الاثنين، 10 ديسمبر 2012

حوار في موضوع : تأمل في آية وهديناه النجدين ، في منتدى اللادينيين العرب ..


غاوي حكمة :


أنا أيضا أريد التأمل بعمق ، فماذا يقصد الله ب (هديناه) هل يقصد أن الله يهدي ويرشد وبالتالي تكون حرية الاختيار ناقصة ، أم يقصد أن الله يقدم هدية وعطية للإنسان وهي الحرية ؟



الرد : 

الثانية ..

 
غاوي حكمة : 

وما الفرق بين النجدين والخير والشر ؟ هل الخير والشر يختلف عن طريق الخير وطريق الشر ؟



هما نفس الشيء ، فالنجدان هما الخير والشر ..


غاوي حكمة : 

 هل الله خلق الشر ؟ هل يصلح الشر كعطية (كتأبط شراً) وهل يصلح أن يرشد الله أي إنسان إلي الشر ؟



هذا السؤال ليس في محله في ظل وجود الاختيار .. لا يكون السؤال : هل خلق الله الشر ؟ مجديا .. لأن كلمة "خلق الله الشر" تعني انه خلقه و وضعه وألزم به ، وهذا غير الواقع .. فالإنسان مخير بين الخير و الشر ، ولو اراد الناس لما وجد اي شر .. أي ممكن الاستغناء عن الشر و تسير الحياة ، لكن لا يمكن الاستغناء عن الخير . وهذا عكس تفكير الفلسفة المادية التي ترى ان الشر هو الاساس في تسيير الحياة ، و هي لا تنص على كلمة "شر" ، لكنها تنص على اسبابها ،


غاوي حكمة : 

 هل مخالفة أوامر ديانة معينة هو الشر ؟ هل أكل لحم الخنزير شر في الإسلام وخير في المسيحية (مجرد مثال)



الخير و الشر اهداف ، و ليست مجرد جزئيات ، لكن الجزئيات لها علاقة بالاهداف ، فاذا كانت تلك الاوامر فيها خير فمخالفتها تعني الشر ؛ لأن الديانات في الاساس مبنية على الخير ، لكنها قد تُحرف عن مسارها و تستعمل للشر في بعض الاحيان .. فعدم اكل لحم الخنزير بحد ذاته ليس شرا ، و أكله ليس خيرا ، المسألة مسألة طاعة لله و صبر على اوامره ، والله هو مصدر الخير ، سواء تبينت الحكمة او لم تتبين ، ما دام ان الامر ليس فيه شر في كلا الحالين .. لكن اذا كان هناك أمر ما ينسب للإسلام او غيره وهو ينص على الشر ، و ينسب لله او رسوله او لاجتهاد ، فهنا يجب اعادة النظر ، لأن اساس الدين هو الخير .. فالأمر قادم من مصدر الخير – اذا لم يحمل شرا يناقض امره بالخير – يُقبل حباً في مصدر الخير . مثل رمي الجمرات في الحج مثلا ، فالرمي بحد ذاته لا يصنف كخير او شر ، لكن رمزيته تدل على كراهية الشيطان الذي هو مصدر الشر ، و طاعة للرحمن الذي هو مصدر الخير ..  وهذا ينطبق على الكثير من الطقوس التعبدية ..


غاوي حكمة : 

 هل كان الله واضحاً في الطريقين ؟
أنا أيضاً أريد التأمل بعمق ، ولا أفهم انتشار كلمة قبلي هذه واحتاج إلي التأمل فيها فهل تقصد قبل تجريبي ككانط أم تقصد قبل مادي علي أساس أن الله أخذ من صلب آدم ذريته وأشهدهم علي أنفسهم أنه الحق ، ماذا تقصد بالقبلي ؟
لك مني كل الحب



المهم في الأمر انه اختيار قبلي حر ، ولاحظ كلمة "حر" ، لكن متى وكيف ولماذا ، فهذه اسئلة من الصعب تحديدها والاجابة عليها ، لانها ترجع لاختيار حر ، والاختيار الحر بين الخير والشر غير مبرر ، مع ان هذا الاختيار قابل للتغيير ، ايضا باختيار حر و ارادة حرة .. من اختار الخير فكّر بطريقة خيرة ،  و الطريقة الخيرة هي الاقرب دائما للحقيقة ، والاقرب دائما للحقيقة هو الابعد عن التطرف و الخطأ والجنون .



اختيار طريق الشر يعني اختيار غير الموجود ، لان الشر ليس وجود أو كيان ، إنما هو تخريب للموجود ، قال تعالى ( الذين يقطعون ما امر الله به ان يوصل و يفسدون في الارض) ، والافساد معروف انه تخريب شيء صالح ، والتخريب نفسه ليس له وجود أو كيان ، فإذا قطعت الحبل من منتصفه ، فالموجود هو قطعتي حبل فقط ، لكن القطع نفسه غير موجود ، و هذا  هو الشر : عبارة عن شيء غير موجود يـُفسد الموجود او ما يمكن ان يكون موجود من صلة .. و  هذا يدل على ان الشر وافد على الطبيعة و ليس منها ، بدليل عدم وجوده الا في الانسان ، مما يثبت وجود الشيطان ، و هذا يسقط نظرية التطور من جذورها ، لأن نية الشر غير موجودة عند الحيوان .. فالحيوان هو مرجعهم في معرفة الإنسان من خلال مراحل تطوره و انفصاله عن الحيوان . فالاسد لا يقتل القطيع بل يأخذ فريسة واحدة تكفي المجموعة ، و تأتي بعدهم الضباع والنسور والحشرات والديدان والبكتريا ، و بقية القطيع تتجول .. اذن لا شر في الطبيعة ، لأن الله خلق السموات والارض بالحق ، والحق ضد الشر الذي هو الباطل .



ولا يكون الشر شرا الا بنية الشر .. وإلا فهو خطأ من الأخطاء ، فمن يقتل بالخطأ دون تفريط لم يفعل اي شر ، مع انه يتّم عائلة ، و من نوى ان يقتل بريئا حتى لو لم ينفذ ، فقد تبنى فكرة شر ..



المصلحة العاجلة دائما هي سفينة الشر ، و لم يفعل احد شر الا وهو يقول : مصلحتي مصلحتي ، ولم يقل : الشر الشر .. الله يقول ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) .. ولهذا لا يحس احد أنه شرير مهما فعل من الشر ، اذن وقوعه في الشر بسبب تخليه عن الخير و ايثاره للمصلحة الخاصة ، فبدلاً ان تقول : هذا الشخص شرير ، قل : هذا شخص تخلى عن الخير ، و على قدر تخليه يكون انحداره في الشر .. وهذا لا يحدث الا بإيثار المصلحة المادية العاجلة ، اذن هي طريق الشر والخطوة الاولى الى عالم الشيطان الباطل ، عالم التمزيق وتقطيع الاواصر ، و الشيطان يقول (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) ، اي يغيروا الفطرة ، وهذا هو الشر : تغيير لخلق الله ، و لا احد يستطيع ان يغير ويبني روابط حقيقية .. اذن الشر تغيير ، مثلما قال الشيطان (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) ، ولهذا الشر في القرآن يسمى ضلالا ، و الضلال يعني اللا شيء و اللاهداية واللاوصول واللاطريق ..



كل هذه المفاهيم نستفيدها من القرآن العظيم ، ولا يمكن لأحد ان يفهم و يصل الى حقائق بدون القرآن ، ذلك الكتاب المنير الذي ينير الطريق للسالك في ظلمة الحياة .



الخير و الحقيقة شيء واحد ، و الخير جزء من الحقيقة ..  



اربط تعريف الشر هذا بفكرة الليبرالية المطلقة و التحرر المطلق على سبيل المثال لتعرف اصلها الشيطاني ، و قس عليها كل فكرة تمزيقية اساسها من الشيطان ، مثل فكرة الفردية ، وفكرة الاقتصاد الحر ، والراسمالية ..  



والشر بنفسه لا يقصد بذاته ، لأنه غير موجود ، لكن له طرق تؤدي اليه ، وعلى رأسها هوى النفس ، قال تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، و هذا يدل على ان خطوات الشيطان تؤدي الى الشر الخالص ، و الذي لا يقصده اي احد من البشر لذاته ، إذن كيف يقع الإنسان في الشر ؟ والشر غير موجود ؟ انه باختصار عندما يتخلى عن الخير ، فقط ، لان الخير هو الموجود ، فالتخلي عن الخير يعني الشر .. (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) ، هذا يدل على لاشيئية الشر ، فالفـُرُط والهوّة تعني اللاشيء واللااستقرار واللانظام ، فغياب الخير هو الشر . مثلما الظل لا وجود له ، و لكنه انعدام نور و انقطاعه .  



اذن سؤال الملاحدة عن "لماذا سمح الله بوجود الشر" سؤال غير دقيق ، لان الشر غير موجود ككيان مستقل ، حطّم اغصان الشجرة ذات الثمار المفيدة للفقراء بدون سبب ، ستبقى اجزاء ، لكن اين هو الشر الذي حطمها ؟ لا وجود له بين الاغصان المهشمة سوى النية ، لهذا نحب الناس ونبغضهم على قدر ما نفهم من نيـّاتهم ، إن خيرا وإن شرا ، ولا نغضب اذا وقعت الاساءة غير المقصودة ، و نغضب من قصد الإساءة حتى لو لم تنفذ ، و ما سوى ذلك فهي صور و ماديات لا تقتضي حبا ولا كرها.



الشر افساد الفطرة وقطع الروابط الطبيعية ، اذن الشر عمل صناعي ، غير طبيعي . و على هذا فالخير هو الاساس وليس الشر كما يرى الماديون النتشويون والفرويديون . كيف يكون هو الاساس والشر نفسه ليس له وجود ؟ انما هو تقطيع لصلات الموجود الفطري ..



وعلى هذا فكلمة ان الاصل في الانسان هو الشر لا تستقيم ، بل الشر طارئ و اساسه من الشيطان الذي يأتينا على شكل افكار مـُقحمة بالقوة ، على هيئة شكوك أو اوامر سيئة ، و احيانا نرفضها ولكنها تدخل الى عقولنا بدون اذن ، و  إلا فكيف نسمع افكار نكرهها و تأتي في عقولنا ؟ وهذا ما ضلل فرويد وظن ان العقل الباطن هو من يتكلم ، بينما هو الشيطان .  



هذا يعني وجود مؤثر خارج عنا ، هو الشيطان ، و من يستمع لها يتبع خطوات الشيطان ، اذن الشيطان هو الذي يرسم طريق الشر وليس نابعا من فطرة الانسان ، ولو كانت فطرة الانسان شريرة لما استطاع ان يتواءم مع الطبيعة ، ولدمّر نفسه منذ القدم ، فالإنسان جزء من الطبيعة و الطبيعة مترابطة ، والشر يقطع الروابط ، ولو كان الشر من فطرة الإنسان لما صح ان نقول ان الطبيعة مترابطة ، فالإنسان من الطبيعة ..  



اذن الشر دخيل على الارض . يـُقاد الإنسان إليه من خلال التزيين والشهوات ، ثم يكتشف نفسه وقد وقع في الشر ، ثم يحاول تبرير فعله ، والندم اكبر دليل على انه لم يكن يدري حجم الشر الذي سيصل اليه ، فقط هو تبع تزيين الشيطان ، و كون الشيطان من الانس او الجن يحتاج للاغراء والتزيين ، هذا دليل على ان الشر ليس من اصل الانسان ، هو يغريه بالطبيعي لكي يصل الى الصناعي .  



شياطين الانس و الجن تخاطب الناس بما يعرفون لكي يصلوا الى اللاموجود ليدمروا انفسهم وغيرهم ،  يغريهم الشيطان بزيادة روابط لكي يوقعهم بزيادة تقطيع ، مثلما يغري خادما بقتل سيده وسرقة امواله لكي يرتبط اكثر بالاشياء التي يحبها ، و اذا به يرمى في السجن وقد خسر روابطه الموجودة سابقا . هذا هو معنى الخسر والشيطان يقود اليه ، وهو يزعم الربح (ان الانسان لفي خسر) ، مستغلا التكبر الموجود عند بعض الناس ، وإلا فمن يعرف حجم نفسه لا يرى انه مستحق لما في يد غيره بدون حق ، اما المتكبر فيرى انه يستحق كل شيء و بدون تعب ، لأنه هو !  



لهذا فالعتبة الثانية للشر هي الكبر ، اذا كان بالأول يغريك باللذة ، فهو يربطها بالكبر ، فطلب لذة مع تكبـّر ينتج شرا ، و كل تائب هو في حالة تواضع و خضوع بعد التكبر ..  



 و بالتالي فالخطأ والخسارة هي النتيجة الحتمية لاختيار طريق الشر ، قال تعالى ( والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) . وعدم التمسك بالحق والصبر عليه والتواصي به يعني الشر و الخسر ..



------------------------------------------------------


مهندس كلام :



< وهديناه النجدين >

ما معنى هذة الأية بوجود هذة الأية

في سورة الكهف : قال تعلى :

ولا تقولآ ليشئ أني فعلآ ذالك غدآ الى أن يشاء الله ؟

هذة الأية تجعل الأنسان أشبه بالسكرتير يقدم ملف والله يقرر ما ينجز وما لا ينجز من الملف .
وبهذة الأية لا قيمة لهداية النجدين وحتى الأنسان لم يعد المسؤل على العمل
لنه فقط مقترح أما المنفذ والمقرر فهوا الله ؟



الرد :

لهذا الله يحاسبنا على النيات لا على الاعمال .. (إلا من أتى الله بقلب سليم) ولم يقل:  بعمل سليم متكامل ، (عاملة ناصبة ، تصلى نارا حامية) ..  



هل هذا الاعتراض لتـُسقط فكرة ان الانسان مخير ؟ هو مخير في النية ، أما العمل فلا يوجد من يستطيع ان يضمن ولا حتى اللحظة القادمة ، فما بالك بالغد ؟ وما تفيده الاية أن المؤمن يجب ان يتوكل على الله دائما ، ولا ينسى هذا الربط بين مشيئته ومشيئة الله ، وان كل شيء بيد الله ، مع انه لنا حرية في الاختيار ، و هي نقطة مهمة بالنسبة للمؤمنين عليهم الا ينسوها ، رغم كثرة ترديدهم لعبارة : إن شاء الله ، التي اخذت منحى العادة ، حتى ان البعض يعد وعدا كاذبا ويقول : ان شاء الله ! لأن التوكل كثير التفلت .. والتوكل هو ثمرة العبادة ، لأن الإنسان ينسى كثيرا ويعتمد على نفسه فقط ، وينسى تلك الارادة العظمى الفاعلة المسيطرة القادرة على كل شيء ..



المؤمن المتوكل يرتبط بها ، ولا يتكل على نفسه او غيره من البشر . وهذا لا يعني التواكل ، اي ترك الاسباب ، لأن الاسباب من الامور التي خولها الله لنا ، فهي داخلة في القدر ايضا ، لأن كل شيء بقدر ..



والنية نعم نحن احرار فيها ، واضمن انني انوي فعل ذلك الامر غدا ، لكني لا اضمن ان يتم الفعل ، اذن الله يحاسبنا على المضمون ، و هو النية .



لو كان الامر مثل ما تقول ، اذن انت تستطيع ان تحدد بالضبط ما ستفعل غدا و لن يعترض عليك اي شيء وتستطيع الا تكون سكرتيرا ، بل و تضمن انك لن تموت قبل الغد بقوة العلم الحديث ، لأنك تعرف بالضبط ما سيحدث غدا في كل العالم والعالم مترابط وفي نفس اللحظة، و هذا كلام غير واقعي و مستحيل ، المستقبل ليس بيد أحد ، بل حتى الحاضر ..



كل شيء يسير باقدار ، إلا النية فهي منطقة حرة ، فال تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، ولو كان قدر الكافر ان يكفر والمؤمن ان يؤمن ، اذن لماذا التخيير ولماذا الحساب ؟



الاية تقول ( ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا) لاحظ كلمة "فاعل" وليست كلمة "ناوي" .. حرية النية تعني حرية الاختيار ، فالنية لا يردها شيء ، اذن الانسان مخير في الامور المعنوية وغير مخير في الامور المادية ، اقصد وجوده وطوله وجيناته وقوانين المادة التي تتحكم به ، كلها اقدار . 

============ تحديث 1 ================

مهندس كلام :



عزيزي الوراق
أرجو أن تفهم هذا الحديث :
قول لو أجتمعت أمة على ان ينفعوك بشيئ لآ ينفعوك الى بشيئ قد كتبه الله لك .
و قل لو أجتمعت أمة على أن يضروك بشيئ لآ يضروك الى بشئ قد كتبه الله
عليك ؟ رفعت ألأقلام وجفت لصحف ؟
هذا الحديث يقول بشكل واضح أن ألأنسان ليس سوى ممثل في الحياة وأن كل شيئ هوا على المخرج وهوا الله وأن المسئلة قد حسمت وجفت الصحف ولا شيئ يستطيع أن يفعل الأنسان لنفسه أو حتى ضد نفسه لايستطيع أن يؤذي نفسه أذا لم يكن هذا الأيذاء موجود في الصحف التي جفت ؟



الرد : 



هذا داخل في آية : (وما تشاءون الا ان يشاء الله) ، وهي تثبت ان لنا مشيئة ، ولكنها داخلة في مشيئة الله ، وكل الكون داخل فيها .. فإذا شئنا امرا فإن الله شاء ان يوجدنا من قبل ، ومع ذلك نحن نشاء ، بحريـّة لا بجبرية ، نعم كل شيء يعلمه الله ، وكل شيء اوجده الله ، لكننا نـُختبر في هذه الحياة في الاختيار (ليبلوكم ايكم احسن عملا) ، اما لماذا خلقنا وهو يعلم ، فهنا منطقة خاصة بالالوهية كغيرها من المناطق ..

من يقدم لك اطباق متنوعة من الطعام ويقول اختر منها ، فمشيئتك واختيارك هي داخلة في مشيئته واختياره ، فلو لم يصنع الطعام لما اخترت هذا النوع دون ذاك ، فهو لم يختر بدلا عنك ، ومع ذلك أوجد ما اخترته ! هو أوجده و أنت اخترته ، وأوجدك ايضا . 

يجب الا ننس اننا بشر ، نحن نعلم اننا نملك ارادة حرة ، ولا يمكن فهم وجودنا في الحياة الا بفكرة الاختبار في الاختيار بين عالم الحق وعالم الباطل ، وإلا فلا يمكن لأحد ان يقدّم فهما للحياة .

اما من يقول بالعبث ، فهو لم يقدم فهما لأن العبث امر غير مفهوم ، نحن نريد تخريجا عقليا ، والعبث - بتاع الملاحدة - لا يمكن فهمه بالعقل ، فهو تفسير خارج نطاق العقل ، فالعقل يعمل ويفهم الامور المنظمة ، ولا يفهم الفوضى والعبث ..

نريد تفسيرا عقليا غير هذا التفسير ، و أتحدى من يستطيع ان يقدمه ، غير كلمة "لا أدريا" ، "عبث" ، "عدم" ، وغيره من الكلام اللامفهوم عقليا والذي يردده الملاحدة ، مضيفين اليه كلمة "يحيا العقل" في العادة !  

واما بانسبه لكلامك السابق :
1-
كلامك هذا سيتناقض مع كلام الرسول لأن الرسول قال :
قد يعمل أحدكم عمل أهل الجنه فيسبق عليه الأجل فيعمل عمل أهل النار فيدخل النار ....... والعكس في بقية الحديث .
هذا يعني أن العمل في أخر لحضه من عمر ألأنسان قد يغير كل شيئ
ويكون أساس الحساب وليست النية .

2-
وقال الله في القرأن : أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
هذة الأية تقول العمل وليس النيه هوا ما يتعامل مع الله
.

الرد : 

لا يوجد عمل بلا نية ، وإلا فسيكون عبثا وليس عملا ..

3-
هل تتوقع أن من سيدخلون النار هم لديهم النية في دخول النار
أقصد هل سيدخلهم الله على نيتهم أم على عملهم .
4-
قال تعلى : يوم إذآ يصدر الناس أشتاتا ليرو أعمالهم فمن عمل مثقال ذرتآ خيرآ يره ومن عمل مثقال ذرتآ شرآ يرة ؟؟

الرد : 

ذكر العمل في الايات هو تحصيل حاصل للنية ، و إن شئت توضيحا فقد قال تعالى (يوم تبلى السرائر) ، فهو نفس اليوم الذي سيجازى فيه العمل وحده كما تقول في يوم القيامة . فهو يوم العمل ويوم السرائر ايضا ، أي انهما شيء واحد ، فلا عمل بلا نية ، لا احد ينوي ان يدخل النار ، بل لا احد ينوي ان يفعل الشر الخالص ، لذلك الشيطان يغلّف الشر بأغلفة براقة من الزينة ، تسيل لها لعاب من لا يهتمون بالحق كثيرا ..

فهم عمل الشيطان اكبر دليل للايمان ، فاعرف الشيطان تعرف الله .. اقرب طريق لمعرفة وجود الله هو معرفة وجود الشيطان ..

وهذا التزيين هو خطوات الشيطان ، لماذا الشيطان يزين الباطل ؟ لأن الباطل ليس له جاذبية بحد ذاته ، فالفطرة الانسانية تحب الحق والخير والجمال كما فطرها ربها ، ولكي يصرفها الشيطان عن هذا الهدف ، يحتاج الى التزيين والشهوات لكي يوقعها في الشر المر المغلف كما يغلف الدواء بالسكر . و من هنا يأخذهم الى الشر الذي يقودهم الى طريق النار .  

-----------------------------------------------------
غاوي حكمة :



عزيزي الوراق
تحية عطرة لك

أنت تقول
&
أن الخير والشر طريقان متوازيان قدمهما الله هدية للإنسان كي يمارس من خلالهما حريته في الاختيار .
&
الله خلق الشيطان الذي يرسم طريق الشر ويزين للإنسان فعله عن طريق المصلحة الخاصة أو اللذة العاجلة ، & الله والخير لازمان ولا يمكن الاستغناء عنهما بعكس الشيطان والشر .
&
الديانات في الأساس مبنية علي الخير وطاعة الله فكل ما يأمر به الله هو خير وكل ما ينهي عنه هو شر ، لأنه هو مصدر الخير ، والشيطان هو مصدر كل شر .
&
الشر ليس كيان مادي ولكنه اختيار إنساني بمساعدة الشيطان (مصدر الشرور) والذي يهدف لتخريب ما هو موجود ، لذا فالشر يرتبط بالإنسان ولا يكون شراً إلا بتوافر النية أو الإرادة الشريرة ، ولا علاقة له بنتيجة الفعل ، فالخطأ غير المقصود ليس شراً .


&
ثنائيات مختزلة
الله في مقابل الشيطان
الوجود في مقابل العدم
الحق والحقيقة في مقابل الباطل
الضوء في مقابل الظلمة
الفطري والطبيعي في مقابل الصناعي
الحياة في مقابل الموت
النظام في مقابل الفوضي والدمار
التواصل والترابط في مقابل التفكك والتمزق
الحرية المحدودة في مقابل الحرية المطلقة
التواضع في مقابل الكبر
الخير (المقصود لذاته) وينتج السعادة في مقابل الشر (الذي لايمكن أن يقصد لذاته لعدم وجوده كأصل بل كدخيل علي الأصل ) وينتج الندم
وأخيراً

&
لا يمكن الوصول إلي أية حقائق بدون القرآن .


عزيزي الوراق هل هذا ما تريد قوله ؟
قل لي حتي أتابع .
أما بالنسبة للفلسفة المادية والليبرالية وفرويد فأرجو أن نخرجهم من النقاش ، حتي لا يتشعب .
أمر أخير عزيزي ولن أثقل عليك بعده : لماذا خلق الله الشيطان وهل هو موجود مادي ؟
لك مني كل الحب



الرد : 


اتفق معك على هذا التلخيص الى حد كبير ، بل اعجبني ، لكن :

لماذا خلق الله الشيطان ؟

لماذا خلق الله الوجود ؟

لماذا خلق ملايين المجرات ؟

من اوجد الله ؟

لماذا خلقنا وهو يعلم ماذا سنفعل ؟

وهلم جرا من هذه الاسئلة الغيبية التي يُعمل فيها المنطق البشري الواقعي في مجال الالوهية الغيبي .. هناك منطقة يجب على العقل البشري الذي يحترم عقله ان يقف عندها ، لان منطقه مبني من حياته ، و هذه امور خارج حياته ، إن معرفة كيف تكوّن العقل ، تريحنا من هذه الاسئلة الالوهية ..

المنطق مبني على قوانين الطبيعة ، والقوانين نفسها لا نعرف ما هي ، هي مخلوقة خلقها الله ، اذن منطقنا لا يعمل الا في نطاقنا ، و من خلق هذا المنطق قادر على خلق منطق غيره .

اذن لنستعمل العقل في مجاله ، فقوانين الساعة ليست هي قوانين صانع الساعة ، ولا سلوكها سلوكه ، لا بد من معرفة حدود العقل ، و انه ليس شيئا مطلقا لا يقف شيء امامه ، هذا ما تحتاجه الفلسفة : فهمُ كيف تكون العقل ، وفهم المناطق التي يعمل فيها و المناطق التي لا يستطيع ان يعمل ، وأتصور ان هذا من الدروس الاولية التي يجب ان تعطى لطالب التفكير والفلسفة .

كل هذا طبعا وجهة نظري ، و لا أنقل من احد ولا افرض على احد ..

وشكرا لمتابعتك ..    
=============تحديث 2 ===============

غاوي حكمة :


عزيزي الوراق
تحية عطرة لك
سنعتبر السكوت علامة الرضا ، كما سنتجواز عن السؤال حول لماذا خلق الإله الشيطان ؟
ولكن :
عندما تأخذ كل حقائقك الأخلاقية من القرآن ، وعندما يكون كل ما يأمر به الله هو خير وكل ماينهي عنه هو شر ، فأنت تؤسس لسلطة أخلاقية متعالية علي الإنسان ، بل ولا يهمها الإنسان ولا تقييماته ، فشعور الإنسان لا يعتد به (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)) البقرة
واضح من الآية أن مشاعرك ليست أداة للتمييز وكذلك عقلك فأنت لا تعلم ما يعلمه إلهك .
هذه السلطة تؤسس للغة ترفض النقد ، فكل فعل تصفه بالخير والطيب والجميل يصير كذلك واللغة هنا هي كلمات سحرية من السلطة العليا غير خاضعة لأي مقياس بشري .
هذا السلب الإنساني الذي أسست له من قرآنك صنع تناقضين ، التناقض الأول أن تقييمات محمد وجماعته الأولي صارت متعالية ومتجاوزة لكل نقد ، لذا اعتبرتها أنت حقائق ، في حين أن شخص آخر (ينطلق من سلطة متعالية أخري) يعتبرها هرطقات .
التناقض الثاني هو أنك باسم إلهك انتزعت مني حق التمييز وسلبتني كل حس وشعور ومنطق ، هذا التمييز الواعي (الذي سلبته مني) هو أحد ضرورات الإرادة الحرة ، فالحرية قدرة واعية علي الاختيار ، ولامعني للأمر الأخلاقي بدونها .

هناك تناقض شديد بين فهمك للسلطة المتعالية هذه وبين إيمانك في نفس الوقت بقدرة الإرادة الإنسانية الحرة ، فكيف تصف الإنسان بالحرية المحدودة وهو غير قادر علي تصنيف أو تمييز ما هو أخلاقي ، فأنت تحرمه من حق أصيل له وتسلب منه العقل والتمييز ثم تقول أنه حر .
هناك تناقض آخر في كلامك : فأنت تعتبر كل ما هو طبيعي وموجود إلهي وخير ، في حين أن الشر هو الصناعي الدخيل المرتبط بالمصلحة الخاصة والأنانية ، هذا التناقض يتبدي لك إن نظرت للأمور نظرة تطورية أو حتي تاريخية حيث نشأت تقييمات المصلحة العامة والتضحية بالنفس في داخل المجتمعات المعقدة إلي حد ما ، وعلي ذلك تبدو أخلاق المصلحة والأنانية هي الطبيعي وهي الأصل (بعكس ما تقول) ، فإن كنت أعيش وحدي في جزيرة فلن تطلب مني أن أضحي بنفسي من أجل كلب البحر مثلاً ، في هذه الحالة الافتراضية لن يكون أمامي معيار للتقييم سوي المصلحة الشخصية وبقاء الأنا ، كذلك في الجماعات البسيطة والبدائية فكثيراً ما تدور تقييمات الخير والشر حول مصلحة الفرد الأقوي وذلك يتم بفجاجة واضحة ودون مواربة أو تجميل .
كيف يمكنك أن تفسر هذا التناقض ؟
أنا أفسره بسهولة عندما أقول أن ما يصدق علي الخير يصدق بشكل أو بآخر علي الشر وكلاهما ينبعان من داخل التقييمات العقلية المتطورة في داخل المجتمع الإنساني (فالأمر الأخلاقي : قل الصدق ، وكذلك الأمر .. لا تكذب .. وجهان لعملة واحدة ) .

هناك تناقض آخر في كلامك : فأنت تظن أن الخير هو الطبيعي الإلهي لذا يجب أن نستنبط أن الخير هو خير باستمرار ، فعندما أصف الفعل أنه خير وتم بإرادة خيرة إذا فهو خير باستمرار مهما كانت نتائجه ، وهذه نزعة كانطية لاينبع منها التناقض ، ولكن التناقض ينبع من اعتمادك علي الأوامر القرآنية بوصفها هي الأوامر الأخلاقية المطلقة ، فأنت تقول أن ما يأمر به الله في القرآن هو خير مطلق حتي لو لم تعقله ، كذلك لو لم تحبه ، فأمرك القرآني نبع من إرادة خيرة باستمرار وهي الإرادة الإلهية ، ولكن هذه الإرادة الإلهية في القرآن تتبدل وتتغير وتخضع للتطور وللظروف المجتمعية .
يقول الرجل الصالح المدعو الخضر ((79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) ......... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ...... (82)) الكهف
كيف يمكنك تبرير هذا التغير في الإرادة الخيرة الإلهية وأنت تنادي بالأوامر الأخلاقية المطلقة ذات النزعة الكانطية ؟
كيف يمكنك أن تقول مع إلهك ( كتب عليكم القتال)
كيف يمكنك أن تقول مع محمدك ( الحرب خدعة)
كيف يمكنك أن تقول مع فقهائك ( الضرورات تبيح المحظورات )
لاشك أن الصراع والقتال والحرب هي الأصل وهي الطبيعي لذلك يشرع لها إلهك ونبيك وفقهاؤك ، وهو ما يتناقض مع كل الكلمات اللطيفة التي ذكرتها عن الخير والطبيعي والإلهي .
لك مني كل الحب

الرد :

وللإنسان في داخلك حب ايضا ، لكنك اكثرت الكلام عن التناقض دون ان أفهم ولا صورة من صور هذا التناقض ، ولا تنس انك تتبنى افكار من الفلسفة المادية التي هي بحيرة التناقض .. أنت بموجب كلامك السابق ترى ان اي احد يدعو الى الاخلاق يمارس سلطوية فوقية و متعالي على الناس ! انا تبـِعت القرآن باختياري وليس بممارسة سلطوية ، فلا احد يستطيع ان يلزمني ان أكون متبعا للقرآن في تفكيري ، و هناك مسلمون كثر يستمدون افكارهم من المادية و فلسفاتها ، ولم يلزمهم احد .

من يدلك على الطريق الصحيح بموجب كلامك يمارس فوقية و سلطوية لأنه يقول لك : كل الطرق خطأ إلا هذه الطريق الموصل الى روما ! هل تقول عنه انه متعالي ومتكبر ؟

القرآن تبعا لبحثي هو الكتاب الوحيد الذي ينطق عن الطبيعة الانسانية و الفطرة .. اذن هو لا ياتي بشيء خارج عن فطرتنا ، أما استشهاداتك بمثل اية (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) ، فأنت وجهتها كما أردت ، و كأنك فهمت أنه لا بد لكي تكون مسلم ان تتحول الى جندي ومقاتل ، حتى لو لم يكن لك اعداء ، والا فاسلامك ناقص ! نعم ، كـُتب عليكم القتال بدلا من التخاذل في الوقت الذي تحتاجون فيه للقتال ، وهو كره لكم ، فطبيعة النفس البشرية تكره الحرب .. و هل كل المقاتلين في العالم يدخلون الحروب بالبهجة والفرح والزغاريد ؟ انهم يدخلونها وهم يتبولون على انفسهم ، اي كتبت عليهم وهي كره لهم ، و لكن كتبتها مصالح استعمارية او جنون دكتاتورية او غير ذلك ..

وفعلا اشياء كثيرة نكرهها وهي في صالحنا ، كلما نفكر في العاقبة والاجل علينا ان نصبر ونتحمل ما نكره ، فالطالب الذي يريد التفوق لا بد ان يسهر ، والسهر كره له ، لكن العاقبة الحميدة تجعله يصبر ، هل في هذا اختلاف عن الطبيعة البشرية ام ان الاية منسجمة ؟

انا اعطيتك امثلة من واقع يشترك فيه المسلمون وغير المسلمون .. تخيل لو لم يتحمل المسلمون الاوائل ذلك الكره ، لسحقتهم احلاف اليهود وكفار قريش ، ولمثـّلت بجثثهم ، لأنهم هم الذين اعتدوا عليهم و بدأوا بالشر ، وحاولوا استئصال شأفة المؤمنين فقط لانهم قالوا ربنا الله .. أليس من المنطق ان يقاتلوا دفاعا عن انفسهم ؟ وهل نسيت الايات الاخرى التي تقول : ( لا تعتدوا) ، (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) ، (والله لا يحب المعتدين) ،(ولا يجرمنكم شنئآن قوم على الا تعدلوا) ، هذه الايات تبدد الصورة التي رسمتها عن الامر بالقتال ، وانت تعرفها ولكنك لم تحضرها مع آية القتال ، لماذا فعلت هذا ؟ لست ُ أدري .. فالمعنى في بطن الشاعر ..

انا لم آتي خالي الذهن من الحس الاخلاقي الفطري وآخذ اوامرا جامدة من القرآن تبرمجني وتؤدلجني .. انا انسان ، وأملك الحس الاخلاقي الفطري ، وكل انسان مثلي ، عندما يقول الشاعر :

ومن يجعل المعروف من دون عرضه .. يفره ومن لا يتق الشتم يشتم ..

كلنا نقول : صدقت ايها الشاعر ، هل هو فرض علينا رايه ومارس سلطوية "مُزَنـِية" متعالية ؟ أم انه نطق بما نحس و مررنا به من تجارب و لخـّص تجاربنا ؟ القرآن يتوافق مع الفطرة ، هذا كل ما في الامر ، بدلا من اللـّفة البعيدة التي قمت بها .. القرآن لم يفرض نفسه على احد ، انه يقول (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (ولست عليهم بوكيل) (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) ، فمن اين جاءت السيطرة ؟

بموجب كلامك : اساتذة اللادينية والالحاد مارسوا سلطوية على عقلك وصرت تابعا لهم !! انا اطبـّق عليك منطقك ليس إلا .. في الافكار لا أحد يمارس سلطوية ، لان القبول والرفض بيد الانسان ، وكم من مطيع وغير مطيع في نفس الوقت .. حتى الشيطان لا يمارس سلطوية ، ويتبرأ منها ، لأن الاختيار الحر حق للجميع ، شئنا ام ابينا ، أ ُلزمنا ام لم نـُلزَِم ، وعليه مدار العقاب او المكافأة ، وليس على العمل ، فعمل المنافق مثلا لا قيمة له ، لان اختياره لم يكن موافقا لعمله (يوم تبلى السرائر) ..

ومن الطبيعي الا تعلم ما يعلمه الهك ، بل حتى ما يعلمه غيرك في احيان كثيرة ، الطالب يجتهد وهو لا يعلم بالضبط كيف سيكون مستقبله بعد التخرج ، ولا اي وظيفة ، وهل ستكون مناسبة ام لا ، لكنه يعمل بناء على امل جميل .. هل احد يعلم المستقبل وبالضبط ؟ طبعا لا .. كذلك من يفعل الخير ، هل يعلم بالضبط ان مروءته ستنفعه مئة بالمئة ؟ ربما سببت له ضررا ، وقديما قالوا : اتق شر من احسنت اليه ، ومع ذلك الانسان الطيب يفعل الخير لأنه خير ، بدون ضمانات ، والحقيقة ان لا شيء عليه ضمانات ولا يـُفهَم بصورة كاملة قبل ان يقع .. فمثلا : لم يكن يعرف الرسول والثلاثمئة معه وهم خارجون لقافلة من قوافل قريش انهم سيهزمون قريش بقضها وقضيضها في معركة بدر الكبرى ، ويكون خروجهم هذا سببا لانتشار الاسلام في العالم ، والتخلص من عداوة قريش واحلافها .. الله يعلم ما لم يكونوا يعلمون .. لكن احساسهم يقول ان ما يأمرهم الله به هو أمر حق ، ويحمل الخير ، سواء عرفوه بالضبط ام لم يعرفوه ..

وهل المسافر للسياحة يعرف ماذا سيرى قبل ان يذهب ؟ اذن لماذا يسافر ؟ لكنه يتوقع اشياء حسنة . وإلا لم يتكلف ..

كل امر منطقي واخلاقي ينطبق عليه هذا الكلام : افعلوا الخير ، والله يعلم ما لا تعلمون .. لكنك تعلم انه خير و إن كنت لا تعرف نتائجه بالضبط .. هذا الكلام يقال حتى لغير المسلم ويكون منطقيا .. وهو ما قاله كانط : افعل الخير لانه خير .. ولا احد يعمل بضمانات على المستقبل ، حتى رجال الاعمال يدخلون في مغامرات ليست معروفة النتائج مئة بالمئة .. المسألة واقعية يا سيدي ، فلماذا العجب ؟

المسلم الحقيقي لا يرفض النقد ، بل هو مأمور بجدال من يختلف معهم ، وبالتي هي احسن ايضا ، من يقول : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، هل يمارس سلطوية وإلزام ؟ و نعم ، الله يعلم ما لا نعلم ، و ما اوتيتم من العلم الا قليلا ، نحن وانتم ايضا ضمن هذا القليل ، مع احترامي لكبرياؤكم العلمية ، فأنتم لا تعرفون ولا حتى ما هي انفسكم ، مثلنا تماما .. فاي اعضاءك هي "انا" عندما تقول : انا ؟ و ما هو عقلك وما هو احساسك واين توجد الافكار في داخلك وهل تستطيع احضار عينة مختبرية منها ، واين تذهب بعد الموت عندما لا يبقى الا حفنة من تراب كانت يوما من الايام تسمى دماغا بشريا ؟؟

المسألة أعمق وأخطر بكثير .. والحساب دقيق .. بنفس دقة الكون .. (فاين تذهبون ، ان هو الا ذكر للعالمين ، لمن شاء منكم ان يستقيم) ..

التناقض الأول أن تقييمات محمد وجماعته الأولي صارت متعالية ومتجاوزة لكل نقد ، لذا اعتبرتها أنت حقائق ، في حين أن شخص آخر (ينطلق من سلطة متعالية أخري) يعتبرها هرطقات .

الرد : 

 الامر ليس بهذا الشكل ، انت صورت ان كل البشر ينطقون بالحق ، وهذا غير صحيح ، والا لما احتجنا لقاضي بين شخصين احدهما كاذب بلا شك ، اذا قال محمد : اعدلوا و بروا بوالديكم وأدوا الامانات الى اهلها وقولوا للناس حسنا واوفوا بالعهود، فهل هناك شخص اخر يعترض على هذا ؟ ماذا سيقول ؟ خونوا واكذبوا ؟ لا يوجد سوى المادية التي تقول : مصلحتك اهم من العدل و من القيم ، والاخلاق نسبية ، اي بالنسبة لمصالحك ، ان خـَدَمَتها كـُنْ اخلاقيا ، وإن لم تخدمها فلستَ ملزما بها ، أليست هذه افكاركم ؟ اما محمد يقول : أدّ الامانة حتى لو لم يتفق الامر مع مصالحك : (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين) ، هذا هو مفصل الاخلاق بين الاسلام وبين الاخلاق عند الثقافة المادية الغربية التي تقول : التزم بالاخلاق ما دامت تخدم مصالحك المادية ، و اتركها اذا كانت ضد مصالحك المادية ، و لا يوجد فاصل عندها بين الخير والشر سوى المصلحة ..

لهذا انا اخترت ان اتبع القرآن ، ولم اختر المذاهب الليبرالية النفعية المادية الشهوانية الانانية التي تهين القيم والاخلاق وتجعلها من وسائل التجارة والمصلحة .. فهل الفرق واضح ؟ و هل عرفت لماذا بإرادةٍ حرة تبعتُ تعاليم القرآن العظيم ؟

وهكذا نعرف ان سلطوية النص فكرة ضعيفة جدا وغير منطقية ، فالانسان هو الذي يختار النص و ليس النص هو الذي يختار الانسان .. اذا استثنينا ممارسات البشر السلطوية من خلال النصوص ، وهذا شيء واقع .. وليس خاصا بالاسلام فقط .. بل حتى النصوص الليبرالية هناك من يـُلزِم بها و يفرض الداروينية على المدارس بقوة النظام و في الغرب ايضا ، ليتشربها الصغار بطريقة سلطوية .. مع انها مجرد نظرية لم تثبت علميا .. انها ممارسة لسلطوية النص من ضمن الاف الممارسات ، فالنص لم يتسلط ولكن البشر هم الذين تسلطوا من خلاله ، فالنص وسيلة .. ولا قيمة للنص بدون بشر ..

التناقض الثاني هو أنك باسم إلهك انتزعت مني حق التمييز وسلبتني كل حس وشعور ومنطق ، هذا التمييز الواعي (الذي سلبته مني) هو أحد ضرورات الإرادة الحرة ، فالحرية قدرة واعية علي الاختيار ، ولامعني للأمر الأخلاقي بدونها .

الرد : 

انا اناقشك بالمنطق المشترك والشعور الانساني المشترك ، ولم افرض عليك قرآني وانت تكرهه .. انا فرضته و التزمت به بإرادة حرة ، كل ما عليك هو ان تخطّئ كلامي منطقيا او شعوريا فقط ، و دعك من قرآني .. انا لم اقل لك : يجب ان تقبل لأن القرآن يقول ، بل اقول لك : لأن العقل يقول ، وخطـّئني بالعقل ..

و ماذا افعل لك اذا كان القرآن افضل مدد للمنطق السليم ؟

هناك تناقض شديد بين فهمك للسلطة المتعالية هذه وبين إيمانك في نفس الوقت بقدرة الإرادة الإنسانية الحرة ، فكيف تصف الإنسان بالحرية المحدودة وهو غير قادر علي تصنيف أو تمييز ما هو أخلاقي ، فأنت تحرمه من حق أصيل له وتسلب منه العقل والتمييز ثم تقول أنه حر

الرد : 

اليس القرآن يقول : لمن شاء منكم ان يستقيم ؟ هل احد يشاء شيء وهو ليس لديه اي فكرة عنه ؟ و هل قمتُ أنا بكل هذه العمليات من السلب والنهب و انا لا ادري ؟ القرآن يدعو الى الخير ، و إلى الحق ، و انا احبهما ، فاستجبتُ لذلك ، ولم اجد في عقلي ما يتعارض مع ما يقدمه القرآن ، ولا في احساسي ، وهذا الكلام ينطبق عليّ وعلى غيري ، فاين هي السلطوية والدكتاتورية ؟

كل هذا انا قمت به باختيار حر ، فاين التناقض ؟ أعجبني القرآن فالتزمت به ، فهل ألغيت أنا ذاتي ، أم استجبت لنداءها اكثر ؟ لأنها هي التي احبّت ذلك ، فاين الإلغاء ؟ هذا ينطبق عليّ وعلى غيري ، فالقرآن لا يلزم أحد بنفسه ، فالقرآن يقول (افنلزمكموها وانتم لها كارهون) ..

كل ما بـَنـَيـْتـَهُ إذن قلاعٌ من الوهم حول القرآن .. إنطلق منه مباشرة ولا تقدّم تصورك عنه مسبقا ، لأن الانتقائية يمكن كشفها بسهولة ، وهي ام التناقض ، و أنت تنتقي من القرآن ما يناسب نظرتك الكارهة له .. ولا تاتي بطرحه من كل الاطراف ، فأنت لا تريد توضيح الصورة بل تزيدها تعتيماً بسبب الانتقائية التي تلتزم بها .. وهذا لا يقدم شيء جديد سوى انه يعبّر عن صاحبه وما يرغب وما لا يرغب ، وهذا ينطبق على كل انتقائي .

نحن نريد ان نفهم فهما جديدا عن القرآن وليس ان نعرف موقف شخص ما من القرآن هل يحبه او لا يحبه .. فينتقي منه ما يشاء ويخفي ما يشاء .. القارئ يريد موضوعا أكثر من ارادته لمعرفة ماذا يرغب به شخص ما ، و معذرة لك ..   

هناك تناقض آخر في كلامك : فأنت تعتبر كل ما هو طبيعي وموجود إلهي وخير ، في حين أن الشر هو الصناعي الدخيل المرتبط بالمصلحة الخاصة والأنانية ، هذا التناقض يتبدي لك إن نظرت للأمور نظرة تطورية أو حتي تاريخية حيث نشأت تقييمات المصلحة العامة والتضحية بالنفس في داخل المجتمعات المعقدة إلي حد ما

الرد : 

لا يوجد تطور في الحس الانساني ، وهذا ما يثبته التاريخ ، نعم يوجد تطور في البناء الحضاري ، لان الحضارة تراكم ، أما الانسان فهو الانسان ، وبالتالي لا يوجد انسان بدائي ، وطبعا لا يوجد قرد تحول الى انسان ، ومعذرتي مرة اخرى لفكرة التطور .. فالانسان لم يكن يوما من الأيام يحب الكذب ثم اصبح يحب الصدق ! هذا تسخيف للانسان ولأجدادنا معاً اكثر مما تتهمني به .. و طبعا لا يوجد جنس اوروبي متطور اكثر من الجنس الافريقي القريب من القرود كما تقول نظرية داروين العنصرية ..

مشاعر الحب و الخوف والاخلاق هي هي ، منذ وجد الانسان ، والا لما استمرت الحياة لو أنه كان في يوم من الايام يحب الشر اكثر من الخير .. الانانية موجودة ولا تزال ، والتضحية موجود ولا تزال ، فاين هو التطور ؟!! كل ما تقوله عن الانسان البدائي هناك من يمثـّله الآن ، وقد يكون ابوه من الجنس الذي تعتبره متطورا ! لنقل انك انسان تنكر ذاتك و تضحي لغيرك ، فهل شرطا ان يكون ابنك مثلك تبعا للتطور ؟ قد يكون انانيا لا يعترف بالقيم ، فهل رجع الى البدائية بعد ان تطور والده ؟

الغيرة اعقد من الحب ، والشر اعقد من الخير ، لان الخير تلقائي ، اذن فكرة التطور هنا باطلة ، اي ان الشر هو الطارئ و المعقد .. السارق يرى المجوهرات وهو يمشي ، فيتركها بتلقائية ، ثم يلتفت مرة اخرى بعد ان امره الشيطان ! اذن الشر هو التطور و ليس الخير ، اي بالعكس تماما من طرحكم التطوري ، مع احترامي للمجهود الشاق ، وكل عمل مخالف للطبيعة سيكون عملا شاقا ..

وعلي ذلك تبدو أخلاق المصلحة والأنانية هي الطبيعي وهي الأصل (بعكس ما تقول) ، فإن كنت أعيش وحدي في جزيرة فلن تطلب مني أن أضحي بنفسي من أجل كلب البحر مثلاً ، في هذه الحالة الافتراضية لن يكون أمامي معيار للتقييم سوي المصلحة الشخصية وبقاء الأنا

الرد : 

هل كل ما في داخل الانسان هو المصلحة المادية الانانية كما تفترض نظرياتكم ؟ نعم في داخلنا مصلحة مادية ، وفي داخلنا ايضا رغبة بالايثار ، جنبا الى جنب .. الانسان اوسع من تصوركم المادي الضيق ، اكيد سوف تهمك مصلحتك في الجزيرة ، لكنك سوف تتالم لحيوان يـُجرح او يغرق امامك ، حتى لو لم تضحي بنفسك ، لنكن اكثر دقة من بساطة الطرح المادي ..

قد تقتل حيوانا لتأكله – بدافع المصلحة- و تتألم و انت تقتله .. اذن لا شيء اسبق من شيء .. الانسان له وجود معنوي وله وجود مادي .. و رجائي لكل تطوري أن يزيل هذا الوهم من رأسه ، لأن نظرية التطور تشبه السحر الذي يـُبرمج صاحبه و يؤدلجه ويصبح تفكيره منحصر أي الشيئين اسبق ، فيكون عقله كله مبني على وهم ، لانه افترض فرضية وآمن بها قبل ان يتأكد منها .. وكأن الامر مخلوص منه ! فقط نريد ان نعرف اي الاشياء هو الاسبق وايها اللاحق !! ..

لذلك فنظرية التطور خطيرة على العقل ، خصوصا إذا عـُمِّمَت كما فعلوا في مجالات الانسان .. انت ترى "س" و "ص" مع بعضهما مثلا ، ولكن ايمانك التطوري يجعلك تفترض ان "س" اسبق من "ص" او "ص" اسبق من "س" ، مع ان العقل يعرف انه لا تكون الاشياء الا في وقت واحد ، فحتى تسمي الساعة ساعة لا بد ان تكون كل اجزاءها متوفرة و تعمل بنفس الوقت .. والا لم تكن ساعة .. كذلك الانسان لا بد ان يكون متواجدا كله في وقت واحد ، والا لن يكون انسان ، وليس جزء منه ياتي و تلحق به الاجزاء الاخرى ..

انظر الى الكروموزومات والجينات ، هي موجودة كلها في وقت واحد فترة التلقيح ، وهي تمثل كل اجزاء الجسم .. عمم فكرة التواجد المتزامن على الكون و البيئة ، لتصل الى فكرة التوازن ، كما قال تعالى ( من كل شيء موزون) .. فحتى تعمل السيارة لا بد من توفر كل اجزائها دفعة واحدة ..

اذن فكرة التطور غير واقعية ولا منطقية .. البيئة متوازنة و لذلك هي تعمل ، فكيف تكون عملت قبل ملايين السنين وهي تفتقر الى مكونات لا بد منها للعمل ؟ اذن الحياة و الاحياء و الانواع جاءت دفعة واحدة ، والا لانقرضت الاصناف الاولى بسبب فقدان التوازن ، لاحظ كلما اختل التوازن تدمرت الحياة ، وانتم تجعلون الحياة بدأت من هذا التدمر !!

نقطة انطلاق "اجزاء" لتـُشـَكـّل "كلّ" هي نقطة انطلاق واحدة متزامنة .. اي لا مكان للتطور في وجود اي شيء .. اذن التطور لا شيء .. وهذا هو الخطأ العقلي الذي بنيت عليه نظرية التطور .. فهل الاسبق النبات ام الحيوان ؟!! مع ان كلاهما محتاج للآخر !! .. وكيف عاشت الديناصورات لوحدها دون توازن بيئي ؟ لو افترضنا انها موجودة ، اذ انها خرافة تطورية ..

التطور فيروس عقلي ينبغي التحصين منه ، وإلا فسيصيب العقل كله و انتاجاته بوهم السابق والمسبوق في كل شيء .. وعليه فالعقول البشرية صارت على نوعين : عقل تطوري ، وعقل تزامني ..

لاحظ ان فكرة التطور موجودة في الاساطير والخرافات القديمة والتناسخ الهندوسي ، وهذا الفيروس لا يقف عند نظرية التطور ، بل يجعل الشخص لا يفكر الا بطريقة التطور والسابق والمسبوق ، و أحجية الدجاجة و البيضة ليس لها حل ، كذلك صاحب التفكير التطوري سيكون ضحية لمعضلة البيضة والدجاجة في كل عملية تفكيرية يقوم بها .. و الدليل أنه استمر المصابون بفيروس التطور في تعميم نظرية داروين على علوم الاجتماع والجمال والاخلاق والافكار الخ ..

اي بعكس ما قال داوكينز عن ان الايمان فيروس ، في الحقيقة ان التطور فيروس و ميمة عظيمة .. 

كذلك في الجماعات البسيطة والبدائية فكثيراً ما تدور تقييمات الخير والشر حول مصلحة الفرد الأقوي وذلك يتم بفجاجة واضحة ودون مواربة أو تجميل .

الرد : 

هذا كلام غير دقيق وينظر الى الخارج والسطح دون ان يقرأ ما في نفوسهم ، وهل يعقل ان أ ُصدّق كلامك هذا بحيث ينفون مصالحهم الشخصية ويؤثرون مصلحة الفرد الاقوى المسيطر عليهم ؟ هذا لا يوجد ولا عند الحيوان ! انت ناقضت نفسك .. قلت ان الاساس في الانسان هو المصلحة الشخصية ، و الان جعلت هذه الشعوب لا تهتم بمصلحتها الشخصية بل بمصلحتها الفرد الاقوى ! وكأنها تنازلت عن الحياة له !

ثم سؤالي لك : كيف عاشوا هكذا و هم لا يهتمون بمصالحهم الشخصية ؟ سوف يموتون من الجوع والحرمان و هم يقدمون كل ما لديهم ويعرضون انفسهم للخطر لمصلحة الفرد الاقوى !

ثم لماذا تذهب بعيدا : هذا موجود في واقع الناس ، اهتمامهم بمصلحة فرد وإن لم يكن على حساب مصلحتهم الخاصة دائما ، فالناس يبجلون المشاهير اكثر من ان يبجلوا انفسهم ، و ينثرون عليهم الورد ولا ينثرونه على اولادهم ، فهل هم بدائيون في مسارح الغرب و حلبات مصارعاتهم و معارضهم الفنية ؟ إنهم يؤثرون الفرد الاقوى بالورد والتصفيق وقراءة الكتب عن حياتهم على حساب جيوبهم .. ومستعدون لتقديم كل الخدمات له ، فهل هي شعوب بدائية و هم اشد الشعوب تبجيلا للنجومية (الفرد الاقوى) ؟

اذا كان ايثار الفرد الاقوى بكل المصالح فهذا امر غير واقعي ولا منطقي ، واذا كان اهتماما وتعظيما ، فهذا موجود في كل زمان ، خصوصا في الحضارة الغربية و بشكل اقوى ..               
   
كيف يمكنك أن تفسر هذا التناقض ؟
أنا أفسره بسهولة عندما أقول أن ما يصدق علي الخير يصدق بشكل أو بآخر علي الشر وكلاهما ينبعان من داخل التقييمات العقلية المتطورة في داخل المجتمع الإنساني (فالأمر الأخلاقي : قل الصدق ، وكذلك الأمر .. لا تكذب .. وجهان لعملة واحدة ) .

الرد : 

واضح انك لا تجد فارقا بين الخير والشر على المذهب المادي .. و نظرة ٌ هكذا هل يقال عنها انها نظرة خيرة ام لا ؟ اذا قال لك احدهم ان الصواب والخطأ شيء واحد ، فهل سيكون في سلوكه اقرب للصواب ام للخطأ ؟

الخير لا ينبع من تقييمات عقلية ، لا متطورة ولا غير متطورة ، الخير ينبع من الحس الفطري النبيل في الانسان ، لهذا نجد ان الخير محترم عند كل الشعوب ، المتقدمة حضاريا او المتأخرة ، مما يعني انه ليس له علاقة بتطور الحضارة والعلوم والعقول ، فالكرم صفة حميدة عند كل الشعوب قديمها وحديثها ، المتقدمة تكنولوجيا وغير المتقدمة ..

لاحظ ان الخير ننظر اليه بجلال وجمال ، والعقل لا علاقة له بالاحساس بالجمال ، بدليل اننا نحس بجمال الاشياء ولا تعرف عقولنا لماذا ، اذن ليس الخير اساسه من العقل ، بل من الفطرة .. و معذرة لمجهوداتكم التحليلية ، فقد كانت في الطريق الخطأ .. كعادة الفلسفة المادية اذا تناولت الانسان ، لا تقدّم الا الخطأ ..

إننا نعجب بشخص ما ثم نظل نفكر حتى نكتشف الصفة النبيلة التي جعلتنا ننجذب اليه ، هذا اذا استطعنا ، اذن الاحساس بالفضائل والاخلاق ليس مصدره العقل ، والا لعرفنا منذ البداية لماذا اعجبنا ، مثله مثل الاحساس بالجمال ، ننجذب اليه وعقولنا لا تكاد تعرف شيئا لماذا ، فالوجه الجميل بماذا يختلف عن الوجه الغير جميل ؟ فله نفس المكونات !! هذا ما تقوله عقولنا ، لكن الاحساس يقول شيء آخر ..

عالم الشعور لا يلتفت اليه الماديون وكأنه شيء غير موجود ، مع انه هو ما يسيّر حياتهم أكثر من العقول ، وهذا الشعور هو الذي يخبرنا بوجوب الصدق وهو الذي يخبرنا بوجود خالق عظيم هو مصدر الاخلاق ، ولهذا السبب يتجنبه الماديون ، لان الشعور الفطري يدل على وجود الخالق ، لهذا اكتفوا بالعقل المادي فقط الذي يعتمد على الحواس ، وبما ان الحواس لا تخبرنا شيئا عن الله ، اذن هو غير موجود !! ..

ليس العقل وحده هو وسيلة المعرفة ، فنحن نعرف الوردة الاجمل بدون عقل ، والوجه الاجمل بدون عقل ، والخلق الافضل بدون عقل ، واهمال المادية للشعور هو سبب ضعفها وعدم اقناعها الاقناع المطلوب ، كثير من الناس يسمعون كلامكم ولكنهم لا يشعرون بالراحة ..            


هناك تناقض آخر في كلامك : فأنت تظن أن الخير هو الطبيعي الإلهي لذا يجب أن نستنبط أن الخير هو خير باستمرار ، فعندما أصف الفعل أنه خير وتم بإرادة خيرة إذا فهو خير باستمرار مهما كانت نتائجه ، وهذه نزعة كانطية لاينبع منها التناقض ، ولكن التناقض ينبع من اعتمادك علي الأوامر القرآنية بوصفها هي الأوامر الأخلاقية المطلقة ، فأنت تقول أن ما يأمر به الله في القرآن هو خير مطلق حتي لو لم تعقله ، كذلك لو لم تحبه ، فأمرك القرآني نبع من إرادة خيرة باستمرار وهي الإرادة الإلهية ، ولكن هذه الإرادة الإلهية في القرآن تتبدل وتتغير وتخضع للتطور وللظروف المجتمعية .
يقول الرجل الصالح المدعو الخضر ((79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) ......... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ...... (82)) الكهف
كيف يمكنك تبرير هذا التغير في الإرادة الخيرة الإلهية وأنت تنادي بالأوامر الأخلاقية المطلقة ذات النزعة الكانطية ؟
كيف يمكنك أن تقول مع إلهك ( كتب عليكم القتال)
كيف يمكنك أن تقول مع محمدك ( الحرب خدعة)
كيف يمكنك أن تقول مع فقهائك ( الضرورات تبيح المحظورات )

الرد : 

كل هذه المقولات صحيحة ، وانت تقولها في حياتك اليومية ! .. هل هناك حرب بلا خدعة ؟ تريدني الا اخدعه وانا اساسا خرجت لاقتله ؟ وإن لم اخدعه خدعني ، وان لم اقتله قتلني !! ما هذه النظرة المبسطة للموضوع ؟ نعم الضرورات تبيح المحرمات ، وهذا تقوله انت و يقوله اي شخص عندما يضطر ، فكسرُ الباب محرم على اهل بيتك ، لكن اذا كان طفلا في حالة ضرورة ، فسوف تأمرهم بكسر الباب ، اذن في فقهك الضرورات تبيح المحرمات .. انت تعارض المنطق الآن و ليس الدين !

وماذا افعل لك اذا كان الاسلام دين منطقي ؟ اما حالة الخضر فهي حالة خاصة حتى يعلم موسى انه ليس اعلم من على الارض كما توقع .. وليست حالة عامة بقتل الاطفال وخرق السفن حتى تقول ان القرآن تناقض في اوامره ! فهو لم يأمرنا بقتل اي طفل نشك بعدم صلاحه ! ارجو الا تسطـّح مفاهيم الآيات بهذا الشكل ..

القرآن امر بعدم قتل النفس البريئة بشكل عام ، اما ما فعله الخضر فهي حالة خاصة في وقتها ، فكيف تقول ان القرآن تناقض في اوامره وتقوّله ما لم يقل وتأمّره ما لم يأمر به ؟ هل تحسب ان الناس سذ ّج الى هذه الدرجة حتى يعتقدوا ان القرآن اصدر أمرين متناقضين ؟ مرة بعدم القتل و مرة بالقتل ؟ مرة بخرق السفن ومرة بعدم خرق السفن ، ومرة بهدم الجدران ومرة ببناء الجدران ؟ !!      

لاشك أن الصراع والقتال والحرب هي الأصل وهي الطبيعي لذلك يشرع لها إلهك ونبيك وفقهاؤك ، وهو ما يتناقض مع كل الكلمات اللطيفة التي ذكرتها عن الخير والطبيعي والإلهي

الرد : 

لا شك عندك ! وليس عندي طبعا ! مجرد وجود السلوك عندك يجعله طبيعيا ! حتى لو تناقض !

الخير و الشر متناقضان ، والطبيعة لا تحتمل التناقض .. (فطرة الله التي فطر الناس عليها) ، اذن الشر والصراع ليس من الفطرة .. بدليل ان هناك من يختار الشر وهناك من لا يختاره .. انتم تقولون ان اصل الحياة صراع ، و الصراع ينتج الضعف وليس القوة كما تتخيلون .. ولو كان الاصل هو الصراع لأفنت الحياة بعضها بعضا ، وفكرة الصراع تـُناقِض فكرة التطور تماما ، وأنتم تؤمنون بالاثنتين معا ، فالصراع يقلل العدد والانواع ، وفكرة التطور تزيدها .. الم أتكلم لك عن بحيرة التناقض التي تشربون منها ؟  

إنك لا تجد فرقا بين الخير والشر ، نعم الشر موجود منذ وجود الانسان ، لكنه ليس من طبيعة الانسان ، هل نسيت (وهو كره لكم) ؟ هل نكره شيء من طبيعتنا ؟

-------------------------------------------------------------
مهندس كلام :

عزيزي الوراق لك السلام والتحية الطيبة وبعد :

ألأنسان لم ولآ يفعل شيئ كل الفعل ورد الفع من الله أصلآ وذلك بمنطق الدين ومنطق المؤمنين .

هذا ليس إدعاء مني وليس كلامي بل هوا كلامك وكلام الله نفسه .

ويشرح جوابك على سؤالي التالي صحت كلامي .

السؤال : من خلق الضالم + و من خلق الأفئدة لي الضلام التي بها يستطيع أنتاج الضلم كافكرة + من خلق الأدوات التي يستخدمها الضلم لينفذ الضلم الذي يريده + منخلق مكان وزمان الضلم الذي يقام ويجري فيه الضلم + من خلق المضلوم + من خلق الخير والشر + من خلق الشيطان ومن خلق في الشيطان النفس والعقل والذهن وكل مكونات الأرادة في الشيطان التي جعلت الشيطان قادر على أن يفكر في الشر ويتقن شره وأن يعصي الله ويقول لا ؟
في الناهية بعد كل هذا الوضع وهذة الثوابت والمعطيات ما دخل ألأنسان في ما يجري أو ما سيجري من خير أو شر .

أرجو أن تجاوب على سؤالي ولك جزيل الشكر والتقدير
.

الرد : 

هذه الاسئلة تريد ان تستنتج منها ان الله شرير ، هذا ما يبدو ، ومنطقيا لا يمكن الحصول على هذا الاستنتاج ، لان الله لم يلزم الشرير ان يكون شريرا ، اما الادوات فلا توجد ادوات خاصة بالشر ، فالسكين تقطع بها قيد الاسير او رقبته ، وهي اداة للخير او للشر ..

من يخيّرك لا يظلمك ، اذا قلت لاحد : إختر ان اكافئك او ان اعاقبك ، فإذا اختار ان تعاقبه و عاقبته ، فهل منطقيا انت الظالم ام انه هو من ظلم نفسه ؟

انت عددت اشياء كثيرة ، لكنك لم تذكر من ضمنها ان الانسان يملك ارادة حرة ، ولا ادري لماذا اهملت هذه النقطة الهامة ! لا ادري لماذا تستعملون اسلوب الاهمال والتركيز و كأن الناس لا يعلمون ! متى يتخلص حوارنا من الانتقائية على طريقة الاعلام ؟ فما يـُركـّز عليه موجود وما لا يـُركز عليه غير موجود !!

هذه النقطة التي اهملتـَها قصدا تـُفسد كل البناء السابق .. والدليل على الاختيار الحر هو اختلاف الناس ، لو كانت المسألة جبرية لكان الناس بطريقة واحدة ، لكن الواقع عكس ذلك ، هناك ظالم وهناك عادل ، هناك صادق وهناك كاذب ، هناك وفيّ وهناك خائن ، وهذه النقطة ايضا تـُفسد البناء السابق .. فالجبرية يجب ان تكون على العموم .. ولا تتحجج بالظروف ، لان الظروف و كل الظروف تصلح لردة فعل مختلفة ، لا توجد ظروف مـُلزمة بخلق معين ، هناك من يُظلَم ويُضرب ثم يعفو ، وهناك من يُظلم فيتحول الى سفـّاح ، و كلاهما بنفس الزنزانة اذا افترضنا انهما عاشا في زنزانة واحدة و لهما نفس الجلاد ..

ولا تتحجج بالثقافة او الجينات ، لان كلاهما مرت عليه الفكرتان ، و اختار احداهما .. اذن منطقيا و واقعيا لا وجود للجبرية الاخلاقية .. اذن الله يختبرنا في اختيارنا الحر ، ولهذا نحن نعيش ثم نترك المسرح ليأتي من يقدّمون اختباراتهم غيرنا ، وهكذا ، الى ان ياتي وعد الله ..

منطق الدين الصحيح يرفض الجبرية ، ويؤكد على حرية الاختيار ، (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) .. هذا مع ان الله هو الذي خلق الشيطان و خلق الفطرة السليمة ايضا ، و خلق الكون كله ..

بعبارة اخرى : الله خلقك و خيّرك ، بحرية كاملة .. وسوف يحاسبك على اختيارك ، انت وغيرك .. نعم هو خلق الشيطان لكنـّه حذرك منه ، وخلق الفطرة الخيرة وشجعك عليها ، اذن الله خيـّر ؛ لأنه وقف مع الجانب الخيّر في الحياة .. مثلما خلق الشجرة و قال لآدم وحواء لا تقربا هذه الشجرة ، هل يكون شريرا من يحذرك من الشر ؟ ويكافئك على الخير ؟ اين المنطق يا قوم !؟
=========== تحديث 3 ================= 

غاوي حكمة :


عزيزي الوراق
تحية عطرة لك
يبدو أنك إنسان نبيل تأخذ من أسوأ الأشياء أفضلها ، لذا فأنت حسن الظن بدينك وإلهك وتصبغ علي شواش التراث الديني المتناقض والنصوص القرآنية غير المحددة أجمل ما فيك .
كنت بالأمس أتناقش مع مجموعة جهاديين وذكرت لهم آية (من شاء ... ومن شاء ...) فقالوا أنها منسوخة .
لذا فأنا لن أطيل عليك وسأسألك سؤالاً مباشراً وأرجو أن تجيبني :
هل أخلاق الإسلام أخلاق نسبية تخضع لظروف البشر من التغيير والنسخ والتطور أم هي أخلاق تعبر عن مبادئ مطلقة تنبع من ذات مطلقة ؟
لك مني كل الحب

الرد :

عزيزي ..

صدقني انني لا اصبغ جمالا على القرآن ، لكن هو الذي اصبغ عليّ جماله ، لانه سراج منير .. كلما فعلته هو انني سرت وراءه بعد ان أظلمت نفسي من الشكوك وعجز عقلي ان يجيبني اجابة شافية ..

(كتابا انزلناه ليدبروا اياته) اي ليكونوا في دبر آياته و يتبعونها ، و ليس أمامها يقودونها الى ما يريدون هم و إلى ما يفهمون هم ..

وقبل ذلك ، لم يكن كلامي جميلا ، و كنت أنفر من نفسي ، ولم أرَ فيها جمالا ، وهذا ما سيكون لكل من استضاء بنور القرآن ، لأن القرآن هو الوحيد الذي يبني العقل السليم ، و صدق ذلك او لا تصدقه .. ولاحظ الايات أذكرها في آخر الفكرة ، و هذا لا يعني ان الفكرة جاءت مني و بحثت لها عن شاهد من القرآن ، بل العكس هو الصحيح .. فالآية هي التي قادتني للفكرة ..

أنا لا أجمّل الإسلام ، بل اكشف جماله ..  

اما بالنسبة لسؤالك .. فالثاني هو ما أراه .. بل لا اصدق بالأخلاق النسبية ، لانها من افكار الفلسفة المادية لتنحّي الاخلاق عن الساحة .. فالاخلاق مطلقة دائما .. و إن كانت تتغير "اشكال" الاخلاق ، لكن لا تتغير مضامينها .. لاحظ تغير اشكال الكرم في الماضي والحاضر وبين الشعوب والاقاليم ، لكن الاحساس بجمال الكرم واحد عند الجميع ، و هو المهم في الموضوع وليست الطريقة ..

أحيلك عزيزي على موضوع لي أسهبت فيه في تفصيل قضية الاخلاق لعله يجيب على ما لديك من تساؤلات ويغطيها .. وهو موجود في مدونتي على هذا الرابط ..




اما القول بأن آية (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) منسوخة ، اذن فيجب نسخ ايات كثيرة تشبهها ، اي الغاؤها ، فالنسخ الغاء و تعطيل .. فهناك ايات من مثل (لكم دينكم ولي دين) ، (افنلزمكموها وانتم لها كارهون) (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) (لمن شاء منكم ان يستقيم) (اما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك الا يزكى) (انما انت منذر من يخشاها) (فلعلك باخع نفسك على اثارهم) ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا) .. وغيرها كثير .. فهل كل هذه الايات من القرآن اصبحت من حشو الكلام ؟؟ والله يقول (انه لقول فصل وما هو بالهزل) .. وهل ذكر آيات بهذه الكثرة وتعطيلها من الجدية ؟

وما هي هذه الاية التي نسختها كلها ؟ هل هي آية (اكملت لكم دينكم .. و رضيت لكم الاسلام دينا) ؟ وهي تشير الى تبني "المؤمنين" لهذا الدين واختيارهم له دون الاديان ، وليست لعموم الناس ..

وإن قالوا انها نسخت بآية : قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة : 29] ، فهذه الآية مخصصة بالذين اوتوا الكتاب وليس لعموم البشر ، ولاحظ ايضا انها مخصصة من الذين اوتوا الكتاب ، اي الفئة الباغية من اليهود التي آذت الرسول و المؤمنين في المدينة وما حولها ، و ليست عامة لقتال الناس لمجرد انهم غير مسلمين ..

و يؤيد هذا الكلام آيات أخرى ، مثل : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة : 8] ، و سبب نزول الآية يوضحها أكثر ، وآية (لا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا) ، (اوفوا بالعقود) ، (وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا) .. وكذلك آية (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) .. و ثناؤه سبحانه على الكثير من اليهود والنصارى ، والنصارى خصوصا ، و قوله عنهم (ان تبروهم وتقسطوا اليهم) ، مع انهم غير مسلمين .. وقوله ( ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا .. الخ ) ، و هي لا تعني دخولهم في الاسلام ، والا لما بقيت اسماء دياناتهم على حالها ، و لقيل (آمنوا بالله ورسوله وكتابه) .. و اذا كان العهد على عدم الاعتداء فهل يجوز قتالهم ؟ مع انهم لا يدينون بالاسلام ؟

وكما ترى انا لا أجمّل القرآن ، بل استشهد بالقرآن نفسه .. لماذا لم يقل : اقتل والديك المشركين ، بدلا من قوله (وصاحبهما في الدنيا معروفا) ؟ ولماذا لم يقل : اقتل من استجارك من المشركين ، بدلا من قوله (وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه) ؟

كل آيات القتال كانت تدور حول المعتدين المتآمرين على المسلمين الأوائل ظلما وعدوانا ، والذين ثبت كفرهم بأذيتهم و صدهم عن ذكر الله ومؤامراتهم الدنيئة ، ولم تأتي آية تقول : قاتلوا غير المسلمين .. فالقرآن لم يعلن حربا عالمية ، بل يقول (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) (ولقد كرمنا بني آدم) ..

كان يستطيع ان يقول : استمروا في حرب من لا يدينون دين الحق ، حتى لو جنحوا للسلم لا تجنحوا .. وهذه الاية تدل على ان حروب الرسول دفاعية ، لأن السلم غاية ، مما يعني ان الطرف الآخر هو المعتدي ، اما المعتدي فلا يجنح للسلم الا اذا انهزم ..

كيف يُـقبل دين ويعتبر دين رحمة وهو يعلن الحرب على الابرياء المسالمين من كل الديانات والشعوب ؟ هذا الفهم يشوه صورة الاسلام و يصد الناس عنه .. افترض وجود مذهب او دين في العالم يطالب بقتل كل من لا يعتنق به ، هل ستكون صورته حسنة ام سيئة ؟ وهل هو منفـّر ام مرغـّب ؟ و هل يعتبر مثل هذا الدين او المذهب رحمة للعالمين او عذابا وسببا للدمار والصراعات ؟

يجب ان تزول المفاهيم الخاطئة التي تشوه دين الله الحق .. لانها تصد الناس عنه وتجعلهم يكرهونه ، و ليس امرا مرغوبا للمسلم الحق ان يكون دينه مكروها ومنفرا ..

وما دام الدين اخلاق ، فمن الاخلاق الا تلزم احدا بالاخلاق ، وإلاّ كنتَ بلا اخلاق .. و كوننا نفهم ان الاسلام دين الاخلاق ، وبنفس الوقت يلزم الناس بنفسه بالقوة ، و هم له كارهون ، فهذا يبعده عن وصفه بدين الاخلاق .. ولا احد يفعل الاخلاق وهو مـُلزَم و مغصوب أو مـُهدّد ، ولا قيمة لاخلاقه حينئذ ..

الله قال (كتاب انزلناه ليدبروا اياته) ، اي كلها وليس غير المنسوخ منها ، و قال (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) ، اي كل النور ، اي كل القرآن .. والله انتقد اهل الكتاب بأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، وانهم يبدون بعضا ويخفون بعضا ..  ونسخ الاية الغاؤها من الاوامر والنواهي ، وبقاؤها للتعبد بقراءتها فقط .. !

ونسخ الاية يدل عليه ما بعدها : كلمة "نـُنسها" ، اي لا تكون موجودة ضمن المصحف ولم تذكر ، يدل عليها عبارة : ننسها .. وعدم التناقض بين الآيات يدل على انه لا يوجد نسخ في القرآن .. فالقرآن يكمل بعضه بعضا ، فلو كانت المنسوخة متناقضة مع الناسخة لجاز ذلك ، لكن القرآن ليس فيه تناقض .. فمثلا آية (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى) لا تتناقض مع آية (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.. الخ) ، و هي تدَرُّج لها ، لان هناك من لا يزال من المسلمين مبتلى بالخمر ، فعليه الا يقرب الصلاة وهو في حالة السكر على الاقل .. فالتحريم يكون اشد في وقت الصلاة .. وكلا الآيتين ضد الخمر .. سيكون نسخا لو كانت اية تأمر بالشرب وآية تنهى عنه ..

و اذا كان هناك ناسخ ومنسوخ فالأولى ان يحدده القرآن لا ان يكون للبشر ، لأن موضوع الغاء اية ليس بالامر السهل ، ولأن كتاب الله محفوظ ، فما بالك بالكثير من الايات التي تـُعطّل ؟ وهل يتناسب النسخ مع الحفظ ؟  حتى الرسول لم يحدد في الاحاديث ما هو الناسخ والمنسوخ في القرآن .. بينما القرآن يقول (اليوم اكملت لكم دينكم) ، فكيف يكون كاملا و به ناسخ ومنسوخ دون ان يكون هناك إخبار من المكمّل ؟  

و انظر الى المجهود الشاق في الجمع بين بعض الاحاديث المتناقضة بينما الجمع بين الناسخ والمنسوخ اسهل من هذا .. و هذا اجتهاد والله اعلم ..  

وشكرا لحضرتك على الاحترام ..

=============تحديث 4 ================



غاوي حكمة :



عزيزي الوراق
تحية عطرة لك
ماذا نقصد عندما نتحدث عن الأخلاق المطلقة ؟
إننا نقصد أن الأوامر الأخلاقية أوامر لا استثناءات لها علي الإطلاق .
فمثلاً عندما نقول ( قل الصدق ولا تكذب ) فإن هذا يعني أن هذا الأمر يمثل الخير المطلق ، لذا فعليك أن تقول الصدق دائماً وفي كل الظروف ، ولا علاقة لهذا الأمر بظروفك الشخصية أو ظروف المجتمع أو ظروف الحدث أو ضرورات المنفعة (الشخصية أو العامة) ، الأمر المطلق يعني أن الصدق خير باستمرار والكذب شر باستمرار ، فإن قال لك أحدهما أكذب من أجل المصالحة بين الزوجين ، فهذا الأمر شر في الأخلاق المطلقة ، وإن قال لك أحدهما أكذب لأنك في حالة حرب فإن هذا الأمر شر والحرب أيضاً شر والشر لا يولد سوي الشر في الأخلاق المطلقة .
هذا هو مفهوم الأخلاق المطلقة أو علم الأخلاق كما أسسه الفلاسفة المثاليين ، أصحاب الأخلاق المطلقة .
تعالي نسأل السؤال من جديد علي ضوء هذا التوضيح ، ورجاءً لا تسقط من نفسك النبيلة علي التراث ، لنكن موضوعيين ومحايدين .
هل أخلاق الإسلام أخلاق نسبية تخضع لظروف البشر من التغيير والنسخ والتطور أم هي أخلاق تعبر عن مباديء مطلقة تنبع من ذات مطلقة ؟
أرجو منك أن تلاحظ أن المطلق ليس أجمل أو أفضل أو أقوي من النسبي .
فإن صممت علي إجابتك بأن أخلاق الإسلام تعبر عن أوامر مطلقة ، فأرجو أن تذكر لي مثال أو مثالين للأوامر الإسلامية المطلقة والتي لا تقبل الاستثناء أو تخضع للظروف والضرورات .
لك مني كل الحب والتقدير والاحترام
.

الرد :

عزيزي ..

انا اقصد بالاخلاق المطلقة : كقيمة و مقصد و نية ، فنية الخير لا تتبدل الى نية شر ، وإلا نكون خرجنا من الاخلاقيات .. طبعا لا اقصد بإطلاق الاخلاق : إطلاق تطبيقاتها وتنفيذها على الواقع ولا إطلاق قوالبها ، فالأخلاق لها قنوات ولها صور ، فالصدق قناة ، له صور متعددة ، والكرم قناة و له صور متعددة تختلف من بيئة لبيئة ومن شخص الى شخص ، والوفاء قناة له صور متعددة كالوفاء بالعهد سواء كان عهد مع من نكره كخصم او عدو او مع من نحب كزوجة او وطن او وفاء بموعد وعدم التاخر عنه الخ .. وهذه القنوات اكثر ما تكون خيّرة ، وفي حالات نادرة تكون تؤدي الى شر يعرفها العقل الخيّر بسهولة .. لهذا يجب ان نركز تربويا على اصلاح النية والقلب قبل تلقين القنوات والصور الاخلاقية .. فاذا صلح القلب صلحت القنوات والصور ، وطبعا هذا لا يكون الا باختيار الشخص واعجابه بهذا الطريق ، المهم ان نذكره (لمن شاء منكم ان يستقيم) ..

اما من لا يختار طريق الخير فعلى الاقل سيهتم بالصور اكثر من القنوات ، و بالقنوات اكثر من النيات ، ولكن على كل حال سيكون وضعه اخف شرا ممن يعيش في مجتمع لا تركيز فيه على الاخلاق ولا يجد فرقا بين الخير والشر كالذي تنادي به المادية ، فأكثر مجتمع غير آمن أخلاقيا هو المجتمع الذي لا يؤمن بالاخلاق ويطعن بثبوتها ويصفها بالنسبية ويرجعها الى المصالح الخاصة, بسبب ضعف الوازع الديني والاجتماعي فيه. وهناك فرق بين المدنية وبين الاخلاق ، فاحترام المرور والوقوف صفا امام المخبز واحترام أوقات العمل من الصعب تصنيفه كعمل اخلاقي بحت ، لأن المصلحة والمجتمع هما اكبر عامل فيه ، والدليل على ذلك هو وجوده كصفة عامة عند بعض المجتمعات ، مع ان منهم من يحب الحياة للخير ومن لا يهتم بذلك ..والشيء الذي يجمع الخيّر والشرير لا يعتبر نظاما اخلاقيا او عملا اخلاقيا قدر ما هو اسلوب مدني اساسه المصالح .. فالطابور الذي يجمع الخير والشرير لا يعتبر دليل أخلاقي.  

في المجتمع الذي تتوفر فيه بعض القيم الخلاقية سوف يلزم مختار الشر نفسه - لاجل المصلحة والمجتمع - ببعض الصور الاخلاقية .. تماما كما ينادي الفكر الملحد .. البعض يفعل الخير حبا في الخير ولرب الخير ، وبعضهم يفعلها لاجل المجتمع ومصالحه معه .. كثير من الناس تسيرهم قوالب وصور الاخلاق الاجتماعية أكثر من اختيارهم لعالم الخير والحق والجمال .. وهم عادة من يلبس الحق بالباطل إذا اقتضت لحاجة. اختيار الخير لا يمكن أن يكون دون إيمان بوجود إله خير,  وإلا سيكونون هو الخاسر في عالم الانانيات, لبحثه عن الخير والالتزام به دون أي بعد آخر ولا مقابل.  

ان إطلاق الاخلاق كآليات وقوالب هذا يعني جمود الاخلاق وليس اطلاقها ، حتى يكون التعبير ادق ..

انا لا اؤمن بتطبيقات اخلاقية جامدة .. كالصدق دوما ، لأن الصدق دوما لا يحمي نية الخير دوما ، بل يفسح المجال لنية الشر ان توجد ، باسم الصدق .. الأخلاق مطلقة بنياتها وليست بآلياتها .. وكلامك صحيح : قد يـُفعل الشر بسبب الصدق الجامد الغير واعي .. بينما الاخلاق مرتبطة بالوعي وليست آلية ميكانيكية .. ورفض الاطلاق في الاخلاق والقول بنسبيتها كلاهما مهتم بشكل الاخلاق الخارجي الظاهري المطبق في الواقع وليس بدوافعها.. بينما الاخلاق في حقيقتها نية ومعنى ، بدليل انه قد يضرك شخص ولا تغضب عليه لانك تعرف ان نيته ان ينفعك .. وقد ينفعك شخص وتكرهه لانك تعرف ان نيته مضرتك .. اذن هذه هي الاخلاق ..

والاسلام نظر اليها من هذا المنطلق ، قال تعالى (الا من اتى الله بقلب سليم) ولم يقل بفعل او عمل واقعي سليم اثبت نجاحه , لأن الله غني عن اعمال العباد ، اذن ماذا يريد منا ؟ يريد الاخلاص في العبادة والنية السليمة ، لأجلنا ، فهو غني عنها ايضا .. و قال عن أعمال الكفرة الخيّرة لأجل المجتمع والمصلحة (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) لأنه لم يكن بنية الخير, فهو وصفهم بالكذابين المرائين المناعين للخير المعتدين الآثمين.. وهكذا تكون الاخلاق مطلقة في الاسلام في جوهرها وهو النية ، ولا يتغير الجوهر بتغير الظروف كما تقول فكرة نسبية الاخلاق .. و بهذا يكون القرآن هو الشاهد الوحيد على الأخلاق الحقيقية غير المقولبة و غير المصلحية المرتبطة بالنية , والتي حارت الفلاسفة عبر التاريخ فيها وتضاربت آراؤهم ناظرين إلى الشكل الخارجي, وهو – القرآن - الوحيد الذي قسم البشر إلى نوعين حسب نياتهم ،وأنا لا أجمّله هاهنا ، بل هو الذي يجمّلني ..

بينما النظرة البشرية تنظر إلى الناس على أنهم شيء واحد وان الظروف تجعله يتشكل بموجبها ، وهي نظرة بشرية قاصرة حتى عن الواقع ، فكم من شخص خيّر أجبرته الظروف ان يحدد بإطار الشر دون رغبة منه ، و كم من شرير جعلته الظروف في إطار الخير دون رغبة حقيقية منه ، وكل إناء بما فيه ينضح .. فخير الخيّر لا بد ان يتضح ، وشر الشرير لا بد ان يتضح ويكشف عن وجوده .. وهكذا تكون الأخلاق في جوهرها فردية و ليست جماعية ..

لهذا الله سيحاسب كل فرد لوحده وليس على مجموعات ثقافية أو جغرافية أو ايديولوجية أو دينية , لأن هذه اشكال لا قيمة لها عند النية.. إنه العدل الإلهي . لو كان القرآن من عند غير الله لكان الحساب جماعي , لأن البشر ينظرون للجماعات والأيديولوجيات وليس للأفراد, و لقال محمد مثلا وهو في عداء قريش : كل القرشيين في النار ، أو : كل يهودي أو نصراني في النار ، دفعة واحدة .. وكل مسلم في الجنة بدون حساب فردي ..

لكن الحساب عند الله فردي وعلى ما كان يستطيعه كل شخص ولا يستطيع ان يصل إليه أحد ، وهو النية ، حتى لا يكون مظلوما فالظروف تضغط على الإنسان وتلزمه ببعض السلوكيات التي قد لا يرضاها ، وبالتالي سيكون الحساب الجماعي ظلما . ألم يفضّل القرآن القول المعروف للسائل والشحاذ على من يعطيه و يمنّ عليه او يؤذيه ؟ مع أن من أعطى نفع ! مما يعني أن النية هي المحور عند الله وليس العمل لأنه عمل ، وقيمة العمل في القرآن لارتباطه بالنية وتصديقه لها : (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) بعد ان قال (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) ، والله له الأسماء الحسنى ، اي الفضائل , فالكريم والرحيم في عصر الجاهلية هو نفسه في عصر التكنولوجيا والفضاء (خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام) .. الظروف لا تجعل الناس يتخلون عن حب المروءة او الاعجاب بالشخص غير الاناني و النظر بسمو الى شخص يضحي بمصلحته رحمة بغيره .. الاخلاق كنيّة امرٌ مطلق ، اما كأشكال فهي تختلف من بيئة لبيئة بل من شخص لشخص ومن ظرف لظرف ..

القرآن مدح الصادقين ، والمقصود طبعا خطاب العقلاء الذين يعرفون متى ينفع الصدق ومتى لا ينفع .. لأن الاصل ان الصدق اخلاقي ، لكن هناك استثناءات وثغرات قد تسبب الشر من خلال الصدق كآلية ، و يعرفها العقل الخيّر بسهولة لأنه مبني على الخير وليس على قوالب محددة .. وخطاب القرآن هو لقوم يعقلون وليس لآلات ، و الامم كلها تعرف هذا الشيء ومع ذلك تمجد الصدق ، اي انها تمجد الصدق في موضعه ، والعقل يضع الشيء في موضعه ، فهل من العقل ان يخبر الجندي الاعداء عن اسرار معسكره ؟ حتى لا يكون كاذبا اخلاقيا ؟ هذا معروف بالبداهة ..

النميمة عبارة عن صدق !! لكنه ضار بجلبه للشر !! و لكشفه لنية الشر التي غطت على فضيلة الصدق .. اذن من السخف العقلي وصف الاخلاق بالآلية المطلقة ، لكن الاصوب هو وصفها بآلية ارادة الخير .. حتى لو وقع الشر بالخطأ فهذا لا يفقد ارادة الخير قيمتها ، لهذا نسارع بمسامحة من يضرنا بقصد الخير او على الاقل لا نغضب منه .. لكننا نغضب ممن همّ بفعل الشر حتى لو لم ينفذه ..

التمسك بالآلية في الاخلاق لا يقول بها احد ، و هذا يثبت ان النية هي اساس الاخلاق ، لان الناس يعيبون اخلاقيا على صادق يتكلم عن قبح وجه مَن أمامه ! وهو لم يكذب في ذلك ! او يعيبون على نمام ينقل الكلام الحقيقي بصدق بين المتخاصمين !! مع انهما يقولان الصدق !! اذن الاخلاق ليست الصدق ، بل نية الصدق الخيّر .. و إذا كان الصدق ليس فيه خير فيتركه الشخص بدافع الاخلاق .. ما دام الصدق يخدم نية الخير فهو اخلاقي مطلقا ، و اذا كان لا يخدمها يكون تحول الى شر .. اذن الناس ما بالهم يمدحون شخصا لانه صادق مرة ويذمون صادقا آخر ؟ إذن ليست هذه هي الاخلاق ، لكنها ممرات معتادة للاخلاق .. لأنه اكثر ما يكون الصدق خيّرا ، واكثر ما يكون الكذب شرا .. و لكل قاعدة شذوذ ..

وبما ان البرجماتية تتعاطى الاخلاق او تتركها حسب المصلحة المادية ، كذلك الانسان الفاضل يتعاطى الاخلاق المعروفة او يتركها حسب نية الخير .. تشابهٌ في الفعل واختلافٌ في المقاصد والمستويات ، الأخلاقي اذن ارقى انسانيا من البرجماتي النفعي .. اذن المقاصد هي كل شيء وهي المنطقة الحرة عند الانسان ، و بالتالي هي التي سيحاسبه الله عليها وليس على الفعل بحد ذاته ..

فإذا كان الخير الاخلاقي في الصدق أ ُصدق ، واذا كان الخير الاخلاقي في الكذب إكذب .. وهكذا تنحل مشكلة اللـّبس في قضية الاخلاق .. ولهذا لن يحل مشكلة الاخلاق ويحاسب عليها منطقيا الا احدٌ يعرف النيات .. و منطقيا يجب ان يكون هناك اله ، لشدة حاجة الناس لهذا الموضوع والفصل فيه ، وهو الانصاف لمن قصد الخير ، والعقاب لمن قصد الشر .. (يوم تبلى السرائر) ..

الخضر عليه السلام قام بأعمال اجرامية وغير اخلاقية في ظاهرها كالقتل وتخريب السفينة ، و كذلك قام ببناء جدار لقوم لم يضيفوهم.. لماذا ذكر لنا القرآن هذه الامثلة المتناقضة مع أشكال الاخلاق الآلية في سياق المدح ؟ إلا ليخبرنا ان الاخلاق هي نية و ليست آلية ..

وفكرة الكذب وشهادة الزور لاجل شيء فاضل كنصرة الدين مثلا او اتباعه واعتبارها كذبة بنية الخير و يتضرر بسببها احد ، فهي كذبة ضد الدين وليست في صالحه ، لان الدين مبني على الفضيلة و يكره الكذب ، فكيف يحتاجه وهو يرفضه ؟ ان هذا العمل عمل شر يلبس لباس الخير .. فالدين جاء ليحارب الزور والكذب الضار لأحد طبعا ، بل حرم الكذب حتى على اعداء الدين و طالب بالعدالة معهم ، مع أنه قد يفهم احد ان في ذلك نصرة للدين ، وإلا كيف يكون دينا متميزا ؟ (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .. وطالب بالوفاء بالعهد حتى مع ألد الاعداء للاسلام .. فهل في خيانة عهدهم نصرة للإسلام ؟ أم إساءة سمعة  ؟ الدين اساسا هو الاخلاق مع الخالق والمخلوقين والمخلوقات .. هذا ادق تعريف فهمته للدين الحقيقي ..

و شكرا على ادبك الجم وحوارك الرائع .. ايا كنت : مؤمنا او غير مؤمن .. ومعذرة على التشعب فالموضوع ذو شجون وكثير التشعبات ..

============== تحديث 5 ==============



مهندس كلام :

عزيزي الوراق لك السلام والتحية الطيبة وبعد

ردآ على مشاركتك رقم 14 .

ما معنى الأرادة المقيدة وما قيمتها إذا كانت مقيدة بالقدر والمكتوب من الله وتذكر الحديث القائل في آخرة لوإجتمعت أمه على ان يضروك بشئ لا يضروك الى بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف .

ما معنى رفعت الأقلام وجفت الصحف
.

الرد :

اولا هل تعترف بوجود ارادة ام لا تعترف ؟ انت تقول : ما قيمة ان الله يختبرنا وهو يعرف مسبقا كل شيء ؟ ثم قيمتها عند من ؟ عندنا  ؟ ام عند الله ؟ انت الآن تحاكم الله كبشر ونسيت وضعنا ، نحن نختبر ولا نعلم ماذا سنفعل ، اذن نحن في اختبار حقيقي ، و اذا كان الله يعرف فنحن لا نعرف ، اما موضوع الله فهو عند الله ، ما يهمنا هو موضوعنا ..

انت تحاكم الله بالمنطق وهو الذي خلق المنطق ! وهنا تجاوز للمنطق ، انت تشخص الله و تجعله شخصا عاديا ! وتحاسبه على افعاله بمنطقنا البشري الضعيف بالنسبة لعالم الغيب .. و كأنه لا يوجد حلول اخرى لهذه المعضلة ، انها معضلة بالنسبة لمنطقك و لكنها ليست معضلة بالنسبة لمن خلق المنطق .. اللامنتهي مشكلة بالنسبة لعقولنا ، و لكنه ليس مشكلة بالنسبة للاول والاخر ..

البداية من العدم مشكلة بالنسبة لعقولنا ، بل غير منطقية ، لكن الله خلقنا من العدم ، فهل نقول انه لا يمكن الخلق من العدم لان عقولنا لا تعرف ذلك ؟ اذن هل نقول لماذا يخلق الله وهو يعلم ماذا سنفعل و يختبرنا؟ عقولنا لا تعرف هذا ، لكن الله يعرف ، مثل ما يعرف بداية الشيء من اللاشيء ، و الشيء اللانهائي .. عقولنا لا تعرف شيئا لا نهائي ، لان عقولنا مبنية على الاحاطة والنهايات .. هل رايت كيف ان عقولنا غير كافية الا لعالمنا الذي انتج عقولنا ؟

اذن كل من يجري منطقنا البشري على عالم الالوهية هو يقوم بعمل غير منطقي ، مثله مثل من يـُمشي السفينة على الصخور تماما .. فليس لدى السفينة ارجل ولا عجلات لتسير بها ، وكذلك عقولنا ارجلها المعلومات ، وليس لدى عقولنا اي معلومة عن الماوراء .. كلها من الماأمام .. وكل شيء لا يعمل الا في مجاله ، (وما اوتيتم من العلم الا قليلا) ، من يستعمل جهازا في غير موضعه لا يحق له ان يصف نفسه بالخبير في هذا الجهاز ، والملاحدة يدعون العقلانية ومعرفة العقل ، و هم يقذفون به في مناطق لا يمكن ان يعمل بها .. و مع ذلك يصفون انفسهم بالعقلانيين ..

اول شروط العقلاني ان يعرف مجالات العقل قبل ان يـُعمله ، و من يعرف الشيء يعرف حدوده و مجالاته .. لا يوجد مجال واحد يقول الملحد انه غير صالح لمجال العقل والعلم ! وهذا دليل على عدم المعرفة بهذين الجهازين .. لا يهمهم شيء سوى التشكيك في الدين ، و سقوط الدين اهم عندهم من نجاح العقل ..     

هل تستطيع بعقلك ان تفهم اللانهائي او تتصوره ؟ طبعا لا تعرف عقولنا ، لانها لا تعرف الا بالنهائي ، اذن كيف تجري منطق على من ليس له نهاية ؟ نحن نعرف ان الله ليس بهازل ولا لاعب ولا ظالم ، وهذا يكفينا .. اما اسرار الله فهي عند الله ، يهمنا ما علينا ، و ما هذه الا وليجة و حجة لمن لا يريد طريق الله ، فيحاكم الله قبل ان يحاكم نفسه ، ويجري منطقه على عالم الالوهية الذي لا يعرفه ، فالله يحيط بنا وبمنطقنا ونحن لا نحيط به ..

يجب التفريق بين عالم الوهية وعالم بشرية ، وان لا نقحم العقل فيما ليس له به علم .. هذا اذا كنا نريد ان نؤمن ونسلك طريق الله والخير ، و اذا كنا نريد ان نعاند فسوف نطنطن كثيرا عند هذه النقطة ونكررها وكأنها كل شيء .. بل هناك نقاط غيرها تصلح للطنطنة ، و هذه من علامات الرفض وليست من علامات البحث عن الحقيقة ، وهي توقفٌ عن التفكير وليست تفكيرا ، لأن الالحاد لا يؤدي الى التفكير ، والشيء الغير موجود لا يدفع للتفكير ، الوجود هو الذي يدفع للتفكير ، والإلحاد يقول بعدم الوجود .. لهذا قلت لك ان الله يختبرنا ..

هل نفرح باي حجة على الله أو نفرح في أي حجة لله ؟ هنا منطقة الاختبار ، فشخص يفرح بانه وجد ادلة تطمئن شكه و تزيد ايمانه ، و شخص اخر يفرح بأن وجد شكوكا اضافية تخلصه من تانيب الضمير ، و كلاهما في نفس الظروف والبيئة .. انه اختبار الاختيار الازلي .. وهذا سر وجودنا .. وهذا هو واقعنا .. علينا ان ندرسه ونفهمه ، لا ان نقفز الى عالم الغيب والالوهية .. لنعرف انفسنا قبل ان نعرف الله ..     

وما معنى أن الله يختبرنا وهوا يعم مسبقآ بكل شيئ ما هذا المنطق أنه يتسلى إذا كان يعلم بمستقبل وبالغيب ومع ذالك يختبرنا .
أنت مثلآ تعرف أن النار التي في ألأرض تحرق الأنسان وكلنا يعرف ذالك لاكن أنت قلت بأنك سوف دخلت الى وسط النار في أحد الأفران لتختبرها وأنت تعرف أنها ستقتلك حرقآ .
فهل من الممكن أن نصدقك بأنك تختبر النار لا لا لا وألف لا بل سأقول والجميع سايقول أنك أنتحرت يعني هذا أنتحار وليس إختبار والسبب هوا أنك تعرف النتيجة مسبقآ فلماذا الأختبار .

وأيضآ كلامك في الأرادة للأنسان هيى أيضآ خلق من خلق الله وهوى الذي خلق الأرادة القوية للشرير وخلق الأرادة الضعيفة .

يا عزيزي كل شيئ خلق اليس كذالك في الدين إذآ الخالقلق هوا المكيف والمحدد لكل الضواهر والنتائج والتفاصيل نحن لا نمتلك اي شيئ في مصيرنا أو قرارنا من وجهت نظر الدين حتى الهداية هيى من عند الله وليست قرار يتخذة الأنسان
.

الرد :

لا ليس كذلك .. انت اسقطت كلمة "حرة" من كلمة الارادة متعمدا .. فهل منطقيا تستطيع ان تقول : الارادة الحرة خلق ؟ حضرتك مبتعد عن المنطق كثيرا ، فالمنطق يحتاج الى تركيز دقيق .. ولو كان الدين يقول كذلك بان افعالنا مخلوقة واختياراتنا مخلوقة اذن لماذا يمتحننا الله ؟ هذا مفهوم خاطئ .. (بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته) ، ولم يقل من خلقنا له سيئة ! الله خلق الانسان واعطاه الاختيار ، مثلما خلق الشيطان واعطاه الاختيار ، ولم يجبرهما على اختيار الشر ، والا لكان شريرا .. بل حذرهما من الشر الذي يبدا بالتكبر دائما .

الخيّر يخيّر ولا يـُلزِم بالخير ، وليس من احترام الخير ان يـُلزم احد به رغما عنه .. لأن الإلزام بالخير يُخرج عن الخيرية ، اذن الله لم يلزم احدا بالخير ولا بالشر ، وهذا تمام العدل .. كذلك الملائكة لم يـُلزموا بالخير ، لأن ابليس شذ من بين الملائكة ، ولأن بقية الملائكة تساءلوا عند خلق آدم ، ولو كانوا مبرمجين ومسخرين للطاعة لما تساءلوا .. بل انهم استغربوا على ربهم خلق آدم وقالوا (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ..       

في الأخير كلامي كله هوا من وجهة نظر الدين ومن معطيات الدين وليس مني وأيضا أنا لا أؤمن بها لاكن انا أحلججك بها لأنها من حجتك ومعتقداتك وانا اوريك التناقض والتضارب فيها فقط .

الرد :

لا تناقض ولا يحزنون ، وانت رد علي من دين الاسلام او من ديانة الملحدين ، ايهما شئت .. الله خلق كل المخلوقات واراد لبعضها ان تكون بارادة حرة ، ومن له ارادة حرة فهو يختار بحرية ومسؤول عن تصرفاته .. فيصح ان تقول بالتالي : ان الله خلق كل شيء ، وتقول : ان الانسان فعل السوء ولم يخلق الله سوءه ولم يلزمه به .. معادلة بسيطة ..  


عزيزي الوراق لك السلام والتحية الطيبة وبعد :

انت في مشاركتك رقم 10 كانك لا تقول شيئ جديد انت تدور الكلمات فقط
لأنه في الأصل انت ترد على تسائلاتي وأسالتي في تناقض الأيات والأحاديث بطريقة لغوية فقط .

والمقصود في كل كلامي هو التوجة العملي والسياسي الذي يراد منه في كل آية أو حديث هل كل الأيات في نفس التوجة ونفس الغاية العملية والسياسية أم هيى متناقضة ومتظاربة وكانها من عدة مصادر وعدة شخصيات وهيى لا تلتقي في خط واحد وقد ذكرت لك العديد من التناقضات في القرأن والأحاديث .

القرأن والأحاديث تقول وتأمر بالشيئ وعكسة في نفس النص الواحد ومعضم النصوص تختلف مع العلم والمنطق ومع نفسها في كل النقاط والتقاطعات .

مثلآ : قال تعلى :ان الله يعلم الغيب .
وقال في معظم الأحاديث ان كل شيئ مقدر ومكتوب مثل قوله رفعت الأقلام وجفت الصحف
ولاحض العكس هنا
قال تعلى : فخشينا ان يرهقهمن طغيانآ وكفر .
منطق فخشينا هوا علم يبنا على منطق الأحتمال وليس العلم بالغيب
.

الرد :

هذا اجتهاد الخضر و الكلام على لسانه .. وهو الذي قام بالاحتمال ، لأنه عرف كيف سيكون قلبه ونيته ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى : القران نزل بلسان عربي وعلى طريقة العرب بالتعبير حتى يفهمون .

ولاحض قوله تعلى : علم الله أنكم ستختانون فتاب عليكم .
كلمت علم هيى علم يبنا على منطق التجربة وليس العلم بالغيب
.

أرجدو منك ان ترد على هذا التناقض في المثل المذكور بمنطق التحليل والتعليل وليس المنطق اللغوي ومنطق الأعراب النحوي .

الرد :

عـَلـِمَ لا تقتضي ما اقتضيته .. يصلح ان يكون علم من علمه بالغيب ، لا يوجد مشكلة هنا ، سواء قال : علم ، او : قد كان يعلم الله من الغيب ..

ليست هذه الطرق مناسبة لاكتشاف بشرية القرآن ، بانتقاء لفظة تناسب البشر ثم نقول ان القرآن من صنع البشر ، لأن القرآن احترز عن هذا ، وقال : انا انزلناه بلسان عربي .. اي كل ما تحمل كلمة لسان ، وليس فقط اللغة .. حتى اساليب تعبير ذلك اللسان .. لهذا نجد في القرآن : إني معكم اسمع وأرى ، ولتصنع على عيني .. كما يعبر العرب ، وليس المقصود مثل العين التي نعرفها ، لأن الله ليس كمثله شيء ..
===================================


غاوي حكمة :

عزيزي الوراق
تحية عطرة لك
كل فلاسفة الأخلاق المطلقة يشترطون الإرادة الخيرة ليكون الفعل خيراً ، هذه الإرادة الخيرة تقابل مفهوم النية علي المستوي الديني ، ولكن الأخلاق الدينية مشوشة حيث يختلط الخير والشر بالحلال والحرام الديني (وليس كل حرام ديني هو شر أخلاقي ) كما تلتبس المفاهيم الدينية حيث يعتبر المتدين أن الخير هو تنفيذ الأوامر الدينية والشر هو الامتناع عما نهي الدين عنه ،

الرد :

عزيزي هناك نقطتان :

الاولى : انت تحصر الاخلاق بالتعامل مع المخلوقين ، اي البشر ، فقط ، وهكذا فعل اكثر الفلاسفة ، وهذا تضييق للمفهوم ، فالاخلاق لها ثلاث مستويات كما أرى ، و ليس مستوى واحد : مستوى مع الخالق ، ومستوى مع المخلوقين (الناس) ، و مستوى مع المخلوقات ، كالبيئة والحيوانات .. هل هذه المستويات خطأ ؟ اذا كانت صحيحة علينا ان نعتمدها حتى لا نحتاج مرة اخرى لتكرار الاختلاف ، و اذا كانت خطأ فوضّح الخطأ .. كما أرجو الا تنتظر مني افكارا قديمة و مكررة (معروفة) في اغلب الاحوال، لأن المعروف معروف ، وانا لا اعتمد على مراجع سوى عقلي والاستنارة بالقران .. و ما فائدة الحوار اذا لم يكن فيه جديد ؟

اغلب الحوارات العربية هي تبادل خبرات اكثر من كونها حوار بناء يفضي الى جديد او يتفق فيه على لبنة جديدة .. ولا اريد ان يكون حوارنا بهذا الشكل ، خصوصا وانا ألمس فيك الوعي والحكمة وحسن التحاور ..

النقطة الثانية : فكرة كيف ينظر المتدين .. ! هذه متاهة ، اذا حاولنا فهم الدين من خلال المتدين ، فبهذا لن نعرف الدين قدر ما نعرف المتدين . إنه يشبه محاولة معرفة امريكا بسياستها وايديولوجياتها وثقافاتها من خلال شخص يحمل جنسية امريكية .. و حوارنا هو عن الدين وليس المتدين .. اذن موضوعيا يجب ان يستبعد موضوع المتدينين في اي حوار عنوانه عن الدين .. و يدخلون في حوار عنوانه المتدينون .. مثلما يجب ن يـُستبعد الملحدين عن موضوع الالحاد ..

لا بد ان نفرق بين الفكرة و من ينتسب اليها ويطبقها ، و اذا ربطنا الفكرة بالشخص او الاشخاص الذين ينتسبون اليها ، فالنتيجة اقصائية  وظلم للشخص والاشخاص وللفكرة ايضا .. اذ ليس شرطا ان من يتبع الفكرة يمثلها ، و اذا درسنا الفكرة من خلال اتباعها ، نكون قد صعبنا البحث و شعبناه اكثر من ان نبسطه ، والأتباع دائما مختلفون ..

هذا ما اردت التنويه والتنبيه اليه : الاخلاق ليست محصورة على البشر ، والدين لا يفهم من خلال اتباعه ، بل من خلال نصوصه ومنطقه .. ولهذا فأوامر القرآن ونواهيه كلها اخلاقية ، من خلال هذا المنظور الواسع للاخلاق ..   

كذا ترتبط الأخلاق الدينية بالتعصب للملة فالسلوك الخير تجاه أفراد الجماعة الدينية قد يصير سلوكاً شريراً إن توجهنا به لأفراد ملة أخري لذا لا يخلو دين من العصبية ولا تستقيم أخلاق متدين إلا بجهد ذاتي بعيد عن الدين ،

الرد :

اختلف معك .. انت تنظر الى تعصب الاتباع وليس الى تعصب الدين ، فكرة الدين أصلا ليست مبنية على التعصب ولا على الغصب والالزام .. اساسه فكرة مبنية على المحبة ، لأنها تعتمد على ايمان الفرد ، باختياره ، وإلا فمن يستطيع ان يكشف هل هو مؤمن ام لا ؟! فالإيمان قضية بين العبد و ربه ، ولو كان هدف الدين هو التعصب لما اعتمد على الايمان الاخلاقي الذي لا يمكن كشفه بالضبط ..

ولهذا المتعصبون يركزون على اشكال و آليات يستطيعون قياسها ، أي المظهر الخارجي للدين و سيميائه ويغرقون في التفاصيل الشكلية المادية ، ولا يهتمون بالإيمان والاخلاق ومبتعدين عن اساس الدين في اكثر الحالات ، بينما الدين اساسه ايمان اخلاقي .. هذا ينطبق على كل دين ، فلا يوجد في اي دين الا و إلهه فاضل وكامل ، ترى لماذا ؟ لأجل المحبة .. اذن اساس الدين المحبة ، و لا يوجد دين الهه ظالم ومع ذلك يعبده اتباعه ! الا عبدة الشيطان من الملحدين ..

نحتاج الى فهم اعمق لفكرة الدين العميقة اصلا ، ولا ننخدع بمظهر الدين واتباع الدين ، أنظر الى الدين كفكرة نبيلة وعظيمة ، لا يتبادر الى ذهنك عندما تذكر كلمة دين بعض الاتباع المتعصبين المنفرين .. خذ الفكرة بتجريد حتى ترى جمالها و قيمتها الحقيقية ..

ان اقتران كلمة تعصب بكلمة دين ، لم ياتي من باحثين محققين متعمقين يفهمون ما معنى كلمة دين وكلمة تعصب ، بغض النظرعن المتدينين ، وهو اقتران ظالم ظلم تخصيص بدون مخصِّص .. إن عكس الكلمة هو الصحيح : كل ما هو سوى الدين في جوهره مدعاة للتعصب ، لأن البشر في تنافس ، والتعصب صفة بشرية و ليس صفة دينية الا بفهمٍ محوّر للدين وتحويله للبشرية ..

أما تصوير الغربيين أنهم خالين من التعصب والارتباط بالعلم فقط أينما ادى هو و المنطق ، فهذه دعوى عريضة ومضحكة .. فهم كغيرهم من البشر ، بل ان التعصب وصل عندهم الى حد ان العنصرية عرفت عندهم اكثر من غيرهم ، ولا زالت بقاياها غير قابلة للزوال ، و تعصبهم لإسرائيل الدينية العنصرية أمرٌ لا يحتاج الى تنويه .. 

و إذا عممنا فكرتك ، سيكون كل فلسفة او وجهة نظر تصنع التعصب ، و ليس فقط الدين .. فمثلا الاسلام ليس اقصائيا في اساسه ، لأنه جاء لكل البشر ، و كذلك كل دين اذا استثنينا اليهودية كديانة لقبيلة واحدة هم ابناء الله والله لهم ، بعد تحريفها من قبل العشائر اليهودية .. وإلا ففي أساسها ديانة توحيدية كغيرها .. و هم من اغلقها عن غير اليهود دينا و نسبا .. وإلا فإن موسى لم يغلق الدينة ، فقد دعا فرعون و قومه الى الاسلام و هم ليسوا يهودا من بني اسرائيل ، و قال (و أهديك الى ربك فتخشى) ..

اذن لا يوجد دين مغلق في اساسه ، اذ ليس متناسبا مع معناه كدين ، وليس في صالحه أن يغلق و يَرفض بقية البشر .. ولهذا فنشر المحبة والتبشير هو اساس علاقة الاديان بغيرها ، لتكسب الاتباع بالمودة و ليس بالتعصب .. اذن الاديان في اساسها تنشر المحبة لا تنشر العداوة ..

اذا كان مسلم يريد ان يكسب هندوسا او مسيحيين ، سيعاملهم احسن معاملة ، والعكس موجود .. و وضع الاسلام زكاة للمؤلفة قلوبهم من غير المسلمين تـُدفع من مال المسلمين .. و لكن اصحاب المصالح والاهواء هم من اشاعوا التعصبات لاسباب سياسية على مدى التاريخ .. بدليل تبدل هذه التعصبات وعدم ثباتها ..  

ليس من صالح الدين ان يخسر اتباعه بنفسه ، و لهذا كلمة الكفار و ما ورد من وعيد فيها ليست ضد بقية البشر ، لكنها ضد من عرف واختار ان يكفر ، بل و يصد ويؤذي قال تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم) .. الدين يريد ان ينتشر ، و الكافر يقوم بالصد عنه .. اذن من يريد الدين ان ينتشر بينهم لم يكرههم الدين ، بل يطلبهم وهو حريص عليهم .. لأنه لا احد يؤمن الا برضاه ، فالايمان بين العبد و ربه .. و إلا لما انتشر الاسلام بين المسلمين الذين لم يكونوا في الاساس مسلمين .. (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) ، وليس عدوا للعالمين .. ولهذا كل دين يحاول ان يكسب ويرضي من ليسوا في داخله ، لا أن يعاديهم ويتعصب ضدهم .. فهو الخسران حينها ..

اما تعصب الاتباع ، فهو موجود داخل الدين الواحد نفسه ، و داخل المذهب الواحد نفسه ، و داخل البضعة اشخاص من الجماعة انفسهم .. فالتعصب نهايته الأنا .. التعصب قضية أخلاق مهملة ليس إلا ، ولا علاقة له بالدين .. انه موجود حتى في كرة المضرب !

اذا تكلمنا في المنطق فلنعمم حتى نكون موضوعيين .. اذن فكرة الدين كدين لا تقوم على تعصب ، و التعصب يدخل في كل شيء يتنافس فيه البشر ، وليس فقط الدين .. التعصب قضية بشرية وليس قضية دينية .. بل هو سبب الجهل بالدين نفسه أو اي شيء آخر .. فالمتعصب جاهل .. حتى لليبرالية .. وحتى لفنان معين او رسام او لاعب الخ .. لانه لا يستطيع ان يرى ما سواه الا لا شيء ، وهذا ليس الواقع ..   

 كذا تتلون نفسية المتدين بالطمع في النعيم المادي الأخروي والخوف من العقاب المادي الأخروي فيساق أخلاقياً بالترهيب والترغيب مما يجعل الأخلاق الدينية في النهاية مشوشة بقدر كبير .
هذا بعكس الأخلاق المطلقة الفلسفية ، المنظمة والمتماسكة والواضحة في تعريفاتها ومبادئها وكأنها نسق هندسي .

الرد :

العكس هو الصحيح .. اولا الفلسفة لا تقدم اخلاقا ، لان الاخلاق لا يمكن أن تفلسف ولا تقوم ولا تعيش الا على اساس ديني ، و حتى الاخلاق الموجودة عند الملاحدة هي اساسا من الدين حتى قبل ان يلحدوا ، لأن وجودهم طارئ على البشرية التي لم تعرف الا الدين منذ وجدت ، فهو الذي شرعها في المجتمعات و ليس الالحاد ، والدليل توقف كانط عندما قال : افعل الفضيلة لانها جميلة ، و كفى ! وهو ربما افضل فيلسوف احترم الاخلاق ، و دعك من الابيقوريين والبرجماتيين والفلسفة المادية التي ترى الاخلاق ليست الا وسائل عيش ، مثلها مثل المال .. فهل هذا بناء هندسي محكم ؟ ناهيك عن الفلسفات التي جاءت لهدم الاخلاق اصلا ، كالفلسفة المادية الالحادية ، و الشيوعية التي تهزأ من الاخلاق جميعا والتي تصفها بالحيل البرجوازية ..

لا بناء محكم للأخلاق – حتى فلسفيا – الا بوجود الدين ، وهذا ليس شعارا اطرحه ، بل قضية اناقش فيها ، بالمنطق ، وليس بالتعصب ..

إن وجود محفز على الاخلاق كالنعيم والعقاب لا يفسدها كما تتصورون وتكبرون من هذا الموضوع ، بل يكرسها ويعطيها عمقا اكبر ، اذ ليس اساس دخول الدين هو الجنة والنار ، بل المحبة والاقتناع ، اليس كذلك ؟ .. لا احد يدخل الدين لانه يتحدث عن نعيم او عذاب في الآخرة بينما هو لم يقتنع بها ..

دائما تفكرون في النتائج ولا تفكرون في الاسباب ، فالدين له اسباب وانتم تنظرون لنتائجه وتجعلونها اسبابا ! قل لملحد : الدين يعدك بجنة و يحذرك من النار ! هل هذا يعني انه سيفل سجادته ويصلي ؟ مع أنه هو الاحرص على المتعة بموجب المبادئ النفعية التي يعتمدها تفكيره .

عموماً فأنا أحترم وجهة نظرك وانتقائك الأفضل من بين الشواش الديني .
لذا وسعياً نحو تقدمك وتقدمي أود أن أعرض عليك وجهة نظري ، وأتمني أن تنقدها وسأتقبل من إنسان نبيل مثلك أقصي لغة نقدية .
أنا أري أنا مفهوم الإرادة الخيرة كمفهوم مجرد مطلق هو مفهوم مركب من تجريدين ، فالإرادة توجه واعي وقصدي لتحقيق رغبة ما (أي رغبة بدأً من التأمل فيها وبلورتها ثم تنفيذها ) ، فالإرادة نتاج ل (توتر + رغبة + قصد ) ، والخير تجريد قيمي لكل فعل يهدف لتنمية الحياة والتواصل الإنساني ، والإرادة بهذا المعني ترتبط بالخير والشر بنفس الدرجة كما ترتبط بالأفعال التي لا تعد خيراً ولا تعد شراً (الأفعال العفوية والمحايدة ) ، إذن فالإرادة الخيرة هي مفهوم مركب ومعقد مما يجعلها أصيلة في نسبيتها ةبعيدة تماماً عن صلاحيات المطلق .

والسلوك الإنساني الأخلاقي سلوك نسبي يرتبط ببنية معقدة للغاية ( وعي بالنافع والضار ، تمييز بين الخاص والعام ، فهم عميق للدوافع والمعاني والأهداف ، تقدير للأفعال والأدوات والنتائج ، تدريب للإرادة علي مستوي التنفيذ وتحمل المشاق )
نظراً لهذه البنية المعقدة والمتشابكة لطبيعة السلوك الأخلاقي ، ونظراً لعوامل التطور والتنشئة الاجتماعية المطورة سيظل السلوك الإنساني الأخلاقي نسبي علي المستوي الواقعي ، وهذه النسبية لها مستوي آخر حيث يسعي الفرد صاحب الأخلاق للتوازن النسبي بين تصوراته المثالية نحو الخير ورغباته النفسية والجسمية (أو مصالحه) وبين التقاليد والأعراف المتوافق عليها في المجتمع ( التوافق المجتمعي نسبي أيضاً )
يمتلك العقل الإنساني فعالية تجريدية راقية تدفع بالتصور لأقصي درجة ( المطلق ) هذه الفعالية العقلية التي أنتجت المطلق ما أن تسقط في دائرة التنفيذ حتي يتضح وهم المطلق وتتخلل النسبية في كل التفاصيل .
كنت دائماً أقول أن الخير الحقيقي قليل جداً وكذا الشر الحقيقي ، وكنت أقصد أن السلوك الأخلاقي والذي يؤدي إلي درجة عالية من التوازن بين (التصورات حول الخير والدوافع النفسية والجسمية والتقاليد الاجتماعية ) لهو أمر قليل جداً وكذلك الشر الحقيقي وهو السلوك الذي يؤدي إلي خلل شديد في التوازن بين هذه المكونات الأساسية
.

الرد :

معذرة ، وانت سمحت لي بالقسوة ، ولكنها ليست عليك ، بل على من شرعوا هذا الكلام المعقد والذي فهمه لوحده يعتبر امرا خارقا ، لانه مليء بالنسبيات والجزئيات والتوازنات .. مثل هذا الكلام هو ديدن العقلية المادية لتنفي الواضح البديهي بمعقد مركب ضبابي .. هذا النوع من الطرح اسميه : الطرح النافي لغيره غير المثبت لنفسه .. اذ لا يراد منه الفهم قدر ما يراد منه مسح المفهوم .. انها الممحاة العقلية التي تستخدمها الفلسفة المادية لمسح بديهيات البشر البريئة والخيرة والتي طرقتها العقول والافهام عبر آلاف الاجيال .. مثلما فعلت في نفي فكرة الخالق .. ومثلما فعلت في نفي مبدأ السببية ، ومثلما فعلت في نسف الاخلاق بحجج النسبية والمصلحة ، وها هي الان تفعل ضد الاختيار الحر ، و كل هذه بديهيات عرفتها البشرية بتلقائية عقلية ومنطقية .

لاحظ ان الطرح النافي صعب و معقد ومبهم ، لينفي واضحا تلقائيا .. فإثبات الارادة الحرة امر تلقائي و بدهي يعرفها كل الناس ، و نفيها صعب .. وكل الناس يعرفون نية الخير ونية الشر ، ويتعاملون مع بعضهم بموجبها ..

الرد على الكلام الواضح يجب ان يكون بكلام اوضح منه .. لأن الأكثر وضوحا هو الاكثر صوابا ، في كل شيء .. وهذا لا يعني التبسيط والتسطح ، فهو شيء آخر ، وهو لا يـُفهَم أيضا .. والمادية تستعمل الاثنين حسب الحاجة .. لذلك هي من اقل الفلسفات تفهيما واكثرها نقدا لغيرها .. بل تكاد تكون معدومة البديل الفلسفي ..

وبالنسبة لتفسيرك للارادة بأنها توتر و رغبة و قصد ، فالقصد هو الارادة ، وقد يقصد الانسان ما يعاكس رغبته ، كحالة التضحية مثلا ، لذا التعريف لم يكن دقيقا بالقدر الكافي ..

تقول :

الخير تجريد قيمي لكل فعل يهدف لتنمية الحياة والتواصل الإنساني ،

لماذا خصصت الخير بهذين الهدفين فقط ؟ هذا تعريف مصلحي مادي ، يمثل فلسفة معينة ولا يمثل واقع كلمة خير .. هذا التعريف لا ينطلق من ذات الخير او الشر ، بل ينطلق من الرؤية المادية للخير او الشر . نحن نريد تعريف الاشياء بذاتها لا بآراء مسبقة عنها .

هناك من يضحي بحياته ، اي خرم الهدفين كلاهما ، لاجل الخير ! هذا تعريف ضعيف جدا كبيت العنكبوت ! ويمثل تعريف الخير المصلحي النفعي ، والذي لا يستحق ان يسمى خيرا بل هو مصلحة ، كالمحافظة على النظام والطابور وقوانين المرور والمدنية ومواعيد العمل ، وهي من الامور التي تميزت بها الحضارة الغربية معتقدين انها هي الخير ، وبالتالي هي الاخلاق ، بينما هي مصالح يعاقب القانون على تركها ما استطاع الى ذلك سبيلا .. والقانون وضع لاجل المصالح .. فالاخلاق الحقيقية تعني التضحية بالمصالح وليس البحث عنها ، لانه لا يبحث احد عن شيء واحد بنيـّتين (الأخلاق+المصلحة) في نفس الوقت .. (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) .. فلا يجتمع عطاء وأخذ في نفس الوقت ..

وتقول 

الإرادة بهذا المعني ترتبط بالخير والشر بنفس الدرجة

طبعا ، تبعا للمقدمة المادية السابقة ، سترتبط الارادة بالخير والشر ، لانها ارادة مصلحة اصلا ، فالارادة تمت قبل النظر الى الخير او الشر ، لانها ارتبطت بالمصلحة والانا ، وما بعد ذلك لا يهم .. إن وافقت المصلحة خيرا او وافقت شرا ، المهم ان المصلحة تتم .. أنت هنا لا تتكلم عن ارادة حرة ، بل عن ارادة مقيدة مسبقا بالمصلحة . وتطأ ما أمامها من خير او شر على الطريقة البرجماتية المنطلقة من تاليه الذات وجعلها مصدر التقييم ، طبعا تبعا لمصلحتها سيكون التقييم ..

وهكذا نفهم السياسة الغربية التي نجدها احيانا ترتبط بالخير او ترتبط بالشر دون اي خجل ، لكننا نستطيع ان نفهمها اذا عرفنا منطلقها وهو المصلحة ، وليس الخير ولا الشر ..والمشغول لا يشغل ، فمن انشغل بالمصلحة لا تهمه قضية خير او شر ، لانه ارتبط وانتهى الامر .. (أرايت من اتخذ الهه هواه) أي اتخذه وانتهى الامر . لهذا تضاءلت عندهم هذه المفاهيم وأخذت طريقها نحو التهميش .. طبعا لا نعمم على الشعوب الغربية ، ولكن كفلسفة مسيطرة ، ومن فكر مثلهم واهتدى بهديهم النفعي المادي فقط ..

الخير والشر مفهومان بعيدان عن التعريف المعقد السابق ، فهو لا يعنيهما قدر ما يعني المصلحة ، والمصلحة لا تعرف التفريق بين خير و شر ، وليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة ، كما قال تشرشل ، ولم يكن دقيقا ها هنا ، فالمصالح ليست دائمة ، بل تناقض نفسها بنفسها ، بينما هناك ارادة مصالح دائمة ، هكذا يجب ان يكون ، فلو كانت هناك مصالح دائمة كما قال ، لامكن وجود صداقات دائمة ..

الدين يتحول بفعل التشابك الثقافي لجزء من مكونات التقليد الاجتماعي لذا فهو بالنسبة لي موضوع للتأمل الأخلاقي وليس مصدراً لسلوكي الأخلاقي .
من الصعب جداً علي الملحد أن يصل لدرجة عالية من التوازن الأخلاقي في مجتمع ديني لأنه دائماً في علاقة جدل مع التقليد الاجتماعي .

سأعطيك مثالاً حتي نخرج من هذا التعقيد الفلسفي : أنا مثلاً أحب المسلم والمسيحي بنفس الدرجة ودربت إرادتي علي الحياد ( الغير مطلق) تجاه دين الفرد فقد أنصر المسيحي إن كان معه حق وأتحمل غضب المسلم البسيط الذي يحاجج بكون خصمه مسيحي .
هنا أن أبذل جهداً واعياً لتوجيه إرادتي نحو ما أعتبره خيراً وأنجح في ذلك إلي حد ما ، ولكني سأصدقك القول أنني قد أفشل إن كان الخلاف بين طفلي الذي أحبه وآخر .
أقصد أن أقول أن السلوك الأخلاقي هو فعل متواصل وجهد مستمر وطريق ضيق قد تحيد عنه في أية لحظة ولن ينفعك هنا أية منظومة خارجية (دين أو نسق مثالي مطلق أو مرجع للحق المطلق ) لن ينفعك سوي تأملك العميق وتدريبك الذاتي وقدرتك علي تحمل المشاق .

الرد :

الدين ليس منظومة خارجية ، بل منظومة داخلية ، فالمؤمن يتخاطب من داخله مع ربه ، و ليس من خلال الخارج .. ثانيا : اذا انت لم تستطع شيئا لا يعني هذا ان غيرك بالضرورة لا يستطيع مثلك ، ثم : لتعبر الدين كما اعتبرته منظومة خارجية ، الن يزيدك ويحفزك اكثر على مجهودك ، اذا كنت انت تحب الاخلاق وبنفس الوقت انت مؤمن ، ودينك يعطيك محفزات على الصبر لأجل الأخلاق ؟ هل الدين هنا لا ينفعك اخلاقيا ؟ ام انه يدعمك اكثر و يربت على كتفك اذا تألمت ويعدك بالتعويض والمحبة ، و يذكرك بأن الدنيا ستمر بسرعة ، فعليك ان تكتب فيها صفحات مضيئة ، حتى لو تألمت بعض الشيء ، إذا لم يقر الناس مجهودك فالله الذي هو أهم من الناس ينظر اليك برضا ، واذا رضي عنك ارضاك وارضى عنك الآخرين ؟ كل هذا لم تعتبره ولا حتى محفـّز ؟ مع انه في الحقيقة و التحقيق ليس مجرد محفز ، بل اكثر من ذلك : إنه اساس وجود الاخلاق عند البشر ، وإلا عمليا ومصلحيا لا جدوى حقيقية للاخلاق ، لانها تضحية بالمضمون بدون مقابل مضمون ..  والبشر يهمهم المضمون ، بدون الدين يتجه البشر الى القوانين والمدنية ، ليخففوا افتراس بعضهم لبعض ..

بعبارة اخرى : لو طبقت الانانية و الفردية وعبادة المصلحة بدون اي تاثير للاخلاق الدينية ، ستتحول الحياة تدريجيا للبعد عن الاخلاق ، لأنها تبتعد تدريجيا عن عالم الانسان الى عالم المادة و قوانينها التي لا ترحم ، والتي لا تؤمن الا ببقاء الاقوى على حساب الاضعف ..

ميزة الدين انه يلفت اهتمامنا الى الانسان في داخلنا ، اما المادية و العلم المادي فهي تبعدنا عن دواخلنا الى خارجنا .. و لولا الدين لتفلتت الانسانية ، و المثال واضح امامك : اتجه العالم الى المادة والسيطرة والغلبة وقامت الحروب العالمية والاستعمار ومات و يموت الملايين ، لماذا العالم انفجر بعد القرن الثامن عشر ؟ لانه ابتعد عن الانسان ، بسبب ابتعاده عن الدين ، في الغرب خصوصا ، وصارت قوانين المادة هي الحكم ، واتجهوا لصنع اسلحة التدمير في تنافس محموم ، لأجل البقاء للاقوى ، فقتل الانسان الانسان واستعمر الانسان الانسان ، وابتز الانسان الانسان .. صراعا عسكريا واقتصاديا وعرقيا وطبقيا الخ ..

الدين هو الذي يقول : التفت الى داخلك ، والعلمانية تقول : التفت الى خارجك .. والاخلاق نبعت من الداخل وليس من الخارج .. وقيمتها من الداخل وليس من الخارج ..

عزيزي الوراق أعتقد أنني متفق معك في كثير من التصورات بغض النظر عن مصادرك الأخلاقية ، لأني لا زلت عند رأيي فيك فأنت إنسان نبيل تختار الأفضل من بين الشواش الديني .
لك مني كل الحب والتقدير والاحترام

الرد :

يسرني كثيرا هذا الاتفاق الذي بيننا الى حد لا باس به ، بغض النظر عن مصادري أو مصادرك ، لنتفق اولا على الاحسن و الاجمل ، ثم نعيد النظر في المصادر ، فهي قضية ثانوية .. المهم هو البحث عن الافضل .. و ليس خطأ أن نبحث بين الشواش الديني وغير الديني ، لنخرج بمنظومة اخلاقية مفهومة يقبلها العقل ويبتسم لها الشعور الانساني .. و انا متأكد ان من يبحث عن الافضل سيجد الافضل ، و من يفرح بالأخطاء والشواش لن يجد الحق ، لأن من يفرح بالباطل لن يسره الحق اذا وجده ..

العالم كله مليء بالشواش وليس فقط الدين .. علينا في بحثنا ان نتخلص من صور التقديس التي يشل العقل ، وكثير من الناس يعتقدون ان التقديس ملازم للدين فقط ، و هذا غير صحيح ، لأنه حتى الفلسفة المادية وافكار الغرب هناك من يتناولها بالتقديس و يصف رموزها بالعظماء والعباقرة على طريقة التقديس ! ولا يصدق إذا قلت له أنه يقدس رموز الثقافة الغربية ! مع أن التحقيق يـُنزِل الكثير من هؤلاء العظماء عن منابرهم الذهبية ..

ما زلت معجبا بحوارك الراقي ، وتلمسك الحقيقة ، و أرجو أن تناقش كلامي السابق كعادتك كما هو ، لا باعتبار المراجع ، فأنا مجرد مجتهد لا يرجع إلى أحد سوى القرآن ثم شعوري وعقلي .. لأني انخدعت كثيرا عندما كنت أوزع ثقتي هنا و هناك ..

هناك 4 تعليقات :

  1. مع اني لااؤمن في اله الاديان لكن اقسم في الاله الذي تؤمن به انه لو اراد ان نؤمن به لأنزل دليل واضح على وجوده لايقبل الشك ولاالنقاش وبعدها ان كفرنا نستحق العذاب ولانقاش في امر عذابنا لان الحجه قامة علينا لكن ان يتركنا هكذا دون ادله وبراهين واضحه ثم يعذبنا هذا هو الظلم بعينه. كل الادله التي تسوقها الاديان لها عدة اوجه وليس دليل واضح انا اريد دليل لايحتاج الى دليل لإثباته. وثم قولبت الحياه ومأسيها وامراضها قد تحد البعض لإنكار هذا الاله قد تصل للاظطرار رغم انفه لانكاره لانه ان أمن سيخالف عقله والمنطق كل الناس لها قناعاتها الخاصه وتفكيرها المختلف عن الاخر ماتراه انت دليل يراه غيرك هراء ومايراه غيرك دليل تراه انت هراء اتمنى ان اكون مؤمن عن قناعه وليس عن خوف من النار ومابعد الموت بحثت وبحثت وبالاخير انا ملحددددد

    ردحذف
    الردود
    1. اقتباس:
      "مع اني لااؤمن في اله الاديان لكن اقسم في الاله الذي تؤمن به انه لو اراد ان نؤمن به لأنزل دليل واضح على وجوده لايقبل الشك ولاالنقاش وبعدها ان كفرنا نستحق العذاب ولانقاش في امر عذابنا لان الحجه قامة علينا لكن ان يتركنا هكذا دون ادله وبراهين واضحه ثم يعذبنا هذا هو الظلم بعينه. كل الادله التي تسوقها الاديان لها عدة اوجه وليس دليل واضح انا اريد دليل لايحتاج الى دليل لإثباته."

      هذا الكلام هو السفسطة نفسها، انت تماما مثل من يقف امام مفرق طرق ، طريق للخير وطريق للشر، فيتفلسف عن طريق الخير وهو يسير في طريق الشر، ويقول أنا لست على شيء ! بل على شيء ! لأنه لا ضد للخير الا الشر، سواء اعترفت ام لم تعترف ، ويستمر على طريق الشر و عينه على طريق الخير ينتقده، ولا ينتقد الطريق الذي يسير فيه، أليس هذا هو الضلال الكبير ؟ مثل هذا التصرف لا تفعله في الأمور المادية والمصالح، فإذا حذرك الطبيب من أكل طعام معين، لا تتجلس تتفلسف على الطبيب وانت تاكل من ذاك الطعام، وتقول : اريد ان اقتنع حتى احدد موقفي ، بينما انت تتناول ذاك الطعام ! هذا ما انت واقع فيه تماما. مثل هذا السلوك لا يُفعل إلا بدافع الهوى، اذن انت تحب الشهوات والدنيا و تكره وجود اله عادل يجازي كلاً بعمله، هذه الحقيقة فقط، انت تريد اثبات وجود الله وانت لم تحدد موقع رجلك ، لا احد يستطيع الوقوف في الحياة، لا بد ان تختار احد الطريقين، وانت اخترت لكن لا تعترف انك اخترت الشر، وتريد اثباتات على طريق الخير لكي تغير مسارك، واذا لم تصلك اثباتات فستستمر على الطريق لانه يعجبك، هذا بحد ذاته ادانة لك . اذا قال لك الطبيب هذا العلاج يؤدي لمرض خطير ، والعلاج الاخر يؤدي الى مرض معدي فرضا، هل تاكل احدهما وانت تحقق في شأن الآخر ؟ طبعا لا ، هذا لأن لك خيار ، لكن طريق الحياة لا يوجد هناك طريق ثالث، والكل يسير في هذه الحياة ويمشي اما على طريق خير او طريق شر ولا يوجد طريق ثالث. انت تسير في طريق الشر وتعاجز في طريق الخير وتطلب الادلة ثم تقول ادلة سخيفة ، اخرتها تقول اريد ان ارى الله ويعترف لي ، بينما انت مستمر في طريق الشر ، يا اخي استرح، الله لا يريد ان يتعرف اليك، المفروض انك انت من يخاف لانك صاحب الحاجة وليس هو، وتفكر في موضعك الان ، أانت تمشي على هدى ام ضلال، وانت الذي تاتي بالادلة على وجود الله، لا تنتظر احد، لانك انت المحتاج، قال تعالى (فذكر ان نفعت الذكرى سيذكر من يخشى) فقط، اما الذي لا يخشى فلا يتذكر. (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة وان الله لا يهدي القوم الكافرين) فأنت كافر اذن الله لا يهديك، فاسترح، ومعنى كافر أي احس بالحقيقة ولكنه جحدها، فإذا أنت كافر فإن الله لن يهديك ، فاسترح، وان كنت باحث عن الحقيقة فليس هكذا، الباحث عنها لا يستحب الدنيا ولا يطمئن لها ، ولا يتكبر ويعترف بجهله وضياعه، ولا يطلب أدلة مثل ما تطلبون، انت تريد ادلة مشاهدة وحواس، وهذا لن يكون ، لأن الله يختبرنا بالإيمان وليس بالمعرفة الكاملة، يطالبك أن تكون مؤمن ولا يطالبك أن تكون متيقن و عالم، ومثلما أنك مؤمن بعالم الإلحاد أنا مؤمن بعالم الإيمان، وكلانا لا يملك دليل قطعي. انت اخترت الطريق المضاد للحق وانت ليست لديك ادلة قطعية على صحة طريقك. فأنت تسلك طريق يبيح لك كل المحرمات، حتى لو كانت غير اخلاقية، هل عندك دليل قطعي ثابت أن هذه الفكرة صحيحة؟ طبعا لا . انت تقول انه ليس هناك حياة بعد الموت، هل عندك دليل قطعي على هذا ؟ طبعا لا . انت تقول ان الكون كله نشأ من بويضة وزنها صفر جاءت من لا شيء، هل عندك دليل على هذا ؟ هل انت منطقي ؟ انت لا تحتاج أدلة و لم تطلبها وآمنت بها بكل خرافات الإلحاد بدون أدلة.

      الله لا يهدي من لا يحب ، ولا يهدي المستكبرين، والله أرادها ان تكون هكذا، إتباع للشر أو إتباع للخير ، وأعد لكل جزاءه. الله يهدي من أحب ان يهتدي، وأما من لا يحب الهداية فالله يزيده ضلالا، فلا شيء يستقر ، فلو أنت كافر فستزداد كفرا، وان كنت باحثا عن الحقيقة ستصل لها يوما من الايام، وسوف يساعدك الله، مع أن ملامحك إلى الان هي من الصنف الاول والله اعلم بخلقه ومخلوقاته.

      يتبع

      حذف
    2. اقتباس:
      "وثم قولبت الحياه ومأسيها وامراضها قد تحد البعض لإنكار هذا الاله قد تصل للاظطرار رغم انفه لانكاره"

      فهمني كيف ذلك ؟ اريد ان افهم ، أنا لن انكر الله حتى انكر عقلي واحساسي ، لأني أرى ان العقل شيء حقيقي ومخلوص منه، أما أنتم كملاحدة فأنتم حبة تحت وحبة فوق، إذا العقل يخدم الهوى والمصلحة فأنتم عقلانيون، وإن لم يخدم تدوسونه وتقولون ان العقل لم يعد له قيمة. وهكذا تفعلون حتى مع العلم والتاريخ والفن وكل شيء ، اللي ينفعني ألعب فيه، فقط، فأنت لا تستطيع أن تفهم هذا الكلام، شيء أكيد، هذا يعني انك لن تفهم أي حقيقة اخرى، حتى العلم الذي تتبجح به، فقط تفهم اهواء نفسك ولا تستطيع حتى ان ترضيها. وأنا اعرف انك تعاني من عدم الفهم، لأن الملحد كل شيء نسبي عنده، حتى الحقائق ، وحتى ثبوت العلم نسبي، أي لا توجد حقيقة مطلقة عنده ولا قيمة مطلقة، ومن ليس عنده حقيقة مطلقة ليس عنده عقل مطلق ولا قيمة مطلقة، اذن حتى العقل يمكن أن ينحّى في بعض الظروف عندكم ، تماما مثل ما تفعلون مع الأخلاق، مرّة تقدّم ومرّة تؤخّر ، فهي خادمة للمصلحة. بعبارة اخرى : العقل والاخلاق والعلم ذات قيمة ثانوية عندكم، لأنها تنحّى وتحضّر حسب القيمة المهمة عندكم وهي المصلحة، و اي شيء يُنحّى ويحضّر لا يكون في المقام الاول، اذن النتيجة أنتم أهوائيون ولستم عقلانيين ولا اخلاقيين ولا علميين، لأن اهتمامكم الأول منصب على المصلحة ، وهذه القيم الثلاث خادمة للمصلحة، تحضر وتغيب. نستطيع ان نستبدل كلمة ملحد بكلمة أهوائي ونستريح، لأنه لا يؤمن بوجود أي ثابت. لا عقل ولا علم ولا اخلاق ، كلها متغيرة ونسبية ، اذن ما هو الثابت ؟ هو المصلحة ، والمصلحة ليست عقل ولا علم ولا اخلاق . شخص يدور حول مصلحته، هل يمكن أن يسمى عاقل او اخلاقي أو عالم ؟ لا ، لأنه يدور حول مصالح ذاته المادية فقط. وينتقي من غيرها ما يخدمها فقط، مؤقتا، الملحد لا يمكن اذن ان يكون عالم حقيقي ولا اخلاقي حقيقي ولا عقلاني حقيقي، لان المكان مشغول ،والمشغول لا يشغل ، مشغول بعبادة الملذات. أما عبادة الله فهي يتناسب معها هذه الثلاثة : العقل والعلم والاخلاق، ولا يوجد تعارض، ويحث عليها الدين الصحيح، لكن هوى النفس قد يتعارض مع قيمة عقلية أو علمية أو اخلاقية، فتُنحّى لأجل الأهم وهو هوى النفس. هذا نقاش لمبادئ الإلحاد التي يقر بها كل ملحد. وهذا يؤدي إلى التكبر، ألا يكون هناك شيء ثابت إلا أنت. أما المؤمن الحق فيؤمن بثوابت، والثوابت تجبرك ان تتغير انت ، اذن الإيمان طريق للتواضع، و كل البشر يعرفون ان التواضع ومعرفة حجم النفس أفضل من التكبر. المؤمن يمكن أن يسمى عالم او عاقل او اخلاقي ويمكن ألا يسمّى، ولكن هذا لا يكون مع الملحد اطلاقا. أنا أتكلم بالمنطق، و رد علي بالمنطق ان استطعت، أما كلمة "سخيفة" و "هراء" فهذه تثبت كلامي اكثر من كونها تنفعك.

      أنت عندما نحيت الأخلاق لأنها لم تناسب مصلحتك، أنت لم تفهم فائدة الأخلاق في هذه اللحظة ، وانكشف موقفك من الاخلاق، كذلك العقل عندما تشغله في لحظة وتغلقه في أخرى، هذا لا يدل على احترامك للعقل. وبالتالي لا يدل على احترامك للحقيقة، وهذا يعني عدم فهمك لقيمة شيء سوى رغباتك فقط. هذا اثبات لقولي أن الملحد لا يفهم شيئا، لأنه لا يعظّم شيئا سوى ذاته، وجعلها اكبر من كل شيء، وهذا قمة الضحالة وضعف الرأي. بعبارة اخرى : ممكن أن تدمر نفسك وأنت لا تدري، والسبب هو عدم الارتباط بشيء سوى رغبة اللحظة، وهذا الوضع يجعل الملحد بلا طعم ولا لون ولا رائحة ولا شخصية مميزة ولا احد يمكن ان يفهمه أو يثق به، فهذا الذي يبتسم لك من أجل المصلحة قد يكشر أنيابه في اللحظة التالية لأن المصلحة اقتضت، بحق او بباطل، المهم أنها اقتضت، لأنه لا يؤمن بحق ولا بباطل، ولا بظلم ولا بعدالة، فهي من القيم النسبية عنده.

      الله يقول (سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم) فالله سيرينا اياته في نفسي ونفسك، فلا تستعجل ، اما انا فقد رأيتها ولله الحمد، واطمع بالمزيد، وانت رأيتها ولكن لا تعترف ، ربما اذا اقترب الموت ستراها أوضح، لان لك قلب لا تحب ان تسمعه ومخاوف تتهرب منها وتعمل نفسك شجاع، شجاع على مين ؟ على ربك ؟ اعلم انك تتصور الحياة طويلة، هكذا الشيطان يمنيكم، لكن الحياة قصيرة، كل يوم احس انني قد لا اعيش غدا. (وما يعدهم الشيطان الا غرورا) .. أما انت فلا تحس بقرب الموت ، وتراه شيئا بعيدا جدا، وقبله بحار من الشهوات والمتع تنتظرك، وهذه من أماني الشيطان الخادعة التي يقدمها بالمجان لمن أطاعه.

      يتبع

      حذف
    3. اقتباس:
      "لانه ان أمن سيخالف عقله والمنطق"

      وإذا ألحد لا يخالف العقل والمنطق ؟ بأي منطق تتكلم ؟ بالمنطق المُحضَر أم المنطق المغيّب ؟ الالحاد كله خط معاكس للعقل والمنطق، بقدر معاكسته للأخلاق والقيم،وبالإثباتات المنطقية، كيف تتكلم بهذه الثقة؟ من علّمك و غرّك أنك تفكّر؟

      اقتباس:
      "كل الناس لها قناعاتها الخاصه وتفكيرها المختلف عن الاخر ماتراه انت دليل يراه غيرك هراء ومايراه غيرك دليل تراه انت هراء اتمنى ان اكون مؤمن عن قناعه وليس عن خوف من النار ومابعد الموت بحثت وبحثت وبالاخير انا ملحددددد"

      ليس صحيحا ، بل الناس لهم أهواء، بعضهم مسيطرة وبعضهم تحت السيطرة، أما الحقائق فهي واحدة. انت الان تتكلم وأنت مرتبط بهوى نفسك اكثر من ارتباطك بقناعاتك. لأنك ملحد والالحاد يعلنها صريحة أن هوى النفس هو الأساس ولا حقائق ثابتة غيره، لا علم لا دين لا اخلاق لا شيء .. وما دمت لا تخاف من النار ولا مستقبل مجهول، إذن ألحد ، أنت آلة و لست إنسان، بدليل أنك ملحد، والملحد أراد أن يكون إله فصار آلة.

      حذف