السبت، 29 أغسطس 2015

استحالة إيجاد تصنيف علمي للطبيعة والكائنات الحية


العلم لا يبنى على التشابه, وعلم تصنيف الكائنات الحية كله قائم على تشابه بين الكائنات في صفات معينة, ولا يوجد حدود فاصلة تفصل بين التصنيفات بشكل دقيق, فالفصائل التي تصنف عليها الأحياء كثيرا ما تتداخل, فتجد كائن حي يصنف من ضمن الرئيسيات بينما يمكن تصنيفه من ضمن القوارض, والتارسيار الشبحي مصنف في طبقة الرئيسيات مع أن يشترك مع الخفاش بعدة صفات كأذنيه التي تشبه أذني الخفاش و كونه لاحم ويصطاد ليلا, وخلد الماء بطي المنقار دليل واضح ككائن حي يجمع فصائل متعددة, وحتى الآن لم يستطيعوا تصنيفه, فلديه منقار بط وذيل قندس وبرمائي لكنه يرضع صغاره و يبيض! وتقريبا أي كائن يمكن تصنيفه ضمن عدة فصائل.

الحقيقة أن كل كائن حي له صفاته المستقلة التي لا يماثله فيها أحد بشكل كامل, قد يوجد ما يشبهه لكنه ليس مثله, نخل البلح مثلا ونخل الزينة تتشابه في بعض الصفات لكن بينها اختلافات كثيرة, إذن التصنيف بموجب التشابه ليس علميا ولا يدل على علاقة بين الكائنات الحية.

إذا كنا سننظر للتشابهات يجب أن ننظر لكل شيء, القرد يصنفونه ضمن الرئيسيات بسبب ذكائه بالدرجة الأولى كما يقولون, مع أن هناك طيور تستطيع أن تبني أعشاشا وتزينها بالورود (طائر التعريشة الأسترالي vogelkop bowerbird) بذكاء لا يملكه القرد الذي يبقى عاريا تحت الثلوج في جبال اليابان ولم يستطع أن يبني كوخا يحميه أو يحفر جحرا! لماذا لا يصنف ذلك الطائر من ضمن الرئيسيات مادام يحمل هذا الذكاء؟! هذا غير قدرته على تقليد الأصوات, وبالتالي يستطيع أن ينطق اللغة, لو كانت هذه الميزات في القرد ماذا سيقولون؟!

مشكلة تصنيفات الأحياء أنها كلها تجد لها في الطبيعة اختراقات, حتى التصنيفات العامة كمملكة النبات ومملكة الحيوان, فتجد نباتا يشبه الحيوان كالنباتات الصيادة, وتجد حيوانا يشبه الصخور كالمرجان, والفايروس كأنه جماد لكنه إذا أتت ظروف معينة يكون حيا. والمعروف في تصنيف الطيور أنها تحوي الأحياء التي تطير ولها ريش وتبيض,  لكن تجد طيور لكنها لا تطير كالنعام التي ريشها غير مصمم ليقاوم التيارات الهوائية, وطيور لكنها ثديية كالخفاش, وطيور ليس لها ريش, إذن ماذا بقي من تصنيف الطيور؟! كل ما يميز فصيلة الطيور تراها تُخترق في الطبيعة. إذن تصنيفاتنا هذه تصنيفات أدبية وليس علمية دقيقة.

علميا كل كائن حي هو نوع مستقل لوحده, أما أدبيا فنستطيع أن نجري مسحا ظاهريا لنرى التشابهات ونقول أن هذه عائلة نباتية أو حيوانية واحدة. إذا قلت عن خلد الماء بطي المنقار أنه كائن لوحده ولم تنسبه إلى فصيلة, فما ذنب الثعلب أو النمر إذن؟! النتيجة: تصنيفات الأحياء إلى عائلات وممالك تصنيف أدبي وليس علمي. مثلما أن البشر بينهم اختلافات لكي يتعارفوا مع أنهم نوع واحد.

غالبا التصنيفات تقوم على صفة واحدة بارزة, مثل الفقاريات واللافقاريات ومثل الدرنيات ووحيدة الساق, فيصبح الفول السوداني مع الجزر والبطاطس بعائلة واحدة كسلطة علمية! ويصبح النجيل مثل النخيل! ويمكن أن يأتي شخص آخر ويصنف بناء على صفات بارزة أخرى غير المعمول بها في التصنيف الحالي. على هذا لا يحق لأحد أن يخطئني إذا قلت أن القرد من القوارض وهو يرى أنها من الرئيسيات, فلا مشاحة في الأسماء, فهو يراه يشبه الإنسان أكثر وأنا أرى صفاته تشبه القوارض أكثر, وكلانا كلامنا غير علمي بل تقريبي, فلا يوجد علم قطعي يفصل بيننا.  

التقريب من الحيل العقلية للفهم عند الإنسان "التحوير للأقرب من قوانين العقل", فهناك رغبة بوجود الفوارق للتفريق, لكن النتيجة أدبية وليست علمية, مثلما يحصل في محاولة التفريق بين الأعراق البشرية أو بين سكان بلد وسكان بلد آخر لكنها غير دقيقة علميا, وكثيرا ما نفاجأ بخطأ تقييمنا المبني على هذه الفروقات. هذا ما يحصل في تصنيف الأحياء في الطبيعة, كثيرا ما يفاجأ العلماء بما يخالف القواعد التي بنوا عليها تصنيفاتهم, مما يدل أنه تصنيف ليس على أساس علمي بل تقريبي مبني على التشابهات الواضحة –وأحيانا المتكلفة- .

جدوى التصنيف ليست للتفريق العلمي, بل لتسهيل المعرفة ولتنحية ما هو ضدها, فإذا قلت أن النعامة من الطيور فهذا يخرجها من أن تكون من الحشرات أو الفطريات ..إلخ, لكن لا يعني هذا أنك عرّفت النعامة كما هي, بل عرّفتها بضدها وبضدها تتميز الأِشياء.

كل التصنيفات في الطبيعة حتى في عالم المادة غير علمية, لكن معرفة الخواص فهي دقيقة علميا, أما التصنيف فهو للتقريب ليس إلا, الزئبق مثلا مصنف من ضمن المعادن لكنه سائل وليس صلب, والمعدن من صفاته أنه قابل للطرق والسحب أي صلب. والماء مصنف كسائل مع أنه إذا تجمد يتمدد وليس ينكمش, وهم يقولون أن المادة تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة, والماء مادة لكنه يكسر هذه القاعدة التصنيفية. بل المادة نفسها لم يمكن فهمها, فلا شيء يمكن ضبطه في الطبيعة, لكن ضبط الخواص هو العلم, فخواص الذهب لا تكذب أبدا, مثلما أن خواص الدب لا تكذب, إذن نحن نعرف الأشياء من خواصها وليس من ذواتها فضلا عن أنسابها (التطور).

نحن لا نفهم إلا من خلال الصفات التي يعمل عليها تمييزنا, هذا هو علمنا البشري, لهذا علمنا قاصر مع أنه علم, قال تعالى:{وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. لذلك العلم الوصفي هو الناجح وهو المنهج العلمي الحقيقي والخروج عنه يبعدك عن العلم ويؤدي للخرافة والوهم العلمي. العالِم المحترم هو من يصف الظاهرة أو الكائن الحي ويفسر من خلال الظواهر, أي ظواهر بظواهر, مثل ما يربط ظاهرة المطر بظاهرة التبخر. هذه هي الدراسة العلمية, كأن يدرس معدن الزنك وأنه ينصهر في درجة حرارة كذا وناقليته للكهرباء كذا ووزنه كذا..إلخ, هذه دراسة علمية مفيدة, مع أننا لا نعرف ما هي الحرارة ولا الكهرباء ولا الجاذبية ولا حتى الزنك كما هي! نحن لم نعرف ذواتنا ماهي فكيف نعرف ما حولنا؟ التصنيف العلمي يجب أن يقوم على معرفة ماهيات وهذا غير ممكن للإنسان أن يعرف ماهية شيء واحد.

وهذا لا يعني إلغاء كل التصنيفات بل نحن محتاجون لها, لكن لا نسميها علمية لأن لكل تصنيف ستجد شذوذات, فلا يصح أن يكون تصنيف ما علميا لكن له استثناء وشذوذ عن القاعدة.

نحن نستطيع أن نصنف ما نصنع نحن لكن لا نستطيع أن نصنف ما صنعه الله, فنصنف هذا النوع من الدراجات أنه دراجات هوائية وذلك دراجات نارية, وذلك النوع سيارات سباق وتلك سيارات نقل وهكذا, هذا تصنيف دقيق علميا لأنه لأشياء نحن من صنعناها, أما الطبيعة فلم نصنعها نحن حتى نصنفها, والله يقول : {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} وقال: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} وقال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}, فمن صنع شيئا فهو أدرى به.

وهذا الكلام ليس تشكيكا في العلم, فالعلم قطعي لكن في مجاله. أي تفسير في مجال الطبيعة أو تنسيب فكله أدب وليس علم. الماديون حرفوا العلم عن الوصف إلى الماهية والأًصل, وبالتالي خرجوا عن نطاق العلم, فأخذوا الألماس مثلا وانشغلوا بتصنيفه وبكيفية تكونه وتاريخه, هذه فلسفة وليست علما مفيدا, وهي تفتقر للتجربة, إذا استطاع أن يصنع تجربة يصنع بها ألماسا سيكون كلامه علميا. ويبقى عالم الوصف هو العالم الحقيقي الذي أخبرنا عن ميزات هذا المعدن, ومثله العالم التطبيقي الذي يدخله في تطبيقات ومبتكرات, أما الثالث التفسيري فهو متفلسف وليس عالما. العلم وصفي وتطبيقي وليس تفسيريا في الأصول. التفسيري يكون عالما إذا أجرى تجربة ناجحة ومكررة, إذ لا علم بلا تجارب.

العلم يوصف الظاهرة كما هي دون أن يفسر, ويأتي ليستفيد منها بشكل أو بآخر. لهذا العلم لا يسير إلا بإثباتات وبتجارب ومشاهدات, ودونها لا يكون علما بل ضرب من ضروب الفلسفة. هل من العلم أن تحيل التجربة إلى ملايين السنين السابقة مثلا كما هي تجارب الداروينيين؟! هذا كلام غير علمي. يجب إعادة العلم إلى نصابه ومساره الحقيقي حتى لا يختلط بالفلسفة والنظريات.


الجمعة، 28 أغسطس 2015

الوهم المركب



إن أسلوب الماديين في صنع النظريات التفسيرية غير المثبتة وثم البناء عليها يصنع عقلا وهميا يصعب هدمه (وهم مركب), فيبنى بناءٌ سليم لكن على أساس سقيم, يبنون منطقا ونظريات عديدة على نظرية غير ثابتة أصلا كنظرية الإنفجار الكبير أو نظرية التطور وغيرها. وهذا يصيب العلم ويصيب الدين وأي مجال من المجالات, وهو من أقوى مسببات التأخر لأنه يشبه الكلّابة التي جمعت عليها مجموعة من القش والحجارة في مجرى الماء, هي في أساسها صغيرة لكن التراكمات التي عليها جعلتها تبدو قوية.

أوهام العلماء دائما هي المسؤولة عن تأخر العلم, أما كلمة "لا أعرف" فهي لا تؤخر العلم. انظر كيف تأخر الطب من أيام اليونان إلى العصر الحديث أو ما يقاربه بسبب فكرة العناصر الأربعة. مادامت النظرية لم تثبت إذن هي تحت الاحتمال ومادامت كذلك إذن يجب ألا يُبنى عليها ويجب ألا تقدم كحقيقة, ومادمت تبني عليها إذن أنت اعتبرتها حقيقة ثابتة وليست مجرد احتمال قوي, فالبناء على نظرية عملية توهيم وصنع وهم مركب, والمنصف ينبه دائما أنها نظرية قابلة للتغيير وليست حقيقة ثابتة. فكرة التطور مثلا يقولون أنها مجرد نظرية وليست حقيقة مثبتة, وبنفس الوقت يبنون عليها كل نظرتهم للحياة ومناهج التعليم وتفسيراتهم للظواهر وخاصة في الأحياء, فيكون بناؤهم ظنون فوقها ظنون فوقها ظنون, و ليست على أساس ثابت, لهذا هم معرضون لأن يأتي يوم وينهار علمهم هذا كله, إلا الحقيقي منه.

لو ننتقد هذه النظريات التفسيرية كالتطور سيقولون الآن كل علم الأحياء قائم على التطور وكل الجامعات تدرسه, أو يقولون الفيزياء معتمدة على نظريات أينشتاين أو الكم, لكن كون الجامعات والعلوم الحديثة معتمدة على نظريات معينة هذا لا يعني صحة تلك النظريات, لاحظ أنك لو كنت في العصور الوسطى وتشكك في نظرية العناصر الأربعة سيقولون لك انظر للطب والصيدلة وغيرها كلها مبنية على العناصر الأربعة! من أنت حتى تعترض على كل هؤلاء؟! تماما كما يقوله التطوريون الآن.

دائما صاحب الوهم المركب يجلس في نفس المقعد الذي يجلس فيه صاحب الحقيقة, معتمدا على الكثرة وقلة المعارضين والقِدم, والكثرة والقدم لا قيمة لها في ميزان العلم ولا في ميزان الدين الحقيقي, العبرة في الحق, كما قال تعالى: {والوزن يومئذ الحق} وليس الكثرة, مع أنها لها القيمة الكبرى في مجال التجارة والسياسة, وهذا من إٍسقاط المقاييس التجارية و الاجتماعية على الدين والعلم وهذا ما يفعله المادي دائما, سواء في الدين أو في العلم.

السبت، 1 أغسطس 2015

هل ننظر للحياة بتفاؤل أو بتشاؤم؟


من الخطأ النظرة للحياة إما بتفاؤل أو بتشاؤم.. المتشائم فقط مثل من يدخل مزرعة فينظر للنباتات الميتة فقط فيظنها كلها ميتة, حتى لو كانت بعض البراعم تريد الحياة, تشاؤمه كافٍ ليجعل جميعها تموت..! والمتفائل فقط مثل من يرى أن السيارة تعمل بشكل سليم ويقرر أن يكمل بها مع أن خزان الوقود شارف على الانتهاء..!

كثيرا ما نسمع من ينهى عن التشاؤم أو من يسخر من التفاؤل.. والوضع السليم أن تعيش الحالتين معا بشكل دائم حتى في أشد الأزمات, فتتفاءل بما يستحق التفاؤل وتتشاءم بما يستحق التشاؤم.. والمؤمن بين الرجاء والخوف.. لهذا أقول لا تنظر للنصف الممتلئ من الكأس فقط ولا للنصف الفارغ فقط, بل انظر لكليهما. هذا أقرب لاحترام الحقيقة, واحترام الحقيقة أفضل من احترام العاطفة الخاصة, أي أن تكون الحقيقة مسيطرة عليك أفضل من أن تكون عاطفة معينة مسيطرة عليك.