الأحد، 19 أكتوبر 2014

زمام المبادرة بيد من يشعر بالتفوق


عقولنا متعودة على الدفاع أكثر من الهجوم, ومتعودة على أن تقول نعم أكثر من لا, و كثيرا ما نندم لماذا وافقنا على شيء ما مع أننا لا نريد, و السبب هو المبادرة مع من تكون. لهذا علينا أن نتعود امتلاك زمام المبادرة و لا نكون في وضعية الدفاع دائما, والمبادرة الناجحة تحتاج إلى استعداد مسبق.

في الحوار مع المخالف مثل حوارك مع ملحد بدلا من أن تدافع عن دينك وأفكارك عليك أن تحول هجومه إلى دفاع, و هذا بحد ذاته انتصار وإن لم تنتهي المعركة بعد, لكن كونك تدافع عن نفسك فقط فهذا يعطي انطباع أن مهاجمك كامل, فلو يتهمك أحد أنك سارق مثلا وتنشغل بإثبات أنك لست سارق ستجعله يبدو أنه لا يمكن أن يسرق أبدا, بالرغم من أنه ربما يكون هو السارق! هكذا هي العقلية السائدة أن المتّهِم غير متهَم, مثلما فعل الصحابي حذيفة بن اليمان الذي كان جاسوسا للمسلمين في جيش أبي سفيان, و حين أمر أبو سفيان أفراد جيشه بأن يتأكد كلٌّ ممن بجانبه حتى لا يكون بينهم جاسوسا بادر حذيفة بسؤال من بجانبه عن أسمائهم, فانشغلوا بالدفاع عن أنفسهم و تركوه! لأنه ملك زمام المبادرة.

المدافع دائما في وضعية الضعيف مهما كانت جودة دفاعه, و لا تنشغل بالدفاع إلا بعد أن تنتهي من الهجوم على المهاجم. أفضل أحوال ذلك الهجوم هو الأسئلة التي يعجز عن إجابتها ويتهرب عنها, و هذا انتصار في الحوار, الخطوة الأولى هي تحويل وضعيته من هجوم إلى دفاع, الخطوة الثانية أن يُقصَف بالأسئلة ولا يستطيع الرد عليها بذاتها كما يجب, لأنها تكشف تناقضا, ووجود تناقض يعني أن أساسه لم يكن قويا كما تصور فينسحب عن الهجوم ويترك زمام المبادرة, وأجود الأسئلة ما كان مبنيا على طرحه. و اكتمال الانتصار هو بتقديم الأفضل وهو الدفاع المفصل عودا على بدء بعد تحويله للدفاع وكشف تناقضه.     

الناس متعودون أن من ينتقدهم بشيء هذا يعني أنه الأبعد عنه, وكأنها أحسن طريقة لإخفاء العيوب على طريقة "رمتني بدائها و انسلت". لهذا يجب أن يكون عندك استعداد للهجوم على من يهاجمك قبل أن يهاجمك, ولهذا قلنا أنه يجب أن تكتشف عيوب الآخرين و نواقصهم قبل ميزاتهم التي أيضا يجب أن تعرفها, ليس لأجل أن تذلهم بعيوبهم بل لأجل ألا تذوب أمامهم و تشعر أنك لا شيء, ومن أجل أنه إذا هاجموك تكون مستعدا للهجوم بدلا من الاكتفاء بالدفاع. وهذا معنى عزة المؤمن, لأنه يعتمد على الحق, قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون}.

من ينظر لميزات الآخرين فقط سيشعر بالانكسار أمامهم و قد يصاب بالرهاب الاجتماعي, لأنه يعرف عيوب نفسه لكنه لا يرى في الآخرين إلا ميزاتهم لهذا لن يستطيع أن يقول أنهم هم جيدين وهو جيد أيضا بل هم كاملون وهو مليء بالعيوب.

دائما زمام المبادرة بيد من يشعر بالتفوق, سواء كان تفوقا حقيقا أو متوهما, وأي أحد يكون في موقف قوة فذلك بسبب الحق, سواء كان حقا حقيقيا أو حقا متوهَّما, والمهاجم في موقف قوة لهذا من يهاجم أفكار الآخرين و لا أحد يضعه في موضع الدفاع سيظن الناس أنه الأقوى, لكن من يحوله للدفاع سيكشف ضعفه, و الحق الحقيقي يستطيع أن يدمغ الحق المتوهَّم ويحوله إلى باطل.  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق