الأحد، 30 يوليو 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 9


 
(الدقيقة : 7 الثانية : 20) يذكر الدكتور مقالة مالثوس عن السكان والتي قدحت ذهن داروين ليبدأ بتكوين نظريته، وهي أن الطبيعة مسرفة في التكاثر، وأن السكان – وسائر الكائنات - يتكاثرون بمتوالية هندسية، ويختلف من حالة إلى أخرى، بينما الموارد التي يتغذون عليها تزداد بمتوالية حسابية، وبنفس الوقت نجد أن عدد الكائنات الحية تقريبا هو هو في كل زمان، ولا يزداد وفقا للمتوالية الهندسية، وهذا يعني وجود صراع في البيئات، اي صراعا على البقاء والوجود، يهلك في هذا الصراع من لا يحقق شروط البقاء. وهذا ما قدح زناد النظرية في عقل داروين.

الرد : إنّ أخذ داروين للمبدأ السكاني هو إسقاط ليس في محله للفكر البشري, وهذا ما أدى به للفهم الخاطئ, يجب أن تُدرَس الطبيعة كما هي لا كما نحن, داروين درسها كما نحن وليس كما هي. نعم نحن من عندنا البقاء للأقوى ونحن من عندنا الصراع على الموارد, لكن هذا غير موجود في الطبيعة بتاتا, إلا مَشَاهد صراعات عند الزواج مثلا بدافع غريزة الانتشار, فهذا صراع خادم للبيئة وللنوع, وهو صراع مؤقت، وبين الذكور فقط، فتخيل لو كثـّر النوع نفسه في مكان واحد، سيتدمر المكان ويتدمّر النوع وتتضرر البيئة البعيدة المحتاجة لوجوده في مهمة التوازن. في الطبيعة ليس هناك صراع بين نوعين إطلاقا, هناك صراع أحيانا بين نفس النوع، لأن النوع هو المُنافس. لو كان هناك ضيق موارد لضاق على الجراد الذي يطير بالملايين دفعة واحدة، ومع ذلك لم يتصارعوا مع بعضهم ولم تـُنتخب أنواع منه.

(الدقيقة : 13 الثانية : 45) يدافع الدكتور عن داروين في قضية اقتباس فكرة الانتخاب الطبيعي من مقالة كتبها عالم الحيوان ادوارد بلايث تحدث فيها عن الانتخاب الطبيعي واطلع عليها داروين، وهي إحدى التهم التي يتهم بها الخلقويون داروين، فيذكر في دفاعه عنه أن داروين عندما وصلته رسالة من والاس فيها تلخيص لنظريته حول الانتخاب الطبيعي وقالوا له انشر ما لديك وكأنك لم تصلك الرسالة، قال داروين انه يفضل الموت على ان يفعل مثل هذا الفعل لأنه إنسان شريف، وبالتالي هذا عمل بعيد عن شخصية داروين أن يقوم به.

الرد : لماذا يُستبعد أن يفعل داروين ذلك مع أن الدكتور قبل دقائق قليلة ذكر اقتباس داروين لفكرة الصراع على البقاء من مقالة مالثوس؟ وأيضا اقتباسه فكرة أن الحيوان الهجين الضعيف في النهاية سيهلك من مقالة لعالم الحيوان جون سبرايت حول تهجين الحيوانات الأليفة؟ إن كل عمل داروين عبارة عن اخذ، فقد أخذ علم الجيولوجيا من هنسلو عندما دس كتابه في جيبه قبل الرحلة، وفكرة التطور من جده إرازموس ومن علماء العرب ومن التوراة، فكل عمله لا يخلو من النقل أينما توجه، فلماذا يرفض هذه المرة؟

(الدقيقة : 18 الثانية : 55) يقول الدكتور أن فكرة التطور من خلال الاستعمال والإهمال وتأثير البيئة غير منطقية لأن التكيف لا يورّث، وأن داروين في آخر حياته و في الطبعة السادسة والأخيرة منه أقر بمبدأ الإستعمال والإهمال الذي ذكره لامارك بعد ان رفضه لمدة طويلة، ويعتبرها الدكتور ردة عن النظرية إلى النظرية الضد.

الرد : إن داروين يقول أن البيئة تؤثر على الأحياء ويقرّ بهذا, ويستشهد بملاحظاته على البحارة المجدّفين بأن أيديهم أطول من المعتاد, وأن صدور سكان المناطق الجبلية أكبر بسبب نقص الأكسجين.

التطوريون يعتبرون أن الانتخاب الطبيعي هو الذي يُزيل الأفراد الضعيفة ويبقي القوية, وكأنه إله فعال, بينما الواقع أن الحياة كلها عكس ما تريده البيئة والطبيعة, فالحيوان يقف على أقدامه بينما الطبيعة تريده أن يسقط على الأرض, فالبيئة تريد أن تسقط الجميع وتريد أن تحلّل الجميع. أي لو تُرك الأمر للطبيعة لم يبق كائن على قيد الحياة, فالبرد لا يرحم والحرارة لا ترحم, والحيوان نفسه لا يملك أن يفعل لنفسه شيئا, ولا يملك أن يأتي بهذه المعجزات كالطيران والريش والعيون والأساليب الهندسية الذكية... إلخ, إذن لا الطبيعة ولا الحيوان قادران على إحداث التطور, فاقد الشيء لا يعطيه، الطبيعة لا تمشي، فكيف تجعل غيرها يمشي أو يطير؟ إذن هنالك إله رحيم هو الذي أنبت الصوف والوبر والشعر والريش عليها ليحميها, وسخرها لأطفالها بلا مصلحة، وأعطاها السمع والبصر والذاكرة... إلخ حتى تتصرف مع أوضاع البيئة القاسية التي تمر بها. إذن من يموت من الكائنات ليس لأن الانتخاب الطبيعي هو الذي نحَّاه, بل الكائن نفسه عجز أن يواصل حياته الاعتيادية في التكيف مع القوانين القاسية.

حتى يخرج التطوريون من هذه الورطة - ورطة أنه لا الحيوان قادر أن يخلق أو يطوّر نفسه ولا أن الطبيعة تملك ذلك لتمرره للكائن - اقترحوا فكرةً - هي نفسها لكن بصياغة ثانية - وهي أن التطور يحصل صدفة عن طريق الخطأ في التركيب الجيني, لكنها تكون صدفة سعيدة، والسؤال هو : سعيدة بالنسبة لمن ؟ للانتخاب الطبيعي؟ لا أدري لماذا يفرح! أم أنها سعيدة بالنسبة للكائن الحي ؟ لقد كان يعيش حياته بشكل عادي ويتكاثر بشكل اعتيادي ولم يكن يعاني حتى يفرح بهذه الطفرة! لو كان يعاني لما تكاثر أساسا.

كون الحشرة تطير أو تمشي : ما دخل البيئة بهذا الشيء؟ كلمة بيئة واسعة جدا، تشمل الأحياء والجماد، أي كل شيء, حين يكتسب الحيوان صفة ما : من يستفيد منها؟ إذا استفاد شيء في البيئة سيتضرر شيء آخر من البيئة نفسها! مثلما أن مخالب القط لعنة على الفئران، والفئران من البيئة, أليس لها صوت في برلمان البيئة المنتخِب؟ هذا غير أن الطفرات كلها أخطاء ولم يثبت وجود طفرة حسنة حتى الآن ولا يمكن أن تثبت.

(الدقيقة : 19 الثانية : 15) يذكر الدكتور المبادئ الثلاثة التي لخص بها التطوري جوليان هكسلي نظرية التطور، وذكر أن المبدأ الأول هو وجود التباينات في افراد النوع الواحد (كالكلاب مثلا)، وأن المبدأ الثاني هو اسراف الطبيعة في التكاثر.

الرد : وجود التباينات بحد ذاته لا يعني تطور افراد النوع الواحد بعضها من بعض، أما اسراف الطبيعة في التكاثر فهذا ليس من أجل ان تتطور، فكيف يعتبر هذان المبدآن من مبادئ نظرية التطور؟

كما أن إسراف الطبيعة في التكاثر امر نسبي وليس عاما، فتكاثر الاغنام ليس كتكاثر الذئاب، وتكاثر الفئران ليس كتكاثر القطط، وتكاثر الاسود ليس كتكاثر الوعول أو الظباء. اذن هناك توازن وليس إسرافا. إسراف الطبيعة في التكاثر هو ما بنى عليه التطوريون الصراع لأجل البقاء، على اساس أنه لو لم يكن هناك صراع لحصل انفجار سكاني هائل، ناسين ان فكرة إسراف الطبيعة في التكاثر يتناقض مع فكرتهم حول انقراض 90% من الاحياء كأنواع، هذا غير ان موت صغار الحيوانات في الطبيعة ليس بسبب الافتراس او الصراع فقط، فإما يكون بسبب الامراض او الحوادث كالسقوط او الغرق او نقص التغذية، فأين الصراع هنا؟ مثلا فراخ الدجاج نجد قليلا منها من يموت لافتراس القط او الثعلب لها، بل لنقص تغذية او غرق او سقوط من مكان عالي او مرض او برد او حرارة زائدتان الخ ..

هذا غير ان هذا التكاثر موجّه وليس إسرافاً، فالسمك تبيض بيوضا كثيرة لأن الاسماك وجبة لكثيرين من الاحياء في البحر والبر، والبحر واسع، والأعداء كثر، فلا بد أن تتغطى كل منطقة في البحر بالأسماك، وإلا لماتت أحياء أخرى. اما الحيوانات المفترسة فهي قليلة الإنجاب، لذلك عابوا على الشاعر القديم الذي كان يمتدح أم الممدوح بأنها (كأمّ الليث مِذكارٌ ولودُ) فعاب عليه النقاد استعماله صيغة المبالغة لكثرة الإنجاب، بينما اللبوة قليلة الإنجاب، وتنجب الذكور والإناث وليس فقط الذكور.

(الدقيقة : 27 الثانية : 7) يذكر الدكتور المبدأ الثالث لنظرية التطور حسب التطوري جوليان هكسلي، وهو الصراع على البقاء، وأن الصراع بحسب النظرية أنواع، منه صراع افراد النوع الواحد على مصادر الغذاء او المأوى او التزاوج، وصراع بين الانواع المختلفة، وصراع مع البيئة.

الرد : يتصور الداروينيون أن الطبيعة عبارة عن صراع بين الأحياء, ويؤصلون للصراع في الطبيعة ويجعلونه الدافع للتطور, لكن الطبيعة ليس فيها صراع, ففكرة الصراع تعني أن يكون كل طرف يريد أن يهزم الآخر, أما في الطبيعة فلا يوجد هذا, علاقة المفترس بفريسته ليست علاقة صراع، فالأرنب لا يريد أن يأكل الثعلب، ولا تريد الشاة أن تأكل الذئب, بل فقط تهرب منه, بالتالي تسمية هذا بالصراع نقصٌ بالدقة العقلية, ونتيجة لإسقاط عالم الرأسمالية على الطبيعة حيث الصراع الفعلي والتنافس وكلٌ يريد أن يستولي على ما عند الآخر.

بل على العكس، في الطبيعة توجد الخدمة وتبادل المنافع, فالكل يقدم خدمات للكل, سواء بخدمة النوع للتوازن البيئي ككل أو بعلاقات التكافل بين الأنواع, فالنباتات تنتج الثمار والرحيق للحيوانات, والحيوانات تنقل بذور النباتات وتسمدها وتحرث الأرض لها, فالقندس يصنع بركة مائية تستفيد منها أنواع حية كثيرة دون أن يطردها, والتمساح يفتح فمه للطيور لتأتي وتتغذى على الطعام الملتصق بأسنانه وتنظفها, والطيور التي تقف على ظهر الخرتيت لتلتقط الحشرات من على ظهره، والضب والعقرب يعيشان في جحر واحد (منافع مشتركة)، وتلك السمكة التي ترافق القرش وتلصق زعنفتها به حتى يكون القرش حماية لها ومع ذلك لا تأكلها. وهذا مضاد لفكرة الصراع وإرادة إبادة الآخر واستحلال مكانه والموجودة عند البشر, والتوازن البيئي دليل كاف لنقض فكرة الصراع, ولا يمكن أن نقول أن التوازن بسبب الظروف أو الانتخاب الطبيعي، لأن الجماد أيضا داخل في التوازن, إذن هناك من نظمها ودبرها لتكون صالحة للحياة.

الداروينيون يقدمون نظرة جزئية فقط على الأحياء ويفصلونها عن البقية, فيصوّرون مشهد صراع الديكة مثلا ويقولون : انظروا الطبيعة تتصارع! وكل نظرة جزئية تقدم نظرة مغلوطة. 

في الطبيعة هنالك فطرة الانتشار في الأحياء، وهي ما تسبب الصراع بين الذكور من نفس النوع, الذي يعتبره الماديون صراعا لبقاء الأقوى والقضاء على الأضعف بنظرة رأسمالية, مع أنها قلما تقضي على الطرف الآخر، لأن المهزوم يعترف بقوة القوي ويبتعد، فهذا الصراع في الحقيقة هو من أجل توزيع الأحياء على الأرض, وإلا لتجمعت الحيوانات عند المناطق الخصبة والغنية بالمياه والطعام وبقيت بقية الأرض خالية من الحياة, ولكننا نرى الدجاج مثلا والقطط والكلاب إما بانتشار عام أو انتشار في مناطق محددة, وترى توزيع الكائنات الحية على الأرض سليما, فلا تتجمع كل العصافير في مزرعة ولا تتجمع كل النمل في الأماكن التي فيها ماء و سكر، وإلا لما استطعنا أن نعيش منها, لاحظ أن هذا يعمل مع قانون حب الوطن. هذا ليس صراعا من أجل بقاء الأقوى, صراع الماديين هو الذي فعلا فيه البقاء للأقوى وسحق الأضعف نهائيا, ولكن في الطبيعة نتيجة صراع الذكور هي الانتقال وليس الفناء, فهدف هذا الصراع هو الانتشار, قال تعالى : {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} أي لماذا لم تشغّلوا قانون الانتشار؟ وقال تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}, أي الصراع على المكان, وإلا لتجمع الناس في مكان واحد ولتدمرت الموارد التي عندهم. 

الانتشار فرع من فروع التوازن الطبيعي. بقاء الذكور الزائدة عن الحاجة في القطيع ليس له داعٍ طبيعي, والذكور هي التي تؤسس الأسر, وغالبا يذهب الذكر المهزوم لتكوين أسر في مكان آخر.

التطوريون يتصورون أن الإناث تريد الذكر الأقوى أن يلقحها لكي يبقى الأقوى لأن جيناته أقوى (انتخاب جنسي), بينما هي ليست هكذا، بل من أجل الانتشار وتكوين أسر أخرى, بدليل أن الذكر المهزوم قد يخرج معه مجموعة من القطيع إذا كثرت الإناث ويكوّنون قطيعا جديدا ولا يعافون جيناته. ثم إن القوة ليس فقط بالعراك, هناك قوة جري وهناك خبرة أكثر ومعرفة بالخطر وهناك تحمل, ولم تجرَ لها حلبات, فلم يجروا سباقا لمن هو الأسرع أو الأطول قفزا أو الألوان الأكثر مناسبة للتخفي. هذا غير أن في بعض الأحياء يكون التزاوج جماعيا مثل الأسماك، فأين اختيار أصحاب الجينات الأقوى؟ من صالح الإناث أن يأخذوا الذكر الشاب للقطيع لأن فرصة بقائه أكبر، مع أن الكبير قد يكون أقوى لكن عمره أكبر. المشهد هو مشهد غريزة انتشار لأجل التوازن وليس استعراض قوى, لأنه لو ترك الذكر الآخر في نفس القطيع سوف يتضخم القطيع وستقل الموارد عليه مما يهدد النوع كله بالخطر. يؤيد هذا ما نجده في سلوك الكلاب والذئاب والنمور والضباع في علامة البول التي يضعونها في أماكنها, كمنطقة محمية, إذن الحكاية حكاية مكان وليست حكاية قوة و جينات أقوى, مثلها مثل صياح الديك ونهيق الحمار, هذا من فعل الذكور صانعي الأسر, والديك القوي يلاحق الدجاج حتى يسقط ريشها, أي يخضعها وليست هي تختاره لأنه الأقوى. لو كان البحث عن الأفضل جينيا لكان الذكر أيضا يبحث من الإناث عن الأفضل جينيا لكنه لا يفرق مع أن الأنثى أهم في موضوع الجينات, ولجرى تنحية للأنثى ذات الخصائص الضعيفة - هذا إن وجدت - , مثلما ينحى الذكر المهزوم, و لهذا تجد جسم الذكر أضخم وأكبر من جسم الأنثى حتى يتمكن من هزيمة الأنثى التي كثيرا ما تتمنع, وبالتالي الأنثى لا تختار الذكر ولا تنتخب جنسيا. وانتصار الذكر على ذكر غالبا ما يحسمه هو كبر السن وليس الجينات الأفضل, هذا غير أنهم أصلا أقارب وحتى يمكن أن يكون أبوه هو من يتقاتل معه!

انظر لفائدة تفريق الذكور لأنها تسبب انتشار النوع على الأرض, إذا أحضرت قط ذكر للمنزل سوف يتعرض لهجوم من القطط الذكور القريبة, وسوف تفتقده قريبا, أما الأنثى فلن تجد مثل هذه الشراسة في الاستقبال, و كأن الرسالة هي : اذهب إلى مكان آخر وإلا حطمت رأسك، فهذا المكان فيه من يكفي للتلقيح, وهذا لا يحدث عندما تشتري قطة أنثى. وهذا من التسخير وليس أنانية وصراع بقاء, لأن الذكور لو تقاسموا الإناث واستراحوا من الصراع كان أفضل لهم, أيضا المجهود الشاق والجراح والأخطار كان بغنى عنها حتى لو كان منتصرا, فهذا ليس صراع لأجل الحياة فالحياة تقوم للذكر بدونه.

إذن فكرة صراع البقاء كلها معتسفة على الطبيعة من قبل التطوريين, أي أسقطوا حياة الصراع التجارية والصناعية والعسكرية على الطبيعة, يريدون أن يفهموا الطبيعة من خلالهم هم وليس من خلالها هي. قانون الانتشار الفطري هو الذي سبّب التوزيع العادل للأحياء على الأرض وهو داخل في التوازن البيئي, وهو موجود عند كل الأحياء تقريبا. هذا الصراع بين الذكور هو ما سبب انتشار الانواع في البيئة. فإذا رأيت ذكرين من الوعول يتعاركان، فاعرف ان هذا هو سبب انتشار الوعول في العالم.

والنبات له أيضا وسائله الخاصة والمتنوعة والعبقرية بالانتشار, النبات هو اهم جزء في الطبيعة الحية وأكبر جزء، فأين الصراع فيه؟ أكثر الأحياء نباتات، فهل بينها صراع أو افتراس ؟ كيف يتكلمون عن الطبيعة بهذه السهولة ويصدرون عليها أحكاما عامة مأخوذة من حياتهم هم كبشر لا من واقع الطبيعة؟ وكيف تعمّم فكرة الصراع على الطبيعة كلها؟

لدى النبات عبقرية لا يملكها النبات نفسه ولا يمكن أن تصنعها الصدف العمياء, فنبات العليق ما أدراه أن للحيوانات صوف حتى يجعل بذوره على شكل كلاليب معقوفة تعلق في الأحياء المتحركة لتنقلها إلى أماكن أخرى؟ وبذور البلوط تنزل مجنحة بشكل حلزوني في الهواء, أي تعمل مثل رأس المثقاب الكهربائي (من قبل أن يُخترع) بالدوران حتى تحفر الأرض, وبذور الخروع تكون على شكل ريش يطير بها الهواء لتحمل البذرة, ونباتات الثمار تجعل البذرة محاطة بالغلاف اللذيذ حتى ينقله الإنسان أو الحيوان وكأنها تعلم أنه سوف يؤكل فوزنته على حسب الذوق! وهذا لا يأتي بالصدف العمياء, هذا غير تقديم الألوان الزاهية عندما تنضج البذرة حتى تلاحَظ من بعيد وكأنها تعرف تأثير الألوان وهي ليس لها عيون, هل هذا بالصدف العمياء؟ أعطني صدفة عمياء فعلت مثل هذا ! إنكار مثل هذا هو معنى الكفر والجحود، كما ان النخلة الصغيرة يكون سعفها حاد مدبب، لكن اذا ارتفعت عن الأرض يكون أكثر نعومة، فمن أعلمها انها وهي صغيرة مهددة بالخطر، وأنها إذا ارتفعت زال الخطر عنها فلا داعي لهذا التشدد الشوكي، ولا يبق فيها من الشوك الا القريب من قلب النخلة لكي يحمي الثمار من الطيور قبل ان تنضج؟ كذلك شجرة السدر أو أي شجرة شوكية تفعل مثل ذلك في جذوعها الصغيرة، وإذا كبرت خلا ساقها من الشوك لعدم الحاجة إليه لأن الجذع أصبح قويا.

فكيف نصدق مع الملحد أن من ليس له عيون يعرف تأثير الألوان على العيون؟ وأي صدفة تلك التي تستطيع أن تفعل كل هذا؟ ولو كانت الصدف بهذا القدر من البراعة فما فائدة العقل إذن؟ النبات بحد ذاته عالم من العبقرية وهو ليس له دماغ أصلا! بل من عبقريته أن بعض أنواع النبات تصيد من له دماغ وتمتص دماغه! كما يفعل بعض النبات صائد الذباب التي تخرج رائحة تشبه رائحة اللحم المتعفن تماما حتى تستهوي الذباب ثم تطبق ورقتها الشوكية عليه. ما أدراها أن الذباب يحب اللحم المتعفن؟ وكيف استطاعت أن تصنع نفس الرائحة؟ فهل هي رأت الذباب وهل لها عيون وهل لها دماغ تفكر به؟ وكيف للصدف العمياء أن ترى ما لا يُرى إلا بعين واعية؟ العلم يفضح الإلحاد ويؤيد الإيمان .. نبتة واحدة أو حشرة واحدة تكفي لنسف كل أفكار الماديين والملاحدة.

هذا غير وسائل الدفاع العبقرية والمناسبة والفعالة وغير الضارة بالبيئة عند كل نوع من الحيوان أو الحشرات أو النبات. انظر إلى النباتات الصحراوية وهي تسلّح نفسها بالأشواك, هل الانتخاب الطبيعي هو من عمل هذا؟ هل كان في الصحراء نباتات الزنبق أو التفاح والمانجو ثم أكلتها الإبل وأبقت النباتات الشوكية؟ أم أن الصحراء هكذا أعطيت من النبات من الأساس؟ أعطاها من يعلم بوجود الجمل والماعز ونوع غذائهما.

في الطبيعة لا نستطيع منطقيا ولا علميا تحديد أي الأنواع كان أول حتى نعرف من البادئ بالتطور, فهل النبات تطور ووضع شوكة لأجل الماشية؟ أم أن الجمل طوّر شقته المشقوقة وفمه المحبّب حتى يتكيف مع هذه الأشواك؟ أصحاب التطور لا يحبون الخوض في موضوع التوازن البيئي ويدرسون كل نوع على حدة وكأنه المخلوق الوحيد على الأرض.

الأنواع لا تتصارع مع الأنواع الأخرى كما يتصور الماديون, فالصراع في الطبيعة غير موجود, والتصارع داخل النوع هو تصارع مؤقت ولخدمة الانتشار, أي لخدمة النوع وليس لتدمير الحياة, إذن هو رحمة حتى لو كان ظاهره عذاب, فلا يوجد فوضى ولا عبث في الطبيعة كما يتصورون. كل شيء في الطبيعة يعمل لصالح الطبيعة, أي كل شيء غائي مع نفسه ومع غيره. من أوجد هذا إلا أن يكون إله يريد لهذه الأرض أن تتعمّر, فالقطيع وهو ينفصل هو لا يخدم نفسه فقط بل يخدم نفسه ويخدم البيئة ويخدم الأنواع الأخرى ويعطيها فرصة للحياة, وهذا لا يأتي بالصدفة.

من يكتشف الفوضى فهو جاهل، ومن يكتشف النظام فهو عالم, وما يفعله علماء الملاحدة هو أنهم يكتشفون الفوضى. 

(الدقيقة : 27 الثانية : 35) يردد الدكتور مدى عبقرية نظرية داروين وبساطتها.

الرد : أريد أن أفهم أين هذه العبقرية العظيمة التي يراها الدكتور في نظرية داروين؟ تصوّر أن أساس هذه النظرية كلها هو خطأ يحدث بالصدفة وليس له أي وجود في الواقع! أين العبقرية والجمال والعظمة؟ هي جميلة بالنسبة لملحد يبحث عن حجج يبرر بها تركه للدين وكفره بالله, فكيف تكون جميلة لرجل دين وخطيب جامع مثل الدكتور؟ إذا كانت العبقرية في الفكرة فهي قديمة ومعروفة, وإذا كانت في أنها البديل فبديل داروين وهمي وليس إلا صدف!

(الدقيقة : 30 الثانية : 33) يذكر الدكتور أن من مساؤى الفهم لنظرية التطور : الظن بأن لفظة الصراع التي تقول به النظرية هو صراع دامي، صراع ناب ومخلب، وهذا غير صحيح. لو أن شجرة في طرف الصحراء لوحدها، وتعاني من نقص بالغذاء الذي تستمده، هنا يقال باللغة التطورية انها تصارع لأجل البقاء، مع أنها شجرة واحدة. وكذلك الاشجار في الغابات المطيرة وغيرها من الغابات، كلها في حالة تصارع على الحصول على ضوء الشمس، لأن نور الشمس لا يكاد يصل إلى اسفل الغابة إلا قليل، لذلك تقوم الأشجار بالإستطالة أكثر إلى السماء للحصول على ضوء الشمس، وكان العلماء يتساءلون لماذا تهدر الاشجار طاقتها في الاستطالة بغير فائدة. فالأولى بدلا من الاستطالة الزائدة ان تنفق طاقتها في الأوراق والفروع، لكن الأمر عبارة عن صراع، والذي يصل إلى الأعلى هو المنتصر.

الرد : استطالة الأشجار ليست صراعا, الصراع هو أن تريد أن تضرّ بالآخر والآخر يريد أن يضر بك, لكن هذه الأشجار لا تصارع، بل فقط تريد أن تعيش ولا تقصد أن تهزم الأشجار الأخرى. هي أصلا أنواع، فالاشجار الكبيرة تستطيل كلها، ولا شيء يموت بسبب أنه هُزم وسُبق، أين هو الصراع ؟ هل يوجد صراع ليس فيه مهزوم؟ أما أشجار الدرجة الثانية فتتكيف مع الوضع، فتصنع أوراقا عريضة حتى تحصل على اشعة الشمس المتسربة من فوق، ونباتات الأسفل نباتات ظل أصلا، لو وضعت في الشمس لماتت، هذا تسخير وتوزيع وليس صراعا.

إذن تسمية هذا بالصراع خاطئة. الصراع هو أن يكون كل طرف من المتصارعين عنده رغبة بتدمير الآخر حتى لو تضرر هو, مثل الحروب بين البشر, ونتيجة الصراع هزيمة أحدهما وتضرر المنتصر، هذا هو الصراع, لهذا نقول أنه من  الخطأ العقلي وصف ما يحصل في الطبيعة بالصراع كما يؤكد هذا الخطأ التطوريون، لكن البيئة ليس فيها صراع, حتى الافتراس ليس صراعا، فالأرنب لا تتصارع مع الثعلب، بل تفر منه, و لو سألت الثعلب ماذا تفعل؟ سيقول : أنا أتناول طعامي, لن يقول أنا أتصارع مع أرنب!

حين نتكلم عن العلم يجب أن تكون عباراتنا دقيقة, ونستخدم المصطلحات بدقتها. هناك صراع وهناك تكيّف أو تواؤم, فالطائر لا يصارع قانون الجاذبية ويهزمه حتى يطير, بل يستفيد من الهواء ليحمله, أي يتكيف مع القوانين وليس يهزمها. من يصارع يريد أن يدمّر، وفي الصراع يوجد مهزوم. الطائر لا يريد أن يدمّر الجاذبية لأنه سوف يحتاج إليها في حالة الهبوط! ما معنى فكرة أن الكائن الحي يصارع البيئة؟ مقاومة الشجرة للرياح والجفاف وغيرها، هذه تسمى تكيفا, وليس أن الشجرة تريد أن تقضي على البيئة! هي فقط تكيِّف نفسها مع الظروف. لاحظ أن أوراق الشجرة السفلية تكون أكبر من الأوراق في أعلى الشجرة، بسبب ضعف ضوء الشمس في الأسفل, فهل نقول أن أوراق الشجرة تصارع الأوراق الأخرى؟ ومثل سائق السيارة الذي يبتعد عن السيارات الأخرى, هل نصفه بأنه يتصارع معهم؟ أم أنه يتكيّف؟ الشجرة تتكيّف مع الريح وليست تتصارع معها, وتتكيّف مع الحرارة وليست تتصارع معها, ففكرة أن الكائن الحي يصارع البيئة فكرة سخيفة, لكن الفكر الرأسمالي هو الطاغي على صياغة النظرية, فهي نظرية الرأسماليين الإمبرياليين العنصريين على مبدأ البقاء للأقوى, وهذا المبدأ يمهد لسحق الضعفاء ويعطيه شرعية بحجة أننا حيوانات متطورة ليس إلا، والحيوانات تتصارع ويبقى منها الأقوى, إذن نحن لم نخالف الطبيعة والفطرة حين نسحق الضعفاء بأي طريقة! وهذا ما دعى إليه نيتشه و كثير من الملاحدة, لهذا يصفق الملاحدة التطوريون كثيرا لداروين "العظيم" ويجعلونه عبقريا بل أكبر عبقري في التاريخ، مع أن الفكرة بسيطة وساذجة وهمجية وليست فكرته أصلا, لكنها تخدم الأهواء. ولهذا كلما تقرأ للتطوريين تجد أن أعلى نبرة هي نبرة الصراع, بينما الطبيعة بريئة من هذا الوسخ البشري.

كيف يرى الدكتور جمالا في مثل هذه النظرية؟ وأين موطن الجمال؟ هذا هو القبح والشر بعينه. هل هناك اقبح من الصراع والحروب؟ أن يسحق القوي الضعيف؟ أليس العرب يسمون يوم الصراع يوم كريهة؟ فكيف صار يوم جميلة؟ هل هناك اقبح من هذا المنظر؟ كيف يكون أجمل منظر في عين الدكتور؟ إذن الطبيعة قبيحة وليست جميلة، فلماذا نتغزل بها؟ وهذا عكس ما يرمي إليه الدين من رحمة الضعفاء والأخذ بأيديهم وليس سحقهم، لأن رحمة الله وسعت كل شيء، فكيف تكون الطبيعة صراع ودمار ورحمته وسعت كل شيء؟

هذه الغاية تفسّر لماذا يصرّ التطوريون على تسمية الإنسان بأنه حيوان, ليكون سلوك الحيوان مرجعا لتبرير وتفسير تصرفات الإنسان بعد غياب المرجعية الدينية عنه, لهذا منتدى الملحد ريتشارد داوكنز يطرح سؤالا على كل من يريد أن يسجل فيه هل يعتبر نفسه حيوانا أم إنسانا, فأمر مهم جدا عند التطوريين أن يقرّ من يؤمن بالتطور أنه حيوان. إذا جرى الاتفاق على حيوانية الإنسان تأتي توابعه فيما بعد, والتي تعني الانفلات من الأخلاق والدين، وتعني الصراع والبقاء للأقوى بعد أن سحق كل خصومه. هل هذه نهاية سعيدة وجميلة يقدّمها لنا التطوريون؟ وأين حظها من الجمال الذي يلهج به الدكتور رجل الدين؟

التطوريون قاموا بتوسيع لفظة الصراع، حتى صار التكيف صراعا! اذن فليعمموها على حياتهم، وليقل واحدهم أنه تصارع مع إشارة المرور حتى يدركها، وتصارع مع موقف السيارة حتى يضبطه، وتصارت مع الدرج حتى تسلقه، وتصارع مع العطش حتى تناول علبة بيبسي كولا مثلجة، وتصارع مع النوم حتى غلب السهر ونام، وتصارع مع التعبير حتى استطاع ان يعبّر، وتصارع مع الابتسامة حتى استطاع ان يمط شفتيه، وتصارع مع الهواء حتى يتنفسه، وهكذا تكون الحياة كلها صراع في صراع ولا يوجد مهزوم، وهذا نفي للتسخير والرحمة من الله، وان الكائن الحي يصنع كل شيء بنفسه، مع أن الله هو الذي سخر الهواء والشمس والقمر والرياح والغذاء المطر الذي ينبت أنواعا بهيجة تنادينا لكي نقطفها ونستفيد منها. اذا قلت ان كل شيء صراع فهذا يعني كفراً بالمُنعِم.

هذا منطق معووج، حتى الشجرة البعيدة عن الماء يقولون أنها تصارع ! إذن هي مثل صاحبنا العطشان الذي تصارع مع العطش. هذه الشجرة تريد أن تهزم ماذا؟

(الدقيقة : 35 الثانية : 13) يذكر الدكتور أن من مساوئ الفهم الأخرى لنظرية التطور : فهم الانتخاب الطبيعي انه البقاء للأقوى، وأن هذا ما مهّد للنازية والنتشوية، وهذا غير صحيح ولم يقل به داروين، بل قال البقاء للأصلح، وضرب الدكتور مثلا بقفل صغير ومفتاحين، أحدهما كبير من الفولاذ، والآخر صغير من الألمونيوم أو الحديد، المفتاح الكبير لن يفتح القفل الصغير، إذن ليس هو الأصلح، رغم كبره وقوته، والمفتاح الصغير فتح القفل الصغير، إذن الأصلح هو المفتاح الصغير وليس الكبير، وضرب مثلا آخر بالديناصورات التي كانت قوية مقارنة بالثدييات الصغيرة، ومع ذلك انقرضت الديناصورات وبقيت الثدييات الصغيرة. ثم عرّج الدكتور على موضوع الانقراض وذكر أن 99% من الحيوانات التي عاشت على الأرض انقرضت. وأنه وحتى عام 2050م ستكون 45% من الكائنات الموجودة الآن منقرضة. بل حتى الإنسان سينقرض يوما من الأيام، فالانقراض سيكون تقريبا مصير كل الكائنات الحية على الأرض. كما يقول الدكتور أن التطور ليس بالضرورة أن يكون خطّياً ونحو الأرقى، وهذا من مساوئ فهم النظرية، بل يمكن أن يكون تدهوراً، حتى يتحقق التواؤم والتكيف مع البيئة.

الرد : بل هو الصحيح بعينه، ولهذا الشيوعية الملحدة تبنتها بقوة لكي تعزز فكرة الصراع على الاقتصاد وصراع الطبقات. وكل هذه الفلسفات المؤمنة بالقوة والعنف والصراع ما جاءت إلا بعد داروين. والنازية كانت تؤمن بنيتشه الألماني، ونيتشه مؤمن بالتطور، لذلك سمى نيتشه أخلاق الرحمة والتسامح (أخلاق المسيحية) بأنها أخلاق العبيد، والحقيقة أن الأخلاق إنسانية وليست مسيحية فقط، وهو من نادى بسحق الضعفاء والعجائز وقتلهم، لأنهم يعيقون مسيرة التقدم، بناء على أن البقاء للأفضل والأصلح والأقوى، المبدأ الذي تقره الداروينية، والعجائز والمعاقين ليسوا هم الأصلح، تماما كما يحب التطوريون أن يقال (الأصلح)، فالمعاقين ليسوا هم الأصلح، فالأفضل قتلهم وليس الإبقاء عليهم. نظرية تنادي بالتطور وتؤمن بالبقاء للأصلح وهو غالبا من يكون الأقوى، كيف يمكن نفي تأثيرها في فلسفات جاءت بعدها وتمشي على منوالها وتؤمن بها علنا؟ لا مناص من التأثر. وليس من الضروري أن يقول ذلك داروين باللفظ، فهو ليس مجنونا ليفضح نظريته بنفسه.

عندما تقر بالصراع سيكون البقاء للأقوى، منطقيا، فما هذا التلاعب بالألفاظ؟ في أي مصارعة : المنتصر هو الأقوى، وليس الأصلح، ويسمى البطل، كمصارعة لوي الذراع، لأن الصراع فوضى، والفوضى يحكمها القوي وليس الأصلح، منطقيا عليك إما ان تحذف المقدمة (الصراع) أو تحذف النتيجة (الأصلح) لأنهما لا يتواءمان مع بعضهما.

تحديد البقاء بفئة معينة، هنا المشكلة وهنا العنصرية وهنا الفاشية, بغض النظر عن اسم الفئة، هل هي الأقوى أو الأصلح أو الأفضل ... إلخ, الأصل أن البقاء للجميع وليس لفئة معينة, فكون التطوريين يتبرؤون من لفظة "الأقوى" فهذا لا يبرئ نظريتهم من العنصرية.

ثم إن كلمة الأصلح منطقيا تعني الأقوى والأفضل, والأذكى يقال عنه أقوى أيضا، حتى لو لم يكن له عضلات قوية، ويوصف عقله بأنه جبار. فالمفتاح الكبير في المثال هو مفتاح ضعيف بالنسبة للقفل الصغير، لأنه لا يستطيع أن يفتحه, هذا سبب ضعفه, والمفتاح الصغير قوي لأنه يستطيع فتح القفل. المفتاح الصغير هو الأصلح لفتح الباب, بينما المفتاح الكبير هو الأصلح لكسر الباب, النظرية جعلت البقاء - وهو أمرٌ عام - متوقف على خاص! فمفتاحك الصغير لا يفيدك إلا في ذلك الباب وليس أفضل من المفتاح الكبير في كل شيء. هذه محاولة التفاف على فكرة مدمرة وعنصرية ورأسمالية وإمبريالية هي التي أنتجت هذه النظرية وهي التي ترعرعت في ظلها .. بلاش الأقوى و حطّ الأصلح ! نفس الشيء ! ما دام أن البقاء محصور وليس مفتوحا. ولا نجد في الطبيعة أنها مفتوحة للأقوى فقط، بل فيها الضعيف وفيها القوي، فيها سحالي ضعيفة وأخرى قوية، وتعيش في مكان واحد، وحيوانات قوية وأخرى ضعيفة وتعيش في نفس المكان.

لا أحد في الطبيعة يمارس القتل سفاحا، ويحتكر الأرض لنفسه ويخليها ممن عليها، لا يوجد، بل يوجد الانسجام والخدمات المتبادلة. إلا على مبدأ تعميم فكرة الصراع وإدخالها حتى في الحياة اليومية، وهذا خلاف للعقل والمنطق، أن يتصارع الإنسان مع فنجان الشاي ليشربه. على هذا التمطيط والتوسيع سيكون كل شيء صراع، حتى تسريح الشعر صراع مع الشعر، وهذا لا يقوله عاقل.

الصراع يوجب منطقيا وجود طرف مقابل (خصم) يحمل نفس النية ، كلاهما يريد سحق الآخر، اين هذا المنظر في الطبيعة؟ هذا فقط هو ما يسمى صراعا للمعلومية، أما من يتناول طعامه فليس يصارع، وهذا شيء منطقي. لا يوجد صراع إلا في صراع الذكور، مع أنهما لا يضمران سحق الآخر، بل إثبات القيادة، وهذا لأجل الانتشار. الخالق أنعم على الكل، فتخيل مثلا كل نبتة على الأرض طعاما للأبقار والأغنام مثلا، فأين هو الصراع؟ الخير كثير والمواسم تذهب وتعود، والانتقال ممكن، والطبيعة مفتوحة، فأين هي الظروف الضاغطة لتحدث الانقراض أو التطور؟ كلاهما وهمان مُدخلان على الطبيعة. طبيعة كل قطيع ان يعيش على شكل أمة، بينها انسجام وليس صراع، فالطيور تطير وراء قائد، والحيوانات المهاجرة تسير وراء قائد، كونها أمم كما قال تعالى (أمم أمثالكم) دليل على أنها لا تتصارع ، وإلا لما عاشت مع بعضها، إلا على اعتبار أن أكل العشب صراع، وهذا جنون.

الأصل أن الغذاء معتمد على النبات، وهو أكثر بأضعاف أضعاف عن عدد الحيوانات، فكيف يكون هناك حاجة للصراع؟ أكثر سكان الأرض هم النباتات، والحيوانات والحشرات وغيرها تعيش على النباتات، ليست كل الحيوانات والحشرات تعيش على مورد واحد حتى نقول هناك صراع عليه، فكلٌّ له أكله المخصص الذي لا ينافسه عليه احد، فمن أين يأتي الصراع؟ الحيوانات تعرف الطبيعة وتعرف سبلها في الطبيعة، من يتكلم عن الطبيعة بصراع هو لا يفهمها، الحيوان لا يخزن طعاما كالبشر ومع ذلك يعيش، تخيل إنسانا نخرجه من بيته ولا نقدّم له طعاما، ماذا سيفعل بنفسه؟ بينما الحيوانات هذه حياتها أصلا، لا تعرف ماذا ستكسب غدا، مصداقا لقوله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) ، اذن هي تعرف الطبيعة أكثر من البشر، الصراع فقط عند الإنسان بسبب طمعه جشعه وليس بسبب قلة الموارد أيضا.

وكأن كل شيء بعرق الجبين، والحقيقة ليست كذلك، بل كل شيء بتسخير وتيسير الرحمن، فسبحان الله أن تأتي اسماك السلمون إلى منابع الأنهار حيث تسكن الدببة في الجبال لتتزاوج وتبيض تاركة المحيط بسعته، وتقدّم نفسها وجبة للدببة قبل بياتها الشتوي بنفس الموعد، تترك المحيط وتسابق للنهر لأجل أن تنط أمام الدببة ليصطادوها بين الصخور قبل بياتهم الشتوي بنفس الموعد. وأن تهاجر حيوانات المراعي بشكل جماعي وعلني كموسم طعام للحيوانات المفترسة والتي لا تهاجر بدورها، والتي تقتنصها على الطريق الذي يضيق أحيانا ليسهّل عملية اصطيادها، بالذات عندما تقطع النهر من ممر واحد لتصطادها التماسيح مثلا. لولا هجرتها لما استطاعوا أن يصيدوا. يبدو أن سمك السلمون يتصارع مع تيار النهر لكي يُصاد! و كل سنة يمرون من نفس الطريق ويتعرضون للصيد ولا يغيرونه في المرة الثانية، فأين هو الانتخاب الطبيعي؟ ألم يتعلموا من تجارب السنين؟ انه التسخير والتوازن وليس الصراع.

وكذلك الأسماك الكثيرة التي تتجمع للتزاوج بينما تستغلها الدلافين الفرصة لتصبح وجبة دسمة لهم، لولا تجمعها لما أمكنها أن تصطاد شيئا. إن الهجرة ليست بحثا عن الطعام فقط، بل لأجل تقديم الطعام، لأن هناك مفارقة وهي أن المفترسات لا تهاجر، فالهجرة فقط للحيوانات النباتية. كذلك النسور التي تعيش في المناطق المتجمدة لا تبرح مكانها حتى في الشتاء، لأنها تجد بحيرات بركانية حارة مليئة بالأسماك، وهذه من فوائد البراكين، تسخن المياه في الأماكن الباردة مثل ما هو موجود في جزيرة ايسلندا وغيرها.

كما أن الحيوانات تهاجر للتزاوج وطلب البرودة والحرارة أحيانا، وأحيانا حتى للتمرغ في الملح، كما تفعل الحمر الوحشية متمرغة بالملح لتنظف نفسها، لولا هذه التجمعات لما صاد احد شيئا. قال تعالى (يأتيها رزقها) فالرزق يأتي وليس يُحصّل.

التوازن للجميع ويعطي للجميع وليس لفئة معينة, الله يقول :{ألم تكن أرضي واسعة} وفضل الله واسع ويشمل الجميع, والبيئة ليس بيت تاجر رأسمالي! لهذا في الطبيعة لا ينقرض نوع إلا بسبب الأطماع البشرية وتعدّيهم على الطبيعة, وإلا فلا يوجد دليل منطقي وعلمي يجعل نوعا كاملا من الأحياء ينقرض لوحده, مع ان طعامه لم ينقرض، كالرجل الذي مات 100 عام وانقرض حماره بينما طعامه لم يتسنه.

ولتضحك على التنبؤ الدارويني الذي يقول ان عام 2050 القريب جدا ستنقرض 45% من الأحياء الموجودة الآن. بدون ذكر سبب، تقريبا نصف الأحياء لن تراها بعد 33 سنة تقريبا، ربما ينقرض الموز ويبقى التفاح، أو العكس، قد ينقرض البطاطس ويبقى الخيار أو العكس، الآن ترى حيات وعقارب، بعد 33 سنة قد لا تراها أو ترى احدها فقط دون الأخرى، فيا لهذا العقل الذي تنبأ ، ما أعمقه وما أجلّه ! يبدو أنها قيلت قبل مدة طويلة على أساس أنهم يرونه بعيدا. حافظ على شجرتك في منزلك فقد تكون من ضمن النسبة المذكورة، فتصبح الصباح ولن تراها، أو لن ترى 45% منها. وكذلك قطتك المدللة، احتفظ بصورة لك معها لتقارن، فقد تكون من المحكوم عليها بالفناء، فاليوم قد تجد قطة وبعد 33 سنة لن ترى أي قطة. إن عاشت رؤوسنا سنرى، ونتأمل أو نضحك حينها، هذا إن لم نكن نحن من هؤلاء الـ 45% المنقرضين بسبب الصراع. وعلى ذكر مصداقية تنبؤات داروين، ألم تتنبأ النظرية ان سمكة الكولاكنث منقرضة من 300 مليون سنة، وإذا بها حية تسعى؟ الأفضل أن يبطّلوا تنبؤات أحفظ لماء الوجه.

الطبيعة موزونة ومتوازنة. وما دام النوع عاش في الطبيعة إذن سيبقى فيها ما لم يتدخل الإنسان. والطبيعة لا تقدم ظروفا غير اعتيادية بحيث تجعل النوع بكامله ينقرض أو تجبره ليتطور, والكائنات الحية تستطيع أن تهاجر وتنتقل لو حصلت كارثة محلية. هذا غير طرق التكيف الأخرى من بيات شتوي أو شعر أو ريش أو اختفاء أو هجرة ... إلخ. لا توجد مشكلة للأحياء في الكرة الأرضية باستثناء تدخل الإنسان فقط, هذه حقيقة يدركها الجميع, أما البقية فهي خيالات معتسفة من خيالات التطوريين لا يوجد ما يثبتها في الواقع.

الفكرة التطورية هي فكرة إقصائية تقصي الأكثر وتبقي الأقل, وهي نفس فكرة الرأسمالية, وهنا تشترك مع كل الأفكار العنصرية.

إذا قيل "البقاء للأصلح"، فهنا يُفترض أن للبيئة شروطا، من يمشي عليها يبقى ومن يخالفها ينقرض, ما هي هذه الشروط؟ لم يذكروها. ما دام الحيوان يستطيع أن ينتقل فيها وعنده جسم حساس ويتكاثر ويتنفس الهواء ويشرب الماء...إلخ, هذه شروط البيئة. أما أحداث الأكشن فهذه تصلح لشركات هوليوود, ما دامت الأرض كروية والشمس مصدر حرارتها فلن يتغير شيء في الأخير, سيكون هناك نباتات وماء واختلاف فصول ومناخات, ومن يمتلك شروط الحياة سيعيش. البيئة تسمح للجميع أن يعيشوا فيها، من البكتيريا إلى الحوت الازرق، دون أن تضطرهم لأي تغيير سوى تكيّفات محدودة.

الحقيقة أن الكوارث الطبيعية تدمّر الإنسان أكثر مما تدمر الحيوان والنبات, لأنه يبني مباني ويعيش فيها و تتدمّر, وقنبلة هيروشيما قتلت البشر والحيوانات لكنها لم تقتل النباتات، فأين هو الإشعاع المدمر والباقي تأثيره لمئات السنين؟

لاحظ الحيوانات إذا جرى الوادي، تجدها كلها تهرب, بينما لا يعدُم جريان وادي ما من كارثةٍ على البشر، كالغرق مثلا, والحيوانات نبيهة و حذرة وتجيد السباحة. تأُثير الكوارث الطبيعية على الحيوان قريب من الصفر, أما الكوارث التي في خيال الدراونة فلا حدود للخيال.

ثم أين الانتخاب الطبيعي؟ لماذا كل الأحياء تشيخ بعد أن كانت شبابا؟ لماذا لم ينتخب شبابا دائما؟ أليس الشباب هو الأفضل للبيئة؟ أليس الشباب أفضل من الشيخوخة؟ هذا وحده يكفي لإسقاط فكرة الانتخاب الطبيعي كلها. إذن الانتخاب الطبيعي لا يعمل, فالكل يبدأ ضعيفا ثم يكون قويا ثم يبدأ بالضعف مرة أخرى ثم يموت في منحنى طبيعي. إذن المنحنى الطبيعي هو الحقيقة وليس الانتخاب الطبيعي، وهو الحقيقة الفطرية التي فطرها الله، رغما عن انف الجميع، قال تعالى (هو الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة).

(الدقيقة : 35 الثانية : 30) يذكر الدكتور انه من الصعب وضع تعريف للبقاء للأصلح يُجمع عليه كل التطوريين. وأن اغلب تعاريف الكتب والكتب الدراسية للبقاء للاصلح عند تدريس النظرية خاطئة، اذ انها تقع في تعريف دائري.

الرد : كان هذا من مهمة داروين صاحب النظرية ان يعرّف الاصلح تعريفا علميا، لأنه هو واضع القانون وصائغ العبارة. وهو صعب لأنه غير منطقي، فكل غير منطقي صعب، وهذا شيء طبيعي.

(الدقيقة : 36 الثانية : 45) يذكر الدكتور أن ما قاله المحققون والمدققون في النظرية حول تعريف البقاء للأصلح هو : أن الاصلح هو الذي لديه ميزة بقاء تفاضلي، ولا يعرّف البقاء للأصلح بالبقاء التفاضلي، بل يترجم به. وهذا التعريف جاء هربا من التعريف الدائري. وأنها مسألة معقدة ومركّبة جداً.

الرد : هكذا كلما تخالف المنطق تخرج إلى الفوضى، لأنهم لا يعرفون ما هو الأصلح أصلا ولا يعرفون الطبيعة لأنهم لم يخلقوها ولم يعيدوا خلقها. هم يعرفون الموجود فقط، إذن كل موجود هو الأفضل، و عدنا للمنطق الدائري، ولا ننس أن هناك 90% من المنقرضات المتخيلة، و بعد 33 سنة سنفقد 45% من المتبقي، فلا حول ولا قوة إلا بالله ..

لو كانوا يعرفون من هو الأصلح لقدموا تعريفا وترتيبا في الأصلحيات، لهذا لجأوا إلى المنطق الدائري (هو الأصلح لأنه هو الباقي)، وهذا بسبب أنهم يدرسون شيئا لم يصنعوه هم، لكن لو كانوا يتكلمون عن ما يصنعونه هم لما تخبّطوا في التعريف. فالسيارة ذات الأربع العجلات أفضل من السيارة ذات الثلاث عجلات، بالأدلة والمنطق، الطيران أفضل وسيلة للسرعة من السير على الأرض مهما كانت سرعته. هذه العجلة المتحركة هي الأنسب لصاحب الإعاقة الفلانية من العجلات الاجرى، هذا ممكن لأنها صناعة الإنسان بناء على حاجات الإنسان، وبالتالي يمكن تحديد الأفضل والأنسب ولا تعود هناك مشكلة في التعريف. لكن الطبيعة لم يشهدكم الله خلقها، فكيف تدخلون في مجال ليس لكم فيه علم؟ فالله يقول (ولا تقف ما ليس لك به علم).

أما هذا التعريف الذي يبدو أنه هو الأفضل بنسبته للمدققين والمحققين، فهو يثير الضحك مرة أخرى ويصوّر لنا التخبط، فالأصلح لديه ميزة بقاء تفاضلي، أي أفضل من غيره، لكنه يستدرك ويقول أنه لا يعرّف به ! على ما تريدون ، لن نعرّفه به .. فالأصلح لديه ميزة تفاضلية على غيره، لكن إياكم أن تعرّفوه بها ! لكن إعرفوا واسكتوا ! هل هذا تعريف ؟ يا خسارة تعبهم. كل ما لديهم لعب بالألفاظ، وهذا اكتشاف عجيب وصدمني، كيفية تلاعبهم بالألفاظ والمصطلحات والتعريفات، كتلاعبهم بمصطلح الصراع، فصار أي شيء تريد ان تتناوله فيعني انك تتصارع معه، فتتصارع مع الماء لكي تشربه ومع التفاح لكي تأكله، وتلاعبهم بلفظة السلف المشترك لكي يبتعدوا عن تصريح أن أجدادهم كانوا قرودا، وكذلك التلاعب بمصطلح التكيف اذ يعتبرونه تطورا صغرويا.

(الدقيقة : 39 الثانية : 40) يذكر الدكتور ان بعض المفسرين المعاصرين كرشيد رضا وغيره، فسّر الصلوحية في قوله تعالى (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) بالصلوحية العمرانية، فالأقدر على استعمار الارض واستخراج طاقاتها هم الذين يرثون هذه الأرض. ويقول الدكتور بأن هذا التفسير جميل ومنطقي جدا، فليست الصلوحية بمن يتعبد اكثر ويصلي اكثر ويترك الدنيا كما هي دون ان يدرسها ويستخدمها. وأن هذا معنى الصلوحية والبقاء للأصلح.

الرد : الدكتور كأنه يشرع لفكرة البقاء للأقوى الإمبريالية في شرحه لآية: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} مستعينا بتفسير رشيد رضا، حيث جعل الصلاح بالقوة حتى لو مع فساد, وهذه نظرة متأثرة بواقع الحضارة الغربية اكثر من تأثرها بالقرآن وقصصه وبوعده، فالله أورث الأرض لذي القرنين الرجل الصالح، وأورث الأرض لبني اسرائيل على يد موسى ولكنهم فسقوا فحرمها عليهم، ومثلما أورث الأرض لسليمان وسخر له الريح، وأورثها لمحمد وأتباعه الضعاف المماليك، وسوف يورثها للصالحين أيا كانوا، لأن هذا وعد إلهي، والله لا يخلف وعده، قال تعالى (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) وقال (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) أي قضى ألا يكون لهم دولة، وإن عادوا ببناء الدولة عاد الله بإسقاطها، هذا وعد في القرآن، وقال تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) وكل شيء بقدر ، وإذا قيل الأرض فلا يقصد منه كل الأرض.

وقطعا ليس هذا مقصود الآية. الآية تتكلم عن عباد لله صالحين، وليسوا إمبرياليين ظالمين فاسقين مستعمرين, هذا عكس ما يريده القرآن. كيف يسمّي الله مثل هؤلاء بأنهم عباده الصالحين؟ إذا وُجد العباد الصالحون فسوف يرثون الأرض, متى ما وُجدوا و أرادوا أن يكونوا صالحين فسوف تسعى إليهم حتى ولو لم يسعوا إليها, لأنهم يعملون بصدق، والصدق يتناسب مع الحقيقة, مثلما ورثها موسى ومحمد وسليمان. ولاحظ أن الله قال "يرثها" و الورث يأتي فجأة دون أن يُطلب و دون أن يًسعى للحصول عليه, مثلما أورث الله يوسف الأرض وقد كان سجينا وملقى في البئر، وباعوه عبدا، فالله يفعل ما يريد. هذا يعني أن هؤلاء العباد الصالحون معرضون عن الدنيا ولا يتنافسون عليها لكنها تنساق إليهم بتقلب الظروف، وليسوا هم من يطلبوها, وذلك لثقة الناس فيهم وبحكمتهم. الصالحون يطلبهم الناس والدنيا وليسوا هم من يطلبوا الناس والدنيا، كما يقال في المثل العربي (في بيته يُؤتَى الحَكَم).

كلمة الصالحين لا تعني الزاهدين والمتعبدين فقط والمعرضين عن المعرفة, حين يصلُح الإنسان تصلُح كل أموره الدنيوية والأخروية. الصواب متكامل وليس متجزّئ, فلا يكون أن يصلح إنسانٌ ما في معرفة الدين ويفشل في معرفة الدنيا, أو يصلح في صلاته بينما هو فاسد في أخلاقه, لأن كل حقيقة مترابطة مع الحقائق الأخرى. وعلى كل حال ، تفسيرهم للآية بهذا الشكل بعيد عن المعنى القرآني، وإلا فمعناه أن هذه الدول العلمانية والملحدة والمعتدية والمستعمرة صالحة، وليس الصلاح العمراني كما يتوهم رشيد رضا، لأنه في الآية عن بني إسرائيل قال تعالى (وليتبروا ما علوا تتبيرا) أي أن عمرانهم العالي سوف يُهدم بإرادة الله، وإلا لماذا يُهدم عمرانهم و هم صالحون عمرانيا؟ قال تعالى عن بني قريظة (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) أي يخربون عمرانهم، والجنة لا تُدخَل بالصلاح العمراني بل بالصلاح الاخلاقي. والتاريخ مليء بصور الانهيارات لإمبراطوريات ضخمة خرّبوا بيوتهم بأيديهم. قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) والله دمّر إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، أي أحسن مدينة وأنظمة في التاريخ، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد أي المسلات الفرعونية ، وكل هؤلاء أصحاب معمار عجيب حتى الآن يتأمل الناس بقايا معمارهم، ولكن الله غضب عليهم ودمّرهم، رغم تفوقهم الإداري والمعماري. وقال تعالى ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).

(الدقيقة : 41 الثانية : 40) يذكر الدكتور أن نظرية التطور استطاعت أن تفسر سبب وجود بيئات على الأرض مؤهلة لعيش الأحياء فيها لكنها تخلو من الأحياء، بينما نظرية الخلق المستقل لم تفسر ذلك.

الرد : لماذا لم تفسِّر؟ هذه قد تكون بيئات جديدة للانتقال, اذا كان هذا صحيحاً، فهي مجال للانتقال والهجرة للحيوانات او النقل من قبل الانسان, أي أنها تسحب الفائض من البيئات الأخرى، فأين المشكلة؟ حتى البيئات التي يعيش فيها حيوان معين هي قابلة للزيادة منه, تماماً مثل شركة تبني سكن لموظفيها وعمالها، من الحكمة أن تبني أكثر من عددهم الحالي لاحتمالية التوسع, أي أن داروين ينتقد وجود بيئة مناسبة لحيوان ما، ثم لا يعيش فيها ذلك الحيوان - إذن لا يوجد اله ! - لكنه لا ينتقد مثلاً من يبني غرفاً أضافية في قصره لا يسكن فيها احد, هو يرى هنا حكمة وهناك لا يرى حكمة, مع أنهما شيء واحد ! ويقول تعالى (ألم تكن ارضي واسعة فتهاجروا فيها) فإذا كانت كلها مكتظة فأين يهاجرون؟

أيضا عمم الفكرة : لماذا الكنغر لا يعيش إلا في استراليا مع أن هناك بيئات مناسبة له؟ وكذلك حمار الوحش لماذا لا يعيش إلا في افريقيا ؟ والفيل لماذا لا يعيش في امريكا الجنوبية؟ فهي بيئة مناسبة له. هل كل اسيا لا يمكن ان يعيش فيها حمار الوحش ؟ وهكذا استمر .. مع الباندا والزرافة وغيرها، فأين الزرافة في أمريكا؟ اذن داروين يقيم حجة على الله ليس لها سند لا منطقي ولا واقعي ولم يدعيها الله وليس من الأحسن ان يجعل الله في كل بيئة حيوانات حتى لو كانت مناسبة لها، فالحكمة تقتضي التنوع والاثارة والغرابة.

الله اختار ان يكون حمار الوحش في افريقيا، مثلما اختار ان تكون النبتة الفلانية في الارض الفلانية، فما المشكلة؟ هذا يقدم تنوعا، ولولا وجود هذا التنوع لما وجدت السياحة، سواء في التضاريس او الاحياء او المناخ، ولما وُجدت التجارة، وهكذا تفسر نظرية الخلق أحسن من تفسيره، لأنه لولا هذا التفسير لما وُجدت سياحة ولا تجارة، لأن كلاً سيكون لديه كل الأنواع فلا داعي للسفر وستكون أثمانها رخيصة اذا وجدت في كل مكان، حتى لو كان مناسبا لها، فالندرة تعطي الشيء قيمة وتعطي سكان المكان قيمة ايضا، وتكون مصدر رزق لهم وعامل جذب سياحي. فتبارك الله احكم الحاكمين.

وادعاء صلوحية المكان تقف في وجهه حدائق الحيوان، ففي كل بلد من بلدان العالم توجد فيه حديقة حيوان عالمية تقريبا، وتعيش فيها الحيوانات رغم اختلاف الحيوانات من بلد لبلد، الاختلاف على الأرض ليس حادا مع وجود التكيف، فالقطط والكلاب تعيش في كل مكان على الأرض، وأيضا حيوانات تنقرض من مكان ويبقى هذا المكان صالحا لها، مثل ما انقرضت في جزيرة العرب بعض الطيور والحيوانات، كحمار الوحش والنمور والمها والغزلان والذئاب، ترى لو زارها داروين ماذا سيقول؟ بيئة صالحة لها وليست موجودة فيها، والذي حصل أنها كانت موجودة فتلاشت وانتهت بسبب الصيد الجائر، والآن تقام محميات لتعيش فيها مرة أخرى.

(الدقيقة : 44 الثانية : 35) يذكر الدكتور ان نظرية التطور استطاعت ان تفسر اختلاف الحيوانات الموجودة في بيئتين تقعان في نفس الدائرة المناخية الواحدة، كالقارة الافريقية وقارة امريكا الجنوبية. بينما نظرية الخلق الخاص لا تفسر هذا. لأن معظم اللاهوتيين والمتكلمين يرون أن من مقتضى حكمة الله : التسوية بين المتماثلين والتفرقة بين المتخالفين، والعكس لا يكون. وبالتالي فالله عندما خلق هذه البيئة وخلق البيئة الأخرى المماثلة لها، فتقتضي حكمته أن يُوجِد في البيئة الأولى من الحيوانات مثل ما يُوجِد من الحيوانات في البيئة الثانية، بينما الواقع والموجود أمر مختلف تماما. بينما داروين فسر هذا الاختلاف على مبدأ الإنعزال، فبيئة أفريقيا منعزلة عن بيئة أمريكا الجنوبية بالمحيط الأطلسي. وهذه العشائر من الحيوانات حين وجدت في بيئات متشابهة ولكنها منعزلة، أظهرت تكيفات واستجابات مختلفة. فلو كان الحيوان مصمما ليؤدي غاية معينة ويستجيب على نحو مُقدّر ومُصمّم، فلو وضعته هنا أو هناك سيستجيب بنفس الطريقة، ولكن الامر ليس كذلك، بل هكذا حصل بالصدفة او الاعتباط. ويعرض الدكتور صورة تجربة على ذباب الفاكهة والتي وُضع نصفها في وسط نشوي تتغذى عليه والأخرى في وسط يحتوي على المالتوز، وبعد عدة أجيال وُجد أن ذباب الفاكهة المتغذي على أحد النوعين يفضّل التزاوج بالذباب المماثل له في التغذية أكثر من التزاوج مع الذباب المتغذي على النوع الآخر.

الرد : وضحنا في الفقرة السابقة حكمة الله في خلق الندرة، لتكون آية وعبرة، وتقوم عليها تجارة وسياحة، ومن ينظر إليها يتذكر عظمة الخالق أكثر من المتعود عليها، لأن القائمة طويلة أمامه، فكثير من الحيوانات والنباتات لها مواطن قد لا توجد في غيرها. وليس ما ذكره اللاهوتيون من مساواة المتماثلين ومفارقة المختلفين أنه من حكمة الله، فلماذا يُشترط على الله التسوية بين المتماثلين والتفرقة بين المتخالفين؟ لا يُشترط على الله مثل هذا الشرط. وهذه الفكرة ليست بديهية ولا واقعية. فسكان خط الاستواء مختلفون مع أنهم في دائرة واحدة، وهذا من حكمة الله، هذا غير أن قضية التساوي في البيئتين غير دقيقة ولا صحيحة، فلا توجد منطقتان في العالم متماثلتان، بل المناخ في المدينة الواحدة يختلف. ودليل ذلك هو موعد استواء الثمار، نجده يختلف اختلافات بسيطة حتى لو كان في مدينة واحدة.

الإنسان يقوم بنقل الحيوان من بيئة إلى مُماثلها أو مُخالفها ولا يتغير الحيوان، بدليل الكلاب، فهي مع الإنسان أينما رحل ومنذ الأزل، لم يتغير الإنسان ولم يتغير الكلب. وكذلك القط.

هذا التشابه في البيئات واختلاف الأحياء التي تعيش فيها ينفي الانتخاب الطبيعي الذي يجعل من البيئة والمناخ حداً قاسيا للبقاء أو الهلاك! أي أن هذا النقد ضد داروين وانتخابه وليس معه, فليس للبيئة تأثير، وبالتالي الطبيعة مفتوحة للجميع. حدائق الحيوانات موجودة في كل العالم، ومع ذلك تحتوي على حيوانات كل العالم وتتكاثر فيها. وهل حيوانات البيئتين مختلفتان تماما؟ أليس البعوض والذباب الموجود في أمريكا موجود نفسه في أفريقيا؟ ولماذا التركيز على الحيوانات فقط في بحثه الناقص؟ ماذا عن النباتات والحشرات؟

وكيف عرفت الذبابة أن الذبابة الاخرى مماثلة لها في الغذاء؟ مع أنها لم تتغير جسميا إلا من خلال الرائحة، فلو تغيرت جسميا لفرحوا بهذه التجربة ونسوا موضوع التزاوج، إلا أنها تأتي وتأكل معها، إذن هي الأقرب، وكثرة التزاوج بين أصحاب الغذاء الواحد يدل على انها تود التزاوج ممن يحمل رائحة الطعام الذي تحبه وتتغذى عليه. فلو كان هناك انتواع وتغير فسيولوجي لطار به التطوريون، وقالوا أنهم اجروا تجربة على التطور، لأن هذا سيكون دليلا أقوى للتطور من دليل التزاوج.

الله لا يصنع آلات بل كائنات حية دقيقة معقدة وقابلة للتكيف. فهل يريدونا أن نصدق أن الصدف العمياء هي التي صنعت كل هذا الإعجاز؟ لا يوجد شيء يتطور، بل يوجد تكيّف، بدليل أن الظروف الخارجة عن التكيف تقتلها, وإلا لتطورت حتى عن الموت. هل عرف العلم حدود التكيف في الأحياء حتى يقفز إلى التطور؟ طبعا لم يعرف, إذن تفسير التغيّر المحدُود المُشاهد بأنه تطور ليس مبني على أساس علمي.

إن فكرة أن الكائن الحي لو كان مخلوقا فيجب أن يستمر على نفس وضعه فكرة خاطئة, فلو كان كذلك لانقرضت كل الأحياء و لكان عيبا في الخلق وليس ميزة. فمن بدائع الصنعة هذا التكيف اللا إرادي، وهو من رحمة الله بالأحياء.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق