الخميس، 2 فبراير 2012

احذر أن تكسر خاطر إنسان


لا شيء أمرُّ على الإنسان من كسرة الخاطر , فعليك ألا تسمح لأحد بأن ينكسر خاطره , فحينما تعرف بأن هذا الفعل سيؤدي إلى كسر خاطر أحد فعليك أن تنتبه لهذا الفعل وتتحمل .

إذا انكسر خاطر الإنسان فهذا يعني بأن نفسه قد هانت عليه وليست عزيزة عنده في هذه اللحظة , فحينما ينكسر خاطره هل سيحترم نفسه ويحبها ؟ لا ليس لنفسه قيمة بما فيها من طبيعي (خير) , إذاً لن يهتم بنفسه على أية حال كانت , حتى لو كان في وضع مزري كالوقوع في المخدرات والفساد فكل شي يمكن أن يفعله .

 إن إحساس الإنسان بكرامته تمنعه من أشياء كثيرة , فيمنعه هذا الإحساس من أن يكون في وضع مزري أو مخجل , والذي يجعل الإنسان يخجل هي الكرامة واحترامه لنفسه , فإذا انكسر خاطر الإنسان وتكرر فلن يهتم ولن يستحي , ومن لا يستحي فقد انتهى من موضوع نفسه وقابِِل لأن يفعل أي شي ولذلك الحياء لا يأتي إلا بخير.

من يهن يسهل الهوان عليه  ...  ما لجرح بميت إيلام.

لذلك كسرة الخاطر هي أخطر شيء يمر به الطفل , فحينما يحس بأنه لا شيء وبأنه بلا قيمة وأن غيره أفضل منه , من هنا يبدأ تدميره وانحرافه وضياعه وقد يتحول إلى جبار وينتقم من المجتمع نفسه , واللصوص والمخالفين للنظام أساس ما يقومون به كان بسبب كسر الخاطر. وكسر الخاطر يعني كسر الكرامة , وكأنه يقال له بأننا بشر أما أنت فلا .

إن منظر طفل سعيد قد أنتج شيئا ثم يجد مقابل هذا الإنتاج إهانة أو ضحك أو ضرب على عمله هذا , فسيكره الطفل عمله وسيكره الصواب ويكره الطبيعي أو الفضائل , لذلك يتحول للصناعي (الشر) بسهولة ويستمد القوة منه .

كأن كسرة الخاطر هي كسر أفضل شي عند الشخص , وكأنك تقول له بأنه غير مقبول ولا يستحق وأنه قد انتهى ,  فسيقول الشخص عن نفسه : بما أن أفضل ما عندي قد رُفض فسوف اتجه للشر أو للصناعي ولن أبالي بشيء.


إضافة على الموضوع:

 
ليس كل الظلم يقتل الذات ويقمعها بل إن الظلم  يحفّز الشعور ويكون سبب نعمة مالم يَقْتُل الشخص أو المجتمع ذاته وينهزم معنويا , وهناك فرق بين ظلم يأتيك وأنت ممتلئ من ذاتك وظلم يأتيك وأنت منكسر القلب والخاطر وغير واثق بنفسك ولا بربك ولا مبادئك .

 إنه القنوط الذي حذر الله منه وكرهه وقال : (والله لا يحب القانطين) وهو داء أمتنا في هذا الزمن , أنا أتكلم عن (كسر الخاطر ) خصوصا عندما نعمل جميلا ثم نعاقب عليه ويُرفض ويصنف شرا , هذا يسبب انكفاء على الذات وبعبارة أخرى (خيرا تعمل شرا تلقى) أنت قدَّمت أحسن ما عندك فيرفض ويستهزأ به , إذا ماذا تفعل ؟

هذا يُشعر وخصوصا الطفل إذا أصيب الطفل بعدم الفائدة من وجوده , وأعتقد أن هذا أسوأ شعور أن تكون المساومة على وجودك , وعبّر المتنبي عن هذا عندما قال : كفا بك داء أن ترى الموت شافيا .. وحسب المنايا أن يكن أمانيا .

أنا لا أركز كثيرا على الأذى النفسي من خارج الذات , أسوأ الأذى هو ما نفعله نحن على أنفسنا والقرآن أرشدنا لذلك حيث ربط التغيير بذواتنا قبل الخارج فقال (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) إذاً المشكلة دائما في أنفسنا وليست قبل أن تكون في غيرنا , فإذا أحدُُ ظَلَمَنَا ونعرف أنه هو الظالم فإن الذات جميلة في هذه الحالة وفعل الآخر هو القبيح , لكن عندما تكون ذاتنا غير جميلة عندنا فهذه هي المشكلة , (وإذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي شهادة لي بأني كامل) .

 إذا عرفت هذا فالذات في مأمن , لكن إذا تصورت أن مذمتك أتت من كامل وأنت الناقص مع أنك فعلت الخير فهنا المشكلة , فأسوأ شعور هو أن ينكسر قلبك بيدك وهنا تفقد الثقة بعقلك وبإحساسك معا , اليابان مثلا .. ظُلِمت في الحرب العالمية الثانية وأُلقيت القنابل الذرية على أبرياء لكن لم ينكسر قلبها , ودفعها ذلك كأمة إلى التقدم إلى المجالات التي سمحوا لها بها معتبرين أنها مجالات غير مهمة كالصناعات الخفيفة ولعب الأطفال فغزت العالم بها وبنت قوتها الاقتصادية على أساسها ..

لكن العرب كأمة أصيبوا بالإحباط وانكسار النفس والخاطر لهذا وضعهم كما ترى , مع أن كلاهم قد تعرض لظلم خارجي , هل رأيت كيف أن تحطيم الذات من قِبَل الذات هو الأسوأ دائما ؟ لأنه يقضي على صور التقدم والإبداع سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو الأمة , لهذا اعتبرته أسوأ شعور ممكن أن يصيب الإنسان وهذه النتائج موجودة أمامنا .

الشعور بالإحباط والانكسار أمام الذات هو سبب كل المشاكل النفسية والانحرافات على مستوى الفرد أو المجتمع , والإسلام كرم الإنسان المسلم والإنسان عموما , قال تعالى : (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .

 وبسبب إيماني بأن قتل الذات هو أسوأ ما أصابنا وأنا عانيت منه الأمرين إلى أن قيض الله لي إنسانا كبيرا بقلبه وقف مع ذاتي وأجبرني على احترامها فصرت أحاول أن أسقي غيري من نفس الماء الذي أنعشني , صار همي الأول هو .. أن أقف مع الذات والشعور وأسندهما وأدرسهما أيضاً .. وأشجع الأطفال .. وأشجع من يعمل .. وأشجع من يبتكر .. وأشجع من يكتب أو يرسم أو يتعلم .. وأشجع من يفكر .. لا أطالبه في الكمال لأنه في البداية  .. لا أنظره على حاله بل أتخيل ما يمكن أن يصل إليه وأُعجب به بناء على ذلك , فلا يهم إجادته للعمل ولا أخطاؤه , المهم هو المحافظة عليه كإنسان ودفعه للانطلاق مادام في إطار الخير , وتشجيعه نحو الأفضل فصناعة الإنسان أهم من صناعة الطائرات والسفن , وسلامة إحساسه أهم من سلامة الأغراض والأشياء المادية .

 (وأتمنى من الجميع أن يُشجع الجميع في غير الشر) , إدخال السعادة على نفس كئيبة أو غير مقدَّرَة مكسب بحد ذاته , وما دمت لم أسعد نفسي فعلي أن أسعد غيري , فمِن سعادة الآخرين نستمد سعادتنا وليس من شقاء الآخرين نستمد سعادتنا كما يفكر الأناني .

 وأتألم لشخص مكسور الخاطر أشد من ألمي لشخص مكسور اليد أو الرجل , وشعورنا مصدر قوتنا وتغييرنا , فإذا فقدنا الثقة بشعورنا وعقلنا كيف سنواجه مشكلاتنا وهما الوسيلة الوحيدة بعد الله ؟ من يسرق منك ألفاً هو قد أخسرك ألفاً فقط , لكن من يجعلك تخسر ذاتك بذاتك فقد أخسرك كل شيء .

 تحاور مع أي عربي .. ستجده يشتم قومه ويذم نفسه ويتفننون في ذلك كما نرى في المسرح الكوميدي العربي , في نفس الوقت يعظمون شأن الأمم الأخرى مثل الغرب ولا ينظرون إلى عيوبها ـ هذا إن كانوا يرون عيوبا عندهم ـ  (رجائي أن لا تفعلوا هكذا لأنكم تزيدون التحطيم والتكسير) .

فكيف سينهضون وهم في هذا الوضع من الإحباط وهم لا يرون ولا ميزة في أنفسهم وفكرهم وبيئتهم حتى ينطلقوا منها , بينما ليس عند غيرهم إلا الميزات والحسنات , وهذا غير صحيح ولا واقع , أظْلَم الظُّلم أن يظلِم الإنسان نفسه لا أن يظْلِمه غيره والقرآن تكلم عن ظلم النفس كسبب لدخول جهنم , قال تعالى : (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فظلم النفس هو باب الشر .

أعداؤنا يركزون على هذا الجانب ـ جانب قتل الذات ـ  لدرجة إرجاعهم ضعفنا إلى (جيناتنا) التي لا حيلة فيها بعد أن شبعوا من إرجاعه إلى ديننا وقرآننا , بينما السبب واضح ! نحن متخلفون لأننا محبطون ومصدقون لعجزنا , هذا هو السبب أصلا , أشعرونا بالإحباط فأحبطنا , ونجحوا في ذلك , كانت جيناتنا معنا عندما عَلَّّمْنا أوروبا وسدنا العالم .

 لذا أرى من واجبنا التشجيع وليس التحبيط , تخيل طفلا يحاول أن ينظف مكانا في المنزل حسب قدرته ومعرفته ثم يفاجأ بصراخ أمه أو ضربها له وتعنيفها له وأخذها ما بيده , هذا الشعور أعتبره أسوأ شعور يبدأ به الطفل حياته مع عالم الإحباط , إنه فعل أحسن ما عنده وكافؤوه بأسوأ ما عندهم , (ومن هنا تنشأ عقد النقص والإحباط التي تستمر طول الحياة) ,  هل تخيلت انسحاب ذلك الطفل وحفر ذلك الموقف في ذاكرته ؟ إنه سيفقد ثقته حتى في نية الخير وهنا المصيبة !! عندما نفقد الثقة بالخير فما بعد الخير إلا الشر , وهذا موجود عندنا بكثرة  في عالم الكبار عندما تسمع عبارات مثل .. الطيبة غفلة .. أو ولى زمان الأخلاق .. لا ينفع الخير في هذا الزمان .. إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .. أصحاب المبادئ يموتون جوعا .. الخ .

كل هذه الأفكار المحبِطة تصب في صالح الشيطان , وعالم الشر وقتل الذات .. آسف للإطالة ولكن الموضوع مؤلم ويستحق التوضيح فهو قضيتنا الأولى , فاحذر أن ينكسر قلبك أو قلب غيرك .

هناك 28 تعليقًا :

  1. وما أقسى أن تأتي الإهانات من الوالدين ليشب ابنهم مهان و مكسور ،ثم يلومونه ويتبرون من أفعاله التي في الحقيقة نتيجة لأفعالهم هم ..

    ردحذف
    الردود
    1. بيت لا حب فيه ، متشتتون أهله .. بارك الله فيك اخي، وأهلا بك في مدونة الاستاذ الوراق ..

      حذف
    2. ملاحظات هامة :

      1 - تحدث ( د : إبراهيم الفقي _ خبير التنمية البشرية المعروف _ رحمه الله ) عن ان هناك فرقاً بين الخطأ وبين الشخص المخطيء فقط نتحدث عن سلوكيات الأشخاص لا الأشخاص انفسهم .

      2 - كل انسان يخطيء لذلك علينا ان نتعلم من هذة الأخطاء كي نطور من انفسنا دائماً الي الأفضل .

      3 - علينا ان نُقَيم نتيجة اداء اي عمل بمنتهي الحيادية خصوصاً اذا كانت هناك نية طيبة لأدائة اي ان نري الإيجابيات كذلك السلبيات ان وُجِدت ، وهذا لن يتحقق الا بالنظر من جميع الزوايا .

      http://www.goeng4u.blogspot.com

      حذف
  2. انكسر قلبي على نفس انحرمت من كل ابغاه وبالاخر الاقي الناس تبتسم قدامي فرحانه بحياتها

    ردحذف
    الردود
    1. جبر الله كسر القلوب ، وجعلها مطمئنة بذكره ورحمته ..

      حذف

  3. نحتاج صديق مثلك صدوق صادق في طفولة ابنائنا يالوراق فنحن من غرر بنا الصحافه الزائفه التي تنشر بذور مواضيعها الصحفيه بكل دفش ودفاشه امام اعين القراء لتفوز بالكم من القراء على حساب دمار مالطه وليس على حساب بناء الاوطان فالصحافه اناء ينضخ بما فيه لا يسمن ولا يغني من جوع احتاج ان احاسب الصحف ومن كتب واساء لمستقبلي الطفولي في وطني الحبيب متا يئتي اليوم اللي نحاسب فيه الصحفيون على مجازر الاقلام في صحفنا العربيه لنقراونتعللم ونتنور بدل ان نكبت ونغمم ونعتتم صبرنا وطول الصبر يقظي على الارواح اذا طال واتعدى حدوده ومعقوله .ويلن للصحفيين ان لم يفيقوا ..برب

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله فيك اخي الكريم ..
      فعلا هناك من يريدون تخريب الناس وابعادهم عن نور الحقيقة والفضيلة ، ويحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ..
      ولكن علينا أنفسنا ، علينا أن نوقد الشمعات بدلا من أن نلعن الظلام ، فالظلام يكفيه سواده ، ولكن القلوب تحتاج إلى النور ..
      تحياتي لك أيها الكريم .. وأهلا بك في مدونة الأستاذ الوراق ..

      حذف
  4. اربعة أشياء في حياتك لا تفعلها

    فقد الثقة ونكث الوعد وتحطيم العلاقات وكسر القلب

    لأنها لا تحدث صوتا ولكنها تحدث الكثير من الألم

    ردحذف
    الردود
    1. كلام حكيم ورائع أستاذ فوزي .. :)
      شكرا لهذه الإضافة الجميلة .. وأهلا وسهلا بك في مدونة الوراق ..

      حذف
  5. موضوع اكثر من رائع

    ردحذف
  6. موضوع في قمة الروعة

    ردحذف
  7. ليتنا نستحظر ان من أمامنا هو انسان ونتغلب على صخب السخط والتفنن في اﻻذيه .. كنت رائع كاتبنا الجميل في طرح الموضوع والتفصيل فيه.

    ردحذف
  8. صديقي بارك الله فيك هناك خطأ في آية ذكرتها في المقال، والتصحيح هو قال الله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).

    ردحذف
    الردود
    1. عدلت الخطأ, شكرا لك على تنبيهك ومرحبا بك دائما..

      حذف
  9. احذر أن تكسر خاطر إنسان

    لا شيء أمرُّ على الإنسان من كسرة الخاطر , فعليك ألا تسمح لأحد بأن ينكسر خاطره , فحينما تعرف بأن هذا الفعل سيؤدي إلى كسر خاطر أحد فعليك أن تنتبه لهذا الفعل وتتحمل .

    ردحذف
  10. علينا أن نوقد الشمعات بدلا من أن نلعن الظلام ، فالظلام يكفيه سواده ، ولكن القلوب تحتاج إلى النور ..

    ردحذف
    الردود
    1. كلام عليه نور ، وشكرا على المرور

      حذف
  11. السلام عليكم ايها الاخ الكريم السيد احمد الوراق وعلى القراء الاحباء
    يسعدني ويشرفني ان نلتقي مجددا وفي مدونتك الراقية الهادفه للخير والاحسان
    جزاكم الله خيرا بكل كلمه وحرف حسنات كثيرة مضاعفة

    اعجبتني جدا مقالتك كعادتي باعجابي بكتاباتك القيمة

    كما تفضلت وكتبت :

    " كسرة الخاطر هي كسر أفضل شي عند الشخص "
    علينا ان نحذر من ذلك وخاصه مع الاطفال والنساء وكبار السن والمرضى
    فهذه الفئات مرهفة الاحساس.
    واؤيدك بكل ما جاء في مقالتك المميزة

    مع محبتي لك واحترامي
    الكاتبة سلام الحاج
    بيروت في 18-12-2015

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا جزيلا اختي سلام ، واهلا وسهلا بك ..

      حذف
  12. مقال رائع جدا
    وما أقسى أن تأتي الإهانات من الناس ليشب عليها الانسان مهان و مكسور ،ثم يلومونه ويتبرون من أفعاله التي في الحقيقة نتيجة لأفعالهم هم

    ردحذف
    الردود
    1. تعليقك جميل ❤��

      حذف
  13. اجمل مقالة قرأتها في حياتي لاني انجرحت وانكسر قلبي شكرا للكاتب كتب كلام كان في بالي لكن لا اعرف كيف اعبر عنه ❤

    ردحذف
  14. لم استطع المغادرة قبل ان اترك كلمة شكر

    ردحذف
  15. كلام عظيم شكرا لك واسال الله ان يكثر من امثالك❤

    ردحذف