الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

رد على عبدالعزيز @_AIA_ في تويتر حول الروح ..



عبدالعزيز :


لدي ملاحظة على أن الانسان نفخ الله فيه من روحه لا تعني نسبة الروح إلى ذاته كجزء منه ولكنها نسبة تشريف مثل رزقه وأرضه لأنها مخلوقة

الرد :

الله قادر على كل شيء ، والنص واضح ، و روحه ليست مثل ارضه ورزقه كي نعاملها بدرجة واحدة .. و اذا كان تشريفا ، فلماذا لا يكون حقيقة ، لا تشريفا مزيفا ؟ وكيف يقول الله (ونفخت فيه من روحي) و هو لم ينفخ فيه من روحه بحجة أن الروح مخلوقة ؟ و الله يخلق كما يشاء ، من روحه او من غير روحه ، فكيف نحظر على الله و هو فعال لما يريد ؟ أنه لا يمكن ان يخلق وهو فيه منه ؟ و نحن لا نملك دليلا على ذلك ؟ بينما النص واضح امامنا ! والمنطق يدل على ذلك كما بينت في الموضوع ، لانه مشترك ، ولهذا نعرف الله من خلال هذه الروح بالفطرة ، و يؤيده دعوة الملائكة السجود لآدم تشريفا لهذه الروح ، لأنه ربط سجودهم بالنفخ مباشرة ، قال تعالى (فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ، والفاء تفيد الترتيب والتعقيب .

روح الإنسان منفوخة و ليست مخلوقة ، كما قال القرآن .. مثلما فعل جبريل مع مريم حين نفخ في جيبها ، و لم يخلق جبريل روح جنينها بأمر ربه . و ربما لهذا سمي جبريل بروح القدس .. قال تعالى ( تتنزل الملائكة والروح فيها) ، مما يشير والله اعلم إلى اختلاف جبريل عن بقية الملائكة بحمل الروح .. أو أنه منفوخ فيه من روح الله .. هذا اجتهاد ، والله اعلم .. 

===========تحديث 1 =================



أنت ممتع و أستفيد منك كثيرا و إن اختلفت معك في جزيئات لا تفسد التوافق الكبير فيما تطرح. إشكالية الروح أنها من أمر الله و أنها لا يمكن إلا أن تكون مخلوقة خلقا لا تدركه عقولنا في ماهيتها و إن كنا ندرك آثارها بعقولنا. لأن الله مستو على عرشه بائن من خلقه :)


الرد :

هناك فرق بين الحلول الالهي و بين البينونة الكاملة .. الله قرر ان يخلق شيئا ما ، ثم خلقه ، يعني هذا ان هذه الارادة كانت عند الله في ذاته ثم حققها : (انما امره اذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (فعال لما يريد) ، الإرادة تسبق الحدوث ، و الحادث توجد فيه الإرادة كسبب لوجوده ، و ما لا يقوم الشيء الا به ، هو داخل فيه و له علاقة به ..

اذا فصلنا فصلا تاما بين الله ومخلوقاته ، لا يكون هذا الفصل منطقيا .. لأن الإرادة والفكرة كانت عند الله ، فهل ارادته منفصلة عنه ؟ طبعا لا ، اذن ارادته تحققت ، اي ان هذا المخلوق فيه شيء يتعلق بالله و موجود في الله .. وكما قال تعالى (اني جاعل في الارض خليفة) ..

التطرف في رفض فكرة الحلول يجب الا يقودنا الى تجريد الله من مخلوقاته و كأنه لا يوجد اي مشترك ، لأن هذا يؤثر على فهم ارتباط المخلوقات بالخالق .. وهذا ينصبّ في صالح فكرة الكون المغلق التي ينادي بها اللادينيون ، والتي تقول بعدم تدخل الله في خلقه .. لاحظ الايات تشير الى ان علمنا من الله ، و رزقنا من الله ، وهذه حقائق وليست تشريفات ، وعلم الله منه ، و ليس منفصلا عنه .. قال تعالى (الذي علم بالقلم) (وعلم آدم الاسماء كلها) ، (والله يحول بين المرء وقلبه) (وهو الذي يكلؤكم بالليل والنهار) ، (وآتموهم من مال الله الذي آتاكم) ..

المهندس الذي بنى العمارة ، كانت العمارة فكرة في رأسه ، فتحققت على الواقع ، ومع ذلك ليست العمارة هي المهندس ، و لا نقول انه لا يوجد اي علاقة بين ذات المهندس و بين العمارة ، لأنها كانت فكرة عنده ، و الفكرة جزء منه .. فإذا تطرفنا في رفض الحلول ، وقعنا في الكون المغلق .. و فصل اي علاقة بيننا و بين خالقنا يتفق مع الطرح اللاديني الذي يقول ان الله لا يعرفنا ولا نعرفه ولا يحس بنا ولا نحس به ، ولا نستطيع ان نفهمه ، وانه خلق الكون ونظّمه و ادار له ظهره ..

وهذا لا يتفق مع الطرح القرآني الذي يشير الى الوشائج القوية و المشتركة بين الخالق ومخلوقاته ، وهذا سر طمانينة المؤمن اصلا : إحساسه بان ربه يعرفه وانه يعرف ربه من خلال المشترك بينهما .. فلا يصح ان نعرف المخلوقات اكثر من معرفتنا للخالق ، لأننا محتاجين لله اكثر من المخلوقات ..

الله واعي ، وهو الذي خلق لنا الوعي ، و الوعي خاص به (الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) ، وإلا لكان هناك آلهة معه .. فوعينا وعلمنا من علم الله و وعيه ، لأن الله هو الاول : (ويعلمكم الله) ، (والله يعلم وانتم لا تعلمون) اي من علمه ، وهو الحي الذي يحيي و يميت ، (وآتيناه من لدنّا علما) ، ولم يقل من مخلوقاتنا علما ..

وهكذا يرتاح المؤمن الى ان العلم واحد في هذا الكون ، و المنطق واحد ، و تكون نفسه مطمئنة ، و إن كان أكثره محجوب عنا  ، لكن علمنا وعقلنا حقيقة ، لانه من خالق الكون ، و كذلك احساسنا ومنطقنا .. فالله لم ينسب الروح فقط اليه ، بل حتى العلم والعقل والاخلاق ، كمشترك بيننا و بين خالق الكون ، و هذا قمة الراحة والتشريف والمعرفة ..

أن تشعر أن منطقك السليم يشاركك فيه الله و أخلاقك يشاركك فيها اله الكون ، هذا يريحك ويجعل نفسك تطمئن ، افضل من ان لا تعرف اي شيء عن خالق هذا الكون ولا عن اخلاقه و صفاته ، و بالتالي تتخبط في التعامل معه .. و كلما زادت المعرفة كلما حسن التعامل بالنسبة لمن اراد ان يرضي ربه .. وهذا افضل من افتراض ان لله صفات واخلاق لا تحسها في داخلك ولا تلتقي بها معه ، بحجة انه خالق كل شيء ..

نعم هو خالق كل شيء ، و مودع كل شيء .. فهو الذي أودع في الانسان من روحه و من صفاته المعنوية ، رحمة في الانسان ، حتى يعرفه بالاحساس و يعرف ما يرضيه ، و لتقوم الحجة على الانسان اذا كفر بذلك الاحساس ..

و لهذا نحن لا نستطيع ان نعرف ما هي روحنا ولا ما هو شعورنا ، فما تزال و ستستمر غيبا عنا ..

و ان كنت لا تعرف اي شيء آخر غير هذا عنه سبحانه فهذا يكفيك ، لانك لا تعرف اي شيء آخر عن الانسان الآخر الا اشتراكك معه في المنطق و الاحساس الانساني .. لهذا سمى الله الخير معروفا ، لان الناس تعرفه وتتعارف عليه ، و الشر منكرا لان الناس تنكره ولا تتفق عليه .. اذن الله معروف لدينا من المعروف ..

ولهذا يبحث عن الله الصادقون ومحبو الخير ومحبو المعرفة الحقيقية .. ولايبحث عنه محبو الدنيا وحدها والعاجلة والسيطرة .. فالقرآن جاء لقوم يعقلون و للمتقين ولمن لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا ليهديهم الى طريق ربهم .. لأنهم هم من يستحقون الهداية و بحثوا عنه ..     

 والله لم يخلق علما ليعلـّمنا به ! ولو كان خلق علماً ليعلـّمنا به لشعرنا بالوحشة ، اذ كيف اذن ينظر الله لنا ، ما دام ان هذا العلم والمنطق والاخلاق خلقها لنا ؟ سنكون حينها لا نعرفه ، بل نعرف علمه الذي خلقه لنا ! اما هو فلا نعرفه ! و ستكون معرفتنا بعلمه مثل معرفتنا بالمادة والطاقة ، اذ نعرف ظواهرها بعقولنا ولا نعرفها بإحساسنا !!

لو اتبعنا هذه الفكرة لاصبح الاله عبارة عن قوانين و مادة كالطرح اللاديني .. نعم هو بائن عن مخلوقاته و مستو على عرشه و ليس كمثله شيء في كينونته ، لكنه ليس بائنا عنا ، فهو معنا ! هو معنا بإحساسنا و يعرف ما بدواخلنا ، ونحن لا نعرف ما بداخله ، لكن نعرف ماذا يحب وماذا يكره ، و لهذا قال تعالى (ونفخت فيه من روحي) اي نفخ الله في آدم من روحه ، وهي الفطرة ، و لهذا استحق ان يكون خليفة لله .. لأنه يستطيع ان يعرف ماذا يريد الله ، و الخليفة يعرف ماذا يريد من استخلفه في خلافته .. فإذا عدّل الإنسان رضي الله ، وإذا اقام الحق ولم يتكبر رضي عنه ربه ، وهكذا .. اي لو حكم الله لأقام العدل والأخلاق والميزان الخ ، وهذا ما سيكون في يوم الحكم و الفصل ، يوم القيامة  .. و لهذا أناط بالإنسان دور الخلافة و الامانة التي اشفقت من حملها السموات والارض والجبال ..

انا و أنت قد نستطيع ان نعرف بعضنا من خلال المشترك ، وهو الفطرة او الشعور الموحد بين البشر ، وما نتج عنه من عقل ، لكن لا انا ولا انت نعرف ماذا تريد الشجرة او الصخرة او ما يدور في نفس الحشرة ، الا من بعض الظواهر ، فالكائنات الحية نعرفها اكثر من الجمادات ، و نعرف الانسان اكثر من الحيوان ، لماذا اكثر شيء نستطيع ان نتفاهم معه هو الإنسان ؟ هذا بسبب وحدة الشعور ، اذن منطقيا ينبغي ان يكون بيننا و بين خالقنا مثل هذا الارتباط الذي يحتاجه الفهم ولا يتم بدونه ..

و يدل على ذلك اسماء الله الحسنى ، فهي امور نعرفها بإحساسنا ، وهي انبل شيء نريد ان نكونه ، و هي صفات الله واسماؤه .. أفضل انسان هو من يكون رحيما وكريما وعزيزا وشكورا و ودودا ولطيفا وحكيما وعفوا غفورا و عالما الخ .. الا يكفي هذا المشترك ؟ وبالتالي هل خلق الله هذه الصفات لنا ، بينما هو لا يتصف بها ؟ في حين انه يصف بها نفسه في القرآن ؟

(إن ربي لعلى صراط مستقيم ) (قل آمنت بالله ثم استقم) كما في الحديث .. الاستقامة هي طريق الله ، ومن يستقيم وضع قدمه على طريق الله .. ولن تعرف الله ولن ترضيه بدون استقامة ، والاستقامة ليست بالامر المختلف فيه ، بل الجميع يحسه ويعرفه بداخله ..

والله لم يقل انني خلقتها لكم ! فصفاته ليست بائنة عنه و لا عنـّا ، اذن هي مشتركة ، عرفنا بها ربنا ، و التعامل بيننا و بينه من خلال هذا المشترك المعنوي ، من خلال الروح التي تربطنا به و تدلنا عليه سبحانه بالفطرة و تعرّفنا به .. لكننا لا نعرف اين يوجد هذا المشترك ولا كيف هيئته ولا أي شيء مادي او غير مادي آخر عنه ، لأنه غيبٌ عن حواسنا .. وهذا مايجعل المؤمن يدعو ربه وهو يعرفه ، ويعرف رحمته ، ويعمل الاعمال الطيبة و يفرح بأن يقدمها له ، اذن هو يعرفه . ومن هنا نحبه ، ولا يمكننا ان نحب شيئا لا نعرفه ، فالمرء ليس يحب حتى يفهما ، لكننا لا ندركه ، و سبحانه يدرك الابصار و لا تدركه الابصار .. قال موسى : (وعجلت اليك رب لترضى) ، انه يعرف ربه و يعرف ما يرضيه ، وان كان لم يره ، و ربه يعرفه ..

اذن المعرفة بين طرفين هي مشتركٌ موجود بين الطرفين ، وليس خاص بطرف واحد ، و الروح و الشعور من هذا المشترك بين الله والإنسان .. ولا يمكن ان تصف انسانا بأنه كريم و رحيم و ودود ، ولا تصف الله بهذه الصفات ! على اعتبار انها مخلوقة للبشر و ليست موجودة عند الله لانه بائن عن مخلوقاته !! ولا تمدح شخصا بأنه كريم وانت لا تعرف ما هو الكرم ولا تحبه ..

ولماذا اللف والدوران بينما النص يذكر ذلك بصراحة : (ونفخت فيه من روحي) ؟ هل هذا لاجل ان نمرر فكرتنا بأن الله بائن تماما عن مخلوقاته و ليس بيننا وبينه اي علاقة ؟ هذا يوقعنا بأفكار اللادينية التي تجهل الخالق جهلا كاملا وترى انه لا يمكن ولا يجب ان يُعرف عنه اي شيء ! وبالتالي لا توجد اي وشيجة و صلة يلجأ إليها من يؤمن به طلبا لرضاه او حبا فيه ، لأن الحب والرحمة والكرم صفات بشرية كما يقولون ، ولا تنطبق على خالق الكون لأنها موجودة في البشر .. فكيف يحبه و قد خلق الحب له ؟ و بالتالي يكون الله غير متصف بهذه الصفة ؟

فكرة البون الكامل تعطـّل صفات الله و اسماءه في أكثرها .. لأنها تجعل هذه الصفات التي نعرفها لا يتصف بها الخالق و ليست من صفاته ، بل خلقها لنا و طالبنا بفعلها لأنها موجودة عندنا ، اقصد مثل البر و الرحمة والكرم والغفران وما شابهها من المشتركات ، باستثناء الاول والآخر والمتكبر والمنان وما شابهها ، فهي صفات غير مشتركة مع الله و لا تليق بالمخلوق و تليق بالخالق وحده .. و لهذا بعضهم يتحرج من تسمية شخص بعزيز او كريم او رحيم .. على اعتبار انها صفات الخالق ، ناسين نسبية الفكرة ، وأن هذه الصفات مشتركة والله طلبنا ان نتصف بها .. وكلٌ على قدره بين الخالق والمخلوق ..

و اذا كانت هذه الصفات من صفاته فلا تشير الى انفصال و بينونة كاملة عن المخلوقات .. و هذا لا يعني ان الله جزء منـّا وبعضه يحلّ فينا ، كالطرح الصوفي او الاسبينوزي اليهودي المبني على فكرة ابناء الله و احبائه ، لكن يشير الى المشترك المعنوي ، والذي هو مجهول اصلا للعقل ، و ان كان يدركه الاحساس .. فالإحساس بالجمال لا يفهمه العقل ، لكن يفهمه الشعور .. قف امام الوردة وافحصها بعقلك : لم هي جميلة ؟ لن تجد جوابا شافيا خصوصا عندما تفككها و تفقدها جمالها ، فإذا اردت ان تعرف لماذا هي جميلة ، وجدت انك افقدتها جمالها وبعثرتها على الارض .. قف امام زهرتين ، ستجد احداهما اجمل ، و سيصعب السؤال على العقل ، وهكذا .

اذن نحن نعرف الله ولا نعرفه .. ولا يعتبر هذا تناقضا ، مثلما اننا نعرف انفسنا ولا نعرفها .. فنحن نعرف من خلال الشعور ، ولكننا لا نعرف الشعور كـَماهيّة .. ولا نستطيع تفسير شعورنا بعقولنا ، مما يدل على ان تلك المعرفة الشعورية منحة من الله أنتجت لنا العقل .. قال تعالى (علم الانسان ما لم يعلم) ، و كذلك لا نعرف العقل ، لأنه قادم من مجهول ، وهو الشعور ..

ان هذا الفهم يجعلك تحس ان الله معك و انه يعرفك و تعرفه ، و لولا صفاته الجميلة لما احبه البشر ، ولما بحثوا عنه .. هو يحب هذه الصفات و يحبها فينا ، ونحن نحبها فيه و فينا .. اذن هي من الله ..

نحن لا نحب الله لانه خلق الصفات الحسنى (القيمة) ، بل نحبه لاتـّصافه بهذه القيمة .. ولهذا نطلبه الرحمة لانه رحيم وليس خالق للرحمة .. اذن نعرفه مثلما نعرف الشخص الرحيم ، و لله المثل الاعلى .. اذن صرنا نعرفه ، و لهذا نلجأ إليه ..

وفكرة انه خلق الصفات والاخلاق والقيم لنا ، تجعله بعيدا عنا ، بينما الله يقول انه قريب و معنا اينما كنا ، و سميع وبصير لنا (ادعوني استجب لكم) .. وكيف يكون قريبا منا و نحن لا نعرف اي شيء عنه ؟ فالجهل يسبب بعدا و خوفا ، بينما بذكر الله تطمئن القلوب .. لأنها تعرف عدله و رحمته واستجابته ..

 وهذه فائدة تعريف الله لنا بصفاته ، فمن خلالها نكون خلفاء لله في ارضه .. (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) ، أي اي اسم حسن ، وليس شرطا ما حُدد فقط ، (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) ، فالخيّر والفاضل والعادل لم تعدّ من ضمن الاسماء الحسنى ، فهل نجرده منها وهو متصف بها ؟ واذا نفينا انه متصفٌ بها اضررنا بعقيدتنا ، وإذا توقفنا لم يكن في هذا التوقف ثناء على الله ، بل انتقاصٌ لقدره ، اذ تقول لا اعلم هل هو فاضل ام لا ، او هل هو عادل ام لا ..

حتى في واقع الناس لا تكون أكملت اعجابك بأحد ما لم تصبغ عليه كل الصفات الحسنة .. و اذا قلت عن ذلك الشخص انه طيب و كريم ، ولكن لا اترف ان كان متسامحا وشكورا ام لا ، فقد انتقصت منه ، فإذا كان هذا لا يليق مع بشر ممدوح ، فكيف يليق مع الله ؟ مع ان كل الصفات الحسنة لا تـُخرجنا من نطاق (وما قدروا الله حق قدره) .. وهذه الملاحظة تجعلنا نعيد النظر بفكرة "التقيد فقط بما ورد" .. لانك اذا تقيدت بما ورد فقط عن صفات الله ، و نفيت ما لم يرد من الصفات الحسنة ، يكون في هذا اقلالٌ لقدره ، سبحانه عن ذلك الانتقاص ، كما بيّن المثال السابق .. ومن هنا نعرف ان العقل يجب ان يرافق النقل ولا يبتعد عنه ، و الا لتضرر الدين مثلما تضرر تقديرنا لله ..

و النقل يحث على اعمال العقل ، فايقاف العقل مخالفة للنقل .. قال تعالى (لاولي الالباب) (لقوم يعقلون) ، لأن العقل جهاز عامل و منتج للافكار ، والله امتدحه في المؤمنين ، و العقل لا يعني التوقف بل الانطلاق والاجتهاد ، والا لكان تقيدا وتزمتا و بعدا عن التفكير ، والله يعرف هذه الصفة في العقل عندما امتدحه ..

فالاية تقول (له الاسماء الحسنى) أي اي اسم حسن تتفق البشرية على حسنه و تدرك جماله .. و هذه الآية نقل .. فاذا تقيدنا بما ورد من صفات الله ، سوف يسألنا احد : هل من صفات ربنا أنه عادل او محب أو وفي ؟ هل نصفه بذلك وهو لم يرد ؟ ماذا سنقول ؟ ان قلنا انه محب وعادل ، فقد زدنا في صفاته المذكورة .. و ان قلنا ليست من صفاته ، فقد نطقنا سوءا وشاركنا الكفار في كلامهم عن الله ، وان قلنا لا ندري اهو عادل ومحب و وفي ام لا ، فقد انتقصنا من قدره .. و كأنه لا يستحق كل الصفات الحسنى ، و لهذا قال تعالى (ولله الاسماء الحسنى) أي كلها ، ما ذكر منها وما لم يذكر ..     

و القرآن يوضح بعض هذه الصفات ببعض .. فإذا قال الله (ولا يظلم ربك أحداً) اصبح من اللائق ان تقول ان الله عادل ، و إن لم تـُذكر من التسعة والتسعين ..

وقال تعالى (و حنانا من لدنـّا) فهل لا يليق ان نصف الله بالحنـون لأنها لم تـُعدّ بالتسع و التسعين ؟ والماكر بالماكرين ، و خير الماكرين وشديد العقاب و ذي الطول من صفات الله ، طبعا لمن يستحقون ذلك .. لا يحق لنا ان نجرده منها ، خصوصا وقد ذكرها نصا .. و إلا فكيف نعرف الله اذا نقص عدد صفاته و حـُددت برقم محدد ؟ كلما عرفت صفات احد كلما عرفته اكثر وكلما احببته اكثر وتجنبت ما لا يرضيه ، .. ومن مصلحتنا اذن معرفة صفات الله اكثر مما عدده العلماء ، طبعا استنباطا من كتابه الكريم والمنطق والخلق السليم ..

ولا تعرف احدا تمام المعرفة حتى تعرف تمام الاخلاق فيه ، و الله احق ، لأنه في الوضع المثالي في كل موضوع ، فكيف نتوقف و نقلل من مثاليته ؟ وكيف نثق به ونحن لا نعرف أيليق ان نسميه بالوفيّ ام لا ..

الاسماء والصفات الحسنى تعني الوضع المثالي الذي لا يوجد ما هو افضل منه ..   

صفات الله من الروح المشتركة عندما نفخ الله في آدم ونسله و في عيسى .. فالله نفخ في آدم وفي عيسى ، و هما الوحيدان اللذان وجدا من دون تزاوج ، ليؤكد أن روح الانسان من روح الله .. 

=============== تحديث 2 =============



عبد العزيز :

اتفق معك ولم اختلف الا في امر الروح . لانها اجماع اهل العلم على انها مخلوقة لانها من امر الله . والامر لا يكون الا مخلوقا ..

الرد :

وهل الامر لا يكون الا مخلوقا فقط ؟ وهل أمر الخلق مخلوق ؟ وإذا امر الله امرا ، فهل امره مخلوق ؟ إذن ليس الامر من الخلق .. الأمر متصل بصاحبه ؛ بدليل قوله تعالى (الا له الخلق والأمر) ، مما يعني اختلاف الخلق عن الأمر .. هذا رد القرآن وليس ردي ، أن الأمر مختلف عن الخلق ..

هناك 4 تعليقات :

  1. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    ابداع والله اجمل ابداع بشري تم كتابته بشعور الانسان المبدع ( الوراق ) .. والله كلام يدمع العين يا وراق من معناه الجميل النابع من محبتك لله
    الله يجزاك بالحسنات والخير طالما روحك فيك يا وراق .. الله يجعل منزلتك الفردوس الاعلى يا مبدع .. والله مو عارف ايش اعبر لك يا استاذي العزيز الوراق
    والله يا اخي العزيز الوراق انك بكلامك تحاكي مشاعر ما اعرف ايش اوصفها

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا اخي العزيز هيثم اتمنى ان تكون في تمام الصحة و العافية .. انا اخوك محسن تلميذ الورّاق من الكويت ، لا اخفيك انني عند قراءة رسالتك الاولى للاستاذ الورّاق شعرت بأني انا من كتب هذه الرسالة وليس انت ، غريب هذا التشابه في شعور الحيرة والجميل هو دقة ترجمتك لتلك المشاعر الحائرة في تلك الفترة ، الآن وفي هذه الفترة انت محور حديثنا تقريباً وكلنا شوق للتقرب والتعرف عليك ، اتمنى لو كان بإستطاعتنا التواصل معك اكثر فنحن بحاجة لك وامثالك الباحثين عن الحقيقة واصحاب العقول المتحيزة للحق ولا شيء غير الحق .. تشرفت بمعرفتك وانا طامع ايضاً بمعرفتك اكثر واكثر استاذ هيثم .. تحياتي لروحك العذبة .

      حذف
    2. مرحبا بك عزيزي هيثم ..
      كل عام وانت بخير عزيزي ..
      اتشرف عزيزي كثيرا بصداقتك ومعرفتك .. انا الرحباني من تلاميذ الاستاذ الوراق ، ويسرني ان أكون على تواصل معك لأنك شخص حقيقة يشرفني جدا جدا التواصل معك ، وقد اثنى عليك الاستاذ الوراق ثناء جميلا لدرجة انني وبقية التلاميذ طامعين في معرفتك والتشرف بك .. اتمنى لك كل خير وسعادة ..
      تحياتي .. وكل عام وانت بخير مرة اخرى ..

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف