السبت، 18 أبريل 2015

التعظيم

صور التعظيم بعضها ابرز واوضح من صور العبادة، فإذا كانت العبادة تقتضي سجودا وركوعا، فبعض صور التعظيم فيها تمريغ للوجه في التراب، وخمش الوجه واللطم وشق الثياب، وغير ذلك كثير، بل تصل الى الانتحار بسبب مشاهير او ممثلين وغيرهم، ومع ذلك لا تسمى شركا ، لكن المشكلة تقع اذا ظهرت صور بعض هذا التعظيم لشخصيات محسوبة على الدين .

يجب الا نخلط بين التعظيم والعبادة، لأن العبادة تحتاج اقرار ألوهية .. كما قرر القرآن تأليه المشركين لآلهتهم بإقرارهم وشهادتهم على أنفسهم .. هناك شخصيات دينية قد تحظى باهتمام أكثر من غيرها لارتباطات سياسية او تاريخية او مذهبية، ويحيطها تعصب مذهبي أو سياسي، فينالها تعظيم مثل تعظيم بعض الزعماء او اللاعبين او الممثلين، قد يُفهم أنه عبادة، وهنا يجب التثبت قبل الحكم لأن مثل شخصية علي والحسين، هي شخصيات لها بعد سياسي، بل بعدها السياسي أقوى من بعدها الديني، لأن الدين أكمله الرسول، والقرآن اكتمل قبل موته.

اذن ليس كل تعظيم سببه العبادة. فلاحظ تركيز الشيعة على الحسين أكثر من الحسن، مع أنهما كلاهما سبطي رسول الله ، والحسن يفضله بأنه اكبر سنا، وكلاهما ابني فاطمة وعلي، ولكن الموقف السياسي للحسن سلمي، وموقف الحسين ثوري، من هنا نفهم قيمة البعد السياسي. فهم لا يلطمون للحسن بل يلطمون للحسين.

في اثبات الشرك لا بد من اقرار بألوهية غير الله، حتى لا تختلط صور التعظيم او صور التوسل والتبرك مع العبادة والشرك . لأن هناك من يحب ويبالغ في المحبة ، فهل يسمى مشركا ؟ هناك من يبالغ في العبارات والنداء، فهل يكون مشركا ؟ وهو ينفي أنه يعبد غير الله ويؤدي صلاته له وليس لمن يعظمه ؟ الصلاة لا يؤدون الصلاة للحسين بل هي لله .. فإذا قيل صرف شيء من العبادة، فستدخل صور كثيرة في الشرك، بل لا يسلم أحد من الشرك. حتى من قال ان المطر يأتي من السحاب قد يُحسب مشركا ! فالمحبة الخالصة يستحقها الله، وهناك من يصرفها لغير الله، فهل نقول انه مشرك؟ الطاعة بدون تفكير والثقة، هذه من حق الله، وهناك من يصرفها لغير الله، الخوف والخشية : هناك من يخاف الناس اكثر من الله، واذا خلى ارتكب المحرمات التي لا يرتكبها امام الناس، فهل نقول أنه مشرك شرك خشية ؟ هناك من يتحمسون ويتعصبون لأشخاص أو أندية او لأوطان، وكان الأجدر أن يكون هذا للدين، فهل نقول أنهم مشركون ؟ حد الشرك يبينه القرآن . وليس مفسوحا للاجتهاد، فما بينته النصوص ليس مجالا للاجتهاد . إذا صرفت شيء مما يستحقه الله لغير الله لا يكون هذا شركا، فالله يقول (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهل من صرف شيئا منها لغير الله اصبح مشركا؟ على هذا سيكون اكثر المسلمين مشركين ! لأن الله ليس هو ما يشغل بالهم بشكل دائم، هناك ما يشغل بال الانسان أكثر في بعض الاحيان. والمحبة القوية والخالصة والاهتمام من العبادة، والتعظيم من العبادة، وليس فقط الدعاء. والخوف، وليست العبادة مقتصرة على الذبح والنذر والدعاء فقط ! وبهذا يكون كل ذنب عبارة عن شرك، لأنه تقديم للذة على حق الله، فصارت اللذة أهم من الله في هذه اللحظة، وبالتالي أصبح الذنب شرك بموجب هذا المفهوم عن الشرك ! مع ان القرآن بين لنا موضوع الشرك بوضوح.

وعبادة إله مع الله ليست بالأمر الخفي حتى نعمل عقولنا واستنباطنا ، لأن المشركين يشهدون على انفسهم بالشرك ويقرون بذلك. وفرقٌ بين من يتقرب الى الله بأحد، وبين من يعبد غير الله ليقربه إليه زلفى، فالإقرار بالعبادة فرق. ولهذا اهل التوسل والابتداع يزدادون اهتماما بتوسلهم اذا اصابتهم محن، بينما المشركون اذا جاءهم الخوف ينسون آلهتهم ويعبدون لله وحده، لو كانوا مشركين لتركوهم كما فعل مشركو قريش، والمشرك يفعل فعل المشرك.

بعض الشيعة فهموا أن علي أتاه الله خاصية العلم والاجابة والشفاء ونحوها، و هم يطلبونها منه لأنها حُوِّلَت إليه ، وعلى سبيل التوسل في الأخير، لأنهم يعرفون أن الشافي هو الله وليس علي. مثلما السنة يتبركون بماء زمزم ، مع أن الشافي هو الله وليس ماء زمزم . لكن لشرك هو إله مع الله . فإذا كان هناك من يعتقد منهم أن عليا إله، أو ابن اله، فهذا شرك. أما التوسل والمبالغة فيه لا تكون شركا حتى يقر بالألوهية وبالتالي العبادة. وتبقى من الجهل المذموم وتقصير في حق الله وعدم اتباع لأمر الله بدعوته مباشرة، قال تعالى (ادعوني استجب لكم) ولم يقل : ادع فلان او علان، ومخالفة امر الله معصية لا شك يجب التوبة منها. فالله امرنا ان نتبع ما أنزل، لا أن نتبع عواطفنا وميولنا السياسية، فالله هو الذي يهدينا الى سبيل الرشاد، والقرآن هو النور الذي يجب أن يتَّبع .. لكن لا نستطيع ان نقول أن هذا شرك ، لأن الله بين لنا ما هو الشرك . ولو كانوا يشركون بهم فعلا مع الله لصرفوا بقية العبادات لهم كالصلاة والصيام والحج وغيرها. ألا تكفي هذه اشتباها في تهمة عبادة غير الله ؟ فلو كانوا يعبدونهم لصلوا لهم واستقبلوا قبورهم بدلا من الكعبة ! ما الذي يمنع عابدا من معبوده ؟

الاصل في صفاء العقيدة عدم وجود توسل ولا تبرك، لأن الله حي قيوم سميع بصير، لا يحتاج الى وسطاء، وموضوع الشفاعة هذا من موضوع الآخرة وليس الدنيا، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فالانسان الصالح لا ينفعك صلاحه بل ينفعك صلاحك أنت، ولا ينبغي أن تتكل على صلاح غيرك وأنت تستطيع ان تصلح نفسك. قال تعالى (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن) ولم يذكر وسطاء ولا شفعاء، وكل هذه الممارسات داخلة في عدم الثقة بالله، وباعثها النفسي تهرب من اصلاح الذات وتعلّق بآخرين ، مع أن الله يقول (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وليس ما سعى غيره، مثلما أنه لا تزر وازرة وزر اخرى، رغم هذه الاخطاء والبدع الفادحة ، إلا أنها لا تصل الى مسمى شرك، إلا اذا تم الاعتراف بتأليه غير الله وعبادته من دون الله .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق