادن والبترول على الأرض ونفس منطق توزيع التضاريس, لماذا الماس موجود فقط في أفريقيا وليس موجوداً في العراق أو في اليمن؟ لماذا البترول في هذه المواضع من العالم فقط؟ ونفس هذه الأسئلة : لماذا حمار الوحش موجود في أفريقيا؟ ففي أفريقيا الكثير من الأشياء الأخرى التي لا توجد إلا في أفريقيا, فعلى من يسأل هذا السؤال أن يوسّع مداركه ولا يتوقف عند الحيوانات فقط. هذه ظاهرة ليست حكرا على الأحياء حتى تـُفسَّر بنظرية بيولوجية.

إذا كان حمار الوحش نتيجة للتطور في أفريقيا، فوجود الماس فيها أو أكثر من غيرها أيضا : هل هو بسبب التطور؟ الاختلاف هو من سنن الله، ومن عدالة الله، ومن آيات الله، فكثيرا ما يربط الله في القرآن بين الآيات والاختلاف وليس التشابه، فالتشابه لا يقدّم آيات، بل الاختلاف هو ما يقدم آيات، والإبداع هو في الاختلاف، والجديد مختلف. إذن هذه الظاهرة مع الله ووجوده وليست ضد الله كما تخيّل داروين بعقليته الملحدة التي تريد أن تُعاجِز الله في خلقه، والله غالب على أمره. الله في القرآن يتكلم عن الاختلاف ويقدّمه كآيات تدل على وجوده وليست تنفي وجوده كما يتخيل داروين : كاختلاف ألوان الجبال، واختلاف الليل والنهار، واختلاف ألسنتكم وألوانكم. لهذا دائما العقلية الملحدة تعتمد على التشابه، لأن التشابه يقتضي المرجعية المشتركة، فهذا يشبه هذا : اذن هما أبناء جد واحد! عقلية التشابه تفضي إلى الإلحاد، فنظرية التطور أرادت أن تجعل كل الكائنات متشابهة، وفرحت بتشابه الأجنة في مراحلها الأولى، فيقولون لك : انظر : هذه خلية أسد وخلية إنسان وخلية فأر! متشابهات! إذن أصلهم واحد ونشأوا من خلية واحدة ومن خلال التطور ظهرت الأنواع، وأن القرد يشبه الإنسان إذن أصلهما واحد! والحمار يشبه الحصان إذن أصلهما واحد! وهكذا، مع أنهم لم يقولوا أن القرد يختلف عن الإنسان، مع أن التشابه والاختلاف بينهما موجودان، والاختلاف أكثر من التشابه، لكن العاقل ينطلق من الاختلاف وليس من التشابه، فالتشابه يدمج المختلفَين بشكل متقارب، إذ عند تقريبهما لبعض لا تعرف الفرق بينهما، بينما العالِم هو من يرى الاختلافات، والجاهل هو من يرى التشابهات، والعلم ينطلق من الاختلافات وليس من التشابهات، لكن الدراونة عكسوا ونكّسوا رأس العلم من دراسة الاختلافات إلى دراسة التشابهات.

توأمان يراهم كل الناس أنهما متشابهان، لكن أمهما تعرف أن هذا محمود وهذا حامد، أي تعرف الفرق والاختلاف بينهما، إذن هي عالمة بهما أكثر من بقية الناس الذين يعرفون تشابههما. قالوا (إن البقر تشابه علينا) فحتى البقر يمكن أن يتشابه! الجاهل بالناس يراهم متشابهين، لكن من يعرفهم واحدا واحدا يدرك الاختلافات بينهم. حتى الأرض من يجهلها يراها نفس بعضها، فكلها تلال متشابهة، بينما ابن الأرض هو من يدرك الاختلافات والفروق، وكذلك البحار، والطبيب الجاهل لا يعرف الفرق بين الأمراض، بينما الطبيب العالم يعرف الفرق بين الأمراض. العارف هو من يعرف الاختلافات. إذا كان الدين أصبح متشابها والناس متشابهين والأفكار متشابهة، ماذا يكون حالك؟ ستكون أبعد ما تكون عن المعرفة. العاقل هو من يميّز الاختلافات. معرفة الاختلافات نحتاجها أكثر من معرفة التشابهات (قانون). ألا ترى شعار (احذروا التقليد) التجاري؟ أي احذروا المنتج المُقلَّد، وإن كنت أفهمها وأنا صغير : إحذر أن تقلِّد منتجنا. المفترض أن يكتبوا (إحذروا المقلَّد) أدق من (إحذروا التقليد) .. أي لا تعتمدوا على التشابه، بل على الاختلاف، لان التشابه ينتج جهل. والاختلاف هو فَرْقُ العلم، الناس يرون الأشياء كلها مسطحة مثل بعضها، بينما العالِم بالاختلافات يعرف أكثر، لماذا سجد سحرة فرعون لموسى؟ لأنهم عرفوا أن معجزته مختلفة عن حيلهم وسحرهم، بينما عند فرعون وملأه يرون كليهما سحراً، إذن العاقل هو من يفرّق وليس من يدمِج ويُشابه أو ينطلق من التشابه.. الأشياء المتشابهة من السهل استخراجها، بينما الاختلافات فيها صعوبة، في صفحة التسالي بالمجلات ، يضعون مسابقة أوجد الفروقات السبع وليس التشابهات السبع.

القرآن يدلّل على آيات الله بالاختلاف وليس بالتشابه، لأن الاختلاف هو ما يشغل العقل ويجذب التمييز، لهذا أصحاب العقول التي يعتمدون عليها يجدون مُتعاً لا يجدها العوام، لأنهم يرون الاختلافات، بينما العوام يستمتعون بالتشابه. قال تعالى (لتعارفوا)، فالتعارف لا يأتي إلا بالاختلاف، فلو تشابه الناس 100% لما تعارفوا. الله يسمي الجهل تشابها (إن البقر تشابه علينا) أي لا ندري ما البقرة التي تقصدها، فالجهل بالشيء اسماه القرآن تشابها، وهذا من الإعجاز اللغوي في القرآن. قال تعالى (فيتّبعون ما تشابه منه) أي ما جَهُل مقصوده أو احتمل عدة احتمالات، لابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، تماما كما تفعل نظرية التطور، لابتغاء الفتنة والالحاد وابتغاء تأويله، فبما أن القرد يشبه الإنسان فهما ذا أصل واحد وانتهى الأمر، بينما الفروق هائلة جدا بين القرد والإنسان ولا لها قيمة عندهم، من يتبع التشابه فسوف يوقفه على الجهل (قانون). فكرة العنصرية مبنية على التشابه والجهل، لأنها قائمة على التعميم، والتعميم قائم على التشابه، وهكذا كل معرفة تأتي عن طريق التشابه هي شبهة، ولماذا سميت الشبهة شبهة؟ بسبب التشابه.

لاحظ البترول أكثر ما يوجد في صحارى قاحلة، هذا الذهب الأسود، بينما لا يوجد في اوروبا والهند الخصيبتان، انها نعمة التسخير والعدالة، فلماذا فقط يقف داروين وغيره عند اختلاف توزيع الحيوانات؟ كل شيء فيه اختلاف وتوزيع. والندرة تعطي قيمة إضافية للشيء، وهذا شيء معروف،

وانعزال التجمعات البشرية أنتج حضارات وثقافات مختلفة تستلفت الانتباه وتحرك التجارة والسياحة, حتى ينتشر بينهم الدين الإلهي. وانظر في الإسلام مثلا : ثلاثة أرباع المسلمين دخلوا الإسلام عن طريق التجارة, ولماذا التجارة؟ لوجود نباتات وحيوانات وموارد طبيعية مختلفة عن الموجود في بلادهم، فتمّت التجارة واستحق الأمر المغامرة. إذن كلام داروين خطأ عندما قال أن الدين يعجز أن يفسر لماذا توجد حيوانات في منطقة ولا توجد في أخرى مع أنها تشبهها في المناخ.

داروين يقول أن اختلاف الأحياء الموجودة في بيئات معينة عن أحياء أخرى في بيئات مشابهة لتلك البيئات هو دليل على صحة نظريته، تبعا لفكرته عن الانعزال والانتواع, وبنفس الوقت يقول أن تشابه الأحياء في البيئات المختلفة دليل على صحة نظريته بأن الأحياء من أصل واحد! كيف يكون الشيء ونقيضه دليلان على صحة نظرية واحدة؟ لو سألته عن القردة علوية المنخرين لماذا هي فقط غرب الأطلسي، لقال أنها انعزلت وتطورت, لكن لماذا الخيول في أمريكا تشابه الخيول الأخرى؟ سيقول أنها باقية على الأصل! إذن لم يعد الانعزال في أمريكا ذا قيمة بالنسبة للخيول، ولا للبعوض ولا للنمل ولا للنحل، لكن بالنسبة للقردة علوية المنخرين هو كل القيمة! كيف يكون الشيء له قيمة وليس له قيمة بنفس الوقت؟ هذه عقلية الاجتزاء، المفترض أن كل الأحياء في غرب الاطلسي تختلف تماما عن غيرها، لأنها منعزلة، وقوانين البيئة صارمة كما يقول. وهنا نقطة : أن مثل هذه الحشرات لا داعي لأن تختلف، لأن الانسان لا يعبأ بها ولا يستفيد من اختلافها، لكن القردة والحيوانات الكبيرة تشكل قيمة عند الانسان ثقافية وتجارية ووظيفتها الطبيعية واحدة. اذن كل شيء مسخر للإنسان، من خلال أدلة داروين نفسه. قال تعالى (سخّر لكم ما في السموات والارض جميعا منه). بالتالي نظريته يجب أن تكون صحيحة سواء اختلفت الأحياء بسبب الانعزال أو لم تختلف بسبب الأصل الواحد! إذن هي نظرية لم تقم على الأدلة، بل قامت على انتقاء الأدلة, وبينهما فرق.

وما مدى دقة داروين واحاطته بهذه الاحكام التي تشبه الجزاف عندما يقول ان في البيئة التي تصلح لكائن معين ولكن لا نجده فيها نجد فيها كائنا آخرً يحل محله؟ ثم كيف عرف ما لم تعرفه البيئة أنها تصلح لفلان ولكن سكن فيها علان؟ اذن البيئة تصلح للطوقان وتصلح لابي قرن، اذن لا يوجد حدود بيئية ضاغطة ومستحكمة كما يحب أن يصوّر لنا، وإلا لما عاش فيها أبو قرن بدلا من الطوقان. اذن هو وقع في نقض كلامه السابق في استحكام البيئة وشروطها. داروين ينقض نفسه بنفسه لكي يثبت ان أبا قرن متطور عن طوقان. ربما قصد داروين بهذا التساؤل أن يحرج الكهنوت الديني المسيحي الذي يقتضي بالمساواة بين المتماثلين، وأيضا قصد أن يعزز نظرية التطور بحيث تفترض أن ابا قرن تطور من الطوقان، لكنه افلت من شرطه باستحكام البيئة، لأن بيئة الطوقان عاش فيها كائن غير الطوقان ولم يعش فيها الطوقان، فأين الإغلاق؟ داروين أصبح مثل من يريد أن يمسك عتبتين من السلم بيديه فإذا بها تنكسر العتبة الثالثة التي يقف عليها أصلا .

(الدقيقة : 15) يذكر الدكتور انه بعد نشر أصل الأنواع بسنتين او ثلاث سنوات، ولحسن الحظ ، يشتري خصم داروين اللدود ريتشارد أوين مدير المتحف الطبيعي، احفورة، بمبلغ كبير من المال، وتعتبر من أنفس مقتنيات المتحف، وهي احفورة الزاحف-الطائر : الأركيوبتركس.

الرد : كيف يكون ريتشارد أوين عدو للنظرية وهو من أسس متحف التاريخ الطبيعي وأثبت وجود الديناصورات واشترى الأحفورة التي تمثـّل حلقة داروين المفقودة التي كان يحتاجها كثيرا في هذا الوقت، والتي ظهرت فجأة بعد نشر كتاب داروين بسنتين او ثلاث! هذا صديق في ثياب عدو وليس عدوٌ في ثياب صديق!

ألم يقف الشيخ الدكتور عند نقطة حماس الملاحدة لهذه النظرية ويجعله ذلك يتشكك بها وبأحافيرها ولو قليلا؟ إنها نظرية ليست بين علماء فقط, إنها داخلة في صراع اجتماعي بين مؤمنين وملاحدة, وهذا يفتح باب التزوير والأكاذيب, ونحن مؤمنون ومأمورون بالتثبت, و وجود فئة اجتماعية كبيرة متحمسة لدرجة التزوير في مجال علمي بحت، هذا يطرح بظلال الشك على كل ما يقدمونه.

(الدقيقة : 21 الثانية : 10) يذكر الدكتور ما استدل به داروين على نظريته من علم الأجنة، حيث تسائل داروين : (لماذا جنين الإنسان في مرحلة معينة من تطوره الجنيني يشبه أجنة كائنات حية أخرى، أقصد جنين الزواحف؟) ويذكر الدكتور أن التطوري الملحد الألماني ارنست هيكل قد وضع رسوما للأجنة فيها بعض المبالغة. وذكر الدكتور أن هذا شيء لم يبتدعه داروين، فهذا شيء معروف، ويسمى ما يحدث للجنين بنظرية التلخيص، اذ يُبرز الجنين في احد مراحل نموه الجنيني ما يشبه الشقوق والخياشيم، وكأنه جنين سمكة، ثم تزول. وهذا فحوى نظرية التلخيص، كأن الجنين وهو يعبر هذه المراحل يعيد التذكير بأسلافه القدماء.

الرد : هذا تطبيق على فكرة التشابه المنتج للجهل. ويقول الدكتور عن إرنست هيكل الملحد أنه رسم الأجنة "مع بعض المبالغة", مع أن هيكل زوّرها واعترف هو بتزويره وتعريفه مسجّل! ولم يكتف بالاعتراف على نفسه، بل اعترف على غيره، وأستغربَ هو نفسه من هذه الضجة عليه لوحده دون بقية التطوريين المزوّرين الآخرين! فهُم إلى الآن يزوّرون, بل صار صنع الأحافير صنعة و تجارة رائجة، لأنه لا يمكن الاستدلال على عدم صحتها إلا من بعض الأخطاء التي يقع فيها الصانع, فإذا كانت صنعة المثّال ممتازة بدون أخطاء فهذا يعني أنه نجح في تغيير التاريخ العلمي! إذن العلم متوقف على براعة المزوّر ليس إلا. لهذا أقول أنه يجب أن يُبعَد موضوع الأحافير من البحث العلمي نهائيا اذا كنا نحترم العلم اكثر من الالحاد ويرجع لمكانه الطبيعي كعمل فني أو يُؤخذ من باب الاستئناس إذا اتفق مع ثوابت العلم، وليست كدليل علمي بحد ذاته يحرف مسار العلم بالكامل! لأنك بهذه الطريقة تعلّق مصير العلم على براعة مزوّر في عدم كشف تزويره! وذلك التزوير قد يضلل مسار العلم لسنين طويلة وتخسر البشرية الكثير، فكلما انحرف العلم خسرت البشرية الكثير. فالشيء الذي لا يمكن إثباته علميا يجب ألا يُتخذ كدليل علمي. يجب الحزم في مجال العلم حتى لا ينحرف إلى الخرافة. وحتى تصحيح جماعة من العلماء لأحفورة لا يكفي دليلا على صحتها، كل ما في الامر أنهم لم يجدوا ما يثبت التزوير، أي لم يجدوا أخطاء، وهذا الشيء يحدده براعة المزوّر كما قلنا، والعلم لا يقوم على طريقة اكتشاف أخطاء المزوّر، فإذا أمكن الإكتشاف فهي مزوّرة وإلا فهي صحيحة! وهذا هو واقعهم مع الأسف، وقد تأتي فترة لاحقة تتطور فيها أجهزة الكشف، فماذا سيكون موقفك وقد قلت أنها صحيحة 100% ؟ نفس ما حصل لاحفورة انسان بلتداون والدراسات والشهادات العلمية التي منحت عليها ولمدة خمسين سنة، وفي الاخير اكتشف انها احفورة مزورة. لهذا يجب على العلماء ان ينأوا بأنفسهم عن إقحام الاحافير في مجال العلم، وتكون فقط للإستئناس بها كأدلة إضافية وليست أساسية كما يفعل الدراونة، بسبب تكرر التزوير في هذا المجال وصعوبة اكتشافه. والعجيب أن الجيولوجيين التطوريين يقيسون عمر الصخور من عمر الاحافير فيها، ويقيس الاحيائيين التطوريين عمر الاحافير بعمر الصخور التي تحويها، أي بالعكس ، وبالمنطق الدائري. لهذا قد تختلف الارقام اختلافات هائلة مع أنهم علماء وكلهم يتمتعون بالدقة، ودعك من اختلاف الارقام.

والعجب العجاب انهم كلما طرحوا موضوعا وجدوا عليه احافير في الوقت المناسب والمكان المناسب ! إن من أصعب الاشياء أن تبحث عن شيء معين حتى ولو في بيتك، فما بالك أن تبحث عن شيء في خيالك ثم تجده في الواقع بعملية حفر بسيطة لا تتجاوز المترين؟ وقريبا من داروين، إما في بلتداون او في ألمانيا الجارة. لاحظ أن الأحافير المبكرة للديناصورات ظهرت قبل نشر كتاب داروين بفترة بسيطة وبعدها بفترة بسيطة، أي في الوقت الذي كانت النظرية فيه تختمر وتُجهّز، كانت الاحافير تجهّز ايضا، هذا الديناصور الذي لم يُكتشف عبر القرون الماضية، وفقط عندما كان كتاب داروين يعدّ للمطبعة ظهرت الاحافير! ثم كيف يقال أن جسم وعظام وشعر الماموث باقية بحفظ الثلج، بينما لو بحثنا عن قبور وعظام أهل المنطقة ستجدها متحللة لم يحفظها الثلج؟ مع أنها في عمر اقصر من عمر الماموث، لأنه توجد بكتريا محلِّلة تعيش في الثلج. فكرة الأحافير بحد ذاتها مضادة لقوانين التحلل في الطبيعة.

أما بخصوص نظرية التلخيص الجنيني، فالكلام عن الأجنة ونظرية التلخيص دليل سخيف, فقط لأن شكل الجنين البشري يشبه حيوانا معينا فصار هذا دليلاً على أن أصله كان حيوانا! أًصلا التحول المورفولوجي من شكل الخلية الملقحة إلى شكل الجنين متكامل النمو يتطلب المرور بأشكال هندسية يجب المرور بها من أجل الوصول للشكل المطلوب, فلن تتحول الخلية الملقحة إلى جنين متكامل فجأة, بل لا بد أن تزداد في الطول قليلا ثم تتقوس ثم تكبر من جهة الرأس وهكذا. والعمود الفقري لا بد ان يبنى دفعة واحدة لأنه خرزات مثل بعضه، وهو الهيكل الأساسي والعمود الفقري كما يسمى، فيكون على شكل ذنب. وحتى الزواحف يظهر عمودها الفقري أولا، لأنه سيبنى عليه الباقي. تماما مثلما تريد ان تصنع سيارة، فيُصنع الشاصيه أولا، والذي هو قضيبين معدنيين بطول السيارة، ثم تركّب عليه بقية قطع السيارة، لأنه هو الحامل لها. 

داروين ينظر للأجنة وهي في طور المضغة فيقول : انظر! إنها تتشابه! إذن نظرية التطور تحدث كل يوم! و كأن المرأة الحامل متحف للتاريخ الطبيعي متنقل! وهذا ما سمّوه بنظرية التلخيص. طبيعي أن تتشابه الأجنة في بداية تكوينها كما تراها العين، لأنك تحكم على المَبنى قبل أن يكتمل المخطط! وبالتالي كل البيوت تتشابه عندك في بداية تنفيذها، إذن هي تحمل نفس المخطط لكن طرأ التعديل عليها لاحقا، فما علاقة هذا بفكرة التطور؟ داروين يتصادم مع المنطق كثيرا دون أن يدري. وهكذا كل من يتبع التشابه، فالتشابه لا يؤدي إلى علم بل يؤدي الى جهل. في الحقيقة أن بيتي يختلف عن بيت جاري حتى وهو في مراحله الجنينية، لأن مخططي يختلف عن مخططه, لكننا نتشابه في مراحل التكوين الأولى, إذن وقعنا في مشكلة التشابه السطحية التي عودتنا نظرية التطور أن تنظر للأحياء من خلالها، مثلما عودتنا أن تنظر لتشابه الإنسان مع القرد. ومن يبني على تشابه يبني على الجهل.

(الدقيقة : 22 الثانية : 5) يذكر الدكتور أن التطوري الملحد ارنست هيكل عندما طرح السؤال : من أنا ؟ ومن أنت ايها الإنسان؟ أجاب : أنا قرد ، أنا تمساح ، أنا سمكة ، وأنا الخلية البدائية الأولى.

الرد : أنا قرد .. ثم أنا تمساح .. ثم أنا السمكة.. ثم أنا الخلية الأولى.. لم يبق إلا أن يكمل البقية : أنا قادم من لا شيء بصدف عمياء ولا يوجد إله! هذا معنى كلامي أن الإيمان بنظرية التطور هي نصف الإلحاد, لأنه لا يدفعك لأن تقول : سبحان الخالق، بل تقول : ما أعجب الصدف العمياء، وهذه كلمة ملحد. في كل مسلسل التطور هل تستطيع أن تقول : سبحان الخالق؟ إن قلتها فأنت غير منطقي مع نفسك, وأنت تؤمن أنها جاءت بأخطاء وصدف عمياء وانتخاب طبيعي. إذن متى نقول : سبحان الخالق، حسب نظرية الدكتور؟ فقط عند الخلية الأولى التي يؤمن بأن الله خلقها, وبعدها مفيش "سبحان الخالق" .. حتى خلق الإنسان لا فضل للإله فيه بموجب كلامه، لأنه لم يفعل شيئا، بل الانتخاب الطبيعي والصدف العمياء والأخطاء الجينية هي التي صنعت الإنسان كما هو الآن. إذن السؤال نوجهه للدكتور نفسه الآن : الله ماذا خلق؟ خلية أولى فقط؟ مثلما خلق البيضة الكونية الأولى فقط؟ هل في هذا تعظيم للخالق أم تقليل من شأنه؟ هذا ما يفعله الإيمان بالنظريات الملحدة الغربية : التقليل من شأن الخالق وتهيئة الإنسان للتخلي عنه, فيكون الله لم يخلق إلا بيضتين : البيضة الكونية الأولى، وبيضة الخلية الأولى! على المؤمن أن ينتبه ولا ينساق وراء نظرياتهم المؤدلجة والمغرضة لهدف الإلحاد. (وما قدروا الله حق قدره) (تبارك الله أحسن الخالقين).

الله يقول في القرآن : (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقال تعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير). والدكتور يقول أنه خلق بيضة أو خلية أولى ! إذن نظرية التطور ضد الإيمان وتسقطه وتنحي الخالق إلى مناطق لم تصلها نظرياتهم فقط. الإيمان بالداروينية يجعل إيمان المؤمن ضعيفا وهزيلا, وتُظهِر الله كأنه لم يفعل شيئا ذا بال, فالقارات هي التي نزحت بنفسها، بل الأرض هي التي تكونت بنفسها، والشموس تكونت من نفسها، والحياة تكونت من نفسها وتطورت من نفسها, ماذا بقي للإله؟ بقي له أصل البيضتين : بيضة الوجود وبيضة الحياة, بيضة الوجود هي تلك البيضة التي وزنها صفر وأنتجت هذا الانفجار الكبير, وبيضة الحياة هي تلك الخلية البسيطة التي خلقها الله ونشأت وترعرعت في مستنقع آسن وتعقّدت وتطورت ثم خرجت مقدمةً لنا كل هذه الضروب الهائلة من تنوع الحياة، منها ما يمشي على رجلين ومنها ما يمشي على أربع ومنها ما يطير ومنها ما يغوص في الماء. أي أن الله له الخلق البسيط ولغيره الخلق المعقد! تلك إذن قسمة ضيزى! هل هذا تكريم أم احتقار لله تعالى الله و جلّ قدره؟

الإيمان بالانتخاب الطبيعي نصف الوثنية، لأنه يجعل من الطبيعة والجمادات خالقة ومطوِّرة وهي التي نوّعت تلك الخلية البسيطة التي خلقها الله, وبالتالي الإيمان بالتطور نصف الشرك, لأنه ينسب الأجزاء المهمة في الخلق لغير الله من جمادات أو أحياء لا تضر ولا تنفع, وبالتالي الله له شريك بالخلق, بينما الله يقول {ألا له الخلق والأمر}، وهنا نصف شرك، لأنه تم اعطاء صفات الله لأحد آخر غيره مع إنكاره هو، وايضا فيه تكذيب لخبر القرآن أن الله هو الخلاق، ونظرية التطور لا تظهر أنه خلاّق، أي تنكر صفة الخلق وتكفرها. إذا كنت مؤمنا بالتطور فكل هذا الإبداع والجمال لم يخلقه الله، بل جاء بالصدف العمياء. وفي هذا تكذيب لخبر القرآن أنه وحده الخالق ولا شريك له ولم يذكر شريكا له في الخلق، لكن الإيمان بالتطور يفضي إلى الإيمان بشريك له عاقل أيضا هو الانتخاب الطبيعي، أي أن الطبيعة تعمل بدون أمر الله، لذلك هي تخطئ وتصيب وتـُفني ما لا يصلح وتـُبقي ما يصلح، وهكذا يظهر كأن الله يخطئ ويصيب في خلقه وليس أمره كن فيكون، أي كأنه يجرّب. ومن يجرّب ليس كامل العلم، تعالى الله.

نصوص القرآن كثيرة وواضحة جداً في نسبة الخلق إلى الله وحده, قال تعالى (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) وقال (ألا له الخلق والأمر) وقال (يخلق الله ما يشاء) وقال (هو الله الخالق البارئ المصور) وقال (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) وقال (إن ربك هو الخلاّق العليم) وقال تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء) وقال (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) وقال (أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل) وقال (قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى) وقال (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين) وغيرها كثير من الآيات التي تثبت ذلك. والتطور والانتخاب الطبيعي ضد هذه الفكرة القرآنية, فهل نؤمن بالقرآن أو نؤمن بداروين الملحد؟ هنا يجب أن نختار, وأن نُعمِل عقولنا ولا نقدّس أحدا ولا نثق بأي أحد حتى نتأكد بأنفسنا، لأن المسألة مسألة عقيدة.

اعتقاد تراجع الإله في الخلق و في التدبير يجعله متراجعا وبعيدا في التشريع و في الحضور, والبعيد لا يدري عن تفاصيل حياتنا، وبالتالي لا يوجد عقاب ولا ثواب, وهذا ما تريده الليبرالية والعلمانية, وهو إفساحٌ للظلم - حسب المصالح - أن يكون سيد الموقف وتتراجع الأخلاق مع تراجع الإله ويصير البقاء للأقوى حقا طبيعيا ويكون له الحق أن يظلم متى شاءت مصلحته دون أن يشعر بالذنب، والرأٍسمالية هي أقوى الجميع, لأن الإله غائب منذ ملايين السنين .. فهو فقط ألقى الخلية الأولى وغادر! وكأن الرسالة هي : "أبعد الله عن وجودك، لا يكن قيدا عليك، فهو غائب منذ ملايين السنين، والحياة تسير بآلية وتتنوع بآلية بعيدا عن الإله كما يقول داروين العظيم إلحاداً وليس علماً".

هذا يجعل المؤمن بالله والذي يمشي بتشريعه وكلامه يتحول إلى لاديني يؤمن بإله بعيد عن الأحياء والكون ولا يتابعه ولا يعرف عنه شيئا لأنه أعظم منه شأنا, وهكذا يخرج الإله من الساحة، وهذا ما يريده الملاحدة, فسواء آمنت بوجوده أو لم تؤمن فالمهم أن يخرج وأن يتحول المؤمن به إلى مؤمن لاديني أو ملحد, والثاني أفضل و في كلٍّ خير - حسبما يريدون - .

(الدقيقة : 29 الثانية : 20) يقدّم الدكتور تلخيصا لما تحدث عنه حول الاجنة، ويذكر أن داروين يقول أن الجنين هو الحيوان نفسه لكن في أقل حالة معدّلة له، وبعد ذلك يجري التعديل عليه، اذ أن التطور كما يعبر عنه داروين، هو الانحدار (انحدار السلالة) مع التعديلات، لذلك فالجنين في أقل حالة معدّلة له سيعيدنا إلى أصله القديم، بمعنى أننا سوف نرى تشابها بين أجنة الحيوانات المختلفة، فهي اذا كبرت ستختلف، ولكنها في هذا الطور لا تختلف، وهذا يعني التطور.

الرد : كلام داروين هذا يجعلك تقول أن كل النطف في الأحياء متشابهة ثم تبدأ تختلف عن بعضها, وهذا غير صحيح علميا, فجينات نطفة الإنسان ليست مثل جينات نطفة السمكة أو التمساح, إذن هي لا تتشابه إلا شكليا فقط, فخلية الإنسان الملقّحة فيها الإنسان نفسه وليس فيها سمك، لكنّه لم يُنفّذ و سوف ينفّذ بالتدريج, وخلية السمكة الملقحة فيها سمكة بتفاصيلها لكنها لم تنفذ بعد, وأثناء التحولات لا بد أن تمر بعدة أشكال لكي تصل إلى الشكل المطلوب, هذا يشبه من ينظر إلى كتابين على أنهما متشابهين شكلا، لكن المضمون مختلف. هذا منطق هندسي يوجد في كل شيء وليس فقط في الأجنة, فلو تريد أن تحني قضيبا حديديا لتجعل أطرافه تتلامس لا بد أن تمرّ بزاوية 45 درجة مثلا و تمر بزوايا كثيرة, وإلا فكيف ستصل إلى هذا الشكل؟ عند تشكيل أي شكل فأنت تُخرجه عن التشابه من شيء إلى شيء آخر في كل مرحلة, فلا بد في مراحل تكوين أي شكل أن يمر بحالة تشابه مع غيره, حتى لو تريد أن ترسم قطا مثلا ومن يراقبك يخمن ماذا تريد أن ترسم, أنت لن ترسم القط دفعة واحدة سترسم دائرة مثلا ثم تضع فيها عينان، وهذا الشكل يشبه كل الحيوانات وليس فقط القط! ثم ترسم له أذنان وأقدام وذيلا مستقيما واقفا فيتبين أنه قط بعد أن مرّ بمراحل تشبه القط والإنسان والكلب والأسد والنمر..إلخ. مثل برعم النبتة الابيض الذي يخرج من التربة، لا تستطيع أن تحدد نوع نبتته إلا في مراحل متقدمة. لهذا قلت في البداية أن هذا دليل سخيف ومتكلف. 

ثم من ناحية منطقية : الشريط الوراثي يعمل لبناء إنسان, فكيف يبني تمساح أو يبني سمكة ثم يتراجع؟ هل يوجد في الجينات مخطط سمكة ثم يلغى ثم يتحول لتمساح ثم يلغى ثم يتحول لقرد ثم يلغى ثم يتحول لإنسان؟ كم يحتاج لشريط وراثي حتى يقوم بهذه العملية التي لا فائدة منها؟ ألم نقل أنها نظرية مبنية على التشابهات أصلا؟ فلو أن القرد له ريش و يطير لما جعلوه سلفا للإنسان ولَسَلِم من هذه المؤامرة. لكن مشكلته أنه يشبه الإنسان من ناحية أجزاء في الشكل وليس كل شكله، فوقع في مصيدة التطور. الخنزير يشبه الإنسان في ندرة الشعر على جسمه لكنه يمشي على أربع, إذن لا يصلح, والببغاء يستطيع أن يتكلم مثل الإنسان لكنه طائر صغير, إذن لا يصلح سلفا مشتركا, إذن لم يبق إلا القرد. والذي في حقيقته يشبه القوارض أكثر من شبهه بالإنسان في سلوك حياته وطبيعة معيشته وسرعة حركاته وصوته وفروه ويتغذى بنفس غذاء القوارض ويعيش في المناخات التي تعيش فيها, وعيونه تشبه عيون القوارض وليست تشبه عيون الإنسان وصوته وصراخه الحاد يشبه صوتها, والتي بدورها لها خمسة أصابع مثل القرد والإنسان وتعيش في الأشجار والغابات، وبعض انواع القرود الصغيرة الحجم تشبه الفئران.

(الدقيقة : 30 الثانية : 12) يذكر الدكتور ضمن حديثه عن علم المورفولوجيا، أن داروين يقول عن هذا العلم : أنه روح التاريخ الطبيعي، لكي تفهم تاريخ الكائنات وتطور الكائنات وتقارن بينها.

الرد : هذا إقرار واضح وصريح من صاحب النظرية نفسه أن التطور مبني على فكرة سطحية وهي التشابه في الشكل الخارجي. ودائما المضمون أهم من الشكل، وكيف تبني علما من الشكل إلا من خلال التشابه الشكلي.

(الدقيقة : 33 الثانية : 20) يذكر الدكتور تفسير أصحاب نظرية الخلق الخاص في وحدة النمط المشتركة مع بعض الكائنات الحية المختلفة، مثل الاصابع الخمسة واشكالها المختلفة لدى الانسان والخلد والخفاش وغيرها، أن الخالق يميل إلى الإقتصاد، فهو يصمم شكلاً أساسياً ثم يُخرِج منه أنواعاً مختلفة ناتجة من الشكل الاساسي، وهذا يعتبر تنويعا وليس انتواعاً.

الرد : تفسير ذلك بأن الله يميل إلى الاقتصاد يلمح إلى أن الله يعجز أن يبدع أشياء جديدة، فيقتصر على الموجود ولكن يبدع فيه بتنويعه، وهذا يجرح العقيدة بكمال الله وقدرته اللامحدودة على خلق ما يشاء وكيفما شاء. إن دلت هذه التراكيب المتشابهة على شيء فإنما تدل على وحدة المصمم وهو الله سبحانه. وهذا خلاف ما أظن، فأنا لا اتفق مع هذه الفكرة وإن كانت من أفكار مناوئين للتطور، لأن التشابه في الأشكال يقتضيه التشابه في الوظائف أو حتمية الوظيفة، ولا يعني هذا أن الخالق يريد الاقتصاد كما يفعل الرأسماليون. شكل الغزال يشبه شكل الغنم وقريب من شكل البقر والوعول وبقر الوحش والمها، كل هذه وظيفتها أصلا متشابهة، وهي رعي الحشائش، ولكنها ليست موحدة، فالأغنام لا تستطيع أن تأكل نباتات المستنقعات، لكن البقر تستطيع ذلك، والضأن لا تحب أن تتسلق الأشجار والجبال الوعرة، لكن الماعز ترى جنتها في هذه الأشياء، لذلك يختلف هيكل الماعز عن هيكل الضأن، فالماعز لا يربي شحما على جسمه، لأن هذا سيعيقه عن القفز، أما الضأن فهو يربي شحم الإلية والظهر لأنه لا يحتاج لتسلق الجبال والاشجار، بل حتى وجه العنز نحيف مع الجانبين ويشبه الفأس، ليدخل بين الأغصان ويلتقط الأوراق من بين الاشواك، لكنها كلها في الأخير وظيفتها الرعي، لكن الرعي نفسه أنواع وليس شيئا واحدا، ففيه تخصصات، وكل تخصص يضع بصماته على الشكل. ولهذا تجد لها أكثر من معدة وتجتر، وأكلها اكثر من اكل غيرها، بل اكل المواشي يعتبر اكثر من اكل مفترساتها، لماذا؟ لأن عملها كثير، فوظيفتها تقتضي الاكل الكثير وليس بسبب قلة الغذاء فيما تأكل كما يتوقعون، وسمادها لا يُقارن كثرة بسماد الذئب او الكلب او القط مثلا، فهذا السماد يحتاجه النبات.

الأصابع الخمسة أنسب ما تكون للإحاطة بشيء كروي الشكل أو شبه كروي، فالأصابع الخمسة للخفاش تساعده على فرد جناحيه، خصوصا وأن جناحيه بلا ريش، وكذلك يصنع كورة حول نفسه باستخدام أجنحته، لأنه يغطي نفسه بجناحيه عند المطر وعند النوم. كذلك الإنسان يحتاج الأصابع الخمسة لكي يقبض على شيء مكوّر، ولا تستطيع أقل من خمسة اصابع ان تحيط بشيء كروي. لهذا الوظيفة تحدد أماكن الأصابع وطولها، خصوصا الإبهام، فإبهام القرد مبتعد عن الأربعة بشكل واضح، لذلك لا يستطيع أن يستخدم يديه كما يستخدمها الانسان، لكنه يستطيع استخدام الإبهام لمهام أخرى تتعلق بالتسلق أو الصراع، مثل مخلب القط الخامس المتراجع أكثر من إبهام القرد، وهذا يفيده كثيرا في القتال والدفاع عن النفس، لأنه لا القرد ولا القط وظيفتهما القبض والإمساك، إن يداهما لم تخلقا لكي تعملان، لكن الإنسان لأن له عقل ناسب له أن تتشكل يده على شكل كرة لكي تمسك الأشياء من كل الجهات وتتحرك وتتشكل بأشكال كثيرة، هذه اليد البشرية هي التي بنت الحضارة، لكن لا قيمة لها بدون العقل.

القرد لا يستطيع ان يقبض على المطرقة، بينما الإنسان بأبعاد يده المتناسبة يستطيع أن يمسك بالمطرقة وبالقلم بل وبأشياء أدق منهما، لأن لديه عقلا وتمييزا، فتخيل أن يده لا تستطيع أن تقبض على الأشياء، ماذا سيستفيد من عقله؟ لو ابتعد إبهامه قليلا لما صنعت حضارة ولا شيء من هذا القبيل. وتخيل أن القرد يستطيع القبض على الأشياء، ماذا سيستفيد وهو ليس له عقل كعقل الإنسان؟ هناك توزيع دقيق وعاقل لا يأتي عبثا.

لاحظ التشابه في المفترسات مثلا، كلها بأنياب ومخالب معقوفة حادة، وهيكل انسيابي وشعر ناعم خفيف وقصير وأملس حتى لا يتعلق بالأشياء وينزلق منها، وبطانة أقدامها ليس لها حافر حتى لا تنتج صوتا. كل هذا مهيأ للإفتراس، لكنهم يختلفون عن بعضهم في نوع الافتراس، مثلما اختلفت المواشي في نوع الرعي، فهناك شيء يدعى وظيفة (عامة)، وهناك شيء يدعى نوع وظيفة (تخصص). فالفهد بشكل عام مفترس، لكن تخصصه بالافتراس في المساحات الواسعة وأغلب طرائده من الغزلان، لأنها هي أسرع المواشي، فأصبح هو أسرع المفترسين، وجسم الفهد ينبيك أنه حيوان سريع ويستطيع المراوغة والالتفاف بسبب طول ذيله الذي يعادل جسمه أثناء المراوغة، ويستخدم يديه في الافتراس، لأن طريدته سريعة وقافزة، فبيده يستطيع أن يخل توازنها أثناء الجري فتسقط من الخلف، وبما أنه يستخدم يديه اشتغل قانون القصر، وهو من القوانين التي أرى أنها مهمة في هذه النظرية البديلة في تحديد التوازن وعدم الطغيان، فلأن فمه قصير فلا يستطيع أن يستخدم أسنانه في الافتراس إلا بعد تثبيت الضحية، فلو أن خطمه طويلا كالذئب وهو يملك كل هذه البراعة والسرعة لضرّ في التوازن.

قانون القصر هو السر في التوازن البيئي، فكل شيء مقصور وبنفس الوقت متمدد، فكل شيء له ميزة لكن له قصر يقف عنده، فالكلب والذئب يستخدمان خطمهما الطويل للافتراس، لكنهما لا يستخدمان أيديهما إلا للحفر، ففائدة الأظافر الحفر. وخطم الذئب أطول من خطم الكلب، وذيل الذئب أطول وأكثر شعرا من الكلب، حتى يوازنه في المراوغة، وهذا غير ذيل الكلب. والعُقاب يستطيع أن يصيد الذئب بإدخال مخالبه في فمه حتى يموت، لأن الذئب لا يستطيع استخدام يديه في الدفاع عن نفسه، مستغلا قانون القصر عند الذئب، ومخالب العُقاب قد دخلت في داخل فم الذئب ولا يستطيع العض، لكن هل هذا العُقاب يستطيع أن يصيد نمرا أو أسدا؟ لا يستطيع، لأنهما يستخدمان يديهما في القتال، فالعُقاب يعرف نقطة ضعف الذئب، وبشكل أدق يعرف نقطة القصر لديه.

قانون القصر عمل في الكلب والذئب فأضعف عمل يديهما، بينما في القط والفهد صغّر خطم رأسهما. البقرة لا يمكن أن تعضّ أحداً لأن ليس لديها أسنان في فكها العلوي، لكن خطورتها في النطح، بينما الحمار والحصان قد يعضّان. البقر بيئتها الطبيعية حول الأنهار و في المستنقعات، لأنها تتغذى على النباتات التي تنمو حول الأنهار والمستنقعات وتفضلها كثيرا، وهذه وظيفتها. حوافر البقرة غير حوافر الغنم، فحوافرها مشقوقة لكنها طويلة وآخذة بالشكل الأفقي الهلالي حتى تمشي في الوحول، بينما الماعز على شكل مثلث وقصيرة، لكي تقف على حافة الصخر، أما الضأن فبيئتها الرعي في السهوب،

التشابه بالأصابع الخمسة بين الانسان والخفاش تشابُه عددي وليس شكلي. والوظيفة هي التي شكلت الخمسة أصابع تشكيلا مختلفا، لأن كل الخلق غائي وظيفي وليس عبثي ولا صدفا عمياء. فالخفاش يحتاج أن يفرد جناحيه لكي يغطي كامل جسمه، وهذا تقوم به الخمسة أصابع أفضل مما تقوم به أقل من ذلك. وجناح الخفاش لديه وظائف أكثر من وظائف جناح الطيور ذات الريش، فهو فراشه وغطاؤه المضاد للتبلل، وجناحه الجلدي هذا يحتاج للفرد وإلا فلن يطير. و أي فَرْد يقوم على أساس الدائرة، حتى لو لم يكن دائرة تامة هندسيا، مثل أوراق الشجر بعضها يأخذ شكل دائرة وبعضها يأخذ شكل مخروطي، على حسب الوظيفة، لكن كل ورقة شجرة مؤسَّسة لكي تكون دائرة. مثل العجينة التي تفردها على أساس أنها دائرة، لكنك تشكلها بأشكال أخرى لا تخرج عن الدائرة في أساسها، كأن تكون على شكل قطع ناقص مثلا أو غيرها من الأشكال الدائرية. فجناح الخفاش جلدي رقيق، فيحتاج للفرد، ولهذا احتاج لخمسة عظام.

هؤلاء يقولون أن الله يوفّر مجهوده، وداروين يقول أن أصلهم واحد، ونحن نقول أن الوظيفة تحتم ذلك، والقارئ يختار ما يراه اقرب للواقع والعقل.

(الدقيقة : 38 الثانية : 52) يذكر الدكتور كيف أجاب داروين والتطوريون من بعده على سؤال : كيف يستبقي الانتخاب الطبيعي عضواً لم تظهر فائدته للكائن بعد؟ مثلاً العين، يقول التطوريون أنها تطورت في أربعين مرة، وهذا يعني أنها في مراحلها الاولى لم تكن عيناً، بل أصبحت كذلك بعد مئات ألوف أو ملايين السنين، فما فائدة الشيء الذي لم يكن عيناً؟ فالانتخاب الطبيعي يستبقي أي شيء مفيد يعطي تكيفاً للكائن، وهذه الميزة التكيّفية غير ظاهرة! ولتكن أول ما بدأت به العين عبارة عن خلايا حساسة للضوء، هذه الخلايا الحساسة للضوء لا تَرى، أي كأنها عبارة عن عُشُر عين وليست عينا مكتملة. أجاب داروين ومن بعده من التطوريين عن هذا بأنه لا توجد مشكلة، فعُشُر عين أفضل من لا شيء. فعلى الاقل هذه الخلايا الحساسة للضوء تجعل الكائن يشعر بالضوء، وهذا يكفيه. والجواب النهائي على هذه المسألة أنه توجد إثباتات - لدى أنواع من الرخويات لا تزال حية وموجودة - لهذه المراحل المختلفة لتطور العين عند كل رخوي منها، وكلها نافعة، فبعضها يحوي على عُشُر عين، وبعضها على أكثر من عُشُر، وبعضها على نصف عين، وبعضها على ثلاثة أرباع عين، وبعضها على عين كاملة.

الرد : كل مخلوق هو على أحسن أحواله ولا يوجد حيوان قاصر, ألسنا نعيش في مرحلة من مراحل التطور المستمر؟ هات حيوانا يفتقر لعضو معين حتى نصدق بهذه النظرية الخرافية. هذا ليس جوابا مقنعا على سؤال معضل بالنسبة للداروينية وهو كيف نشأت العين. وجود الحياة أكثر تعقيدا من العين نفسها! كيف صار الكائن حيا؟ يقولون أن الأحياء بدأت من البسيط إلى  الصعب, وأصعب شيء إلى الآن هو الحياة نفسها! نظرية سطحية فعلا! ما دام أن الأصعب وُجد أولاً، إذن من باب أولى أن تكون معه توابعه كالعين والأذن وغيرها, وهذا ينسف التطور كله، لأن الأهم وُجد أولا وهو الحياة, فليست هذه الأعضاء هي المعضلة، بل المعضلة هي الحياة! فالحياة هي الشيء العجيب ومعلومات الإنسان صفر في هذا المجال البسيط جدا عند الملاحدة الذين يكفرون بالأمور العظيمة وكأنها لا شيء. يحيّرهم موضوع العين ولا يحيّرهم موضوع الحياة! وهي لغز الألغاز والتي تحدى القرآن فيها الناس وعلومهم أن يعرفوا مقدار ذرة فيها أو أن يخلقوا ذبابة أو أن يُرجعوا روح أحد بعد أن خرجت, يقول تعالى : {فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين} وقال {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.

وما دام أن الأهم والأصعب والأعقد والأخطر وُجد أولا وهو الحياة، إذن الباقي لا مشكلة! أوجدها اللطيف الخبير الذي على كل شيء قدير. ما كان الله ليخلق حياة عمياء تتخبط, وهو الذي خلق وقدّر وهدى، قال تعالى {ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} دفعة واحدة {قليلا ما تشكرون}, وإلا فما فائدة أن نُخلَق ونحن بلا سمع ولا بصر ولا أعضاء ولا حركة؟ الله رحيم بمخلوقاته لا يتركها عبثا بأيدي الصدف وهو القادر على كل شيء.

يقول التطوريون أن عُشُر عين ينفع, لكن ينفع من؟ عُشُر عين لا ينفع طائر مثلا, هناك أحياء تعيش في التربة وأعماق المحيطات بعضها أعمى وبعضها عنده قليل من البصر ليتحسس الضوء فقط, أي يبصر على قدر حاجته، والنسر يبصر على قدر حاجته، مثل اختلاف الأحياء في السرعة مثلا، فالسرعة على قدر الحاجة، فسرعة الحلزون هي المناسبة له، وسرعة الغزال هي المناسبة له. فربع عين : بالنسبة لمن؟ بالنسبة لعين الانسان؟ أم بالنسبة لهذا المخلوق وحياته؟ إذن لا تسمى ربع عين. اذن قل عن الانسان أنه يملك ربع عين بالنسبة لعيون الصقور، وسوف تتطور إلى أن يبصر الانسان أكثر من الصقر! على طريقة أحلام الدجاج. لماذا تُسمّى عشر عين؟ هذه تسميات غير علمية، العشُر بالنسبة لمن؟ مخلوقات تعيش مندسة في التراب : ما حاجتها لعين صقر؟ أما أن يُعطى الحيوان المندس في التراب عين صقر وهو يعيش مندسّا تحت التراب فما فائدتها له؟ إذن العلم نفسه ضد نظرية التطور، لأنه يثبت لأحياء يقولون عنها بسيطة قدرات هائلة لا توجد عند الأحياء المتطورة, مثلما عند الحشرات أساليب وقدرات ليست عند الأحياء الأكثر تطورا, لماذا لا تستخدم القرود الكهرباء كبعض الأسماك؟ أو سوائل مغليّة يقذفها على خصومه كبعض الخنافس؟

إذن كلمة "تطور" تحتاج إلى خط نهائي لتصل إليه, ما هو الحد النهائي للتطور؟ لا يوجد، وما هي أكثر الأحياء تطورا؟ هل هو الإنسان؟ عين النسر أفضل من عين الإنسان، وهو يطير والإنسان لا يطير, هل الإنسان يعدو مثل الغزال أو يسبح مثل السمكة؟ من المتطور أكثر؟ إذن هي نظرية عائمة بلا منطق. كلمة "تطور" تشبه كلمة سباق لكن بلا نهاية, هل يسمّى سباقا؟ لا يكون السباق سباقا حتى يحدّد مكان وزمان لنهايته، وإلا لا تُستعمل الكلمة، ونفس الأمر للتطور, فالتطور سباق إلى غاية محددة, ما هي غاية التطور؟ إذن التطور خرافة في خرافة. ونحن نعيش في مرحلة تطورية, لا نستطيع أن نثبت أن مخلوقاً سواء صغيراً أو كبيراً بحاجة لشيء معين, فهل اكتمل التطور وأنتم تقولون أنه لم يكتمل؟ إذن كيف يكون هذا التكامل في فترة معينة مع أنها ليست نهائية في التطور؟

ما هو الحيوان المحتاج للتطور الآن؟ ألسنا في مرحلة من مراحل التطور؟ المفترض أن كل الحيوانات المهددة بالانقراض إما أن تتطور أو أن تهلك، عليها أن تتدبر وضعها في جحيم الصراع هذا، ولم يثبت أن شيئا منها تطوّر، فقط يضعونها في محميات، ويقدمون لها نفس أكلها ونفس نمط حياتها او بيئتها حتى لا تنقرض.

(الدقيقة : 41 الثانية : 6) يذكر الدكتور أن داروين يقول : لو أن ريشا يوجد في زاحف لم يصبح طائرا بعد، فهذا لا يعني أن الريش وُجِد ليكون موجودا في الجناح، خلافا لما يقوله اصحاب نظرية التصميم والخلق، بل لأجل التدفئة وعزل الهواء.

الرد : قبل أن ينبت الريش، كيف كانت تحمي نفسها وتدفئ نفسها؟ ولماذا لم تنقرض قبل ذلك؟ أليست القوانين حتمية؟ قليل من المنطق. هل عاشت كل هذه القرون وتناسلت وهي بلا ريش؟ ولم تتأثر حياتها؟ وعندها نقص في التدفئة؟ اذن ما الذي كان يحميها من البرد قبل أن ينبت لها الريش؟ سؤال منطقي. إذا عندها شيء يحميها، والمنطق يقول ذلك لأنها لم تنقرض، إذن ما فائدة ان ينبت لها ريش لكي يدفئها؟

كلام داروين غير صحيح, الريش خفيف وعازل للهواء, كان بإمكانه أن يدفئ نفسه بالشعر والشحم، وهو أفضل من الريش للتدفئة, والانتخاب الطبيعي ينتخب الأفضل ويُسقط ما لا فائدة منه، والصوف أفضل من الريش، لدرجة أنه قَرَضَ أنواعاً بكاملها من الوجود لأنها غير صالحة! فكيف يُبقي ريشا لا فائدة منه؟ والانتخاب الطبيعي يحارب ما لا فائدة منه بسيفه الصارم. وجود ريش يعني وجود طيران, كأن داروين يقول أن الأشياء الغائية توجد لكن بدون غاية, أي قد توجد الأشياء المصمَّمة ولكن دون تصميم ولا مصمّم, وهذه شطحة تُذهب العقل وليست شطحة عقلية فقط.

(الدقيقة : 42 الثانية : 30) يذكر الدكتور أن في المخلوقات عيوب، ففي الإنسان عيوب وفي غيره عيوب، ولم يثبت إلا أنها عيوب، أشياء غير تامة و في غير موضعها، وهذا ما يجعل التطوريين يثبتون أن الانتخاب الطبيعي هو الذي اشتغل وليس مصمّم عاقل مختار.

الرد : كلا، لا يوجد في خلق الإنسان والحيوان عيوب, {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت}, ومن نحن ونحن لا نعرف ولا حتى أنفسنا حتى نقيّم خلق الله ونكتشف أخطاء الله في طريقة خلقه؟ ومن يستطيع أن يكتشف العيوب في خلق الله عليه أن يدرك كل خلق الله ويفهم كل خلق الله، وهذا لا يدّعيه بشر, لكنها السطحية التي يتعاطى بها التطوريون بشكل دائم وكفر إعجاز الخالق ونعمته. منطقيا حتى تعرف عيوب الشيء لا بد أن تحيط بالشيء، فأين هم والإحاطة في هذا التخبط والتناقض؟ أليسوا هم من يقولون (الإنسان ذلك المجهول)؟ لكنهم لم يقولوا (عالم السيارات ذلك المجهول)! كيف تأتي وتقيّم هذا المجهول وتركيبه وعمله وأنسجته؟ هذا تغوُّل بلا علم. قال تعالى (ولا تقفُ ما ليس لك به علم).

سرّ الحياة لا يعرفون ما هو، ولماذا الكائن الحي يعيش ولماذا يموت، ولماذا تموت نفس الخلايا والانسجة التي كانت تعمل، بلحظة. من يحق له النقد هو الملمّ بالصنعة، والملم بالصنعة هو القادر على اعادتها. وأمامكم ذبابة ميتة، أعيدوا لها الحياة ما دمتم تعرفون كل شيء عنها بمختبراتكم العلمية والمتطورة والمتقدمة والحديثة جدا جدا. لو أن هذا الشيء من صنع البشر لجاز للبشر أن ينتقدوه، ويكون نقد المختصين منهم منطقيا جدا، مثل عيوب السيارات مثلا، يحق لأي انسان أن يجد العيوب في أي نوع من السيارات، ويكون كلامه غالبا معقولا، لأنها مصممة لأهداف محددة نعرفها، ونحن من صممناها، لكن أن تنتقد مخلوقات إعجازية عظيمة لكن لأنها أمامك ترى انها حقيرة .. هذه الذبابة فقط من يستطيع أن يعرف ما هي؟ حتى النفس البشرية لا يعرفونها ويتخبطون فيها، حتى يمكن أن يسأل الإنسان : ما الذي عرفوه فعلا عن الإنسان والأحياء والحياة غير الظواهر؟ ثم يأتي لينتقد! هذه والله هي المضحكة، أن تنتقد شيئا لا تعرف عنه شيئا ولا يمكن أن تعرف وتعترف أنت انك لا تعرف، وليس فقط لا يعرف عن الكائن الحي نفسه، بل لا يعرف عن علاقته بالأحياء الأخرى، ولا يعرف الغاية من وجوده ووجود الأحياء الأخرى، ولا الغاية من وجود الكون كله، من العبث أن تقيم شيئا وتقول أنه عبث! على أي أساس سوف يقيّم؟ لن يكون له إلا عقلية الرأسمالي يقيّم بها، لأنها هي الوحيدة المتبقية عنده، وهي المعيار، لكن المؤمن بالله هو الذي يقيّم، يقيّمها شكرا واعترافا بعظمة الخالق، لا انتقاصا واحتقارا فقط لأنها متوفرة وتتكاثر بسرعة.

لقد أشبعوا الطبيعة بإسقاطاتهم لحياتهم الرأسمالية الامبريالية العنصرية على الطبيعة، وذلك لأنهم لا يعرفون الطبيعة، بل يعرفون حياتهم، لأنهم يعرفون الصراع والبقاء للأقوى فطبقوها على الطبيعة، ولأنهم يقرّون بالشذوذ الجنسي ويرونه حسنا، ذهبوا لينقبوا في الطبيعة وجعلوها تمارس الشذوذ مثلهم، وهذا غير صحيح، وهكذا كل منطلقاتهم منهم هم وليست من الطبيعة نفسها، لسبب بسيط : لأنهم لا يعرفون الطبيعة، ولا يعترفون بالغائية، فإذا كنت لا تملك غاية، فعلى أي أساس ستقيِّم؟ وصدق ديكارت عندما قال أن العلم يبدأ من الله، فبدون إله لا يكون علما، لأنه سيكون على أساس حكم مسبق بالفوضى، أي تحكم على الصدف، والصدف ليست علما. الفوضى لا تُقيَّم، ولماذا فوضى؟ لأنهم لا يقرّون بالغائية، يقرّون بغائية الجزمة التي يلبسها الإنسان، والسيارة التي يركبها الإنسان، واللقمة التي يتناولها الإنسان، واللباس الذي يلبسه الإنسان، لكن الإنسان نفسه ليس له غاية! وما ليس له غاية ليس له قيمة ولا فائدة. اذن في نظر الملاحدة : الجزمة أثمن من الإنسان، هي لها غاية إذن لها قيمة، وهو بلا غاية إذن بلا قيمة. وأيضا بدون الله – نضيف لما قال ديكارت – لا توجد أخلاق، فما دام الانسان الجزمة اثمن منه، فمن السهولة ظلمه وقتله والتخلص منه، ولماذا الوفاء والإخلاص لإنسان الجزمة أثمن منه؟ لكن إذا عرفت الله وعرفت أن الله كرّم الإنسان، سواء كان مسلما او غير مسلم، هنا تتغير المعادلة.

في ظل المادية، صارت قيمة الإنسان هي بما يملك من مادة، بينما هو بلا قيمة. وهذه الفكرة هي التي أدت إلى فكرة ان الحياة صراع بين لابسي الجزم، ومن يملك ماديات أكثر فسوف ينتصر ويسحق أكثر لأن الجزمة أثمن منهم.

لا توجد معايير مع نفي الغائية (قانون). فكيف تأتي بعد أن نفيت الغائية لتقيّم؟ لهذا الناس يستغربون مثلا المبالغة في سعر شيء معين معروفة غايته، كنوع من الحيوانات المستأنسة، لأن العاقل سيقيمه بناء على الغاية منه، لهذا الرأسمالية تميل إلى التجريد والفصل بين الغاية والقيمة، وتعويض ذلك بالإعلان والشهرة والدعاية، حتى يستطيعوا أن يبيعوا قطعة بأسعار مبالغ فيها، لوحة بالملايين، منديل بكذا مليون، قلم بكذا مليون، شاة بمئات الآلاف، كلب بكذا مليون، وهكذا. يحاولون ربطها بأبهة إعلامية وشهرة، بحيث تتغلب على ربطها بالغائية، بدل أن تشتري هذه السلعة بألف، تشتريها بمليون.  

عندما تقيّم سيارة سباق فلديك الغاية، مثل أن تكون سريعة ومتوازنة وتتحمل المنعطفات، الخ. لا يمكن التقييم بدون غاية في الذهن (قانون)، وإلا فعلى أي أساس يتم التقييم؟ لأن كل تقييم مبني على أساسات، المفتش التعليمي مثلا  يقيّم المعلمين على أساس نقاط لديه. يستطيع من خلالها أن يعرف ميزاتهم وعيوبهم، ومن الأفضل ومن الأضعف.

الحياة عند الماديين والملاحدة عبث، فكيف يقيّم من يؤمن بعبثية الحياة؟ يقول لماذا هذا العصب طويل وملتف! هذا إسراف! يقيّم بعقلية رأسمالي يوفّر الأسلاك في مصنعه! لاحظ عقلية الرأسمالي البخيل هي المعيار والمقياس، لكن الخالق كريم. كيف تقيّم شيئا لا تعرف الحكمة منه ولا من أوجده ولا مدى قدرة ذلك المُوجد؟ تصرّ على أن الموجد رأسمالي مثلك؟ داوكينز يستغرب من الإسراف في وجود 200 نوع من الخنافس! وكأنه يتكلم من مصنعه! ما الفائدة من كثرة هذه الخنافس وما الجدوى منها؟ ناسيا أن لكل نوع منها عملٌ في التوازن الطبيعي الذي بناء عليه يستمتع الانسان بحياته. لقد فقدوا معيارية الطبيعة نفسها وغائيتها، لأنهم لا يؤمنون بالله، فلجؤوا إلى معيارية حياتهم المادية، وهذا يُفسد عقل أي إنسان لا يؤمن بالله، ويفقد روحه العلمية.   

المؤمن لا يقول أن في خلق الله أخطاء، وكيف يمكن أن ينتقد شيئا لا يعرفه بل ولا يستطيع أن يحيط به؟ المؤمن أخلاقي مع المخلوقات ولا يتجاوز علمه. هذا فيه انتقاص لقدرة الله الذي تحدى الإنسان أن يجد عيوبا في خلقه سبحانه واحتقار لهذه الكائنات الحية العجيبة. قال تعالى {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} ويقول تعالى {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}، بينما الشيخ الدكتور رجل الدين يقول : نعم في خلق الإنسان عيوب! لا يوجد في خلق الله عيوب كما أراد لها أن تكون و لا في طبيعة حياتها ولا في توازنها بين الأحياء، فكل مخلوقاته في أحسن تقويم وليس فقط الإنسان, وإلا فلكَ أن تعتبر الموت عيبا من العيوب, والغزال لا يطير، إذن هذا عيب! والسمكة لا تخرج إلى اليابسة، والتمساح لا يسبح في المحيط، والدجاجة صغيرة الحجم، والزرافة ليس لها جُحُر ... وهكذا تستمر. الله خلق السماوات والأرض بالحق, والقول أن في الأحياء أعضاء لا فائدة منها يعني أنها خلقٌ باطل, بينما الله قد أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. {سبحانك ما خلقت هذا باطلا}. ثم منطقيا كيف يمكن وصف أعضاء جزئية بأنها لا فائدة منها في حين يقولون أن الحياة كلها لا غاية لها؟ هل توقفت الأمور على هذه الجزئية؟ كل شيء أصبح تافها لا فائدة منه عند نفي الغائية! هذا تناقض مع الأفكار العامة، اذ كأنه يُعرَض لنا أن هذا العضو غير مهم بينما غيره مهم ومفيد وله غاية، بينما هم انفسهم يقولون أن كل شيء عبث في عبث وفوضى وأن كل كائن عبثي وليس له غاية، اذن كل ما خلق الله تافه وبلا جدوى، وما صنعوه هم وما يحتاجونه هم هو المهم والغائي 100% ! (وما قدروا الله حق قدره).  

(الدقيقة : 45 الثانية : 5) يذكر الدكتور أن من العيوب في خلق الإنسان، الأسهر وهو القناة الناقلة للمني عند الرجال، الذي يصل ما بين الخصية والعضو الذكري، فهذا الأسهر يوجد ملتفا حول الحالب الذي يصل بين الكلية والمثانة، وهذا يراه التطوريون والدكتور عيبا، فمن المفترض أن يتصل الأسهر اتصالا عاديا بلا التفاف حول الحالب إلى العضو الذكري مثل حالب الكلية، ولكنه ليس كذلك، وأن هذا العيب يسبب مشاكل للذكور وله علاقة بالفتق الإربي الذي يسبب لكثير من الرجال الموت إن لم يدركوا انفسهم بعملية جراحية في وقتها، وهذا الالتفاف حول الحالب لا فائدة له ومتعب ويسبب مشاكلا للذكور، أما عن تفسير ذلك تطوريا، فهو عند تطور الانسان من القرد، وبعد أن اضطُر أن ينتصب واقفا بعد ان كان يمشي على اربع كالقرد، ولما كان لا بد للخصيتين أن تخرجا من الجسم لأن الحرارة تضر المني فيفسد ويموت، فلما انحدرتا الى الخارج على ملايين السنين وقع هذا الالتفاف الخاطئ. وهذا مما يثبت عمل وسمكرة الانتخاب الطبيعي.

الرد : عندما يصبح الإنسان متحفزا جنسيا فلا يستطيع أن يتبول، ربما أن هذا هو السر في الالتفاف، لأجل منع البول من الخروج في هذه الحالة. وربما أن الالتفاف هذا لكي لا ينزل المني مباشرة لتطول مدة الاستمتاع، أو لأسباب أخرى وقد أكون مخطئا، هذه مجرد اقتراحات، لكن الأكيد أن له غاية لم يعرفها العلم حتى الآن تمام المعرفة، وهذا خطأ علمي يقع فيه الدراونة، أي شيء غير علمي يسمونه عبثا، ثم يأتي العلم فيما بعد ويصفقهم على وجوههم ثم يبتسمون بكل بلاهة وكأنهم لم يفعلوا شيئا، مثلما صفعهم موضوع الكولاكنث وصفعهم موضوع بساطة الخلية وتفاهتها، بينما العلم اثبت أنها معقدة جدا، وغيرها من الصفعات، لكنهم لا يعرفون التراجع والخجل، يريدون الاستمرار. ونجاحهم هو أن يطول عمر نظريتهم رغم تطور العلم الذي يعمل ضدها وليس معها.

وما علاقة الفتق الإربي بالأسهر؟ الفتق قد يكون في الخصية وقد يكون في مواضع أخرى في البطن. مشكلة الفتق هي ضعف في جدار البطن الأمامي، وسمي إربيّا لأن جذع الفخذ يسمى بالإرْب، مما يؤدي إلى ظهور جزء من الأمعاء تحت الجلد، وإذا تقفّل سيتعفّن ويؤدي إلى الوفاة إذا لم يُنقذ بعملية جراحية. ومن أسبابها البدانة وحمل الأشياء الثقيلة والسعال المزمن وضخامة البروستاتا عند المسنين وحالة تجمع السوائل داخل البطن. هذه هي الأسباب الطبية لحدوث الفتق الإربي، ولم يذكر من بينها التفاف الأسهر على الحالب، هو قد يتأثر ولكن ليس له علاقة ولا يؤثِّر بالفتق. لو قال الدكتور أن العيب الخلقي هو في وجود الفتحة الإربية لكان أكثر منطقية من القول أن الأسهر هو المشكلة.

لا أستطيع أن أكتم ضحكي على هذا الدليل الأسهر! هذا العيب المدمر! الرجال يعانون من شدة الشبق الذي يستمر مع بعضهم أحيانا لسن الثمانين والتسعين، وإذا بهم يعملون بآلة عاجزة وفاسدة وتحمل عيبا خلقيا! أي عيب يُضعف, فما بالنا نرى كثيراً من الرجال يصابون بالإدمان الجنسي حتى؟ حتى إن الزوجات يشتكين من كثرة إزعاج أزواجهن! لو لم يكن فيهم عيب ماذا سيكونون؟ المني ينزل على شكل دفقات وليس مثل البول ينزل للمثانة مباشرة! وكونه ينزل من أعلى سيكون أسهل وأسرع وأبعد في قوة خروجه.

عند كل الثدييات ذوات الخصى، تكون الخصيتين خارج الجسم ومتدلية لأسفل, وليس فقط الإنسان لأنه منتصب خرجت خصيتيه عن جسمه! ذوات الأربع كلها تتدلى خصاها، في الغنم والخيل والحمير والكلاب والقطط وغيرها، وهي لم تقف على قدمين، لأن الخصية تحتاج لدرجة حرارة معينة، فتنكمش في حالة البرد وتتمدد في حالة الحر، لأن درجة حرارة الجسم ليست ثابتة، لأنه قد يبذل مجهودا فترتفع حرارته. إذن لماذا لا تقول : لمَ لمْ ترتفع الخصية فوق ظهره حتى يكون النزول مباشراً؟ لماذا تكون في الأٍسفل؟ هذا عيب! باب اكتشاف العيوب بهذه الطريقة السطحية والتافهة مفتوحٌ على مصراعيه, لماذا العين رقيقة وحساسة؟ لماذا لم تُصنع من مادة تتحمل الصدمات كالزجاج مثلا؟ هذا عيب! لماذا العظام لم تكن من الفولاذ وهو أقوى؟ واستمر بهذه الطريقة الصبيانية المصنعية الرأسمالية! ولماذا لم تكن الخصية من ضمن القضيب أوفر لتكاليف القسمة؟ فتصبح كلها جهازا واحدا وبغنى عن التبريد والتسخين حتى تكون اقرب للقذف وأوفر في الأسلاك مثل الضوء الكشاف حيث يباع وبطاريته مدمجة معه، إذ سيكون من الإسراف ان تجعل البطارية في مكان والمصباح في مكان آخر وتوصل بينهما بأسلاك؟ وهكذا تكون وفرت قيمة الصفن والبتاع كله. هكذا نقدهم بهذا الشكل، مثل طريقة أحد الملاحدة الذي يقول لماذا الطعام والتنفس يشتركون بفتحة واحدة؟ واعتبر هذا عيبا! مع أني ذكرت له فوائد جعلته لا يرد. وهذا الرابط : http://alwarraq0.blogspot.com/2014/08/blog-post_74.html

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 10





(الدقيقة : 6 الثانية : 45) يذكر الدكتور نجاح نظرية داروين في تفسير : اختلاف الحيوانات الموجودة في البيئات المتشابهة، ويفسر ذلك بمبدأ الإنعزال، فلأن حيوانات البيئة الأولى منعزلة عن حيوانات البيئة الثانية، رغم تشابه البيئة، أدى ذلك إلى تطور كل منها على حدة. وأن النظرية نجحت أيضا في تفسير : لماذا حيوانات الجزر القارية تشبه حيوانات البر الرئيس القريب منها، بينما حيوانات الجزر المحيطية لا تشبه حيوانات اقرب بر رئيس لها؟ وفسّر ذلك بأن الجزر القارية كانت في الماضي جزءا من البر الرئيس وانفصلت عنه، بينما الجزر المحيطية لم تكن جزءا من القارة، ولأنها ليست كذلك فمن الطبيعي أن توجد بها حيوانات متميزة. وأن النظرية نجحت في تفسير : عدم وجود برمائيات في الجزر المحيطية، بينما توجد برمائيات في الجزر القارية، وفسّر ذلك بأن وجود البرمائيات في الجزر القارية يؤكد أنها كانت جزءا من القارة، أما الجزر المحيطية التي لم تكن يوما جزءا من القارة، فكيف ستصل إليها البرمائيات وهي عموما ليست محصنة ضد ملوحة ماء المحيط؟ إنها ستموت بطبيعة الحال. ويصف الدكتور ملاحظات داروين بأنها ذكية وإجاباته عن تفسيرها بأنها أذكى.

الرد : الانعزال موجود، فهل ستكون حيوانات الجزيرة العربية مثل حيوانات سيبيريا مثلاً؟ الانعزال موجود وليس بالضرورة ان يكون بحرا. الحيوانات منعزلة عن بعضها حتى في القارة الواحدة، ومع ذلك لا يوجد تطور، كالكلاب والقطط، هذا غير ان الانعزال بسبب البحار لا يعني عدم وجود تواصل نهائيا، حتى مع أمريكا، وليس التواصل معها بدأ مع كولمبوس، هذا غير صحيح، فقد أثبتت الدراسات ان اتصال المسلمين بأمريكا قديم، بل حتى اسم البرازيل مشتق من اسم بني برزال الذين كانوا يحكمونها في الأندلس، واكتشفوا في احد مقابر المسلمين القديمة مصحفا في البرازيل، أي قبل رحلة كولمبوس، وهذا لا يعني أن اتصال المسلمين أيضا أنه أقدم اتصال، بدليل أنه توجد شعوب تعيش فيها وتبني أهرامات مثل المصريين، وتستخدم القوس والنشَّاب في الصيد مثل بقية الشعوب، فكيف وصلوا إليها؟ لا بد أن لديهم حيوانات تنتقل معهم، فلا يوجد شيء اسمه انعزال 100% ولا يوجد اتصال 100% حتى ولو كانوا في قارة واحدة.

داروين يتحدث عن الحيوانات وتطورها بسبب الانعزال و لم يتكلم عن الانسان، ماذا عن الشعوب الساكنة في أمريكا القديمة : لماذا لم يتطوروا ؟ مع أن الانعزال الذي يدعيه موجود؟ فالحيوان يتطور لأنه انعزل، بينما الإنسان يوصف بالتخلف لأنه انعزل! ما هذا المكيال العجيب؟

لو كانت الصين جزيرة لأفرَحَت الدراونة، لأنه يوجد فيها حيوانات مختلفة لا توجد إلا فيها فقط. تحوي القارات - مثلما تحوي الجزر- أنواعا لا توجد إلا في أماكن محدودة، مثل دب الباندا أو السنجاب الطائر في الصين والجمل ذو السنامين وغيرها كثير, وأيضا توجد أنواع منتشرة في عدة أماكن. هذا غير اختلاف أنواع الكلاب أو الثعالب وغيرها واقتصار كل نوع على مكان معين. إذن وجود الأنواع بمكان معين ليست ظاهرة خاصة بالجزر! لو كانت الحيوانات الغريبة في الجزر المحيطية فقط لقلنا مثل داروين, لكن توجد داخل القارات أيضا حيوانات غريبة أو نادرة وبأنواع كثيرة. إذن سقطت القاعدة, فهذا ليس بدليل على التطور.

إن أرخبيل سُقُطْرَى قريب من الجزيرة العربية بمسافة 350 كيلو متر, ومع ذلك فيه 270 نوع من النباتات لا توجد في العالم إلا فيه, وستة أنواع من الطيور لا توجد إلا فيه، و 59% من الحلزونيات البرية فيه غير موجودة في أي مناطق أخرى في العالم. بينما جزيرة هاواي بالرغم من أن بعدها عن أمريكا 3200 كيلومتر إلا أنها أقل تنوعا واحتواء على كائنات خاصة بها من سُقُطْرَى! لو كان سبب الاختلاف هو الانعزال فيجب أن تكون هاواي أكثر اختلافا من سُقُطْرَى بسبب شدة انعزالها! بينما سُقُطْرَى تعتبر أغرب مكان في العالم حيث يوجد بها 700 نوع نادر.

إذن داروين حاول أن يفسر ظاهرة غير موجودة وصنع مشكلة من لا مشكلة, فالأحياء التي يقتصر تواجدها بمكان معين ليست ظاهرة خاصة بالجزر المحيطية.

ما دام أن هنالك أنواع انتقلت عبر أخشاب كما قال سابقا، إذن لماذا لم تكن البرمائيات منها؟ سيما وأنها صغيرة الحجم وتستطيع القفز؟ أحياء أخرى انتقلت للجزر وهي لا تستطيع أن تتنفس بالماء، فما بالك بالبرمائيات التي تستطيع التنفس بالماء؟ باقي الأحياء والحشرات التي وصلت لهذه الجزر و هي حيوانات برية ولا تستطيع التنفس في الماء وضعها أصعب من وضع البرمائيات، كان من باب أولى ألا تأتي الأحياء التي تغرق في الماء, لأن فرصتها في النجاة أقل من فرصة كائن برمائي. هذا غير أنها كيف ستعيش على خشبة لمدة أسابيع وأشهر وهي لا تأكل ولا تشرب وتنجو من التيارات الهوائية والأمواج؟ ولو ألقيت أي خشبة في البحر فهي في الغالب سترجع للساحل نفسه ولن تقطع المحيط كله! لهذا البحارة القدماء يرفعون الأشرعة إذا كان الهواء في صالح وجهتهم وينزلونها إذا كان الهواء مقابلا لهم, ويتوقفون في بعض الموانئ حتى تهب الرياح المناسبة لهم, أي عملية تحايل على رياح البحر. أما في الوضع العادي كإلقاء خشبة فإنها سوف ترجع إلى الساحل ولن تجوب بك المحيطات .

وهل كل الأحياء التي سافرت للجزر المحيطية جلودها غير نفاذة للماء المالح؟ كما أن البرمائيات من ذوات الحياتين : برية ومائية, و دواعي الانتقال والهجرة عندها أقل, بسبب توفر فرص الغذاء لها والتكيف مع المناخ في بيئتين.

هل هذا تفسير ذكي كما يصفه الدكتور؟ سافرت أحياء غير برمائية، فكيف لا تسافر البرمائية التي تعيش في الماء؟ وليس هنالك أكثر من تطفل الضفادع, وهي التي من عادتها أن تقفز على الأجسام العائمة في الماء. هذا غير أنه توجد برمائيات في جزر نيوزيلاندا و نيو كاليدونيا وجزر سليمان وغيرها التي لم يزرها داروين, وهذه الاستثناءات تنفي أن تكون قاعدة.

وما الذي يدفعها للسفر والهجرة والمغامرة وتركها قطيعها وركوبها بحر الظلمات الذي يخاف منه الأوروبيون؟ مع ان لديهم سفن؟

*(نقد عام للتطور) : إذا كان التطور يحذف الصفات السيئة ويُبقي الصفات الحسنة، فلماذا عند الإنسان مشاكل نفسية كثيرة ليست عند غيره من الحيوانات؟ لماذا يعاني الإنسان اكتئابات حادة وقلق وأحزان مزمنة تعطله عن مسيرة التقدم والنجاح؟ بل هي في ازدياد حتى مع التقدم والنجاح! أين هذا الرب البديل – الانتخاب الطبيعي - لينقذ أولياءه ويطورهم؟ نسبة الانتحار والأمراض النفسية أكثر في المجتمعات التي يقولون أنها متطورة, وهذا يعطيهم مزيدا من المال وبالمقابل مزيدا من التعاسة والكآبة والإدمان والشعور بالضياع والرغبة بالانتحار! أليست صفاتً سيئة؟ لماذا لم يحذفها؟ بل نراه يزيدها! خصوصا وهو قد طوّر حياتهم في مجالات المادة! أين هو لينقذ الآلاف الذين ينتحرون يوميا؟ وأكثرهم من مجتمعات غنية ومتطورة, يتركون العز والمال لينتحروا!

ولماذا الإنسان وعبر ملايين السنين لم تخرج منه أنواع جديدة ولا يوجد منه إلا نوع واحد؟ لماذا لا توجد أنواع من الإنسان مثلما هي في الحمام والكلاب وغيرها؟ مع أنه من أكثر المخلوقات وهو سيد الأرض, خصوصا في هذا الزمن، وهو زمن التلوث الكيميائي والإشعاعي والذي يتعرض له الانسان اكثر من غيره ويقدم بيئة خصبة للتطور كما يزعمون, لماذا لم يولد ولا طفل واحد في أي مستشفى في العالم يحمل ميزة أفضل؟ لماذا انقرضت أسلاف الإنسان المزعومة كلها منذ الأًصل المشترك ولم تنقرض أسلاف الحيوانات الأخرى بل تطورت؟ لماذا لم تنقرض قبائل استراليا بينما انقرض النياندرتال؟ لا يوجد مبرر لانقراض قبائل من أنواع البشر مع أنه كان عندها حضارة وتصنع السلاح و تطهو الطعام كما يقولون عن النياندرتال وغيره! مع أن الإنسان هو الأكثر هجرة و وصولا لأماكن وجزر منعزلة.

(الدقيقة : 8 الثانية : 30) يذكر الدكتور طيور الريا واختلاف احجامها في شمال وجنوب الارجنتين، ففي الشمال توجد ريا كبيرة، وفي الجنوب توجد ريا صغيرة، ولا يمكن أن تتزاوج فيما بينها، وفسر داروين اختلاف الاحجام وعدم التزاوج بمبدأ الإنعزال، فريا الشمال تعرضت لظروف بيئية وغيرها جعلتها هكذا، و ريا الجنوب تعرضت لظروف بيئية مختلفة جعلتها هكذا.

الرد : هنا يتحدث داروين عن بلد واحد هو الأرجنتين، ويقر بوجود الانعزال في هذا البلد، مع أنه لا يوجد بحر ولا مسطح مائي يفصل بين شمال وجنوب الأرجنتين. وحتى لو صار هذا الشيء فلن ينتج أنواعا جديدة, فالريا هي الريا والكلاب هي الكلاب، لكن أحجامها تختلف. ثم ما هي الظروف البيئية التي اقتضت أن تكون الريا كبيرة في الشمال وصغيرة في الجنوب؟ والبيئة هي هي في شمالها وجنوبها؟ ما الذي سيختلف في الشمال والجنوب إلا بعض الاختلاف البسيط في درجة الحرارة؟ ويمكنهما أن يتواصلا اذ لا يوجد حاجز مائي. لماذا لم يذكر لنا ولو شيئا من هذه الظروف البيئية؟ كيف تذكر سببا دون أن تفصّله؟ أليس داروين رجل علمي؟ كذلك الحمام والدجاج والبقر والخيل، بل كل الأنواع يوجد فيها كبير وصغير، وكذلك البشر، فهل كل هذا بسبب الانعزال والظروف البيئية؟ في أوروبا توجد اكبر البقر و أصغرها أيضا في العالم، مع أن البيئة واحدة تقريبا، وتوجد خيول عملاقة وخيول قزمة أيضا في نفس البيئة المتقاربة. هذه ليست ظاهرة اكتشفها داروين في الإرجنتين، هي موجودة في كل العالم.

كذلك أنواع الإنسان مثل أنواع الريا, فنوع أسترالي ونوع أوروبي ونوع أفريقي ونوع سامي .. إلخ, لكن في الأخير هم إنسان. وتوجد أنواع من الإنسان أقرب للأقزام، كسكان استراليا الأصليين، أي يقابل الريا الصغيرة، ويوجد بشر ضخام كسكان غرب أوروبا، أي يقابل الريا الكبيرة، وكلاهما يحمل نفس الاسم (إنسان و ريا) ولم نجد أيا من النوعين تغيّر أو تطور. وهذا كثيراً ما نجده في خلق الله، وهو الاختلافات في الحجم والطول واللون، ولكن النوع واحد، حتى في النباتات، فالبصل أنواع والتفاح أنواع والفلفل أنواع، وكذلك يوجد كل نوع في أرض، وليس صحيحا أن البيئة جعلته بهذا الشكل، فما شأن البيئة بطول قرون الأبقار في الهند؟ وما دخل البيئة في جعل كلب التشيواوا صغيرا جدا؟ ما شأن المكسيك في أن تجعله قزما هكذا؟ هل المكسيك جعلت كل من يعيش عليها قزما؟ لكنه التنوع الإلهي الذي يجعل للترحال والانتقال متعة وفائدة وتجارة يقدمها هذا التنوع العجيب حتى في النوع الواحد، وهذا التنوع هو ما أنعش سوق الأفلام الوثائقية، فتبارك الله أحسن الخالقين، لولا اختلاف الانتاجات لبارت السلع ولماتت التجارة.  

هذه الاختلافات وجدت لحكمة، لكي تبعث الإثارة والانبهار عندما تنتقل من مكان لمكان (السفر والترحال) ، لا أن تجد نفس النوع. لهذا الله يقول (سيروا في الأرض) لكي نتأمل في مخلوقات الله، والقرآن يؤكد على قصة الاختلافات في الخلق، قال تعالى (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم) وقال (ومن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود) وقال (صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) فإذا ذكرت الخلق فاذكر معه مباشرة التنويع والتفضيل واختلاف الأنواع، كصفة لازمة للخلق.

فلا يصح منطقيا الفصل بين الخلق والتنوع، لأن التنوع جزء من الخلق، ولا يستثير الإنسان وجود مخلوقات بلا تنوع، فالتنوع من دلائل وجود الله، مثلما أن الخلق من دلائله، فلا يستقيم منطقيا وجود خلق بلا تنوع، فالرسّام لو استمر برسم شيء واحد لملّ الناس منه، والصناعة أيضا تقدم موديلات ولا تكرّر نفس المنتج، فلا نقصي الإله المبدع الخلاق العظيم عن حقٍّ من حقوقه وهو التنوع في الخلق. وإلا فكيف نطالب بالتنوع في إبداع البشر ولا نضطر لتفسير الحاجة له بينما نقصر الخالق على خلقِ خلقٍ واحد ونتساءل عن أسباب ونقدم تفسيرات للتنوع المخلوق.

إذا سرنا و رأينا نفس المخلوقات بنفس الأحجام وبنفس الألوان، سيكون لا داعي للسير، لكن كلما انتقل الإنسان من بيئة لبيئة حتى لو كانت قريبة، فسيجد اختلافا وإثارة وبالتالي ثقافة وتجارة وجمال. هذا يحرك المشاعر أكثر ويذكّر بعظمة الخالق أكثر مما لو كانت كلها نسخة واحدة. وما دام النوعين كلاهما حي فما الداعي للتطور؟ لا الريا الكبيرة لديها مشكلة ولا الريا الصغيرة عندها مشكلة، المشكلة فقط في عقل الملحد، لكن النتيجة هي التنوع والإثارة. ولهذا نقول : ما أجمل الكون والخلق، ولذلك نقول أن السفر متعة وتأمل وتفكر في خلق الله، لأنك تجد الأنواع المختلفة والكثيرة في كل بيئة، لهذا الناس يتبادلون التجارة والمعرفة والثقافة والسياحة، كل هذا بسبب هذا التنوع الذي لا يدري داروين لماذا هو موجود. اذن الخالق مبدع، ولأنه مبدع فإنه ينوّع. وكلا النوعين مستمر في حياته وليست لديه مشكلة. عندما تزور معرضا للكلاب أو القطط او غيرها من الحيوانات، سينبهر الزائر من هذه الأنواع ويقول المؤمن : سبحان الله، ويقول الملحد : ماذا أراد الله بهذا مثلا ؟ ما الفائدة من هذه الأنواع؟ ويشعر بالضيق، مثلما ضاق داوكينز بوجود 200 نوع من الخنافس، لكن الكل يحمل الوظيفة نفسها.

التفكير في الاختلافات في الحيوانات يجب أن يشمل التفكير في الاختلافات الأخرى، في المناخات والنباتات والتضاريس. الاختلاف في أنواع الحيوانات ليس شرطا أن يكون في بيئات منعزلة، لو كانت الاختلافات موجودة فقط في البيئات المنعزلة لكان كلام داروين صحيحا.

هذا الاختلاف موجود في الجينات الوراثية من الأساس وليس بسبب تأُثير البيئة. البيئة لا تشترط حجما ولا لونا ولا أي شيء من هذا. في صحارى الجزيرة العربية تجد الشيء ونقيضه, فتجد حيوانا كبيرا أكبر حتى من حيوانات خارج الصحراء مثل الجمل, وتجد حيوانات صغيرة مثل الثعلب, وتجد نباتات صحراوية صغيرة ونباتات صحراوية عملاقة وثمارها شديدة الحلاوة كالنخلة. داروين يفترض أن الريا تطورت دون أن يذكر أسباب التطور, فلماذا هناك نوع كبير وآخر أصغر؟ ما هي الظروف البيئية التي حتّمت على الريا أن تكون صغيرة أو كبيرة؟ لماذا لم يشرحها داروين؟ تجاوزَها لأنه يعرف أن الجواب غير موجود, لو كان علميا لركّز عليها ولم يتجاوزها. داروين تجاوَز الانتخاب الطبيعي وهو أهم نقطة في بحثه! كان يجب أن يكون تركيزه على عملية الانتخاب الطبيعي نفسها وكيف عملت على هذه الريا، هكذا سيكون علميا. لماذا الخيول أنواع؟ نظرية التطور لا تفسر هذا, لماذا الخيل العربي أجمل الخيول مع أنه في الصحراء الأقل جمالا؟ أي البيئة المنتخبة نفسها أقل جمالا منه! وهل تتوقع أن يجد داروين أدلة منطقية ومقنعة تجعل بيئة جنوب الأرجنتين تفرض على هذه الريا أن تكون قزمة؟ لا، ولأنه لم يجد فقد تجاوزها, وبهذا التجاوز أسقط نظريته بنفسه.  

المستودع الجيني يحمل في داخله تنوعا, فكل نوع يحمل في داخله مقاسات وألوان, وعملية التهجين والعزل هي التي تركّز على إحدى هذه الصفات فتكثر مع الزمن، ولكن هذا لا يسمى تطورا، لأن أساسه الجيني موجود في أصل الخلقة التي قصد بها ان يتنوع النوع، فلا خلق بدون تنوع أصلا، أي طفل يولد هو عبارة عن مختلف عن غيره، اختلاف تنوع وليس إنتواع، وإلا لأصبح الناس نسخا من بعض، هذا التماثل الذي قال عنه الكهنوت المسيحي القرآن يقول عكسه تماما، فالاختلاف هو الآية، وهذا التنوع سمّاه القرآن آية، إذن داروين كان يحارب وهماً من أوهام الفكر المسيحي ولم يحارب فكرة الدين الأساسية. فالتنوع مستمر مع كل حالة ولادة جديدة.

كلمة "آية" في القرآن دائما مرتبطة بالإختلاف وليس بالتشابه، قال تعالى (إن في اختلاف الليل والنهار لآية) ، (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) ، (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم)، إذن الخالق يفتخر بأنه يقدم الاختلاف، وليس كما زعم هؤلاء المسيحيون على أن الإله مُلزَمٌ أن يقدّم المساواة للمتماثلين في نفس البيئة.

لو تختار من قطيع الأغنام فقط التي لونها أبيض وتجعلها هي التي تتزاوج، ستخرج بالأخير بقطيع أغلب لونه أبيض, هل هذا اللون الأبيض تطوُّر؟ طبعا لا، لأنه جزء من المستودع الجيني للأغنام وليس شيئا جديدا. وربما أن الريا تعرضت لنفس العملية : مجموعة قليلة من الريا القصيرة انعزلت وتكاثرت, ولا دخل للبيئة في كونها صغيرة أو كبيرة, فكلاهما مناسب, فإن قلت كبيرة ستكون أقوى وأسرع, وإن قلت صغيرة سيكون اختباؤها أسهل, فالبيئة يعيش فيها الفيل الضخم ويعيش فيها الجرذ الصغير وكلاهما يأكل الأعشاب, أي لا يوجد ميزة هي الأفضل دائما, كان على داروين أن يقدم أيهما أفضل للبيئة بشكل عام : الريا الكبيرة أم الصغيرة ؟ بموجب انتخابه الطبيعي، ولماذا بيئة جنوب الإرجنتين اختارت الصغيرة بينما اختارت بيئة الشمال عكسها؟ لو أجاب عن هذا السؤال فقط علميا لصدقنا بالنظرية مثله، لكنه لم يعرج ولو تعريجا على عمل جهازه المهم جدا وهو الانتخاب الطبيعي، ترك أهم نقطة في الموضوع وأهم جهاز يعمل عليه، وهو الانتخاب الطبيعي المزعوم وشروطه التي لا تُعرَف أبدا إلا بالمنطق الدائري، فلأنها بقيت هي الأنسب !، فقط قال أنها "أنسب" ! كيف أنسب؟ هذا كلام غير علمي. هو مثل من يفسر الماء بعد الجهد بالماء، فلأنها بقيت أصبحت هي الأنسب، وهذا كل ما بقي من العلم، لأنها لو لم تكن أنسب لما بقيت، منطق دائري .. ماذا استفدنا علميا؟ لا شيء. المفترض ان يفصّل هو والتطوريون في كل بيئة ويقدمون شروطها القابلة للتجريب، بحيث لو وضعنا الريا الكبيرة في الجنوب لحسرت وماتت لأنها بيئة غير مناسبة لها. أو على الأقل يضعف نسلها أو بدأ يصغر ولو بعد عدة أجيال، لأن الظروف البيئية كما يقولون صارمة، والصارم يعمل وبسرعة،

هذا يسقط الانتخاب الطبيعي من الناحية المنطقية, فإذا جعلت الحيوان كبيرا فهذا يعني أنه سيكون قويا، لكنه يتطلب تغذية أكثر واختباؤه سيكون أصعب, وإذا كان صغيرا فسيكثر أعداؤه لكنه سيختبئ بشكل أسهل ولن يستهلك طعاما أكثر, ولهذا الثور يعيش والفأر يعيش لأن كلاً له ميزاته. بعبارة أخرى : كل شيء يرفضه الانتخاب الطبيعي سيكون ميزة ! فإن رفض الطول فهو أفقد ميزة، وإن رفض القصر فقد أفقد ميزة، وإن رفض السواد أفقد ميزة، وإن رفض البياض أفقد ميزة ... إلخ, والبيئة متنوعة الظروف. إذن لا يوجد شيء اسمه انتخاب طبيعي.

وإذا قلت انتخاب طبيعي، فيجب أن يكون شاملا بين الأنواع وليس داخل النوع فقط, مما يعني ان النظرية ساقطة، فلماذا لا يتم الانتخاب بين الكلاب والقطط ويبقى الأفضل فقط؟ ولماذا لا يُنتخب الأفضل بين البقر و الأغنام ويُقضى على النوع الأضعف؟ ولم لا يبقي على النوع الأفضل من القوارض ويقضي على بقيتها؟ هذا طبعا لا يمكن, لماذا؟ لأن كل نوع يملك ميزة لا يملكها الآخر. وإذا امتنع عمله بين الأنواع امتنع بين النوع الواحد أيضا. بناء على منطق التطوريين، يجب أن يكون الأسد هو الأكثر عدداً لأنه الأقوى والأقل أعداء, بل ليس له أعداء, لماذا لم يكن الأكثر وصارت الغزلان والأغنام أكثر منها؟ أليس الانتخاب الطبيعي ينتخب الأفضل؟ ولماذا الانتخاب الطبيعي لا يقضي على الأطفال؟ أليسوا ضعافا وغير مناسبين للبيئة؟ لماذا يجعل الشباب يزول بعد أن حصل عليه الكائن الحي؟ أليس الشباب هو الأصلح للبيئة؟ لماذا لم يقض الانتخاب الطبيعي على مرحلة الطفولة ومرحلة الشيخوخة والموت ويُبقي على الشباب؟ هذه أمنيات أي صاحب دنيا. إذن الانتخاب الطبيعي غير موجود, إذا قلت أنه يبحث عن الأفضل ليبقيه فنحن لا نجد الواقع هكذا, إذن لا يوجد إله اسمه انتخاب طبيعي.    

داروين يربط التغيرات بين الأنواع بالبيئة، والبيئة ليس لها أي شأن في بناء الكائن الحي وتركيبه, لأن البيئة فضفاضة ومتقلبة, وما دامت متقلبة : مرة حر، ومرة برد، ومرة عواصف، ومرة هدوء, فعلى أيّ الصور ستصنع الكائن الحي؟ هل وهي متجمدة ؟ أم وهي مروج وأنهار؟ هل وهي عواصف ؟ أم وهي ساكنة؟ داروين الملحد لجأ للبيئة لكي تنظّم الحياة بدلا من الإله, وتبعه في ذلك الملاحدة. من لا يؤمن بالله ويؤمن بالانتخاب الطبيعي هو أفرغ الحاجة المنطقية لوجود إله موجود على شيء غير موجود. لكن الحاجة لوجود مدبر موجودة عندهم، وهذا يكفي لإدانتهم بعدم إيمانهم بالله، لأنهم آمنوا بالحاجة إليه لكنهم لم يؤمنوا به، ونسبوها إلى الطبيعة نفسها بزعم وجود شيء اسمه الانتخاب الطبيعي كإله بديل لا يطالبهم بأخلاق، بل يشجع سوء الأخلاق، عكس الإله الحقيقي، من خلال تأصيله للصراع في الطبيعة والبقاء للأقوى والأصل الحيواني، وهذا ما يريدونه كملاحدة رأسماليين أغنياء. إذن هم اقرب للوثنيين في تفكيرهم، أي تأليه الطبيعة، وهذا شرك وليس إلحاد، أي خرجوا من الإلحاد والصدف العمياء، وصاروا أقرب إلى فكرة وحدة الوجود الوثنية التي تقول ان الاله مبثوث في الطبيعة.

(الدقيقة : 11 الثانية : 50) يذكر الدكتور أن العلماء عندما نشر داروين كتابه أصل الانواع وتكلم عن التباينات والاختلافات في الحيوانات البرية، قالوا بأن هذه التباينات والاختلافات موجودة وتم توصيفها، لكنها تغيرات يسيرة وطفيفة ولا ينبني عليها امر مهم، فقال داروين أن هذه التباينات خطيرة جدا، فهي في زمنية طويلة ستؤدي إلى إنتواع، كما أن هذه الأنواع التي تلحظونها الآن لم تكن قبل عشرات ومئات ملايين السنين هي هي، كانت شيئا مختلفا تماما على مستوى التصنيف. فهذه التغيرات عندما تتراكم تحدث اختلافا في كل الفئات التصنيفية.

الرد : ما دليل داروين على ادعاءاته هذه؟ ماذا قدم للعلماء من أدلة علمية تثبت صحتها؟ وكيف يمكنه إثبات أنها ستتغير في المستقبل البعيد؟ ما أدلته على ذلك؟

(الدقيقة : 15 الثانية : 10) يعيد الدكتور ما تكلم عنه في حلقة سابقة عن طيور الحسونيات، وكيف طرح داروين سيناريو انها كانت نوعاً واحداً (سرباً) جاء الى الجزيرة، ثم اخذ كل نوع يتخصص في غذاء معين بعد أن اجبره الصراع على ذلك، فصار صاحب المنقار الكبير يتناول الحبوب الكبيرة، وصاحب المنقار الطويل المستدق يتناول الحشرات والديدان، وهكذا اصبح لكل حسون غذاء خاص به وهذا جعل كل نوع يتناسل مع نوعه الشبيه له في التغذية حتى اصبحوا نوعا مستقلا.

الرد : اذا صدّقنا ان الصراع على الغذاء هو الذي سبّب الإنتواع بين الحسونيات، فكيف نصدّق أنه أمكن تكوين نوع جديد أفراده يتغذون على غذاء واحد أيضا؟ كيف يكون الغذاء سببا للانتواع وسببا لتكوين النوع في نفس الوقت؟ كيف يكون أمر ما سببا للشيء وسببا لضده في نفس الوقت؟ المفترض حسب منطق السيناريو أن تستمر سلسلة الانتواع حتى يصبح كل طير نوع مستقل لوحده! لأنه سيتصارع مع غيره على الغذاء الذي اصبح اقل مما كان في السابق! وعممها على البشر أيضا، فمن الممكن أن يتصارعوا على القمح والأرز والقهوة والسكر، وبالتالي يتصالحون على أن هذا العرق يتغذى على السكر فقط، والآخر يتغذى على القمح فقط، والثالث على المشروبات الغازية وهكذا، ثم يحصل صراع جديد بين النوع الواحد على علب السفن اب ! سيناريو مجنون! هل توافقني أيها القارئ أم ترى انه قمة في العقل؟ هذا ما حدث ولم يحدث الا في خيال مضطهد وضعيف ومحدود على العسر. لأن كل من نازع الله يحدّه على العسر ويفقده عقله.

داروين يتحدث عن سيناريو متخيل بخياله أنها كانت نوعا واحدا، فصادفها مشكلة في التغذية فتنوعت، عمّم هذه الفكرة اذن، ستكون الابل والاغنام والخيول اذن نوعا واحدا، صادفها مشكلة في التغذية فاختلفت! هذا الجنون هو الذي تقوله النظرية فعلا. من أسباب تافهة تحدث تغيرات كاملة ودون النظر لحساب الوظائف والتوازن البيئي ودون التفصيل بحدوث هذه التغيرات الكبيرة والمبدعة، كل هذه تحال على الصدف العمياء! داروين اذن يصنع من الحبة قبة، ويرمي العقل خارج الملعب.

دون هذا وتنفهم المشكلة، مشكلة داروين وجود تنوع داخل الأنواع، على أساس فهم كهنوتي متخلف قال له ان المتماثلات لا بد أن تتساوى، لا كلامه صحيح ولا كلام كهنوته صحيح. لأن من ميزة الخلق التنوع أصلا، وإلا لكان هذا قصورا في الخلق والحكمة، وحاشا لله عن ذلك. ولا شأن للبيئة أبدا. هل بيئة الصين هي التي جعلت الصينيين بهذه الأشكال أو بيئة أوروبا جعلت الأوربيين هكذا وبيئة أفريقيا جعلت الأفارقة كذلك؟ ما شروطها الصارمة حتى تجعل شعر الصينيين ناعما؟ أليست الصين عبارة عن ارض ونباتات وماء وهواء وجبال وسهول؟ أي هذه العناصر هو المسؤول عن نعومة شعر الصينيين؟ أم كلها مجتمعة وفرضت على سكانها هذه الصفة؟ ما شأن السهل والجبل والماء والمطر بنعومة الشعر او خشونته؟ وأيها المسؤول عن خشونة شعر الأفارقة؟ البيئة متهم بريء. الخالق يريد أن ينوّع، ليس شرطا أن يكون نتاج البيئة، وذكرنا أمثلة كثيرة تكسر هذه القاعدة، مثل سكان خط الاستواء في العالم ليسوا مثل بعضهم البعض. مع أنهم في بيئات متشابهة.

ما ذنب البيئة وجبالها وترابها وهواءها ونباتاتها وحيواناتها؟ أين العقل والمنطق في تحميل الشيء ما لا يحتمل؟ مثل هذا التعسف قام به مونتسكيو وكثيرون غيره. يريد داروين أن يحمّل البيئة كل التبعات، مع أن البيئة متشابهة اساسا. اذن تقوم النظرية على تطرف من خلال تحميل الشيء أكثر مما يحتمل، وهكذا قذفت العقل خارج الملعب. داروين يعاني من مشكلة التنوع، وهذه مشكلة حية وموجودة في الفكر الغربي دائما و أبدا، وهي ما أنتجت العنصرية، فهم دائما ينظرون الى أشكال البشر المختلفة ويصنعون منها قضية، كأنهم يضيقون بوجود غيرهم على الارض، وما أكثر الكتب التي ألّفت في ربط اختلاف الاشكال والالوان بالبيئة، وربطها بالتفوق والتخلف، ومن أشهرها كتاب روح القوانين لمونتسيكيو، فهو يسير على خلفية من ربط الاختلافات بالبيئة، ويحلو لأكثرهم الانطلاق منها الى التفرقة العنصرية، خصوصا بعد هدية داروين (الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى) فوضعت النقاط على الحروف في إعجاب الاوروبيين بأنفسهم، فقالوا اذن هذا هو السبب، وهذا سبب مريح حدا بالنسبة لنا حيث يرضي غرورهم ويشبع اطماعهم، يجعلنا نحن الافضل ويعطينا الفرصة لتدمير غيرنا بموجب نظرية داروين، فالحياة صراع والبقاء للاقوى. ولا تسأل عن التطبيقات لهذه الفكرة الخبيثة، فالاستعمار واحدة منها فقط، وما زالوا يعانون من التفرقة العنصرية لأنها متغلغلة في أنفسهم، أولا بسبب تأثير التوراة التي يؤمن بها كل مسيحي والتي تصف أتباعها بأنهم ابناء الله، وبالتالي غيرهم ليسوا ابناء الله، كما أن التوراة بالذات تعطي الحق باستعباد السود واضطهادهم واضطهاد العرب والفلسطينيين ايضا ويسميهم الكنعانيون، لأن الرواية الخرافية تقول أن نوحا كان سكرانا وتعرى، فضحك عليه ابنه حام الأسود، فقال عليك اللعنة، تكون انت عبدا لأخويك سام ويافث، وأبناؤك عبيد لأبناءهم. وهذه هي الجذور الحقيقية للعنصرية عندهم. الاسباب الاخرى كأنها تكميلات لهذه الصورة، مثل ربط تغير الأشكال بالبيئة، مرورا بفكرة اليونان والرومان أن الناس ينقسمون إلى روماني وبربري، حتى جاءت ثالثة الأثافي وهي نظرية التطور، فأكملت نصب القدر العنصرية الذي يغلي دائما مع إباحة اجتياح واذلال البقية، وهذه النقطة لم تكن موجودة من قبل، لان نظرية التطور اعتمدت على حق البقاء للأقوى، بعبارة اخرى انها تعدّت العنصرية ضد السود الى العنصرية ضد كل الملونين. وهذه من بركات نظرية داروين، بل ان الحرب العالمية والنازية من بركاتها التي تقوم على تفضيل العرق الجرماني على سائر الأعراق، وان الدماء الزرقاء تجري في عروقهم، بدليل أن عيونهم زرقاء! وهكذا لو سئلت عن سبب العنصرية في الغرب لن تخرج اجابتك عن هذه الاسباب الاساسية، فالعنصرية لها جذور دينية من التوراة وعلمية من داروين. هذا الداء الذي شهد به الرئيس الامريكي اوباما انه لا يمكن نزعه من الشعب الامريكي. هذه العنصرية يتميزون بها دون غيرهم من الأمم، لكنهم لا يعرفون انهم يتميزون بهذه الميزة العظيمة. طبعا ليس كلهم، لكنها مؤصلة لديهم، بتأصيل علمي وتأصيل ديني، وهذا التأصيل غير موجود عند بقية الشعوب. 

داروين تكلم عن اختلاف مناقير طيور "الفنشز", لكن قس هذا على ملايين أنوف البشر, لماذا هذا الاختلاف في الأنف؟ أنف مرتفع لأعلى، وأنف معقوف، وأنف أفطس، وأنف كبير، وأنف صغير..إلخ, هل الانتخاب الطبيعي هو الذي عمل هذا العمل ؟ أم أنه المستودع الجيني والانعزال؟ كذلك الشعر, لماذا العرق الصيني والياباني شعره ناعم وطويل، والإفريقي خشن وقصير؟ هل البيئة هي التي انتخبت هذا؟ أم أن هذا موجود في المستودع الجيني البشري نفسه وكثـّفه الانعزال والتزاوج ممن يحملون نفس الصفة؟ إقحام البيئة في الموضوع مُرتقى صعب، فما شأن البيئة بأن تجعل شعبا أنوفهم معقوفة وشعباً آخر أنوفهم مرتفعة إلى فوق؟

طيور الفنشز والريا وأنواع الكلاب وغيرها من الأنواع التي داخل النوع لا تخرج عن احتمالين:

* إما أنها من نفس النوع وتحمل نفس المستودع الجيني وظهرت الاختلافات بسبب التناسل والانعزال، وليس بسبب تغير في المستودع الجيني.  

* أو أنها أنواع مستقلة ومخلوقة هكذا.

افتراض داروين وكلامه عن الحبوب الكبيرة والصغيرة غير واقعي ولا منطقي, لأن الطيور تحب أن تأكل الحبوب وأيضا تحب أن تأكل الحشرات, وداروين لم يجر تجارب عليها ماذا تأكل وماذا لا تأكل, هل "الفنش" ذو المنقار الكبير لن يأكل الدودة حين تمر من عنده؟ وهل سيترك الحبوب الصغيرة لصاحب المنقار الأصغر مع أنها جاهزة للأكل؟ هذا الاختلاف في المناقير موجود في الحمام وهي تأكل طعاما واحدا!

منطقيا في حالة قلة الموارد، الأفضل للجميع أن يتعودوا على كل أنواع الطعام، لا أن يتخصصوا في نوع واحد, لأن الطائر لا يدري ماذا سيصادفه في هذا اليوم أو هذا الموسم, فإذا انتهى موسم الحبوب الكبيرة فسوف يموت من الجوع لأنه لا يأكل غيرها, فتكون النتيجة عكس ما أراد داروين وسيسبب ذلك انقراضاً. الأصل انه كل كائن حي يستطيع أن يعيش على كائنات حية فقط لا على جمادات أو معادن أو تراب، لكن هناك أفضلية لكل حيوان لما يتناوله، فالماعز لو تركت لها أفضليتها لذهبت تتسلق الصخور وتأكل أوراق الشجر، لكن إن لم يوجد لها الا مرعى سطحي فسوف تأكل منه، وإذا لا يوجد لها إلا بروتين حيواني كمطحون عظام السمك فستأكله أيضا، لأن الجوع هو أفضل المقبلات، وهذا اظن أنه اسهل من ان يغير الكائن الحي شكل منقاره وأسنانه وهيكله وبالتالي نوعه من أجل حبة كبيرة او حبة صغيرة! وهذا شيء قابل للتجريب، إمنع اللحوم عن القطط وسوف تأكل الخبز، والخبز غذاء نباتي. امنع الكلاب عن اللحوم فستأكل حتى البرسيم، بل حتى آكلات اللحوم أحيانا تأكل نباتات، كما يفعل الدب، حتى تأتي الأسماك. وحتى الكلاب والقطط تفعل ذلك، فالكلاب تأكل التمر عند شدة الجوع، وحتى آكلات النباتات تأكل بروتين حيواني بشهوة وبلذة. والدجاج تأكل بروتين نباتي وبروتين حيواني، فتفترس الحشرات كالعقرب والخنافس والنمل والذباب وتأكل النبات والحبوب والبرسيم. حتى الجرذان تفترس، مع أنها كائنات ذات تغذية نباتية من القوارض، اذ تفترس فراخ الحمام، وانظر لقائمة طعام الانسان الواسعة، لأنه ذو عقل وأحرص وأكثر إمكانية للتجريب، فصارت قائمة طعام الانسان هي أوسع قائمة. وهذا شيء منطقي جدا، أن توسّع قائمة الطعام لتضمن حياة أفضل او تضمن مواصلة الحياة على الاقل، لا أن تنتظر منقارك حتى يتغير عبر ملايين السنين بصدف عمياء! إذن إذا ضاقت الموارد تتوسع قائمة الأطعمة والمآكل، وإذا توفر الكل رجع كل حيوان لوجبته الوظيفية، لا أن يتغير شكل المنقار. وهذا شيء واقعي ومشاهد، كما يفعل الدب تماما، فالدب يتناول العسل ويأكل النباتات والاسماك. ولا يتعارض هذا مع وظيفة الكائن الحي، لأنه في الضرورات تختلف الأحكام. لأن الدب ووزنه الثقيل ليس كالفهد في السرعة والافتراس، فلا بد أن تتوسع قائمة طعامه.

إذن لا دخل للانتخاب الطبيعي ولا وجود له ولا مصلحة له ولا حاجة له أصلا، لأن توسيع قائمة الطعام صورة من صور التكيف الطبيعي التي تحل مشكلة ندرة الطعام المعيّن. وإذا كان هذا هو افتراض الانتخاب الطبيعي فهو افتراض مدمّر، لأنه ضيَّق نطاق معيشتها بدلا من أن يوسعه. كل عصافير الدنيا تلتقط الحشرات إلا عصفور داروين المسكين هذا صاحب المنقار الكبير! هذا يؤدي إلى انقراضه، هذا التطور بهذا الشكل يؤدي لانقراضه، افرض إنها انعدمت تلك الحبوب الكبيرة، حينها سيموت، ويأتي وقت في السنة لا بد وأن تقل هذه الحبوب. يا ترى ماذا سيأكل ومنقاره لا يصلح إلا لهذا النوع من الطعام؟ كان بإمكان داروين ان يجري تجربة على هذه الطيور ويضع عندها نماذج من الطعام كحبوب صغيرة وكبيرة وحشرات ويمنعها من بعضها ويختبر، هكذا يكون علميا. اذن غلطة داروين انه حصر كل نوع بنوع واحد فقط من الطعام، وهذه فكرة بحد ذاتها قاتلة، وهذا لا يكون اصلا، فلا يوجد مخلوق أيا كان لا يعيش الا على نوع واحد. هذه مغالطة للطبيعة. لأن الحياة اصلا تعيش على الاحياء، سواء من نبات او من حيوان، لكن التوازن خصّص كل نوع بأنواع من الغذاء مفضلة وأنواع احتياطية، تبعا للظروف.

(الدقيقة : 20 الثانية : 5) يتحدث الدكتور عن مسألة انقراض الحيوانات، فيتحدث عن الكسلان الكبير الضخم الذي وجد داروين أحفورته، وقال انه انقرض، وبقي الكسلان الصغير الموجود الآن. لماذا هذا حصل؟ تجيب النظرية بأن الكسلان الكبير لم يعد ملائما للبيئة فانقرض، بينما جرت تغيرات معينة (طفرات) أدت إلى ظهور الكسلان الصغير والذي اصبح ملائما للبيئة حسب الانتخاب الطبيعي فبقي. وأنه توجد حيوانات انقرضت ولم تخلّف اخلافا لها، وهي كثيرة جدا بالملايير. بينما الانواع الموجودة لحد اليوم هي من 10 ملايين إلى 100 مليون نوع. وقال داروين ان نظريته تفسر سبب انقراض الأنواع بينما نظرية الخلق الخاص لا تفسر هذا. اذ ليس من الحكمة أن يخلق الرب كل هذه الملايين من الأنواع ثم يسمح لها بأن تنقرض! لماذا خلقها اصلا؟ هنا شيء غير مفهوم، بينما من منظور داروين أن هذه الانواع تنشأ في صراع على البقاء والموارد، وكائنات تتكيف وكائنات تفشل ان تتكيف، فطبيعي جدا ان كل من لا يتكيف ينقرض، والذي ينجح في التكيف يبقى.

الرد : لماذا البيئة قضت على الكسلان الكبير وأبقت الصغير؟ كل دارويني سيقول لك أنه لم يكن مناسبا للبيئة, لماذا؟ اشرح، لا يشرح! لأن المشكلة في التفاصيل. أليس صلب نظريتهم هو الانتخاب الطبيعي؟ المفترض أن يكون التركيز عليه! لكنهم يتجاوزونه بسرعة, لأنه لا يمكن افتراضه ولا حتى بالتلفيق. اليس الانتخاب الطبيعي هو الذي انتخب الكسلان الكبير وابقاه لفترة من ملايين السنين؟ هل السبب هو الثلج؟ لماذا انقرض الكبير وبقي الصغير مع أن البيئة لم تتغير؟ والكسلان يعيش في الغابات الممطرة الدافئة، بل حتى العصر الجليدي المزعوم لم يصل الى الغابات الدافئة، والغابات لم تكن صحاري يوما من الايام، لأن الارض موزعة على مدارات، فكيف ينتخبه الانتخاب الطبيعي ثم يقضي عليه؟ المدار الذي يعيش فيه مدار غابات، ما الذي يغيّر البيئة المدارية؟ والعصر الجليدي سيقضي على الصغير كما قضى على الكبير. ما الذي جرى بالضبط كي ينقرض؟ ما الذي جعله غير صالح للبيئة؟ أليس فيها أخشاب وغابات وثمار وهواء يتنفسه وماء يشربه؟ ما الذي حصل بالضبط ؟ لا جواب كالعادة. وحتى الإجابات سوف توجّه للكسلان الصغير ايضا لماذا بقي؟ عندما صغر حجمه قليلا أصبح ناجيا؟! هذا كلام غير مقنع. مع ان اسلوب حياة الكسلان الصغير هو نفس اسلوب الكسلان الكبير. هذا إن كان صحيحا ان ما وجده داروين يعود لهيكل كسلان كبير. ربما يكون حيوانا ذكرا وضخم الجثة من نفس النوع أيضا. ابحاث داروين ليست علمية، فهي بلا تجارب ولا صور ولا توثيق، فكيف يعتمد عليها كل هذا الاعتماد؟

لو كان حيوان الكسلان أكبر من هذا الحجم، فما هي المشكلة مع البيئة؟ ألن تسعه البيئة التي وسعت الفيل بل وسعت الديناصور الذي يزن خمسين طن - كما يقولون - ؟ يتكلمون كثيرا عن ضيق البيئة وشروطها القاسية ثم ينسون أنهم تكلموا عن مخلوقات هائلة الضخامة عاشت في نفس البيئة!

ما هي الظروف البيئية التي حتمت على الكائنات الحية الخروج من البحر إلى البر؟ فالبحر أكبر وأخصب والبحار متشابكة ودرجة حرارتها هي الأثبت والخير فيها كثير, فما هي الظروف التي ستحصل في البحر وتجعلها تخرج إلى البر؟ لا تقل لي القرش ! فالفهد والذئب والأسد ينتظرونه على اليابسة. والقرش لا يملأ البحار كلها، وما تزال تعيش الأسماك مع وجود القرش، ولم تهرب وتتكيف. احترموا عقولنا قليلا.

ثلاثة أرباع مساحة الأرض ماء, والبحر آمن من البر, فالحياة في البحر أرقّ وأنعم من الحياة في البر ولا شيء أنعم من الماء, في البحر لا يوجد شيء اسمه ظمأ, ولا مشكلة في الأكل، فملايين الأنواع موجودة في البحر, ودرجة الحرارة لا تختلف، في البر هنالك جفاف وتغير مناخ ما بين حر وبرد وثلوج وسقوط وندرة موارد واخطار كثيرة، وهو اكثر اخطارا من البحر, والسكن في البحر أسهل من البر والسفر والهجرة والانتقال فيه اسهل، لن تمر به ظروف غير اعتيادية، فكله ماء، وليس هناك اوسع من البحر. وأكثر الاحياء اصلا تعيش في البحر اكثر من تلك التي في البر، ولا تحتاج لتحفير صخور الأراضي الجافة. ما الداعي لأن تنجن وتطوّر نفسها؟ هل الانتخاب الطبيعي هو من اختار لها ان تخرج من اليابسة؟ وهو نفسه الذي أمر العجل ان يغطس في البحر ليتحول الى حوت؟ ما هذا الخيال المجنون كيف يدخل للعقول؟ مرة الانتخاب الطبيعي يُدخل للبحر ومرة يخرج من البحر! هذا انتخاب مجنون وليس في حالته الطبيعية!

المفترض ان تفر الحيوانات البرية الى البحر، لا ان تخرج من نعيم البحر الى جدب البر. لم يكن هنالك من مبرر للخروج إلى البر, ما هي الظروف التي جعلت الأحياء تخرج من البحر؟ هل سيقولون أشعة؟ البحر يعزل الأشعة أكثر من البر, بل في الأعماق هنالك ظلام, والحر والبرد لا يؤثران بالبحر كالبر، فالماء يحتفظ بدرجة الحرارة, فلا برد ولا حر ولا غبار ولا جفاف في البحر, فما هي الظروف التي ستكون في البحر ليفضل الكائن الحي البر عليه؟

ثم إذا كانوا لا يستطيعون أن يحصوا الأحياء، فكيف سيحصوا المنقرضات الموتى؟ ماداموا يتفاوتون في إحصاء الأحياء هذا التفاوت الحاد (من 10 مليون إلى مئة مليون) فكيف عرفوا أن المنقرضات 4 مليارات نوع و هم لم يخلصوا من معرفة الاحياء الموجودة؟

(الدقيقة : 32 الثانية : 52) يبدأ الدكتور باستعراض سريع لكتاب داروين (اصل الانواع). بدأ داروين في الفصل الاول يتحدث عن التغايرات والتباينات في الحيوانات الداجنة، وأن مصدر هذه التغايرات والتباينات معروف وهو البشر (الانتخاب الصناعي)، فمن بين عشرات الانواع من الحمام نجد تباينات كبيرة بينها، و كل هذه الانواع تعود الى الحمام الصخري الهندي الأصل. وسبب التغيرات هو التهجين الذي يقوم به البشر، فيأخذ المهجّن صفة مناسبة في الانثى وصفة مناسبة في الذكر ويزاوجهما لتنتج الصفتين المرغوبتين في الهجين الجديد، وهكذا تخرج لدينا الاف الانواع من الحمام، و قل هذا في سائر الحيوانات الداجنة.

الرد : القدرة الجينية في النوع تمنعه من الانقراض, ويمكن أن نسميه التنوع الفطري وليس تطورا, البشر يفعلونه بنفس الظروف البيئية الواحدة من آلاف السنين, لكنهم لم ينتجوا أي تغيّر يُخرج النوع عن نوعه, وكأن داروين ينفي فكرته من بدايتها، لأنه بدأ كتابه عن التهجين, فبنفس القفص تستطيع أن تنتج نوعاً من الحمام أو نوعاً آخر دون أن تغيِّر في الظروف, لو كانت البيئة تنتخب التغيرات التي تناسبها وتنفي التي لا تناسبها لما تم ذلك في قفص واحد وغذاء واحد, فكل الأنواع الجديدة في القفص نجحت, إذن التنوع للنوع الواحد سببه : انتقاء + تزاوج + عزل, وليس طفرات و انتخاب. ولأجرت البيئة الانتخاب بين الانواع نفسها، فلماذا فقط في داخل النوع الواحد؟ اذا كان الحصان افضل من الحمار فلماذا لم يقرض الانتخاب الطبيعي الحمار؟ وهكذا، واذا كان الانسان افضل من القرد فلماذا لم ينقرض القرد؟ أليس هو الافضل؟ ألستم تقولون انه هو الانسب والافضل والأرقى تطوريا، والانتخاب الطبيعي يبقي الافضل ويزيل ما ليس بالأفضل؟ فلماذا يعيش الانسان والقرد، والحمار والحصان، والأفاعي الصغيرة والافاعي الكبيرة؟ هل نسيتم ان الانتخاب الطبيعي يبحث عن الافضل ويبقيه؟ سواء من داخل النوع أو من خارجه؟ ولا ادري ما الهدف الذي يسعى اليه الانتخاب الطبيعي.

الدراونة نسوا هذه الملاحظة، وهي لماذا لم يقرض الانتخاب الطبيعي غير الأفضل ويبقي الافضل من الانواع المختلفة ايضا وليس فقط داخل النوع؟ طبعا لا جواب، كالعادة. هناك أنواع من الأغنام تعتبر جيدة ومناسبة عند الناس وأفضل من غيرها، وكذلك الأبقار بعضها افضل من بعض، وكذلك النباتات، تجد شيئا أفضل من شيء، قال تعالى (ونفضل بعضها على بعض في الأكل)، فلماذا لم تنقرض الأنواع الرديئة مثلما انقرض الكسلان الكبير الذي شاهده داروين كما يقول؟ وكيف عرف داروين انه انقرض؟ وهل عرف لماذا انقرض؟ هل عمل داروين احصائية حول العالم وتأكد من خلالها أنه منقرض وغير موجود؟ وهل نثق بتأكيده انه انقرض كما وثقنا بتأكيد الدراونة على انقراض الكولاكنث منذ 70 مليون سنة وإذا بها حية ترزق وتتكاثر؟ لماذا لا يحترمون عقول الناس؟ كيف يطلقون هذا الحكم أنها انقرضت ثم لا يتفاجئون بالصياد يحملها ولا يخجلون؟ بل إنهم فرحوا يوم وجدوها وبحثوا عن افتراضات وأكاذيب جديدة ناسين كذبهم الأول، اذ يقول احد التطوريين المقدسين انه صدفة عظيمة ان نجد هذه السمكة، اذ كأننا وجدنا ديناصورا في الشارع! ناسين الكذبة القديمة التي قالوها بأنها انقرضت منذ 70 مليون سنة، وكأنهم قد تعبوا في إثبات عدم وجودها. لو سألتم الصيادين في اندونيسيا لأخبروكم، هنا أربع استعجالات وقعوا فيها في موضوع الكولاكنث : الاول : قطعهم بأنها انقرضت دون بحث، وإعلانهم ذلك في مجلاتهم العلمية دون أدنى بحث في الطبيعة، الثاني : افتراضهم أن فيها رئة بدائية، وكشف العلم التشريحي أنها كيس دهني ، الثالث : افتراضهم أن لها مخ، وكشف العلم بطلان ذلك، الرابع : افتراضهم انها تعيش قريبة من السطح، لذلك تطورت وخرجت أمّنا سمكة الكولاكنث، بينما الثابت علميا انها تعيش في الأعماق، وهذا ما سبّب ندرتها، لا تنس ان هذه السمكة هي الحلقة الوسطى بين الاحياء التي تعيش على البر والتي تعيش في البحر، مثل هؤلاء كيف نثق ببقية طرحهم؟ إذ يقطعون بدون تثبت!

و اضحك على مصطلح داروين (الأحافير الحية) والتي وصفوا الكولاكنث والبلاتيبوس من احدها، أي (عنز لو طارت) .. مع انها موجودة ولم تنقرض إلا أنها تسمى أحفورة ! ما ابعد الداروينيين عن روح العلم وتعلقهم بالخرافة وأقربهم للمثل المشهور (عنز ولو طارت) .. كيف منقرضة وحية بنفس الوقت؟ خذ تناقضا جديدا. اذا قال التطوريون عن كائن انه منقرض وأحضرته حيا يرزق، سيقولون أن هذه أحفورة حية، أي كلامهم صحيح حتى لو خالفه الواقع، وهذه صورة من صور غرورهم. المفترض أن يقولوا لقد أخطأنا واستعجلنا ويجب علينا ان نتثبت مرة اخرى ويكتبون اعتذارهم للملايين التي ضللوها بهذه الخرافات الغير مثبتة، بل إن الواقع اثبت عكسها، ولكنهم ولا كأنهم فعلوا شيئا، ويظلون هم المتمسكين بالعلم والعلمية. إنها قوة الدولار والاعلام. بل هم الوحيدون الذين قاموا عدة مرات بالتزوير في المجال العلمي، بل وزوّروا أحفورة الطائر-الديناصور من مجموع خمسة هياكل عظمية قالوا أنها هيكل واحد كذبا، وصوّروها في مجلة ناشونال جيوغرافيك بصورة مركبة وبشعة، لو لم يكتشف هذا التزوير لاستمر الناس في ضلال، فالبركة في مكتشفي التزوير، ولكن لا عقاب ولا خجل. هكذا نرى قوة دفع الروح الأيديولوجية وكيف يضعف الروح العلمية. هذا ما تم اكتشافه، والبقية لم يكتشف تزويره، والخافي اعظم، كيف نثق به ونحن نعلم قوة الدافع الأيديولوجي لمحاربة الأديان من خلالها؟ و في كل مرة يقولون هذه أخطاء فردية! مع أن هناك مصانع لتصنيع الأحافير في الصين بشهادة داروينيين، وكلها أخطاء فردية لا تؤثر في الجو العلمي الذي تعيش فيه النظرية! لقد تحولت إلى معتقد ولم تعد علما، وحجتهم : بما أن هؤلاء الدينيون يزوّرون بإسم الدين، فلم لا نزوّر نحن بإسم العلم؟

بالنسبة للانقراض، فالحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه انقراض، لكن نظرية التطور تحتاج لوجوده ليبرّر وجودها، مع أن داروين يناقض نفسه عندما تكلم عن الاكتظاظ بعدما قرأ مقالة الانفجار السكاني لمالثوس، فكيف تخاف من الاكتظاظ وبنفس الوقت تقر بوجود الانقراض؟ هذا تناقض. والحقيقة أن الخطر القابل للتصديق هو الاكتظاظ وليس الانقراض، لأنهم يقرّون بحقيقة ان الطبيعة مسرفة في التكاثر، فما دامت هكذا فكيف ينقرض 90% من الأنواع؟ هذه كارثة من التناقض.

اذا كان عمر الانسان بملايين السنين، فعمر تهجينه إذن بملايين السنين، فما هو النوع الجديد الذي أنتجه من الحمام مثلا؟ كل تهجينه أنتج حماما فقط، ومثل هذا مع الكلاب والاغنام والابقار الخ.. أي التجربة موجودة ولا زالت موجودة في كل لحظة ولم تنجح ولم تقدم أي بادرة تسرّ الدراونة. الإنسان هو اكبر تهجين يمارسه على نفسه، فأين الأنواع التي نتجت عن الانسان؟ كل الظروف المرشِّحة للتطور منصبَّة على الإنسان، ومع ذلك لم يتطور، إذن النظرية فاشلة بالتجربة من ملايين السنين. التجارب المضادة للتطور هي الناجحة، أما التطور فليس له تجارب ناجحة، ألا يكفي هذا؟

(الدقيقة : 33 الثانية : 25) يواصل الدكتور استعراض الكتاب، ويقول أنه من الفصل الأول مهد داروين للفصل الثاني (والذي يتحدث عن التغايرات والتباينات في الحيوانات البرية) عبر قياس ما يفعله البشر مع الحيوانات المهجنة بالطبيعة، وأنه اذا كان المهجنون يصنعون التغيرات والتنوعات في الأنواع في ازمنة قصيرة، فما عسى الطبيعة ان تعجز عنه؟ لن تعجز الطبيعة لأن لديها ملايين السنين وليست مستعجلة.

الرد : داروين تصور أن الطبيعة تستطيع أن تنتج ما ينتجه البشر بالتهجين، وهذا خطأ, وإلا لاستطاعت الطبيعة أن تنتج أسلحة نووية و تصنع الأدوية التي أنتجتها المختبرات! صحيح أن الطبيعة عندها عمر أطول لكنها مفتوحة، والتهجين يحتاج إلى عزل وإلى تركيز وانتقاء، وهذا ما لا تملكه الطبيعة لكن يملكه الإنسان, فالطبيعة تقبل الجميع. هذا غير ان الطبيعة تقدم عكس ما يتصوره داروين، خذ مثلا توحيد ألوان الطيور والحيوانات البرية، واختلافها عن الطيور والحيوانات المستأنسة، فكل غراب أسود، هذا ما قدمته الطبيعة من ملايين السنين، لكن ليست كل حمامة بيضاء او سوداء. وخطوط حمير الوحش هي نفسها متكررة، ولا يوجد حمار وحش ابيض او حمار وحش اسود أو رمادي كما نجد عند الخيول والحمير المستأنسة، وهذا ينطبق على كل الكائنات حتى الحشرات والطيور والحيوانات التي لا يتدخل بها الانسان. هذه الحقيقة الصادمة لم ينتبه لها داروين، أن الطبيعة توحّد ولا تغيّر.

(الدقيقة : 42 الثانية : 20) يتحدث الدكتور عن تناول داروين لموضوع الاعضاء الاثرية والبنى الانتقالية، والاعضاء الاثرية هي الاعضاء التي كانت نافعة ولها وظيفة فيما سبق، ولكنها ضمرت، حيث وصف داروين ما حدث لها بالتطور التدهوري، وهنا ينبه الدكتور ان ليس كل تطور يعني ترقّي. بينما البنى الانتقالية هي بُنَى في الكائن الحي لم يتم اكتمالها حتى تحقق وظيفتها المحتملة. ويذكر الدكتور مثالا على الاعضاء الاثرية : وجود أعضاء ضامرة فيما بعد الوسط في الثعابين تنتمي الى عظام الحوض وإلى الأطراف الخلفية، ضمرت وبقيت حتى اليوم تدل عليها، وهذا يعني انه في يوم من الايام كان لهذه الثعابين حوض واطراف خلفية، و في تطور تدهوري فقدتها وبقي ما يدل عليها. ومثل الحلمات عند الرجل وعظمة العصعص والزائدة الدودية وغيرها.

الرد : كيف يسمى التدهور تطورا؟ ولماذا نتابع السجل الأحفوري لتطور الإنسان مع أن هناك تدهوراً – يسمى تطورا - ! عندما اتسعت الشواهد في الطبيعة وسّعوا معها المصطلحات ومطّطوها! إذا كان هناك "تطور تدهوري" ، إذن يصح لنا أن نقول أن البكتيريا الموجودة الآن ربما كانت إنسانا يوما من الأيام ثم تطوّر تطورا تدهوريا إلى بكتيريا! وبالتالي السجل الأحفوري كله يفقد قيمته!

هل المسألة مسألة محاماة أم علم؟ إن قلت "البقاء للأقوى" قالوا : كلا بل للأنسب, وبنفس الوقت يفسرون بقاء نوع معين لأنه كان الأقوى والانتخاب الطبيعي يحذف الأضعف! عملية تلاعب بالألفاظ، والتلاعب لا يكون علما. "الانتخاب الطبيعي ينتخب الأفضل أو الأنسب" .. هذه قاعدة لا يمكن تعميمها, ومع ذلك لا يمكن أن تسقط! لماذا لا ينتخب الانتخاب الطبيعي فترة الشباب لأنها هي الأنسب – ولا نقول الأقوى - ؟ سيقول لك : ليس في كل الأحوال يعمل الانتخاب الطبيعي, لكن هذه حالة عامة في كل الأحياء. نسأل : أليس الانتخاب يعمل في كل الحياة؟ هل سقط الانتخاب الطبيعي؟ يقولون : طبعا لا, والسبب : لا يريدونه أن يسقط, ولماذا الإصرار عليه؟ لأنه بديل عن الإله, وهنا تقف المحادثة. كأنهم يسدّون الثغرات من خلال توسيع المصطلحات والتناقض دون أي مشاهدة أو تجربة. المهم أن تبقى هذه النظرية ولا تموت, هذا ما يهمهم, والسبب ديني واجتماعي.

على أي أساس يفرَّق بين البنى الانتقالية وبين الأعضاء الأثرية؟ ما الذي يثبت أن هذه الأفعى تحمل عضو أثري أو أنه بنية انتقالية سوف تتطور بها؟ الأمر متروك لمزاج الداروينيين! إن كانت تشبه شيئا يعرفه سماها أعضاء أُثرية وجزم بذلك, وإن كانت لا تشبه شيئا يعرفه سماها أعضاء انتقالية, ويحيا العلم!

(الدقيقة : 48 الثانية 30) يذكر الدكتور كيف فسّر داروين البنى الانتقالية ولماذا استبقاها الانتخاب الطبيعي، وأسعفه عمله على هدابيات الاقدام (البرنقيل) على التفسير، وحاجج داروين بفكرتين رئيستين ، الأولى : أن هذه البنى الانتقالية التي تظهر وكأنها ليست ذات وظيفة، كزوائد بسيطة يمكن ان تكون اجنحة مثلا لو تم تطورها، لكنها لم تتحول إلى أجنحة وبقيت على حالها، لا يستبعد أن هذه البنى الانتقالية تؤدي وظيفة ليست هي وظيفة الطيران، ولأن داروين لم يتحصل على الطفرة الذي جاءت لاحقة عن زمنه احتار في تفسيرها، فاكتفى بالاجابة بأن هذه البنى الانتقالية تنشأ عشوائيا وتنتشر عشوائيا بلا هدف ولا غاية، لكن الانتخاب الطبيعي لا يعمل عليها عشوائيا. ثم إن هذه البنى الانتقالية لم تثقل على الكائن ولم تجعله اقل تكيفا. والثانية : أن هذه البنى الانتقالية قد يحدث تغير فجائي في استخدامها (وظيفتها) بما يتناسب مع تطور البنية، وضرب داروين مثالا في البرنقيل، اذ أن في بعض انواعه توجد طيّتين تفرزان مادة لزجة دبقة وظيفتها حفظ البيوض حتى تلتصق ولا تنزل، ولكن وفجأة، في انواع اخرى من البرنقيل، هذه الوظيفة غير موجودة، ولكن هذه الطيّتين صارتا تساعدان على اداء وظيفة التنفس، وهما نفس الطيتين. وكتب داروين متعجبا (لقد صارت الثنيّتان اللزجتان تعملان كخياشيم السمك).

الرد : كيف يصح وصفها بالبنى الانتقالية، بمعنى أن هدفها خلق وظيفة معينة، ولكن عند عدم اكتمالها أو تطورها – كما هو مفترض - أصبح لها وظيفة أخرى غير الوظيفة الاساسية؟ هذه الوظيفة التي يصفها بأنها "أساسية" هي وظيفة مفترضة من عنده وليست حقيقية. في العلم الأحيائي علينا ألا نفترض وظائف لأعضاء يخيّل للبعض انها ناقصة وغير مكتملة، بل علينا ان نفهم ما فائدة العضو الموجود كما هو. علينا ألا نجعل جهلنا يسبق تعلّمنا. قال تعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) إن وجود هذه الأعضاء كما هي، يعني أنها أعضاء وظيفية وليست بنى انتقالية.

ثم كيف اعتبر داروين ثنيّتا البرنقيل أنها من البنى الانتقالية بينما هو نفسه اثبت وظيفتهما في كلا النوعين؟ ففي الأولى اثبت أنها تحفظ البيوض، و في الثانية أثبت أنها تتنفس بها! اذن هذه أعضاء كاملة تؤدي وظيفتها وليست بنى انتقالية.

الدراونة يمارسون من خلال هذا الباب هواية الفرح بالجهل، "وجدنا هذا لا فائدة منه، اذن قد يكون بنى انتقالية أو أعضاء أثرية!" ثم يتقدم العلم ويكشف جهلهم لكنهم لا يخجلون، مثلما كشف جهلهم في الزائدة الدودية وغيرها، والعلم لم يصل إلى كل شيء، وهذه نقطة أساسية، لأنه لا يعرف ما هي الحياة ولا سرها، وهذه الأعضاء وغيرها من تبعات الحياة. نحن لسنا امام آلات نحن من صنعها فنعرف من ماذا صُنعت ولماذا صُنعت وهذا زائد وهذا ناقص وهذا أثري وهذا بفائدة وهذا بلا فائدة .. هذا قفز على المجهول، ليس من العلم، نعم إذا نحن من صنعناه نستطيع أن نعرف ولنا الحق علميا ان نحكم، لكننا أمام كائنات معجزة لا نعرف ولا معلومة واحدة عن سر حياتها، ولم نستطع أن نعيد الحياة لما مات منها، فهذه النظرة هي خطأ منطقي أصلا، أن تجعل مخلوقات - نحن منها ولا نعرف حتى أنفسنا - مثلها مثل مصنوعات خرجت من مصنع! هذا إسمه غرور وتغوّل فيما ليس لنا به علم.

كل النظرية مبنية على هذا التغوّل، تريد أن تفسّر ما لا يمكن تفسيره، نعم لو كنا عرفنا سر الحياة لجاز لنا، أهم شيء في موضوع الأحياء - وهو حياتها - لا نملك فيه ولا معلومة واحدة، إن شكلنا يظهر قبيحا ونحن نصنّف في أعضاء حيوان أو إنسان : هذا زائد وهذا أصلي وهذا مفيد وهذا غير مفيد، بينما نحن لا نعرف أي شيء لماذا هو حي ولماذا هو يدرك ويخاف ويعي من حوله، لا ندري ولا نعرف ما هي الذاكرة ولا ما هو الوجدان وما هو الشعور، (إن الذين تدعون من دونه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له)، وفجأة صرنا نعرف وجود أعضاء انتقالية وأعضاء زائدة! أي كأننا نريد أن نصحح ما خلقه الله الذي لم يشهدنا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسنا! هذا الأسلوب علمٌ بلا علم، أي بناء على غير أساسات. أليس هذا تطاولا وغرورا اقل ما يقال فيهما أنهما غير علميان؟

ما دام انهم يملكون كل هذه المعرفة حتى فيما قبل ملايين السنين، فلماذا لا يعالجون أمراضهم على الأقل، كالسكري والضغط والسرطان؟ هي موجودة الآن وليست منذ ملايين السنين، موجودة أمامهم. أليسوا يعرفون الكائن الحي ويعرفون كل قطعة فيه وهل هي زائدة أم لا ومن اين جاءت واين انتقلت، ضاربين في أعماق الزمن؟ فلماذا لا يعالجون مرضى السرطان؟ بل آلاف الأمراض التي لا شفاء منها إلا بمسكنات؟ ليس أمامك إلا التقزز من هذا الغرور، وصدق الله العظيم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). الحقيقة انهم لم يعالجوا شيئا ، الحقيقة هي أن الجسم هو من يعالج نفسه حتى من الكسور، ولا يدرون كيف يعالج نفسه، وإذا لم يرد أن يعالج نفسه يكف الطبيب عاجزا. ما دام علمهم ضئيل إلى هذا الحد، فلماذا التجبّر والتغوّل في أعماق أشياء لم يعرفوا ظاهرها إلا بالكاد، فما بالك بباطنها؟ قال تعالى (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) انظر الى دقة الآية وانطباقها.

ما الذي غيّروه في جسم الإنسان؟ الحقيقة انه بعد كل هذه الضوضاء والادعاءات و المبالغات لا شيء، فهو يعيش ويمرض من نفسه ويشفى من نفسه ثم يموت في الأخير من نفسه، ورغم انف الأطباء، أي كما كان في الأزمنة الغابرة، لسبب بسيط وهو أنهم لا يعرفون ما هي الروح، لو كانوا يعرفون لاستطاعوا أن يقدموا شيئا، ولكنهم لا يعرفون، فالروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. لاحظ ربط العلم بالروح في الآية، لأنهم لو عرفوا الروح ما هي لانحلت كل مشاكلهم وتحققت كل أمنياتهم، ولاستطاعوا أن يوجدوا شبابا دائما وحياة دائمة وخالية من الأمراض ومليئة بالسعادة ولاستراحوا من قانونهم البقاء للأقوى والصراع، لكن هيهات. إنهم يتعلقون بالظواهر ليس إلا، ويدّعون أنهم عرفوا كل شيء، مجرد ادعاءات لا تقدّم ولا تؤخر ولا تصمد.

ويبقى حكم الله وتحديه قائما، وسنة الله التي لا تتبدل، وتحدّيه أن يخلقوا ذبابة أو أن يعيدوا الحياة إليها.