الخميس، 29 ديسمبر 2016

خطأ الارتباط بالنتائج.

على المسلم ان لا يرتبط بالنتائج لأن النتائج بيد الله، وعليه القيام بالصواب، والصواب ان تقبل على المقبل وتدبر عن المدبر، وتستغني عن المستغني، حتى لو كان ذا مكانة و قيمة في المجتمع، وهذا الغلط وقع فيه الرسول في اسلوب دعوته لما عبس في وجه الاعمى، لأن الرسول بشر، وكان مجتهدا ان يهتدي احد من كبار قريش فيكون له تاثير اكبر من هداية رجل أعمى فقير، و في ذلك عز للإسلام، ولكن الحقيقة ان الله يعز من يشاء، وهذا ما حدث في الواقع فعلا، فالله أعز الاسلام وفُتحت مكة بدون ان يهتدي صناديد قريش وأغنيائها إلا ما قل. وهذا الاسلوب في قوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى} من باب التلطف مع الرسول. وقد قال الرسول (أدبني ربي فأحسن تأديبي).

أما الإعتقاد بالعصمة فهو خطر على النصوص، لأنه بما أن الرسول معصوم فأي شيء سيقوله يكون صحيحا، وهذا يفيدنا بأن مرجع الإسلام هو القرآن، لأن الرسول اجتهد عدة مرات ونبهه القرآن وتراجع، و رجوع الرسول للقرآن يثبت أن القرآن هو أساس الدين، والله أمرنا بأن نسمع كلام الرسول الذي يتبع القرآن، اذن ليست الاحاديث بنفس درجة القرآن، لأن القرآن هو الأساس، وتعرض عليه الأحاديث وغيرها، فالفرع يُعرض على الأصل، مثلما كان الرسول يعرض تصرفاته وإجتهاداته على القرآن، ولا شك أن أي تنبيه قدمه القرآن للرسول أو انتقاد استجاب له الرسول وترك اجتهاده. أي أن الرسول كان يعرض تصرفاته واجتهاداته على القرآن، وما خالفه تركه. اذن القرآن هو المرجع الأول للمسلمين وللرسول.

والمعصومية منزلق خطير، فما بالك ان تكون لغير رسل الله؟ اذا كان لديك اصلان كلاهما معصوم وبينهما تناقض فهنا مشكلة، لأنه لا يقود السفينة قائدان، لا بد من قائد واحد، وقائد سفينة الإسلام هو القرآن، والبقية تتبعه من سنن وآثار وحكم وغيره، ولا يوجد أي بشر معصوم إلا الرسالة فقد حفظها الله سبحانه وتعالى ، قال : {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} و لم يقل : إنا لك لحافظون من أي زلل. اذن المعصوم هو القرآن لأنه محفوظ. أما قوله تعالى (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فمعناها واضح، أي يعصمه من الناس وليس من الخطأ البشري الذي أكد القرآن على بشريته. وهنا ميزة للرسول أفضل من كونه معصوما من أي خطأ، وهذا ينطبق على كل الأنبياء، الله قال عن ابراهيم (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب) والأواب تعني التواب، والتواب تعني أنه يخطي ويرجع، أي ليس معصوما من الخطأ، وإلا لما انطبقت عليهم صفة البشر، (بَشَرًا رَّسُولا).

والقول بعصمة أي من البشر يوقعنا فيما وقعت فيه اليهود والنصارى من عبادة الأحبار والرهبان، وذلك من خلال طاعتهم فيما يقولون دون تمحيص، قال عدي لرسول الله : يا رسول الله ما عبدناهم، قال الرسول : يأمرونكم فتطيعونهم، أي بدون تبصر، بموجب الثقة والقدسية لهم. و كون الرسول غير معصوم من الخطأ لا يطعن في الرسالة، لأن القرآن معه والله يوجهه، لكن المعصومين المدّعين من غير الرسول من يوجههم إذا اخطأوا؟ قال تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين). فالرسول كان على ضمانة الله ، والله يعاتبه ويقوّم اخطائه، واخطاؤه عليه الصلاة والسلام من الاجتهاد ذو النية الحسنة وليس من انحراف النية، ويؤيده قوله تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، أي تريد الناس المهمين، وقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم) ، فلو اهتدى أحد هؤلاء المهمين سيهدي معه مجموعة من الناس، فمثل هذه الفكرة خاطئة، لأنها اجتهاد على قدَر، فالله هو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء وليس اجتهادنا، والسبب ان فيها تجاوز اخلاقي، لأن فيها غمط لحق هؤلاء المؤمنين، ولأن فيها شيء من التذلل للمعرضين، بناء على حجة مفترضة، قد تكون وقد لا تكون، وهذا ضد التوكل على الله، اذن الهداية من الله والنصر والعزة منه، وليست من اجتهادنا ولا ذكاءنا، بدليل نصر الله الإسلام بالضعفاء. اذن لا تخطط ، فقط اعمل الصواب واجتنب الخطأ و توكل على الله، وسوف يعينك الله ويوفقك.

السبت، 24 ديسمبر 2016

في منهج الدين

الدين يحتاج الى منهج، والمنهج مُحدد بالقرآن والعقل والأخلاق، قال تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) ، والعقل واحد ولا يتفاوت بين الناس، الناس تتفاوت عن العقل وليس العقل يتفاوت عن الناس، فالطفل الصغير ليس كالفرد الكبير مثلا، والجاهل ليس مثل العالم. وكذلك الأخلاق خط ثابت كالعقل، ولا تفاوت فيها، ولكن هناك تفاوت عنها. لذلك قال تعالى : (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) أي أنها متساوية عند الجميع.

هذا المنهج المبني على أساس القرآن والعقل والأخلاق يصبح عامل جمع و توحيد ، وعلى أساسه تقيس كون هذا الإنسان عالم أو غير عالم، لكن بدون وجود منهج لا تستطيع أن تحدد أو أن تقيس، لأنه لا يوجد معيار. بالتالي تصبح كلمة "عالم" عائمة غير محددة.

نفهم القرآن إما من النص أو من أهدافه ومقاصده، والأخلاق وحقيقتها من أهداف القرآن، مع الخالق والمخلوقين والمخلوقات، فأي شيء يخالف الأخلاق إذن يحتاج إلى إعادة نظر. من أهداف القرآن تحقيق العقلانية، واحترام المنطقية، قال تعالى (لقوم يعقلون) ، (لأولي الألباب) إذن أي شي يُنسب إلى الدين وهو يخالف العقل والمنطق فهو يحتاج إلى اعادة نظر. الإسلام هو الأكمل خُلُقا وعقلا، وهذا ما يجب أن يكون، اذن المنهج يُبنى على أساس الاخلاق والعقل بالنظر إلى القرآن وما والاه وأخذ المحددات منها.

القرآن أحالنا على الفطرة والعقل، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقال (لقوم يعقلون) أي لا ينفع القرآن إلا مع العقلاء، أي يعقلون قبل القرآن، ويخافون ويخشون الله قبل القرآن. قال تعالى (أما من جاءك يسعى وهو يخشى). أي تتبَّع القرآن بنيّة الخير، لكن كيف تطبّق الأخلاق على الواقع وكيف تفهمها بصورها، هذا يؤخذ من القرآن. فأنت تشعر بالشكر لله، لكن كيف تأخذ ترجمة شعور الشكر؟ تأخذها من القرآن.

إرادة الخير هي مصدر العقل السليم والأخلاق السليمة والتدين السليم. لكنها لوحدها لا تستطيع أن تكون منظومة أخلاقية أو عقلية متكاملة و سليمة، لا بد من رسالة سماوية. و أصلا إرادة الخير - متمثلة بالعقل السليم و الأخلاق السليمة - هي التي جعلت المسلم مسلم ويصدّق بالقرآن. فالذي آمنتَ بسببه بالقرآن - وهو الأخلاق السليمة والعقل السليم - هو الذي يفهّمك ماذا يريد الله من كتابه، فالأخلاق السليمة والعقل السليم ليست للإستعمال لمرة واحدة لكي يدخُل في الإسلام من ليس مسلما أو يرجع من كان غافلا عنه، وبعدها تُرمَى ويُنظر إليها نظرة الريبة والشك والتحذير من الزندقة والعواطف التي يجلبهما استعمال العقل والأخلاق والمشاعر في الدين، بل تستمر ويستمر الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر الحياة، لأنهما هما وسيلة الهداية، العقل والأخلاق، والقرآن يدور حواليهما في إقناعه لمن أراد أن يستقيم، وما هي وسيلة من أراد أن يستقيم ؟ العقل والأخلاق، فعن طريق العقل نثبت انه يوجد اله واحد على كل شيء قدير. وهذا الاله رحيم وعادل وكريم وغفور وشكور، وهنا الأخلاق . (الله لا اله إلا هو الحي القيوم ..) و بدونهما – العقل والأخلاق - لا توجد هداية حقيقية. فإن قيل لك : بأي وسيلة اهتديت إلى الله وآمنت به ؟ فقل بالعقل والأخلاق .

العقل والأخلاق تستعملان في مجال الدعوة وتؤتي ثمارها، فلماذا لا تُفعَّل بعد الإسلام دون التشكيك بها حتى تؤتي ثمارها الكاملة وتتم صناعة المسلم الكامل الواعي على بصيرة و إدراك؟ فلا بصيرة ولا إدراك بدون العقل والأخلاق، وما اتفق عليه العقل والأخلاق هو الصحيح، وما اختلفا فيه فهو يحتاج إلى بحث، وما رفضه كلاهما فهو منكر.

الهداية تعني توجهٌ يُقنع العقل والأخلاق ويُريح الشعور، هذا هو معنى الهداية والهدى. فعندما آمنت بالله وكتابه لم يأتي إيمانك من ثقتك بكلام أحد.

النص لوحده لا يستطيع أن يعبر عن نفسه، لا بد من وجود عقل و إرادة خير حتى تفهم النص القرآني. والتأويل هو إضافة عناصر جديدة لا يحتملها النص، وهذا التأويل يأتي من عند الشخص. والفهم التلقائي هو الذي طالبنا الله به في القرآن، بموجب اللغة العربية الفصحى، بدون تأويلات، بل الله ذمّ التأويل، قال تعالى (فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا) أي بدون تأويل.

قال تعالى (فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد) هنا جاء تذكيرٌ بالقرآن لمن يخاف من وعيد الله، أي أن لديه خوف و إرادة تقوى من الخوف قبل أن يعلم بالقرآن، وهذا دليل على وجود العقل السليم والأخلاق السليمة قبل النص القرآني. قال تعالى (لقوم يعقلون) (إلا تذكرة لمن يخشى) والخشية من العقل، لأن العقل هو الأكثر مخاوف، والجاهل أقل مخاوف، والمجنون أقلّهما. وقال تعالى ايضا (لأولي النهى).

العقل يرغب بوجود يوم آخر و يوم حساب وليس يستنتج ذلك. العقل وحده لا يكفي أن يحلّ محل الدين. وإن كان الدين معتمدا عليه وعلى الأخلاق. ويدلنا على هذا موقف ابراهيم عندما قال (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) عندما نظر الى القمر وقال هذا ربي ولما بزغت الشمس قال هذا ربي .. القصة..

أي شيء في الدين يحتاج إلى سلطان أو علم، والسلطان هو الوحي، قال تعالى (ما لم ينزل به سلطانا)، ويحتاج إلى علم، والعلم نص واضح و صريح، أو استنتاج عقلي بالمنطق السليم، أو بهما معا، أو بالتجربة، أو بالقياس. وقد وردت كلمة السلطان مع الإشراك بالله، فكل من أشركوا طولبوا بسلطان من الله، وهذا يدل على أن شركهم بشركائهم في أنهم يقرّبونهم من الله و أنهم محظيون من الله، أو أنهم فيض من روح الله، وهذه الادعاءات - من اجل الاستدلال على خطأها - لا يكفي فيها العقل، بل تحتاج إلى سلطان مُنزَل. إذا كان الله هو صاحب الشأن، فهو الذي يخبركم عن شركائه وماذا تفعلون معهم، لا أن تفترضوا عليه ما لم يخبر به.

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

متى نحكم بالأخلاقية ؟

الحكم على المجتمع الغربي أو غيره من المجتمعات بأنه أخلاقي مثل الحكم على نساء مجتمع يُلزِم بالحجاب بأنهن كلهن تحجبن بدافع الحشمة والعفة فقط. وهذا غير الواقع. إن هذه الأخلاق تتبين إذا سافرت هذه المرأة إلى بلاد ليس فيها تلك القوانين الاجتماعية المُلزمة من قبل السلطة. كذلك أفراد المجتمع الغربي، لا نحكم على اصطفافهم بالطابور والأمانة واتباع تعليمات المرور بدقة على أن دافعها اخلاقي، و نحن نعلم أن قوانينهم صارمة وليس فيها مجال للواسطة، مكرهٌ أخاك لا بطل، اذن أخلاق الشخص تُعرف عندما يكون في جو حر من القوانين الملزمة بذلك الخُلق، فالأخلاق تحتاج الحرية لكي تتبين، مثل العفو مع المقدرة، أما العفو بدون مقدرة فليس خُلقا بقدر ما هو مصلحة. أخلاق ابن المجتمع تتبين عندما يخرج عن المجتمع ويتعامل مع غيره. ومعروفٌ عن الغرب شعوبا وحكومات أنهم إذا خرجوا من مناطق تغطية قوانين بلادهم يفعلون ما يفعلون ويفسدون في الأرض، إلا قليلا منهم، فعلى مستوى الأفراد يديرون تجارة الرقيق والمخدرات والجنس الأبيض والجنس مع الاطفال مستغلين ظروفهم المعيشية، وكذلك بيع الاسلحة وتهريب الآثار والمخطوطات والتحف الأثرية من الدول المنكوبة والجاهلة والفقيرة، بدليل ان كثير من الدول العربية والاسلامية تطالب بإعادة آثارها المسروقة ومخطوطاتها من متاحف الغرب، مع تلكؤ تلك المتاحف ومحاولتها التخلص، كبوابة عشتار في المانيا والمسلات الفرعونية في واشنطن، بالقرب من البيت الابيض. وما تزال السرقة مستمرة، ولا تسأل عن 250 ألف مخطوطة عربية في الاسكوريال وغيرها من الاديرة والمتاحف. وأيا كان المبرر بشراء أو غيره، لا بد ان تبقى آثار كل بلد فيها، وان تعود آثار كل بلد أو أمة إليها، مع جواز الانتقال للمتاحف العالمية للعرض وأن تعود إلى منبتها، لا أن تأتي إلى البلد الأم لمجرد العرض ثم العودة.

وعلى مستوى الشركات والحكومات حدّث ولا حرج من استغلال الدول الفقيرة بدفن النفايات النووية الخطرة في بلادهم وابتزازهم بشراء السلع الأساسية بأثمان بخسة وتسويقها عليهم بأغلى ثمن بعد إنتاجها، واستغلال غاباتهم وأخشابهم وتدمير طبيعتهم، وتهديد العولمة للاقتصادات المحلية، وبيع الاسلحة ودعم أنظمة ضد الديموقراطية وإشاعة الفتن والحروب الطائفية والعنصرية إلى غير ذلك، وعلى رأسها الإستعمار الغربي، المباشر والغير مباشر. كذلك انتهاك سيادة الدول بالتجسس وغيره ، والقتل الجماعي بحجة مقاومة إرهابي او اثنين، مقابل مئة أو اكثر يموتون كضحايا حرب بطائرات بدون طيار حتى، تدار بالريموت كنترول عن بعد. فهل كل هذه السلوكيات أخلاق؟ لاحظ أنهم ابتعدوا عن منطقة تغطية القانون، فماذا فعلوا حكومات وأفراد ؟ شرٌ كثير وخير قليل، على شكل مساعدات محدودة تخدم أهداف معينة.

إنهم مثل وضع أطفال جالسين بأدب على مقاعدهم في الصف الدراسي ويأتي من يقول أنهم أخلاقيون، بينما هم خائفون من النظام والعقوبة. فلو غاب عنهم المدرس لن يبقى واحد منهم في مقعده.

صاحب الأخلاق يلتزم بأخلاقه، سواء في بلده أو في غيرها. فهل بعد هذا تظل كلمة الشيخ محمد عبده أن في الغرب إسلاما بلا مسلمين ؟ محمد عبده أعجب بتنظيمات إدارية وسلوكيات نابعة من تنظيمات وعقوبات يفرضها القانون، أو أخلاق تجارية، فهي ليست أخلاقا محضة. وهذه التنظيمات الديموقراطية صنعتها الرأسمالية لكي تحمي نفسها وتضمن حريتها خصوصا وأن كثيرا من أعضاءها من جاليات ليست من ارض البلد، كاليهود وغيرهم، فهمّها أن تحفظ حقوقها وحق المشاركة السياسية و حق التعبد وحرية الرأي والاعتقاد، وحرية رأس المال، وأن تسلم من التمييز العنصري أو الديني، والخوف من تسلط الديكتاتور على رؤوس أموالهم. لقد استفاد الناس في الغرب من هذه الاحترازات للواحد بالمئة من الشعب، بينما تضرروا من ناحية طغيان الرأسمالية على مجتمعاتهم كونها اكبر تأثيراً من رجال السياسة.

المسلمون اذن ليست مشكلتهم الأخلاقية نابعة من الدين وحده، مع العلم أن لديهم بعض الأفكار المغلوطة عن الدين، بدليل أن من ينتقل منهم ليعيش في الغرب سيلتزم بالأخلاق الغربية مثل غيره، مع أنه لم يغير دينه. هذا يدل على تأثير القانون والسلطة على سلوك الناس.

إن أكبر مؤثر في الأخلاق هو الوضع القانوني والديني والتراث الشعبي أو القَبَلي.

الوصف لمجتمع بأكمله بأنه أخلاقي وصف خاطئ، لأنه لا يمكن أن يكون الناس على اختيار واحد، فإذا وجدت ذلك المجتمع لا يرمي النفايات من زجاج السيارات ولا يبصق على الارض ولا يلقي بأعقاب السجائر في الشارع، فهذه صفات جميلة، لكن انظر ما الدافع لها. إذا عرفت أنه سيُذهب به إلى المحكمة إذا هو رمى أعقاب السجائر في الشارع، هنا يزول الحكم على ذلك المجتمع بأنه أخلاقي، فيكون شعب ملتزم رغما عنه بقوانين صارمة تحتاج إلى محامين و دوخة. اذن ليس من اللائق ان يعوّد الشخص نفسه أن يلقي شيئا على ارض الشارع مخافة ان يكون هناك مراقبٌ في أحد الأماكن فيتعرض لمخالفة.

وإن قيل أن ذلك المجتمع هو من أنتج تلك القوانين لأنه أخلاقي، فسنقول : لماذا يحتاج إذن إلى قوانين وعقوبات ومحاكم ؟ ولماذا لا يطبقها إذا خرج أو تعامل مع غير مجتمعه؟

لو قارنا بعجالة بين أخلاقيات المجتمع الغربي وأخلاقيات المجتمع العربي والمسلم، سنجد تفوقات هنا وتفوقات هناك، لكن ما الدافع لها ؟ وهذا هو المهم. ففي المجتمع الغربي نجد احترام الوقت والعمل والمواعيد والعلم والثقافة، وهي صفات جيدة بلا شك، لكن سنجد الكرم يتميز به العربي أكثر، وكذلك الشجاعة، وبالتالي الصبر، وكذلك المروءة والحشمة، والبعد عن المسكرات والقمار. ثم قضية احترام الوقت والمواعيد والعلم، واضح أن دوافعها مصلحية، وليست من صميم الأخلاق نفسها 100% . لكن الكرم والشجاعة والمروءة واحترام الجار والضيف، فالمصلحة تقلّ هنا، وتكثر الخسارة. فأي المجتمعين أقرب إلى الأخلاق المثالية؟

مغالطة الملاحدة في أن إدعاء عدم الوجود لا يعتبر إدعاء

من يدعي الوجود مدعي ، ومن يدعي عدم الوجود يسمى مدعياً أيضاً ، فهو لم يقل : لا أدري ، بل ادعى عدم الوجود ..

في كل تعاكس و تضاد في الرأي مدّعيان و ليس مدعٍ واحد .. هذا في المنطق والفلسفة ، وليس في اعتمادات القضاء في المحاكم و مصطلحاتها .. بل حتى المحاكم لا تتعامل مع دعاوى النفي، بل مع دعاوى الاثبات.

إذا قلتَ مثلا أن زيداً موجود في القاعة ، و صرخ زميلك قائلا : أبداً ! إن زيداً غير موجود في القاعة ! فهل أنت أمام ادعاء واحد الآن ؟ أم أمام ادعائين ؟ و هل ستطالـَب أنت بالدليل وحدك بينما زميلك لا يُطالـَب بالدليل ؟ سيُقال له أيضاً أنه يدعي أن زيداً غير موجود ، فما دليله ؟ هل لديه دليل ؟ كأن يكون مسافراً مثلاً وهو يعرف أنه مسافر ؟

ألا تشعر أن لكلاكما (المثبت و النافي) أدلة و منطقاً ؟ .. هكذا سيحس أي شخص يستمع إليكما .. و سوف يشعر أنك تقر بوجوده على علم ، و أن زميلك الذي يدعي عدم وجوده على علم أيضا !! وإلا لما رفض و نفى وجوده !

النفي حكم ، والإثبات حكم ، هكذا المنطق .. و كل حـُكم يحتاج إلى أدلة .. أما كلمة لا أدري ، فهي ليست حكماً على الشيء ، لذلك لا يـُطالَب صاحبها بشيء ..

إذاً الملحد و المؤمن كلاهما مدعي .. و كلاهما يحتاج إلى أدلة .. ولو كانا في محكمة ، سيطالبهما القاضي كليهما بالأدلة .. و سيقول لمنكر وجود زيد : ما أدلتك حينما نفيت أنه في تلك الساعة لم يكن في القاعة ؟ وسيعامله معاملة المدعي ..

إن الملحد هو في الحقيقة المدعي ، لأن كل البشر مؤمنين بوجود إله ، ومنذ القدم ، إلا الملاحدة الذين ظهروا في نهاية القرن الثامن عشر فقط .. إذاً هم الذين شذوا عن الإجماع البشري ، وعليهم البينة و لم يقدموها ، كالعادة القضائية بأن على كل من شذ عن الأصل و العرف أن يقدم دليلاً .. حتى لو كان بالنفي ..

فلنفترض أن قبيلة ما تعودت أن تسقي مواشيها من مورد بعيد عنها ، و جاء شخص ليقول : لا تذهبوا لذلك المورد ، فليس فيه ماء .. الآن هو ينفي وجود ذلك المورد ، وأخبرهم بأنه اندثر ولا وجود له .. الآن هو سيُعامل معاملة المدعي .. مع أنه ينفي وجود .. و سيطالب بالأدلة القوية لأنه كسر المعتاد ، مع أنه ينفي .. إذاً نافي الوجود كمدعي الوجود : كلاهما مدعي .

وإذا عجز المدعى عن إثبات ادعاءه فهذا يعنى أن ادعاءه غير صحيح ، و هذا ما وقع للملاحدة ، بل إنهم لم يحاولوا .. مع إنهم كسروا القاعدة البشرية العامة و شذوا عن شعوبهم بدون أدلة تثبت عدم وجود إله لا في الأرض ولا في السماء ، و الذي اقتنعت به البشرية منذ وجودها .. هذا ادعاء عريض بلا دليل يقدمه الملاحدة مربوطاً بادعاء آخر وهو ادعاء العقلانية ..

و العقلانية تحتاج إلى دليل .. وإذا سألناهم : من أين جاء الكون ؟ قالوا : من لا شيء ! فهل هذا دليل يقبله العقل من شيء مصنوع و منظم بتعقيد منظم و ذكي و كل شيء فيه غائي، أي أن كل شيء مسخر ليخدم كل شيء، ومتوازن ، بلا صانع ولا إرادة واعية ولا يحزنون؟ و إذا قلنا : من أين هذا التوازن والانسجام ؟ قالوا : من العشوائية ! فهل هذا شيء يقبله العقل ؟ العقل لم يعتد على مثل هذه الادعاءات ، و العقل يعرف أن العشوائية تنتج الفوضى ، والفوضى تضر بالتوازن والانسجام ، و يفسد بعضها على بعض .. فاين العقلانية ؟ إن هذا ضد العقلانية تماماً ..

إذاً نحن أمام ادعائين يقدمهما الملاحدة بكل سهولة و ليس واحداً : الأول ادعاء عدم وجود إله ، والثاني ادعاء العقلانية ، وما أسهل الادعاء بلا دليل ، خصوصاً إذا كانت الآلة الإعلامية ضخمة و يدعمها رأس المال المستفيد ..

الفكر الملحد يعتمد على انتقادات في الفهم والتطبيق للدين ليس إلا .. أي يعتمد على نقد اجتماعي و ليس على نقد منطقي أو فكري .. والنقد الاجتماعي لا قيمة له في الحوار الفلسفي ..

النفي والاثبات مرتبطان بالمعرفة ، ولا أحد يثبت وجود شيء بدون معرفة ، والا لعدّ مجنوناً .. و لا أحد ينفي وجود شيء بدون معرفة عدم وجوده ، و إلا لعد مجنوناً أيضاً .. إذاً الإثبات معرفة ، و النفي معرفة .. و كل معرفة تحتاج إلى دليل .. و لا يسْلـَم إلا من يقول لا أدري .. لأنه لم يدع معرفة ..

هذا هو المنطق العام في أي موضوع ، و ليس فقط في موضوع الألوهية والإلحاد .. فأنت تثبت الشيء وأنت عارف ، أو تنفيه وأنت عارف .. وإلا فكيف تنفي شيئاً أو تثبته وأنت غير عارف بوجوده او عدمه ؟

من يملك الحقيقة يبادر بها ، ولا يتهرب عن مطالبته بأدلة معرفته و يحيل طلب الأدلة على الجهة المقابلة ! .. العلمي معه العلم ، فلماذا يخاف ؟ مما يثبت أن الملحد لا يملك الأدلة النافية ، ولهذا هو يهرب إلى الأمام و يحيل الطلب الموجه إليه بالأدلة ، مع أنه هو الشاذ عن الإجماع ، إلى مجموع البشرية المؤمنة ، و يجعل أغلب سكان الارض في خانة المدعي ، و التاريخ في خانة المدعي ، و يبقى هو والأقلية التي معه في خانة المدعي عليه ..

وهذا المشهد القضائي يثير الضحك من أقلية مدعية و تطالب الأكثرية بالدليل .. مع أن المعتاد أن القليل هو الذي يقدم الأدلة ليقنع الكثيرين .. ويزداد الضحك إذا كانت الأقلية تدعي العلم الكامل ..  لماذا لا يـُنشر هذا "العلم" بعدم وجود إله ؟ (العلم و ليس الادعاء ، فالادعاء منشور بكثرة) .. أليس حق العلم أن ينشر ؟

والعلم في العادة هو الذي يبادر في أدلته .. علم الطب الحديث مثلاً لم يطالب المعالجين القدماء أن يقدموا أدلتهم ليثبتوا صحة العناصر الأربعة وتأثيرها في الأجسام مثلاً ، بل هو قدم أدلته ، لأنه يملك علماً .. إذاً الملحد لا يملك علماً بعدم وجود إله .. وإلا لقدمه قبل الادعاء .. كما فعل الأطباء العلميون .. هذه هي الخلاصة .. فهم لم يهاجموا الطب القديم و يطالبوه بالأدلة ، بل قدموا أدلتهم قبل ان تـُطلـَب .. إذاً الإلحاد مسألة ظنية وليست علمية ..

وعلى الملحد الذي يحترم العقل أن يقول : أظن .. أو : أشك .. ، وإلا فلن يعتبر عقلانيا .. على الأقل كما فعل فرعون حينما قال لموسى : (وإني لأظنه من الكاذبين) ، ففرعون الآن يبدو أكثر عقلانية في هذه النقطة .. فهو لم يقطع بعدم وجود إله البتة بلا علم .. بل إن فرعون فعل أسباباً لكي يحاول أن يتأكد من ادعاء موسى على حسب قدراته في ذلك الزمان ، بأن أمر أن يـُبنَى له صرحاً ليطلع على إله السماوات .. وقال ( ما علمت لكم من إله غيري) ، أي توقف عند حدود علمه هو .. ولم يقل : لا يوجد إله غيري وعلى المخالفين أن يقدموا الدليل ! وقال ايضا (لا أريكم إلا ما أرى) ولم يدعي أن رؤيته هي رؤية العلم كما يدعي الملاحدة، خطاب فرعون اللعين اكثر عقلانية منهم، وأقل تبجحا، وأكثر منطقية من ادعاء الإلحاد المسوّق عالمياً في عصر العلم ..

طلب الدليل من جمهرة البشر من قبل الملحدين الخارجين عن إجماعهم ، يشبه ادعاء جحا عندما سألوه عن منتصف المعمورة ، و قال أنه عند ذيل حماري ! فاذهبوا و قيسوا الأرض إن لم تصدقوا .. من ينفرد عن المجموع هو المُطالب بالدليل ، سواء أثبت او نفى .. هذا هو المعتاد عند عقول البشر وهو المنطقي أيضا .. والملحدون أقلية طارئة .. إذاً يلزمهم إثبات عدم وجود إله لهذا الكون ، بموجب العلم الحديث و دقته ..

من يقول : لا أدري بوجود الشيء ، فهو يعتبر جاهلاً في هذه النقطة فقط، و من يقول : أدري بعدم وجود ذلك الشيء ، بلا دليل ولا علم، فهو جاهل جهلاً مركباً .. أي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ..

انتفاء الأدلة في قضية متعاكسة يوجب الشك .. هذا هو المنطق ، فالملحد كما يقول لم تصله أدلة على وجود الله ، وأيضا ليس عنده أدلة على عدم وجود الله ، إذاً يجب أن تـُغيّر كلمة إلحاد من أساسها ، فهي غير علمية .. ولا تناسب عصر العلم بما تحمله من تأكيد على عدم وجود إله .. و أن يسمي الملحد العلمي نفسه متشككاً ولا يقبل بكلمة ملحد أو منكر لوجود إله .. حفاظاً على قيمة عقله العلمية ..

ولو جاء ملحد ليقول أننا ندعي أنه لا يحق الادعاء بعدم الوجود إلا لمن أحاط بكل الوجود، بينما نحن لم نحط بكل الوجود ومع ذلك نقول بالوجود. 

هنا نقول : نحن نتكلم عن "عدم وجود الشيء " ، و ما يحتاجه هذا الادعاء لكي يثبت ويعتبر ذا قيمة ، وليس عن "وجود الشيء " .. كقاعدة عامة في كل شيء .. الإحاطة بالشيء الموجود ليست شرطاً للدلالة على وجوده ، فأنت مثلا ترى طرف السحابة ، و تقول : إن السحاب موجود في السماء هذا اليوم ، ولكنك لم تحط بأطراف هذه السحب ..

إذاً هذا شرط خاطئ ، أنت لا تُطَالَب بالإحاطة الكاملة بالموجود حتى تثبت أن شيئا ما موجود ! هذا خطأ منطقي ولا أحد يستعمله في حياته اليومية .. إذا بلـّغت عن حريق مثلا ، فأنت تثبت وجود الحريق ، لأنك ربما رأيت الدخان فقط، فاستدللت على وجود نار، ولكنك لم تقترب إلى النيران لتثبت وجودها وتحيط باطرافها وتعرف مسبباتها ، ولا يطالبك الناس بمثل هذا المطلب .. و إلا لعُدُّوا مجانين ..

إذاً الجزء من الموجود كافٍ لإثبات وجوده ، و لو بدون إحاطة كاملة به .. هذا هو المنطق البشري ..

أي ادعاء لا شأن له بأي ادعاء سابق . فوجود ادعاء سابق لا يعني إن لا يسمى نفيُه ادعاءً أيضاً .. كما يمكن أن تتعدد الادعاءات و تتنوع تجاه الشيء الواحد .. و كلها تسمى ادعاءات .. فأحد يدعي أن زيداً موجود ، و آخر يدعي أنه غير موجود ، و آخر يدعي أنه طويل ، و آخر يدعي أنه قصير ، وهكذا .. و كلها تسمى ادعاءات .. و تحتاج إلى أدلة ، سواء كانت قطعية أو مساندة ..

إذاً الادعاء السابق لا يمنع ورود ادعاء لاحق ، حتى ولو كان نفيه ، لأن كل الادعاءات مبنية على المعرفة .. و كلُّ ما كان مبنياً على المعرفة يسمى ادعاءً .. اذن لو لم يكن لديك الا دليل واحد وعقلي ايضا على وجود الله لصار كافيا ، دون حاجة للاحاطة بالله او لبقية الادلة، مثل من راى دخانا كثيفا فاستدل به على الحريق. وأدلة وجود الله اكثر من أن تعد، لأنها بعدد الاشياء، هذا غير ان المنطق بحد ذاته يقدم الادلة الكثيرة ، بينما يكفي دليل واحد، اذن المؤمن هو المنطقي، لأنه يملك اكثر من دليل. اي شخص لديه دليل واحد منطقي على وجود شيء فقد استدل عليه واثبت وجوده دون الحاجة الى آلاف الادلة، نحتاج للمزيد من الادلة في حالات الاشتباه فقط ، او وجود أدلة مضادة ، بينما الملحد ليس عنده ولا دليل واحد، فبالتالي يكفي لو دليل واحد على كسب القضية.

الأحد، 18 ديسمبر 2016

التفكير بالإنتحار

 بعيدا عن موضوع الزواج واسف على تشعيب الحوار انا لااقدر ان اتأقلم مع الحياه حاولت ان اعيش سعيد بالحياه عجزت افكر مليا بالانتحار لاني وجدت هي النافذه الوحيده التي من خلاله استطيع ان استريح من هذه الحياه ومتأكد انه خياري الاخير ومحطتي الاخيره الحياه سوداء بعيني ليس لها قيمه ابدا لكني هل الله سيعذرني لان انتحارري اظطراري وليس اختياري حاولت ان اجد السعاده بالعباده والصلاوات والاستغفار لكني فشلت ايضا انا اكتب الان ويدي ترتعش لااعرف لماذا وقلبي ينبض سريعا خشيت على امي تحزن بعد موتي فكرت اقتلها ثم اقتل نفسي ولكن لااجروء على التأفف بوجه امي فكيف اقتلها!!! وازحت هذه الفكره من رأسي اشعر انني وسط دائره لااستطيع الخروج منها اتمنى المساعده من الوراق

الرد:

عروض الانتحار يقدمها الشيطان كهدايا لمن ساروا على خطواته او بعض خطواته، سواء عرفوا ام لم يعرفوا، ويقدم ايضا جوائز أكبر لمن يطيعه بقتل من يحبهم، من باب الخوف عليهم، فيحقق مقولة (ومن الحب ما قتل) ، فالشيطان عدو مبين للانسان.لا بد أنك واقع في أخطاء صناعية، سواء عرفت ام لم تعرف ، من الافكار الصناعية التي عادة يقدم الشيطان هديته الانتحارية هي فكرة (أكون أو لا أكون) المقيتة، أي ان يعلّق الانسان حياته الواسعة على هدف ضيق، إن تحقق وإلا فالانتحار أولى، الراغب بالانتحار عندما يريد ان يحقق هدفا في حياته، بدلا من أن ييئس من هدفه ويكمل حياته، نجده ييئس من حياته لأنه لم يحقق هدفه. أنت لا تجد حيوان ينتحر، مهما كانت ظروفه قاسية. لماذا الإنسان فقط ينتحر؟ إذن عنده أفكار خاطئة بنى عليها نظرته للحياة، الإنسان يلعن الحياة ويشتمها ويفكر بالانتحار في وقت كان يجب ان يشكر الله على النعمة التي يشتم بها ويتذمر بها ، فالمنتحر جاحد لنعم الله سبحانه وتعالى، ألست تستطيع أن تقوم وتقعد وتبصر وتسمع و لديك أم حنونة وغير ذلك من النعم التي لا تعد ولا تحصى؟ لماذا أنت متذمر وكئيب وحزين وتفكر بالانتحار؟ هذا من الشيطان ويُفرِح الشيطان ويغضب الرحمن.

اذن الحزن والكآبة من الشيطان، كخطوة تكتيكية مبنية على خطوات مقبولة لكي يصل الى غاية شنيعة بالانسان، إما الجنون او الانتحار او تفريط بالواجبات او ادمان للمخدرات أو العنف و أذية الآخرين، الخ .. قال تعالى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ). وقال تعالى (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ) كالخوف من ضيق الرزق والفقر والحرمان من الوظيفة الخ .. و يقول تعالى عن أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَاب) وقال (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا). وقال تعالى (قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِين قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّون). وأنت قانط من رحمة ربك كما يبدو، إذن انت ضال عن فهم ربك و معرفته و محبته، أي يوجد تفكير صناعي في الموضوع. (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ، والله يلاطفك ويقول (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم). اذن تصعيب الحياة من الشيطان، بدليل أن المتخلفين عقليا والحيوانات والأطفال كلهم يعيشون بطمأنينة، كذلك من عرف طريق ربه أيضا يعيش بطمأنينة.

الشيطان يخوفنا ويكبّر المخاوف ويشعرنا بأنا سوف نموت من الجوع وو ، و أيضا يقنطنا من رحمة الله ويحدّنا على العنت والصعوبة والمشقة والضيق والانتحار، لأنه عدو. يا أخي أنت ليست لديك مشكلة حقيقية، بل لديك مشكلة إما مُتوهَّمة أو مُضخّمة من الشيطان. لاحظ أني لم أسألك عن تفاصيل مشكلتك، لأن هذا ليس مهم، المهم أن تتغير أنت لا أن تغيّر الدنيا لأجلك. المفترض أن تفكر فيما عليك أنت وليس فيما لك، فأنت عليك واجب الشكر والعمل فيما تستطيع، ولا تقف عند ما لا تستطيع. وأن تصبر على ما أصابك وتحتسب هذا عند الله، إن ذلك من عزم الأمور، فالصبر عزم وليس ضعف، ولكن على ما لا نستطيع تغييره، أما ما نستطيع تغييره، كالأفكار، فصبرنا عليه ضعف و كسل.

إنك في دار امتحان ولست في دار استقرار، واعرف ان كل ما أصابك هو امتحانات من الله، فلا تفشل في الامتحانات، واعلم ان مع العسر يسرا، ولا تصدّق ما يقوله الشيطان لأنه عدو. وقدوتك الأنبياء في صبرهم وذكرهم لله، أنا أعطيك الحل من الآخر ولا أريد الدخول في التفاصيل. الشيطان يدعو أولياءه إلى الحرج والضيق والله يدعو إلى السعة، والله عنده السعة ، وهو الواسع العليم، ولا تدري ما الذي ينفعك، لكن الله يدري. فآمن به و توكل عليه و أسلمه أمرك ولا تعبأ بمصائب الدنيا، فليس لها نهاية، ومع ذلك مع العسر يسرا، فالحياة أيضا جميلة، والزهور تتفتح في موسمها على السعداء والكئيبين. المتشائم ينظر للحياة بمنظاره هو الأسود الضيق، بينما الحياة أوسع وأجمل وأشمل.

التشاؤم مرض، والمرض هذا لا دواء له إلا بالعبودية الكاملة وتسليم النفس لله، أنا اتكلم لك من تجربتي، فقد كنت كئيبا ومتشائما وفكرت مرارا بالإنتحار، إلى أن هداني الله وغيّرت أفكاري القديمة، فتغيرت حياتي من الضيق إلى السعة، ومن التشاؤم إلى التفاؤل، لأني ببساطة كنت معتمدا على نفسي، والآن أنا اعتمد على الله، فأعمل ما هو في نطاقي، وأتوكل على الله في الباقي، ولا أبالي بالنتائج. المهم هو النية والقصد والعمل، أما التوفيق فمن شأن الله وليس من اختصاصي، وهكذا ارتحت والحمد لله. هي تجربة سهلة وليست صعبة كما يوهمك الشيطان، أكثرها ترك لأشياء.

أسلِم تسلم من الكآبة وضيق النفس وأفكار الانتحار السوداوية وعذاب الآخرة والأولى، لأن الله قال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) و قال عن المؤمنين المسلّمي أنفسهم لله (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون) وقارن بين الحالتين .. لا تبالي بما يذهب ، ليكن همك النجاح في الامتحانات أمام الله ان كنت مؤمنا وليس أمام الناس ، ان كنت مؤمنا فحقق إيمانك على الواقع بشكل يومي.

لا يكن الحيوان أقدر منا على التحمل ونحن لدينا العقول والخيال والشعور والمعرفة والإيمان والبدائل، لأن الحيوان لا يفكر بالانتحار، و هو ليس له بيت ولا دخل ولا ضمان ولا يدري هل سيُذبح غدا. المنتحر إنسان فاشل لا شك في الحياة لأسباب داخلية وليست خارجية، لكن الأسباب الخارجية تكون كالقشة التي تقصم ظهر البعير، الإيمان بالله يعطيك القوة الداخلية والاطمئنان النفسي بأن طريقك في الحياة سليم، و أن الرازق هو الله وأن التوفيق من الله.، وهذا هو الذي يعينك على الصبر وقوة التحمل للخسارة او المصيبة. قال تعالى (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ) أي لن تصبر إلا بالتوكل على الله، لأن الإنسان ضعيف بنفسه.