الجمعة، 7 يوليو 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 7


(الدقيقة : 13 الثانية : 25) يذكر الدكتور أن داروين شبه نفسه بالآلة أثناء بحوثه ودراساته، اذ تدخل المعلومات فيها ويتم معالجتها وتخرج بالنتائج.

الرد : من الصفات الأساسية للآلة أنها مبرمجة سلفا لقصد معين، وإذا صدق داروين في تشبيه نفسه بالآلة فهذا يعني أنه أثبت على نفسه أنه كان مُبرمجا، يريد إثبات التطور بأي شكل، وليس باحثا علميا نزيها يرى الادلة والدراسات ويمشي معها حيث ذهبت.

(الدقيقة : 18 الثانية : 33 ) يتكلم الدكتور (هنا و في فقرات سابقة) عن بعض أخطاء داروين مثل أخطاؤه الإملائية و ضعفه في اللغة، ويرى أن هذا بسبب الإنشغال بالعلم، كذلك عن بطء عقل داروين ولكنه بنفس الوقت عميق، وبأنه فقد إيمانه بالتدريج وعلى مدى سنين وليس كما يفعل ملاحدة العرب اليوم كأن يلحد بمجرد نقد لآية أو يلحد في أسبوع أو في شهر.

الرد : لم أرَ إنسانا يُمدح بأخطائه مثل داروين, ولا مثل ما يفعله الدكتور معه! ولم أكن أعرف أن هذه العيوب يمدح بها أحد إلا داروين : (أخطاء إملائية - ضعف لغة - ضعف تذوق أدبي نهائي - عدم معرفة بالموسيقى ولا حتى السلام الوطني - بلادة وبرود – ضعف في البديهة و في الحوار) كل هذا بسبب العلم ؟ العلم يسبب امراضا اذن ! و فوق هذا إلحادُ يُمدح عليه لأنه أُخرِج بالتدريج وليس جاء بالتدريج كما يعتقد الدكتور ، لأنه ليس له ابحاث في هذا الموضوع تدل على انه جاء بالتدريج. نظرا لظروفه، حتى أنه لم يعلنه إلا بعد أن ماتت ابنته ! وهو من الشخصيات المداجية للمجتمع ويكره المصادمة لذلك لم يخرج الحاده بشكل واضح وسليم. إن هذا من أعجب ما رأيت في حياتي! و الأعجب من هذا أن الدكتور يدعي له أن يدخل الجنة بحجة أنه لا يدري! مع أنه كان يدري بوجود إله ثم تخلى عنه ! أي شيء يفعله داروين يُمدح وأي شيء يتركه يُمدح ! حتى كفره بعد إيمان! وأكثر الحلقات مدح في مدح. لماذا كل هذا مع أنه لم يقدّم علما بل نظرية ؟ أي لم يزد على العلم ولا شيئا حقيقيا, والنظرية ليست منه أصلا! والتطور حسب مؤلف كتاب "داروين مترددا" ديفيد كوامن الذي ذكره الدكتور يستطيع طالب الدكتوراه أن ينالها دون ان يقرأ حتى لكتاب اصل الانواع لداروين، فلماذا كل هذه العظمة والفكرة موجودة من قبله ومن بعده ؟

(الدقيقة : 24 الثانية : 12) يذكر الدكتور أن علم الأحياء لم يكن يسلك المسلك الطبيعي (مسلك السبب والنتيجة) وإنما كان مسلكاً وعظيا، حيث أن رجال الدين الذين يعظون في أيام الآحاد في الكنائس، كانوا في الغالب علماء أحياء، ويستخدمون معلوماتهم في الأحياء في التدليل على تصميم الله وقدرته، ولهذا كان المسلك الطبيعي (مسلك النتيجة والسبب) مسلكا غريبا في ذلك الوقت.

الرد : هذا الكلام غير صحيح, كثير من علماء الأحياء كانوا قبل داروين, و هم الذين يدرسون على منهج علمي وليس داروين، لأن منهجهم وصفي, والمنهج العلمي كان موجودا قبل داروين وهو ينطبق على الأحياء وغيرها. كيف يقول الدكتور أن البحث في السبب هو نزعة غريبة؟ أين فرانسيس بيكون ومنهجه التجريبي؟ أين علماء الأحياء وعلماء الطبيعة؟ من يسمع هذا الكلام يتصور أنه لم يكن هناك منهج علمي وأن داروين هو من سار على المنهج العلمي وأن من قبله كانوا متخلفين ويقولون أن الله يخلق وكفى دون أن يبحثوا في أسباب الظواهر، ولأنهم يؤمنون بالله لم تكن لهم بحوث وتجارب ! هذه أوهام الملاحدة ومع الأسف أن الدكتور يرددها, و هي فهم صبياني يتّهم به الملحد المؤمنين عندما يقول أنكم تؤمنون أن الله خلق وهذا يجعلكم لا تفكرون في شيء ! مع أن الكلام نفسه يُوجَّه للملحد, فالملحد يؤمن بالصدف والعشوائية، إذن عليه الا يبحث عن شيء إذ كلها صدف! والصدف لا تتكرر! ما دامت الصدف هي التي تفعل، فماذا نستفيد من البحث في سبب حصول شيء؟ صدفة أخرى ستأتي وتغيره!

منهج داروين منهج تفسيري لما كان وما سيكون, والمنهج التفسيري نظري ولا يمكن أن يكون علميا, لهذا تسمى نظرية إلى الآن وإلى الأبد ستبقى كذلك. كان قبل داروين باستير مكتشف الجراثيم و جريجور مندل والكثير من العلماء الأفذاذ الوصفيين التجريبيين الذين أضاءوا للبشرية, اي ان المنهج العلمي كان موجودا قبل داروين وهو من كسره، و لم يضئ داروين لأحد لكنه يُضاء, تماما مثلما يُضيء عليه الدكتور بمدائحه المتواصلة, لأنه لم يقدم أي إضاءة جديدة مفيدة، فضلا عن أن النظرية ليست نظريته أًصلا, وهذا نص لإخوان الصفا يذكر أكثر ما دار حوله وهو قبل داروين بمئات السنين:

" ثمّ اعلم يا أخي بأن النبات متقدم الكون و الوجود على الحيوان بالزمان , لأنّه مادة لها … و هو كالوالدة للحيوان … و ذلك أنّه يمتص رطوبات الماء و لطائف أجزاء الأرض بعروقه إلى أصوله ثمّ يحيلها إلى ذاته , و يجعل من فضائل تلك المواد ورقاً و ثماراً و حبوباً … و يتناول الحيوان غذاءً صافياً هنيئاً مريئاً كما تفعل الوالدة بالولد . ثمّ اعلم يا أخي , أيدك الله و إيانا بروح منه , بأن الحيوان ما هو تام الخلقة كامل الصورة كالتي تنزو و تحبل و ترضع , و منها هو ناقص الخلقة كالتي تتكون من العفونات و منها ما هو بين ذلك كالحشرات و الهوام بين ذلك , التي تنفذ و تبيض و تحضن و تربي . ثمّ أعلم بأن الحيوانات الناقصة الخلقة متقدمة الوجود على التامة الخلقة بالزمان في بدء الخلق . و نقول أيضاً أن حيوان الماء وجوده قبل وجود حيوان البر بزمان , لأن الماء قبل التراب , و البحر قبل البر في بدء الخلق . و اعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة كلها كان بدء كونها من الطين أولاً , من ذكر و أنثى توالدت و تناسلت و انتشرت في الأرض … من تحت خط الاستواء حيث يكون الليل و النّهار متساويين و الزمان أبداً معتدلاً هناك بين الحرّ و البرد و المواد المتهيئة لقبول الصورة موجودة دائماً . و هناك أيضاً تكون أبونا آدم أبو البشر و زوجته , ثمّ توالدا و تناسلت أولادهما و امتلأت الأرض منهم سهلاً و جبلاً و براً و بحراً إلى يومنا هذا " .

في هذا النص نجد نظرية داروين نفسها، في ترتيب التطور وكلامهم عن الجراثيم (العفونات) وأنها هي الأصل للحياة، وأن اصل الحياة خرج من البحر (الماء) و في خط الاستواء، كأننا نقرأ لنظرية داروين الحديثة !

و رحلة داروين ذات الخمس سنوات لا قيمة حقيقية لها، لأنها لم تقدم أي شيء مفيد فعلا سوى بعض الملاحظات، كملاحظاته على بعض الطيور التي لم يذكر حتى في أي الجزر تسكن, و وجد قواقع في عرض الجبل وصوّر لنا منظرا دراماتيكيا لزلزال سبّب ارتفاع الأرض بضعة أمتار, ولا اظن ان احدا رأى مثل هذا الزلزال العجيب الا هو ! هذا يشبه قصص ماركو بولو عن العجائب التي رآها في رحلاته، و وجد بعض الأحافير, هذه مشاهدات سائح وليست مشاهدات عالِم. يراد أن يُصنع لداروين قيمة بل أكبر قيمة, لكن هيهات.

ثم : هل علماء الخنافس والمواعظ كما يصفهم الدكتور لم يقدّموا أسبابا ولا علوما؟ كيف يصنفون كعلماء و هم لم يدرسوا الأسباب؟ وجود سبب أول لا يعني عدم وجود الأسباب الفرعية, وهذه بديهية يعرفها حتى الأطفال, أما عدم وجود سبب أصلا فهذا يعني ضياع الأسباب كلها بل ضياع العقل, وهذا ما يقوله الملحد فهو لا يجعل سببا للوجود كله ويقول : جاء كل شيء من اللاشيء, فإذا كان الوجود كله قادم من لا شيء فمن باب أولى ألا يبحث العقل من أين جاءت هذه القطعة أو ذلك الشيء, لأن الأصل كله جاء من لا شيء ! وهذا الذي جاء به داروين وليس المنهج العلمي كما يتصور أتباعه والمعجبون جدا به, فداروين غير مؤمن, أي يؤمن أن الكون جاء من لا شيء، وما ضاع أصله فطبيعي أن تضيع فروعه, وهذا يُميت البحث العلمي، لهذا كثرت الخرافة والنظريات بسبب انتشار هذا المذهب المادي الملحد الذي يسمّيه بالطبيعي.

إن العكس هو الصحيح, العلم منذ أن استلمه الملاحدة بدأ بالانحراف عن مساره تبعا لهواجسهم وتدينهم الملحد, فابتعد عن العقل وصاروا يسخرون من العقل, وما يُبعد عن العقل يبعد عن الحقيقة والواقع, لهذا صارت كل معطياتهم نظريات، بل وتُفضَّل على العلم والتجريب, ماذا بعد هذا؟ العلم قبله - وبعده في بعض الجوانب - كان يسير على الطريق الصحيح, وهو دراسة الظواهر كما هي ويُستفاد من نتائجها, وهذا ما ينفع الناس وهو الذي مكث في الأرض. كل من يقرّ بهذه النظرية هو واحد من اثنين: إما ملحد تخدمه النظرية, أو متقزّم يرى عمالقة بسبب الإعلام ويفرح إذا استطاع أن يعيد كلامهم.

وإذا كان عند المؤمن الإيمان بالله فالملحد عنده الصدفة أيضا, والصدفة لا تُحسب سببا طبيعيا! لو أنصف الدكتور لقال أن العلوم في رحاب الدين منذ الخليقة, وليست في رحاب العلمانيين والجشعين والماديين, لأن الدين هو الذي ينقل الإنسان عن مستواه الضيق ويربط الميتافيزيقا بالواقع, أما الدنيوي فلا يهمه إلا الحياة التي هو فيها من خلال الصراع والتنافس, وبالتالي فنظرة العلماني والملحد هي إلى : كيف أعيش أفضل وكيف أكسب أكثر وكيف أصارع أعدائي.. وهكذا. لهذا ليس غريبا أن تكون الكتب والكتابة والقراءة في البيئات الدينية, والتاريخ يشهد بذلك, فالأسواق لم تكن فيها كتب, لكن الأديرة والكنائس والمساجد والمعابد والمدارس هي التي وجدت فيها الكتب والعلم.

عجيب أن يكون هذا الوصف المحتقِر للعلماء المؤمنين من إنسان مؤمن وليس ملحد, وهذا الوصف ليس بسبب علمهم بل بسبب إيمانهم, وهنا المشكلة. من البداية وحتى هذه الحلقة لم أسمع كلمة ثناء من الدكتور في حق مؤمن, بل استهجان وتقليل شأن, بما يجعل الشخص يُوحَى إليه أن الإيمان وصمة تمنع الإنسان عن التعلم والانطلاق, وهذا الانطباع للأسف نأخذه من داعية إسلامي كبير, على الأقل في هذه الحلقات فقط.  

وكلام الدكتور أن المذهب الطبيعي هو فهم الكون من خلال أن لكل ظاهرة سبب طبيعي غير صحيح, فكل علوم البشرية قبل الفلسفة المادية كانت تقوم على السببية, لكن ما أضافه ما يسمى المذهب الطبيعي هو أنه يقول أن الكون مادة فقط ولا يوجد خالق, أي هو مذهب إلحادي في الحقيقة وليس مذهب طبيعي. وحتى العلماء المؤمنين يبحثون من خلال مسلك السبب والنتيجة، فلا يضير الإيمان إذا عرف العالِم أن المطر لا ينزل إلا بسحاب، وأن السحاب لا يأتي إلا برياح ولا يتكون الا بحرارة وتبخر، ويعلم أن هذا كله من عمل الله الخالق. فمعرفة الأسباب الصغرى لا تعيق الايمان بالسبب الكبير، بل الدين يحث على ذلك.

(الدقيقة : 26 الثانية : 52) يذكر الدكتور ملاحظات داروين عن طيور الريا في الارجنتين واستغراب داروين لماذا الريا ذات الحجم الكبير في الشمال والريا ذات الحجم الصغير في الجنوب، وأنه لا توجد ريا كبيرة في الجنوب ولا ريا صغيرة في الشمال.

الرد : لماذا يستغرب داروين هذه الاختلافات البسيطة بين الحسونيات أو بين طيور الريا وكأنه اكتشاف جديد؟ هذه الاختلافات معروفة وتجدها في كل مكان, فنجد بين الحمام في القفص الواحد اختلافات في الحجم و اللون, ولا داعي أن نسافر عبر البيغل لنشاهد هذا, وكذلك بين الخيول والذئاب وحتى بين البشر هنالك فروقات في التكوين. و كل نوع له بيئة يعيش فيها.

التفسير الأقرب أن يكون لها دور في التوازن البيئي وليست صدفة ضربتها فجعلتها بهذا الشكل وناسب ذلك بيئتها. كيف ستفسّر طبيعيا كبر حجم طيور الريا في الشمال وصغرها في الجنوب؟ كون داروين لا يستطيع أن يفسّر فهذا خلل في جوهر النظرية. البشر أنفسهم في بيئة واحدة ومختلفون, لماذا هذه الاختلافات ما دامت البيئة واحدة؟ لا يستطيع الدارويني أن يصمد لأسئلة من هذا النوع.

لو كانت البيئة هي سبب تكوين الأحياء، لكان عندنا ألف سؤال وسؤال وتناقض, لو سألتك لماذا في جزيرة العرب لا توجد أفاعي ضخمة ؟ لقلت بسبب البيئة وقلة الموارد, إذن : لماذا الجمل موجود في الصحراء وهو بهذه الضخامة؟ لو كانت البيئة هي ما صنعته كما صنعت الأفاعي أو الثعالب الصحراوية لجعلته صغير الجسم ونحيفا. وكذلك في البشر, لماذا سكان الصين أجسامهم صغيرة وسكان أفغانستان مثلا أجسامهم كبيرة وطويلة؟ لن تجد تفسيرا مُرضيا يكون تبريره عبر البيئة ومناسبة الجسم لها, إذن أين نظرية التطور لتحلّ هذا الإشكال؟ هذا ينفي فكرة الانتخاب الطبيعي من أًصلها, وبالتالي سقوط نظرية داروين ومعها داروين.    

(الدقيقة : 49 الثانية : 30) يذكر الدكتور أن البيغل اخذت مجموعة من سكان جزر أرض النار (تييرا ديل فويجو) إلى بريطانيا لتعليمهم التهذيب والأصول الانجليزية وآداب المائدة والتحية الخ، وكان من ضمنهم شخص سموه (جيمي بوتن) ، وهذا الشخص تصادق مع داروين، وفي احدى الرحلات على البيغل مروا على أرض النار ليرى داروين صديقه جيمي بوتن، ولكن داروين انصدم عندما رآه، فقد رجع بربريا همجيا ! وحينها قال داروين : "مستحيل أن يكون أمثال هؤلاء أخوة لنا" ، وقال أيضا في كتابه : " هل مثل هذه الأجناس لديها اللياقة والقدرة أن ترتقي حقا ؟ أم أنها غير قادرة على ذلك عقليا وأخلاقيا؟" ويصف الدكتور كلام داروين أن هذا من سقطاته، ويعرض الدكتور في المقابل موقف مُعاصر داروين (ألفرد راسل والاس) الذي عاش مع الهنود الحمر في نهر الامازون وإعجابه بحياتهم وكتابته قصيدة جميلة يتمنى لأولاده أن يتربوا ويكبروا كما يتربى اولاد هؤلاء الهنود ، منها أنه يتمنى لأولاده ان يكونوا "أغنياء بلا ثروة ، سعداء بغير ذهب" .

الرد : الدكتور اعتبرها سقطة اخلاقية فقط، وهي اكثر من ذلك ، بل حتى سقطة تنبؤية ، لأنه بعد داروين وانتشار التكنولوجيا والتقنية وهجر الارياف تحولت كل هذه الشعوب التي يقول انها بدائية الى المشاركة حتى في العلم والكشوف، لدرجة صعوبة وجود من يعيشون تلك الحياة التي رآها داروين، بل حتى الاسكيمو وصلتهم وسائل التقنية والتكنولوجيا، اذن تنبؤ السيد داروين العنصري الاخلاقي سقط بأن هؤلاء لا يمكن ان يكونوا اخوة لنا، و لك ان تتفرج على حسن اخلاقه من خلال هذه العنصرية المقيتة التي تصوّر انه من المستحيل ان يرتقي هؤلاء ويكونوا اخوانا للانجليز. الحقيقة انهم الآن اخوان للانجليز، وفي امريكا كمثال، حيث يعيش الهندي الاحمر مع الانجليزي والالماني والاسود الافريقي والصيني وسكان الامازون، كلهم في مجتمع واحد، وكذلك في ستراليا، يجلسون على المائدة ويتناولون طعامهم بالملعقة والشوكة كما يحب داروين ان يجسد الاخلاق بآداب المائدة الانجليزية فقط.

ألا يكفي هذا الكلام من داروين ليقول الدكتور أنه عنصري ونظريته عنصرية؟ لماذا لم يقل أنه عنصري وقال أنها سقطة؟ لكن الأشِياء الحسنة لا يقول الدكتور عنها أنها جاءت عارضة عنده بل ينسبها إليه، بينما وصف الدكتور بعض معارضيه بالعنصرية مباشرة، أما عنصرية داروين المتكررة في كتابه فليست عنصرية، بل سقطة.

هذه ليست سقطة، هذه منهجية, وأجرى تجاربه في اثبات العنصرية عندما اخذ هذه الشريحة من أشباه البشر هؤلاء كما يراهم ويصفهم، وجعلهم يحتكون بالمجتمعات الراقية في نظره، وأجلسهم على المائدة الانجليزية ذات الشماغ الأحمر، لكنه عاد إلى صاحبه فيما بعد و وجده رجع للبدائية مرة اخرى، كأنه نسي ان الانسان ابن بيئته ومجتمعه، و كونه يختلف عنهم في عاداتهم وتقاليدهم يثير السخرية به والتهكم، هذا غير الادوات : من أين له ان يحضر سكينا وشوكة وملعقة وطاولة وكرسي في الغابة وأناسا يتحدثون الانجليزية؟

إن فكرة التطور عنصرية, وهي من أسباب احتقار السود, وهذا داروين "المهذب والمؤدب جدا" كما يقول الدكتور يمارس العنصرية بأبشع صورها, بل يشكك بإمكانية ان يتطوروا او يتعلموا يوما من الايام، والواقع افسد هذه النظرية كما افسد العلم فكرته عن الكولاكنث. والسبب أنهم يستعمرون أرضهم ويريدونهم أن يتصرفوا مثلهم ! لم تمر فكرة الكرامة و رفض الأجنبي المحتل في بال داروين. الحقيقة أن قلة الأدب هي ما يتكلم به داروين نفسه وليست منه, والسبب أنه رجع لعاداته التي تعوّدها ولم يقبل ما أعطوه الإنجليز. هل نسي أن الإنجليز غزاة ومتعدون على أرضهم؟ وتقليدهم يسبب وصمة عار وخيانة للوطن ؟

لكن السؤال هو : لماذا لم يفكر داروين هكذا؟ لأنه ينطلق من روح إنجليزية عنصرية إمبريالية. إذن داروين عبارة عن ملحد عنصري, إضافة إلى عيوبه الأخرى, و دعك من كلمة "سقطة" لرجل فاضل ونزيه, هذا تعذير لا قيمة له، لأنه انكشف, فيجب أن تسمى "كشفة" وليست "سقطة". التعامل الحسن والأسلوب المهذب الذي مدح الدكتور داروين به حقٌّ فقط للإنجليز والأوروبيين المتطورين – بل و ليس لعامتهم بل لخاصتهم، لأنه لا يردّ على العوام ولا يتحاور معهم، وهذا دليل على تفكيره الطبقي المتكبر، إضافة إلى عنصريته، إذن داروين عنصري وطبقي، ولتكن السقطة سقطتان- أما هؤلاء فلا يستحقون إلا هذه الأوصاف القذرة! وما هذه النظرية إلا لدعم الاستعمار والإمبريالية أصلا والتبرير لها، لأنها ظهرت في زمن الاستعمار لتبرره ولتعطيهم حقاً أو شبه حق في السيطرة على الشعوب الضعيفة وإذلالها ونهب خيراتها بحجة البقاء للأفضل وبحجة عدم قدرة تلك الشعوب على التعلم لأسباب بيولوجية تطورية كما يثبت داروين من خلال تجربته العنصرية, والتي على أساسها باعوا فلسطين لليهود. النظرة العنصرية الغربية لا حيلة معها, لأنها ترى أعمالهم ولا ترى أعمالها, إذا دافع فردٌ عن نفسه أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، بينما هم يحتلونهم ويسرقون خيراتهم ولا ينظرون لهذا, فلا حيلة مع العنصرية. والعنصرية مرض غربيّ بشكل عام, فأول عيوب الغرب هي العنصرية, فما بالك بزمن داروين, لهذا يبحثون عن تأصيل علمي لها و جاءهم الفرج مع داروين.

موقف داروين من سكان (تييرا ديل فويغو) يثبت أرستوقراطيته وعنصريته, أي أنه إنسان غير خيّر, بينما ألفرد راسل والاس إنسان خيّر وأعجب بحياة الهنود الحمر عندما عاش معهم في نهر الامازون, والناس سوف ينقسمون بنفس هذا الانقسام عندما يرون الشعوب الفقيرة, فالناس الطيبون سوف يعجبون بالبراءة والطيبة, والأِشرار سيتصورونهم ضعفاء وحقيرين وأغبياء وغير قابلين للتطور, و كلاهما ذهب لنفس المكان. المفترض ان يُمتدح والاس ويشنّع ويُعاب على داروين من باب العدل. أبعد هذا يكيل الدكتور المديح لداروين والثناء على أخلاقه وشخصيته؟ ألا يشعر الدكتور بوجود تناقض؟ أم أن كل شيء في موضعه؟

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق