الخميس، 16 أبريل 2015

الاحتراز الزائد يقطع المعروف


قد تجد أحد الجيران يقول لك – مثلا - : أبعد سيارتك عن بيتي، ما الذي يضمن أنها لن تسبب لي مشكلة ؟ أو تجد أحدا ملقى في الطريق بسبب تعرضه لحادث سير، تريد أن تقوم بمساعدته لكن تخاف أن تتهم بقتله! وبالتالي يصبح الخوف والحذر يقطعان طريق الخير، والإسلام يأمر بالخير. اذن لا بد أن تتوكل على الله وتتحمل، لكي تفعل خيرا لا بد لك من أن تتوكل على الله وإلا فلن تستطيع، فلا مروءة بلا صبر، مع الأخذ بالأسباب والحيطة . لكن الحيطة اذا زادت عن حدها قطعت عمل الخير وأفسدت الأخلاق، بل وتؤدي أحيانا إلى سوء الظن والظلم .

التخويف الزائد من أسلحة الشيطان (ذلكم الشيطان يخوف اولياءه) ، يخوفهم من الأخطار المحتملة والخسائر كلما هموا بفعل خير, ويتحجج لهم بأن الخير كثير، وهذا غير صحيح، فهناك خير واجب، وهناك خير غير واجب، تبعا للظروف والأولويات والاستطاعة، فمن رأى مثلا طفلا يغرق وهو يستطيع أن ينقذه، ليس من الأخلاق أن يقول : أتركه يموت وأذهب لأتصدّق على فقير لأن الخير كثير !  

مع الاحتراز الزائد سوف تتسائل : ماذا سأستفيد؟ ما الذي يضمن لي أن أولئك الجالسون في ذاك المكان القريب من بيتي ليست لديهم أمور محظورة ؟ ثم يذهب و يؤذي جيرانه و يشكوهم و قد يحضر لهم السلطات فلا يجدون شيئا مما ظنّه، و في الأخير يصبح ظالما ومكروها، بسبب الاحتراز الدنيوي العلماني، لأن الإيمان ثقة, فأصبح ظالما وقطع المعروف، بدل أن يعرض عليهم المساعدة إن كانوا يحتاجون شيئا. وما البخل الا خوف، والجبن خوف، وقلة المروءة خوف، والظنون السيئة بالناس خوف، الخ.. (ذلكم الشيطان يخوّف اولياءه) ..

كلما تجاوز الاحتراز حده كلما انقطع المعروف والأخلاق، فالاحتراز عدو الاخلاق وبينهما ضدية، تريد ان تساعد أحدا لكن الاحتراز يمنعك. يقول المتنبي :
يرى الجبناءُ ان الجبنَ عقلٌ .. وتلك خديعةُ الطبع اللئيمِ ..

المعروف لا ينقطع إلا بسبب الحذر الزائد على المصالح، لذلك يحتاج المؤمن الى التوكل على الله لكي يعمل الخيرات، يجب أن يكون الحذر في المرتبة الثانية وليست الأولى، وإلا فلن تعمل خيرا، لأن الاحتراز لا حد له, وهو مبني على شكوك، والشكوك لا تنتهي .

الاحتراز لا يكفيه أن يقطع المعروف فقط، بل إذا زاد يدفع لفعل الشر والأخذ بالظن السيء دون تثبت، وهذا ما يسمونه الحيطة الكاملة والعقل الكامل والتثبت الكامل، بينما هو ليس كذلك حقيقة، بل يؤدي الى أعمال ابعد ما تكون عن العقلانية تبعا لشكوك مريضة، وكثيرا ما يندمون بسبب هذا، فالظن لا يغني من الحق شيئا ..

الله أمر بالتثبت، والتثبت لا يعني التحرز المَرضيّ المؤدي للوسواس، والوسواس عدو الاحساس ولا يحترمه أبدا، مثل حالة مرضى الوسواس القهري، فهم لا يحترمون إحساسهم ويتشككون في اشياء فعلوها ، ويطالبون انفسهم بأدلة فيقولون : نذهب نعيدها لنكون أكثر احترازا، وهكذا قد يغسل يده بالصابون عشرين مرة ، أو يعيد صلاته أو وضوءه أكثر من مرة ، أو يتأكد من غلق ابواب المنزل اكثر من مرة , بسبب عدم الثقة بالإحساس .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق