جوابا على سؤال زائر في سجل زوار المدونة:
"جزيت خيرا على
هذه المدونه الجميله
اخ الوراق هل ممكن ان تتكلم عن الحسد؟ وليس الحسد الروحي انما النفسي اللذي
يؤدي للحقد وربما الظلم,
وما اسبابه وكيف نعالجه؟
وكيف نصفي قلوبنا ونطهرها من جميع الامراض النفسيه؟
وكيف نزكي انفسنا كما طلب منا الله في القرآن؟
وكيف نسترجع برائتنا بعدما فقدناها بالفاحشه والفحشاء وامراض القلوب؟
شكرا جزيلا لك وانت ومدونتك من المدونات المهمه اللتي افتحها يوميا
انت مفكر ولست شخص عادي واتمنى لمدونتك الصدى الكبير والنقاشات وتبادل الآراء
لأنها هي ماتبين لنا الحق من الباطل
طبعا لديك الكثير من الحوارات وبعدما اقرأ كل حوار حقيقة اعجب بك وبعقليتك
ولذلك اصبحت اثق بك
انت تستحق كل الخير واسأل الله ان يزيدك علما نافعا ويريك الحق حقا ويرزقك
اتباعه,
ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه"
الرد:
أشكرك أخي الغالي
على هذه الروح الكريمة وهذه العبارات المشجعة والدعوات الصادقة وأتمنى أن أكون
مفيدا, وأشكرك بصفة خاصة على قراءتك لحواراتي رغم طولها, وأعتقد أن المدونة مبثوث فيها
الكثير من مثل هذه الموضوعات التي سألت عنها التي تتكلم عن الأخلاق والإيمان وإصلاح
القلب, وأتمنى لها أن تظهر بموضوعات مستقلة فهي موضوعات مهمة, أرجو مزيدا من
القراءة فيها فسوف تجد كثير الإجابات لأسئلتك وأتمنى أن أعرف آراءك وانطباعاتك
ومداخلاتك أيضا حتى تكون المدونة نشطة ويستفيد منها غيرنا. . وعلى كل حال هي أهم
الموضوعات وكل ما أكتبه لأجل هذا الهدف وهو تزكية النفس بإذن الله..
ما يحضرني الآن عن
الحسد النفسي – وهو موضوع واسع الانتشار بحياة الناس ولا يسلم منه إلا من رحم الله
وهو سلوك غير أخلاقي- أن منشأه الإعجاب وإن كان يظهر بمظهر عدم الإعجاب ليخفي الإعجاب,
وهذا أول عيوبه وهو الكذب فكل حاسد كاذب على نفسه, - وأصلها اللغوي من الحسد بمعنى
القشر ومنه الحسدل وهو القراد الذي يقشِّر الجلد ويمتص الدم-. كل ما في الأمر أن
الشعور الإنساني يرغب في الأفضل, والشعور نفسه بريء وليس شرير (دافع شعوري بريء),
ويمكن أن يدفع لتحسين النفس للأفضل أو يدفع للشر حسب اختيار الشخص. وأفضل الأفضل
عند الشعور هو الفضيلة قبل المادة, فيُحسَد الناجح معنويا والمحبوب أكثر من الناجح
ماديا, ويزداد الحسد إذا اجتمع النجاح المعنوي والنجاح المادي. لكن إذا تجاوز
النجاح حد المنافسة يخف الحسد ويتحول الحسد لمن حول المحسود, لأن أساس الحسد مبني
على المنافسة على الأفضل. لا نشعر بالحسد تجاه شخص يحصل على جائزة عالمية مثلاً
نقرأ اسمه بلغة أجنبية, لكن ممكن أن نشعر بالغيرة والحسد لو أن أحد زملائنا أو أبناء
جيراننا حصل على هذه الجائزة, السبب وجود مجال للتنافس. كذلك إذا كان ابن جيراننا
هذا قد حصل على شهرة سابقة ونجاح سابق وجوائز غيرها لأنه تجاوز ميدان التنافس معنا
لا نحسده كثيراً على النجاح الجديد لأننا تعودنا منه ذلك.
على كلٍّ, الحسد
كشعور مؤلم على شكل وخز مفاجئ الكل يشعر به, الإنسان الفاضل وغير الفاضل. لكن
المشكلة في ردة الفعل اللاحقة, لأن شعور الحسد اختبار من الله لنا هل نظلم أو
نعدل. صاحب النفس الزكية يتقبل ويقر بحق من يستحق ويمنع نفسه من الغل والانتقام أو
الإساءة بأي شكل حتى السخرية, ويقول إن الفضل لله يؤتيه من يشاء, ويذكر نعمة الله
عليه فتبرد نار الحسد عنده وتنقلب إلى غبطة, والغبطة تعني إعجابا بلا غل وبدون تمني
زوال النعمة, بل تخالطها المحبة ولا يشعر الغابط بألم نفسي. أما الإنسان البعيد عن
الله سيدفعه شعور الألم إلى أن يؤلِم من آلمه بنعمته بأي نطاق يستطيعه, وهنا تتعدد
الأساليب, والشيطان يذكي نار الحسد ويقدم وسائل التنفيس عنه والحلول المقترحة في
طريق الشر هذا.
أما الغيرة فيبدو
أنها تختلف عن الحسد في نطاقها، فالغيرة افتراض بحصول الظلم نتيجة زيادة أو تميز
لأحد القرناء، فالغيرة لا مبرر لها وليست أمرا طبيعيا كما يقولون -خصوصا بين
النساء- لأنها تفضي إلى شر وما يفضي إلى شر فهو شر. المفترض أن يتكلم من يغار عن
الظلم الذي وقع عليه دون أن يعتبر تميُّز غيره ظلما له, لأن مساواة المتميز مع غير
المتميز تعتبر ظلما للمتميز, والناس مختلفون, ومساواة المختلفين ظلم للجميع إلا
فيما تساووا فيه كآدميتهم وإنسانيتهم أو بنوتتهم أو أخوتهم .. إلى غير ذلك. لهذا
حرم الله الحرمان من الميراث لأن الابن يبقى ابن والبنت تبقى بنت حتى لو كان
مكروها من المورِّث, فما تساووا فيه يساوون فيه وما اختلفوا فيه يميَّزون فيه,
فالمساواة المطلقة ظلم مطلق.
وبدلا من الغيرة
والحسد كان يجب أن نصلِّح أنفسنا ونتبنَّى الفضيلة التي حَسَدنا بسببها حتى نساوى
فيها أيضاً دون أن نؤذي أنفسنا أو نؤذي غيرنا. وكان الأحرى بإخوة يوسف عليه السلام
أن يتواضعوا ويقتدوا به لتشملهم المحبة حتى لو كانوا أكبر منه, لكن الشيطان قدم
لهم حلولا شريرة وسيئة وغير منطقية ليَخرجوا من ألمهم النفسي, وبدأ بأشد الشر
عندما قالوا: "اقتلوا يوسف" -أو قال الشيطان على لسانهم-, واستقروا على
حل شبه وسط مع أنه شروع بالقتل وهو أن يلقوه في البئر ويكذبوا على والدهم, خطيئتان
في نفس الوقت, لكنهم يقدِّرون والله يقدِّر فكان إلقاءهم له في البئر سبب خير له
ولهم, ففعلوا الشر ولم يغيروا قلب والدهم بل زاد حبا له وتعلقاً به مع أنه غير
موجود وهم الموجودون فقط وبقي يبكي على يوسف حتى ابيضَّت عيناه -لاحظ أن حلول
الشيطان دائما غبية-, لهذا ندموا على فعلتهم وأقروا بأن الشيطان هو الذي نزغ بينهم
وبين أخيهم. ولو لم يكن يوسف أخ لهم لما تآمروا عليه إلى هذا الحد, وهنا نعرف دور
الغيرة الخطير.
الحسد ممكن أن يكون
على أحد ليس له حق عليك أو لك حق عليه, مثل أن تحسد ناجحاً أو محبوباً أو ثرياً
... الخ، أما الغيرة تكون في أحد يكون لك حق عليه, أي أن الغيرة دائما (في) كأن
تقول: أغار من فلان في حب فلان. والحسد يكون (على) مثل فلان يحسد فلانا على ..., وإذا وصل موضوع الغيرة للشر فيكون (حسداً بغيرة)
وهو الأكثر وعنده دافع أقوى وأكثر استمراراً بسبب كثرة المخالطة التي تقتضي تكرر
اللقاء وبالتالي تكرر المعاناة أو الألم, مثل حسد التلاميذ أو التلميذات أو
الزوجات أو الأبناء والبنات أو الموظفين أو الموظفات, في زوجهن أو في المعلم
والمعلمة أو في الوالد والوالدة أو في إعجاب الجمهور .. الخ, بل حتى العلماء لا
يسلمون إلا من رحم الله من الغيرة أو الحسد فيما بينهم في كثرة التلاميذ والمعجبين
أو الإعلام .. الخ. وهذا ما فعل إبليس أخذته الغيرة من آدم فحسده, والدافع الأساسي
هو التكبُّر.
الشيطان أول من قام
بالغيرة والحسد ويريد أن يغوي البشر ليكونوا مثله, فالغيرة ليست حقا كما يتصور بعض
الناس إلا من ظُلم حقا -لا افتراضاً-. وفي تلك الحالة لا نقول: أن الغيرة من حقه,
بل نقول: استرداد حقه من حقه, فلا نقول عن إنسان أنه مسكين لأنه يغار, لكن إذا كان
مظلوماً فنقول أنه مسكين لأنه مظلوم. من يغار ويحسد ليس مسكينا بل شرير و ظالم,
لأن العدل الكامل بين القرناء لا يمكن وليس عدلا. من ظُلِم حقه هو من ظُلِم بنقصه
لا بزيادة في حق غيره, فوجود زيادة لغيرك دون نقصٍ لحقك هذا ليس ظلماً, فإخوة يوسف
حدث منهم غيرة لتنافسهم على قلب أبيهم, وأبوهم لم يظلمهم لكنه أعطى يوسف حقه الذي
يستحقه, فاعتبروا حق يوسف مأخوذ منهم وعلى حسابهم, وهذا ليس بصحيح فلو لم يكن يوسف
موجوداً لا يعني هذا أنه سيحبهم مثل حب يوسف لأن الحب مبني على الفضائل. هم نظرتهم
مادية يعتبرون أن والدهم يعطي حبا متدفقاً, فإذا نزعوا يوسف سيتجه إليهم هذا الحب
مهما كانت أخلاقهم, أي كأن يوسف إناء إذا أزلناه ووضعنا آنيتنا ستمتلئ! وهذا ظلم
منهم هم وليسوا مظلومين كما تصوروا بل هم الظالمون في الغيرة أولا وفي الحسد
ثانيا, وهذا ما جعل تنافسهم يتحول إلى حسد.
الحسد يحتاج شيئاً
بارزاً، أما الغيرة فتكون داخل دائرة مغلقة ـ كجو منزل أو جو عمل أو جو أقارب-
تثيرها أشياء بسيطة كغيرة النساء مثلاً أو التلاميذ على أستاذهم، لكن الحسد يكون
عادة للبارزين المبرَّزين أصحاب التميزات الهائلة وخصوصا المعنوية مثل المحبة
والذكاء والمعرفة, أكثر من المال لأن المال قد يرثه غبي أحمق وغير محبوب. ولا يوجد
حسد أو غيرة إلا على وجود ندِّية في الواقع أو تُفترض و يُحتمل أن تكون, فقد تقرأ
عن صفات أو نجاح في أحد وتعجبك ولا تغار, لكن إذا قيل لك أن ظروفه مثل ظروفك فإنه
يدخل في حيز الغيرة أو الحسد, مثلا عندما تقابل شخصا ثريا قد لا تشعر بهذه
المشاعر, لكن إذا قيل لك أنه بنى نفسه من الصفر وعمره مقارب لعمرك فإنه ينفتح
الباب على الغيرة لأن احتمال الندِّية بدأ يتأكد, لتشعر بالوخز وكأن هذا الوخز من
الشعور تأنيب لك يقول: "لماذا لم تجتهد؟ عليك أن تتحرك للأفضل" وهذه هي
الترجمة الطبيعية السليمة والبريئة والفطرية والتي لأجلها وُجِد هذا الشعور وليس
للشر. لكن لو لم تعرف هذه المعلومات لذهبت إلى افتراضات تبعد عن الندية, كأن تقول:
ربما أن والده كان غنيا فورَّثه المال, بينما والدي فقير. القصد من الوخز هو
التنافس الشريف وليس العداء, قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). لكن يأتي
الشيطان ويفسر سبب الوخز بالمحسود وارتباطه بالنعمة, أي كأني أنا أتألم بسبب هذا
الإنسان, عليَّ أن أفصله عن نعمته أو أبعده هو ونعمته بعيداً مثلما حاول إخوة يوسف
إبعاده هو ونعمته لأنهم عجزوا أن يفصلوه عنها, فالشيطان يريد أن يشعرنا بالكراهية
للمحسود وكأنه هو سبب ألم الحاسد, وإزالته أو إزالة نعمته ستخفف هذا الألم -والعياذ
بالله من الشيطان-. وبعضهم يعبر عن هذا الربط فيقول: لولا وجود فلان لكنت سعيدا في
هذا المكان, مثلما قالوا إخوة يوسف: "يخل لكم وجه أبيكم", ويجعل من
المحسود حاجزا بين الحاسد والسعادة أو النجاح, وهذا ظلم, فلا أحد حاجز دون أحد في
الحقيقة.
الشيطان يترصد لنا,
فيأخذ هذا الشعور بالألم ليقترح علاجه بالشر والانتقام ليشفي غلُّه, لكن كيف لنا
أن ننتقم ممن لم يؤذنا؟ الحاسد يَشعر بالظلم دون أن يُظلم مع أنه ظالم لدرجة أن
الميزات يقلبها إلى عيوب والإحسان إلى نية شر متوقعة. لهذا الحاسد غير واقعي
وأدلته ضعيفة ومؤوَّلة دائماً, ولا يصدقها إلا من يشاركه في الحسد, أما العقلاء
فيعرفون بسرعة الدافع الحقيقي, ومن الناس من يطيع الشيطان ومنهم من يعصيه.
الحسد والغيرة تترك
بصمات سيئة على الحاسد, وتجعله لا يرى ما عنده من نعم وتحرمه الشكر, ويعطله الحسد عن
تطوير ذاته, لهذا قالوا: الحسود لا يسود. وتجعله يتعذَّب من نعمة غيره فغيره
يتنعَّم وهو يتعذب, لهذا قال الشاعر:
اصبر على حسد
الحسود ** فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها ** إن لم تجد ما تأكله.
أما المحسود فإنه
يعرف قيمة نعمة الله عليه بكثرة الحساد كما قال الشاعر:
وإذا أراد الله نشر
فضيلة طويت ** أتاح لها لسان حسودِ.
فمن حسادنا نعرف ميزاتنا, لكن إذا زاد الحسد
يؤذي, وأشد أذاه يكون على النفس, لهذا علينا أن ننتبه لما يأتي من الحسد ولا نصدقه
حتى لا يسبب عقداً نفسية وشعورا بالنقص يؤدي إلى الإحباط والفشل {من شر حاسد إذا
حسد}. وأول الحاسدين هو الشيطان, فهو يحسدنا على ميزاتنا ويشككنا بها بأن يلصق بنا
ضدها, فعلينا أن نعرف من الشيطان ميزاتنا فهو خير دليل إذا عُكس كلامه, لأنه إمام
الحاسدين والغيرانين. ولا تزكَّى النفس حتى تتخلص من الحسد وتقر بأن الفضل لله
يؤتيه من يشاء, ولا يخف شعور الحسد إلا بمعرفة نعم الله علينا وشكرها وتحويل
الدافع إلى تطوير وتغيير نحو الأفضل بدلا من تحويله إلى الغير, فالعاقل يلوم نفسه
ولا يلوم غيره. والكِبْرُ هو أساس الشرور كلها ومنها الحسد, فلا زكاة للنفس مع
وجوده. علينا أن نعرف حجم أنفسنا وضعفنا وأن ما عندنا وعند غيرنا هو من الله وليس
منهم ولا منا ليختبرنا ويختبرهم وليس تفضيلا لنا أو لهم.
ولا نستطيع أن نصلح
قلوبنا أو أخلاقنا بدون ذكر الله, لأنه يرفعنا عن مستوى الحياة الدنيا ويسمو بنا
إلى الأعلى فنرى هذه الاختلافات والصراعات شيئا تافها ونعلم أن ما عند الله خير
وأبقى, قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} وقال: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم
ربه فصلى} والزكاة تعني التطهير, والتطهير يعني أن الأساس طاهر لكنه تعرض لما
يوسِخه, ومنه نفهم أن أساس الإنسان خير. هذا الوسخ أسميه "الأفكار الصناعية"
الداخلة على الأساس الفطري السليم, وهي شجرة خبيثة جذرها التكبُّر كما فعل
الشيطان, وساقها المادية (النظرة المادية للحياة), ومن فروعها الحسد والكذب
والنفاق والخيانة والنميمة والغيبة والجشع والبخل والغرور والطمع والربا والفسق
والفساد والظلم والاعتداء والتسلط والخداع والتزوير ونشر الرذيلة والفحشاء وعداء
الصالحين والأخيار وإنكار وجود الفضيلة والأخلاق والكفر بالله وبحقوقه ... الخ. وكل
هذه الصور قد تستعمل أحيانا بنية الخير وإن كانت محسوبة على عالم الشر, وكل واحد
من هذه الفروع له صور كثيرة.
تزكية النفس تكون
بالإزالة قبل الزيادة, البعض يحسب أن الزيادة في العبادات أو الصدقات تكفي لتزكية
النفس مع بقاء أوضارها وهذا غير صحيح, لابد من إزالة شجرة الباطل والشر من النفس,
ولابد من إزالة العوائق قبل البناء, فحتى يكون البناء على أساس سليم لابد من تنظيف
الأرض أولاً. إذن الإصلاح قبل الزيادة, وما فائدة البناء على أساس غير سليم؟ قال
تعالى: {إلا من أتى الله بقلب سليم} والقلب السليم هو القلب المزكى أي المطهر
والمنظف من الصناعي, وإزالة شجرة الصناعي "الشر" من جذرها أسهل من
إزالتها من فروعها وأغصانها الكثيرة المتشعبة المشوَّكة, فإذا نزعت الجذر وهو
(الكبر) انتُزِعَت كلها, وأساس الكبر النظر إلى الذات ورغباتها على أنها أكبر من
كل شيء, أي هي الأكبر, غيَّر هذه النظرة عن ذاتك تمسك بجذر الصناعي كله, اعزم
عليها واجذبها بقوة تزول الفروع والأغصان تلقائيا. هذا هو تطوير الذات الحقيقي كما
أمرنا ربنا وهو تزكية النفس, وقد أفلح من فعل هذا, قال تعالى: {قد أفلح من زكَّاها
وقد خاب من دسَّاها}. حينها تكون حققت كلمة (الله أكبر) أي أكبر من أنفسنا
(عندنا), لأن كل إنسان بدون الله سيكون أكبر شيء هو نفسه مهما ادعى غير ذلك, قال
الشاعر: خليلُك أنت لا من قلت خلي ** وإن
كَثُر التجمُّلُ والكلامُ.
أما المؤمن الحق
فخليله ربه قبل نفسه, والله أكبر حقا شئنا أم أبينا. لهذا لن يتزكى أحد بدون أن
يفكر بالله, ولا يمكن لأحد أن يكون أخلاقيا إلا بذكر الله, لأنه لا يوجد بديل عن
عبادة الذات إلا عبادة من هو أكبر منها وقيِّمٌ عليها وهو الله, وهو الذي يدفعنا
للأخلاق ويعوضنا عن خسائرنا.
من يمارس الأخلاق
حقيقة وبدون إله سيوصف بالجنون, لأنه لا يؤمن إلا بحياة واحدة والأخلاق تجعله
يفرّط بمصالحه لأجل مبادئ أو قيم أو الآخرين, وكلها ستنتهي إلى لا شيء من وجهة
نظره. الأخلاقي بدون إله هو مجنون وهذا إن وجد, أما تمثيل الأخلاق وأخذ ما يناسب
منها فهذه براجماتية لا تخرج عن نطاق الأنانية, والأنانية غير أخلاقية لأنها
منافقة و همها المصالح وليس الأخلاق, فلا توجد الأخلاق بدون الله مع أن أساسها
موجود في الشعور الإنساني, لكن المشكلة في تطبيقها.
إذن لا أخلاق بلا
دين, وليس كل دين يعطي أخلاق, وهذه العيوب (الصناعي) هي نتيجة حتمية لعبادة الذات +
الحياة الدنيا, مع تزيين الشيطان. لا أخلاق حقيقية إذن بدون الإيمان بالله حقيقةً,
قال تعالى: {اصبر وما صبرك إلا بالله} أي لست تصبر لأجل نفسك وإلا لن تصبر على
الأذى, لكن إذا صبرت لأجل الله تستطيع أن تصبر لأنك جعلته أكبر من نفسك, فتذكُّر
الله يهوِّن الآلام والخسائر وهما وقود الأخلاق الذي تتحرك به عجلة الأخلاق, فلا
أخلاق بلا تضحيات غير مطلوبة الرد وإلا لكانت فن تجاري, وهو القادر سبحانه على أن
يعوضك بما هو أفضل مما فقدت. هذا هو البديل المناسب حقيقة لعبادة الذات التي لا
يأتي منها إلا تدمير الذات. مع عبادة الله ترفع مستوى الذات وتدخلها في عالم
الأمان الروحي والرشاد في الحياة ..
وشكراً لك..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق