إن أساس الحقد هو الكبر, ويحتاج الحاقد للانتقام ليبرّد هذه
العاطفة الملتهبة دائما, وهو خلق صناعي وجبان ومذموم في نفس الوقت , كما قال
الشاعر: "وليس كبير القوم من يحمل الحقدَا", لأن الحقد لا يُرَد في وقت
الانفعال العاطفي نفسه بل يجعل ضحيته تشعر بالأمان لتكون ضحية سهلة الصيد, وهذا ما
يسميه الحقود (بالوقت المناسب والذكاء) بينما هو دناءة وخسَّة, لأنه افتقر إلى
الشجاعة وافتقر إلى العفو بنفس الوقت. الحقود جبان وغير متسامح في نفس الوقت ويهرب
عن المواجهة بدون عفو, والناس تغتر بهذا التسامح الوهمي وتعتبره من صور العفو.
ويصعب على الناس أن تربط ما سيأتي بما حصل, فإن كان سيأتي مواجهة فهذا على الأقل
من باب حق الرد في الوقت المناسب, لكن الحقود قلما يواجه بل يضرب من الخلف, كما
قال الشاعر الشعبي: "كم جارسٍ مات ما شاف جارسه" أي كم من قتيل مات وهو
لم يعرف من قتله.
الحقود يكره الشخص الذي يعارضه ولا ينساه وينتظر الفرصة للانتقام
بأي شكل, فعندما يختلف شخصان بالرأي فإن الحقود لن ينسى الذي خالفه وقد ينسى
الموضوع الذي اختلف معه عليه أو تفصيلاته, ولن ينسى منظر عينيه وهي تنظر إليه بغضب
وتحسُب الكلمات الجارحة وتنقشها بالحفر على كبد جمل لا ينسى, لأنه لا يهمه الفكرة
بقدر ما يهمه التكبر.
الحقد دائما ينصب على الشخص وليس الفكرة, ويرتاح الحاقد بالانتقام
المؤجل ويعتبره شجاعة تحافظ على الكبرياء الوهمية, لأن الكبر أساس كل الذنوب وهو
أول ذنب عصي به الله, والانتقام بالنسبة للحاقد يكون بأي وسيلة تسبب ضررا على
المحسود مهما طال الزمن, والقطيعة الطويلة من صورها المخففة.
الفرق بين الحسد والحقد, أن الحسد لا يكون له مسبب أو إساءة بل
بسبب نعمة المحسود, أما الحقد فيكون بإساءة وأكثر ما يكون بإساءة متخيلة تجرح
الكبرياء, فقد يكون التصرف الذي لقيه عادلا أو كلاما صريحا حقيقيا, ومع ذلك يسميه
الحاقد إساءة.
من يجمع الأحقاد ستشغله أحقاده عن التقدم والبناء وتطوير الذات,
فالحسود لا يسود وليس كبير القوم من يحمل الحقدا.
هناك ما أسميه حقد إيجابي أو حقد فاضل, مع أن تسميته (الدفاع عن
الحق) أفضل, وفيه يكون الحقد منصب على الفكرة الباطلة وليس على الشخص, لهذا يكون
فيه عدم النسيان والفرح بما يُثبت سقوط تلك الفكرة الباطلة, ويمكن تسميته حقد على
الفكرة وليس حقدا على الأشخاص, وهذا فيه نصرة للحق لأنه حقد على الباطل وعلى الشيطان,
والله يقول عن الشيطان :{فاتخذوه عدوا} لهذا كل ما يأتي من الشيطان من أفكار يجب
أن نتخذها عدوا .
الحقد الطبيعي يكون على الفكرة ولا يصل للآخَر إلا في حالات نادرة
عندما يصر الشخص على الصناعي ويسبب الأذى, مثل قصة صلاح الدين مع أرياط عندما قال:
سأقتله بيدي. بينما عفا عن بقية المحاربين, لأن أرياط التصق بفكرة الشر وأصبح
شيطانا ومؤذيا بعدما أخذ فرصا وكان يخون العهد ويقتل الحجاج ويقطع الطريق.
والمبادرة بالشر والالتصاق به والأذى والاستمرار والتكرار والتنويع في الشر وكره
الخير دليل على التصاق الشخص بالصناعي (الباطل), وهي علامات شيطان الإنس.
إن كلمة "غل"
بشكل عام هي أي شيء سلبي عن الآخر و يُخفَى ، سواء بدافع غيرة او سوء فهم أو عدم
صراحة أو نقصها، أي وجود حواجز ، ولو كانت صغيرة ، ولا تخلو أي علاقة مهما كانت
صافية من بعض المنغصات. مثل ان تخاف او تتضايق او تكره شيئا ما معينا في شخص تحبه،
بحيث لو علمَهُ الآخر ربما تضايق من ذلك، مثل شخص يجلس لوحده دائما ، وآخر يحب هذا
الشخص، يتضايق من ذلك ويقول : ليكن على راحته ، لكن يبقى في النفس شيء ، وهذا بسبب
عدم الفهم أو قلة الوضوح .. قال تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا) ، وقوله
تعالى (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا).
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق