الاثنين، 27 أبريل 2015

الفرق بين الحقد والحسد


إن أساس الحقد هو الكبر, ويحتاج الحاقد للانتقام ليبرّد هذه العاطفة الملتهبة دائما, وهو خلق صناعي وجبان ومذموم في نفس الوقت , كما قال الشاعر: "وليس كبير القوم من يحمل الحقدَا", لأن الحقد لا يُرَد في وقت الانفعال العاطفي نفسه بل يجعل ضحيته تشعر بالأمان لتكون ضحية سهلة الصيد, وهذا ما يسميه الحقود (بالوقت المناسب والذكاء) بينما هو دناءة وخسَّة, لأنه افتقر إلى الشجاعة وافتقر إلى العفو بنفس الوقت. الحقود جبان وغير متسامح في نفس الوقت ويهرب عن المواجهة بدون عفو, والناس تغتر بهذا التسامح الوهمي وتعتبره من صور العفو. ويصعب على الناس أن تربط ما سيأتي بما حصل, فإن كان سيأتي مواجهة فهذا على الأقل من باب حق الرد في الوقت المناسب, لكن الحقود قلما يواجه بل يضرب من الخلف, كما قال الشاعر الشعبي: "كم جارسٍ مات ما شاف جارسه" أي كم من قتيل مات وهو لم يعرف من قتله.

الحقود يكره الشخص الذي يعارضه ولا ينساه وينتظر الفرصة للانتقام بأي شكل, فعندما يختلف شخصان بالرأي فإن الحقود لن ينسى الذي خالفه وقد ينسى الموضوع الذي اختلف معه عليه أو تفصيلاته, ولن ينسى منظر عينيه وهي تنظر إليه بغضب وتحسُب الكلمات الجارحة وتنقشها بالحفر على كبد جمل لا ينسى, لأنه لا يهمه الفكرة بقدر ما يهمه التكبر.

الحقد دائما ينصب على الشخص وليس الفكرة, ويرتاح الحاقد بالانتقام المؤجل ويعتبره شجاعة تحافظ على الكبرياء الوهمية, لأن الكبر أساس كل الذنوب وهو أول ذنب عصي به الله, والانتقام بالنسبة للحاقد يكون بأي وسيلة تسبب ضررا على المحسود مهما طال الزمن, والقطيعة الطويلة من صورها المخففة.

الفرق بين الحسد والحقد, أن الحسد لا يكون له مسبب أو إساءة بل بسبب نعمة المحسود, أما الحقد فيكون بإساءة وأكثر ما يكون بإساءة متخيلة تجرح الكبرياء, فقد يكون التصرف الذي لقيه عادلا أو كلاما صريحا حقيقيا, ومع ذلك يسميه الحاقد إساءة.

من يجمع الأحقاد ستشغله أحقاده عن التقدم والبناء وتطوير الذات, فالحسود لا يسود وليس كبير القوم من يحمل الحقدا.

هناك ما أسميه حقد إيجابي أو حقد فاضل, مع أن تسميته (الدفاع عن الحق) أفضل, وفيه يكون الحقد منصب على الفكرة الباطلة وليس على الشخص, لهذا يكون فيه عدم النسيان والفرح بما يُثبت سقوط تلك الفكرة الباطلة, ويمكن تسميته حقد على الفكرة وليس حقدا على الأشخاص, وهذا فيه نصرة للحق لأنه حقد على الباطل وعلى الشيطان, والله يقول عن الشيطان :{فاتخذوه عدوا} لهذا كل ما يأتي من الشيطان من أفكار يجب أن نتخذها عدوا .

الحقد الطبيعي يكون على الفكرة ولا يصل للآخَر إلا في حالات نادرة عندما يصر الشخص على الصناعي ويسبب الأذى, مثل قصة صلاح الدين مع أرياط عندما قال: سأقتله بيدي. بينما عفا عن بقية المحاربين, لأن أرياط التصق بفكرة الشر وأصبح شيطانا ومؤذيا بعدما أخذ فرصا وكان يخون العهد ويقتل الحجاج ويقطع الطريق. والمبادرة بالشر والالتصاق به والأذى والاستمرار والتكرار والتنويع في الشر وكره الخير دليل على التصاق الشخص بالصناعي (الباطل), وهي علامات شيطان الإنس.


إن كلمة "غل" بشكل عام هي أي شيء سلبي عن الآخر و يُخفَى ، سواء بدافع غيرة او سوء فهم أو عدم صراحة أو نقصها، أي وجود حواجز ، ولو كانت صغيرة ، ولا تخلو أي علاقة مهما كانت صافية من بعض المنغصات. مثل ان تخاف او تتضايق او تكره شيئا ما معينا في شخص تحبه، بحيث لو علمَهُ الآخر ربما تضايق من ذلك، مثل شخص يجلس لوحده دائما ، وآخر يحب هذا الشخص، يتضايق من ذلك ويقول : ليكن على راحته ، لكن يبقى في النفس شيء ، وهذا بسبب عدم الفهم أو قلة الوضوح .. قال تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا) ، وقوله تعالى (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا).
 

الأحد، 19 أبريل 2015

فهمُ القرآن مقرونٌ بفهم لغته ولسانه ..

القرآن جاء باسلوب ادبي ، وليس باسلوب كتاب علمي حتى لا يكون مملا و يكرر نفس عباراته . فمعرفة لغة العرب و ادب هذه اللغة و طرق تعبيرها ، شرط ضروري لمن اراد ان يفهم القرآن . ومشكلة الملاحدة - بسبب ولعهم الوهمي بالعلم - ، يريدون اي كتاب ان يكون مقننا ، ككتاب في التكنولوجيا او الهندسة . متوهمين انهم دقيقون ! بينما هم ينطلقون من عواطف وايمانات اصلا ! ويخوضون في بحر من التناقضات ، فأين دقتهم لتخرجهم من تناقضاتهم ؟

المهم ألا ننس ان القرآن بلسان عربي مبين ، ولاحظ كلمة "لسان" ، فلا تشير هذه الكلمة الى النظام اللغوي والنحوي فقط كما تصور كثير من علماء اللغة او المفسرين ، فكلمة "لسان" تشير الى طريقة العرب في التعبير بكاملها كما تكلموا بالسنتهم ، وهذا الجانب يجب اعتباره .

كل انتقادات الملاحدة على القرآن تفتقر الى النظر في الخلفية اللغوية والتعبيرية والادبية للعرب . بعبارة اخرى : هم استعاروا عقولا اعجمية من الغرب ، ودخلوا بها على القرآن الذي نزل بلسان العرب . (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي {الغرب} وهذا لسان عربي مبين) . ينبغي دراسة الادب والبلاغة قبل تناول القرآن.


كل اللغات لا تاتي بطريقة علمية مقننة ، و إلا لما توسعت اللغة ولما استطاعت ان تعبر عن المعنويات التي لا يمكن التعبير عنها الا من خلال تشبيهات وعلاقات . اذن لا يمكن تطبيق العلم والموضوعية على اللغة ولا يمكن تناولها بالطريقة العلمية ، لانها ليست تعبر عن المادة فقط ، بل تعبر عن المعنويات والماديات ، فتكون صريحة اذا عبرت عن الماديات المفردة ، و مأولة اذا عبرت عن المعنويات ، و إلا فستكون اللغة في اكثرها كاذبة لانها مبنية على استعارات وعلاقات . وما هذا الا لوجود الجانب الروحي و المعنوي في الانسان الذي ينكر الملاحدة وجوده والمختلف عن عالم المادة ، و يضطرون للتعبير عنه بالاستعارة من عالم المادة . فما دام الجانب الروحي والمعنوي غير موجود ، فلماذا يستعيرون له وهو غير موجود ؟ وإلا لماذا لم تكن اللغة كلها مادية وصادقة في ماديتها ما دام الانسان كله مادة ؟ اذن اللغة تثبت وجود الروح . لانها امر لا يمكن التعبير عنه الا بالاستعارة من المادة .

اهتمام الملاحدة بالعلم المادي فقط واهمالهم للادب واللغة هو الذي جعلهم يظهرون بهذا الوضع الغير عميق في نقدهم للنصوص .

نصيحة للملحد : عليه الا يتكلم عن التناقض كثيرا ، لان كل افكاره مبنية على التناقض ، والذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة .

السبت، 18 أبريل 2015

الاحافير والأثريات ليست دليلا علميا كافيا ..

الأحافير والأثريات التي تقدَّم كدليل على الفرضيات العلمية أو التاريخية التي يراد إثباتها، هي في الحقيقة ليست دليلا علميا كافيا, لأنه لا يمكن التحقق منها, فتزوير الأحافير والاثريات أصبح صنعة متطورة، ويمكن صنعها بشكل يتماشى مع الشروط التي يريدها العلماء لتصديقها. الدليل الحقيقي هو الدليل الذي لا يمكن تزويره, فالأحافير والأثريات مثلها مثل التصوير أو التسجيل الصوتي؛ لا تُقبل في المحاكم لأنها يمكن تزويرها, فكل الأحافير والأثريات إذن ليست أدلة علمية كافية.

المشكلة أن هذه الأحافير التي يقدمونها يخالفون بها المنطق والواقع, وهذا يزيد الطين بلة، مثل أن أصل الحوت عجل، أو أن الإنسان أصله مشترك مع قرد (أي قرد في الأخير) ، مع أن الواقع أن الإنسان إنسان والقرد قرد, فعقل الانسان مختلف عن عقل القرد والحيوان بشكل عام ، فالقرد أقرب للقوارض من الإنسان، فهو يشبهها من ناحية سرعة الحركة واستعمال الاسنان والبيئة المناخية وتسلق الاشجار ونوعية الغذاء إلخ ..

الحقائق الثابتة والواقعية لا يمكن أن تُنسف بأحفورة لا يمكن إثبات عدم تزويرها, لأنه يمكن صنعها، و كل ما يمكن صنعه لا يمكن اعتباره دليلا علميا قطعيا. فكل الأحافير في المتاحف ليست أدلة قطعية، بل فقط يستأنس بها. أما الدليل المعتبر فهو دليل المنطق والواقع والتجربة، لأن المنطق لا يمكن تزويره, لهذا جاليليو نجحت نظريته لأنه قدم تفسيرا أكثر منطقية لحركة الأرض والشمس - مع أنها ليست نظريته في الأصل-.

كل حقيقة هي مستندة على المنطق وتقف بين يدي المنطق. الحقيقة كجوهرة في عقد المنطق. الحقيقة لا تأتي لوحدها دون ارتباط بالمنطق. الحق عليه نور وأدلته كلها حوله، أو على الأقل ليست ضده. الأدلة المنطقية هي التي تقنع الناس وتفهمهم, أما أدلة الأحافير فهي فقط تتطلب ثقة, ثقة في أن ذلك الباحث نزيه وغير منحاز ، وأن الحفار لم يكن قصده التكسب، وأيضا أن طرقه في الاختبارات علمية وغير قابلة للتشكيك, فالتصديق بنظرية علمية بناء على أحافير ومتحجرات هو ثقة بالباحثين وليس عن اقتناع حقيقي.

الحق عليه نور ولا يتعارض مع المنطق, فمن شروط الحقيقة أنها لا تخالف المنطق، فهي تحتاج المنطق والمنطق يحتاجها، ولأن المنطق علم ثابت ، ولا يستطيع أي علم أن يُسقط المنطق، لأنه قائم عليه أصلا . ولا يجتمع علمان ثابتان متناقضان. الكهرباء مثلا لم يمكن الاستدلال عليها بالمنطق وحده، لكن أمكن إثبات وجودها بالتجربة المتكررة والمشاهدة بما لم يخالف المنطق، بل اعتمد عليه, و بالتالي أمكن قياس الكهرباء والاستفادة منها ومعرفة ظواهرها التي كلها منطقية وعلى اساسها يعمل الفنيون والكهربائيون في صنع الشبكات الكهربائية.

كذلك الدليل لا يمكن أن يُعتمَد إذا خالفَ ما هو أثبت منه, فكون الحوت كان عبارة عن عجل، فالذي أثبت من هذا الكلام أن الحوت كائن بحري موجود ، والعجل كائن بري، وشتان بينهما حتى يقال أن أحدهما تحول للثاني!

كذلك الديانات لا تُثبت بالأحافير والآثار, وإلا لأصبح أصحاب كل دين يزوّرون ، وصاحب الأقوى قدرة مالية وإعلامية وفنية سيثبت دينه أكثر, وقد يأتي من يقول أنه وجد ألواح موسى ويكتب فيها ما شاء ويحرِف البشرية معه. كل ما في الأمر أن تُعرض على مجموعة أجهزة تقيس الاملاح والكربون وما الى ذلك، وتحاليل تثبت قدم هذه الصخور، وتبدأ بعد ذلك الآراء النظرية على الأكثرية، كما هي حال اللجان، ويقال ثبت بالعلم، وانتهى الامر ! بحجة أن علماء الآُثار لم يجدوا عليها آثار تزوير! هذا مع العلم ان كل مادة ومعادن وصخور على الارض قديمة أصلا ! أو يأتي من يكتب مخطوطة مزورة للقرآن يحرّف فيها القرآن ويقبلها علماء الآُثار, وبهذا سيكون علماء الآُثار يتحكمون بمصير البشر وتاريخ البشر وتاريخ الطبيعة وتاريخ الكون والفكر والعلم ! ويستطيعون أن يغيروا متى شاءوا كلامهم السابق بمجرد أن يجدوا قطعة جديدة !

إذا كان المزوّر حاذقا في عمله ولم يخطئ، فكيف نعرف أنها ليست ألواح موسى مثلا ؟ أو أنها زعنفة الثور اثناء تحوله الى حوت؟ لا تنس أنه سيُقسم أنه صادق وغير مزور .

كل التزويرات الاحفورية عُرفت بسبب أخطاء عند المُنتج، وانتبه لها شخص واحد من بين عشرات العلماء الذين قبلوها لسنين وعقود كما حصل في إنسان بلتدوان المزور الذي نيلت بسببه 500 درجة دكتوراه لمدة 40 عام، وعلى أسس علمية كما يقولون ! انظر الى حجر سليمان مثلا، اذ قبله العلماء في البداية، وأعلنوا للصحف أنه حقيقي، ولولا شك احد العلماء لاستمر على انه حقيقة و بنيت عليه امور كثيرة ، فقد استـُغرب وجود اصداف بحرية على سطح هذا الصخر، وان خامته ليست من منطقة القدس، و في الأخير تم كشف شقة المزور و وجدوا ادوات تزوير واحافير جديدة معدّة، مع العلم انه باع قطعا اخرى على متاحف عالمية ولم تكتشف بعد.

وما اكثر التحف والاحافير المزورة، لأنها صنعة غير مكلفة ماديا ومربحة جدا، تضاف إلى المهن الغير قانونية المربحة، كتجارة المخدرات وأيضا تجارة الاثريات والاحافير ..

يعترف العلماء بصعوبة كشف التزوير في الاثريات والاحافير . وبالتالي كل ما لم يستطيعوا كشفه سيعتبرونه حقيقة! إلى أن يأتي من يكتشف التزوير وقد لا يأتي، وهنا يكون العلم والتاريخ على كف عفريت ! من يستطيع أن يثبت ان هذا الحفر على الصخر مثلا جديد وليس قديم ؟

طبعا هناك شواهد اخرى يستعين بها العلماء ، لكن يظل الموضوع في اطار الاستنتاجات والمجهودات الشخصية في الكشف . ومجهوداتهم تشبه مجهودات ضابط الشرطة في كشف تزوير قضية أو جريمة ، قد ينجحون او لا، لأن هناك جرائم لم يستطعوا كشف فاعلها، اذن هو مجهود ادبي وليس علمي ، اذا قسمنا المعرفة الى نوعين ..

ليس هناك وسائل علمية مضمونة في اكتشاف التزوير ، وهذا يعترف به العلماء، اذن ما لا يمكن علميا التأكد من التزوير فيه لا يصلح أن يقوم دليلا علميا . بل للإستشهاد والاستئناس او الدعاية فقط. لهذا الداروينيون يكثرون من اكتشاف الاحافير وعظام الديناصورات بالآلاف على سبيل (الكثرة تغلب الشجاعة). لكن العقل الشجاع يستطيع ان يهزم الكثرة، أو على الاقل يحافظ على وجوده ولا تجرفه معها.

الثقافة ومصادرها في الزمن الراهن

الثقافة في اللغة هي ما يُثقَف، أي يوجد ويؤخذ، قال تعالى (حيث ثقفتموهم) ، وتعني ايضا الإصلاح والتهذيب ، مثلما قال عنترة :


ومدججٍ كره الكماةُ نزاله .. لا ممعنٌ هربا ولا مستسلم ..

جادت يداي له بعاجل طعنة .. بمثقّف صَدقُ الكَعوب مقوّم ..



أي ان رمحه مهذّب ومنعّم ومزالة شوائبه عنه، أي مثقّف . فأخذ المعرفة اذن يُنتج التهذيب أي التغيير، سواء للأفضل أو الاسوأ ، حسب المأخوذ ، وهنا نفهم فائدة الثقافة، أي التغيير والتحسين ..



والثقافة أشمل من العلم، فقد يكون في ثقافتنا الشخصية او الجماعية معلومات غير علمية، ربما غير حقيقية. والثقافة حالة جماعية و حالة فردية، و قد يتجاوز الفرد مجتمعه بثقافته الشخصية. فقد نجد شخصا مثقفا في بيئة بدوية اكثر من شخص في بيئة متحضرة .. على العكس من الحضارة التي لا تكون الا في حالة جماعية، فيصح أن نقول شخص مثقف ولو كانت بيئته متخلفة حضاريا، لكن لا يصح أن نقول شخص متحضر اذا كانت بيئته متخلفة، بل نسميه مثقفا حينها .. لأنه سيكون شاربا من حضارة او ثقافة اخرى.



الثقافة تنتج التفكير، فالمفكر يفكر من خلال ثقافته، وكلما زادت الثقافة كلما زادت القدرة على التفكير، بشرط الا تكون متناقضة، لأنها تشل التفكير بسبب التصادم .. وحسب تأسيس الثقافة تكون جودة التفكير. اذن المفكر درجة ارقى من المثقف أو نتيجة للثقافة. وغالبا المفكر يدور حول ثقافته. اما الفيلسوف فهو لا يكتفي بثقافة بيئته او عصره، بل ينطلق الى الاساسيات والكونيات والثقافات الاخرى. و كل امة لها ثقافة حتى لو كانت بدوية، بل لكل امة في فترة من فترات تاريخها مصادر ثقافية قد تزداد او تنقص مع الزمن تؤثر في ثقافتهم، وبالتالي فثقافة أمتنا في هذا العصر لها مصادر ثقافية بعضها لم يكن موجود قديما، الافضل ان تؤخذ في الاعتبار .. فالتأثير الغربي مثلا غير موجود في العصر العباسي، بينما هو موجود في عصرنا بكثافة .. واللغة نفسها تتأثر بالعوامل الثقافية، و لها مستويات، فهناك التراثية، وهناك اللغة العصرية المتأثرة بالثقافة الغربية. ولهذا لم أفرد اللغة كمصدر مستقل لبناء الثقافة، لأنها تتأثر.



الثقافة دائما تحتاج الى فرز، سواء الشخصية او الجماعية. البعض ينطلق من الثقافة على انها حقائق كاملة، وهذا نسميه المثقف الحاوي أو مثقف الوعاء ولا نسميه المثقف المفكر، لأنه يأخذ الجمل بما حمل ويصدق كل ما ثقفه . فنجد عنده تصديق بحقائق علمية و تصديق بخرافات ، جنبا الى جنب، وهذا أكثر شيء نعاني منه في زماننا هذا : ضعف الفرز الثقافي + التصادم الثقافي، وكأن الأمة في حالة عبّ وشرب ، سواء من التراث او من الحداثة، وهذا ما يسبب لنا تصادم القوى في داخلنا، والتي تسبب حالة التوقف والسكون،لأن التصادم يوقف الطاقة، وكذلك نعاني من حالة التصادم بين ثقافة الفرد المثقف وثقافة المجتمع. وهذا في الحقيقة سبب جمود الامة وضعفها في هذا العصر، لأن هذا التصادم والضبابية انتج ضعف الرؤية وعدم وضوحها، وعدم وضوح الرؤية ينتج التوقف بلا شك، والتوقف يجعل الغير يتحرك، لهذا الأمة في حالة دفاع وارتباك وضعف قدرة على التقييم، بل حتى في معرفة الموقع من الإعراب، عكس ما كانت عليه امتنا في عصورها الذهبية، عندما كانت ترى بوضوح اكثر وكانت ترى نفسها قائدة للعالم.



و على سبيل الاجمال نقول أن لثقافتنا مصدرين هما : التراثي ، والغربي ..



واذا شئنا التفصيل،  سنقول أن العامل الاول : القبيلة ، كعمق قومي ، لها افرازاتها المؤثرة في ثقافتنا حتى الآن. وإليها يرجع سيادة الوضع الدكتاتوري في الامة ، ليس سياسيا فقط ، بل حتى اجتماعيا، بناء على شيخ القبيلة الذي يُحترم لمكانته وسنه واصالته، بغض النظر عن الاخطاء التي قد يقع فيها، فمن افرازاتها أن يكون الموظف أهم من الوظيفة، أو ان الوظيفة هي الشخص نفسه، وكأن زوال الموظف هو زوال الوظيفة، بينما في الثقافة الغربية الوظيفة كيان مستقل والموظف طارئ عليها . لهذا من الكلمات الشائعة عربيا ان يقول مدير او ناظر المدرسة (مدرستي) والوزير (وزارتي) وهكذا ..



وكذلك يكون الوطن هو الحاكم او الطبقة الحاكمة، مثل ما كانت رمزية شيخ القبيلة. وتأثير روح القبيلة انتج ضعف شعور الانتماء للوطن الجغرافي ، لأن القبيلة ليس لها وطن جغرافي، فقد كانت متنقلة .. وكذلك انتشار المحسوبية والواسطة في ثقافتنا العربية، لأن الوظيفة هي الشخص، والشخص على قدر ما تدلي عليه يجب أن يخدمك، ولو على حساب النظام، كما كان شيخ القبيلة يلحقه العار اذا التجأ به أحد أفراد القبيلة ولم يساعده. لذلك تعاني امتنا من ضعف احترام النظام على حساب العلاقات الاجتماعية والمصالح الشخصية ..



ومن تأثيراتها : خلق الكرم ، اكرام الضيف ، والنجدة وقوة تأثير من يلتجئ بك ويطلبك شخصيا لخدمته. ومن تأثيراتها : الاهتمام بالمصلحة الخاصة على مصالح الامة، لأن القبيلة هي الوطن، وشيخ القبيلة هو رمز القبيلة.



ومن تاثيراتها ايضا : احترام السن المبالغ فيه ، حتى لو أخطأ من هو اكبر سنا أو مكانة، فلا يليق انتقاده، لأن شيخ القبيلة غالبا يكون هو الاكبر سنا. (لاحظ كلمة "شيخ" وهي في الاصل لكبير السن، ودخلت هذه الروح الى الدين نفسه، فيسمى العالِم شيخا، والعالم الاكبر سنا أكبر تأثيرا واحتراما، وكذلك الاثرياء قد يُسمَّون شيوخا) . و نجد في المجالس العربية عادة كبار السن والمكانة يتكلمون والبقية عليهم ان يسمعوا ويقبلوا رؤوسهم ..



كذلك قضية الاهتمام بالانساب والعراقة واجتماعها مع الأحساب، فتكمل الوجاهة بالنسب + الحسب + العراقة والقدم، وليس بالأعمال نفسها بحد ذاتها . فكل قديم يأخذ قيمة العراقة. فكل شيء قديم في مجال يعتبر ذو مكانة عالية، حتى لو لم يكن بتلك الجودة.



العامل الثاني : عامل الدين التراثي (المذهبي) . لأن تأثير الدين الخالص الحقيقي قليل .. والاصل الأخلاقي ينقسم على عامل القبيلة وعامل الدين وعامل الثقافة الاجنبية ..



العامل الثالث المؤثر في حضارتنا : عامل الحضارة الغربية في هذا الزمن، بدءا من الاستعمار ومرورا بالبعثات والمستشرقين والتجارة و وسائل الاعلام والترجمة الخ .. أي عادات الغربيين وتقاليدهم ورموزهم وميثولوجياتهم واعيادهم وفنونهم وأفلامهم الخ ..  



العامل الرابع : التراث القومي ، بما فيه من لغة وتاريخ وحروب وأداب وفنون وميثولوجيا الخ ..



العامل الخامس : العلم الحديث والمناهج العلمية الحديثة، فصار الشخص يستطيع ان يغير من افكار من هم حوله اذا قال : اثبتت الدراسات العلمية في معهد في الصين –مثلا - ان هذا الشيء ضار بالصحة ، أو اثبتت الإحصاءات كذا، بما في ذلك النظريات العلمية . وأنبه هنا أن العلم ليس حكرا على الثقافة الغربية، لهذا اعتبرته رافدا مستقلا .



العامل السادس : الثقافة التوفيقية بين التراث والحداثة ، اذ نجد شغفا إليها لفك التصادم الثقافي بين التراث والحداثة، ولهذا كثر الوسطيون والتوفيقيون ومن يريدون دمج الثقافة الغربية بثقافتنا العربية الاسلامية وعملهم منصب على فض التنازع بين التراث والحداثة والخروج بحل وسط بينهما، وهؤلاء نجدهم يزدادون يوما بعد يوم بداية من رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وبعض مشائخ الازهر وبعض مشائخ الصحوة.



هذه وجهة نظري على كل حال ، قد اكون مخطئا او مصيبا في توصيف مصادر ثقافتنا في الوطن العربي في هذا العصر، لكن لا توجد ثقافة لم تتأثر بثقافة اخرى ، فالبشر في تاثر وتأثير منذ القدم، وكذلك الاخلاق تتأثر وكذلك اللغة، فليست كيانات مستقلة .

التعظيم

صور التعظيم بعضها ابرز واوضح من صور العبادة، فإذا كانت العبادة تقتضي سجودا وركوعا، فبعض صور التعظيم فيها تمريغ للوجه في التراب، وخمش الوجه واللطم وشق الثياب، وغير ذلك كثير، بل تصل الى الانتحار بسبب مشاهير او ممثلين وغيرهم، ومع ذلك لا تسمى شركا ، لكن المشكلة تقع اذا ظهرت صور بعض هذا التعظيم لشخصيات محسوبة على الدين .

يجب الا نخلط بين التعظيم والعبادة، لأن العبادة تحتاج اقرار ألوهية .. كما قرر القرآن تأليه المشركين لآلهتهم بإقرارهم وشهادتهم على أنفسهم .. هناك شخصيات دينية قد تحظى باهتمام أكثر من غيرها لارتباطات سياسية او تاريخية او مذهبية، ويحيطها تعصب مذهبي أو سياسي، فينالها تعظيم مثل تعظيم بعض الزعماء او اللاعبين او الممثلين، قد يُفهم أنه عبادة، وهنا يجب التثبت قبل الحكم لأن مثل شخصية علي والحسين، هي شخصيات لها بعد سياسي، بل بعدها السياسي أقوى من بعدها الديني، لأن الدين أكمله الرسول، والقرآن اكتمل قبل موته.

اذن ليس كل تعظيم سببه العبادة. فلاحظ تركيز الشيعة على الحسين أكثر من الحسن، مع أنهما كلاهما سبطي رسول الله ، والحسن يفضله بأنه اكبر سنا، وكلاهما ابني فاطمة وعلي، ولكن الموقف السياسي للحسن سلمي، وموقف الحسين ثوري، من هنا نفهم قيمة البعد السياسي. فهم لا يلطمون للحسن بل يلطمون للحسين.

في اثبات الشرك لا بد من اقرار بألوهية غير الله، حتى لا تختلط صور التعظيم او صور التوسل والتبرك مع العبادة والشرك . لأن هناك من يحب ويبالغ في المحبة ، فهل يسمى مشركا ؟ هناك من يبالغ في العبارات والنداء، فهل يكون مشركا ؟ وهو ينفي أنه يعبد غير الله ويؤدي صلاته له وليس لمن يعظمه ؟ الصلاة لا يؤدون الصلاة للحسين بل هي لله .. فإذا قيل صرف شيء من العبادة، فستدخل صور كثيرة في الشرك، بل لا يسلم أحد من الشرك. حتى من قال ان المطر يأتي من السحاب قد يُحسب مشركا ! فالمحبة الخالصة يستحقها الله، وهناك من يصرفها لغير الله، فهل نقول انه مشرك؟ الطاعة بدون تفكير والثقة، هذه من حق الله، وهناك من يصرفها لغير الله، الخوف والخشية : هناك من يخاف الناس اكثر من الله، واذا خلى ارتكب المحرمات التي لا يرتكبها امام الناس، فهل نقول أنه مشرك شرك خشية ؟ هناك من يتحمسون ويتعصبون لأشخاص أو أندية او لأوطان، وكان الأجدر أن يكون هذا للدين، فهل نقول أنهم مشركون ؟ حد الشرك يبينه القرآن . وليس مفسوحا للاجتهاد، فما بينته النصوص ليس مجالا للاجتهاد . إذا صرفت شيء مما يستحقه الله لغير الله لا يكون هذا شركا، فالله يقول (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهل من صرف شيئا منها لغير الله اصبح مشركا؟ على هذا سيكون اكثر المسلمين مشركين ! لأن الله ليس هو ما يشغل بالهم بشكل دائم، هناك ما يشغل بال الانسان أكثر في بعض الاحيان. والمحبة القوية والخالصة والاهتمام من العبادة، والتعظيم من العبادة، وليس فقط الدعاء. والخوف، وليست العبادة مقتصرة على الذبح والنذر والدعاء فقط ! وبهذا يكون كل ذنب عبارة عن شرك، لأنه تقديم للذة على حق الله، فصارت اللذة أهم من الله في هذه اللحظة، وبالتالي أصبح الذنب شرك بموجب هذا المفهوم عن الشرك ! مع ان القرآن بين لنا موضوع الشرك بوضوح.

وعبادة إله مع الله ليست بالأمر الخفي حتى نعمل عقولنا واستنباطنا ، لأن المشركين يشهدون على انفسهم بالشرك ويقرون بذلك. وفرقٌ بين من يتقرب الى الله بأحد، وبين من يعبد غير الله ليقربه إليه زلفى، فالإقرار بالعبادة فرق. ولهذا اهل التوسل والابتداع يزدادون اهتماما بتوسلهم اذا اصابتهم محن، بينما المشركون اذا جاءهم الخوف ينسون آلهتهم ويعبدون لله وحده، لو كانوا مشركين لتركوهم كما فعل مشركو قريش، والمشرك يفعل فعل المشرك.

بعض الشيعة فهموا أن علي أتاه الله خاصية العلم والاجابة والشفاء ونحوها، و هم يطلبونها منه لأنها حُوِّلَت إليه ، وعلى سبيل التوسل في الأخير، لأنهم يعرفون أن الشافي هو الله وليس علي. مثلما السنة يتبركون بماء زمزم ، مع أن الشافي هو الله وليس ماء زمزم . لكن لشرك هو إله مع الله . فإذا كان هناك من يعتقد منهم أن عليا إله، أو ابن اله، فهذا شرك. أما التوسل والمبالغة فيه لا تكون شركا حتى يقر بالألوهية وبالتالي العبادة. وتبقى من الجهل المذموم وتقصير في حق الله وعدم اتباع لأمر الله بدعوته مباشرة، قال تعالى (ادعوني استجب لكم) ولم يقل : ادع فلان او علان، ومخالفة امر الله معصية لا شك يجب التوبة منها. فالله امرنا ان نتبع ما أنزل، لا أن نتبع عواطفنا وميولنا السياسية، فالله هو الذي يهدينا الى سبيل الرشاد، والقرآن هو النور الذي يجب أن يتَّبع .. لكن لا نستطيع ان نقول أن هذا شرك ، لأن الله بين لنا ما هو الشرك . ولو كانوا يشركون بهم فعلا مع الله لصرفوا بقية العبادات لهم كالصلاة والصيام والحج وغيرها. ألا تكفي هذه اشتباها في تهمة عبادة غير الله ؟ فلو كانوا يعبدونهم لصلوا لهم واستقبلوا قبورهم بدلا من الكعبة ! ما الذي يمنع عابدا من معبوده ؟

الاصل في صفاء العقيدة عدم وجود توسل ولا تبرك، لأن الله حي قيوم سميع بصير، لا يحتاج الى وسطاء، وموضوع الشفاعة هذا من موضوع الآخرة وليس الدنيا، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فالانسان الصالح لا ينفعك صلاحه بل ينفعك صلاحك أنت، ولا ينبغي أن تتكل على صلاح غيرك وأنت تستطيع ان تصلح نفسك. قال تعالى (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن) ولم يذكر وسطاء ولا شفعاء، وكل هذه الممارسات داخلة في عدم الثقة بالله، وباعثها النفسي تهرب من اصلاح الذات وتعلّق بآخرين ، مع أن الله يقول (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وليس ما سعى غيره، مثلما أنه لا تزر وازرة وزر اخرى، رغم هذه الاخطاء والبدع الفادحة ، إلا أنها لا تصل الى مسمى شرك، إلا اذا تم الاعتراف بتأليه غير الله وعبادته من دون الله .

عقل الحيوان وعقل الإنسان والفرق بينهما (3)

التمييز هو الوعي، وهو الذي ندرك من خلاله أننا أحياء، بقدر ما عندك من تمييز بقدر ما عندك من وعي بالحياة . الوعي اذن يختلف من شخص لشخص، ويختلف في الشخص نفسه في جانب وجانب، تجد الشخص عنده تمييز في جانب معين فقط، وبالتالي عنده وعي في ذلك الجانب من الحياة .. مثلا أ: نا واعي لأني أميز من أنا ، وما الذي بجانبي ، وأن الجو كذا، الخ .. اذن الوعي هو تمييزات كثيرة . والتمييز من الشعور.

القط جالس معنا وعنده وعي و لدينا وعي، لكن وعيه مختلف. تمييز القط أن هذا حار وهذا بارد ، وهذا يتحرك وهذا ساكن، وهل ما يتحرك يشبه شكل طرائده وحركاتها ام لا، الخ .. لكنه لا يميز أن هذا الشخص سيسافر مثلا، أو أن الشخص الآخر حزين، أو سعيد، أو حتى يبكي .. وباقي تمييزاته يعيش كما تملي عليه غريزته، إما شيءٌ يأكله أو شيء يخاف منه أو يختبئ و يتدفا فيه ، أي يستفيد منه، أو يخاف منه ويبتعد عنه ، أو شخص يحنّ عليه فيقترب منه، أو شخص يقسو عليه فيبتعد عنه.

أي ان تمييزاته تخدم غرائزه فقط، وهذا في كل الحيوانات، كغريزة الاكل والبقاء والتكاثر والنوم والاخراج. لكنه لا يميز علاقات الاشياء والامور . الانسان يميز العلاقات ، أي علاقات ، حتى لو لم تكن له علاقة فيه، والحيوان يميز متعلقات بحياته . وبينهما فرق بحجم الفرق بين عقل الانسان وعقل الحيوان .. تمييز الانسان ليس بيده، الله اراد له ان يكون هكذا . وإن كان البعض يريد أن يكون مثل حياة الحيوان لكنه لا يستطيع ، التمييز يفرض نفسه، حتى لو انكرنا وجوده.