السبت، 8 ديسمبر 2012

رد على سؤال : لماذا بعث الانبياء والرسل ضرورة عقلية ؟ ..

* لدي تساؤل يؤرقني وهو لماذا بعث الانبياء والرسل ضرورة عقلية اذا كان ليس من الضروري أن كل ما نعتقده من خير او شر – بالنسبة لنا كبشر – سوف يفعله الله ضرورة ، لاننا عاجزون عن ادراك حكمته ، وهذا ينطبق على بعث الانبياء والرسل ، فبالنسبة لنا بعثهم خير وعدم بعثهم شر ، لكن لا يجعله ضروري التحقق لمجرد اننا نراه كذلك.

الرد :

هل تقصد ان الله سيفعل الخير أو الشر بالضرورة ام انه لن يفعل الخير أو الشر بالضرورة ؟  السؤال يحدده مفهومك عن الخير والشر .. هل تقصد الخير والشر المطلقان ام تقصد المنفعة والمضرة المقيدة بالفرد؟ والتي قد تكون خيرا بالنسبة له وشرا بالنسبة لفرد آخر ؟ فكلمة خير في القرآن استعملت بالمعنيين (يسارعون في الخيرات) هذا الخير المطلق (وانه لحب الخير لشديد) ، هذا حب المصلحة ، ولاحظ ان الأولى في سياق المدح والثانية في سياق الذم .

مثل هذا التفريق مهم حتى تتضح الصورة .. الانبياء نادوا بالخير المطلق ووعدوا به ،وأوفى الله ذلك،اذن بعثهم ضرورة عقلية وخيرية . ما نراه خيرا خاصا قد يكون شرا لنا ونحن لا نعلم ، لكن اطلاقا لن يكون الصدق والوفاء شرا لنا ، حتى لو تضررنا بسببها ، لانها خير مطلق، ولا يضيع جزاء الخير المطلق :(لايذهب العرف بين الله والناس) .

وإن ضيّع الناس جزاء الخير المطلق الذي فعلته فحتما لن يضيعه الله ، بل ان هذا يدل على وجود الله ، لاننا نشعر بقيمة شي و نجد احيانا مقابلا عكسيا له ، مما يعني ان هذه القيمة والجلال الموجودة في نفوسنا للخير لم تاتي من فراغ ، ويعرف شعورنا انها من اله كبير وسوف يكافئنا عليه 

* لن يفعل ما نعتقده نحن خير أو شر بالنسبه لنا وليس بالنسبه لله ، ففعل الله كله خير لاأشك في ذلك أبداً

الرد :

اذن اين المشكلة ؟ وليس شرطا انه لن يفعل ما نعتقد انه خير في بعض الاحيان ، فالله تعهد بنصر من ينصره مثلا ويعمل لاجله فقط ، لا لأجل منصب وشهرة ، و صدق وعده لنبيه وقد وعده قبل ان ينتصر ثم انتصر ، و وعد من يكون عبدا خالصا له بحياة طيبة وأن لا تصيبه الاحزان العميقة في حياته ، وهذا شيء واقع ، وأنا بنفسي جربت ذلك ، ونصيحتي لك أن لا تقتصر في معرفتك لله على العقل المجرد فهو لن يعطيك دلالة قطعية وإلا لم يكن هناك ايمان بغيب ، إعتمد على الايمان كأساس ، و ستجد العقل مساير له ولا يعارضه .

ليس شرطا ان تعرف كل شيء عن الله حتى تؤمن به ، فحينها لن يكون ايمانا بل علم يقين ، وعلم اليقين بالله لا يكون بالدنيا .. كل من يعيش على الارض لا بد أن فوق راسه سحابة من الغيب ..

الشجاعة في الايمان ، والجمال في الايمان ، العقل وحده لا يستطيع ان يجعلك تقرر مصيرك ، بسبب سحابة الغيب التي تظلل سكان الارض ، حتى الملحد لا يلحد وهو واثق من إلحاده مئة بالمئة ، إنه يؤمن ، فالعقل والعلم لا يستطيعان ان يثبتا له قطعيا انه لا يوجد اله ، مثلما يعجزان عن اثبات ذلك قطعيا للمؤمن بالاله ، و ضربة الترجيح اذن هي الايمان ، ايمان بالالحاد او ايمان بوجود اله . اذن الجميع مؤمن ، حتى من لا يؤمن ، فالايمان قـَدَرُ الإنسان على الارض ، لكن الإيمان بالخير و برب الخير اجمل واسعد واقرب للمنطق ولا يتعارض معه ابدا ، بينما عدم الايمان به يتصادم مع العقل ومع الفطرة ، ودليل التصادم هو انتاج الكآبة .

التخلص من الشكوك نهائيا عن طريق العقل لم يكن للانبياء حتى يكون لنا .. لابد ان نتعايش مع شكوكنا و نسير و نتصرف بموجب ايماننا لا بشكوكنا السلبية ، و اعلم ان الشكوك لن تزول عن مؤمن مثلما انها لن تزول عن ملحد بوجود اله .. 

هناك حالة وحيدة تشبه اليقين ، يحصل عليها الانسان اذا أسلم نفسه لله بالكامل ووظفها له حسب ما يريد مولاه ، لاحسب ما يحدد هو لمولاه من طقوس معينة يؤديها ويهمل بقية الطلبات .. انها حالة القرب من الله ، إنها شعور غامر بالثقة تجعل العقل يحتار نفسه ولا يستطيع ان يدركها . انها استجابة الله لطلباتنا، لكن ليس كما نحددها حرفيا، بل ربما اعطانا افضل مما طلبنا، لأننا لا نستطيع تحديد مصلحتنا بدقة ابدا ..

إذا وصل اليها الانسان يبدأ ضعف تأثير الشكوك والوساوس عليه ، و يرد عليها بكلمة تخرج من أعماقه هي : لقد عرفت الله بنفسي ! و تواصلت معه ، فماذا ستفعل الشكوك بعد ان عرفت الله بنفسي؟ كيف أتأثر بكلام الملحدين بعد ان عرفت الله بنفسي؟ "بنفسي" أي بأعماقي وليس بحواسي، لأن العقل مرتبط بالحواس، وما العقل الا خادم للاحساس الفطري ، اذن لننطلق من الاساس ، الذي يعرف ، و هو احساسنا وليس عقلنا..

إحساسك يقول لك ان الله موجود، اذن اقترب منه اكثر حتى تتأكد .. كلما احببته وناجيته وسلمت نفسك له كلما اقترب منك ، و الله لا يخلف وعده ، اذن عبارة "لن يفعل لنا الخير بالضرورة" ليست دقيقة، لان من اقترب منه فعل له الخير بالضرورة ، وانا اشهد بذلك،  فقد كنت أمر في مثل حالتك تماما وكانت الشكوك تقصفني وتضربني كماتفعل النيازك بالقمر، بعد أن اسلمت نفسي لله تغيرت حياتي ولا ادري كيف تغيرت ، كنت اعرف نفسي انسانا متشككا و كئيبا ، الان اصبحت انسان اخر مليء بالثقة والتفاؤل والسلام الداخلي ، من اين جاء ؟ كيف جاء ؟ لست ادري! كل ما أدريه انني اسلمت نفسي و وجهت وجهي اليه في يوم من الايام و نويت ألا افعل الشر في عينه، رغم اخطائي الكثيرة الا ان كرم ربي تجاوزها ..

ادعوك لتجربة معرفة الله عن طريق الإيمان، المبني على المغامرة .. جرّبتُ ان أسعد نفسي بنفسي ولم أسعد، وجربت ان أفهم من خلال العقل وحده ولم أستطع ولن نستطيع ولا يستطيع اي احد من البشر ان يعطي رأيا قطعيا.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق