السبت، 10 ديسمبر 2016

نظرية التغيير


إن أي مجتمع لا يمكن أن يتغير بشكل جذري من تلقاء نفسه، لأن المجتمع بطبيعته يميل إلى الثبات وعدم التغيير ، بل يقاوم التغيير، ويحافظ على مستويات الأمور كما هي عند حدودها المعتادة المعروفة عنده. لا يمكن لشخص أن ياتي بشيء جديد على مجتمعه ويشبه ثقافة أخرى بدون عملية اتصال معها. إن التغييرات الجذرية لا تكون إلا من تأثير خارجي على المجتمع، سواء مجتمعات مختلفة أخرى أو أفراد من نفس المجتمع لكن يملكون تصورات ومفاهيم مختلفة عن تصورات ومفاهيم المجتمع الذي يعيشون فيه. فمثلا لا يمكن لشخص في بيئة بدوية أن ينتقد معلما من معالم بيئته من تلقاء نفسه ودون تأثير خارجي ، فلا يمكن أن ينتقد طريقة تحضير القهوة أو يأتي بنوعية جديدة منها – كابتشينو مثلا – أو أن ينتقد طريقة تسلّم السلطة في قبيلته، أو غير ذلك من المعالم الأخرى التي تتميز بها البيئة البدوية. بينما لو جاء رجل من قبيلة أخرى أو ربما رحالة أجنبي لتلك البيئة فسيقدم تلك الانتقادات والملاحظات، لأنه قادم من بيئة مختلفة. مثل ما انه يستحيل ان يأتي أحد من بيئة معزولة ومتخلفة حضاريا مثلا ، ثم يصنع جهاز لابتوب! كذلك يستحيل أن يأتي أحد بأفكار جديدة وتشبه بيئات أخرى بدون إتصال وتبادل ثقافي. 

وهذا ينطبق حتى على الرسالات السماوية التي توجه الناس إلى الهداية والفضيلة والخير، فالبشر لا يمكن أن يهتدوا من تلقاء أنفسهم أو أن يتغيروا إلى الأفضل أخلاقيا بدون رسالات أو رسل من الله. وهذا يرد على الطرح اللاديني الذي يؤكد أن الإنسان يستطيع معرفة الخير والشر بدون الحاجة لإله وتوجيهات ورسالات سماوية.

هناك 3 تعليقات :

  1. استاذ وراق هناك اذكار قال الرسول من قال اللهم اني عبدك وابن عبدك.. الخ من قالها اذهب الله همه هل ان قلتها يذهب همي ام انها مجرد ذكر فقط وقالها الرسول على سبيل الترغيب فقط لان اقولها ولايذهب همي ماهو السبب

    ردحذف
    الردود
    1. الأذكار شيء مفيد وجميل، لكن ليست كافية لوحدها ، الله يُذهب هم الانسان إذا كان عبدا لله ومسلما نفسه لله، ومتبع لكلام الله وما والاه، ومؤثرا ذلك على نفسه ومصالحه. ليس مجرد أن تقولها فتأخذ ثمرتها. لأن إجابة الدعاء تحتاج للولاية ، اي ان يتولاك الله، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد أنه دعا الله ان يشرح له صدره ويضع عنه وزره ويرفع له ذكره، بل الله فعلها لأن الله مولاه. التعاطي مع هذه الأذكار الواردة كمفاتيح، يشبه المُسكّن وليس الدواء. إذا تولاك الله أصلح شأنك حتى لو لم تنتبه أو تطلب، وإذا طلبت أعطاك ما طلبت وربما أكثر وربما أحسن. لأن إصلاح الحال ليس متوقفا على الدعاء، وإلا فالانسان ما يدري ما مشكلته في أحيان كثيرة، لكن الله يدري. قال تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) واستجابة الدعاء تغيير، والله لا يغيّر حتى يتغير الشخص ويغيّر ما في نفسه، اذن الله لا يستجيب إلا لمن يغيّر ما في نفسه، وما الذي في نفسه يجب ان يغيّره ؟ هو باختصار العلمانية البشرية، التي وصفها الله بكلمة الإنسان. قال تعالى (إن الإنسان ليطغى) ، (خلق الإنسان من عجل) ، (وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ..) أي يغيّر عبادة الذات والهوى التي يحث عليها الشيطان حثا. ولا يعني هذا ان يكون الانسان بلا هوى. بل يعني أن يكون الاهتمام الأول لله، والهوى والمصالح درجة ثانية بعده، وبموافقته. هذا معنى العبودية. و اتباع هوى النفس على حساب ما يريد الله هو باب الشرور كلها، ولا يمكن الجمع بينهما، بل يمكن أن يُقدّم أحدهما على الآخر فقط. فهناك من يخدع نفسه بأنه يجمع بينهما، وهذا لا يمكن لأن الله هو الأول.

      قال تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين). وقال تعالى (والله يحب المحسنين). ينبغي على الانسان ان يكون في دائرة محبة الله ولا يخرج منها. لأنه إذا لم يحبك الله فأنت لست بخير، مهما عملت. فانظر من يحب الله ومن لا يحب من خلال القرآن. فالله لا يحب المستكبرين ولا يحب كل مختال فخور ولا يحب من يجهر بالسوء من القول وهو لم يُظلَم ولا يحب الفرحين بمعنى من يربطون النتيجة بالأسباب مباشرة ويفرحون لنجاحها. ويمقت الله من يحب أن يُمدح بما لم يفعل، ويمقت من يقول ولا يفعل، أي يكره الكاذبين، والله لا يحب كل خوان كفور. و كفور عامة اي جحود اي فضل او اي حق لله او لغيره، بل حتى لأعدائك، لأن الله يحب من يعدل حتى مع أعدائه، كما قال تعالى (اعدلوا هو اقرب للتقوى) ، إلخ هذه الصفات..

      إن اتبعت هذه الوصفة القرآنية، أن تكون عبدا مطيعا لله قدر ما تستطيع كما أمرك في كتابه وما والاه، وأن تبتعد عن دائرة من يكرههم و أن تكون في دائرة من يحبهم الله بعد أن اسلمت نفسك لله وقلتها مدركا معناها، كما اسلم ابراهيم واسماعيل كمثال، سيتولاك الله وينفعك ذكر الله. المهم هو أن يتولاك الله لا ان يستجيب لحرفية دعاءك، لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون. (ألا إن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . هذا كلام الله وليس كلامي، والله ايضا وعد عباده بحياة طيبة ومغفرة من عنده وحنان ومحبة، في الدنيا والاخرة، فهل بعد هذا شيء؟ اذن نخلص إلى أن هذه الاذكار تفيد بعد تحقيق مرحلة أساسية سابقة لها.

      حذف
  2. كلام جميل ورائع بحق! تعليقكم ع تساؤل الاخ يستحق وبجدارة ان يكون موضوعا مستقلا.. بارك الله في جهودكم..

    ردحذف