الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

تمثيلية الحياة ..



الدنيا غرارة.. تشعرنا بالضمان وهي ليس فيها ضمان, تغرنا ثم ترجع تعطينا وعودا ونصدقها.. نمرض ونقول سنشفى, وإذا شفينا نقول لن نمرض.. نتعب وإذا زال تعبنا نقول ارتحنا ولن نتعب, وهكذا هي الدنيا غَرور.. تعيش اليوم في رخاء وإذا بك بعده تعيش في شدة, تضحك مع صديقك اليوم و تفجع بوفاته غدا.. تصور حياة لا يمكن ضمان أي شيء فيها ويعيش الناس على أنها مضمونة..!

شيء ما فينا يشعرنا أن هذه الحياة ليست هي الحياة وليست نهاية المطاف, كأنها ليست حقيقة بل تمثيلية, ما يشعرنا بهذا هو شعورنا الفطري, فالشعور يقول لو كانت هذه هي الحياة لتحقق فيها الذي أحسه, فما نحسه بداخل أعماق الشعور لم يتحقق في الواقع وبعيد عنه.. فكأن الحياة تمثيلية تقول لك أنه لا شيء إلا الواقع الذي تراه ولا يوجد شيء جميل مما تحسه ممكن أن يتحقق و {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ولا يهلكنا إلا الدهر}, وأن الحياة ليست إلا مصالح يظفر بها الأقوى, و هذه المصالح من الماديات أما المعنوي ليس له قيمة, فلا أحد يحب وهو جائع أو يشعر بالبرد هذا كلام فارغ, هكذا تقول لنا الدنيا, لأن الشيطان هو صاحب الصوت الأقوى فيها..

فعلا الدنيا مصممة لتكون دار اختبار وليست داراً للعيش والسعادة.. مثلا تريد أن تصنع لحظات سعادة وتحضّر لها وإذا جاء موعدها تفاجأ بشيء لم تضعه بالحسبان كأن يؤلمك ضرسك أو اتصالا ينكد عليك أو تهب عاصفة..إلخ, فتفسد لحظات السعادة.. لماذا الحياة لا تراعينا؟ ولماذا دائما تعاكس ما نريد؟ الخير الذي نريد أن يتحقق في الأرض أكثره محبوس في داخلنا لم يستطع أن يخرج وليس له مجال, إما أن يُردّ أو يُستهزأ به أو يُحتقر, هذا غير دورنا نحن في قمعه, لهذا تحس أنها ليست هي الحياة, وترى الأيام تمر بسرعة وناس تحيا وناس تموت فتشعر أنك بجو تمثيل حياة..

هو فعلا اختبار, تأتي مواقف معاكسة لما تريد دائما حتى يتبين ما هو موقفك وماذا ستفعل. كل إنسان جنى في هذه الدنيا مواقف اختبار أكثر مما جنى سعادة, فالإنسان يذهب لمكان ما ليستمتع وإذا به يواجه مواقف اختبار أكثر من لحظات سعادة, فهي مصممة لتكون اختبارا وليس للعيش والاستقرار, هي تستمر بالحركة والدوران ولا تتوقف لأحد, الكواكب تدور والأحداث تدور والزمن يدور والشباب والشيخوخة والمرض والصحة, كنت في مسرح وإذا به يُنظف و إذا بك في مسرح آخر. كلمة حياة تعني استقرار وهذا غير موجود في الدنيا, حتى في داخلك لا تستقر, فتفكر بفكرة جميلة وخيّرة ثم تظهر فكرة سيئة ومزعجة ويلقي الشيطان وسوساته, فلا شيء مستقر, وهل هناك حياة بلا استقرار؟!

الحياة بلا استقرار بلا معنى, مكافحة عدم الاستقرار هو لطلب الاستقرار وكل حلول الإنسان وحضاراته هي لأجل الاستقرار الذي لا يصل له أحد, أصلا لا يوجد استقرار داخلي حتى يكون هناك استقرار خارجي! ففي داخلك جسد وروح, شيء يقول لك اقدم وشيء يقول توقف, شيء يقول صح وشيء يقول خطأ, شيء يشجعك على عمل لكن إذا فعلته شيء فيك يشعرك بالندم... وهكذا..

لا نريد أن ننغر بالحياة كما انغر غيرنا, نريد أن نحس بكل لحظة أنها موقف للاختبار وهزات وليست حقيقة.. مشكلتنا أننا نصدق, اعتبر الحياة مثل الكاميرا الخفية, مواقف من أجل أن تتبين ردة فعلك.. والعجيب أنه لا يتكرر أي موقف بل في كل لحظة موقف جديد..

كمية الصراع في الحياة أكبر من الاستقرار, بل أين الاستقرار؟ كل شيء يتغير, التاريخ يقول لك أن اليوم 17 وغدا يقول أنه 18! متى نستقر؟ لا يوجد, وأنت في مرحلة عمرية لن تستمر بل تسير لمرحلة عمرية أخرى! لماذا اخترعوا السفينة البخارية مثلا؟ من أجل يحلوا مشكلة الاعتماد على الرياح المتغيرة في السرعة والاتجاه وتكون الحركة مستقرة, وهكذا كل حلولنا طلب استقرار على وضع يناسبنا, لكن تجد أن الدنيا تعاكس ولا تريد استقرارا, و دائما تضعك باختبار وقلق وترقب, حتى أحيانا لو يمر عليك بضعة أيام مستقرة تستغرب, ولو يستمر أحد سنوات طويلة بلا مرض يستغرب الناس..

الماضي أين ذهب؟ أين اهتمامنا فيه؟ أين خوفنا وبخلنا وطمعنا؟ صارت الآن مضحكة, والماضي يصل إلى درجة اللحظة, فبالأخير نحن نعيش لحظة والحياة لحظة, لأن كل لحظة نفارقها ذهبت إلى عالم الماضي, فصارت منسية بعدما كانت أهم شيء.. لاحظ أنه أحيانا يأتيك ألم شديد في جسمك مثلا ويستحوذ على تفكيرك, لكن حين يزول غدا تنسى ذلك الإحساس المؤلم وكأنه لم يكن موجودا وتعيش بشكل عادي, فالنسيان يأتي حتى يعود المسرح من جديد و يبدأ مشهد جديد.. ولا يبقى إلا العقل, لهذا يقول الله {لقوم يعقلون}, فالعقل يقول لك أنك مررت بآلام وخطر, فإذا لم تستمتع للعقل فكأنك لم تمر بتلك التجربة.

العجيب أن الدنيا لا تتركك على جو واحد أبدا, تقول مثلا أريد أن أعيش بشكل فلسفي ثم تفاجأ أنك أحيانا تحتاج للغباء, وتقول أريد أن أعيش بشكل روحاني وإذا بك تشعر بالجوع أو أن اسطوانة الغاز تحتاج لتبديل أو أن سيارتك تعطلت فتتحول للنظرة المادية مرغما! ازدواجية الروح والجسد هي التي صنعت عدم الاستقرار, شعورك ينحو للمعنوي لكن المادي يجرك, هذا غير تأثير الآخرين وتأثير الأفكار الخاطئة... . انظر للآثار كيف أن الأمم كانت مخدوعة بالاستقرار والآن لم يبق إلا حجارة, أين كانوا؟ وأين كانت قوانينهم ومخاوفهم وحكامهم وأقوياؤهم؟ كلهم ذهبوا هم ومتعهم ومخاوفهم . المتعة نفسها مثل الألم لا تستطيع أن تسيطر عليها و لا يمكن التحكم بها, فتتعب من أجل أن تحصل على مال لتسعد وإذا بك تبكي حين حصلت عليه, وأحيانا لا يكون عندك مال كثير لكنك أسعد, فالمتعة نفسها لا نستطيع إمساكها, كأنها خيال يمر يسحرنا ويذهب. وأنت بالمتعة لا تدري أنك تستمتع إلا إذا زالت فتبدأ تبكي على الزمن الجميل - ذلك الزمن الجميل الذي نصفه دموع!-..

المسألة تتطلب موازنة صعبة, لأنه لا أحد يستطيع أن يفهم الحياة دائما, ففهم الحياة يتطلب أن تخرج من دوامتها وتتأملها من الخارج وهذا لا تستطيعه إلا للحظات بسيطة ثم ستسحبك الحياة إلى داخل مسرحها.. الحياة تمثيلية لكن العجيب أنه لا أحد يستطيع أن يكتشف أنها تمثيلية, في اللحظة التي تقول فيها هذه اللحظة تمثيلية يأتي شيء يصدمك ويسحب تركيزك ويدخلك مرغما داخل المسرح, لو اعتزلت الحياة لن تعتزلك الحياة ولو اعتزلت الناس لن يعتزلوك.. إذن ما الحل؟

الحل أنه لابد أن يكون هناك تواؤم بين المادي والمعنوي, لابد أن ينسجما مع بعضهما, وإذا لم ينسجما هنا الفشل.. لا بد أن تدرك أنها كلها تمثيلية وأنك لا بد أن تسير بالطريق الأفضل الذي ينجحك باختبارات الحياة.. مسألة أنك ستخرج من الاختبارات هذا مستحيل, ستصدق مرغما أنك في الحياة, مع أنك لو تتأمل ستدرك أن هذه ليست هي الحياة الحقيقية لكنها ستسحبك للتصديق.. فمادت حيا أنت في الحياة.. {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}..  إذن لا نستطيع أن نعيش الحياة الصوفية الروحانية الكاملة التي يبحثون عنها في الأديرة وفي عزلة المتصوفين, فهي وهم, و أيضا لا نستطيع أن ننخدع بالدنيا بتلك الدرجة التي انخدع بها الماديون, فمن الغباء الشديد أن يكون إنسان فاسد ملاحق لغرائزه وشهواته وهو يرى الموت يتخطف من حوله, ويجمع ويغامر ويكذب ويظلم ويطمع ويغش وكأنه سيعيش ألف سنة! وضعه مضحك فهذا مخدوع جدا بالتمثيلية.. {قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} وهم الاستقرار في الدنيا من أوهام الشيطان..

الوضع السليم أن يكون المعنوي فيك هو المسيطر حتى على المادي فيكون هناك توازن وتابع ومتبوع, فتكون تابعا للأفضل وهو المعنوي, ولا تتخلى عن المادي حتى تمثل أنك خارج من مسرح الحياة, أي لا ننقسم قسمين كما يفعل بعض الناس ساعة للمعنوي وساعة للمادي, لا بد أن يتبع أحدهما الآخر إما أن المادي فيك يتبع المعنوي أو أن المعنوي فيك يتبع المادي.. وهذا هو الحاصل, أكثر الناس إما أنهم منشطرين بحيث أن له خلوة روحانية يتعبد فيها والباقي تابع للمادي, أو أن المعنوي تابع للمادي بحيث يستخدم مشاعره وعواطفه للكذب والطمع والتزوير..إلخ. نحن نريد العكس أن يكون المادي تابع للمعنوي, وهذا هو طريق الاطمئنان {يا أيتها النفس المطئمنة}, فالاطمئنان داخلي ولا يوجد اطمئنان خارجي مادامت الدنيا تحور وتدور, {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}, هذا ما نبحث عنه..

حين تكون مطمئنا ومستقرا من الداخل لا يعني هذا أنك مستقر من الخارج, فقد تحتم عليك الظروف والواجب أن تتنقل في أماكن عملك أو سكنك وتعمل أعمال متنوعة لكن هذا التنقل دافعه خدمة المعنوي وتحري الخير وليس ملاحقة المادي, فتكون داخلا في مسرح الحياة المادي لكن أعمالك فيه كلها صالحة لأنها خاضعة للمعنوي.. وحينها لن تخاف من الموت لأنك تعمل لله.. مع أنه قد يأتيك الشيطان و يقول: كيف تقول أنك تعمل لله وأنت تدهن غرفتك أو تطبخ عشاء أو تنظف فناء منزلك؟ أتعمل أعمال مادية وتقول أنك تعمل لله؟! نعم تعمل لله, وإلا فكيف يعمل الإنسان لله ويجعل حياته له؟ فقط يصلي ويصوم؟ من ينفق عليه ويغسل ثيابه ويؤكله؟ أيكون عالة على الناس؟ هل الناس بحاجة إلى مزيد من المشاكل حتى يكون واحدا منها؟!

أن تكون حياتك لله ليست إلا عملية إخضاع أفكار لأفكار, أفكار مادية أخضعها لأفكار معنوية وستكون حياتك لله, فالإنسان المسلم لله يعمل الصواب حسب ظروفه وقدرته, أليس الله يريدنا أن نعمل الصواب؟ ها هو الإنسان المؤمن بالله يعمل الصواب إذن هو يعبد حتى بهذه الأفعال المادية. لو كان العمل خاصا به وحده لكان أنانية لكنه يعمل الصواب أينما يراه وعلى قدر استطاعته, مع أنه يرى أخطاء كثيرة لكنه لا يستطيع تغييرها ولو استطاع لفعل, إذن {عليكم أنفسكم}, فأصلح ما تستطيع و ما تحت قدرتك, هذا طريق الصلاح.. طريق {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}, فالصالحات كلمة عامة وليست فقط صلاة, ويجب أن تصلي لكن لا تقضي العمر كله تصلي, هذا باطل..

هكذا نكون نعيش الحياة بالشكل السليم وهي الحياة التي يريد الله لعباده والله أعلم.. لا تقل ماذا أنجزت وتحتقر عملك الصالح فأنت أيضا محكوم بظروف وبقدرات محدودة, وعليها سيكون الحساب.. هناك أناس ظروفهم مثل ظروفك و لم يعملوا ما عملت من الصالحات مع أنهم كانوا يستطيعون, هؤلاء إما أنهم فصلوا بين حق الله وحق الدنيا أو أنهم أخضعوا حق الآخرة للدنيا. حتى اللهو في حياة المسلم لله لا يكاد يوجد.. أليست الحياة الدنيا لعب ولهو؟ و أليست تفاخر وتكاثر بالأموال؟ هذه صفات الدنيويين, المؤمن يعيش في الدنيا ويعمل وينتج ويكسب مثل الدنيوي لكن ليس فيه صفات الإنسان الدنيوي كاللعب واللهو والتكاثر, لماذا؟ لأن المادي عنده خاضع للمعنوي..

هذه هي المغالطة التي وقع بها الزهاد أنهم فصلوا بين المادي والمعنوي وحرّموا المادي وابتعدوا عنه مع أنهم لم يغيروا أجسامهم المادية, فلو كانوا فقط أرواحا حينها يحق لهم أن يعتزلوا عالم المادة.. هذا غير أن الله هباهم قدرات مادية يستطيعون أن يفيدوا بها غيرهم لكنهم يمنعونها عمن يحتاجها بحجة أنهم يعيشون للتبتل! هذا عمل منكر وليس صالحا.. هذا غير أنه يعيش عالة على غيره وهم يعملون ويصرفون عليه..

المسلم لله أيضا مادي لكنه محكوم أما غيره فالمادي فيهم منفصل عن المعنوي. الأعمال المادية للمسلم الحقيقي كالقراءة والثقافة أو الزراعة أو الصناعة تدور في فلك المعنوي وليس المادي, المعنوي الذي عرف به الله وهو حاكمه, إذن كل عمله المادي هذا لله, لهذا يشعر بالاستقرار ويزول عنده الخوف من الموت, لأنه يعلم أن عمله المادي هذا هو عبادة حتى توفيره وإنفاقه على عياله, لأن كلَّه يخدم بعضه وما يقوم الواجب إلا به فهو واجب.. وهكذا تكون كل أعماله صالحة وليس فقط عباداته, فمن الخطأ في التفسير الظن أن الصالحات التي ذكرها الله في القرآن هي فقط في العبادات, وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه أنه حتى اللقمة يضعها المؤمن في فيّ أهله تحسب له صدقة..

من علامات الحياة لله البعد عن اللهو والتكاثر والفخر, وخفة وقع الموت, لأن صاحب الدنيا يكره الموت و ذكره, لكن من يعمل ينتظر الراحة والجائزة, وإذا كانت الجائزة مرتبطة بالموت إذن الموت دخل في الجائزة.. إذن المؤمن الحق يعمل لكن صاحب الدنيا يلهو ويتكاثر ويفخر, ويعمل أيضا لكن لأجل هذه الأشياء, ولذلك اللعب واللهو شيء جميل ومهم بالنسبة له لأنه تعب وعمل من أجله, والموت بالنسبة له عبارة عن بعبع خطير وكبير وهادم للّذات.. المؤمن لم يعش أصلا للّـذات لكنه لا يمنعها أن تدخل على حياته وليست عدوة له كما يتصور بعض الزهاد.. بل إذا زادت عليه المتاعب يبدأ الموت يحلو في عينيه ولا يغدو شيئا كريها, بل يعزي المؤمنون بعضهم بعضا في أوقات المحن بقول "هانت" تفاؤلا بقرب الموت.. هذا إنسان لا يرى الدنيا دار استقرار.. وهذا أفضل أسلوب تعاش فيه الحياة.. دخول في الحياة بسيطرة المعنويات..

الحياة محكات واختبارات مستمرة تكشف كل الناس, مهما حاول أحد أن يتحايل على الخير والدين ويلوي النصوص لصالح الدنيا ستكشف اختبارات الحياة دنيويته وأن خيريته ليست أصيلة, فمهما كانت قطعة الذهب مزيفة ببراعة ستكشف الاختبارات أنها مزيفة, ومهما كانت الاختبارات صعبة سيظل الذهب الأًصيل أصيلا وستثبت أصالته أكثر.. تجد أحدا يقول أنه مؤمن بالله ومتدين لكن تراه سعيدا بالدنيا ومطمئن لها ومفتون بالصراع ويبحث عن الإثارة ومعجب بالأقوياء..., هاهي المواقف كشفته! ودقيق الملاحظة يرى كيف أن اختبارات الدنيا تكشف الناس.. في الحقيقة لا يوجد أحد يتغير لكن هي فقط مواقف الحياة وحوادثها تكشف الناس وتظهرهم على حقيقتهم.. الدنيا فضاحة لا تترك أحدا حتى تكشفه كما هو.. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}..

أيضا من علامات المؤمن الذي عبادة الله تتحكم بحياته أن وقع الخسارة والتغيرات التي تحصل له أخف على نفسه, لأنه يقول إنا لله وإنا إليه راجعون, فإذا ابتلي بخسارة كبيرة كأحد عزيز عليه لا ينهار ويشقق ثيابه, هو عارف أن الله هو الذي أحضره وهو الذي أخذه, فالمسلم مجرد عبد لله وليس سيد الدنيا و مالكها.. والدنيا ليست لأحد ولا تستقر لأحد, هناك رب يقدر ويدبر ويرزق و يمنع.. إن المسلم لله يهون عليه الموت فما بالك بباقي الخسائر الدنيوية؟ فالموت أكبر خسارة..

كل هذه من علامات الذي يعيش للدار الآخرة ويعيش الدنيا للآخرة, ويزرع الدنيا للآخرة, ويعمل في الدنيا ويكدح للآخرة, قال تعالى: {ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}, وهذا قانون عام. قارون رزقه الله ملايين الأموال, وأنت آتاك الله أيضا عقلا وجسما وحواسا وقدرة على الكتابة والبحث والكلام والمساعدة والبناء والإصلاح, ابتغ به أيضا الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا.. فأكثر عملك المفترض أن يكون لغيرك, مثلما ما مالك المفترض أن أكثره لغيرك.. ولا يعني هذا أن توزع مالك في الشارع لكن الظروف والمواقف ستأتيك وتبين نيتك.. لا تخف على الدنيا بصنع الأحداث.. ستأتيك أحداث تضعك بموضع غيرة وحسد.. ومواقف تضعك في موضع بخل أو كرم, وموضع صدق أو كذب, ومواقف تكشف هل أنت جبان أم شجاع, مواقف إما أن تقول الحق أو تصمت أو تقول الباطل أو تسكت.. وهكذا الحياة تصنع مواقف..

العجيب أن المواقف التي تصنعها الدنيا كلها مواقف معنوية, فعالم المادة تغيره بطيء, كل المواقف التي تصنعها الدنيا للمسلم والكافر الحاصل منها معنوي, تظلم أو لا تظلم, تكذب أو لا تكذب, ترحم أو لا ترحم, تبالغ أو تقول الحقيقة..إلخ. أكثر شيء يجمعه الإنسان هو المواقف, أكثر من المال والسعادة وكل شيء, ففي كل لحظة أمامك ثنائيات واحدة تلو الأخرى.. فكيف يقولون الحياة مادية؟ أليس الشيء نعرفه من نواتجه؟ كل نواتج الحياة معنوية ليست مادية! مثلا حين تريد أن تبني بيتا ستجد أن المواقف المعنوية التي صارت لك أكثر من عدد الطوب! موقفك من جارك.. ونظرتك لمن مر بالشارع.. وتعاملك مع العامل.. وهل تبالغ وتسرف أو تأخذ المعقول.. وهل تضع المال في أشياء غير ضرورية أو تساعد فيه أحد...إلخ, كلها مواقف معنوية تُختبر, بل حتى حين تضع طوبة على طوبة يحصل بينها عدة مواقف.. لا يوجد مواقف مادية خالصة ليس فيها أي معنوي, قد تكون يوميا تجلس في نفس المكان مع نفس الأصحاب, أي ماديا لم يتغير شيء لكن المواقف هذا اليوم كلها جديدة, قس على هذا بقية الحياة, ذلك المحل أو البنك أو المكتب هو نفسه لكن انظر للأحداث التي تحصل فيه كل يوم, هذه الأحداث تنتج مواقف للجميع هل تغضب أو لا هل تكذب أو لا هل تستغل هذا الساذج أو لا ...إلخ, فهو مليء بالمواقف بينما الأحداث المادية قليلة, انظر للسوق مثلا أحداثه المادية أكثرها متكررة لكن المعنوية الجديدة كثيرة, إذن الحياة ليست مادية.. الحياة اختبار للمعنوي..

العجيب أن هذه المواقف النفسية –الأخلاقية- هي التي تسجل في الذاكرة, فلو ترى صديقا قديما لك أول ما يتبادر إلى ذهنك مواقفه المعنوية الأخلاقية, مثل أنك تصرفت معه تصرف خطأ أو رأيته يهين أحد, فتتحدد قيمته من المعنوي.. لو يأتي أحد مادي التفكير يعرفك به أن اسمه فلان ابن فلان وشهادته كذا ويملك كذا, لكن نظرتك له مختلفة, فتتذكر منظره حين ظلمته وطردته أو منظره وهو يتعالى على فقير أو تتذكر موقفه حين اعتذر منك على خطأ فعله..إلخ, هذه المواقف لا تُنسى, وهي التي تجعلنا نعرف أن فلانا طيب أو سيء لكن قد لا نذكر اسمه, أي نذكر مواقفه ولا نذكر اسمه لأن الاسم مادي..

في الحقيقة الأشياء المادية ليس لها وجود حقيقي لأنها لا تدوم, فتتعب وتبني بيتا لكنه في الأخير سيتحول لتراب, فمنزل ورثه مجموعة من الإخوة وتخاصموا وتفرقوا بسببه, أصبح المنزل مع مرور السنين ترابا لكن المواقف التي صارت بينهم حوله موجودة عندهم وعند كل من احتك بهم, بينما البيت زال.. وهكذا الدنيا يتخاصمون عليها وهي زائلة..

كون الناس لا تنسى المواقف الأخلاقية هذا دليل أنها هي الأهم, وإلا لماذا لم تُمسح من ذاكرة الناس بينما المادي مُسح كالاسم؟ بينما مواقفهم الأخلاقية تظل تردد حتى بعد موتهم, إذن الموقف أهم من الشخص. والموقف ليس الأهم فيه هل دفع أو لا وكم المبلغ الذي دفع بل موقفه هو وردة فعله المعنوية, أقصد السلوك الأخلاقي, فمثلا رأيت منظر أحد جاءه فقير يطلب مساعدته فرده وأهانه, ستستمر تكرهه مع أن الفقير ذهب والزمن تغير وربما وجد ما يأكله, لكن لماذا لم يزل من عندك ومن عند الفقير موقف ذلك الذي يهينه؟ مع أن طردته للفقير كانت خيرا لأنها جعلته يذهب لشخص آخر أعطاه مال كثيرا, ومع ذلك يبقى الفقير يكرهه.. لو كانت الدنيا مادية لما ظل يكرهه, إذن الدنيا معنوية.. إذن القيمة للمعنويات, ولو أنها ليست ذات قيمة لنُسيت كالماديات. لماذا تنسى رقم هاتف أحد أصدقائك لكن مواقفه معك لا تنساها؟ والموقف نفسه ليس مرتبطا بالمادة حتى, فصديقك الذي لجأت له طلبا للمساعدة وبكى من أجلك ولم يستطيع أن يساعدك هو نفس الموقف لو أعطاك, بل أحد دفع لك بتكبر تنساه وتذكر هذا اللي بكى لك, فأين المصالح التي يقولون أن الدنيا مبنية عليها؟ الدنيا مبنية على المواقف المعنوية, وبالتالي الحساب مبني على هذا الأساس, بدليل قوله تعالى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى}.. إذن الدنيا معنوية لكنهم يحسبونها مادية..   

إذن الدنيا مادية المظهر معنوية الهدف.. وأتحدى أي شخص مادي أن ينكر هذا الشيء.. أتحدى المادي أن يحب كما يشاء ويكره كما يشاء.. وأن يصنع قيمه الخاصة كما يشاء.. لماذا الحب والنفور مرتبطان بهذه الأخلاق؟ أليست الحياة مصالح مادية؟ لماذا الحب ليس مرتبطا بالمصالح؟ الشخص المادي نفسه هناك أناس ينفر منهم مع أنهم ينفعونه وأناس يحبهم مع أنه هو من ينفعهم, إذن الحب لا يمكن التحكم به لأنه مرتبط بالسلوكات الأخلاقية, والدين تابع للسلوكات الأخلاقية والحساب مبني عليها.. والذاكرة مرتبطة بها ومبنية عليها فنحن نحاكم الناس ونحاسبهم بداخلنا رغما عنا.. إذن كل شيء يصدر أحكام على هذه المواقف, إذن من الطبيعي أن الحكم يوم الحساب تابع لهذا, والنصوص الصريحة تبين ذلك..

إذن توصيف الدين على شكل عقيدة مادية جامدة هي محاولة لإخراجه عن هذا الميدان والمحور, و الأمر بالحب والكره لأفعال وارتباطات مادية أيضا من المحاولات الفاشلة, يريدونك أن تحب أحدا تعلم أنه ينفق لكن لأجل الخيلاء وتكره أحد صادق لكنه فقير وينفق القليل, فمن يدفع أكثر يُحَب أكثر, أي يريدونها عوجا, يريدون أن يعوجوها عن مسيرتها لكنها لا تنعوج, الله مدح المطوعين ودافع عنهم بينما الماديين كانوا يسخرون من صدقاتهم البسيطة, الله غني أصلا عنهم ويرصد المواقف..

الماديون أنفسهم مغرمون بالقصص والحكايات والروايات وهي تدور حول المعنوي, والمعنوي ليس إلا أخلاق وفضائل, يقولون نحن ماديون ويستمتعون بالقصص البعيدة عن المادية! ويحبون الكرماء ويكرهون البخلاء, ويحبون الصادق ويكرهون الكذاب حتى لو كان معهم! أي شهدوا على أنفسهم..

السبت، 17 أكتوبر 2015

رد على شبهة : أن الله ظالم لأنه لم يمنع ظلم البشر (1)


مقال جميل جدا خصوصا الجزئيه الاخيره
لكن مهلا

هل ماحصل لهذه الفتاة في هذا المقال
http://www.kabbos.com/index.php?darck=1413
هو من تقدير الله؟
وهل عدم تدخله لأنقاذها خيرا لها ام لأنها تستحق ذلك؟ ربما الاجابه ليست لديك لكن الواقع يناقض مع ماتقول
افعال البشر الشريره هي من انفسهم والله لم يحثهم عليها

لكن بناء على كلامك حق عليك لو كنت انت مكان هذه الفتاة ان تتسائل اذن :

لماذا انا؟ واين الله ليسخر اسباب انقاذي؟ ومالحكمه في ان يقدر ويسخر القوانين من مكان وزمان لتعذيبي حتى الموت؟
قصة هذه الفتاة ابكتني واوجعتني وتمنيت انني لم اقرأها, منذ ان قرأتها وانا اتعذب نفسيا

ومن وقتها اتسائل بجديه لماذا لم ينقذها الله؟ لماذا تركها تعاني هذا العذاب الجسدي والنفسي الرهيب لمدة 44 يوما الى ان ماتت؟
انا ادرك ان من فعلو بها هذا هم اسوأ من ابليس واعلم ان هذا ضريبة الحريه اللتي اعطانا اياها الله
لكن انت تقول ان الله يسخر القوانين وان كل شيء يحدث بأمره, اذن لم حدث لها ما لا يستوعبه عقل انسان سوي؟


الرد :

انتي تقولين ان الشر نتيجة الاختيار الحر، وتقولين : اين رحمة الله فيمن يقع عليهم الظلم ؟ وهذا تناقض. كيف تكون الدنيا دار اختبار اذا تدخل الله لمنع الشر في كل مرة ؟ نهاية هذه الفكرة هي طلب أن تكون الدنيا جنة للجميع بدون اختبار، ويمنع الاختيار الحر .

الله سبحانه هو موجد الضحية وخالقها ، وهو خالق كل شيء ، اذا كنا نريد أن نفهم خيرية الله بفهمنا الدنيوي، اذن ستكون الدنيا جنة يعيش فيها البر والفاجر ولا يعرف فيها احد صادق وأحد كاذب ، وسيمنع الله القاتل ان يقتل والكاذب ان يكذب، وهذا بحد ذاته خدمة للشر ومساواته بأهل الخير، وبالتالي لن يُختبر أحد ، والله خيّر ، والخيّر لا يدعم الشر.. فظاعة هذه القصة مثلا حرّكت الخير في الكثيرين، ونبّهت لوجود الشر في مجتمعات لم نتعود الا ان تُذكر بسياق المدح، خصوصا في التربية.

نواتج هذه الحادثة وذكراها خير على الجميع، وهي تخوّف من يتذكرها، وبالتالي يتجه الى الخير، كل الشرور التي تحدث على وجه الارض في الاخير نواتجها للخير، لأن الاشرار لم يطغوا إلا بسبب النعمة التي هم فيها. تخيلي لو لم يمت لنا احد او لم تحصل أي كارثة، كيف لنا ان نخشع وأن نراجع انفسنا واخطاءنا؟ اذن موجد اسباب الشر هو خيّر .

نأت للطرف الاخر وهم المجرمون الذين فعلوا هذه الجريمة ، تأكدي انهم الآن يتعذبون، وهذا عذاب لهم ، من ناحية نفسية هم في عذاب وغير مطمئنين. لأن المجتمع يرفضهم، والناس تنكر ما فعلوه. بدليل أنهم اصدروا لهم هويات جديدة وهذه علامة خزي في الدنيا. وهكذا نعرف حقيقة ثانية، وهي أن كل شرير يفعل الشر يزداد شرا وليس خيرا، ويُكره أكثر ، وعذاب الله والاخرة أشد وانكى. إن ألم الاشرار يدفعهم الى الخير أو إلى الإنحسار على الاقل، ويجعل الناس لا يتمنون ان يكونوا في مكانهم. اذن النتيجة تؤدي الى الخير.

نأت للضحية نفسها، فبالنسبة لها هي تألمت ثم ماتت، موتها نحن نحس به أكثر مما هي تحس به، لو لم تكن ماتت لخفّ تأثير القصة كثيرا، مع أنها لم تتألم من الموت، بل قبل الموت. كل انسان مرّ بدرجات من الآلام، لو جمعتي الالام التي مررت بها او اي احد طول حياته، ربما تكون قريبة منها، أي انسان لو عاش الى الخمسين او الستين وجمعنا مخاوفه وآلامه وفقده لأصبح مجموعا كبيرا، لكنها متفرقة عبر السنين، وعلى اختلاف ايضا في الالام واسباب السعادة او اسباب التحمل. وفي الاخير الجميع سوف يموت، والموت هو خلل في الجسم او الروح، مصحوب بآلام في اغلب الاحيان.

وعن فكرة الحياة والموت، نجد أننا مع الحياة ضد الموت، لكن ايضا لا نعرف ما هو الافضل لنا ولا لها. لا من حيث معرفة ما يمكن أن يُفعل بنا لاحقا، ولا من ناحية معاناة الحياة، وبالتالي الموت. اقصد أن الإنسان لا يعرف ما الافضل له : ان يعيش ام أن يموت، لأن الإنسان في خسر، كلما عاش اكثر خسر اكثر، الا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. 

وفوق هذا صفحة اخرى وحياة اخرى تنتظر الجميع، هي الحياة الحقيقية والدائمة، سيأخذ كلٌ حقه بعدل إلهي. فالله مقدّر لكل إنسان كيف سيأخذه وماذا سيحصل له . فمنا من يأتيه فرح وسعادة تنسيه كل الالام التي مر بها ، ومنا العكس، من تأتيه آلام تنسيه كل السعادة التي مر بها. والله يعلم وأنتم لا تعلمون، يكفينا ان نعرف ان الله عادل وليس ظالم.

الجميع محفوظ له حقه، إن في الدنيا او الاخرة، لأن مقاييسنا على الدنيا قاصرة. هذا يدخلنا في الالم نفسه ، أي لماذا أوجد الله الألم الجسمي او النفسي ؟ لو نظرنا نظرة سطحية، لقلنا ان الألم ظلم ، لكن هل أحد منا يريد ان يتخلص من الالم فعلا ؟ هل احد مستعد ان يتخلى عن جهازه العصبي الحساس؟ وبالتالي قد يحترق وهو لا يدري او يتعرض لاصابات ولا يحس بالألم؟ سوف لن يعيش. ومثله الالم النفسي ، لو لم يكن موجودا لما عرف احد كيف يصلح من اوضاعه واوضاع حياته . نحن في دنيا ودار اختبار ولسنا في دار نعيم، والله يختبر عباده. ولولا الالم لما عرفنا للذة اي فائدة، بل لا نحس بوجودها، اذن التركيبة الموجودة هي الافضل. وسيجزي الله الصابرين.

اقرب ما يكون الانسان الى ربه وهو في حالة الالم او الضيق، هذه عند أكثر الناس. إن الانبياء مع أن الله يحبهم اختبرهم ومروا بآلام إلى درجة القتل والتعذيب الذي حصل لبعضهم.

ومن جهة اخرى ، الامور الداخلية في النفس لا يعلمها الا الله ، لا أن تُحضَر قصة كما تـُروى ونأخذها على ظاهرها.

الله أكثر من حذّر من الظلم، بأشد التحذير، وخلق البشر باختيار حر، فإذا ظلموا بعضهم لا ننسب هذا الظلم الى الله ، لأن لديهم ارادة حرة، لكنه هو من خلقهم وأوجدهم و أوجد الظروف التي اخرجت ما في أنفسهم. وبالتالي الله عادل وليس ظالم. الله لم يخلق ظروفا ملزمة على الشر ولا على الخير. بدليل التراجع, فكم من أحد خطط لعمل شر ثم تراجع، وأحيانا في اللحظة الاخيرة، أو العكس, اذن اين الظروف وتأثيرها؟ وأحيانا يتوقف عن فعل الشر وينقلب الى خير في نفس الظروف، اذن اين الجبرية ؟

اذن يجب ان يتوجه الكره والاستنكار الى الفاعل وليس الى الخالق في حالة حدوث الشر. وإذا قيل ان الله يستطيع أن ينقذ الفتاة ولم يفعل، كذلك يصح أن يقال أن هؤلاء المجرمين كانوا يستطيعون أن يوقفوا ذلك ولم يفعلوا، مع أنهم هم الذين قرروا. إحالة التهمة من البشر الى الله ليست دليلا على كره الشر, بدليل ان من ينسب الشر للخالق يستفظع ان يعذّب الله المجرمين في جهنم ! اذن الحكاية هي كره لله في كل الاحوال، ان تركهم انتقدوه، وان عذّبهم انتقدوه! من يكره الشر عليه ان يكره فاعله، لا أن يبرئه بإحالة تهمته الى غيره! قال تعالى (وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون). ومن يطالب غيره بالعدل عليه ان يحققه في ذاته.

نحن بشر نملك ارادة حرة لكنها داخلة في ارادة الله، أما لماذا خلقنا وهو يعلم ما سيجري لنا، فهنا يجب ان يتوقف العقل، لأنه أجاب عما يستطيعه، وهو هل الله ظالم ام ليس ظالم، أما لماذا خلقنا ولماذا خلق المجرات والناموس وغير ذلك، فهذه شؤون الله التي يجب الا نخوض فيها. لأننا ببساطة لا نستطيع ان نعلم، ليس كل شيء نستطيع ان نعلمه، ولسنا محتاجين ان نعرف. نحن هدفنا وغايتنا ان نعرف ما يتعلق بوجودنا ومصيرنا، لا أن نعرف كل شيء، لأننا لا نطمح أن نكون آلهة، بل نطمح أن نسير في الطريق الصحيح ..

من العجيب ان يُنسب الخير للبشر وان ينسب الشر للخالق، فاحترام اليابانيين لحقوق المعاقين مثلا يُنسب لهم مباشرة وليس الى الله، اما حادثة الفتاة فيقع اللوم على الله مباشرة ! وهذا يذكرنا بقوله تعالى عن فرعون وقومه (فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) ، وكما قال قارون : (إنما اوتيته على علم عندي) . فعل الخير الذي يفعله الانسان من فطرة الله فيه، أي من الله ، لكن الله لم يفطره على الشر، إذن من باب العدل ان ينسب خيرهم الى الله ، وشرهم إلى انفسهم.

لو تكلم انسان عن الفضيلة والمثالية –وهو كلام القرآن- ، لقالوا هذا كلام خيالي . وإذا وقعت وقائع غريبة ، قالوا : ما هذا ؟ اين الله ؟ كيف يسمح لهذا ان يكون في ارضه ؟ وهو الذي لا تعد نعمه وفضائله ، سبحانه وتعالى عما يصفون.

أكثر البشر يحتقرون الفضيلة والاخلاق والدين ويقللون من قيمة الله والايمان به ، وبالتالي وجود الشر نتيجة طبيعية لعصيانهم لله. لو اطاع البشر كلام الله لما حصل ما حصل، ولو أنهم طاعوا كلامه وحصل هذا لكان الله فعلا مسؤول، لكن الله حرم الرذائل والاعتداء والقتل والزنا الخ . تجد هؤلاء يحضرون صورة لطفل افريقي جائع ويتبجحون : اين الله عن هذا الطفل ؟ بينما هم لا يقيمون للاخلاق والدين وزنا، ولا للطفل نفسه. ايضا تجد من يلوم الله على تركه لهذه الفتاة تتعذب 44 يوما ، وبنفس الوقت يستنكرون على الله ان يعذب مجرميها في جهنم ! هؤلاء ماذا يريدون بالضبط ؟ يريدون ان يجعل الدنيا جنة ، وأن الله يكون سيئا، على مزاجهم، وخلاص !

والله أعلم ، وشكرا لك ..


تعليق على مقال "الثقافة البيئية بالعالم العربي"


  عبر رسالة في بريد المدونة

عزيزي القارء نقترح عليك هذا المقال المعنون بالثقافة البيئية بالعالم العربي, المقال يهدف الى نقد التعاطي العربي بالمجتمع و غرف القرار التعاطي السلبي, و الحالة المتدهورة للبيئة عالميا و العالم العربي غير بعيد عن المشكل, ندعوك عزيزي القارء التفاعل مع المقال, و قرائته , و لما لا المساهمة في نفس الموضوع, لتنوير العقل العربي.


الثقافة البيئية بالعالم العربي

في الفترة المعاصرة تعتبر البيئة من بين أهم القضايا المناقشة على كل المستويات, الدبلوماسية و الاجتماعية و الثقافية, و العالم العربي ليس ببعيد عن أخر تطورات البيئة و خصوصا الشق المتعلق بالمناخ فيها , نظرا لخطورة المشكل البيئي ألذي بات يهدد العالم و انعكاساته المستقبلية, و رغم خطورة ما يتجه اليه العالم الا ان هذا الاخير لم يقدم بعد ردة الفعل المناسب امام الخطر المحدق, تكتفي بعض الحكومات على رأسها الحكومات الاقوى عالميا , بتقديم ما تسميه توصيات في مؤتمرات البيئة و المناخ و التلوث و غيرها , توصيات لا قيمة لها امام ما يحدث و حتى عندما تتدخل الحكومات في اطار مشاريع جادة لانقاد الوضع البيئي فان ما تقدمه من مشاريع غير كافي بل بدون تأثير في اغلب الاحوال, لكن تبقى التفاتات كهذه امورا نبيلة ينبغي الاشادة بها و الاعتراف لها , خصوصا انها في اغلب الاحيان تكون مساهمات لبلدان تأثيرها على البيئة ضعيف جدا و بلدان صغيرة و باقتصادات تعاملاتها ضعيفة, و من بينها الدول العربية , لكن هذه الاخيرة بدورها تعيش الازمة بشكل يستدعي التدخل الحكومي و قبله لابد للشعوب العربية الشديدة الوسخ ان تنقد جنباتها من اطنان الازبال و البقايا التي تلقي بها يوميا حولها, و ان تنظف الواقع الذي تعيشه شوارعنا , فأول خطوة للتقدم تكمن في داخل كل مواطن قبل الجماعة , و لاشك ان النظافة من ابرز تجليات التقدم



ايها المواطن العربي فلنسرح بالذهن قليلا باتجاه العالم المتقدم , لا اتحدث عن التقدم الفكري بل التقدم المادي, الذي لابد للنظافة أن يكون لها المكان السامي و الراقي بهذا التقدم المنشود, عزيزي العربي الوسخ هلا استحضرت مشاهد الشوارع بالنورمندي الفرنسية واحدة من أجمل بقاع العالم من حيث المظاهر الطبيعية , و قارنها بجنبات نهر دجلة و النيل النهران اللذان يفتخر التاريخ العربي بهما لما حملاه من سفن بنت حضارات التارخ بالمنطقة, الذانن يعدان من مشاهد الطبيعة الحصرية بالعالم العربي , المنطقة الصحراوية و الشبه صحراوية , المنطقة القاحلة , اكيد هناك فرق بين المشهدين الطبيعيين, نظافة المنطقة الاوروبية اكيد امر سيحزنك ان تقارنه بواقع المناظر الجميلة بكثرة اوساخها بالعالم العربي,
عزيزي المواطن العربي ان بصق احد المواطنين بالمناطق العامة و الحدائق بسويسرا , فانه يغرم على فعلته الشنيعة تلك و جريمته النكراء بحق شارع عمومي, ملكيته مشتركة بين كل مواطني سويسرا, هذا قام بالبصق , و ربما العقوبات اشد في حلت ما قام برمي قمامة , او غلاف حلوى, و كوني اعيش باحدى دول العالم العربي الوسخ, اسمحولي ان اصف لكم المكان, قمامة في كل شارع, و ما يميز مواطنينا الأذكياء انهم لا يضعونها في أي مكان إنما يكدسونها, في مؤخرة الشارع, او في حوافه, لتبقى هناك لأكثر من اسابيع عدة في انتضار من يحملها, و خلال الانتظار تتراكم المزيد من القمامة, و اخيرا تأتي شركة كلفتها البلدية بجمع و تدوير النفايات, بإمكانات جد محدودة و إضرابات متكررة لعمال النظافة,لتأخذ النفايات إلى مطرح يبعد عن المدينة بمسافة لكنه مجاور لقرية صغيرة, يعيش بها الكثير من الفقراء الذين لم تبالي الدولة بصحتهم, و لما قد تفعل, فليسو الا فقراء , حالهم جعلهم يضعفون امام الصراخ و المناداة بحقوقهم المبتلعة, هنا الدولة لا تملك أي توجه بيئي, و تقوم بادارة الوضع دون أي دراسات علمية و دون أي احتياطات, معرضتا بعملها العشوائي و الغير منتظم حياة الآلاف من المواطنين للخطر, و مراكمة بالمستشفيات أمراض غريبة مصدرها التلوث, و لأن وضع الصحة مزر سأنصحك ايها المواطن العربي, اياك ان تمرض الان امرض لاحقا



بالإضافة إلى مشكل العقلية الإدارية الغير بيئية و هذا مشكل مصدره غرف القرار بالحكومات و أصحاب القرار, الغير واعين بخطورة جهلهم البيئي , هناك المجتمع الذي لا يمكن ا ناصفه إلا انه امتداد للجهل الإداري , و حب الوسخ, و معروف عن المواطنين العرب أنهم ينظفون بيوتهم و يلقون بالقمامة بالخارج , لا يساهمون في تنظيف شوارعهم و لا يضغطون على البلديات لتقون بذالك, بل يساهمون في كل أشكال التلوث, و عادي في ثقافة العربي , ان يتناول الحلوى أو أي منتج , ثم يلقي بالخلاف و المخلفات في الشارع, دون أي ضمير بيئي أو إعمال , للجانب الإنساني في التعامل مع الوسط الذي نعيش فيه, دون يتبادر في ذهن المواطن العربي انه يعيش مع محيطه, و ليس في صراع معه, للأسف هذه هي عقلية سكان دول الجنوب المتخلف,أنانيون للغاية لا يبالون بالمجتمع و لا يوجد أي إعمال للفضيلة و المنطق في تعاملهم مع البيئة, و يزيد الموضع حدة الفقر الذي أكيد له دور رئيسي في كل مشاكل البيئة, و أكيد ضعف الإمكانات تعني تدويرا محدود و سيئ للنفايات , و اعتناء محدود بفظاءات المدن, و هو الأصل في تنامي عقلية الجهل , سواء كان جهلا اجتماعيا او بيئيا او أي شيء اخر فالفقر و الثقافة الانانية ستفاقم من حجم الوضع ,لكن في صيف 2015 كان من لبنان المثال المخجل و المبهج في نفس الوقت عن مشكل الازبال و تلوث الشوارع بالعاصمة البنانية بيروت, الامر الذي ادى الى نشوب انتفاضة تاريخية في ذاكرة الفكر البيئي العربي , حركة طلعة ريحتكم التي طالبة باخراج الازبال من الشوارع , و اتسع سقف مطالبها الى ان تهاجم الحكومة, و تهاجم المسؤولين, و كادت بذالك الازبال و سوء ادراة الدولة لها , أن تتسبب في نشوب ثورة في بلد لا اعتقد انه سيتحمل تبعات ثورة علما انه غارق فيما يكفيه من المشاكل , لتضاف مشاكل الأزبال إلى قائمة الصراعات العربية


شكرا لدعوتك ، وأعجبني المقال حقيقة، وإن كان موضوع البيئة والتلوث أوسع من نقطة وساخة المكان العام في المدن، لكني أشفق على التعميم و تحميل المواطن العربي مسؤولية كل شيء، حتى لو لم يكن له في الأمر أي يد، بدليل أنك قلت أن بيوتهم نظيفة و يجمعون الزبائل في أماكن محددة ، يبدو لي أنه انتهى دورهم هنا، وهذا إثبات لحبهم للنظافة، فلماذا إلقاء اللوم عليهم ؟ وما أكثر ما يُلامُون. القرار في بيوتهم لهم، لهذا بيوتهم نظيفة كما تقول ، أما الشوارع فليس القرار فيها لهم، ولا توجد أنظمة تتعلق بالبيئة، بل بعض الدول العربية لا توجد فيها إطلاقا أي نظام أو قوانين متعلقة بنظافة الأماكن العامة، وصعب أن نحمّل الناس مسؤولية غيرهم، هذا غير الاعتراضات التي قد يُواجَهُون بها.

كما أعترض على وصف العرب بـ"الوسخين" ككلمة عامة ، أعتقد أن في هذا قسوة تصل إلى حد الظلم، فلو أحضرت أوروبيين يعيشون في بيئتك وشارعك، شيئا فشيئا سيتحولون الى مثل بيئتك. وأنت تكملت عن القوانين حتى أن من يبصق في الشارع له عقوبة قانونية في سويسرا ، اين هذه العقوبات عندنا ؟ لا توجد ، ولو وُجدت لما وُجد . من يضع العقوبات ؟ هل هم الناس أم المسؤولين؟ هذا غير ظروف الفقر و تردي الأوضاع بشكل عام، أقصد أن اللوم ينفع إذا وُجّه إلى أصحابه مباشرة، بدون التعميم . هكذا يكون توجيه اللوم مفيد ونافع.

لكن هذا لا يعني أيضا تبرئة كاملة للناس، فهم دائما عليهم جزء من اللوم ، ولكن الجزء الأصغر ، مع أنهم الأكثرية، لكنهم بلا قرار ولا توجيه للقرار. فإتلاف البيئة والصيد الجائر، حتى رمي الأغلفة والعبوات يلحقهم فيه لوم ، وإن كانت لا توجد قوانين، و إن وجدت فهي صُورية. لهذا نحن نحث الجميع على القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته، وإن كانت مسؤوليات الأكثرية هي الأقل.

العرب هم من علم الأوروبيين النظافة، فكيف نقول عنهم أنهم شعوب وسخة؟

وشكراً لك ولصاحب المقال الجيد ..

الأطفال والتلقي بالإيحاء




يبدأ الطفل بالتلقي من والديه  حتى وهو في الأشهر الأولى من ولادته , ولكن تلقيه في هذه الأشهر يتم عن طريق الشعور وليس عن طريق العقل , أي يراقب الجو النفسي لوالديه ولمن حوله ,فالطفل في هذه المرحلة  يتلقى عن طريق الإيحاء.

نجد بأن بعض الآباء والأمهات يشتكون من عدم قدرتهم على ضبط أبنائهم , فهم غير قادرين على أن يجعلونهم مهتمين بدراستهم , وغير قادرين أيضا على منع أبنائهم من الاعتداء على غيرهم وغيرها من التصرفات الخاطئة , ويتعجب الآباء والأمهات من هذه التصرفات التي تبدر من أطفالهم بالرغم من أنهم كانوا يحاولون تعليمهم عكس هذه التصرفات تماما, والحقيقة بأنهم هم من علموا ابنائهم هذه التصرفات ولكن عن طريق الايحاء بالشعور وليس عن طريق العقل المباشر , وهذه هي اللغة التي يدركها الطفل .

لهذا لن يستطيع المربي أن يربي أولاده بهذه الطريقة حتى يربي نفسه لأن الطفل يريد أن يفهمه عن طريق الشعور, أي يريد أن يفهم مربيه كما هو .

يستطيع الطفل أن يكشف حقيقة مربيه لأن الإنسان لا يستطيع أن يخفي شعوره مهما حاول العقل أن يخفي , فلا بد أن تظهر على المربي بعض الانفعالات الشعورية والتي تصل إلى  الطفل وتؤثر فيه.

إن الطفل في الأشهر الأولى من حياته لا يستطيع أن يدرك الخطر , فهو سيراقب ردة فعل من هو أكبر منه فإن خاف الكبير خاف مثله وإن ضحك , ضحك معه .