الأربعاء، 16 أغسطس 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 10





(الدقيقة : 6 الثانية : 45) يذكر الدكتور نجاح نظرية داروين في تفسير : اختلاف الحيوانات الموجودة في البيئات المتشابهة، ويفسر ذلك بمبدأ الإنعزال، فلأن حيوانات البيئة الأولى منعزلة عن حيوانات البيئة الثانية، رغم تشابه البيئة، أدى ذلك إلى تطور كل منها على حدة. وأن النظرية نجحت أيضا في تفسير : لماذا حيوانات الجزر القارية تشبه حيوانات البر الرئيس القريب منها، بينما حيوانات الجزر المحيطية لا تشبه حيوانات اقرب بر رئيس لها؟ وفسّر ذلك بأن الجزر القارية كانت في الماضي جزءا من البر الرئيس وانفصلت عنه، بينما الجزر المحيطية لم تكن جزءا من القارة، ولأنها ليست كذلك فمن الطبيعي أن توجد بها حيوانات متميزة. وأن النظرية نجحت في تفسير : عدم وجود برمائيات في الجزر المحيطية، بينما توجد برمائيات في الجزر القارية، وفسّر ذلك بأن وجود البرمائيات في الجزر القارية يؤكد أنها كانت جزءا من القارة، أما الجزر المحيطية التي لم تكن يوما جزءا من القارة، فكيف ستصل إليها البرمائيات وهي عموما ليست محصنة ضد ملوحة ماء المحيط؟ إنها ستموت بطبيعة الحال. ويصف الدكتور ملاحظات داروين بأنها ذكية وإجاباته عن تفسيرها بأنها أذكى.

الرد : الانعزال موجود، فهل ستكون حيوانات الجزيرة العربية مثل حيوانات سيبيريا مثلاً؟ الانعزال موجود وليس بالضرورة ان يكون بحرا. الحيوانات منعزلة عن بعضها حتى في القارة الواحدة، ومع ذلك لا يوجد تطور، كالكلاب والقطط، هذا غير ان الانعزال بسبب البحار لا يعني عدم وجود تواصل نهائيا، حتى مع أمريكا، وليس التواصل معها بدأ مع كولمبوس، هذا غير صحيح، فقد أثبتت الدراسات ان اتصال المسلمين بأمريكا قديم، بل حتى اسم البرازيل مشتق من اسم بني برزال الذين كانوا يحكمونها في الأندلس، واكتشفوا في احد مقابر المسلمين القديمة مصحفا في البرازيل، أي قبل رحلة كولمبوس، وهذا لا يعني أن اتصال المسلمين أيضا أنه أقدم اتصال، بدليل أنه توجد شعوب تعيش فيها وتبني أهرامات مثل المصريين، وتستخدم القوس والنشَّاب في الصيد مثل بقية الشعوب، فكيف وصلوا إليها؟ لا بد أن لديهم حيوانات تنتقل معهم، فلا يوجد شيء اسمه انعزال 100% ولا يوجد اتصال 100% حتى ولو كانوا في قارة واحدة.

داروين يتحدث عن الحيوانات وتطورها بسبب الانعزال و لم يتكلم عن الانسان، ماذا عن الشعوب الساكنة في أمريكا القديمة : لماذا لم يتطوروا ؟ مع أن الانعزال الذي يدعيه موجود؟ فالحيوان يتطور لأنه انعزل، بينما الإنسان يوصف بالتخلف لأنه انعزل! ما هذا المكيال العجيب؟

لو كانت الصين جزيرة لأفرَحَت الدراونة، لأنه يوجد فيها حيوانات مختلفة لا توجد إلا فيها فقط. تحوي القارات - مثلما تحوي الجزر- أنواعا لا توجد إلا في أماكن محدودة، مثل دب الباندا أو السنجاب الطائر في الصين والجمل ذو السنامين وغيرها كثير, وأيضا توجد أنواع منتشرة في عدة أماكن. هذا غير اختلاف أنواع الكلاب أو الثعالب وغيرها واقتصار كل نوع على مكان معين. إذن وجود الأنواع بمكان معين ليست ظاهرة خاصة بالجزر! لو كانت الحيوانات الغريبة في الجزر المحيطية فقط لقلنا مثل داروين, لكن توجد داخل القارات أيضا حيوانات غريبة أو نادرة وبأنواع كثيرة. إذن سقطت القاعدة, فهذا ليس بدليل على التطور.

إن أرخبيل سُقُطْرَى قريب من الجزيرة العربية بمسافة 350 كيلو متر, ومع ذلك فيه 270 نوع من النباتات لا توجد في العالم إلا فيه, وستة أنواع من الطيور لا توجد إلا فيه، و 59% من الحلزونيات البرية فيه غير موجودة في أي مناطق أخرى في العالم. بينما جزيرة هاواي بالرغم من أن بعدها عن أمريكا 3200 كيلومتر إلا أنها أقل تنوعا واحتواء على كائنات خاصة بها من سُقُطْرَى! لو كان سبب الاختلاف هو الانعزال فيجب أن تكون هاواي أكثر اختلافا من سُقُطْرَى بسبب شدة انعزالها! بينما سُقُطْرَى تعتبر أغرب مكان في العالم حيث يوجد بها 700 نوع نادر.

إذن داروين حاول أن يفسر ظاهرة غير موجودة وصنع مشكلة من لا مشكلة, فالأحياء التي يقتصر تواجدها بمكان معين ليست ظاهرة خاصة بالجزر المحيطية.

ما دام أن هنالك أنواع انتقلت عبر أخشاب كما قال سابقا، إذن لماذا لم تكن البرمائيات منها؟ سيما وأنها صغيرة الحجم وتستطيع القفز؟ أحياء أخرى انتقلت للجزر وهي لا تستطيع أن تتنفس بالماء، فما بالك بالبرمائيات التي تستطيع التنفس بالماء؟ باقي الأحياء والحشرات التي وصلت لهذه الجزر و هي حيوانات برية ولا تستطيع التنفس في الماء وضعها أصعب من وضع البرمائيات، كان من باب أولى ألا تأتي الأحياء التي تغرق في الماء, لأن فرصتها في النجاة أقل من فرصة كائن برمائي. هذا غير أنها كيف ستعيش على خشبة لمدة أسابيع وأشهر وهي لا تأكل ولا تشرب وتنجو من التيارات الهوائية والأمواج؟ ولو ألقيت أي خشبة في البحر فهي في الغالب سترجع للساحل نفسه ولن تقطع المحيط كله! لهذا البحارة القدماء يرفعون الأشرعة إذا كان الهواء في صالح وجهتهم وينزلونها إذا كان الهواء مقابلا لهم, ويتوقفون في بعض الموانئ حتى تهب الرياح المناسبة لهم, أي عملية تحايل على رياح البحر. أما في الوضع العادي كإلقاء خشبة فإنها سوف ترجع إلى الساحل ولن تجوب بك المحيطات .

وهل كل الأحياء التي سافرت للجزر المحيطية جلودها غير نفاذة للماء المالح؟ كما أن البرمائيات من ذوات الحياتين : برية ومائية, و دواعي الانتقال والهجرة عندها أقل, بسبب توفر فرص الغذاء لها والتكيف مع المناخ في بيئتين.

هل هذا تفسير ذكي كما يصفه الدكتور؟ سافرت أحياء غير برمائية، فكيف لا تسافر البرمائية التي تعيش في الماء؟ وليس هنالك أكثر من تطفل الضفادع, وهي التي من عادتها أن تقفز على الأجسام العائمة في الماء. هذا غير أنه توجد برمائيات في جزر نيوزيلاندا و نيو كاليدونيا وجزر سليمان وغيرها التي لم يزرها داروين, وهذه الاستثناءات تنفي أن تكون قاعدة.

وما الذي يدفعها للسفر والهجرة والمغامرة وتركها قطيعها وركوبها بحر الظلمات الذي يخاف منه الأوروبيون؟ مع ان لديهم سفن؟

*(نقد عام للتطور) : إذا كان التطور يحذف الصفات السيئة ويُبقي الصفات الحسنة، فلماذا عند الإنسان مشاكل نفسية كثيرة ليست عند غيره من الحيوانات؟ لماذا يعاني الإنسان اكتئابات حادة وقلق وأحزان مزمنة تعطله عن مسيرة التقدم والنجاح؟ بل هي في ازدياد حتى مع التقدم والنجاح! أين هذا الرب البديل – الانتخاب الطبيعي - لينقذ أولياءه ويطورهم؟ نسبة الانتحار والأمراض النفسية أكثر في المجتمعات التي يقولون أنها متطورة, وهذا يعطيهم مزيدا من المال وبالمقابل مزيدا من التعاسة والكآبة والإدمان والشعور بالضياع والرغبة بالانتحار! أليست صفاتً سيئة؟ لماذا لم يحذفها؟ بل نراه يزيدها! خصوصا وهو قد طوّر حياتهم في مجالات المادة! أين هو لينقذ الآلاف الذين ينتحرون يوميا؟ وأكثرهم من مجتمعات غنية ومتطورة, يتركون العز والمال لينتحروا!

ولماذا الإنسان وعبر ملايين السنين لم تخرج منه أنواع جديدة ولا يوجد منه إلا نوع واحد؟ لماذا لا توجد أنواع من الإنسان مثلما هي في الحمام والكلاب وغيرها؟ مع أنه من أكثر المخلوقات وهو سيد الأرض, خصوصا في هذا الزمن، وهو زمن التلوث الكيميائي والإشعاعي والذي يتعرض له الانسان اكثر من غيره ويقدم بيئة خصبة للتطور كما يزعمون, لماذا لم يولد ولا طفل واحد في أي مستشفى في العالم يحمل ميزة أفضل؟ لماذا انقرضت أسلاف الإنسان المزعومة كلها منذ الأًصل المشترك ولم تنقرض أسلاف الحيوانات الأخرى بل تطورت؟ لماذا لم تنقرض قبائل استراليا بينما انقرض النياندرتال؟ لا يوجد مبرر لانقراض قبائل من أنواع البشر مع أنه كان عندها حضارة وتصنع السلاح و تطهو الطعام كما يقولون عن النياندرتال وغيره! مع أن الإنسان هو الأكثر هجرة و وصولا لأماكن وجزر منعزلة.

(الدقيقة : 8 الثانية : 30) يذكر الدكتور طيور الريا واختلاف احجامها في شمال وجنوب الارجنتين، ففي الشمال توجد ريا كبيرة، وفي الجنوب توجد ريا صغيرة، ولا يمكن أن تتزاوج فيما بينها، وفسر داروين اختلاف الاحجام وعدم التزاوج بمبدأ الإنعزال، فريا الشمال تعرضت لظروف بيئية وغيرها جعلتها هكذا، و ريا الجنوب تعرضت لظروف بيئية مختلفة جعلتها هكذا.

الرد : هنا يتحدث داروين عن بلد واحد هو الأرجنتين، ويقر بوجود الانعزال في هذا البلد، مع أنه لا يوجد بحر ولا مسطح مائي يفصل بين شمال وجنوب الأرجنتين. وحتى لو صار هذا الشيء فلن ينتج أنواعا جديدة, فالريا هي الريا والكلاب هي الكلاب، لكن أحجامها تختلف. ثم ما هي الظروف البيئية التي اقتضت أن تكون الريا كبيرة في الشمال وصغيرة في الجنوب؟ والبيئة هي هي في شمالها وجنوبها؟ ما الذي سيختلف في الشمال والجنوب إلا بعض الاختلاف البسيط في درجة الحرارة؟ ويمكنهما أن يتواصلا اذ لا يوجد حاجز مائي. لماذا لم يذكر لنا ولو شيئا من هذه الظروف البيئية؟ كيف تذكر سببا دون أن تفصّله؟ أليس داروين رجل علمي؟ كذلك الحمام والدجاج والبقر والخيل، بل كل الأنواع يوجد فيها كبير وصغير، وكذلك البشر، فهل كل هذا بسبب الانعزال والظروف البيئية؟ في أوروبا توجد اكبر البقر و أصغرها أيضا في العالم، مع أن البيئة واحدة تقريبا، وتوجد خيول عملاقة وخيول قزمة أيضا في نفس البيئة المتقاربة. هذه ليست ظاهرة اكتشفها داروين في الإرجنتين، هي موجودة في كل العالم.

كذلك أنواع الإنسان مثل أنواع الريا, فنوع أسترالي ونوع أوروبي ونوع أفريقي ونوع سامي .. إلخ, لكن في الأخير هم إنسان. وتوجد أنواع من الإنسان أقرب للأقزام، كسكان استراليا الأصليين، أي يقابل الريا الصغيرة، ويوجد بشر ضخام كسكان غرب أوروبا، أي يقابل الريا الكبيرة، وكلاهما يحمل نفس الاسم (إنسان و ريا) ولم نجد أيا من النوعين تغيّر أو تطور. وهذا كثيراً ما نجده في خلق الله، وهو الاختلافات في الحجم والطول واللون، ولكن النوع واحد، حتى في النباتات، فالبصل أنواع والتفاح أنواع والفلفل أنواع، وكذلك يوجد كل نوع في أرض، وليس صحيحا أن البيئة جعلته بهذا الشكل، فما شأن البيئة بطول قرون الأبقار في الهند؟ وما دخل البيئة في جعل كلب التشيواوا صغيرا جدا؟ ما شأن المكسيك في أن تجعله قزما هكذا؟ هل المكسيك جعلت كل من يعيش عليها قزما؟ لكنه التنوع الإلهي الذي يجعل للترحال والانتقال متعة وفائدة وتجارة يقدمها هذا التنوع العجيب حتى في النوع الواحد، وهذا التنوع هو ما أنعش سوق الأفلام الوثائقية، فتبارك الله أحسن الخالقين، لولا اختلاف الانتاجات لبارت السلع ولماتت التجارة.  

هذه الاختلافات وجدت لحكمة، لكي تبعث الإثارة والانبهار عندما تنتقل من مكان لمكان (السفر والترحال) ، لا أن تجد نفس النوع. لهذا الله يقول (سيروا في الأرض) لكي نتأمل في مخلوقات الله، والقرآن يؤكد على قصة الاختلافات في الخلق، قال تعالى (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم) وقال (ومن الجبال جدد بيض وحمر وغرابيب سود) وقال (صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) فإذا ذكرت الخلق فاذكر معه مباشرة التنويع والتفضيل واختلاف الأنواع، كصفة لازمة للخلق.

فلا يصح منطقيا الفصل بين الخلق والتنوع، لأن التنوع جزء من الخلق، ولا يستثير الإنسان وجود مخلوقات بلا تنوع، فالتنوع من دلائل وجود الله، مثلما أن الخلق من دلائله، فلا يستقيم منطقيا وجود خلق بلا تنوع، فالرسّام لو استمر برسم شيء واحد لملّ الناس منه، والصناعة أيضا تقدم موديلات ولا تكرّر نفس المنتج، فلا نقصي الإله المبدع الخلاق العظيم عن حقٍّ من حقوقه وهو التنوع في الخلق. وإلا فكيف نطالب بالتنوع في إبداع البشر ولا نضطر لتفسير الحاجة له بينما نقصر الخالق على خلقِ خلقٍ واحد ونتساءل عن أسباب ونقدم تفسيرات للتنوع المخلوق.

إذا سرنا و رأينا نفس المخلوقات بنفس الأحجام وبنفس الألوان، سيكون لا داعي للسير، لكن كلما انتقل الإنسان من بيئة لبيئة حتى لو كانت قريبة، فسيجد اختلافا وإثارة وبالتالي ثقافة وتجارة وجمال. هذا يحرك المشاعر أكثر ويذكّر بعظمة الخالق أكثر مما لو كانت كلها نسخة واحدة. وما دام النوعين كلاهما حي فما الداعي للتطور؟ لا الريا الكبيرة لديها مشكلة ولا الريا الصغيرة عندها مشكلة، المشكلة فقط في عقل الملحد، لكن النتيجة هي التنوع والإثارة. ولهذا نقول : ما أجمل الكون والخلق، ولذلك نقول أن السفر متعة وتأمل وتفكر في خلق الله، لأنك تجد الأنواع المختلفة والكثيرة في كل بيئة، لهذا الناس يتبادلون التجارة والمعرفة والثقافة والسياحة، كل هذا بسبب هذا التنوع الذي لا يدري داروين لماذا هو موجود. اذن الخالق مبدع، ولأنه مبدع فإنه ينوّع. وكلا النوعين مستمر في حياته وليست لديه مشكلة. عندما تزور معرضا للكلاب أو القطط او غيرها من الحيوانات، سينبهر الزائر من هذه الأنواع ويقول المؤمن : سبحان الله، ويقول الملحد : ماذا أراد الله بهذا مثلا ؟ ما الفائدة من هذه الأنواع؟ ويشعر بالضيق، مثلما ضاق داوكينز بوجود 200 نوع من الخنافس، لكن الكل يحمل الوظيفة نفسها.

التفكير في الاختلافات في الحيوانات يجب أن يشمل التفكير في الاختلافات الأخرى، في المناخات والنباتات والتضاريس. الاختلاف في أنواع الحيوانات ليس شرطا أن يكون في بيئات منعزلة، لو كانت الاختلافات موجودة فقط في البيئات المنعزلة لكان كلام داروين صحيحا.

هذا الاختلاف موجود في الجينات الوراثية من الأساس وليس بسبب تأُثير البيئة. البيئة لا تشترط حجما ولا لونا ولا أي شيء من هذا. في صحارى الجزيرة العربية تجد الشيء ونقيضه, فتجد حيوانا كبيرا أكبر حتى من حيوانات خارج الصحراء مثل الجمل, وتجد حيوانات صغيرة مثل الثعلب, وتجد نباتات صحراوية صغيرة ونباتات صحراوية عملاقة وثمارها شديدة الحلاوة كالنخلة. داروين يفترض أن الريا تطورت دون أن يذكر أسباب التطور, فلماذا هناك نوع كبير وآخر أصغر؟ ما هي الظروف البيئية التي حتّمت على الريا أن تكون صغيرة أو كبيرة؟ لماذا لم يشرحها داروين؟ تجاوزَها لأنه يعرف أن الجواب غير موجود, لو كان علميا لركّز عليها ولم يتجاوزها. داروين تجاوَز الانتخاب الطبيعي وهو أهم نقطة في بحثه! كان يجب أن يكون تركيزه على عملية الانتخاب الطبيعي نفسها وكيف عملت على هذه الريا، هكذا سيكون علميا. لماذا الخيول أنواع؟ نظرية التطور لا تفسر هذا, لماذا الخيل العربي أجمل الخيول مع أنه في الصحراء الأقل جمالا؟ أي البيئة المنتخبة نفسها أقل جمالا منه! وهل تتوقع أن يجد داروين أدلة منطقية ومقنعة تجعل بيئة جنوب الأرجنتين تفرض على هذه الريا أن تكون قزمة؟ لا، ولأنه لم يجد فقد تجاوزها, وبهذا التجاوز أسقط نظريته بنفسه.  

المستودع الجيني يحمل في داخله تنوعا, فكل نوع يحمل في داخله مقاسات وألوان, وعملية التهجين والعزل هي التي تركّز على إحدى هذه الصفات فتكثر مع الزمن، ولكن هذا لا يسمى تطورا، لأن أساسه الجيني موجود في أصل الخلقة التي قصد بها ان يتنوع النوع، فلا خلق بدون تنوع أصلا، أي طفل يولد هو عبارة عن مختلف عن غيره، اختلاف تنوع وليس إنتواع، وإلا لأصبح الناس نسخا من بعض، هذا التماثل الذي قال عنه الكهنوت المسيحي القرآن يقول عكسه تماما، فالاختلاف هو الآية، وهذا التنوع سمّاه القرآن آية، إذن داروين كان يحارب وهماً من أوهام الفكر المسيحي ولم يحارب فكرة الدين الأساسية. فالتنوع مستمر مع كل حالة ولادة جديدة.

كلمة "آية" في القرآن دائما مرتبطة بالإختلاف وليس بالتشابه، قال تعالى (إن في اختلاف الليل والنهار لآية) ، (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) ، (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم)، إذن الخالق يفتخر بأنه يقدم الاختلاف، وليس كما زعم هؤلاء المسيحيون على أن الإله مُلزَمٌ أن يقدّم المساواة للمتماثلين في نفس البيئة.

لو تختار من قطيع الأغنام فقط التي لونها أبيض وتجعلها هي التي تتزاوج، ستخرج بالأخير بقطيع أغلب لونه أبيض, هل هذا اللون الأبيض تطوُّر؟ طبعا لا، لأنه جزء من المستودع الجيني للأغنام وليس شيئا جديدا. وربما أن الريا تعرضت لنفس العملية : مجموعة قليلة من الريا القصيرة انعزلت وتكاثرت, ولا دخل للبيئة في كونها صغيرة أو كبيرة, فكلاهما مناسب, فإن قلت كبيرة ستكون أقوى وأسرع, وإن قلت صغيرة سيكون اختباؤها أسهل, فالبيئة يعيش فيها الفيل الضخم ويعيش فيها الجرذ الصغير وكلاهما يأكل الأعشاب, أي لا يوجد ميزة هي الأفضل دائما, كان على داروين أن يقدم أيهما أفضل للبيئة بشكل عام : الريا الكبيرة أم الصغيرة ؟ بموجب انتخابه الطبيعي، ولماذا بيئة جنوب الإرجنتين اختارت الصغيرة بينما اختارت بيئة الشمال عكسها؟ لو أجاب عن هذا السؤال فقط علميا لصدقنا بالنظرية مثله، لكنه لم يعرج ولو تعريجا على عمل جهازه المهم جدا وهو الانتخاب الطبيعي، ترك أهم نقطة في الموضوع وأهم جهاز يعمل عليه، وهو الانتخاب الطبيعي المزعوم وشروطه التي لا تُعرَف أبدا إلا بالمنطق الدائري، فلأنها بقيت هي الأنسب !، فقط قال أنها "أنسب" ! كيف أنسب؟ هذا كلام غير علمي. هو مثل من يفسر الماء بعد الجهد بالماء، فلأنها بقيت أصبحت هي الأنسب، وهذا كل ما بقي من العلم، لأنها لو لم تكن أنسب لما بقيت، منطق دائري .. ماذا استفدنا علميا؟ لا شيء. المفترض ان يفصّل هو والتطوريون في كل بيئة ويقدمون شروطها القابلة للتجريب، بحيث لو وضعنا الريا الكبيرة في الجنوب لحسرت وماتت لأنها بيئة غير مناسبة لها. أو على الأقل يضعف نسلها أو بدأ يصغر ولو بعد عدة أجيال، لأن الظروف البيئية كما يقولون صارمة، والصارم يعمل وبسرعة،

هذا يسقط الانتخاب الطبيعي من الناحية المنطقية, فإذا جعلت الحيوان كبيرا فهذا يعني أنه سيكون قويا، لكنه يتطلب تغذية أكثر واختباؤه سيكون أصعب, وإذا كان صغيرا فسيكثر أعداؤه لكنه سيختبئ بشكل أسهل ولن يستهلك طعاما أكثر, ولهذا الثور يعيش والفأر يعيش لأن كلاً له ميزاته. بعبارة أخرى : كل شيء يرفضه الانتخاب الطبيعي سيكون ميزة ! فإن رفض الطول فهو أفقد ميزة، وإن رفض القصر فقد أفقد ميزة، وإن رفض السواد أفقد ميزة، وإن رفض البياض أفقد ميزة ... إلخ, والبيئة متنوعة الظروف. إذن لا يوجد شيء اسمه انتخاب طبيعي.

وإذا قلت انتخاب طبيعي، فيجب أن يكون شاملا بين الأنواع وليس داخل النوع فقط, مما يعني ان النظرية ساقطة، فلماذا لا يتم الانتخاب بين الكلاب والقطط ويبقى الأفضل فقط؟ ولماذا لا يُنتخب الأفضل بين البقر و الأغنام ويُقضى على النوع الأضعف؟ ولم لا يبقي على النوع الأفضل من القوارض ويقضي على بقيتها؟ هذا طبعا لا يمكن, لماذا؟ لأن كل نوع يملك ميزة لا يملكها الآخر. وإذا امتنع عمله بين الأنواع امتنع بين النوع الواحد أيضا. بناء على منطق التطوريين، يجب أن يكون الأسد هو الأكثر عدداً لأنه الأقوى والأقل أعداء, بل ليس له أعداء, لماذا لم يكن الأكثر وصارت الغزلان والأغنام أكثر منها؟ أليس الانتخاب الطبيعي ينتخب الأفضل؟ ولماذا الانتخاب الطبيعي لا يقضي على الأطفال؟ أليسوا ضعافا وغير مناسبين للبيئة؟ لماذا يجعل الشباب يزول بعد أن حصل عليه الكائن الحي؟ أليس الشباب هو الأصلح للبيئة؟ لماذا لم يقض الانتخاب الطبيعي على مرحلة الطفولة ومرحلة الشيخوخة والموت ويُبقي على الشباب؟ هذه أمنيات أي صاحب دنيا. إذن الانتخاب الطبيعي غير موجود, إذا قلت أنه يبحث عن الأفضل ليبقيه فنحن لا نجد الواقع هكذا, إذن لا يوجد إله اسمه انتخاب طبيعي.    

داروين يربط التغيرات بين الأنواع بالبيئة، والبيئة ليس لها أي شأن في بناء الكائن الحي وتركيبه, لأن البيئة فضفاضة ومتقلبة, وما دامت متقلبة : مرة حر، ومرة برد، ومرة عواصف، ومرة هدوء, فعلى أيّ الصور ستصنع الكائن الحي؟ هل وهي متجمدة ؟ أم وهي مروج وأنهار؟ هل وهي عواصف ؟ أم وهي ساكنة؟ داروين الملحد لجأ للبيئة لكي تنظّم الحياة بدلا من الإله, وتبعه في ذلك الملاحدة. من لا يؤمن بالله ويؤمن بالانتخاب الطبيعي هو أفرغ الحاجة المنطقية لوجود إله موجود على شيء غير موجود. لكن الحاجة لوجود مدبر موجودة عندهم، وهذا يكفي لإدانتهم بعدم إيمانهم بالله، لأنهم آمنوا بالحاجة إليه لكنهم لم يؤمنوا به، ونسبوها إلى الطبيعة نفسها بزعم وجود شيء اسمه الانتخاب الطبيعي كإله بديل لا يطالبهم بأخلاق، بل يشجع سوء الأخلاق، عكس الإله الحقيقي، من خلال تأصيله للصراع في الطبيعة والبقاء للأقوى والأصل الحيواني، وهذا ما يريدونه كملاحدة رأسماليين أغنياء. إذن هم اقرب للوثنيين في تفكيرهم، أي تأليه الطبيعة، وهذا شرك وليس إلحاد، أي خرجوا من الإلحاد والصدف العمياء، وصاروا أقرب إلى فكرة وحدة الوجود الوثنية التي تقول ان الاله مبثوث في الطبيعة.

(الدقيقة : 11 الثانية : 50) يذكر الدكتور أن العلماء عندما نشر داروين كتابه أصل الانواع وتكلم عن التباينات والاختلافات في الحيوانات البرية، قالوا بأن هذه التباينات والاختلافات موجودة وتم توصيفها، لكنها تغيرات يسيرة وطفيفة ولا ينبني عليها امر مهم، فقال داروين أن هذه التباينات خطيرة جدا، فهي في زمنية طويلة ستؤدي إلى إنتواع، كما أن هذه الأنواع التي تلحظونها الآن لم تكن قبل عشرات ومئات ملايين السنين هي هي، كانت شيئا مختلفا تماما على مستوى التصنيف. فهذه التغيرات عندما تتراكم تحدث اختلافا في كل الفئات التصنيفية.

الرد : ما دليل داروين على ادعاءاته هذه؟ ماذا قدم للعلماء من أدلة علمية تثبت صحتها؟ وكيف يمكنه إثبات أنها ستتغير في المستقبل البعيد؟ ما أدلته على ذلك؟

(الدقيقة : 15 الثانية : 10) يعيد الدكتور ما تكلم عنه في حلقة سابقة عن طيور الحسونيات، وكيف طرح داروين سيناريو انها كانت نوعاً واحداً (سرباً) جاء الى الجزيرة، ثم اخذ كل نوع يتخصص في غذاء معين بعد أن اجبره الصراع على ذلك، فصار صاحب المنقار الكبير يتناول الحبوب الكبيرة، وصاحب المنقار الطويل المستدق يتناول الحشرات والديدان، وهكذا اصبح لكل حسون غذاء خاص به وهذا جعل كل نوع يتناسل مع نوعه الشبيه له في التغذية حتى اصبحوا نوعا مستقلا.

الرد : اذا صدّقنا ان الصراع على الغذاء هو الذي سبّب الإنتواع بين الحسونيات، فكيف نصدّق أنه أمكن تكوين نوع جديد أفراده يتغذون على غذاء واحد أيضا؟ كيف يكون الغذاء سببا للانتواع وسببا لتكوين النوع في نفس الوقت؟ كيف يكون أمر ما سببا للشيء وسببا لضده في نفس الوقت؟ المفترض حسب منطق السيناريو أن تستمر سلسلة الانتواع حتى يصبح كل طير نوع مستقل لوحده! لأنه سيتصارع مع غيره على الغذاء الذي اصبح اقل مما كان في السابق! وعممها على البشر أيضا، فمن الممكن أن يتصارعوا على القمح والأرز والقهوة والسكر، وبالتالي يتصالحون على أن هذا العرق يتغذى على السكر فقط، والآخر يتغذى على القمح فقط، والثالث على المشروبات الغازية وهكذا، ثم يحصل صراع جديد بين النوع الواحد على علب السفن اب ! سيناريو مجنون! هل توافقني أيها القارئ أم ترى انه قمة في العقل؟ هذا ما حدث ولم يحدث الا في خيال مضطهد وضعيف ومحدود على العسر. لأن كل من نازع الله يحدّه على العسر ويفقده عقله.

داروين يتحدث عن سيناريو متخيل بخياله أنها كانت نوعا واحدا، فصادفها مشكلة في التغذية فتنوعت، عمّم هذه الفكرة اذن، ستكون الابل والاغنام والخيول اذن نوعا واحدا، صادفها مشكلة في التغذية فاختلفت! هذا الجنون هو الذي تقوله النظرية فعلا. من أسباب تافهة تحدث تغيرات كاملة ودون النظر لحساب الوظائف والتوازن البيئي ودون التفصيل بحدوث هذه التغيرات الكبيرة والمبدعة، كل هذه تحال على الصدف العمياء! داروين اذن يصنع من الحبة قبة، ويرمي العقل خارج الملعب.

دون هذا وتنفهم المشكلة، مشكلة داروين وجود تنوع داخل الأنواع، على أساس فهم كهنوتي متخلف قال له ان المتماثلات لا بد أن تتساوى، لا كلامه صحيح ولا كلام كهنوته صحيح. لأن من ميزة الخلق التنوع أصلا، وإلا لكان هذا قصورا في الخلق والحكمة، وحاشا لله عن ذلك. ولا شأن للبيئة أبدا. هل بيئة الصين هي التي جعلت الصينيين بهذه الأشكال أو بيئة أوروبا جعلت الأوربيين هكذا وبيئة أفريقيا جعلت الأفارقة كذلك؟ ما شروطها الصارمة حتى تجعل شعر الصينيين ناعما؟ أليست الصين عبارة عن ارض ونباتات وماء وهواء وجبال وسهول؟ أي هذه العناصر هو المسؤول عن نعومة شعر الصينيين؟ أم كلها مجتمعة وفرضت على سكانها هذه الصفة؟ ما شأن السهل والجبل والماء والمطر بنعومة الشعر او خشونته؟ وأيها المسؤول عن خشونة شعر الأفارقة؟ البيئة متهم بريء. الخالق يريد أن ينوّع، ليس شرطا أن يكون نتاج البيئة، وذكرنا أمثلة كثيرة تكسر هذه القاعدة، مثل سكان خط الاستواء في العالم ليسوا مثل بعضهم البعض. مع أنهم في بيئات متشابهة.

ما ذنب البيئة وجبالها وترابها وهواءها ونباتاتها وحيواناتها؟ أين العقل والمنطق في تحميل الشيء ما لا يحتمل؟ مثل هذا التعسف قام به مونتسكيو وكثيرون غيره. يريد داروين أن يحمّل البيئة كل التبعات، مع أن البيئة متشابهة اساسا. اذن تقوم النظرية على تطرف من خلال تحميل الشيء أكثر مما يحتمل، وهكذا قذفت العقل خارج الملعب. داروين يعاني من مشكلة التنوع، وهذه مشكلة حية وموجودة في الفكر الغربي دائما و أبدا، وهي ما أنتجت العنصرية، فهم دائما ينظرون الى أشكال البشر المختلفة ويصنعون منها قضية، كأنهم يضيقون بوجود غيرهم على الارض، وما أكثر الكتب التي ألّفت في ربط اختلاف الاشكال والالوان بالبيئة، وربطها بالتفوق والتخلف، ومن أشهرها كتاب روح القوانين لمونتسيكيو، فهو يسير على خلفية من ربط الاختلافات بالبيئة، ويحلو لأكثرهم الانطلاق منها الى التفرقة العنصرية، خصوصا بعد هدية داروين (الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى) فوضعت النقاط على الحروف في إعجاب الاوروبيين بأنفسهم، فقالوا اذن هذا هو السبب، وهذا سبب مريح حدا بالنسبة لنا حيث يرضي غرورهم ويشبع اطماعهم، يجعلنا نحن الافضل ويعطينا الفرصة لتدمير غيرنا بموجب نظرية داروين، فالحياة صراع والبقاء للاقوى. ولا تسأل عن التطبيقات لهذه الفكرة الخبيثة، فالاستعمار واحدة منها فقط، وما زالوا يعانون من التفرقة العنصرية لأنها متغلغلة في أنفسهم، أولا بسبب تأثير التوراة التي يؤمن بها كل مسيحي والتي تصف أتباعها بأنهم ابناء الله، وبالتالي غيرهم ليسوا ابناء الله، كما أن التوراة بالذات تعطي الحق باستعباد السود واضطهادهم واضطهاد العرب والفلسطينيين ايضا ويسميهم الكنعانيون، لأن الرواية الخرافية تقول أن نوحا كان سكرانا وتعرى، فضحك عليه ابنه حام الأسود، فقال عليك اللعنة، تكون انت عبدا لأخويك سام ويافث، وأبناؤك عبيد لأبناءهم. وهذه هي الجذور الحقيقية للعنصرية عندهم. الاسباب الاخرى كأنها تكميلات لهذه الصورة، مثل ربط تغير الأشكال بالبيئة، مرورا بفكرة اليونان والرومان أن الناس ينقسمون إلى روماني وبربري، حتى جاءت ثالثة الأثافي وهي نظرية التطور، فأكملت نصب القدر العنصرية الذي يغلي دائما مع إباحة اجتياح واذلال البقية، وهذه النقطة لم تكن موجودة من قبل، لان نظرية التطور اعتمدت على حق البقاء للأقوى، بعبارة اخرى انها تعدّت العنصرية ضد السود الى العنصرية ضد كل الملونين. وهذه من بركات نظرية داروين، بل ان الحرب العالمية والنازية من بركاتها التي تقوم على تفضيل العرق الجرماني على سائر الأعراق، وان الدماء الزرقاء تجري في عروقهم، بدليل أن عيونهم زرقاء! وهكذا لو سئلت عن سبب العنصرية في الغرب لن تخرج اجابتك عن هذه الاسباب الاساسية، فالعنصرية لها جذور دينية من التوراة وعلمية من داروين. هذا الداء الذي شهد به الرئيس الامريكي اوباما انه لا يمكن نزعه من الشعب الامريكي. هذه العنصرية يتميزون بها دون غيرهم من الأمم، لكنهم لا يعرفون انهم يتميزون بهذه الميزة العظيمة. طبعا ليس كلهم، لكنها مؤصلة لديهم، بتأصيل علمي وتأصيل ديني، وهذا التأصيل غير موجود عند بقية الشعوب. 

داروين تكلم عن اختلاف مناقير طيور "الفنشز", لكن قس هذا على ملايين أنوف البشر, لماذا هذا الاختلاف في الأنف؟ أنف مرتفع لأعلى، وأنف معقوف، وأنف أفطس، وأنف كبير، وأنف صغير..إلخ, هل الانتخاب الطبيعي هو الذي عمل هذا العمل ؟ أم أنه المستودع الجيني والانعزال؟ كذلك الشعر, لماذا العرق الصيني والياباني شعره ناعم وطويل، والإفريقي خشن وقصير؟ هل البيئة هي التي انتخبت هذا؟ أم أن هذا موجود في المستودع الجيني البشري نفسه وكثـّفه الانعزال والتزاوج ممن يحملون نفس الصفة؟ إقحام البيئة في الموضوع مُرتقى صعب، فما شأن البيئة بأن تجعل شعبا أنوفهم معقوفة وشعباً آخر أنوفهم مرتفعة إلى فوق؟

طيور الفنشز والريا وأنواع الكلاب وغيرها من الأنواع التي داخل النوع لا تخرج عن احتمالين:

* إما أنها من نفس النوع وتحمل نفس المستودع الجيني وظهرت الاختلافات بسبب التناسل والانعزال، وليس بسبب تغير في المستودع الجيني.  

* أو أنها أنواع مستقلة ومخلوقة هكذا.

افتراض داروين وكلامه عن الحبوب الكبيرة والصغيرة غير واقعي ولا منطقي, لأن الطيور تحب أن تأكل الحبوب وأيضا تحب أن تأكل الحشرات, وداروين لم يجر تجارب عليها ماذا تأكل وماذا لا تأكل, هل "الفنش" ذو المنقار الكبير لن يأكل الدودة حين تمر من عنده؟ وهل سيترك الحبوب الصغيرة لصاحب المنقار الأصغر مع أنها جاهزة للأكل؟ هذا الاختلاف في المناقير موجود في الحمام وهي تأكل طعاما واحدا!

منطقيا في حالة قلة الموارد، الأفضل للجميع أن يتعودوا على كل أنواع الطعام، لا أن يتخصصوا في نوع واحد, لأن الطائر لا يدري ماذا سيصادفه في هذا اليوم أو هذا الموسم, فإذا انتهى موسم الحبوب الكبيرة فسوف يموت من الجوع لأنه لا يأكل غيرها, فتكون النتيجة عكس ما أراد داروين وسيسبب ذلك انقراضاً. الأصل انه كل كائن حي يستطيع أن يعيش على كائنات حية فقط لا على جمادات أو معادن أو تراب، لكن هناك أفضلية لكل حيوان لما يتناوله، فالماعز لو تركت لها أفضليتها لذهبت تتسلق الصخور وتأكل أوراق الشجر، لكن إن لم يوجد لها الا مرعى سطحي فسوف تأكل منه، وإذا لا يوجد لها إلا بروتين حيواني كمطحون عظام السمك فستأكله أيضا، لأن الجوع هو أفضل المقبلات، وهذا اظن أنه اسهل من ان يغير الكائن الحي شكل منقاره وأسنانه وهيكله وبالتالي نوعه من أجل حبة كبيرة او حبة صغيرة! وهذا شيء قابل للتجريب، إمنع اللحوم عن القطط وسوف تأكل الخبز، والخبز غذاء نباتي. امنع الكلاب عن اللحوم فستأكل حتى البرسيم، بل حتى آكلات اللحوم أحيانا تأكل نباتات، كما يفعل الدب، حتى تأتي الأسماك. وحتى الكلاب والقطط تفعل ذلك، فالكلاب تأكل التمر عند شدة الجوع، وحتى آكلات النباتات تأكل بروتين حيواني بشهوة وبلذة. والدجاج تأكل بروتين نباتي وبروتين حيواني، فتفترس الحشرات كالعقرب والخنافس والنمل والذباب وتأكل النبات والحبوب والبرسيم. حتى الجرذان تفترس، مع أنها كائنات ذات تغذية نباتية من القوارض، اذ تفترس فراخ الحمام، وانظر لقائمة طعام الانسان الواسعة، لأنه ذو عقل وأحرص وأكثر إمكانية للتجريب، فصارت قائمة طعام الانسان هي أوسع قائمة. وهذا شيء منطقي جدا، أن توسّع قائمة الطعام لتضمن حياة أفضل او تضمن مواصلة الحياة على الاقل، لا أن تنتظر منقارك حتى يتغير عبر ملايين السنين بصدف عمياء! إذن إذا ضاقت الموارد تتوسع قائمة الأطعمة والمآكل، وإذا توفر الكل رجع كل حيوان لوجبته الوظيفية، لا أن يتغير شكل المنقار. وهذا شيء واقعي ومشاهد، كما يفعل الدب تماما، فالدب يتناول العسل ويأكل النباتات والاسماك. ولا يتعارض هذا مع وظيفة الكائن الحي، لأنه في الضرورات تختلف الأحكام. لأن الدب ووزنه الثقيل ليس كالفهد في السرعة والافتراس، فلا بد أن تتوسع قائمة طعامه.

إذن لا دخل للانتخاب الطبيعي ولا وجود له ولا مصلحة له ولا حاجة له أصلا، لأن توسيع قائمة الطعام صورة من صور التكيف الطبيعي التي تحل مشكلة ندرة الطعام المعيّن. وإذا كان هذا هو افتراض الانتخاب الطبيعي فهو افتراض مدمّر، لأنه ضيَّق نطاق معيشتها بدلا من أن يوسعه. كل عصافير الدنيا تلتقط الحشرات إلا عصفور داروين المسكين هذا صاحب المنقار الكبير! هذا يؤدي إلى انقراضه، هذا التطور بهذا الشكل يؤدي لانقراضه، افرض إنها انعدمت تلك الحبوب الكبيرة، حينها سيموت، ويأتي وقت في السنة لا بد وأن تقل هذه الحبوب. يا ترى ماذا سيأكل ومنقاره لا يصلح إلا لهذا النوع من الطعام؟ كان بإمكان داروين ان يجري تجربة على هذه الطيور ويضع عندها نماذج من الطعام كحبوب صغيرة وكبيرة وحشرات ويمنعها من بعضها ويختبر، هكذا يكون علميا. اذن غلطة داروين انه حصر كل نوع بنوع واحد فقط من الطعام، وهذه فكرة بحد ذاتها قاتلة، وهذا لا يكون اصلا، فلا يوجد مخلوق أيا كان لا يعيش الا على نوع واحد. هذه مغالطة للطبيعة. لأن الحياة اصلا تعيش على الاحياء، سواء من نبات او من حيوان، لكن التوازن خصّص كل نوع بأنواع من الغذاء مفضلة وأنواع احتياطية، تبعا للظروف.

(الدقيقة : 20 الثانية : 5) يتحدث الدكتور عن مسألة انقراض الحيوانات، فيتحدث عن الكسلان الكبير الضخم الذي وجد داروين أحفورته، وقال انه انقرض، وبقي الكسلان الصغير الموجود الآن. لماذا هذا حصل؟ تجيب النظرية بأن الكسلان الكبير لم يعد ملائما للبيئة فانقرض، بينما جرت تغيرات معينة (طفرات) أدت إلى ظهور الكسلان الصغير والذي اصبح ملائما للبيئة حسب الانتخاب الطبيعي فبقي. وأنه توجد حيوانات انقرضت ولم تخلّف اخلافا لها، وهي كثيرة جدا بالملايير. بينما الانواع الموجودة لحد اليوم هي من 10 ملايين إلى 100 مليون نوع. وقال داروين ان نظريته تفسر سبب انقراض الأنواع بينما نظرية الخلق الخاص لا تفسر هذا. اذ ليس من الحكمة أن يخلق الرب كل هذه الملايين من الأنواع ثم يسمح لها بأن تنقرض! لماذا خلقها اصلا؟ هنا شيء غير مفهوم، بينما من منظور داروين أن هذه الانواع تنشأ في صراع على البقاء والموارد، وكائنات تتكيف وكائنات تفشل ان تتكيف، فطبيعي جدا ان كل من لا يتكيف ينقرض، والذي ينجح في التكيف يبقى.

الرد : لماذا البيئة قضت على الكسلان الكبير وأبقت الصغير؟ كل دارويني سيقول لك أنه لم يكن مناسبا للبيئة, لماذا؟ اشرح، لا يشرح! لأن المشكلة في التفاصيل. أليس صلب نظريتهم هو الانتخاب الطبيعي؟ المفترض أن يكون التركيز عليه! لكنهم يتجاوزونه بسرعة, لأنه لا يمكن افتراضه ولا حتى بالتلفيق. اليس الانتخاب الطبيعي هو الذي انتخب الكسلان الكبير وابقاه لفترة من ملايين السنين؟ هل السبب هو الثلج؟ لماذا انقرض الكبير وبقي الصغير مع أن البيئة لم تتغير؟ والكسلان يعيش في الغابات الممطرة الدافئة، بل حتى العصر الجليدي المزعوم لم يصل الى الغابات الدافئة، والغابات لم تكن صحاري يوما من الايام، لأن الارض موزعة على مدارات، فكيف ينتخبه الانتخاب الطبيعي ثم يقضي عليه؟ المدار الذي يعيش فيه مدار غابات، ما الذي يغيّر البيئة المدارية؟ والعصر الجليدي سيقضي على الصغير كما قضى على الكبير. ما الذي جرى بالضبط كي ينقرض؟ ما الذي جعله غير صالح للبيئة؟ أليس فيها أخشاب وغابات وثمار وهواء يتنفسه وماء يشربه؟ ما الذي حصل بالضبط ؟ لا جواب كالعادة. وحتى الإجابات سوف توجّه للكسلان الصغير ايضا لماذا بقي؟ عندما صغر حجمه قليلا أصبح ناجيا؟! هذا كلام غير مقنع. مع ان اسلوب حياة الكسلان الصغير هو نفس اسلوب الكسلان الكبير. هذا إن كان صحيحا ان ما وجده داروين يعود لهيكل كسلان كبير. ربما يكون حيوانا ذكرا وضخم الجثة من نفس النوع أيضا. ابحاث داروين ليست علمية، فهي بلا تجارب ولا صور ولا توثيق، فكيف يعتمد عليها كل هذا الاعتماد؟

لو كان حيوان الكسلان أكبر من هذا الحجم، فما هي المشكلة مع البيئة؟ ألن تسعه البيئة التي وسعت الفيل بل وسعت الديناصور الذي يزن خمسين طن - كما يقولون - ؟ يتكلمون كثيرا عن ضيق البيئة وشروطها القاسية ثم ينسون أنهم تكلموا عن مخلوقات هائلة الضخامة عاشت في نفس البيئة!

ما هي الظروف البيئية التي حتمت على الكائنات الحية الخروج من البحر إلى البر؟ فالبحر أكبر وأخصب والبحار متشابكة ودرجة حرارتها هي الأثبت والخير فيها كثير, فما هي الظروف التي ستحصل في البحر وتجعلها تخرج إلى البر؟ لا تقل لي القرش ! فالفهد والذئب والأسد ينتظرونه على اليابسة. والقرش لا يملأ البحار كلها، وما تزال تعيش الأسماك مع وجود القرش، ولم تهرب وتتكيف. احترموا عقولنا قليلا.

ثلاثة أرباع مساحة الأرض ماء, والبحر آمن من البر, فالحياة في البحر أرقّ وأنعم من الحياة في البر ولا شيء أنعم من الماء, في البحر لا يوجد شيء اسمه ظمأ, ولا مشكلة في الأكل، فملايين الأنواع موجودة في البحر, ودرجة الحرارة لا تختلف، في البر هنالك جفاف وتغير مناخ ما بين حر وبرد وثلوج وسقوط وندرة موارد واخطار كثيرة، وهو اكثر اخطارا من البحر, والسكن في البحر أسهل من البر والسفر والهجرة والانتقال فيه اسهل، لن تمر به ظروف غير اعتيادية، فكله ماء، وليس هناك اوسع من البحر. وأكثر الاحياء اصلا تعيش في البحر اكثر من تلك التي في البر، ولا تحتاج لتحفير صخور الأراضي الجافة. ما الداعي لأن تنجن وتطوّر نفسها؟ هل الانتخاب الطبيعي هو من اختار لها ان تخرج من اليابسة؟ وهو نفسه الذي أمر العجل ان يغطس في البحر ليتحول الى حوت؟ ما هذا الخيال المجنون كيف يدخل للعقول؟ مرة الانتخاب الطبيعي يُدخل للبحر ومرة يخرج من البحر! هذا انتخاب مجنون وليس في حالته الطبيعية!

المفترض ان تفر الحيوانات البرية الى البحر، لا ان تخرج من نعيم البحر الى جدب البر. لم يكن هنالك من مبرر للخروج إلى البر, ما هي الظروف التي جعلت الأحياء تخرج من البحر؟ هل سيقولون أشعة؟ البحر يعزل الأشعة أكثر من البر, بل في الأعماق هنالك ظلام, والحر والبرد لا يؤثران بالبحر كالبر، فالماء يحتفظ بدرجة الحرارة, فلا برد ولا حر ولا غبار ولا جفاف في البحر, فما هي الظروف التي ستكون في البحر ليفضل الكائن الحي البر عليه؟

ثم إذا كانوا لا يستطيعون أن يحصوا الأحياء، فكيف سيحصوا المنقرضات الموتى؟ ماداموا يتفاوتون في إحصاء الأحياء هذا التفاوت الحاد (من 10 مليون إلى مئة مليون) فكيف عرفوا أن المنقرضات 4 مليارات نوع و هم لم يخلصوا من معرفة الاحياء الموجودة؟

(الدقيقة : 32 الثانية : 52) يبدأ الدكتور باستعراض سريع لكتاب داروين (اصل الانواع). بدأ داروين في الفصل الاول يتحدث عن التغايرات والتباينات في الحيوانات الداجنة، وأن مصدر هذه التغايرات والتباينات معروف وهو البشر (الانتخاب الصناعي)، فمن بين عشرات الانواع من الحمام نجد تباينات كبيرة بينها، و كل هذه الانواع تعود الى الحمام الصخري الهندي الأصل. وسبب التغيرات هو التهجين الذي يقوم به البشر، فيأخذ المهجّن صفة مناسبة في الانثى وصفة مناسبة في الذكر ويزاوجهما لتنتج الصفتين المرغوبتين في الهجين الجديد، وهكذا تخرج لدينا الاف الانواع من الحمام، و قل هذا في سائر الحيوانات الداجنة.

الرد : القدرة الجينية في النوع تمنعه من الانقراض, ويمكن أن نسميه التنوع الفطري وليس تطورا, البشر يفعلونه بنفس الظروف البيئية الواحدة من آلاف السنين, لكنهم لم ينتجوا أي تغيّر يُخرج النوع عن نوعه, وكأن داروين ينفي فكرته من بدايتها، لأنه بدأ كتابه عن التهجين, فبنفس القفص تستطيع أن تنتج نوعاً من الحمام أو نوعاً آخر دون أن تغيِّر في الظروف, لو كانت البيئة تنتخب التغيرات التي تناسبها وتنفي التي لا تناسبها لما تم ذلك في قفص واحد وغذاء واحد, فكل الأنواع الجديدة في القفص نجحت, إذن التنوع للنوع الواحد سببه : انتقاء + تزاوج + عزل, وليس طفرات و انتخاب. ولأجرت البيئة الانتخاب بين الانواع نفسها، فلماذا فقط في داخل النوع الواحد؟ اذا كان الحصان افضل من الحمار فلماذا لم يقرض الانتخاب الطبيعي الحمار؟ وهكذا، واذا كان الانسان افضل من القرد فلماذا لم ينقرض القرد؟ أليس هو الافضل؟ ألستم تقولون انه هو الانسب والافضل والأرقى تطوريا، والانتخاب الطبيعي يبقي الافضل ويزيل ما ليس بالأفضل؟ فلماذا يعيش الانسان والقرد، والحمار والحصان، والأفاعي الصغيرة والافاعي الكبيرة؟ هل نسيتم ان الانتخاب الطبيعي يبحث عن الافضل ويبقيه؟ سواء من داخل النوع أو من خارجه؟ ولا ادري ما الهدف الذي يسعى اليه الانتخاب الطبيعي.

الدراونة نسوا هذه الملاحظة، وهي لماذا لم يقرض الانتخاب الطبيعي غير الأفضل ويبقي الافضل من الانواع المختلفة ايضا وليس فقط داخل النوع؟ طبعا لا جواب، كالعادة. هناك أنواع من الأغنام تعتبر جيدة ومناسبة عند الناس وأفضل من غيرها، وكذلك الأبقار بعضها افضل من بعض، وكذلك النباتات، تجد شيئا أفضل من شيء، قال تعالى (ونفضل بعضها على بعض في الأكل)، فلماذا لم تنقرض الأنواع الرديئة مثلما انقرض الكسلان الكبير الذي شاهده داروين كما يقول؟ وكيف عرف داروين انه انقرض؟ وهل عرف لماذا انقرض؟ هل عمل داروين احصائية حول العالم وتأكد من خلالها أنه منقرض وغير موجود؟ وهل نثق بتأكيده انه انقرض كما وثقنا بتأكيد الدراونة على انقراض الكولاكنث منذ 70 مليون سنة وإذا بها حية ترزق وتتكاثر؟ لماذا لا يحترمون عقول الناس؟ كيف يطلقون هذا الحكم أنها انقرضت ثم لا يتفاجئون بالصياد يحملها ولا يخجلون؟ بل إنهم فرحوا يوم وجدوها وبحثوا عن افتراضات وأكاذيب جديدة ناسين كذبهم الأول، اذ يقول احد التطوريين المقدسين انه صدفة عظيمة ان نجد هذه السمكة، اذ كأننا وجدنا ديناصورا في الشارع! ناسين الكذبة القديمة التي قالوها بأنها انقرضت منذ 70 مليون سنة، وكأنهم قد تعبوا في إثبات عدم وجودها. لو سألتم الصيادين في اندونيسيا لأخبروكم، هنا أربع استعجالات وقعوا فيها في موضوع الكولاكنث : الاول : قطعهم بأنها انقرضت دون بحث، وإعلانهم ذلك في مجلاتهم العلمية دون أدنى بحث في الطبيعة، الثاني : افتراضهم أن فيها رئة بدائية، وكشف العلم التشريحي أنها كيس دهني ، الثالث : افتراضهم أن لها مخ، وكشف العلم بطلان ذلك، الرابع : افتراضهم انها تعيش قريبة من السطح، لذلك تطورت وخرجت أمّنا سمكة الكولاكنث، بينما الثابت علميا انها تعيش في الأعماق، وهذا ما سبّب ندرتها، لا تنس ان هذه السمكة هي الحلقة الوسطى بين الاحياء التي تعيش على البر والتي تعيش في البحر، مثل هؤلاء كيف نثق ببقية طرحهم؟ إذ يقطعون بدون تثبت!

و اضحك على مصطلح داروين (الأحافير الحية) والتي وصفوا الكولاكنث والبلاتيبوس من احدها، أي (عنز لو طارت) .. مع انها موجودة ولم تنقرض إلا أنها تسمى أحفورة ! ما ابعد الداروينيين عن روح العلم وتعلقهم بالخرافة وأقربهم للمثل المشهور (عنز ولو طارت) .. كيف منقرضة وحية بنفس الوقت؟ خذ تناقضا جديدا. اذا قال التطوريون عن كائن انه منقرض وأحضرته حيا يرزق، سيقولون أن هذه أحفورة حية، أي كلامهم صحيح حتى لو خالفه الواقع، وهذه صورة من صور غرورهم. المفترض أن يقولوا لقد أخطأنا واستعجلنا ويجب علينا ان نتثبت مرة اخرى ويكتبون اعتذارهم للملايين التي ضللوها بهذه الخرافات الغير مثبتة، بل إن الواقع اثبت عكسها، ولكنهم ولا كأنهم فعلوا شيئا، ويظلون هم المتمسكين بالعلم والعلمية. إنها قوة الدولار والاعلام. بل هم الوحيدون الذين قاموا عدة مرات بالتزوير في المجال العلمي، بل وزوّروا أحفورة الطائر-الديناصور من مجموع خمسة هياكل عظمية قالوا أنها هيكل واحد كذبا، وصوّروها في مجلة ناشونال جيوغرافيك بصورة مركبة وبشعة، لو لم يكتشف هذا التزوير لاستمر الناس في ضلال، فالبركة في مكتشفي التزوير، ولكن لا عقاب ولا خجل. هكذا نرى قوة دفع الروح الأيديولوجية وكيف يضعف الروح العلمية. هذا ما تم اكتشافه، والبقية لم يكتشف تزويره، والخافي اعظم، كيف نثق به ونحن نعلم قوة الدافع الأيديولوجي لمحاربة الأديان من خلالها؟ و في كل مرة يقولون هذه أخطاء فردية! مع أن هناك مصانع لتصنيع الأحافير في الصين بشهادة داروينيين، وكلها أخطاء فردية لا تؤثر في الجو العلمي الذي تعيش فيه النظرية! لقد تحولت إلى معتقد ولم تعد علما، وحجتهم : بما أن هؤلاء الدينيون يزوّرون بإسم الدين، فلم لا نزوّر نحن بإسم العلم؟

بالنسبة للانقراض، فالحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه انقراض، لكن نظرية التطور تحتاج لوجوده ليبرّر وجودها، مع أن داروين يناقض نفسه عندما تكلم عن الاكتظاظ بعدما قرأ مقالة الانفجار السكاني لمالثوس، فكيف تخاف من الاكتظاظ وبنفس الوقت تقر بوجود الانقراض؟ هذا تناقض. والحقيقة أن الخطر القابل للتصديق هو الاكتظاظ وليس الانقراض، لأنهم يقرّون بحقيقة ان الطبيعة مسرفة في التكاثر، فما دامت هكذا فكيف ينقرض 90% من الأنواع؟ هذه كارثة من التناقض.

اذا كان عمر الانسان بملايين السنين، فعمر تهجينه إذن بملايين السنين، فما هو النوع الجديد الذي أنتجه من الحمام مثلا؟ كل تهجينه أنتج حماما فقط، ومثل هذا مع الكلاب والاغنام والابقار الخ.. أي التجربة موجودة ولا زالت موجودة في كل لحظة ولم تنجح ولم تقدم أي بادرة تسرّ الدراونة. الإنسان هو اكبر تهجين يمارسه على نفسه، فأين الأنواع التي نتجت عن الانسان؟ كل الظروف المرشِّحة للتطور منصبَّة على الإنسان، ومع ذلك لم يتطور، إذن النظرية فاشلة بالتجربة من ملايين السنين. التجارب المضادة للتطور هي الناجحة، أما التطور فليس له تجارب ناجحة، ألا يكفي هذا؟

(الدقيقة : 33 الثانية : 25) يواصل الدكتور استعراض الكتاب، ويقول أنه من الفصل الأول مهد داروين للفصل الثاني (والذي يتحدث عن التغايرات والتباينات في الحيوانات البرية) عبر قياس ما يفعله البشر مع الحيوانات المهجنة بالطبيعة، وأنه اذا كان المهجنون يصنعون التغيرات والتنوعات في الأنواع في ازمنة قصيرة، فما عسى الطبيعة ان تعجز عنه؟ لن تعجز الطبيعة لأن لديها ملايين السنين وليست مستعجلة.

الرد : داروين تصور أن الطبيعة تستطيع أن تنتج ما ينتجه البشر بالتهجين، وهذا خطأ, وإلا لاستطاعت الطبيعة أن تنتج أسلحة نووية و تصنع الأدوية التي أنتجتها المختبرات! صحيح أن الطبيعة عندها عمر أطول لكنها مفتوحة، والتهجين يحتاج إلى عزل وإلى تركيز وانتقاء، وهذا ما لا تملكه الطبيعة لكن يملكه الإنسان, فالطبيعة تقبل الجميع. هذا غير ان الطبيعة تقدم عكس ما يتصوره داروين، خذ مثلا توحيد ألوان الطيور والحيوانات البرية، واختلافها عن الطيور والحيوانات المستأنسة، فكل غراب أسود، هذا ما قدمته الطبيعة من ملايين السنين، لكن ليست كل حمامة بيضاء او سوداء. وخطوط حمير الوحش هي نفسها متكررة، ولا يوجد حمار وحش ابيض او حمار وحش اسود أو رمادي كما نجد عند الخيول والحمير المستأنسة، وهذا ينطبق على كل الكائنات حتى الحشرات والطيور والحيوانات التي لا يتدخل بها الانسان. هذه الحقيقة الصادمة لم ينتبه لها داروين، أن الطبيعة توحّد ولا تغيّر.

(الدقيقة : 42 الثانية : 20) يتحدث الدكتور عن تناول داروين لموضوع الاعضاء الاثرية والبنى الانتقالية، والاعضاء الاثرية هي الاعضاء التي كانت نافعة ولها وظيفة فيما سبق، ولكنها ضمرت، حيث وصف داروين ما حدث لها بالتطور التدهوري، وهنا ينبه الدكتور ان ليس كل تطور يعني ترقّي. بينما البنى الانتقالية هي بُنَى في الكائن الحي لم يتم اكتمالها حتى تحقق وظيفتها المحتملة. ويذكر الدكتور مثالا على الاعضاء الاثرية : وجود أعضاء ضامرة فيما بعد الوسط في الثعابين تنتمي الى عظام الحوض وإلى الأطراف الخلفية، ضمرت وبقيت حتى اليوم تدل عليها، وهذا يعني انه في يوم من الايام كان لهذه الثعابين حوض واطراف خلفية، و في تطور تدهوري فقدتها وبقي ما يدل عليها. ومثل الحلمات عند الرجل وعظمة العصعص والزائدة الدودية وغيرها.

الرد : كيف يسمى التدهور تطورا؟ ولماذا نتابع السجل الأحفوري لتطور الإنسان مع أن هناك تدهوراً – يسمى تطورا - ! عندما اتسعت الشواهد في الطبيعة وسّعوا معها المصطلحات ومطّطوها! إذا كان هناك "تطور تدهوري" ، إذن يصح لنا أن نقول أن البكتيريا الموجودة الآن ربما كانت إنسانا يوما من الأيام ثم تطوّر تطورا تدهوريا إلى بكتيريا! وبالتالي السجل الأحفوري كله يفقد قيمته!

هل المسألة مسألة محاماة أم علم؟ إن قلت "البقاء للأقوى" قالوا : كلا بل للأنسب, وبنفس الوقت يفسرون بقاء نوع معين لأنه كان الأقوى والانتخاب الطبيعي يحذف الأضعف! عملية تلاعب بالألفاظ، والتلاعب لا يكون علما. "الانتخاب الطبيعي ينتخب الأفضل أو الأنسب" .. هذه قاعدة لا يمكن تعميمها, ومع ذلك لا يمكن أن تسقط! لماذا لا ينتخب الانتخاب الطبيعي فترة الشباب لأنها هي الأنسب – ولا نقول الأقوى - ؟ سيقول لك : ليس في كل الأحوال يعمل الانتخاب الطبيعي, لكن هذه حالة عامة في كل الأحياء. نسأل : أليس الانتخاب يعمل في كل الحياة؟ هل سقط الانتخاب الطبيعي؟ يقولون : طبعا لا, والسبب : لا يريدونه أن يسقط, ولماذا الإصرار عليه؟ لأنه بديل عن الإله, وهنا تقف المحادثة. كأنهم يسدّون الثغرات من خلال توسيع المصطلحات والتناقض دون أي مشاهدة أو تجربة. المهم أن تبقى هذه النظرية ولا تموت, هذا ما يهمهم, والسبب ديني واجتماعي.

على أي أساس يفرَّق بين البنى الانتقالية وبين الأعضاء الأثرية؟ ما الذي يثبت أن هذه الأفعى تحمل عضو أثري أو أنه بنية انتقالية سوف تتطور بها؟ الأمر متروك لمزاج الداروينيين! إن كانت تشبه شيئا يعرفه سماها أعضاء أُثرية وجزم بذلك, وإن كانت لا تشبه شيئا يعرفه سماها أعضاء انتقالية, ويحيا العلم!

(الدقيقة : 48 الثانية 30) يذكر الدكتور كيف فسّر داروين البنى الانتقالية ولماذا استبقاها الانتخاب الطبيعي، وأسعفه عمله على هدابيات الاقدام (البرنقيل) على التفسير، وحاجج داروين بفكرتين رئيستين ، الأولى : أن هذه البنى الانتقالية التي تظهر وكأنها ليست ذات وظيفة، كزوائد بسيطة يمكن ان تكون اجنحة مثلا لو تم تطورها، لكنها لم تتحول إلى أجنحة وبقيت على حالها، لا يستبعد أن هذه البنى الانتقالية تؤدي وظيفة ليست هي وظيفة الطيران، ولأن داروين لم يتحصل على الطفرة الذي جاءت لاحقة عن زمنه احتار في تفسيرها، فاكتفى بالاجابة بأن هذه البنى الانتقالية تنشأ عشوائيا وتنتشر عشوائيا بلا هدف ولا غاية، لكن الانتخاب الطبيعي لا يعمل عليها عشوائيا. ثم إن هذه البنى الانتقالية لم تثقل على الكائن ولم تجعله اقل تكيفا. والثانية : أن هذه البنى الانتقالية قد يحدث تغير فجائي في استخدامها (وظيفتها) بما يتناسب مع تطور البنية، وضرب داروين مثالا في البرنقيل، اذ أن في بعض انواعه توجد طيّتين تفرزان مادة لزجة دبقة وظيفتها حفظ البيوض حتى تلتصق ولا تنزل، ولكن وفجأة، في انواع اخرى من البرنقيل، هذه الوظيفة غير موجودة، ولكن هذه الطيّتين صارتا تساعدان على اداء وظيفة التنفس، وهما نفس الطيتين. وكتب داروين متعجبا (لقد صارت الثنيّتان اللزجتان تعملان كخياشيم السمك).

الرد : كيف يصح وصفها بالبنى الانتقالية، بمعنى أن هدفها خلق وظيفة معينة، ولكن عند عدم اكتمالها أو تطورها – كما هو مفترض - أصبح لها وظيفة أخرى غير الوظيفة الاساسية؟ هذه الوظيفة التي يصفها بأنها "أساسية" هي وظيفة مفترضة من عنده وليست حقيقية. في العلم الأحيائي علينا ألا نفترض وظائف لأعضاء يخيّل للبعض انها ناقصة وغير مكتملة، بل علينا ان نفهم ما فائدة العضو الموجود كما هو. علينا ألا نجعل جهلنا يسبق تعلّمنا. قال تعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) إن وجود هذه الأعضاء كما هي، يعني أنها أعضاء وظيفية وليست بنى انتقالية.

ثم كيف اعتبر داروين ثنيّتا البرنقيل أنها من البنى الانتقالية بينما هو نفسه اثبت وظيفتهما في كلا النوعين؟ ففي الأولى اثبت أنها تحفظ البيوض، و في الثانية أثبت أنها تتنفس بها! اذن هذه أعضاء كاملة تؤدي وظيفتها وليست بنى انتقالية.

الدراونة يمارسون من خلال هذا الباب هواية الفرح بالجهل، "وجدنا هذا لا فائدة منه، اذن قد يكون بنى انتقالية أو أعضاء أثرية!" ثم يتقدم العلم ويكشف جهلهم لكنهم لا يخجلون، مثلما كشف جهلهم في الزائدة الدودية وغيرها، والعلم لم يصل إلى كل شيء، وهذه نقطة أساسية، لأنه لا يعرف ما هي الحياة ولا سرها، وهذه الأعضاء وغيرها من تبعات الحياة. نحن لسنا امام آلات نحن من صنعها فنعرف من ماذا صُنعت ولماذا صُنعت وهذا زائد وهذا ناقص وهذا أثري وهذا بفائدة وهذا بلا فائدة .. هذا قفز على المجهول، ليس من العلم، نعم إذا نحن من صنعناه نستطيع أن نعرف ولنا الحق علميا ان نحكم، لكننا أمام كائنات معجزة لا نعرف ولا معلومة واحدة عن سر حياتها، ولم نستطع أن نعيد الحياة لما مات منها، فهذه النظرة هي خطأ منطقي أصلا، أن تجعل مخلوقات - نحن منها ولا نعرف حتى أنفسنا - مثلها مثل مصنوعات خرجت من مصنع! هذا إسمه غرور وتغوّل فيما ليس لنا به علم.

كل النظرية مبنية على هذا التغوّل، تريد أن تفسّر ما لا يمكن تفسيره، نعم لو كنا عرفنا سر الحياة لجاز لنا، أهم شيء في موضوع الأحياء - وهو حياتها - لا نملك فيه ولا معلومة واحدة، إن شكلنا يظهر قبيحا ونحن نصنّف في أعضاء حيوان أو إنسان : هذا زائد وهذا أصلي وهذا مفيد وهذا غير مفيد، بينما نحن لا نعرف أي شيء لماذا هو حي ولماذا هو يدرك ويخاف ويعي من حوله، لا ندري ولا نعرف ما هي الذاكرة ولا ما هو الوجدان وما هو الشعور، (إن الذين تدعون من دونه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له)، وفجأة صرنا نعرف وجود أعضاء انتقالية وأعضاء زائدة! أي كأننا نريد أن نصحح ما خلقه الله الذي لم يشهدنا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسنا! هذا الأسلوب علمٌ بلا علم، أي بناء على غير أساسات. أليس هذا تطاولا وغرورا اقل ما يقال فيهما أنهما غير علميان؟

ما دام انهم يملكون كل هذه المعرفة حتى فيما قبل ملايين السنين، فلماذا لا يعالجون أمراضهم على الأقل، كالسكري والضغط والسرطان؟ هي موجودة الآن وليست منذ ملايين السنين، موجودة أمامهم. أليسوا يعرفون الكائن الحي ويعرفون كل قطعة فيه وهل هي زائدة أم لا ومن اين جاءت واين انتقلت، ضاربين في أعماق الزمن؟ فلماذا لا يعالجون مرضى السرطان؟ بل آلاف الأمراض التي لا شفاء منها إلا بمسكنات؟ ليس أمامك إلا التقزز من هذا الغرور، وصدق الله العظيم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). الحقيقة انهم لم يعالجوا شيئا ، الحقيقة هي أن الجسم هو من يعالج نفسه حتى من الكسور، ولا يدرون كيف يعالج نفسه، وإذا لم يرد أن يعالج نفسه يكف الطبيب عاجزا. ما دام علمهم ضئيل إلى هذا الحد، فلماذا التجبّر والتغوّل في أعماق أشياء لم يعرفوا ظاهرها إلا بالكاد، فما بالك بباطنها؟ قال تعالى (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) انظر الى دقة الآية وانطباقها.

ما الذي غيّروه في جسم الإنسان؟ الحقيقة انه بعد كل هذه الضوضاء والادعاءات و المبالغات لا شيء، فهو يعيش ويمرض من نفسه ويشفى من نفسه ثم يموت في الأخير من نفسه، ورغم انف الأطباء، أي كما كان في الأزمنة الغابرة، لسبب بسيط وهو أنهم لا يعرفون ما هي الروح، لو كانوا يعرفون لاستطاعوا أن يقدموا شيئا، ولكنهم لا يعرفون، فالروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. لاحظ ربط العلم بالروح في الآية، لأنهم لو عرفوا الروح ما هي لانحلت كل مشاكلهم وتحققت كل أمنياتهم، ولاستطاعوا أن يوجدوا شبابا دائما وحياة دائمة وخالية من الأمراض ومليئة بالسعادة ولاستراحوا من قانونهم البقاء للأقوى والصراع، لكن هيهات. إنهم يتعلقون بالظواهر ليس إلا، ويدّعون أنهم عرفوا كل شيء، مجرد ادعاءات لا تقدّم ولا تؤخر ولا تصمد.

ويبقى حكم الله وتحديه قائما، وسنة الله التي لا تتبدل، وتحدّيه أن يخلقوا ذبابة أو أن يعيدوا الحياة إليها.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق