الأربعاء، 1 أبريل 2015

أزمة القيم في العلمانية


رد على مقال : أزمة القيم في الإسلام ، للكاتبة / سعاد الحياني

2015 / 3 / 25

يربط الكثيرون الدين بالاخلاق . بل يذهبون الى اعتبار الاخلاق حكرا على الدين والمتدين . لهذا نجد المسلم يتباهى بالاخلاق والقيم التي يحملها دينه والتي يجد فيها تعبيرا عن الخير المطلق . بل ويحصرها داخل دائرة الاسلام والمسلمين.و يجعل بابها موصدا امام كل من هو خارج الاسلام بثقة عالية لا تقبل التشكيك .ويكاد يكون موضوع القيم والأخلاق هو الموضوع الوحيد الذي يتفق حوله كل المسلمين بمختلف طوائفهم وفرقهم . فكلهم يتغنون بمنظومة الاسلام المتينة والغنية والشاملة.وكلهم يبدلون جهدا في تبيان تراص هذه المنظومة القيمية وكمالها وتناسبها مع المجتمع الانساني في كل مراحله. مع أن الواقع يبين أن المسلمين هم ابعد ما يكونون عن تنفيد هذه القيم ليس في علاقاتهم بباقي الشعوب والأديان فقط بل في علاقاتهم ببعضهم البعض ايضا. فإن كان المدافعون عن الاسلام يجدون تبريرات كثيرة ومتنوعة ليبرروا فشل الدولة الإسلامية التي حكمت لازيد من ثلاثة عشر قرنا هذه البقعة الجغرافية الممتدة من المحيط الى الخليج . فكيف سيبررون تهاوي القيم لدى هذه الشعوب التي ورثت الاسلام ابا عن جد ؟ فالواقع يبين بكيفية لا تدع مجالا للشك أن هناك هوة عظيمة ما بين الانسان المسلم وما بين القيم الإنسانية بما فيها تلك التي يتغنى بها المسلمون في كل مناسبة . فمعدلات الجريمة في مجتمعاتنا تفوق نظيرتها في كل المجتمعات الاخرى وتتنوع من ابسط الجرائم الى أعقدها وأبشعها ،كما يسود عدم الاحترام بين الجنسين ويواجه الطفل بمختلف اشكال العنف ولا يعتبر انسانا على المطلق بل شيئا مملوكا لأبويه ثم لأساتذته أو مربييه. وتسود الأنانية المطلقة في كل التعاملات بين الناس حتى اصبح في العديد من الأماكن مجرد الخروج من المنزل هو خوض لحرب على المرء أن يديرها بكفاءة عالية يتسلح فيها بمختلف اساليب الاحتيال وسوء النية والحذر الشديد .فهذا المجتمع الذي حافظ لهذه القرون على طقوس الصلاة والصوم والزكاة و قام افراده برحلات شاقة ومكلفة من أجل الحج الى مكة . ونبذ العلاقات الجنسية خارج اطارالزواج بشكل حاسم وحافظ على الحجاب ومنع المرأة من الخروج للحياة العامة هو نفسه المجتمع الذي استشرى فيه الكذب والنفاق والسطو على ممتلكات الغير والخداع وغيرها من الاخلاق القمينة. فلماذا فشل المجتمع الإسلامي الذي يدعي امتلاكه للأخلاق دون سواه في تربية مجتمع تسوده القيم الايجابية التي تزخر بها النصوص والكتب حين فشل في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والسياسية على مر تاريخه؟

الرد:

مضمون المقال حتى الآن مخالف لعنوانه ، فالموضوع عن أزمة القيم في الاسلام، بينما حديث الكاتبة منصب على المجتمعات المسلمة الراهنة ! وبينهما فرق . فالاسلام ليس هو المجتمع المسلم بالشرط . الإسلام هو دين ومنظومة فكرية أخلاقية. هكذا يجب أن يناقشها المقال بموجب العنوان . لكن الكاتبة انحرفت وانحدرت على المجتمع لتصفه بأبشع الصور، حتى دون الإنصاف في إبراز الصورة كما هي، وتسمي ذلك قيم الاسلام .. فتنظر الى المجتمع المسلم بقيم غربية، وكأنها تطل من النافذة على الشارع وتبحث عن عيوب الناس المنتسبين الى الاسلام ولو بالهوية وتنسبها الى الإسلام رأسا ! هذا هو أسلوب العلمانيين عادة ، وهو اسلوب غير منهجي ولا علمي . أسلوب : الدين في الشارع والشارع في الدين .. وهذا خلط بين النقد الفكري والنقد الاجتماعي .. والباحث المحقق لا يقع في مثل هذه الغلطة حتى لا يفقد موضوعيته واحترامه العلمي ..

ولا ادري : هل هي تناقش وضع المجتمع المسلم ام تناقش القيم الإسلامية ؟ هل هو نقاش فلسفي أم هو نقاش إجتماعي ؟ هذا تشتيت للموضوع بتقديم عنوان مموّه يوحي بربط نقد المجتمع أنه نقد للإسلام، وهذا الخلط مللنا من تكراره عند الغربيين والليبراليين والملاحدة والعلمانيين والمستشرقين ، فلا يكادوا يميزوا بين الاسلام كفكر وبين المجتمعات الإسلامية الراهنة والتي هي ضحية استعمار غربي لا يعطيها فرصة للحياة وهو ضحية افكار مادية غربية تضخ فيهم .

الغرب يقاوم أي نهوض عربي إسلامي ويحارب انتشار الديموقراطية في المجتمعات المسلمة منذ عدة قرون، ثم يقول : انظروا الى اخلاقهم التي خلفها لهم دينهم ! والحقيقة انها بسبب ديدنهم الاستعماري التسلطي وليس بسبب دينهم . وطبيعي إذا لم يكن هناك عدالة ولا ديمقراطية ان ينتشر الفساد والرشوة وتتقدم المصالح الخاصة على العامة، وهذا معروف في كل وضع لا تسوده العدالة والديمقراطية، انها تنسب مشاكل العالم الثالث الى الاسلام، مع ان في العالم الثالث من ليسوا مسلمين، وتنتشر عندهم مثل هذه المشكلات مع الطفولة او الرشوة والمحسوبية والجريمة والمخدرات الخ، بسبب الفقر والفساد الاداري الخ ..

من العار ان نحاول الصاق التهم ، مع أننا نعرف اساسها ، ونعرف انها موجودة في مجتمعات غير إسلامية لكنها من العالم الثالث. والدليل هو اختلاف هذا الشيء بين بلد مسلم وبلد آخر . ولو كان الاسلام هو السبب لكانت المجتمعات الاسلامية بدرجة واحدة في مستواها الاقتصادي والقيمي وتعاملها مع المراة والطفل والحيوان والاخر على مر التاريخ ! وهذا لا يقوله عاقل ، اذن ليست المشكلة في الإسلام، بل في أهل الزمان وظروفهم، والواقع يبين اختلافا كبيرا ايضا . اذن لماذا الكاتبة تفعل هذا وهي تعلم كل هذا ؟ هذا شيء عجيب .. إما أنها قلّدت غيرها ثقة بهم ، أو أن لها هدف بإلصاق كل عيوب المجتمعات حتى التي لا تطبق الاسلام بالإسلام، وهذه ليست نية طيبة تجاه الاسلام كفكر . ولا تخرج الكاتبة من هذين الأمرين .  والاسلام دين قد يتبناه الصالح وقد يتبناه الفاجر الذي يستغله، مثله مثل أي منظومة قيمية، ماذا فعل ستالين بإسم العدالة الاجتماعية ؟ وماذا فعل المستعمرون بإسم نشر الحرية والديمقراطية ؟ كل القيم ممكن أن تستغلّ.

ما قامت به الكاتبة هو انها اختزلت الاسلام كله في المجتمعات الاسلامية الراهنة، ونسيت أن هذه المجتمعات بهذا الدين نفسه هي التي أهدت الحضارة والعلم الى اوروبا يوما من الايام، وعلّمتهم كيف يكتبون الارقام والصفر، انها كانت سيدة العالم .. نفس هذه المجتمعات ونفس هذا الدين ..

والكاتبة بهذا الطرح لم تأت بجديد : كل المستشرقين الغير منصفين ومن يكرهون الإسلام من علمانيين وغيرهم من مسيحيين ويهود يتكلمون عن المجتمعات الإسلامية ويسمونها الإسلام، فإذا اختلت بعض القيم عندها و اذا وقعت حالات ارهابية بنسبة واحد على مئة مليون قالوا المشكلة في الإسلام ! واذا وقع ارهاب منهم قالوا حالة خاصة ويعاني من مشاكل نفسية ! أليس هؤلاء بحاجة ماسة الى قيم أخلاقية أفضل قبل ان يتكلموا عن القيم الأخلاقية ؟

يحتاج هذا أن نلقي نظرة حول هذه المنظومة القيمية بشكل واقعي موضوعي بعيدا عن الجمل المنمقة الرنانة لنفهم كنه هذه المنظومة .أول أساس تنبني عليه القيم في الإسلام هو الدخول في إطار التدين والإيمان فلا قيمة لأي خلق إن لم يكن صاحبه مسلما مؤمنا بالله موحدا به. .

هذا غير صحيح بهذا الإطلاق والتعميم ، بالعكس : القرآن امتدح أخلاق بعض الرهبان المسيحيين وأنهم لا يستكبرون، ونهانا عن الاعتداء على المسالمين، بل و أمر ببرهم و والعدل معهم و هم غير مسلمين، بل ودفع الزكاة الى فقرائهم اذا كانوا محتاجين . هذه التعاملات الحسنة مع غير المسلم ما كانت لتكون الا بسبب اخلاقه. اما سيء الاخلاق والمعتدي والشرير فلن يتعامل معه الاسلام بهذا اللطف. اذن ليس صحيحا أنه لا قيمة لأي اخلاق الا بسبب الايمان ! بل إن الإسلام يحث على الاجتماع مع غير المسلمين المسالمين على كلمة سواء، أي على الاتفاقات السليمة، وإبعاد الاختلافات. بل يخبرنا القرآن أن الله لا يضيع أجرهم هم إذا أحسنوا عملا مع أنهم غير مسلمين ولا يؤمنون بمحمد، ما دامهم يؤمنون بالله . (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ..

أنا اتكلم عن الإسلام من منبعه وليس مما يقوله المسلمون أو بعضهم .. وهكذا تكون الموضوعية .. أنا مرتبط بعنوان الكاتبة اكثر منها ، لأن عنوان مقالها يتكلم عن القيم في الإسلام وليس عند المسلمين كدول ومجتمعات حاضرة .. الكاتبة تنظر الى الاسلام كما تفهمه بعض الاصوات البارزة في المجتمع المسلم ! وهذه ليست دراسة موضوعية ولا تُبنى الدراسة الموضوعية بهذا الشكل . عنوان المقال فكري ومحتواه إجتماعي ! 

فالمجتمع المسلم قد يتقبل القاتل والسارق والمرتشي والمنمم والمنافق والكاذب والمحتال وصاحب اكثر الصفات تدنيا . لكنه لا يقبل غير المسلم وخاصة ان كانت جدوره وخلفيته مسلمة وتركها لقناعة أو لأي سبب من الأسباب.

وهذه النقطة غير صحيحة ايضا : لأنها حكم على الإسلام من الناس ، وليس من مصدره الاساسي . وبالتالي هو نقص في موضوعية الكاتبة. فإذا قلت (في الإسلام) ارجع الى نصوص الإسلام، وإذا قلت (نصوص الإسلام) فارجع الى نص الإسلام الاساسي وهو القرآن . هذه هي الموضوعية العلمية لمن شاء الحقيقة والإنصاف . في دراسة أي دين أو فكر يجب أن ننصب على منابعه لا على أتباعه وكيف يتصرفون وأيهم غلط وأيهم لم يغلط، فالافراد محكومون بظروفهم واختياراتهم ..

ليس صحيحا أن الإسلام يقبل الفاسدين والمرتشين والسرّاق ! لو كان يقبل السارق فلماذا يقطع يده ؟! الله يقول (وقد خاب من حمل ظلما) لأن الإسلام في حقيقته لا يقبل الظلم بكل انواعه. والإسلام الحقيقي كما هو في القرآن لا يُلزم أحداً بنفسه، حتى لو كانت خلفيته مسلما، فالإسلام بقيمه الراقية لا يقبل على نفسه أن يُلزَم به أحد يكرهه ولا يريده . وهذا من عزة الإسلام وعلوه ، جعله يأنف أن يُغصب أحد عليه .. والعزة لله ورسوله ثم للمؤمنين ، هذا معنى العزة في الإسلام ، عزة النفس وليس التسلط .. قال تعالى : (أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون) وقال (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقال (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) .. القرآن يخطّئ ما ذهبت الكاتبة إليه ، والقرآن هو اساس الاسلام، وبهذا تكون استنتاجات الكاتبة غير موضوعية. وبالتالي غير حقيقية .

الدين جاء ليصلح الناس، فكيف يفسدهم؟ إذا الناس ظلموا والدين يقول اعدلوا ،وإذا الناس سرقوا والدين يأمر بالأمانة ، يكون المسؤول هو الدين أم الناس ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ بأية منطقية يتكلم العلمانيون ؟ وكيف يتكلمون بلا غطاء منطقي ؟! إلا إذا كان الكلام عملية فنية ليس إلا .. هذا يشبه أن يُتهم المدرس الذي يحث تلاميذه على الاخلاق بأنه هو سبب انحراف بعض تلاميذه عن الاخلاق ! أريد أن افهم كيف سبب الإسلام وجود الظلم وهو ينهى عنه ؟! في هذه الحالة لا يستطيع العلماني ربط الظلم والفساد بالإسلام مباشرة الا عن طريق مُوصّل ، وهو المجتمع أو الإجتهادات الخاطئة ، وبالتالي سيتكلم عنها ، لكنه سيضع في العنوان (الإسلام) كما فعلت كاتبتنا وغيرها كثير .. هذا العمل بحد ذاته من قبل مناوئي الإسلام يشير إلى أزمة قيميّة يعانون منها، وهي أزمة الإنصاف .

فالإسلام واضح بهذا الشأن : الله يغفر الذنوب كلها إلا الشرك به. فالمسلم يدرك أنه بإمكانه أن يفعل أي شيء وكل شيء وتقبل توبته إلا الشرك وهو بهذا يحس بذلك الإطمئنان ما دام قد ابتعد عن الشرك ودخل في حدود ظلال الله .ولأن الله لا يغفر الشرك فالمسلم أيضا لا يغفره خوفا أو تملقا لله .وهو ايضا حاسم في قراره كما هو الله حاسم فيه. وهكذا أدخل الإسلام القيم في إطار العبادات واعتبرت العبادات والطقوس أهم معيار للأخلاق .وغدا إحترام الفرد منوط بمدى تدينه وليس بمدى تخلقه . و اعتبرت الطقوس من صلاة وصوم عامل للمغفرة ومحو الأخطاء والهفوات فأصبح المؤمن يخطئ بضمير مرتاح طالما بإمكان الطقوس التي يقوم بها أن تمحو تلك الهفوات وتبعده عن العقاب وعن غضب الله.واضرب هنا مثلا على قيمة الكذب حيث يعتبر الإسلام هذه الصفة قمينة لكن القرآن حين يذكرها انما يربطها بالكذب على الله: " فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فاولئك هم الظالمون" آل عمران الآية 94 و" انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به اثما مبينا" النساء الآية 50 و" ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" البقرة اللآية 10.سنلاحظ أن الكذب الذي اهتمت الآيات بتحريمه هو الكذب على الله أو تكذيب ما جاء على لسانه . وليس الكذب كخلق قد يمس المجتمع. وهذا خطاب مبطن يعطي طمأنينة للمؤمن الذي يدخل في إطار الاسلام ويحصنه ما لم يخرج من الدين ويجعله في حل من أي إلتزام مبدئي حول القيمة نفسها.فأن يحدد هذا النوع من الكذب ويعتبر موجبا العقاب يعني بالمقابل أن غيره من أنواع الكذب قد يتم غفرانها وتجاوزها.فالقيمة ليست مستهجنة بشموليتها وإنما بقدر ما تمس تصديق العقيدة وما يتعلق بها.

للأسف هذا واقع الكثيرين، لكن لا يمكن أن تقوم الأخلاق كما يفترض العلمانيون بدون إيمان بالله .. فمن يكذب على الله من باب أولى أن يكذب على الناس، لأن الحياة العلمانية ستكون مصلحية، والمصلحة تقتضي الكذب أحيانا والصدق أحيانا .. اذا كذب المسلم ليس لهذا الخيط الرفيع والتهمة البعيدة التي تحاول الكاتبة الصاقها بأساس الإسلام، لأن عنده نصوص خاصة بالكذب على الله او على غيره، كقول النبي عليه الصلاة والسلام : (وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا) . بل إن المسلم مدفوع بدافع علماني دنيوي مصلحي في تلك اللحظة التي يكذب فيها، وليس لأن دينه يتساهل في الكذب على الناس. حتى الشرك نفسه من يكاد يسلم منه ؟! لأنه أنواع . كل شيء يقدّم على حق الله يعتبر شركاً . سواء كان ماديا او معنويا، في طقوس او في محبة و رهبة. والرياء نوع من الشرك. الشرك ليس في شيء مادي فقط.

و المسلم ليس الله أمام عينيه وهو يكذب تلك اللحظة بل المصلحة امام عينيه (العلمانية – الدنيوية ذات الحياة الواحدة - امام عينيه) ، والعلمانية موجودة حتى في الاديان الا من رحم الله، ولهذا تُستغل الاديان من باب العلمانية القائمة على المصلحة. لأنها هي التي تحتقر الصدق فعلا وليس الإسلام، فالعلمانية بنت الالحاد وهي لا ترى فوارق كبيرة بين الخير او الشر، وتستعمل احدهما للآخر تبعا للمصلحة.

الكاتبة تنقل عيوب العلمانية وتدخلها في الاسلام، ليس الاسلام الذي يتساهل بالكذب بل العلمانية التي تتساهل بالكذب وغيره، لأنها لا تجعل الصدق حاجزا بينها وبين المصلحة. الإسلام لام الكذب والكاذبين عموما ، وأمر بأداء الامانة والوفاء بالعهد، وكلاهما عينا الصدق، وتكلم عن الذين يفترون على الناس الكذب ويقذفون المحصنات وجعل عقوبة لكذبهم هذا ، وحرم الغش والنجش وهو الذي يزيد في السعر كاذبا لا يريد ان يشتري. وما اليمين الغموس في الاسلام الا التي تغمس صاحبها في النار لانه حلف على كذب، وطبعا الموضوع لا يتعلق بالله بل بالناس ، اذن من يكذب على الناس في الإسلام يغمسه كذبه في النار ، ماذا تطلب الكاتبة من نصوص الإسلام اكثر ؟ هل الالحاد والعلمانية والليبرالية تغمس الكاذب في النار ؟ ام تقول انه شاطر وناجح ، واذا دخل السجن قالوا : يا لسوء حظه لم ينتبه لبعض الثغرات ، يحتاج الى محام بارع (يعرف كيف يكذب افضل منه) ، بكل سهولة ..

لكن اين نصوص العلمانية في التحذير من الكذب ؟ فهي تغمس الكاذب في عسل المصلحة وتسمي هذا براجماتية وشطارة ما دام القانون لم يكتشفه، وما ميكافيلي الا علماني أصلي يجعل الغاية تبرر الوسيلة، وكشفها كما هي ، ومثله نيتشه الذي كشف الالحاد كما هو ، هذه هي القيم الغربية من ليبرالية او علمانية او الحاد . المصلحة تبرر الوسيلة، لأنه ليس هناك غاية اصلا سوى المصلحة في العقلية العلمانية ، والمصلحة لم تكن يوما من الايام أخلاقا . من بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة .

ولهذا السبب انا اجزم ان الاخلاق لا يمكن ان توجد الا في ظل ايمان حقيقي واعي بالله – وليس وراثي فقط -  وبالدار الاخرة، و الا فستكون اخلاقا علمانية تجارية مصلحية، تتوقف الفضيلة اذا توقف الريع. ويُعمل بالرذيلة اذا اقتضى الريع. والسياسة الغربية على طول الزمان شاهد على هذا.

الاخلاق تؤخذ عند العلمانية من الجدوى الاقتصادية او الاجتماعية، فهي محكومة وليست حاكمة. اما في الاسلام الحقيقي فهي حاكمة. لأنها ترفع صاحبها الى مجالس الانبياء في الجنة، (إن اقربكم مني مجلسا يوم القيامة احاسنكم أخلاقا) ، والأنبياء كلهم لم يتحدثوا فقط عن حق الله في العبادة، بل انتقدوا عيوبا اخلاقية في اممهم، كما قال لوط لقومه (وتقطعون السبيل) ، وقال أحد الانبياء (وزنوا بالقسطاس المستقيم) (ولا تبخسوا الناس اشيائهم) ، وقال الله تعالى للعرب (ويل للمطففين ، الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون ، واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون، الا يظن اولئك أنهم مبعوثون) أليس هذا ذم للكذب على الناس ووعد بعذاب اليم ؟ لماذا تتجاهل الكاتبة كل هذه النصوص وغيرها كثير ؟

وكذلك القرآن انتقد اخلاق الكفار الذين تعاملوا مع الرسول : (الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) (ويل لكل همزة لمزة) ، وذم المستكبرين والظالمين والخائنين ومانعي الخير ومحبو نشر الفتنة بين الناس والشر ، والمنافقين وذم النفاق، (الذي تتمتع به العلمانية من باب من تسميه البراجماتية) ، وغير ذلك كثير : كل القرآن يدور حول الاخلاق سواء مع الخالق او المخلوقين او المخلوقات او النفس، فكيف يُنتقد الدين بسوء الأخلاق بينما الدين نفسه أخلاق ؟ هذا شيء عجيب . وكيف تقوم العلمانية بانتقاد اخلاق الدين ، وهي لا تعترف بمرجعية الاخلاق في شيء ، وترى انها نسبية وانها متداخلة ولا يوجد فيها مطلق، وتقدّم المصلحة بشكل صريح ؟ وما ضر الاخلاق اصلا الا المصالح، فلمصلحة السارق سرق وترك الامانة. "لو ذات سوار لطمتني" .. تقزُّم أخلاقي عند الايديولوجية العلمانية مع جرأة ولسان طويل على اخلاق الدين العملاق ..  

من ينجح في التعامل مع الله اخلاقيا ستكون تعامله مع البشر اخلاقيا من باب اولى، فمن يصدق مع الله وهو لم يره ، فطبيعي سيصدُق مع من يراه . اما من فشل اخلاقيا مع الله فسيفشل اخلاقيا مع البشر مهما ادعى و رقّع، لأنه لا توجد قوة تجبره على ان يلتزم بالاخلاق على حساب مصالحه. اذن الاخلاق الدائمة في كل الظروف والقادرة على معاكسة هوى النفس والمتكاملة لا يمكن ان تكون الا في الاسلام الصحيح.

لا اقول ان غير المسلم لا يمكن ان يفعل اعمالا اخلاقية، قد توجد، ولكنها ليست متكاملة او ليست دائمة. وستكون منطلقة من شعوره الانساني الذي جاء الدين ليكافئه ، لكن الحياة الدنيوية المصلحية لا تدعم الاخلاق، بل تعاقب عليها، إلا إذا وافقت المصلحة لأهل النفوذ والسلطة.

الاخلاق لا تسمى اخلاقا ما لم تكتمل دائرتها، والقوانين الوضعية لا تهتم بالاخلاق، بل بالحقوق، والاغنياء والاقوياء دائما هم اهل الحقوق، لأن لهم اموالا عند الناس، و هم من يخافون من السرقة والسطو، لأنهم هم من لديهم الاموال الكثيرة و لديهم ما يغري للسرقة والسطو، و هم من يخافون من الجرائم اساسا. لهذا يحتاج اصحاب الامول الكبيرة الى قوانين وانظمة تحميهم لانهم غير قادرين على حمايتها جميعا. اذ لا توجد قوانين اخلاقية.

ما عقوبة الكاذب او الخائن او المتكبر او المغرور او الساخر بالناس ؟ الخ .. بل حتى قانون اللاسامية قانون عنصري ، وهو تمييز لهذا العرق عن غيره، وقوانين تحريم الرق وتشغيل الاطفال وحقوق العمال ومساواة الرجل والمرأة وحقوق الشواذ جنسيا، الخ كلها مدفوعة بدوافع، اما فئة ذات لوبي ، او لدوافع اباحية، او خوفا من ثورة عمال شيوعية، أو لدوافع رأسمالية مثل منع الرق حتى يكون الانتاج خاص بالرأسمالية، ويضطر الناس لمنتجاتهم و آلاتهم، ومثل قوانين تشغيل الاطفال حتى من اهاليهم، مع أن هذا ضار باقتصاد الاسرة وضار بتكوين مهنة من الصغر عند الطفل وبناء شخصيته، حيث يؤخذ غصبا الى المدارس ليتعلم التعليم العلماني ليؤدلج لصالح الراسمالية وليس لصالح اهله . مع أنهم يتكلمون عن الحريات، فكيف يُغصب الطفل على الدراسة إذا كان لا يريد ؟ وهكذا في الاخير مصالح في مصالح ..

إذا استطاع إنسان نادر أن يقوم بواجب الشكر وما يتطلبه إلى من أحسن إليه، فكيف يكون محسنا الى من لم يحسن اليه ، ثم كيف يكون محسنا الى من أساء اليه ؟ وهذا الأصعب، من يستطيع هذا بدون اله و بحياة واحدة ؟ (وما يلقاها إلا الذين صبروا ) ، أي المؤمنين بالله الصابرين لأجله. قال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ، وقال المسيح : أحبوا أعداءكم. هل تقول العلمانية مثل هذا ؟ هل تقول العلمانية أحبوا أعداءكم ؟ أم تقول استغلوا أصدقاءكم قبل ان يتحولوا إلى أعداء، لأنه لا توجد صداقة ولا عداوة دائمة عند العلمانية بل هناك مصالح دائمة كما قال تشرشل العلماني ..

وهكذا نرى الفارق المخزي للعلمانية إذا قورنت بالدين في مجال الأخلاق ، ومع ذلك هي التي تتجرأ دائما على نقد أخلاق الدين !  وهي لا تعتمد على أي أساس أخلاقي . من أساسُه التضحية مثل من أساسُه اللذة ؟ كيف يستويان مثلا ؟

وكما رأينا كيف أن الله يذم الأخلاق الرديئة وهي أخلاق الكافرين بالله ، فمن يكفر بالله سيكفر بالناس مباشرة، لأن سوء الأخلاق ما هو الا كفر،  فالكافر كافر بالحقيقة والسارق كافر بحقوق الناس، وهذا معنى الكفر في الإسلام وهو أوسع من التصور السطحي. الكافر بالله هو كافر بكل فضيلة، اصلا، لأن الله لا يُرى بل يُعرف بالفضيلة، فمن كفر بالفضيلة كفر بالله والعكس.  

والعلمانية داخلة في الدين أيضا وهي ما أفسده ، لأنها حولته إلى مصالح دنيوية . لا فساد أخلاقي بدون علمانية، ولا صلاح أخلاقي بدون آخرة وإيمان. وكل العيوب التي يتغنى العلمانيون بها في المجتمعات الإسلامية هي بضاعتهم ، هي علمانية داخلة في فهم القرآن وليست من القرآن نفسه، أي أن بضاعة العلمانيين رُدت إليهم .. وهذا الشيء قابل للتجربة : زد من النظرة العلمانية في فهم الدين و سترى فساد وشرور أكثر وأكبر بإسم الدين، فتستحل حينها حتى المحرمات .. اسحب الروح العلمانية من الدين يغدو كوكبا مضيئا جميلا ..

الأخلاق الحقيقية لا يمكن أن تقوم أصلا إلى بإيمان بإله هو الذي يريدها وهو الذي يجازي عليها وهو الذي يعوض علينا ما تقتضيه تلك الأخلاق من خسائر تصل الى بذل الروح. ولأجله أحببنا القيم ولأجلها أحببناه في تمازج ابدي بين المتدين والفضيلة و الإله .. لماذا الله في القرآن يحيلنا إلى أسمائه الحسنى ؟ كلها قيم وفضائل ! وهذا تعرفه الكاتبة ولم تشر إليه .

الله يقول (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، أليست الكلمة عامة و أمرٌ بالصدق عموما ؟ لماذا تجاوزته الكاتبة ولم تقل أن قرآنهم يأمرهم بالصدق وان يكونوا مع الصادقين ؟ ثم لاحظ (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) أي لن تكونوا صادقين حتى تتقوا الله، أي لا اخلاق حقيقية بدون إيمان بالله وذكر ذلك الايمان بالتقوى وعدم نسيانه ، فالصدق هو اساس الفضائل، ولأن من نظر الى الدنيا فقط سيكون مجنونا إذا صَدَق على حساب مصلحته ..

لا وجود لأخلاق حقيقية بدون إيمان بالله . نعم توجد أخلاق تجارية مصلحية وهي ليست أخلاق ، هي مصالح بعيدة الامد، وهي الاخلاق العلمانية ، فصديق الامس عدو اليوم، وصديق غدا تبعا للمصالح .. انظري الى اوصاف الذين كذبوا على الله وكفروا به في القرآن.

نلاحظ في القرآن الكريم أن أي أمر أو نهي أخلاقي للمؤمنين فيه تضحية او أعمال كبيرة ، يُسبق أو يُلحق بتقوى الله ، مثل قوله تعالى (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) او ذكر الله ، أو محبة الله لمن يتصف بذلك العمل الطيب الأخلاقي أو كراهية الله لمن يفعلون ذلك المنهي اللا أخلاقي .. مثل قوله تعالى (واصبر وما صبرك إلا بالله) (ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، لن يتقوى الإنسان الذي يريد الفضيلة على أدائها إلا بالإيمان بالله.

العلاقة الايمانية تبدأ بحب الفضيلة، ثم ينتقل هذا الحب الى حب الله نفسه، ثم حب ما يحب الله، وهي تفاصيل الفضيلة أو الفضيلة بشكل اوسع ومفصل. أي يبدأ حب المؤمن لله من خلال معرفته البسيطة والجزئية للفضيلة. مع الدين تنتقل الفضيلة من حب غامض لشيء غامض، الى وضوح وتفصيلات وبصيرة، لذلك فالإحساس الغامض هو الذي قادنا للإيمان اصلا، والذي من اجله أحببنا الله، ولما أحببنا الله علّمنا الله تلك الأسماء الحسنى وتفاصيل الفضيلة على ارض الواقع، ولا نزال نتعلم في بحر الفضيلة الى اخر العمر. ولهذا اعتزل محمد عليه الصلاة والسلام مجتمعه بدافع ذلك الإحساس الغامض بالفضيلة المتكاملة غير المُستغلَّة الذي لا يستطيع ان يجده في الواقع ولا أن يوجده بنفسه ، وكذلك فعل إبراهيم عندما قال (لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين) ، فلو كان يستطيع ان يعرف ويفعل الخير والفضائل بنفسه لفعل، وهذه من الأشياء التي ضل فيها الفلاسفة والمعتزلة باعتقادهم ان بإمكان العقل ان يدل على طريق الخير .

أي ان الحياة العلمانية لا تستطيع ان تهدي إبراهيم إلى طريق النور الذي يريده قلبه المختار لمثالية غير موجودة في الواقع، ولا يستطيع أن يصنعها بنفسه لأنه لا يملك ان يخترع وجود دار آخرة، وهي الحل لكل المعضلات الفلسفية. الفضلاء في العالم مختارون لطريق الخير بشكل غامض ويحتاجون إلى نور لعقولهم ، وكل الذين حاولوا أن يجسدوا الخير لم يُشبعوا ذلك الإحساس الذي لا يشبعه الا طريق الله و وحي السماء المحفوظ. ولهذا اعتزل النبي محمد في الغار حتى هداه الله الى الصراط المستقيم الذي يجسّد ذلك الإحساس الغامض على ارض الواقع، و كل الخيرين في العالم يعانون من هذا الإحساس الدافع والغامض والناقد لحياتهم والذي يجلدهم الى درجة الكآبة والانتحار عند بعضهم، بحثا عن الطريق المستقيم . ويقول لهم المختارون للطريق الآخر : لماذا لا تسعدون وتستمتعون مثلنا ؟ لكن لا يملكون جوابا لأنهم لا يعرفون ما المشكلة ..

الكثير يتصورون ان الفضيلة محددة و معروفة، وهذا غير صحيح .. فالفضيلة طريق يُعاش ، وليست محطات نتوقف فيها .

العقل لوحده لن يستطيع ان يفسر الفضيلة الا بالمصلحة، ولهذا قال العقلانيون والعلمانيون أن الفضيلة جاءت لحفظ المصالح، وان المجتمعات اخترعتها، وبعدها يهربون من الأسئلة إذا سُئلوا لماذا يضحي بحياته شخص لأجل الفضيلة؟ اين المصلحة؟ كل البشر يعلمون أن الفضيلة جميلة وان المتشبث بالمصالح مخالف للفضيلة ولا يستوجب حُباً ، إذن لماذا الفضيلة مهمة؟ هذا هو السؤال الفلسفي الكبير الذي عجز "كانط" ان يجيب عليه و كل الفلاسفة الماديون والمثاليون (العقلانيون) .. لكن الدين يستطيع أن يجيب عنه بسهولة : إنها أسماء الله في الإسلام : العليم الحكيم الصبور الشكور .. الخ ، وهي الطريق اليه ، وحب الله يعني الالتزام بها . هذه النقطة التي كانت حائرة أصبحت همزة الوصل بين العبد و ربه، وبها يعرف ربه . وهي جواب سؤال : كيف عرفت ربك .. ثم تنعكس على حياة ذلك المؤمن المحب للفضيلة والمحب لمصدر الفضيلة. الإيمان الحقيقي من الفضيلة و إليها ..

الأمر الثاني الذي تنبني عليه المنظومة الأخلاقية في الإسلام هي ثنائية العقاب والثواب.فالمسلم يحسب سلوكاته وفق هذه الثنائية ماذا يستوجب العقاب وماذا يستوجب المكافئة؟ ليس المحدد في أي قيمة أو خلق قيمتها في حد ذاتها أو ما يساهم به انتشارها بين الناس من نماء أو صلاح للمجتمع أو العكس .بل في ما تحققه لمن قام بها من ثواب أو ما قد تجره عليه من عقاب .لهذا تفقد الأخلاق قيمتها وتتحول الى وسيلة ليس إلا. مجرد درج للصعود نحو الجنة أو للانحدار نحو الجحيم . فتتحول الأخلاق من طابعها الجماعي الذي ينشد الوئام المجتمعي الى اهداف فردية مشتتة تحكمها الأنانية .فالمتصدق مثلا لا يتصدق تعاطفا بل يتصدق لنيل ثواب موعود . جاء في الحديث :"كل أمرء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس "و " صدقة السر تطفئ غضب الرب" و " داووا مرضاكم بالصدقة".وفي القرآن :"آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم
مستخلفين فيه فاللذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر كبير" الحديد الآية 7 .فمع ان الصدقة تقدم كدليل على دعوة الاسلام للتضامن بين الناس لكنها سلوك يقوم به المسلم من أجل تحقيق مصلحة ذاتية لا يدخل فيها اطلاقا تحقيق تضامن مجتمعي أو رتق للتتفاوت الاجتماعي. فضلا عن كون الصدقة كفعل انما تعبر عن عجرفة الغني الذي يتمكن من شراء ثواب الله بماله ولا يمكن أن تكون دليلا على على اي تضامن .وهي ايضا تحافظ على ذلك التفاوت و تزكيه وتعطي الأفضلية للمتصدق : "اليد العليا خير من اليد السفلى" وهكذا ترتبط القيم والأخلاق بهذه الثنائية من جهة وترتبط بعبادة الله من جهة أخرى بدل أن ترتبط بالمجتمع والإنسان . فتتداخل القيم مع المعاصي والذنوب ومع الحسنات . فيكون كل سلوك يقوم به المسلم ناتج عن خوفه من الوقوع في الخطايا وبالتالي استحقاق العقاب الإلاهي. ولا يهتم المسلم بالصواب والخطإ ولا يكلف نفسه بالبحث عن تأثير افعاله على الآخرين لأن الهاجس الحقيقي لديه هو الخوف من الحرق في جهنم وليس بناء المجتمع أو الإنسان.

هكذا تكون القراءة بالمقلوب للفضيلة . ثم : ما أطلع الكاتبة على قلوب الناس كلهم أنهم لا تدفعهم الرحمة ولا الرغبة في وئام المجتمع ؟ أصلا المسلم لم يعرف الله الا من خلال الفضائل التي احبها، ولو لم يكن الها فاضلا لما آمن به . فكيف وقد عرف ـن ربه يحب الفضائل؟ الا يحبها اكثر؟ منطقيا ..

هذا حكم بلا قدرة على الدليل ، أي طرح غير موضوعي، وهو المتعجرف فعلا . هذا غير ظلم النصوص، فالقرآن لا ينهى أو يأمر بشيء الا و يذكر فوائده في الدنيا والآخرة، قال تعالى في انصاف المقتول : (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب) و لم يقل : لكم أجر فقط . والرسول يقول (تهادوا تحابوا) ، ويقول (اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، الا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير) أي في المجتمع الذي عينُ الكاتبة عليه ..

والقرآن يؤكد ان الله لا يحب كل خوان كفور ولا يحب المعتدين ولا يحب الظالمين ، الخ .. والمؤمن يحب الله ، منطقيا سيكره هذه الامور لأن الله يكرهها . فكيف يكون عمله آلي لا يدري ما يفعل ! و يفعله دون حب او كره أي بلا عواطف؟ والرسول يقول الراحمون يرحمهم الرحمن، وارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء، والله يقول (وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم) أي على عكس ما ذهبت الكاتبة إليه . 

ولاحظ انها امور عامة تفصيلها يحتاج الى حس وعقل، بعبارة اخرى : يجب ان يكون المؤمن حساسا ومفكرا حتى لا يدخل النار ، كما قال الرسول (المؤمن كيّس فطن) .. اما العلماني فما الذي يدفعه الى الاحساس والاخلاق والتفكير ؟ لانه ابن ساعته وحسب مصلحته . لهذا قال العقاد رحمه الله : التفكير فريضة اسلامية . واضيف عليها : الإحساس واحترام الشعور فريضة اسلامية .. القرآن يقدم اوامر عامة للمؤمن ، والعام لا يقوم الا بالخاص، مثلما العنوان لا قيمة له بلا شرح .

 القرآن يركز على القيم الاخلاقية أكثر من تفصيلاتها ، ولهذا نفهم لماذا اختارت الكاتبة مثال الصدقة ، فالله يأمر بالرحمة والعفو والاحسان بشكل عام ، كيف يعرف التفصيلات من لا يشعر بالمعاناة ؟ يتصدق على فقير أو منكوب دون ان يشعر باي رحمة له ، فقط يشعر بالجنة ! كيف اكتشف انه محتاج وهو لا يحس بمن حوله ؟ فقط يفكر بالجنة والحور العين والمسابح الخمس نجوم ؟ اذن سقطت التهمة ، لأن القرآن يأمر مباشرة بالفضائل بأسمائها العامة أكثر من ذكر تفصيلاتها ، وبالتالي يجب ان يكون قلب المؤمن حيا ومُحِسّا بما حوله حتى يحقق هذه القيم .

شخص متبلد : كيف سيعرف مواضع العفو والتسامح ؟ كيف يعرف من يحتاج الصدقة وهو لا يحس ولا يتخيل المعاناة ؟ مع ان الله يأمره بان يبحث عن المتعففين أكثر من المتسولين . (تحسبهم أغنياء من التعفف) ، هؤلاء لا تعرفهم الا القلوب الرحيمة التي تعيش في الواقع وتتفاعل معه اخلاقيا بأمر الله لا لقصد رياء ولا حتى شكر، (انما نطعمكم لوجه الله ) وليس لجنة الله ، أي بدافع الحب لمصدر الفضائل كلها ، وحب المصدر يعني حب ما يصدر منه و هي الفضائل . اذن فكرة الملاحدة والعلمانيين ان المسلم آلي ويعمل ما يؤمر به لاجل الجنة والبعد عن النار فقط هي فكرة ضعيفة جدا وسطحية ولا تصمد للنقاش، وعليهم ان يبحثوا عن غيرها . ولو لم يكن الدين عظيما لما احتاج كل هذه المجهودات لاجل تشويهه والنيل منه. ومع ذلك تبقى الجبال جبالا والوديان وديانا ، لأن الله اودع في كل انسان حسا فطريا بالانجذاب للفضيلة الحرة من المصالح، وهو الخيط الذي يقود المؤمن الى ربه منبع الفضيلة والمكافئ عليها، ولو لم تكن مهمة عند الله ما كافئ عليها، لكن فضيلة العلماني من يكافئه عليها ؟ بعبارة اخرى : من يحبها ؟

الفضلاء المؤمنون لهم الله ، (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور) فمن دون الله لن يعرفوا النور . اما الفضلاء غير المؤمنين فمن لهم ؟ من يتولاهم ؟ لا يوجد ، انهم تحت رحمة القوة المادية . ان احسنوا لها احسنت لهم، وان صدقوا في وجهها افترستهم وشوهتهم . وذهب عملهم سدى كسراب بقيعة . 

هذا كلام من خيال العلمانيين والذي يفتقر للجمال دائما ويظلم الانسانية لانه ينحى منحى مادي دائما . المسلم الحقيقي لو لم يكن عاطفيا لما آمن ، لأن المادي العتل الزنيم لا يؤمن الا بالمصالح، حتى لو تديّن فسينظر للدين من خلال المصالح الدنيوية المادية العاجلة وغير المكلّفة. أليست العلمانية تصف المؤمنين بالعاطفية ؟ فإذا عطفوا على فقير كيف اصبحوا لا عاطفيين هنا ؟ هذا تحيُّز ظالم وتجريد لمليار مسلم من حسهم الإنساني.

وغياب المرجعية الاخلاقية عند العلمانية هي التي جعلتها تفسّر بشكل ظالم دون ان تدري ، لأن مرجعيتها المصلحة وليس الأخلاق . وهذا يؤكد ما قلته سابقا أن الفضيلة والرذيلة ليست واضحة مئة بالمئة، ولهذا لا فضيلة لمن لا يرتبط بالله، سوف يفعل رذائل وهو لا يدري. والكاتبة وقعت في اخطاء اخلاقية كثيرة في طرحها وهي لا تدري ، من ضمنها : العنوان الكاذب المموه، في ان الكلام يدور حول الاسلام واذا بالكلام يدور في اكثره حول المجتمع المسلم. ومنها : هذا القطع بنيّات الناس وأنهم لا يشعرون بأي تعاطف ولا رحمة على المجتمع اذا تصدّقوا ، مع أن بعضهم يبكي من التعاطف وقلة الحيلة، شعورا بالرحمة. وهذا ظلم عام وبلا دليل ودون ان تدري ، وهنا المشكلة، لأنه يقسّي القلب ويجعل الانسان يقسو وهو لا يدري ويظلم وهو لا يدري.

السبب هو الابتعاد عن ربط الاخلاق بالله ، وهذا شيء معروف وكثير أن يظلم الانسان وهو لا يدري ، وان يضل وهو لا يدري ، لهذا قال ابراهيم (لئن لم يهدني ربي لاكونن من الضالين) وقال (واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ، الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) ، من فقدان الحس بسبب قسوة القلب بالبعد عن مصدر الفضيلة والمكافئ عليها وهو الله ، وهذا قانون في التعامل المعنوي  قال تعالى (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) كيف يكون المسلم غير عاطفي بينما ذمٌ كبير في القرآن للقلوب القاسية ؟ لا تستطيع ان تذرف دمعة في يوم من الايام ؟ وقال (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا) . هذا يدل على ان الارتباط بالفضيلة يحتاج ان يكون هدفا للحياة كلها حتى ننتبه لها، ولن تكون هدفا للحياة الا بما هو اكبر من الذات وهو الله وصراطه المستقيم . أي هدف سامي اكبر منا ، و الا سنكون علمانيين ، كما هي حال كل الامم منذ بدء البشرية، الا من اتبع الانبياء حقا لا استغلالا . العلمانية ليست شيئا جديدا كما يعتقد البعض. وما يعتقدون انه "نهاية التاريخ" ، هو في الحقيقة بداية التاريخ ، عندما قتل قابيل هابيل بدافع علماني و رفض اخوه ان يقتله وضحى بنفسه للفضيلة بدافع إيماني أخلاقي .

الكاتبة تكرس الفكرة العلمانية وهي ان الاخلاق للمجتمع، مع ان الاخلاق ليست للمجتمع، للمجتمع المصلحة. وربما يعاقب المجتمع من يصدُق معه ويقول عيوبه ، ولماذا آذت المجتمعات انبيائها مع أنهم جاءوا مصلحين أخلاقيا مع الخالق والمخلوقين ؟ قالوا لهم : اعبدوا ولا تقطعوا السبيل و لا تطففوا المكيال ، الخ ؟ من قال للكاتبة ان الاخلاق تجعل المجتمع يحب بعضه و يتماسك دائما ؟ الاخلاق الحقيقية تنتج انقساما في المجتمع، لأن ليس كل الناس يقبلون أن تقال الحقيقة كما هي اذا خالفت مصالحهم . وعلى ذلك قس. اذا قلت الحق ونشرت الحقائق في المجتمع التي تضر بكبرائه ، ما مصيرك انت ومن يؤيدك ؟ سيقولون سببت مشكلة ..

اذن الاخلاق لله، هذا الاساس ، (واصبر ما صبرك الا بالله) لأن الناس لن يكافئوك الا بالشر الا قليلا منهم .. ويستفيد من الاخلاق الخيرون الفضلاء، وينتقي منها المصلحيون . وبالتالي فغاية الاخلاق اصلاح الفرد وليس اصلاح المجتمع، لأن كل فرد هو وحدة مستقلة، والعلمانية تدعو للفردية للتملك لكنها لا تدعو للفردية في الاخلاق! وهذا عجيب .. قال تعالى (من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها) ، ولو قيل ان هذا تكريس للأنانية، فكيف يتصف شخص اخلاقي بالأنانية ؟ الأنانية ضد الأخلاق وضد الصلاح. وهذا شيء عجيب . ان تصف شخصا يريد أن يكون فاضلا و ممتازا باخلاقه وتضحياته وتقول عنه انه اناني !؟ إذن ماذا تقول عن المادي النفعي الجشع المادي إذا كان هذا سيوصف بأنه اناني ؟! إذا كان المجتمع كله يريد ان يكون صادقا، سيكون الصادق والداعي للصدق مفيدا للمجتمع، لكن هيهات . الناس على اختيارين ، منهم من يؤثر الحق ولو على نفسه ، ومنهم من يؤثر نفسه على الحق، في ثنائية ازلية .

ربط الاخلاق برضا المجتمع هذا قتل للاخلاق ، وهذا ما تنادي به العلمانية ان تربط الاخلاق بالمجتمع . الفائدة شيء والاخلاق شيء آخر، ولا يمكن الخلط بينهما.

قال تعالى (وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة) فالحق يفرّق، والاخلاق تفرّق، وبالتالي القرآن فرقان ، والقرآن أخلاق : (كان الناس أمة واحدة – علمانية – فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) .. فلم يعودوا امة واحدة ..

وئام العلمانية قائم على ايثار المصالح المادية، لكن ليس كل الناس أرواحهم مادية. اذن هي ظلم لمختاري الخير لا بد ان يختلفوا معها ، لكنهم كانوا ينتظرون نورا، فلما جاء النور اختلفوا ولم تعد امة واحدة . بل أمتان, ولهذا قسم الله البشر قسمين فريق في الجنة وفريق في السعير . وهذه ميزة للدين وليست عيبا ، لأن المجتمع اصلا هو مزرعة للاقوياء والمتنفذين وليس حرا بحد ذاته، أي مجتمع في العالم ، فما سيُرضي المجتمع هو ما سيرضي هؤلاء ، وان قالوا انه يحكم نفسه بنفسه فما هي الا اضحوكة. و اي سمة في مجتمع طبعها سادته و كبراؤه فيه. المجتمع مفعول به وليس فاعلا ، وإن فعل فهو من فعل الفاعل وليس من نفسه . فلو هاج المجتمع مثلا على شيء فما هاج الا بما علّمه الاقوياء السادة في السابق، ولهذا يقول المجتمع في القيامة : (ربنا انا اطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا) ولم يقولوا : اطعنا مجتمعنا .. وهذا أدق ..

ولهذا فأعدى اعداء الانبياء كانوا سادة المجتمع، ولم يكونوا الضعفاء . لأنهم يعتبرون المجتمع ملكا لهم، وهو المجال الحيوي لهم. لهذا يحبون الاخلاق التي تنفع المجتمع ولكن لا يحبون الاخلاق التي تكشف اخطائهم، ويعتبرونها خطرا على المجتمع، أي خطرا عليهم . حتى وصل بهم الامر الى قتل الانبياء خوفا على مصالحهم ونفوذهم .

أما الأساس الثالث الذي تنبني عليه القيم فهو الحلال والحرام.فالمسلم يبقى حبيس هذا السياج يبحث عن كل أمر بشكل متفرد ليعرف إن كان حلالا أو حراما. ذلك أن الإسلام لايعطي أرضية واضحة ينطلق منها المسلم وتمكنه من الإستنتاج بنفسه .

لا بل يعطي ، لكن الكاتبة تنظر الى الاسلام من خلال واقع المجتمع والسائد فيه ، وهي محاكمة ظالمة وغير منطقية، تريد أن تنسب عيوب المسلمين للإسلام وتجردهم من عيوبهم نيلاً من الإسلام ، بالعكس هذه مجهودات فقهاء بدافع من المجتمع ، لكن الإسلام نفسه والقران تحديدا على عكس ما تقول الكاتبة، أنه يقدم خطوطا عامة : ( اتقوا الله ) ( اذكروا الله ) ( كونوا مع الصادقين ) ( اقيموا الصلاة ) ( اعفوا واصفحوا ) ( لا تمشي في الأرض مرحا) (لا تصعر خدك للناس ) (أحل لكم الطيبات وحرم عليكم الخبائث) مع بعض التفصيلات للأمور التي لا يمكن أن يعرفها الناس بأنفسهم ، مثل تحريم الخمر والميسر ، وتحديد المواريث وتحديد الزواج وتحديد النسب للأب وبر الوالدين وصلة الاقارب ...الخ ، هذه الأمور لا يمكن معرفتها بدون تفصيلات ، و حث على عمل الصالحات دون تحديد ، وهي من أكثر العبارات في القران ( الذين امنوا وعملوا الصالحات ) .

هذا هو الاسلام الاساسي ، والكاتبة تتكلم عن إسلام المذاهب والمجتمع وتدعي أنها تناقش الاسلام بأصله ، وهذا فقدان لمصداقية العنوان . المفترض أن تتكلم عن القيم في المجتمعات المسلمة الحاضرة و ليس عن الاسلام .

بل يجد نفسه يتخبط في نسق غير مفهوم ولا محدد. فشرب الخمر حرام حتى لو اختلى صاحبه في بيته ولم يترتب على شربه للخمر أي اذى لأي كان .

العلمانية لا تهتم بالأخلاق مع النفس ، المهم الأخلاق مع الغير .. والإسلام يهتم بالأخلاق مع الخالق والنفس والمخلوقين والمخلوقات – أي يقدم شبكة أخلاق متكاملة لا يقدمها غيره – . أما العلمانية فهي إيديولوجية صنعها عِليَة القوم حفاظا على مصالحهم، وليذهب الفرد للجحيم .

العلمانية تبيح حتى الانتحار وتدعي أنها تهتم بحقوق الانسان ، الاسلام رحم الإنسان حتى من نفسه، وهذا مالا تستطيعه القيم العلمانية الهزيلة وأحادية القطب نحو الأقوياء . وإذا شرب الإنسان الخمر لوحده فبالنسبة للكاتبة انتهى الأمر ما دام أنه لم يصطدم بسيارته بمطعم كنتاكي أو مكدونالدز ولم يزعج الزبائن ! أما أضرار سموم الكحول على جسمه فهذه حرية وليذهب هو الى الجحيم .

و كون الشارب يعيش في خيالات السكر ويتأثر عقله حتى يدمن ، هذا الأمر لا يعني العلمانيين من قريب ولا من بعيد، حتى لو قتل نفسه أو ضرب زوجته في المنزل ولم يخرج. وحتى لو تكلم عبر الهاتف من منزله وأضرّ وأفشى أسرار الناس فلا يهم ، و حتى لو ضيّع صلاته وسيطرت عليه الافكار الشريرة والخيالات المريضة فلا يهم ، وحتى لو احتقر نفسه بعد أن يفيق وخجل وتعقّد مما فعل وقال ما قال بدون وعي ، كل هذا لا يهم العلمانيين .

إذن العلمانية لا تهتم بالإنسان ولا تهتم الا بالمصالح العامة ، الاسلام هو من يهتم بالفرد ويمنعه من القمار، بينما ترى العلمانية أنه شيء لا بأس به وأنها حرية ، مع أنه يجر إلى الدمار والجرائم ويضر بالأسرة والأطفال ، وكل هذا لا يهم العلمانيين مادام أنه لا يضر الآخرين الذين منهم نحن ، وهذا قصور في النظرة، لأن أضرار السكر والقمار قد يقع بها ابن ذلك العلماني الحريص على مصالحه فيذهب ماله وربما حياته، هذا ان لم يخسر ماله في علاجه من الإدمان أو تليف الكبد بسبب السموم الكحولية أو المخدرات أو الخسارة في صالة قمار أو رهن .

العلمانيين لا يعرفون حتى للمصلحة، فقط يهمهم العاجل ولا ينظرون لما تترتب عليه الأمور. الإسلام حصّن على أقل تقدير نصف مليار من البشر أن يتعاطوا الكحول أو المخدرات أو الزنا أو الشذوذ والخيانة الزوجية والانتحار وما يترتب على هذه الأمور جميعا من مصائب معقدة، من فعل مثله من كل الاديان والمذاهب ؟ ، هل تستطيع العلمانية أن تحصن أفرادها من هذه المصائب؟ طبعا لا ، بل تشجعه ، باسم الحرية الوهمية. وحملات التوعية والتحذير لا تفعل مثل مفعول الدين، ولهذا الدين يُحسَد، فالفرد له حرية تدمير نفسه ، لكن له الويل كل الويل ان اقترب من الأقوياء، حيث تُسَنّ القوانين الصارمة والتي لا ينقذه منها أشطر المحامين.

إذن الاسلام هو من يستحق التغني بحقوق الإنسان ، وليس من يرمونه  جيفة منتحرة لا يجد حتى تابوتا إذا لم يترك مالاَ وراءه ، وبالتالي تحرق جثته لأن أرض القبر في بلده ثمينة ( قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي ) .

 بينما سبي امراة وتحويلها الى جارية للخدمة والجنس حلال مع ما يترتب عن ذلك من اذى بليغ لها أو لأقاربها أو لاولادها. والقتل مستهجن لكن ليس بشكل كامل تقول الآية:" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "الإسراء الاية33. فالقتل مباح في بعض الأحيان . والقرآن طبعا لايحددها بشكل مباشر ومفصل لتبقى مفتوحة على التأويلات والقراءات والإختلافات التي يضيع بينها المسلم ويفقد أي منطق أو سبيل دقيق سوى الإذعان لما سيسمعه من ذوي العلم.فضلا عن أن القتل ليس مستهجنا بالكامل بل قد يصبح مستحبا وأمرا إلاهيا حين يتعلق بغير المسلمين .بل قديصل الى حد ان يصبح سبيلا للجنة والثواب في حالة الغزوات .وقد يجازى عنه المؤمن في حينه .وفقا للحديث:" من قتل قتيلا فله سلبه" هنا يتحول القتل الى وسيلة للحصول على اموال وغنائم .وتتحول السرقة الى غنيمة حلال يكافأ بها القاتل .

عجيب !! تقول الكاتبة "تحايل" ، ثم تلوم الإسلام ! إذا تحايل المسلم على الإسلام من يُلام؟ عند الكاتبة الإسلام طبعا ! وعند المنصفين والعقلاء يُلام المتحايل أيا كان الدين أو القانون. الإسلام أول من نادى بتحرير الرقيق في العالم ومكّنهم من أن يحرروا أنفسهم إذا شاءوا من زكاة المسلمين، وأمر بحسن المعاملة وجعل العتق من الكفارات ، وحرّم الرق بين المسلمين .

والرق كان في زمنه كعرف دولي من باب المعاملة بالمثل ، وأي فقيه منصف ويعرف القران ومقاصده لن يبيح الرق في هذا الزمن، لأنه ليس عرفاً دوليا، إنما فعله الإسلام من باب المعاملة بالمثل في ذلك الوقت، لأنهم كانوا يستعبدون أسرى المسلمين والمسلمات ولا يعتقونهم أبدا، فتميَّز الإسلام عنهم ، وهذه شؤون سياسية يفرضها الواقع وليست من الدين. لا يوجد في القران أمر للاستعباد أو حث عليه ، بل يوجد الحث على العتق ، وهكذا نفهم أنه ضرورة أوجبتها المعاملة بالمثل .

الكاتبة جعلت القتل والسرقة كأنه شيء مباح في الإسلام بل يؤجر عليه فاعله !! فياللعجب ! أن يجعل القران جزاء القاتل ظلما ولو لنفس واحدة الخلود الأبدي في جهنم، ولا يكفي الكاتبة هذا التغليظ في هذه الرذيلة ! ماذا تريد أن يفعل أكثر من هذا بالنسبة للآخرة ؟ والقتل قصاصا في الدنيا وليس السجن 20 سنة قابلة للتخفيض ! هل هناك عقوبة أكثر من هذا في الدنيا والآخرة ؟ وهل هناك تنفير عن رذيلة القتل أكثر من هذا ؟ فتلقدمه الكاتبة لنا .

تنظر الكاتبة الى التحايلات المختلفة وتنسبها للاسلام وهذا افتراء ! وهي واقعة في الكذب على الله في  قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) .

أما قتال المعتدين فهذا فضيلة حث عليها القران ، وهو معروف عالميا ، بل حتى من المسلمين إذا بغوا، وليس قتلا لأي أحد لا يتبع الإسلام كما تريد الكاتبة أن توهم القراء ، بل إن الله نهى عن الاعتداء وضمن لغير المسلمين حرية الاعتقاد بشرط أن لا يعتدوا، قال : ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وقال ( لست عليهم بمسيطر ) وقال ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ) وقال ( وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ) ، ماذا بعد هذا ؟ و حدد مبررات القتل وهي الاعتداء والقتال أو قتل البريء الذي لم يقتـُل ، وقال ( النفس بالنفس) وقال ( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول ) ..الخ الآية .

هذان فقط أسباب القتل في الإسلام بموجب القران، المرجع الأساسي للإسلام، والمهيمن على كل ما ينتمي للإسلام من سنة أو اجتهادات علماء أو فقهاء...الخ. و هما سببان وجيهان لا يعارضهما عاقل في العالم كله، فأين المشكلة ما دام الموضوع عن الإسلام وليس عن المجتمعات والاختلافات والمذاهب ؟ أما أن تـُجمع تصرفات المسلمين واختلافات المذاهب والاجتهادات والتطرفات مع القران وما والاه من السنة في إطار واحد يسمى الاسلام، فهذا نقص في الدقة والموضوعية . مع العلم بوجود التناقضات، فكيف تكون التناقضات تحت مسمى واحد ؟!

أما موضوع الغنيمة فهو ليس كما تراه الكاتبة بأنه تشجيع على قتل الناس وأخذ ما معهم ! هذا لا يأمر به عاقل فضلا عن نبي ! هذا الشأن في قتال المعتدين ، ويستحق الجندي الشجاع أن يكون له الحق في الغنيمة من مجرم معتدي يريد قتل المسلمين حاملا سلاحه عليهم بغير حق .

وهكذا تضيع القيم في ظل هذا التناقض ويفقد المسلم أي خيط يمكن تتبعه لمعرفة الصواب و الخطإ و يعتمد كليا على قرار الفقيه والإمام .كما يعتمد على رحمة الله ومقدرته على غفران الذنوب مما يفتح أمامه بابا هائلا للتحايل والبحث المستمر على المنافد التي تخدم مصالحه وفي نفس الوقت تنجيه من العقاب ضاربا عرض الحائط بمصلحة الجماعة والمجتمع والإنسان.

بالعكس ، الله أنزل القران وهو نور ليخرج الناس من ظلمات التخبط العلماني الدهري المصلحي ، ومن ضلالات الأديان البشرية المحرفة الى الصراط المستقيم وهو المعروف والبعيد عن المنكر : ( ان هذا القران يهدي للتي هي أقوم) ، فالإسلام الصحيح يعجب به كل إنسان عاقل لم تدخل الأهواء على رأيه ، ولهذا يجعل من يتتبعون الوحي حقيقة – وليس كلام البشر عن الوحي- خير أمة أخرجت للناس ، أي بشهادة الناس وإعجابهم . القرآن لثقته أنه الحق يُحيل تقييمه وتقييم من يتبعوه إلى الرأي العام العالمي وليس للمسلمين، والذين قال لهم ( لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى ) ، وأنا أتحدى أن يعرض كلامي السابق عن الاسلام من القران على عقلاء البشر من غير المسلمين، هل سيقولوا أنه قبيح ؟ وأي نقطة فيه سوف يعتبرونها غير أخلاقية ؟ لا أظن ذلك .

 إذن هذا هو الاسلام، لأن الاسلام الحقيقي هو من تُعجب به الأمم خالية الذهن من الأهواء أو التأثيرات الإعلامية المنحرفة . ليقـُل لهم أحد أن القاتل المتعمد يستحق القتل كما قَتل إذا لم يعفُ أصحاب الدم، وأن القران حث على العفو ، هل سيقولون هذا خطأ ؟ ليقل لهم أن الاسلام يأمر ببر الوالدين هل سيقولون خطأ ؟ ليقل لهم أن الاسلام ينهى عن الزنا والخمر والقمار والشذوذ والربا ماذا سيقولون ؟؟ أحسن أو أسوأ ؟؟ هل سيقولون : ليتنا كلنا زناة وشاربي خمر ؟ أو سيقولون : ليتنا نتطهر من هذه الأمور ؟ الأمر واضح لكن الهوى يعمي ويصم ، الإسلام هو أساس الفضيلة ، منها ينطلق وإليها يعود ، قال صلى الله عليه وسلم ( انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، لأنها ناقصة في الوضع العلماني البشري، تبعا للضعف البشري، ومتذبذبة ومختلطة بالباطل .

والأساس الرابع الذي تنبني عليه هذه المنظومة هو التركيز على المظاهر والشكليات اكثر من المضمون فنجد نصوصا كثيرة تركز على هذه الشكليات و المظاهر وتختزل الأخلاق في العلاقات الجنسية وتجعلها نقطة انطلاق لكل الهفوات الاخلاقية نجد حديثا حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة يقول"الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر من شربها وقع على أمه وخالته وعمته". هذا الحديث تعبير على هذا الإفراط في الشكلية فإن سمح بالقتل حسب ظروف معينة مع أن القتل هو أكبر ما يمكن أن يقع على الإنسان من اذى. فإن الخمر تعرف كل هذا التشدد.ولتأكيد نبدها ربطت بالجنس . ولعل اكبر مثال على هذا الاغراق في الشكلية يمكن لأي منا أن يختبره فقط بوضع كلمة رذيلة على غوغل لتجد النتيجة عديد من الصفحات الإسلامية تتحدث عن العلاقات الجنسية . فاختزال الأخلاق بعلاقات جنسية مهما كان نوعها انما يدل على تهافت هذه المنظومة.

لا ، بل يدل على نقص الموضوعية في الطرح وجعل المسلمين هم الإسلام .. القران ناقش كل الرذائل وعظّم كل الفضائل ، والكاتبة تعرف ذلك . لكنها تركت القران وذهبت إلى جوجل ! فيا للموضوعية في نقاش الموضوع ! عليها الآن أن تذكر أسس الفضائل في العلمانية حتى نعرف ما هو أفضل من فضائل الإسلام ! يُلاحظ أنها لم تعمل مقارنة بين قيم الإسلام وغيره حتى لا تتجلى محاسن الإسلام، وإن كان منطلقها العلمانية فهي لن تستطيع، لأن أساسها هو المجتمع فقط، أي المجتمع الحاضر، والمجتمع في الأخير ليس مرجع لشيء، بل أنه محكوم وليس حاكم ، ولا رأي لمحكو.، كيف نقارن هذا التسطُّح البشري بدين قام على الأخلاق وجاء ليتممها ؟ وكل تعاملاته أخلاقية مع الخالق والمخلوق والنفس والمخلوقات ؟

 فهذه القيم المموهة والغير الواضحة هي التي انتجت هذا المجتمع بهذا الشكل وجعلته متداعيا أخلاقيا وقيميا لأن منظومته لم تبن على اساس واضح وحاسم وإنما بنيت على ارضية مموهة قابلة للتحايل .

ما تفعله الكاتبة هو التحايل بل التمحُّل ، عجزت أن ترى في الإسلام عيبا ، فجعلت عيبه أن أتباعه خالفوه، ناسية أنه دين غير مُلزم ، وهذا علامة على الضعف والعجز . عجزت أن تنال من الاسلام وقيمه فنالت من أتباعه، و هم بشر ليسو مصدر تشريع ولا دخل لهم بمحاكمة الاسلام .

لنفترض أن الإسلام ليس له أتباع، كيف ستنتقده الكاتبة أو غيرها ؟ هذا ان رغبت في انتقاده، لأن المهم عندها هو الناس، وليس الحق والباطل، كبقية الطرح العلماني القائم على الناس في زمن التكلم .. فما أعظم هذا الاسلام وما أصعب النيل منه .

لن تجد علماني أو ملحد أو مستشرق مُغرض ينتقد الإسلام دون أن يعتمد على عيوب الناس المنتسبين للإسلام في هذه الفترة الزمنية بالذات – وهي فترة الاستعمار الغربي المباشر وغير المباشر - ، هذا غير أن المسلمين أفضل من الغربيين في قيم أخلاقية كثيرة رغم تردي أوضاعهم، وهذه النقطة تستحق بحث مستقل. اذ لا يوجد أحد كامل، ومن وجهة نظري أن قيم المسلمين الحية في مجتمعاتهم على الأقل نابعة منهم وليست قيم أصحاب الـ 1 بالمئة مفروضة عليهم.

ومعيارها هو المصلحة الفردية سواء كانت آنية مباشرة أو مصلحة مؤجلة الى حياة أخرى يتوهمها المسلم ويسعى إليها. 

وهذا طبعا تعميم غير صحيح ، نعم الأساس هو الفرد لكن شرائع الاسلام وحدوده تنعكس على مصلحة المجتمع ، فهو يحرم القتل والسرقة والكذب والنميمة والغش ويحث على التعاون وفعل الخير والمروءة والكرم وحقوق الجار والأقارب والوالدين والدفاع عن المسلمين ويحرم الفواحش والربا والخمر والمخدرات والظلم بكل أنواعه ، أليس هذا في مصلحة المجتمع؟ هذا طرح غريب ومتطرف مفتقر للأمانة العلمية ، لكنها الاسلاموفوبيا وما تعمل! الإسلام يقدّم مصالح للمجتمع أكثر مما يقدمه أي نظام أو دين ، وأنا مستعد لإثبات هذا والنقاش حوله بالمقارنة .. وهذا نتيجة طبيعية لدين الهي محفوظ أساسه ، وهو خاتم الديانات ، والله أعلم بما ينفع الناس أكثر من الناس ..

هناك تعليق واحد :