الأحافير والأثريات التي تقدَّم كدليل على الفرضيات العلمية أو
التاريخية التي يراد إثباتها، هي في الحقيقة ليست دليلا علميا كافيا, لأنه لا
يمكن التحقق منها, فتزوير الأحافير والاثريات أصبح صنعة متطورة، ويمكن صنعها بشكل يتماشى
مع الشروط التي يريدها العلماء لتصديقها. الدليل الحقيقي هو الدليل الذي لا يمكن
تزويره, فالأحافير والأثريات مثلها مثل التصوير أو التسجيل الصوتي؛ لا تُقبل في
المحاكم لأنها يمكن تزويرها, فكل الأحافير والأثريات إذن ليست أدلة علمية كافية.
المشكلة أن هذه الأحافير التي يقدمونها يخالفون بها المنطق والواقع, وهذا
يزيد الطين بلة، مثل أن أصل الحوت عجل، أو أن الإنسان أصله مشترك مع قرد (أي قرد
في الأخير) ، مع أن الواقع أن الإنسان إنسان والقرد قرد, فعقل الانسان مختلف عن
عقل القرد والحيوان بشكل عام ، فالقرد أقرب للقوارض من الإنسان، فهو يشبهها من
ناحية سرعة الحركة واستعمال الاسنان والبيئة المناخية وتسلق الاشجار ونوعية الغذاء
إلخ ..
الحقائق الثابتة والواقعية لا يمكن أن تُنسف بأحفورة لا يمكن إثبات عدم
تزويرها, لأنه يمكن صنعها، و كل ما يمكن صنعه لا يمكن اعتباره دليلا علميا قطعيا.
فكل الأحافير في المتاحف ليست أدلة قطعية، بل فقط يستأنس بها. أما الدليل المعتبر فهو
دليل المنطق والواقع والتجربة، لأن المنطق لا يمكن تزويره, لهذا جاليليو نجحت
نظريته لأنه قدم تفسيرا أكثر منطقية لحركة الأرض والشمس - مع أنها ليست نظريته في
الأصل-.
كل حقيقة هي مستندة على المنطق وتقف بين يدي المنطق. الحقيقة كجوهرة في
عقد المنطق. الحقيقة لا تأتي لوحدها دون ارتباط بالمنطق. الحق عليه نور وأدلته
كلها حوله، أو على الأقل ليست ضده. الأدلة المنطقية هي التي تقنع الناس وتفهمهم,
أما أدلة الأحافير فهي فقط تتطلب ثقة, ثقة في أن ذلك الباحث نزيه وغير منحاز ، وأن
الحفار لم يكن قصده التكسب، وأيضا أن طرقه في الاختبارات علمية وغير قابلة
للتشكيك, فالتصديق بنظرية علمية بناء على أحافير ومتحجرات هو ثقة بالباحثين وليس عن
اقتناع حقيقي.
الحق عليه نور ولا يتعارض مع المنطق, فمن شروط الحقيقة أنها لا تخالف
المنطق، فهي تحتاج المنطق والمنطق يحتاجها، ولأن المنطق علم ثابت ، ولا يستطيع أي
علم أن يُسقط المنطق، لأنه قائم عليه أصلا . ولا يجتمع علمان ثابتان متناقضان.
الكهرباء مثلا لم يمكن الاستدلال عليها بالمنطق وحده، لكن أمكن إثبات وجودها
بالتجربة المتكررة والمشاهدة بما لم يخالف المنطق، بل اعتمد عليه, و بالتالي أمكن
قياس الكهرباء والاستفادة منها ومعرفة ظواهرها التي كلها منطقية وعلى اساسها يعمل
الفنيون والكهربائيون في صنع الشبكات الكهربائية.
كذلك الدليل لا يمكن أن يُعتمَد إذا خالفَ ما هو أثبت منه, فكون الحوت
كان عبارة عن عجل، فالذي أثبت من هذا الكلام أن الحوت كائن بحري موجود ، والعجل
كائن بري، وشتان بينهما حتى يقال أن أحدهما تحول للثاني!
كذلك الديانات لا تُثبت بالأحافير والآثار, وإلا لأصبح أصحاب كل دين يزوّرون
، وصاحب الأقوى قدرة مالية وإعلامية وفنية سيثبت دينه أكثر, وقد يأتي من يقول أنه
وجد ألواح موسى ويكتب فيها ما شاء ويحرِف البشرية معه. كل ما في الأمر أن تُعرض
على مجموعة أجهزة تقيس الاملاح والكربون وما الى ذلك، وتحاليل تثبت قدم هذه
الصخور، وتبدأ بعد ذلك الآراء النظرية على الأكثرية، كما هي حال اللجان، ويقال ثبت
بالعلم، وانتهى الامر ! بحجة أن علماء الآُثار لم يجدوا عليها آثار تزوير! هذا مع
العلم ان كل مادة ومعادن وصخور على الارض قديمة أصلا ! أو يأتي من يكتب مخطوطة
مزورة للقرآن يحرّف فيها القرآن ويقبلها علماء الآُثار, وبهذا سيكون علماء الآُثار
يتحكمون بمصير البشر وتاريخ البشر وتاريخ الطبيعة وتاريخ الكون والفكر والعلم ! ويستطيعون
أن يغيروا متى شاءوا كلامهم السابق بمجرد أن يجدوا قطعة جديدة !
إذا كان المزوّر حاذقا في عمله ولم يخطئ، فكيف نعرف أنها ليست ألواح موسى
مثلا ؟ أو أنها زعنفة الثور اثناء تحوله الى حوت؟ لا تنس أنه سيُقسم أنه صادق وغير
مزور .
كل التزويرات الاحفورية عُرفت بسبب أخطاء عند المُنتج، وانتبه لها شخص
واحد من بين عشرات العلماء الذين قبلوها لسنين وعقود كما حصل في إنسان بلتدوان
المزور الذي نيلت بسببه 500 درجة دكتوراه لمدة 40 عام، وعلى أسس علمية كما يقولون
! انظر الى حجر سليمان مثلا، اذ قبله العلماء في البداية، وأعلنوا للصحف أنه
حقيقي، ولولا شك احد العلماء لاستمر على انه حقيقة و بنيت عليه امور كثيرة ، فقد
استـُغرب وجود اصداف بحرية على سطح هذا الصخر، وان خامته ليست من منطقة القدس، و في
الأخير تم كشف شقة المزور و وجدوا ادوات تزوير واحافير جديدة معدّة، مع العلم انه
باع قطعا اخرى على متاحف عالمية ولم تكتشف بعد.
وما اكثر التحف والاحافير المزورة، لأنها صنعة غير مكلفة ماديا ومربحة
جدا، تضاف إلى المهن الغير قانونية المربحة، كتجارة المخدرات وأيضا تجارة الاثريات
والاحافير ..
يعترف العلماء بصعوبة كشف التزوير في الاثريات والاحافير . وبالتالي كل
ما لم يستطيعوا كشفه سيعتبرونه حقيقة! إلى أن يأتي من يكتشف التزوير وقد لا يأتي،
وهنا يكون العلم والتاريخ على كف عفريت ! من يستطيع أن يثبت ان هذا الحفر على
الصخر مثلا جديد وليس قديم ؟
طبعا هناك شواهد اخرى يستعين بها العلماء ، لكن يظل الموضوع في اطار
الاستنتاجات والمجهودات الشخصية في الكشف . ومجهوداتهم تشبه مجهودات ضابط الشرطة
في كشف تزوير قضية أو جريمة ، قد ينجحون او لا، لأن هناك جرائم لم يستطعوا كشف
فاعلها، اذن هو مجهود ادبي وليس علمي ، اذا قسمنا المعرفة الى نوعين ..
ليس هناك وسائل علمية مضمونة في اكتشاف التزوير ، وهذا يعترف به العلماء،
اذن ما لا يمكن علميا التأكد من التزوير فيه لا يصلح أن يقوم دليلا علميا . بل
للإستشهاد والاستئناس او الدعاية فقط. لهذا الداروينيون يكثرون من اكتشاف الاحافير
وعظام الديناصورات بالآلاف على سبيل (الكثرة تغلب الشجاعة). لكن العقل الشجاع
يستطيع ان يهزم الكثرة، أو على الاقل يحافظ على وجوده ولا تجرفه معها.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق